قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع عشر

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثاني بقلم رضوى جاويش ( موال التوهة والوجع ) الفصل التاسع عشر

اندفع حمزة لداخل داره فى حزن حقيقى.. فذاك الْيَوْمَ الذى ظل ينتظره حتى يحصل على فرسه التى تمناها أصبح اليوم الاسوء على الإطلاق بعد ما حدث لتسبيح..
دخل حمزة لغرفة جدته بخيتة و التى استشعرت وجوده بعد ان ذهب الحزن و البكاء بنظرها فى بطء دون ان يستشعر احد حتى اصبح علاجها لا يصلح لإعادة بصرها.. و كم استحلفت الجميع الا يخبروا زكريا بذلك و عاهدتهم و اوفى الجميع بالوعد..

هتفت بخيتة فى سعادة: - حمزة..!!.. تعال يا ولدى.. جرب..
اندفع حمزة فى حزن باتجاه جدته ليلقى برأسه فى حجرها لتمسد على جبينه و شعره هاتفة فى توجس: - خير يا ولدى.. ايه فى..!؟..
شهق حمزة فى محاولة لكتم بكائه: - يعنى مسمعتيش باللى حصل لتسبيح يا ستى..!؟.

اومأت جدته برأسها ايجابا ليستطرد فى حنق..انا مكنتش اجصد..انا معملتش حاچة.. هى اللى طلبت تركب الفرس و انا مجدرتش اجولها لااه..
همست بخيتة: - عارفة يا ولدى.. مهياش غلطتك يا حبيبى.. روج حالك..
هتف حمزة شاهقا: - لكن عمتى سهام..
قاطعته بخيتة هاتفة: - معلَش.. متخدش على كلامها..محروچ چلبها على بتها.. ربنا يكون فى عونها.. بااذن الله تجوم بالسلامة.
هتف من قلبه: - يارب يا ستى.. يااارب.

كان الجد قدرى يراجع بعض الآيات لحفيدته المفضلة و القريبة لقلبه تسنيم و لم يكن وصلهما بعد ما حدث لتسبيح عندما تنحنح مهران فى أدب مستأذنا
للدخول.. تأكدت تسنيم من احكام حجابها حول رأسها حتى أذن الجد قدرى لمهران بالدخول.. دخل مهران يغض بصره فى تأدب هاتفا للجد قدرى: - ازيك يا چدى..
انا چيت حسب الميعاد هتف قدرى: - تمام يا ولدى.. اجعد عشان اراچع لك انت و تسنيم.. ثم أخذ يقلب في مصحفه متسائلا و قد اخذه النسيان كعادة كل
أسبوع عندما يجمعهما ليسترجع لهما ما أمرهما بحفظه:- احنا وصلنا لفين.. !؟..
هتف كلاهما.. مهران و تسنيم فى نفس اللحظة: - الچزء ال..

و صمت كلاهما فى نفس اللحظة دون ان يكمل احدهما إحراجا..
فتعجب الجد قدرى ليرفع رأسه عن مصحفه هاتفا: - الچزء الكام.. محدش جال يعنى..!؟..
هتف مهران فى عجالة ليجنبها الاحراج: -الچزءالأخير يا چدى..سورة المطفيين..
هتف قدرى وهو يفتح مصحفه: - ايوه يا ولدى صُح.. ربنا يبارك لك..ثم استطرد أمرا حفيدته الخجول التى لم تتفوه بحرف منذ بداية الجلسة: - ياللاه يا تسنيم ابدأى..

تنحنحت فى اضطراب و بدأت فى التلاوة بصوت أخاذ و ما ان وصلت للأية الكريمة التى تحمل اسمها حتى ابتسم مهران فى فرحة متذكرًا كيف كانت تكره اسمها.. و كيف ذكر لها الجد قدرى تلك الآية فى نفس ذاك المكان الذى يجمعهما الان.. هل لا زالت تذكر ذاك الاسم الذى أطلقه عليها عندما ارادت ان تختار اسما غير اسمها الذى كان مثار سخرية الاولاد منها.. هل لا زالت تذكر..!؟..

هتف الحاج قدرى مخرجا مهران من شروده و فرحته التى غافلته لترتسم بابتسامة بلهاء على شفتيه دون ان يدرك ذلك: - ايه فى يا مهران.. بتضحك ليه !!..
ما تفرحنا معاك انتفض مهران هاتفا فى احراج: - لاه..
مفيش يا چدى.. عاادى..
أمره الجد: - طب ياللاه كمل.. السورة اللى جبلها..

بدأ فى التسميع بإجادة و استمروا على هذا الحال.. حتى وصلوا لسورة كان يحفظها مهران عن ظهر قلب.. بدأت تسنيم فى التلاوة لكنها تلجلجت و أخفقت فى تذكر بعض الآيات مما استرعى انتباه الجد ليؤكد لها ضرورة إجادة حفظ تلك السورة بشكل أفضل و اكثر إتقانا.. و هنا جاء دور مهران الذى ألقى نظرة سريعة عليها فوجد وجهها يحمل الكثير من الحزن لإخفاقها.. فصمت..

هتف الجد مازحا: - خبر ايه يا مهران.. سمع ياللاه.. و لا شكلك عايز عَزومة..
ابتسم مهران بإحراج هاتفا: - أصل شكلى يا چدى انا كمان نسيتها و عايز أراچعها..
انفجر الجد ضاحكا: - طيب و ماله.. خلاص راچعوها و نبجى نسمعها الأسبوع الچاى مع السور الچديدة.. ياللاه تعالى يا مهران خد
بيدى لحد الچامع.. العصر وچب..

انتفض مهران فى اتجاه الجد قدرى يأخذ بيده متوجها لخارج القاعة ليفاجئ بتسنيم تنحنى تضع خُف جدها الجلدى تحت أقدامه ليرتديه الجد فى بطء هامسا بالدعاء لهما..
دعاء وصلت بعض من حروفه و كلماته المبهمة لأذن مهران.. ليبتسم فى سعادة عندما استنتج ان الجد يجمعه بها فى دعائه الذى دوما يخصهما به..
لكن هذه المرة..

تلك الكلمات التى كانت دوما مبهمة و كأنها طلسم أو تعويذة ما لا يستطيع احد فك رموزها استطاع مهران اخيراً ادراك احدى الكلمات التى تحمل دلالة تخص.. قلبيهما.. فابتسم في حبور..

هتف صديق باسل والذى كان يتدارى داخل غيط من القصب بجوار بيت مدرس اللغة العربية بالمدرسة الإعدادية و بجواره يرقد باسل فى شرود يقلب تلك الأساور المحطمة و الغالية على قلبه فى تيه تام حتى انه لم يسمع هتاف صديقه للمرة الثانية و الذى لم يستطع رفع صوته اكثر من ذلك فألقى بإحد الأحجار بجوار باسل الذى كان ممددا داخل الغيظ بلامبالا و تنبه اخيرا لإشارة زميله دلالة على وصول المعلمصف معلم اللغة العربية دراجته البخارية
المتهالكة بجوار باب داره و دخل و أغلق بابه خلفه..

اندفع كلاهما باسل و صديقه فى اتجاه الدراجة البخارية و بدأ كل منهما فى إلحاق الضرر بها بأى شكل من الأشكال..
كان على باسل ان ينتقم.. نعم.. كان عليه ان يثأر من ذاك المعلم القاسى الذى تچرأ و ضرب سندس و حطم اساورها الغالية و التى يتزايد وجيب قلبه كلما سمع رنينها قادما تجاهه..

هى لا تدرك ذلك أبدا.. و هو لم يجعلها يوما تدركه كلاهما على طرفي نقيض.. هى تلك المتفوقة التى لا تعبء لشئ سوى دراستها و تلك الأساور التى تعشقها.. اما هو فلم يلقى بالا بأى شئ فى حياته سوى سندس.. هى فقط.. لا شئ اخر يحتل مكانتها أو حتى يزاحمها فى محبتها... على عكسها هو فإن الدراسة لم تستهويه يوما.. منذ بلغ الثانية عشرة و هو يصحب ابوه فى كل ما يخصالعمل و الغيطان و القصب و العصارة..

و اخيراً... اصبح يترك له بعض السفريات الى القاهرة يقوم بها منفردا و اثقا فى قدرته على اتخاذ القرار السليم و كم اسعد ذلك حسام والده فهو ولده الوحيد و ذراعه الأيمن بقدر ما احزن أمه التى كانت تتمنى لو تراه طبيبا أو مهندسا..

انتهى و صديقه من مهمتهما الثأرية و افترقا ليندفع فى سعادة وهو يربت على جيب جلبابه يطمئن انه يحمل بغيته..
تسلل بهدوء للسراىّ و استدار حيث ذاك المرأب القديم الذى يحتفظ فيه خاله عاصم بتلك السيارة القديمة الطراز و التى لم يعد يستخدمها برغم حالتها الجيدة منذ زمن بعيد. لقد سمع أمه تخبر أبيه انها نفس العربة التى اختطف فيها خاله عاصم..

زوجته زهرة لينفذ انتقام الهوارية القديم من ابيها..
ابتسم عندما وصل للسيارة القابعة فى احد الأركان و فتح بابها الذى يزأر عند فتحه دوما.. و الذى حاول على قدر استطاعته اخفاض صوته بأن يبطئ في فتحه حتى لا يدرك احدهم وجوده..

تنهد فى سعادة و هو يضع تلك الأساور الرائعة الألوان على مقعد السيارة الخلفي حيث تحب سندس دوما الجلوس وحيدة لقراءة رواياتها أو حتى بعض كتبها المدرسية فهذا هو مكانها المفضل.. بالاصح.. مكانها السرى المفضل و الذى لا يعلمه احد غيره..تطلع لمجموعة الأساور البراقة التى تركها على مقعد السيارة و أغلق الباب بحرص و هو يتخيل مدى سعادتها عندما تأتى لتجد اساورها الحبيبة..

نعم.. نسخة جديدة من تلك الأساور التى لف و دار الكثير من المحال فى اخر زيارة له فى القاهرة حتى يستطيع الحصول على نسخة منها.. و عندما وجدها
كاد يقفز فرحا..
تسلل عائدا من جديد و هو يبتسم فى سعادة لانه استطاع ان يثأر من المعلم الاحمق الذى تطاول عليها و الأهم هو ان اساورها قد عادت اليها من جديد.. عادت على يديه..

دخل يونس لدار زكريا و التى أصبحت داره بعد ان كتبها زكريا باسمه هو و كسبانة كهدية بمناسبة زواجهما..
ليجلس فى حزن قبالة كسبانة التى كانت تضع الطعام لصغارها حمزة و حامد و اخيراً تنبهت لنبرة الحزن فى صوت زوجها وهو يلقى التحية فتساءلت فى قلق: - خير يا يونس..!؟.. ايه فى !؟.
هتف محزونا: - خالتى البقاء لله..

شهقت كسبانة: - لا حول ولا قوة الا بالله.. الله يرحمها..
همس مكررا: - الله يرحمها.. المهم دلوجت امى.. كيف هسيبها لحالها هناك.. كانت جاعدة مع خالتى و مونساها..دلوجت هتجعد هى فى بلد و انا فى بلد و كمان بطولها.. طب دِه انى اللى كان مصبرنى انها هى اللى مش عايزة تفوت اختها وتاجى تعيش هنا و اهى راحت الله يرحمها..

هتفت كسبانة: - لااه.. ميصحش تسيبها لحالها يا يونس.. روح چيب الحاچة سَكينة تعيش معانا.. و أهو البيت واسع و يساع من الحبايب ألف..و حتى و لو مش واسع نشيلها فوج روسنا..
هتف يونس: - بس هى ترضى تاجى..
أكدت كسبانة: - هاتاجى.. هى ليها مين هناك.. مش بجيلها حد.. روح جيبها يا يونس وجولها انك ساكن فى ملكك..ساعتها هاتيجى و هى عارفة انها مش هتجل على حد و انها جاعدة فى ملك ولدها..

هتف يونس فى فرحة: - و الله و عِندَك حج يا كسبانة.. يمكن دِه يخليها تاجى صُح..
ابتسمت كسبانة عندما بدأ حزنه يتبدد و جذبته ليجلس بجوار ابنهما حامد لتضع له صحنا هو الاخر ليتناول عشاءه و قد بدأ يستعيد راحة باله..

دخل زكريا يخلع سترته و يضعها على ظهر مقعده ليتناول الطعام مع عائلته كالعادة.. كان يترك كل ما يشغله ليأتى اليهم ليقضى سويعات قليلة في صحبتهم قبل عودته للعمل من جديد..

عدة سنوات مرت عمل فيها بجد و اجتهاد حتى اصبح من اكبر رجال المقاولات في الإسكندرية..
هتف في رزقة: - فين باچى الأكل يا رزجة.. چعانين..
طلت زينة في سعادة لعودته تشاركه المائدة:- حالا يا حبيبى.. الأكل هايجى..
ابتسم لها متسائلا: - طب و فين العيال..!؟.

اندفع كل من حازم و هدير لداخل الفيلا في صخب.. لتهتف هدير ممتعضة: - يا بابى لو سمحت خلى حازم ملوش دعوة بيا.. و ميعيبش على لبسى و لا صحباتى..
هتف حازم ذو الخمسة عشر عاما مدافعا عن نفسه:- انت اللى تنتبهى للبسك ده.. كام مرة اتخانق بسببها و بسبب لبسها..العيال بيعكسوها..!؟..

انفجر كل من الحاج مندور و زينة ضاحكين و هم يروا حازم يشعر بالغيرة على اخته الصغرى التي لم تبلغ العاشرة بعد.. بينما طلت من عينىّ زكريا نظرات إعجاب لرجولة ولده و اصله الصعيدى الذى يتسرب رغما عنه في تصرفاته..
استطرد حازم هاتفاً في حنق: - كمان صحباتك أساسا بنات هايفة..انا مش عارف انت بتحبى فيهم ايه دوول..!؟..

انفجرت هدير باكية ساخطة مندفعة لاحضان جدها مندور نصيرها الأوحد و الأقوى في فيلا مندور.. فأبوها دوما ما يخبرها ان عليها طاعة اخيها الأكبر.. و أمها تقف دوما على الحياد و أحيانا في صف حازم و لا يبقى لها غير جدها مندور و الذى لا يقبل ان يضايقها احدهم او يفرض عليها امرا لا تحبه.. و بالتأكيد لا يستطيع احد ان يخالف الجد مندور او يرد له امرا..

ضمها جدها بين ذراعيه مهدهداً.. و جاذبا أياها لتجلس على قدميه فوق ذاك المقعد المدولب الذى لم يغادره منذ سنوات طويلة..
هاتفاً بما يشبه الفرمان: - هدير تعمل اللى هي عيزاه.. دى حبيبة جدها.. متزعلهاش تانى يا حازم..
اكد حازم بأدب: - حاضر يا جدى..

بينما نظر زكريا لزينة و التي تعلم تماما سبب نظرات زكريا التي تحمل الكثير من الضيق نظرا لانه لفت نظرها كثيرا لذاك الدلال الزائد الذى تحظى به هدير من جدها مندور و مخاوف زكريا من ان يفسدها دلاله و لكم أخبرته زينة ان ابيها يفعل ذلك رغماً عنه فهى حفيدته الوحيدة و التي يعشقها بالفعل و يرى ان بعض الدلال لن يفسدها..

بل انه يرى انه من حقها و من أولى بالدلال اكثر من حفيدة الحاج مندور الوحيدة...و خاصة ان الحاج مندور يعلم انه لن يكون له المزيد من الأحفاد بعد إزالة الرحم التي تعرضت لها زينة ابنته بعد ولادة هدير مباشرة..و كم نبه زكريا زينة كثيرا لتساهلها مع هدير فيما يخص ملابسها المتحررة قليلا و التي لا ترضيه و لكن دوما كان هناك الجد مندور الذى يحكم لصالح هدير و كل ما ترغب به..

جلس الجميع يتناول طعامهم بصمت خيم على الطاولة..كان يقطعه بين الحين و الاخر بعض كلمات هنا و هناك حتى هتف زكريا متذكرًا: - بجولك ايه يا حاچ..!؟..
انتبه الحاج مندور ليستطرد زكريا باهتمام: -تعرف حد اسميه الباشا..!؟..
ردد مندور الاسم في محاولة للتذكر ثم هتف أخيرا: - لااا يا بنى.. مصدفنيش الاسم ده قبل كده.. مين ده..!؟..

هتف زكريا بحنق: - دِه واحد بجاله فترة جليلة في السوج.. بس ايه مجلكش ياحاچ.. خارب علينا المناجصات كلها.. مش سايب لحد حاچة يتهنى بيها..
هتفت زينة: - مش ماشى قانوني !!.خلاص
هتف زكريا معترضاً: - بس الرحمة حلوة برضك.. يعنى الناس اللى حواليه مش تاكل عيش..!؟.. و لا تجعد تتفرج عليه.. اخر مناجصة احنا جايبين فيها اجل سعر و كنت متاكد انها بتاعتنا.. فچأة لجيته طلع من تحت الأرض و اخدها لحسابه.. انا مش هسيبه الباشا دِه..

هجبله و اعرف ميته ايه.!؟.
هتفت زينة في لوعة: - لا يا زكريا.. عشان خاطرى.. بلاش السكك اللى فيها مشاكل..
و همست بالقرب منه.. انا خايفة عليك..
نظر الى عمق عينيها في محبة هامساً و هو يغمز لها بطرف خفى بكلمته التي طالما كان يرددها على مسامعها عندما كان يجدها ترتجف مذعورة: - طول ما انى معاكِ متخافيش..

ابتسمت وعادت تتناول طعامها في سعادة ليهتف الحاج مندور مؤيدا لقرار زكريا: - عين العقل.. اعرف خصمك مين و دماغه فيها ايه..!؟.. روح قابله يا زكريا..
هز زكريا رأسه موافقا..

حاول زكريا مقابلة ذاك الرجل المدعو الباشا عدة مرات و في كل مرة يكون غير متواجد في الإسكندرية و أحيانا يكون خارج مصر كلها فيأس زكريا من مقابلته..

اليوم يقف الان كل رجال المقاولات في الإسكندرية تكتظ بهم قاعة المزادات.. اليوم يوم حاسم في مزاد ضخم لا يتكرر الا كل فترة طويلة لذا يتكالب على النيل به كل رجال الاعمال في الإسكندرية بلا استثناء و بالتأكيد ذاك المدعو الباشا من أوائل من سينضمون لقائمة المتصارعين على ذلك المزاد و مكسبه الخيالى الذى يفوق التوقعات لذا وطد زكريا نفسه على الفوز به مهما كان الثمن.. فالفوز بمزاد كهذا سينقل شركته نقلة نوعية جبارة في عالم الإنشاءات و المقاولات و هذه فرصة لا تعوض و لن تأتى في القريب..

كان المكان يعج بالوافدين من كل صوب و حدب و كان هتافهم و نقاشهم يعلو حتى يصم الاذان.. تلفت حوله يبحث عن مندوب الباشا الذى يعرفه الجميع و الذى يحضر بالنيابة عن الباشا نفسه في كل المزادات..
لكنه لم يجده كالعادة و كم تعجب لذلك.. فكيف يتغيب عن مزاد كهذا ينتظره الجميع انتبه و صمتت الأصوات المتعالية فجأة عندما سُمع عدة طرقات على طاولة ما إيذانا ببدأ المزاد..

تعالت الهتافات هنا و هناك مع بدء المزايدة و احتدم صراع الأرقام التي كانت تتقاذف من الأفواه هنا و هناك.. و في لحظة ما و عندما وصل الصراع لاشده.. فُتح باب القاعة ليهتف احدهم برقم ألجم الجميع عن المتابعة و المزايدة بل أرغمهم على التطلع لذاك الذى دخل القاعة متبخترا و حوله زمرة من رجاله من بينهم ذاك المندوب الذى تغيب اليوم ليحضر و معه سيده..

توقف الباشا في قلب القاعة لا يفصله عن طاولة المزاد سوى خطوات ليهتف من جديد بالسعر الذى حدده.. و يستدير لكل من بالقاعة.. نظر اليه زكريا في شك يعقد جبينه في حيرة.. و أخيرا عندما خلع الباشا نظارته الشمسية شهق زكريا في صدمة جعلت الباشا نفسه يتطلع نحوه ليصمت للحظات و يشهق بدوره و هو يتطلع لزكريا في ذهول...

دخل حسام غرفة نومه لتطالعه سهام تجلس فى احد الأركان تبكى فى صمت.. اقترب ليجلس بجوارها على تلك الأريكة التى تجلس هي على احد اطرافها تنوح فى حزن يمزق نياط القلب..
ربت حسام على كتفها هامسا:- خبر ايه يا بت الشيخ مهران..!؟.ايه المناحة دى.. !؟.

همست و هى تمسح دموعها الغزيرة عن وجنتيها بظهر كفيها: - يعنى معرفش ليه المناحة.!؟.. بتى ضاع مستجبلها و تجولى ليه المناحة..!؟..
هتف فيها مهدئا: - طب استهدى بالله كِده.. و متخليش شيطانك يغلبك و جولى الحمد لله ان بتك لساتها عايشة و رچعت الدار بعد شهور العلاچ الطويلة اللى فاتت..

شهقت سهام باكية من جديد و لم تعقب على كلام زوجها الذى احزنه بكاء زوجته الموجوعة ليهتف من جديد: - وحدى الله يا أم باسل.. وحدى الله..
هتفت بصوت متحشرج: - لا اله الا الله.. اللهم لا اعتراض.. بس البت يا حبة عينى مش جادرة تمشى و هى ساندة على العكاز دِه.. بتك بجت عاچزة يا حسام و متجدرش تمشى لحالها..

تسبيح اللى كانت بترمح يمين و شمال طول النهار مش بتجدر تمشى خطوتين من غير العكاز اللى مبتعرفش تمشى بيه و لا حتى تجدرتمشى من غيره صمت حسام للحظات يستجمع شتات نفسه و يتغلب على حزنه لكلماتها التى تقر بها حقيقة وضع ابنته الجديد بعد الكثير من دورات العلاج المكثفة نتيجة لحادثة سقوطها من على صهوة الفرس.. و اخيراً همس: - الداكتور جال هاتاخد لها فترة و بعدين تستغنى عن العكاز دِه.. و هاتجدر تمشى لحالها تانى..

هتفت سهام صارخة فى ضيق: - هتمشى كيف.!؟....عارف هاتمشى كيف..!؟.. عارچة يا ابو باسل.. بتى هاتبجى عارچة طول عمرها.. اااه يا حرجة جلبى عَلَيْكِ يا بتى..

عند هذه النقطة و لم يحتمل حسام المزيد ليندفع خارج الغرفة غير قادر على مداراة ألمه و حزنه على تسبيح ابنته الأقرب لقلبه و التى كانت مدللة الدار كلها بلا منازع.. الان.. أصبحت لا تقوى على المسير لخطوات و اصبح لزاما عليها الاتكال على ذاك العكاز حتى تقوى عضلات قدمها من جديد و تستطيع الاستغناء عنه.. لكن ماذا بعد..!؟

هتفت بها أمها منذ لحظات.. ستظل هى تلك العرجاء التى لن تعود قدمها لحالتها الطبيعية من جديد..
مما أورثه المزيد من الحزن لتدمع عيناه ألما و يملؤه شعورا غامرا بعجز لا يوصف..

هتف زكريا في سعادة و هو يجلس بجوار الباشا في سيارته الفارهة: - وااه يا سعادة العميد.. عاش مين شافك..!!
انفرجت اسارير العميد مختار هاتفاً: - لواء من فضلك..انا اترقيت بعد ما انت طلعت من السجن بسنتين و محبتش اكمل في الخدمة و كانت عيلتى كلها في سوق المقاولات من زمن فقلت اجرب.. و اهو.. ايه رايك..!؟..

ابتسم زكريا: - رأيي..!؟.. هي دى عايزة كلام حضرتك.. ده انت بِسْم الله ما شاء الله أكلت السوج كله في فترة جصيرة كنك متربى فيه من صغرك..
اتسعت ابتسامة العميد مختار: - واضح ان المقاولات في دمى و مكنتش عارف.. المهم انت بقى ايه اللى جابك هنا و ايه اللى غيرك كده.. ده اما معرفتكش يا صعيدى..

انفجر زكريا ضاحكاً: - يا باشا الهدمة تتغير لكن اللى في الجلب مبيتغيرش..انا بعد ما طلعت و ظبط امورى رچعت اسأل عليك جالولى اترجى و معرفتش أوصل لحضرتك و بصراحة مجدرتش اجعد في القاهرة.. جيت على اسكندرية و ربنا عترنى في الحاچ مندور و اتجوزت بته و معايا هدير دلوجتى منيها..
قاطعه مختار: - ده غير حازم طبعا يابو حازم.. !!..

اكد زكريا: - اه.. اُمال ايه..!؟.. ده انت لو شفته متعرفوش دلوجت.. و جال ايه عايز يبجى ظابط.. !!..
انفجر مختار ضاحكاً: - و ماله يا صعيدى.. هو يشد حيله بس و سبهولى.. ده انت مداين الحكومة بتلت سنين سجن ظلم..
ابتسم زكريا و لم يعقب ليهتف مختار متسائلا: - متعرفش اخبار عن اللى كانوا معاك في السجن..!؟..
هتف زكريا: - لاه يا باشا.. الوحيد اللى اعرف هو فين.. يونس..
سال مختار: - مين يونس..!؟..

ابتسم زكريا مؤكدا: - سنچأ يا باشا.. الصعيدى اللى كان دايما ملازمنى..
ابتسم مختار: - اه.. افتكرته.. اللى صوته حلو ده..!؟..
اكد زكريا: - ايوه يا باشا تمام.. بعته النچع عندينا يباشر ارضى و ياكل لجمة بالحلال و اهو اتجوز و خلف كمان..
ربت مختار على كتف زكريا هاتفاً: - دايما معرفتك.. معرفة الخير يا زكريا.. مقلتليش كملت تعليمك و لا خلاص بعد ما طلعت بعت الموضوع..!؟

اكد زكريا: - لااه كملت.. و بصراحة بعد جوازى من بت الحاچ مندور.. هي كمان مكنتش كملت علامها.. شچعتنى.. و دخلنا الجامعة المفتوحة سوا..خدت بكارليوس إدارة اعمال.. و الفضل يرچع لحضرتك..
هتف مختار في سعادة: - الله اكبر.. بجد فرحتنى.. و عشان كده...بص بقى.. المزاد اللى وقع في حجرى ده.. ليك نصيب فيه..

هتف زكريا متعجباً: - انا..!؟.. بس ده تجيل عليا يا باشا..ده انا كنت هخشه بكذا شريك لو رسى علىّ..
هتف مختار: - ملكش دعوة.. انت هتخش معايا انا شريك..ايه رايك..!؟..
هتف زكريا في سعادة: - و هو انا اجدر اجول لاه للحكومة..!؟..
انفجر مختار ضاحكاً: - انت بكاش يا زكريا.. حكومة ايه بقى..!!.. ما قلنا سبناها..

قهقه زكريا: - بس لسه برضك انت الباشا قهقه مختار بدوره: - تصدق.. غلبتنى..
و..تعالت ضحكاتهما

مر حمزة كعادته ببيت عمته سهام و هو فى طريقه لدرس الفيزياء.. تمنى ان يغمض عينيه و يفتحهما فيجد ان تلك السنة الكبيسة المسماة الثانوية العامة و قد مرت بسلام و حصل على ذلك المجموع الذى يؤهله لدخول كلية الهندسة كما تمنى دوما..

نظر باتجاه الدار و شرفاته المغلقة و لم يلمح اى كائن.. صمت مطبق خيم على تلك الدار التى كانت تعمها الفرحة دوما بعد حادثة تسبيح و التى ألقت على الدار و أصحابها غيمة من حزن و كأبة منذ ما يزيد عن العامين..

استمر فى مسيره و ما ان هم بانهاء الطريق الترابى المحاز لسور الدار المتوسط الارتفاع حتى سمع صوت صخب و هتاف قادم من ناحية الغيط القريب من الدار بجوار تلك الشجرة السامقة العتيقة..

جال بنظره و مد بصره بعيدا ليكتشف فجأة حفنة من الأطفال يحاوطون فتاة ما و يشكلون حولها دائرة واسعة و يطلقون عليها الألفاظ و المسميات
اندفع ناحية تلك الجمهرة ليكتشف ان تلك الفتاة الصغيرة ما هى الا تسبيح و هى تقف منكسة الرأس ينعتها الأطفال حولها بمسميات تعيب فيها من اجل عكازها و خطواتها المتعثرة..

صرخ فيهم حمزة ناهرا: - انت يا واد انت وهو... اقسم بالله.. اللى هيضايجها تانى منيكم لهيشوف منى اللى عمره ما شافه و إنتوا عارفينى....
انفض الأطفال من حولها فى ذعر مبتعدين فى عجالة ليختفوا خوفا من حمزة الذى يعرفه جميعهم خاصة من حكايات اخوتهم الأكبر سنا و الذين اوسعهم حمزة مرات و مرات العديد من الضربات و اللكمات.. فعلى قدر هدوء طبعه و رزانته.. لكن عندما يغضب يتحول الى أسد كاسر لا يستطع اى من كان السيطرة عليه..

اقترب حمزة من تسبيح و التى لم تبلغ العاشرة بعد و الواقفة فى ثبات رغم دموعها التى تغطى وجنتيها.. احنى حمزة رأسه الشامخ ليطالع وجهها الطفولى هامسا: - انتِ كويسة يا تسبيح.. !؟..
رفعت رأسها و مسحت دموعها هاتفة: - ايووه.. انا كويسة.. و راچعة دارنا..
و استدارت ببطء تحاول السيطرة على ذاك العكاز الذى يعاندها اثناء سيرها على الارض الطينية..

و كادت ان تسقط عدة مرات و هو يتابعها فى صمت يتأكله شعوره بالذنب تجاهها.. كادت ان تسقط للمرة الرابعة.. و المسافة حتى باب الدار لازالت بعيدة.. اقترب منها و حملها فجأة لتهتف فى نزق طفولى: - نزلنى يا حمزة.. انا كويسة..
هتف بدوره: - انى عارف انك كويسة..

انزلها بجوار باب الدار و سلمها عكازها هاتفا و ابتسامة على وجهه: - كِده انا مطمن انك جدام الدار و محدش هيضايجك تانى..
هتفت باكية: - بعد ما تمشى هيرچعوا تانى ينادوا عليا و يجولولى.. يا أم رچل مسلوخة اشفق عليها فهتف مازحا: - اى حد من العيال دى يضايجك جوليله هنادي حمزة.. هيخافوا و محدش فيهم هيجرب لك تانى.. خلاص..

اومأت موافقة فهى على علم تماما بان الجميع يهابه فهو على قدر طيبته التى ترتسم على وجهه الان الا انه عندما تفور أعصابه لا يرى أمامه..يصبح كالثور الهائج و يتصرف كبركان ثائر يلقى حممه.. و كم حكى باسل اخيها عنه و عن شجاراته و انه لا يتفاهم الا بكفه الصلبة التى اورثتها فلاحة الارض مع زوج أمه يونس مزيدا من الصلابة جعلته يتفوق على اقرانه فى اى نزال.. بل جعلت الجميع يهابه و يتحاشى الاقتراب أو الاحتكاك به..

دفعت تسبيح باب الدار لتدخل فى بطء تتعكز و تغلق الباب ليتنبه هو انه متأخر اكثر من اللازم على درسه ليندفع للطريق مهرولا..

جلست تسبيح داخل غرفة القراءة الخاصة بزهرة زوجة خالها في الحديقة الخلفية لسراىّ جدها مهران الهوارى..
تطلعت للكتب المختلفة على الأرفف و مدت كفها تحاول ان تطال احداها جذبها غلافه الملون ليخذلها عكازها و ينزلق على تلك الأرض الملساء للغرفة و ما ان همت بالصراخ حتى اندفع اليها ماجد الذى يماثلها في العمر لينجدها من سقوط محقق..

اجلسها على الأريكة الأقرب لكليهما و بدأ في اللهاث لحمله ثقل جسمها..
و أخيرا هتف مازحا: - كل ده عشان كتاب.. طب كنتِ نادتينى اچبهولك اسهل من شلتك دى..
ابتسمت بدورها لابن خالها و توأمها فهى تعتبره توأمها بالفعل فهو يكبرها بنصف ساعة فقط فرق في توقيت الولادة بين أمه و أمها و لو حدد الطبيب لامه توقيت متأخر قليلا لاصبحت هي الأكبر..

هتفت في تأكيد حقيقة: - معلش .. العكاز مش مخلينى أتحرك على راحتى..
هتف و هو ينهض جاذبا ذاك العكاز من جوارها دافعا به بعيدا: - انت اللى عاوزه و خايفة تمشى من غيره.. الدكتور بتاعك جال انت مش محتاجاه بس انت چبانة.. مش جادرة تستغنى عنه..

هتفت هي في ذعر و هي تراه يدفع بعكازها بعيدا عن متناول يدها: - لاااه يا ماجد.. الله يخليك.. رچعه چنبى..
هتف ماجد في إصرار: - لااه.. مش هرچعهولك.. و هتجومى و تمشى من غيره.. و استطرد مازحا: - بلا دلع ماسخ.. على جولة ستك فضيلة...
شعرت بضعفها و رغبتها في البكاء الا ان قلبه لم يحن لها بل اقترب منها و أمسك بكفيها جاذبا إياها لتقف فجأة و تشهق في صدمة و تكاد تسقط.. ليصرخ هو فيها هاتفا بعزم: - انا مش هجدر اشيلك لو وجعتى تانى.. اسندى على رجلك.. و بالراحة ياللاه نتمشوا..

تماسكت قدر استطاعتها و اشفقت عليه من حمل معظم ثقل جسدها فتحاملت على نفسها و داست على قدمها المصابة أخيرا..
بدأ هو في استشعار استجابتها فبدأ في جذبها رويدا.. رويدا.. حتى سارت خطوات قليلة مستندة على قدمها لأول مرة منذ سنوات..

بدأت تبتسم.. و نظرت الى بن خالها بامتنان فما كانت قادرة على اتخاذ تلك الخطوة الا بدفعة منه.. دوما كان قادرا على اقناعها بما يفشل فيه الجميع.. فهى لا تتذكر عدد المرات التي حاول فيها باسل و ابيها فعل ذلك و كان نصيبهما الفشل الذريع في إقناعها و خاصة بعد اطلاقها عدة صرخات و كذلك زجر أمها لكل من يقترب منها لأى سبب من الأسباب.. تراها ما هي بفاعلة عندما تراها الان..!؟..

بدأت بالفعل تخطو عدة خطوات و أخيرا ترك ماجد كفيها متقهقرا عدة خطوات للخلف مشجعا إياها على المضي في طريقها معتمدة على نفسها.. ظلت واقفة في ثبات غير قادرة على التقدم .. كانت تحتاج لقوة دفع داخلية جبارة كى تقوم بتلك الخطوة..
استجمعت قواها و تقدمت بالفعل ليهتف ماجد في سعادة مشجعا لمزيد من الخطوات تجاهه..

استطاعت بالفعل السير عدة خطوات غير مصدقة ما فعلت ليندفع ماجد ليحضر احد المقاعد داعيا إياها للجلوس لتلتقط أنفاسها بعد ذاك المجهود الشاق..
ما ان بدأت في استجماع قواها حتى حاولت إعادة الكرة تريد ان تثبت لنفسها انها بدأت تسير على قدميها من جديد..
ابتسمت لابن خالها و بدأت مسيرتها..

يدعمها هو مازحا و هاتفا لتتعالى ضحكاتها التي بدأت تصدح في فرحة غابت عنها لسنوات.. تتناهى صوت ضحكاتهما لتلك التي تقف منذ مدة تتابعهما بنظرها متحسرة غير قادرة على الاقتراب لتلعب معهما او حتى تجالسهما بسبب أمها سمية و تحذيراتها الدائمة لها بالا تقترب من أولاد زهرة..

دمعت عيون ايمان في حزن فطالما كانت لتسبيح مكانة خاصة عند الجميع على خلافها لا تعلم ما السبب.. هل لمرضها..!؟.. جاءتها لحظات تمنت فيها ان تكون في وضع تسبيح ولو قليلا حتى تنال اهتمام الكل و رغبتهم في أرضائها و الأهم هو صحبة ماجد الذى لا يعيرها ألتفاتا حتى..
انتفضت ايمان عندما فاجأها صوت مؤمن اخوها هامسا: - ياللاه يا ايمان.. أمك بتنادم عليكِ عشان نمشوا..

دوما مؤمن هو الأقرب لقلبها من اخيها ماهر الذى كان دوما صلفا و قاسيا معها لذا كان دوما محل ثقتها و لا تعصى له أمرا..
هزت رأسها في إيجاب و سارت معه راحلة و هي تلقى نظرة بعيدة لذاك الباسم الضاحك هناك..دونها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة