قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل الحادي عشر

نادت بخيتة بصوت عالى: - كسبانة.. انت فين يا بت..!؟..
اندفعت كسبانة ملبية النداء هاتفة: - انا هو يا خالتى.. خيير..!؟.. احضرلك الفطور..
دعكت بخيتة عيونها بألم منذ مرضهما الأخير: - اه.. اعمليلى أحلى فطور النهاردة.. انا چعانة جووى..
هتفت كسبانة متعجبة: - مش بعادة يا خالتى.. ايه اللى فاتح نفسك جووى كِده النهاردة..!!..

هتفت بخيتة في سعادة: - اصلك شوفته يا بت.. شوفته..!؟..
سألت كسبانة: - هو مين يا خالتى..!؟..
هتفت بخيتة: - هيكون مين يا مخبلة..!
معلوم مين .. زكريا ولدى..

همست كسبانة: - ما هو عادى يا خالتى ما انت ليلاتى بتشوفيه و تصحى باكية و هو اللى حُصل لعنيكِ دِه من شوية..!؟..
أكدت بخيتة: - لاااه.. مش زى كل نوبة يا بتى.. النوبة دى غير.. زكريا طالع باذن الله..
هتفت كسبانة في سعادة: - سى زكريا راچع على هنا..!؟..
هتفت بخيتة: - زكريا مش راچع على هنا تانى يا بتى الا لما يلاجى زكريا..

تعجبت كسبانة: - ايه الخربطة دى يا خالتى.. مين اللى يلاجى مين..!؟..
قهقهت بخيتة: - متخديش ف بالك.. اجرى ياللاه.. انا چعت..
انتفضت كسبانة مسرعة: - اهاا حاضر.. من عنايا..

تسلل ذلك الظل من احدى العطفات الضيقة بقلب الحارة بتلك الساعة المتأخرة من الليل
بعد ان أغلق المعلم خميس مقهاه و عم الهدوء ارجاء الحارة الا من نباح بعض الكلاب..
ظهر حينش في مقابلة ذاك الشبح الذى جاء يعرج على تلك القدم المصابة مستندا على
الحائط خلفه..

هتف حينش متعجلا: - عايز ايه يا طايع و سر ايه اللى انكشف ده اللى باعت تقول عليه..!؟..
هتف طايع في سخرية: - سر سكينتى و موت السمرى.. أقول كمان.. و لا كفاية كده..!؟..
هتف حينش قابضا بكفيه بتلابيب سترة طايع المهترئة: - قصدك ايه..!؟.. انطق دغرى.
همس طايع: - مراتك.. فتشت السر كله..

و هتبلغ النيابة عشان تطلع نفسها من القضية و تلبسك البدلة الحمرا.. دى حالفة لتنتقم منك على اللى عملته فيها.. و تشفى غليلها و هي شيفاك بتتطوح على حبل المشنقة..
دفع حينش بطايع في غضب و اضطراب واضح هامساً بغل: - بت ال.. هي اللى جنت على روحها.. ماااشى يا صباح..

و عاد ليمسك بعنق طايع الا ان طايع هدأه هاتفاً: - انا راجلك و خدامك.. و لو كنت عايز اسكت بعد ما سمعت اللى سمعته منها كنت سكت و مقلتلكش بس قلت لازم اقولك عشان تخلص منها قبل ما تفتح بقها.. بس انا مش طالب كتير.. يعنى كلك نظر.. تعويض بسيط عن رجلى اللى راحت بسببك انت و رجالة السمرى.. و ساعتها مش هتلاقينى في الحارة لا انا و لا بنتى..

دفعه حينش من جديد هاتفاً: - اللى انت عايزه هيجيلك بس مشفش وشك تانى هنا و الا هتكون محصل السمرى و.. بنتك..
و ابتسم ابتسامة صفراء ممجوجة مستطرداً
هتكون من نصيبى .. سامعنى..!؟؟..
اومأ طايع بالإيجاب دون ان ينطق بحرف واحد و هو يرى حينش يغادر في سرعة متخفيا قبل ان يبدأ المواظبون على صلاة الفجر في التوافد..

تعالت الهتافات و التهليلات داخل عنبر المعلم سيد و الذى استضاف العديد من المساجين من العنابر الأخرى للاحتفال بخروج سنجأ.. كان الجميع متجمعين حول تلك الوليمة التي اصر المعلم سيد كعادته على تحضيرها بمناسبة و بدون مناسبة..

بالاشتراك مع زيارة زكريا الأسبوعية الثمينة التي تأتيه من النجع بشكل منتظم لم يخلف موعده و التي دوما تكون محملة بما لذ و طاب من المأكولات و المخبوزات الصعيدية..
هتف الجميع بعد الانتهاء من القضاء على الوليمة و الاسترخاء بأسم سنجأ داعيينه للغناء و التفريح عنهم بصوته الساحر و خاصة انهم سيحرموا منه قريبا جداا..

وقف سنجأ وسطهم و بدأ التشجيع و التهليل باسمه فأبتسم و حياهم و بدأ يشدو باستمتاع كعادته: -
چدع بلا چاه مرسى الهموم چلبه
دايما يجول الآه والذنب مش ذنبه
ده انا لو شكيت وبكيت چبل الحديد هيدوب
الأوله غربتي.. والتانية المكتوب
چرحي الچديم يا غريب انا كنت راضي به
چرحي الچديد يا حكيم زود لهاليبه
يا أهل العرب والطرب العدل مين سيده
سيده ويا للعچب وطى وباس ايده.

ساد الصمت و سنجأ يغنى و يسحرهم وكأن على رؤسهم الطير.. كان يغنى و كان كل منهم يعتبر ان الكلام موجه له شخصيا حتى زكريا شعر بمعنى كل كلمة في الاغنية و كأنها تصف حاله بكل تفاصيله
و دمعت عيناه عندما تذكر بدور.. و أيامه معها و ذكرياته التي يسكنها و تسكنه..

و ما ان انتهى سنجأ حتى هتف الجميع منتشين رغبة في المزيد فظل سنجأ يشدو و يشدو حتى هتف زكريا عند انتهاء اخر أغانيه: - و الله الواحد فرحان ان انت خارچ يا سنچأ..
هتف سنجأ في سعادة: - تسلم يا صاحبى..

شاكسه زكريا على مسمع من الجميع مستطرداً: - انت فاكر ان انى فرحان عشان انت هتسيب السچن و كِده.. لاااه.. عشان احنا هنترحموا من وصلة النكد اللى بتسمعهلنا يا فجرى..
انفجر الجميع مقهقهين و اولهم المعلم سيد الذى كان هذا دوما رأيه فيما يغنيه سنجأ..
هتف سنجأ حانقاً: - بجى كِده يا هوارى..!؟

نهض زكريا متوجها اليه و طوق سنجأ محتضناً أياه في محبة رابتاً على كتفه في قوة هامساً: - تخرچ بالسلامة يا يونس.. روحة بلا رچعة..
نظر سنجأ اليه متعجباً: - يونس..!!؟.. اول مرة تنادينى باسمى مع انك تِعرفه من زمن..!؟..
همس زكريا: - عشان خلاص.. انت خارچ.. انسى سنچأ و أيامه.. و متبجاش غير يونس.. و أوعى تغيب عن اسمك تانى.. اسمك هو انت يا يونس..
اومأ يونس متفهما ليربت زكريا على كتفه و ينتحى به جانبا هامساً له: - انت هاتخرچ من هنا على النچع..

هتف يونس متعجباً: - نچع الصالح بلدكم !؟
اومأ زكريا بالإيجاب مستطرداً: - ايوه انت مينفعشى ترچع للى كنت فيه..بلاها شغل الموالد و البلطچة..انا بعت لعاصم واد عمى و جلتله عليك.. و هو عِمل اللازم و بنى لك أوضة چار دارى..و هيخليك تراعى ارضى و يديك نصيبك على كد تعبك..

اندفع يونس متأثرا يحاول تقبيل يد زكريا الذى جذبها بعيدا في ضيق هاتفاً: - وااه.. بتعمل ايه يا حزين..!؟..
هتف يونس بصوت متحشرج: - أچولك ايه يا زكريا..!؟؟.. و أرد لك چمايلك دى كلها كيف..!!؟.. و الله يا هوارى.. التلت سنين اللى فاتوا من ساعة ما وعيت لك داخل علينا العنبر و عرفتك و انا حاسس ان السچن معدش سچن بوچودك.. هونت عليا كَتييير جوووى يا واد عمى..

ابتسم زكريا في محبة صادقة: - ربنا يهونها علينا كلنا يا يونس..
هتف يونس بصدق: - ياارب.. و ألاجيك محصلنى باذن الله..
همس زكريا بقلب واجف و روح متضرعة:- يااارب..

كانت صباح نائمة في سكون على فراشها تغط في نوم عميق بفعل تلك العقاقير التي تتناولها لتسكن ألمها لذا لم تتنبه لذاك الشبح الذى تسلل فاتحا باب غرفتها في حذر و أغلقه خلفه ليقترب منها في حرص شديد أين يضع خطواته حتى لا يوقظها فتلك هي الفرصة الوحيدة الباقية له للخلاص منها قبل ان تتفوه بكلمة واحدة وتضع حبل المشنقة حول رقبته..

وصل لفراشها و اقترب من حافته..أنحنى و هو يتناول من على طرف الفراش وسادة ليضعها على وجه صباح بغرض خنقها و قطع الانفاس عن رئتيها لترحل في هدوء.. و بالفعل رفع الوسادة و ما ان هم بوضعها على وجهها حتى سطع نور الغرفة ووجد نفسه في لحظات محاطا بالعديد من العساكر و ضباط الشرطة مشهرى السلاح في وجهه.. و عرف انها النهاية و لا سبيل للمقاومة فأنصاع لاوامر الضابط مستسلما..

هتفت كسبانة متسائلة في ضيق و هي تضع طينية الطعام امام بخيتة: - هو الراچل اللى بره دِه هايجعد على طول هنا..صُح يا خالتى!؟..
هتفت بخيتة: - جصدك مين.. يونس.!؟..
اه هيجعد معانا.. مسمعتيش عاصم بيه و هو بيجول انه من طرف زكريا و عايزه يراعى ارضه.. ما انتِ كنتِ حاضرة و واعية للحديت..!؟.. بس ليه يعنى السؤالات دى..!؟.. الراجل من ساعة ما چه و هو زى النسمة مبنسمعلوش حس..

هتفت كسبانة بغيظ: - نسمة..!؟.. چولى وچع راس..طول اليوم غناوى لما خلاص هطفش منيه..
انفجرت بخيتة ضاحكة: - و الله انتِ فجرية..الراچل مش عاچبك عشان حسه حلو و جاعد يغنى طول اليوم.. !!؟..
هتفت كسبانة معترضة: - لااه مش بس كِده يا خالتى.. انا كل ما اعرف انه جتال جتلة و رد سچون جتتى بتتلبش.. و احنا اتنين ولايا لحالنا.. كمان حمزة أتعود عليه جووى و على طوول وياه.. وكل ما ادور عليه ألاجيه عِنديه..

هتفت بخيتة مؤكدة: - طب و هو لو راجل عفش يا كسبانة يا بتى كان زكريا چابه على هنا و هو واعى لكل اللى جولتيه دِه..
هتفت كسبانة مترددة لا تدرى بما تجيب:- معرفاش بجى يا خالتى..
و اندفعت تحضر الطعام لذاك الذى تسمع همهمات غناءه من نافذة مطبخها التي تُفتح على براح الأرض التي يملكها زكريا و الذى يتولى الاشراف عنها يونس.. او سنجأ سابقا..

وااااه.. اجول بوووه ويجولوا الحاچة فضيلة اتچننت..!؟.. صرخت الحاجة فضيلة فى أحفادها.. وهم يتقافزون حولها فى مرح وشقاوة.. صرخاتها استدعت ضحكات سهام وزهرة الجالستان أمامها.. غير قادرات على التدخل لانقاذها من عبث أطفالهما..
لتعاود الصراخ من جديد.. ولكن فى سهام وزهرة هذه المرة..:- كل واحدة تحوش عيالها.. انا مش جادرة عليهم.. ولا كل واحدة فيكم فالحة تخلف بس.. ايه داخلين مسابجة!!؟..

انفجرت كل من زهرة وسهام ضاحكتين.. وبطن كل منهما المنتفخة فى شهورها الاخيرة تهتز بشدة..
واعادت الحاجة فضيلة هتافها فى الاطفال: - هات يا واد السبحة.. ابعدى يا بت عن المصلاية.. ثم توجهت بحديثها لزهرة وسهام فى نفاذ صبر: - بالكم..!؟.. انا سيبهالكم انتوا وعيالكم الجرود دوول وجايمة.. اما أروح اجعد مع الحاچ مهران شوية.. بدل جعدتكم اللى تتعب دى..

وحملت مسبحتها ومصحفها وتحركت فى تثاقل بحكم سنها
وتوجهت للدرج تعتليه.. ونظرات سهام وزهرة تتبعها.. حتى ما ان ابتعدت سألت سهام فى حزن: - هى لساتها يا زهرة.. بتجعد فى أوضة ابويا الله يرحمه.. وتكلمه كنه عايش!!؟..

هزت زهرة رأسها ايجابا وهى تقول: - أه يا سهام.. احنا على طول مش حابين تفضل لوحدها.. وبنحاول انا وعاصم نقعد معاها.. بس اديكى شوفتى.. بتتحجج بشقاوة العيال عشان تقعد لوحدها فى أوضة عمى الله يرحمه.... برغم ان روحها فيهم.. بس... هنعمل ايه..!!؟.. من يوم ما عمى أتوفى.. وهى مش مصدقة انه غاب عنها.. دى انا بسمعها بتحكيله كل حاجة بتحصل فى السرايا.. كأنه سامعها وبيرد عليها.. ومرة دخلت عليها وهى على حالتها دى.. زعقت فيا.. وقالت لى.. محدش يخش عليها هى والحج الا لما يستأذن..

دمعت عينا سهام وهى تهمس: - يا حبيبتى ياما..
طال الصمت حزنا على حال الحاجة فضيلة الا ان هتفت زهرة محاولة اخراج سهام من حالة حزنها على امها.. فهمست بصوت يغلّفه المرح: - شوفيلك حل فى باسل ابنك ده!!؟.. شايفة بيعمل ايه..!؟..
انتبهت سهام عند ذكر اسم باسل ولدها.. لتنفجر ضاحكة على افعال ابنها.. وهو يهتف فى ابنة خاله سندس صارخا: - تعالى هنا يا بت يا اللى اسمك اوله ذى أخره انتِ...

تحركت سندس والتى كانت تشبه زهرة لحد كبير ناحية باسل الذى يكبرها بحوالى عامين.. لتقول فى براءة.. وهى تخرج لسانها فى حرف السين.. فيبدو كثاء: - نعم يا باثل..
هتف باسل مغتاظا: - انتِ هاتعرفى ميتا تنطجى اسمى صُح!؟..
لتأخذ سندس جانباً وتبكى وحيدة.. وهنا يتدخل مهران الصغير دفاعا عن توأمته سندس.: - انت بتكلمها كده ليه !؟ عارف يا باسل لو ضايجتها تانى.. هزعلك..!؟..

لينفجر باسل ضاحكا.. وهو يقول ساخرا: - طب ابجى ورينى.. هتزعلنى كيف..!؟..
كانت كل من زهرة وسهام تشهد هذا الحوار.. تداريان ضحكاتهما.. لتهمس سهام: - ولدى باسل طالع لخاله.. هوارى أصيل.. ولا حاچة بتهمه..
لتنفجر زهرة ضاحكة: - انت هتقوليلى..كلهم هوارية حتى مهران سبحان الله كأنى شايفة فيه عمى.. عقل وقوة مع بعض..
هتف مهران مقتربا من امه متسائلا فى حنق:- هى بنتك الهبلة دى بتسمع كلام باسل ليه و مبتجلوش لااه..!؟.. طلعة لمين دى!!؟..

لتهتف زهرة ضاحكة: - طالعة لامها يا حبيبى
لتقهقه سهام فى المقابل.... التى بادرها مهران متسائلا:- هى فين تسنيم يا عمتى.. مش بتاجى معاكى ليه..!؟..
لتجيب سهام متحدثة عن طفلتها التى تصغر مهران بحوالى عامين وهى تنظر لزهرة: - تسنيم روحها فى چدها جدرى.. مش بتفارجه لا فى صحيان ولا فى نوم.. وهو روحه فيها.. تجعد تحت رجله تنفذ له طلباته وهو يحفظها
قرآن..سبحان الله..مش عارفة البت دى چايبة التجوى دى منين !!؟..

لتنفجر زهرة ضاحكة بدورها.. لتسألها سهام مستفسرة: - جوليلى..مفيش اى اخبار.. عن ندى ونبيل..!؟؟.. انا بطلت اسأل حسام من زمن..
لتؤمى زهرة برأسها نفياً: - للاسف يا سهام مفيش.. اهو شوفى بقالهم أكتر من خمس سنين متجوزين.. وربنا مأردش باولاد.. ندى قالت لى فى اخر مكالمة بِنَا.. انها رايحة لدكتور جديد.. وَيَا رب يكون فى ايده الشفا..دعواتك..

لتهتف سهام فى صدق: - يااارب
لتستطرد سهام متسائلة: - طب و زكريا..!!؟.. برضك لِسَّه مخرجش من السجن..!!.. ولا بعت لعاصم يشوفه...!!..ده أمه الحاچة بخيتة تلاجيها هتموت عليه.
هزت زهرة رأسها نفياً وهى تعقب قائلة: - كسبانة بتقول انه بيكلم أمه على فترات بعيدة.. وأهى البت كسبانة طلعت جدعة
وبتراعيها و قاعدة مبسوطة معاها هى وابنها
.. حد يقول كده بزمتك.. زكريا ينسجن و اخوه سليم اللى يستاهل الشنق ميتمسكش لحد دلوقتى..!؟..

ما ان همت سهام بإجابة زهرة حتى صمتت
فجأة وانتبه الجميع وقطعوا استرسال حديثهم .. وخاصة زهرة التى ارتسم على وجهها الوجوم.. عندما دخلت سمية باكية كعادتها يتبعها طفلاها صارخة: - وينه وادعمى!!؟؟.. يشوفلى صرفة مع عدلى بن محروس..
هتفت سهام فى نبرة من اعتاد على هذا المشهد: - خير يا سمية.. ايه حُصل تانى..!!؟

صرخت سمية: - خلاص مجدراش استحمله.. لا هو ولا أمه..الله يرحمك ياما جالتلى بلاش.. وانا اللى ركبت راسى
واتجوزته بن أمه ده.
دخل عاصم فى تلك اللحظة هاتفاً بغضب فى سمية: - كيف تجولى على چوزك كده.. !!؟.. چوزك سيد الرچالة..

انتفضت فى صدمة لظهور عاصم المفاجئ لكنها استطردت باكية:- ماهو يا واد عمى.. أصله عمره ما عمل لى خاطر.. وعلى طول جالل من جيمتى..
رق عاصم لبكاءها فهتف: - خلاص يا سمية بس انتِ برضك راعى انه چوزك وأبو عيالك
هنا هتفت زهرة: - أه.. عاصم..ألحقنى..
اندفع عاصم باتجاهها هاتفاً: - ايه خير.. نطلع على المستشفى..
استندت عليه ناهضة: - لا.. عايزة استريح فوق شوية..

مصمصت سمية شفتاها وجذبت اطفالها خارجا وهى تلقى التحية بحقد.. بينما انفجرت سهام ضاحكة وهى تلقى التحية هى الاخرى راحلة ترى زهرة تتكئ على عاصم فى دلال صاعدا الدرج.. وفى اعلى الدرج عندما تاكد عاصم من رحيل اخته وابنة عمه حملها بين ذراعيه فى سعادة على الرغم من علمه ان زهرة بصحة جيدة ولا تعانى أيه آلام سار متخطياً تلك الردهة وهو ينظر اليها مشاكساً.. وما ان وصل بها امام غرفتهما حتى همس بإذنها: -انت مش هتبطلى عمايلك دى كل اما تشوفى سمية..!؟

هتفت كطفلة مشاغبة: - لا.. مش هبطل
انفجر ضاحكا أمرا: - طب.. افتحى الباب..
لتهلل هى كطفلة صغيرة: - لا.. خلينى كده شوية..
فتتعالى قهقهاته..وهو يقول: - وماله.. خليكى.

لتهمس وهى تتعلق برقبته وتشبك كفيها خلف عنقه.. متصنعة العتاب: - ايه خلاص.. تقلت عليك انا واللى فى بطنى..!؟..
همس بشوق على مسامعها: - ولو مية سنة يا زهرة..
مدت كفها لتدير مقبض الباب.. ونظراتها متعلقة به وهى تهمس بشوق: - واااه.. بحبك يا واد خالتى..

لينفجر ضاحكا وهو يدفع الباب بقدمه..ليدلفا للغرفة.. فتمد كفها تغلق الباب مر الكثير من الوقت تمنى ان يلمح طيفها حتى لكن ضنت عليه به منذ اخر مره زارته فيها يوم إصابته فداءً للعميد مختار.. من يومها لم يرها و لا زاره طيفها مما أورثه الكثير من الحزن و الضيق فزيارتها له حتى وان كانت حلما تخفف عنه الكثير و تزيح عن كاهله بعض مما يكابد من مرارة شوقه اليها ..

و اليوم هو الاستثناء فها هي تطل عليه بوجهها الصبوح هاتفة بسعادة: - سى زكريا!؟؟..وحشتنى قووى..
هتف في شوق:- وااه يا بدور مش كد ما اتوحشتك.. غبتى عليا جووى..
ابتسمت في خجل كعادتها وهمست: - انا جاية أبشرك..
همس زكريا متسائلا: - طول عمرك وش السعد.. بس تبشرينى بأيه..!؟..

هنا اختفت بدور عندما علا صوت مفاتيح ضخمة تفتح باب العنبر في عجالة ليظهر الصول جابر ذو البطن المنتفخ هاتفاً في لهفة:- زكريا.. يا زكريا..!؟..
انتفض زكريا من نومه ملتفتا للصول جابر هاتفاً: - خير يا حضرة الصول..!!..
أجاب جابر: - سيادة المأمور طالبك بسرعة هم معايا..

اندفع زكريا خارج العنبر و الصول جابر في أعقابه و ما ان وصل لمكتب المأمور حتى استأذن و دخل ليندفع العميد مختار يحتضنه في تأثر مباغتاً زكريا الذى وقف متصلبا لا يعرف ما يحدث..حتى ابتعد العميد مختار عن زكريا هاتفاً فيه بمحبة: - انت كنت بتقولى ايه من ساعة ما عرفتك..!؟.. مش كنت بتقول هخرج عشان ربنا وحده يعلم انى برئ و عشان ابنى اللى محتاج لى.. صح..!؟..

اومأ زكريا رأسه إيجابا و هو لا يستطيع النطق بحرف واحد ووجيب قلبه يتضاعف و يحاول ان يقنع نفسه ان ما يستنتجه في تلك اللحظة ما هو الا محض امانى و أحلام..
لكن العميد مختار هتف من جديد: - مبروك يا زكريا.. مبررروك.. ظهرت ادلة جديدة في قضيتك و شهود جداد.. و اثبتوا براءتك هي شوية إجراءات كده و تبقى بره السجن ده و تعيش حياتكِ و تربى ابنك..
كان زكريا يقف مصدوما غير مصدق ما يهتف به العميد مختار بهذا الحماس..

هل حقا اثبتوا براءته..!؟.. هل حقا انتهى ذاك العذاب و ازيح عن كاهله ذلك الظلم!؟.
هل سيعود أخيرا حراً طليقا من جديد...قادر على تربيه ولده و احتضانه بين ذراعيه متى شاء وليس فقط في تلك الزيارات المتباعدة التي يحمله فيها المعلم خميس اليه..!؟..
اخيراً سيجعله يفتخر باسم ابيه الذى يحمله!؟..

لاحظ العميد مختار صمت زكريا و ملامحه المصدومة فخرج من جديد من خلف مكتبه يربت على كتف زكريا هاتفاً في تعاطف:- الحمد لله يا زكريا.. الحمد لله..
جلس زكريا على اقرب كرسى و قد بدأت صدمة الخبر تنقشع من امام عينيه ليبكى في صمت و هو يحتضن رأسه المنحنى بين كفيه..
هتف به العميد مختار: - وحد الله يا زكريا..ربك عادل و مطلع..
هتف زكريا بصوت متحشرج: - و نعم بالله..و نعم بالله..

أمره العميد مختار ببهجة: - قوم بقى بلغ زمايلك و احتفلوا لحد ما نشوف الإجراءات و التنفيذ عشان خروجك..
اومأ زكريا إيجابا و نهض مغادراً مكتب المأمور و لكن قبل ان يحتفل أو حتى يبلغ أحد من زملائه توجه الى المسجد و صل عدة ركعات شكرًا لله دخلت زهرة غرفة العمليات فقد حدد لها الطبيب موعد الولادة و ها قد جاء اليوم الموعود..

انتظر عاصم و الحاجة فضيلة بالخارج و قد وصل بهما القلق للذروة.. حاول عاصم السيطرة على أعصابه بلا جدوى لينهض ذارعا الردهة البعيدة عن مجال نظر أمه ذهابا و ايابا.. يتطلع كل لحظة لباب غرفة العمليات لربما يخرج الطبيب فيستقبله فى عجالة ليطمئن عليها..

ظل على حاله حتى اصطدم فجأة بحسام الذى كان قادما مسرعا يبلغهما بنبأ وصول سهام للمشفى فهتف معلنا: - اختك يا عاصم بتولد فى الاوضة التانية..بلغ الحاچة..
هتف عاصم مزمجرا: - كملت..

اندفع يبلغ أمه فى حنق: - سهام بتولد هى التانية.. حسام لسه واصل بيها على هنا..
ردت الحاجة فضيلة فى هدوء عجيب: - ياللاه على البركة.. خلونا نخلص..
انفجر عاصم ضاحكا لرد فعل أمه على الرغم من قلقه هاتفا: - نخلص من ايه بس يا حاچة.. !؟..

هتفت مؤكدة: - يعنى ولادة تانى و مستشفيات تانى.. اهى تبجى بچملت.. هم الأتنين سوا و تخلصوا و نطمنوا عليهم و نخرج بيهم باْذن الله..
ابتسم عاصم لفكر أمه و اخيراً انتفض و غابت الابتسامة المؤقتة تلك عن وجهه مندفعا تجاه باب غرفة العمليات الذى فُتح ليخرج الطبيب مبتسما و بجواره الممرضة تحملا طفلا هاتفا: - حمد الله على سلامتها.. والف مبروك..

سلمت الممرضة عاصم الطفل المدثر هاتفة فى سعادة: - مبروك.. ولد زى الچمر.. يتربى فى عزكم..
هتف عاصم متسائلا فى لهفة و هو يلتقط طفله من بين ذراعيها: - طب و هى.. أمه.. كيفها..!؟..
أكدت الممرضة بابتسامة: - زى الفل.. هاننقلها أوضتها حالا..
دفع عاصم بحفنة نقود فى كف الممرضة التى طالعتها منتشية فى سعادة.. تهتف بالمباركة من جديد..

تطلع عاصم للطفل فى سعادة و اخذ يكبر فى أذنيه بهمس و اخيراً وضعه بين ذراعى أمه التى تطلعت اليه بعيون دامعة من الفرحة ليهمس عاصم: - ماچد الهوارى يا حاچة فضيلة..
ضمت الحاجة فضيلة طفل عاصم لصدرها فى سعادة بلغت الحد و همست: - ربنا يبارك لك فيه و فى ذريتك يا عاصم و يچعله من الصالحين يااارب.
و استطردت هاتفة بتضرع داعية: - و عجبالك يا سهام يا بتى..

هتف عاصم: - انا رايح اشوف ايه الأخبار.. و راچع اكدت الحاجة فضيلة: - ايوه يا ولدى..طمنى على اختك لحسن جلبى واكلنى عليها..
عاد عاصم من عند سهام ليؤكد انه مازال أمامها بعض الوقت كما أقر الطبيب.. خرجت زهرة فى تلك اللحظة على سريرها المدولب باتجاه الغرفة..
وما ان استقرت فيها.. حتى اندفعت الحاجة فضيلة فى أتجاه غرفة سهام.. التى كانت صرخاتها المتألمة تشق الإجواء..

هتف حسام فى قلق: - مبروك ما چالكم يا حاچة.. و مبروك جومة أم مهران بالسلامة.. عجبال سهام باْذن الله..
تعالت الصرخات من جديد لتدفع الممرضة بسرير سهام خارج الغرفة فى أتجاه غرفة العمليات...
مر الوقت ببطء قاتل ما بين صرخات سهام المدوية التى كانت ترتفع ما بين دقيقة و اخرى و بين صمت تام استمر لفترة مقلقة... أعقبه صرخات من نوع اخر.. صرخات بكاء طفل اندفع بالفعل يتنفس للمرة الاولى نسيم الحياة..

اندفعت الممرضة باللفافة تحمل الطفل لحسام هاتفة:- الف مبروك.. عروسة زى الچمر.. تتربى فى عزكم.. و أمها كويسة الحمد لله.. هتخرچ دلوجتى..
كبر حسام فى سعادة و انتشى و هو يحمل طفلته مكبرا فى اذنيها كما أكد عليه ابوه الحاج قدرى و اخيراً دفع بها بين ذراعى جدتها هاتفا فى فخر: - تسبيح التهامى يا حاچة..

بكت الحاجة فضيلة من فرحتها وهى تضم حفيدتها لصدرها فها هى فى يوم واحد تحمل حفيدين جديدين لها.. و يالها من فرحة كُتب لها الله العمر لتعيشها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة