قصص و روايات - نوفيلا :

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة جميع الفصول

رواية نجمة في سمائي للكاتبة شاهندة الفصل الخامس

وجع بالقلب يؤلمني..يشعرني بضيق الأنفاس
فأنا مجبور أن أرحل..مبتعدا عن كل الناس
الذنب يدمر أوردتي، يستوحش كالوسواس
أخشى يوما أن أستسلم، أو أصبح دون الإحساس
قد أجرح او أقتل قلبا يلمع مثل الألماس
أخشى نفسا مظلمة تائهة بين الأقواس
تجبرنى حقا أن أرحل، و أن أغلق كل حواس
فالوحدة ملاذا قد تغدو.. تترك روحي.. دون مساس.

تأمل( يحيي) تلك الصورة التى يحملها، تسللت دمعة منه إلى تلك الصورة، فمد يده يمسحها، وهو يمرر يده على ملامح صاحبتها الضاحكة.
ضحكتها تشرق كالشمس وتنير نهاره، وعيونها تلمع كالنجمة فتنير عتمة ليله، شمسه هي أو نجمته لا فرق، المهم أنها كانت تشرق حياته بالضياء، تمنحه السعادة والأمل وتوقظ لديه الرغبة فى أن يعيش الحياة كما يحلو له.

أطلت صورة فتاة أخرى فى عقله، فهز رأسه ينفضها بعنف، يعلم أنها تتسلل إلى وجدانه، تأخذ مكان فتاته فى قلبه وهذا مالن يسمح به أبدا..

فبالرغم أنها أشرقت حياته مجددا وأنارت عتمة تلك الحياة، ورغم أنها منحته الأمل وأيقظت لديه الرغبة فى الحياة مجددا، ورغم أنها تشبه الشمس فى نهاره والنجمة فى ليله، تأخذ بيده إلى عالم يختلف عن هذا العالم البائس الذى يعيش فيه، تلون أيامه بألوان الحياة بعد أن كانت أيامه تحمل لونا رماديا فحسب، إلا أنها تظل رغم كل ذلك، فتاة أخرى..وليست هي...ليست (ياسمين )خاصته.

إنتفض على صوت عمه الذى إقترب منه ووقف خلفه تماما قائلا:
-إنسى بقى ياإبني، إنسى عشان تقدر تعيش.
وضع (يحيي)الصورة فى جيبه وهو يتنهد قائلا:
-إزاي بس تنسى روح سكنت روحك؟
أدار عجلات كرسيه ليواجه عمه مستطردا:
-لما بتغيب الشمس بياخد مكانها القمر، ولما بيغيب الشتا بييجى مكانه الربيع، لكن حبيبتي اللى غابت..

تنهد مردفا:
-نجمتي اللى كانت منورة سمايا لما غابت، غابت معاها كل حاجة حلوة فى حياتى، أحلامى كلها إختصارها كان إسمها هي وبس، ضحكتها كانت بتسعدني، وهمسها بيطربني، أيامى معاها كانت بتهون قسوة أيامي، أنا محستش بالحب غير لما حبيتها، محسيتش إنى قبلها مكنتش عايش غير لما قابلتها وساعتها بس حسيت بالحياة، اللى زي ياسمين ياعمي، مبيتنسيش ولو عشت عمرى كله، ذكرياتى معاها تكفيني.

ربت عمه على كتفه قائلا:
-معاك حق ياإبني..معاك حق.
تأمل(عزام)ملامح (يحيي)قبل أن يقول بهدوء:
-طب إيه أخبارك دلوقت مع (ميار)، أنا شايف إنها أحرزت معاك تقدم ملحوظ، وده أكيد شيئ يسعدنى.

أومأ (يحيي)برأسه قائلا:
-آه فعلا، ميار دكتورة شاطرة.
تفحص (عزام)ملامح (يحيي)بتمعن قائلا:
-دكتورة شاطرة بس؟!!

شعر (يحيي)ببعض الإضطراب، ولكنه تمالك نفسه وهو يعقد حاجبيه قائلا:
-قصدك إيه ياعمى؟
قال(عزام)بلهجة موحية:
-قصدى يعنى إنها حلوة وباين عليها بنت ناس و...

قاطعه (يحيي)قائلا بحزم:
-كل ده ميهمنيش فى حاجة، أهم حاجة عندى إنها تكون دكتورة شاطرة وبس، تخليني أمشى على رجلية عشان أقدر أزور قبر حبيبتي اللى ماتت وننقل شغلنا فى بلدها، كل اللى يهمنى إنى أكون كويس وبس عشان أقدر أكون جنب ياسمين.

رغم شعور (عزام)ببعض الإرتياح بالنصف الأول من كلام (يحيي)، إلا أن النصف الثاني من كلامه أقلقه، هل سيبيع يحيي كل شيئ ويرحل إلى المنصورة دون أن يخبره؟ والأدهى من ذلك هو أن قراره ذاك لم يستشره فيه، وتلك هي المرة الاولى التى يفعلها، قرر هكذا وحسب.

وماذا عن أوروبا؟هل انتهى الأمر؟!!!!

حسنا، لا يهم كل هذا الآن، فلديه أشياء أهم ليفكر فيها، لذا فقد أظهر هذا المستند فى يده، يناوله ل(يحيي) قائلا:
-بمناسبة الشغل، فيه ورق مهم محتاج إمضتك.
أخذه (يحيي)قائلا:
-هراجعه وأمضيه وأبعتهولك.
قال (عزام)بعتاب:
-لسة مش واثق فية وبتراجع ورايا يايحيي؟

قال (يحيي)على الفور:
-لأ طبعا ياعمى، انت عارف إن ثقتى فيك من غير حدود، أنا بس ماشى بوصية والدى الله يرحمه، كان دايما يقول"رجل الأعمال اللى ميراجعش اي ورقة كويس قبل مايمضيها، مع الأيام هيمضى على ورقة تضيعه ويضيع معاها سنين عمره اللى شقى فيها".

إبتسم (عزام)قائلا:
-الله يرحمه، طيب هسيبك دلوقتى تراجع الورق وأروح أشوف فوزية طابخالنا إيه، مكلتش حاجة من الصبح وعصافير بطني بتصوصو.
قال (يحيي)بإبتسامة:
-بالهنا والشفا ياعمى.

ربت (عزام)على كتف (يحيي)قبل أن يبتعد مغادرا الحجرة، أمسك (يحيي)الأوراق بيد، بينما باليد الأخرى حرك كرسيه بإتجاه المكتب ليبدأ مراجعة الأوراق، علها تشغل باله عن أفكاره ومشاعره المتصارعة.

قالت (ميار)فى حماس:
-برافو يايحيي، كمل..كمل للآخر.
قال (يحيي) بملامح منهكة، شابها الحزن وهو يستند على تلك المشاية المعدنية:
-مبقتش قادر ياميار، تعبت، الظاهر إنى ضعيف بجد، والظاهر إن حبى ليها مش كفاية عشان يخلينى أقدر أكمل.

قالت له بقوة:
-إنت مش ضعيف، إنت جواك قوة كبيرة تخليك تقدر تحقق أحلامك يايحيي، قوة تخليك تتحدى المستحيل، قوة خليتك تثبت لوالدك إنك أد ثقته فيك لما كتبلك كل حاجة بإسمك، وخلاك رئيس مجلس الإدارة بدل عمك.

عقد(يحيي )حاجبيه قائلا:
-إنتى عرفتى الكلام ده منين؟

شعرت(ميار)بالإضطراب ولكنها تمالكت نفسها قائلة:
-قلتلك قبل كدة، أنا لية مصادرى اللى هكشفلك كل حاجة عنها فى وقتها، لكن دلوقتى هنكمل جلستنا، لازم تمشى يايحيي، لازم ترجع لحياتك وترجع كل حاجة لمكانها الصح.

تأملها( يحيي )قائلا:
-أيوة بس...

قاطعته قائلة بحزم:
-مفيش بس، كمل يايحيي واوصل لية، لو مش عشان عمك يبقى عشان حبيبتك، حبيبتك اللى أكيد مكنتش تتمنى تشوفك بالشكل ده، حبيبتك اللى أكيد لو كانت عايشة كان مشيك على رجليك من تانى هيكون أغلى أمانيها.

تأمل (يحيي)ملامحها للحظات قبل أن يظهر على وجهه العزم وهو يكمل طريقه مشيا بإستخدام المشاية المعدنية، حتى وصل إليها، ليستند على يديها بدلا من المشاية، تهلل فرحا ويشاركها هو...فرحتها تلك.

كان يجلس فى شرفة حجرته يطالع تلك النجمة التى تلمع فى السماء، يناجي محبوبته كعادته كل يوم

ملهمتي..حبيبتي..يانجمة فى سمائي
يا من أنرتى حياتي وبددتى ظلمائي
عودى إلي، أنيرى دربي وأشعلى ضيائي
فهواكى يسرى فى شراييني ويجرى فى دمائي
ودونك أموت رويدا رويدا، ليكون المصير فنائي

تنهد لينتفض فجأة على يد ناعمة رقيقة توضع على عينيه، وهمس غير واضح يدوى فى أذنه قائلا:
-أنا مين؟!
عقد حاجبيه قائلا:
-ميار.

رفعت تلك اليد عن وجهه وصاحبتها تصمت فإلتفت ليراها، فتراجع مصدوما وقد تجسدت نجمته أمامه، تطالعه بشوق، تأمل ملامحها بعشق إمتزج بالدهشة وهو يقول:
-ياسمين !

إبتسمت وهي تومئ برأسها قائلة:
-وحشتني يايحيي.
قال بصوت اهتزت نبراته شوقا:
-إنتى وحشتينى أكتر ياقلب يحيي.

فتح ذراعيه مستطردا:
-تعالى فى حضني خلينى أتأكد إنى مبحلمش وإنك حقيقة أدامى، تعالى فى حضني وخليني أعيش من تاني.
إندفعت إلى حضنه ليضمها بقوة، يغمض عيناه وهو يستنشق رائحة الياسمين خاصتها، يقول بصوت متهدج:
-وحشتيني يابنت قلبى، كنتى فين المدة اللى فاتت دى كلها؟

تنهدت قائلة:
-كنت جنبك، دقيقة بدقيقة ولحظة بلحظة.
أخرجها من حضنه دون أن يخرجها من محيط ذراعيه يتأمل عينيها قائلا بحيرة:
-طب ليه خليتيهم يقولولى إنك موتى، ليه سيبتينى أتعذب العذاب ده كله ياياسمين؟

طالعته بعينين غشيتهم الدموع قائلة:
-غصب عنى والله غصب عنى.
مد يده يمسح تلك الدموع التى تساقطت على وجنتيها قائلا:
-ولا يهمك، إهدى ومتعيطيش، قلبى مبيستحملش دموعك وإنتى عارفة.

مالت تقبل يده الرابضة على وجنتها، ثم تطلعت لعيونه قائلة بحزم:
-إنت لازم تفوق يايحيي، سامعنى..لازم تفوق.
عقد حاجبيه وملامح (ياسمين) تتبدل، ليصرخ قائلا:
-ياسمين، ياسمين، ياسميييين!
ظهرت ملامح (ميار) أمامه، تردد دون توقف:
-فوق يايحيي، إنت لازم تفوق، يحيي..يايحيي.

فتح عيونه ليراها أمامه حقا، تميل عليه وتربت على كتفه وعيونها يشغلها القلق، تأملها للحظة ثم تأمل محيطه ليجد نفسه فى شرفة حجرته، لابد وأنه غفا وحلم بها كعادته، ولكن تلك المرة حلمه غريب، وليس ذكرى من الماضى كما إعتاد أن يكون سابقا، أفاق من شروده على صوتها وهي تسأله بقلق:
-إنت كويس يايحيي؟

أومأ برأسه وهو يبتلع ريقه بصعوبة قائلا:
-أيوة..كويس، متقلقيش.
إستقامت قائلة:
-أنا آسفة لو دخلت أوضتك من غير إستئذان، بس أنا كنت معدية من جنبها وسمعتك بتصرخ فإضطريت أدخل اتطمن عليك.

أومأ برأسه متفهما وهو يقول:
-شكرا لإهتمامك، الظاهر إنى نمت فى البلكونة من تعبى، هدخل دلوقتى الأوضة وأنام على سريري.
هزت رأسها قائلة:
-تحب أساعدك؟!

قال على الفور:
-لأ...
طالعته بحيرة، ليستطرد بإرتباك:
-أقصد يعنى شكرا، أنا دلوقتى بقدر أتحرك لوحدى.
إبتسمت قائلة:
-تمام، تصبح على خير يايحيي.

طالعها ملامحها الرقيقة للحظة قبل أن يقول:
-تلاقى الخير ياميار.
غادرت (ميار)يتابعها (يحيي)بعينيه، يشعر بدقاته تنتفض، يدرك من حلمه وإنتفاضة خافقه أنه لم يعد أبدا كما كان سابقا، و هذا ما يقلقه حقا.

طرقت(ميار)الباب ثم دلفت إلى الحجرة ماإن سمعت صوت (عزام)، يأمرها بالدخول، وجدته جالسا على كرسي مكتبه، يتطلع إليها بتلك النظرة الثاقبة والتى تثير الإضطراب فى نفسها، إقتربت منه قائلة:
-آفندم ياعزام بيه، حضرتك طلبتنى.

قال (عزام) وهو يلمس رقبته:
-الحقيقة يادكتورة، رقبتي واجعانى شوية ومش قادر أحركها بشكل طبيعي، قلت مفيش غيرك هيقدر يساعدنى، ممكن تشوفى هي ممكن ترجع طبيعية إزاي؟
إقتربت منه وهي تقول:
-آه طبعا..تحت أمرك.

توقفت خلفه تماما ومدت يديها إلى رقبته تدلكها برفق، بينما أغمض هو عينيه، يستمتع بلمساتها الرقيقة على رقبته، فتح عيناه وهي تقول:
-أنا شايفاها طبيعية على فكرة ومش محتاجة أي حاجة.
وجدته يسحب يدها فجأة ويقبلها بقوة قائلا:
-ده بفضل إيدك السحرية يادكتورة.

إجتاحتها مشاعر عاتية، إمتزج فيها الخوف بالقلق والغضب، خاصة وهي تحاول سحب يدها فوجدته يتمسك بها أكتر، لتقول بحدة:
-عزام بيه، سيب إيدى.
إلتفت إليها بكرسيه ليواجهها وهو يقول بنظرة شملتها كلها، نظرة أثارت إشمئزازها بالكامل وهو يقول:
-إيدك مش هدفى يادكتورة، هي بس البداية.

ترك يدها فجأة، لتمسك هي يدها بيدها الأخرى عاقدة حاجبيها وهي تقول:
-قصدك إيه؟
قال بإبتسامة أثارت القشعريرة فى جسدها:
-ولا حاجة، اتفضلى على أوضتك يادكتورة، قبل ماأغير رأيي وترجع رقبتي توجعنى من تانى.

عقدت حاجبيها وكادت أن تتفوه بكلمات جارحة ولكنها حبست كلماتها بصدرها وهي تبتعد عنه هاربة، لتتسع تلك الإبتسامة وهو يقول:
-هانت يادكتورة، أخلص بس من المشاكل اللى فى إيدى وهفضالك وساعتها مفيش حد فى الدنيا ممكن ينقذك منى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة