قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل العشرون

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل العشرون

أغلقت هداية جميع منافذ دار ابيها و هي تتنهد في حزن على زمن ولى و زمن اخر أَت لا تعلم ما يخبئه لها.. فها هي في سبيلها لترك بيت ابيها هي و عائشة و الخضوع لرغبة يونس في اصطحابهما لداره بنجع الصالح بعيدا عن مضايقات جاسم و شره بعد انتهاء ايّام العزاء..

قبلت على مضض مطلبه و كذا عائشة التي ما كان لها ان ترفض او تطلب فها هي معلقة كعروس بخيوط بابن عمها الذى ظهر فجأة من العدم لتجد نفسها ما بين يوم و ليلة عروس له و في سبيله للزواج بها كوصية واجبة النفاذ لعمها والذى اكد عليها و هو يلتقط أنفاسه الأخيرة..

خرجت هداية و أغلقت خلفها باب الدار و نزلت الدرجات الأمامية للدرج حيث كانت عائشة بأنتظارها..
تحركتا سويا في اتجاه سيارتهما التي تحمل أغراضهما و التي كان يونس يجلس امام مقودها في انتظارهما..
هم يونس بالتحرك الا انه شاهد محروس خفير ابيه رحمه الله.. ترجل يونس و اتجه ناحيته هاتفا:- مش هوصيك يا محروس.. خد بالك م الدار و اى حاچة اتصل بيا طوالى..

هز محروس رأسه مؤكدا و سمات الحزن مرسومة على قسمات وجهه المتغضن ألما على فراق سيده العمدة حامد و إغلاق الدار بهذا الشكل.. و خاصة ان حادث إطلاق النار عليه لم يسفر عن متهم.. رغم علم الجميع من قد يكون الجانى لكن لم يكن احد يجرؤ على التفوه بكلمة.. حتى يونس نفسه لم يكن ليفعلها ليس رغبة في التستر على القاتل بل لأن هذا جزء من وصية ابيه قبل وفاته و عليه السمع و الطاعة و التى همس بها بعيدا عن مسامع الجميع ممن حصر الواقعة..

عاد يونس امام المقود مرة أخرى و انطلق بالعربة و هداية جواره و عائشة خلفه و التي تطلعت لدار عمها من جديد و هي تغيب عنها و سالت دموعها انهارا.. كيف يمكنها الذهاب لبيت بن عمها و زوجته هناك!؟.. تراها علمت بتلك الوصية التي ابتلاها بها عمها قبل موته بلحظات!؟.. و كيف سيكون الحال عندها!؟..
لقد جاءت للعزاء و رأتها و كانت تتعامل معها بتحفظ... حقها اكيد فهى تعامل غريمتها المزعومة و التي ظهرت من العدم لتشاركها زوجها و شريك عمرها..

انتحبت من جديد و هي لا تدرى كيف ستكون الحياة في مثل هذا الجحيم الحى، ليتها ماتت مع والديها في حادثتهما و ما تعرضت لمثل تلك المهانة و لا ذاك الذل.. تنقلت من دار لدار و من وصية لأخرى وهى لا حول لها و لا قوة.. لا يسعها الا الطاعة العمياء..
وصلوا أخيرا لدار يونس و اتجه يعلم كل من فيها بمقدم هداية و عائشة و التي وقفت تتطلع لدارها الجديد مستشعرة بقلب واجف ان ذاك الدار هو حلقة جديدة من مسلسل خضوعها و خنوعها.. لكن هل لديها البديل!؟..

لم يكن بمقدوره البقاء بالأسفل فقد استشعر ان بقاءه بعيدا عن محياها سيكون افضل و خاصة فى ظل تلك الظروف الجديدة التى طرأت والخاصة بمرض امه و ملازمة شيماء لها..
ما كان بامكانه البقاء مشاهدا لها ليل نهار و هى بعيدة عنه بهذا الشكل.. على الاقل بالأعلى كان قادرًا على التحدث معها اثناء تناولهما الطعام حتى و لو بضع كلمات.. لكن الان هى قابعة على الدوام فى غرفة ابيه ملاصقة لفراش امه لا تتركها قط الا للضرورة القصوى..

تنهد فى ضيق و هو يضع المفتاح بموضعه و يدفع الباب لينفرج عن الردهة و طالعه الان الطعام الذى أحضرته بالتأكيد موضوعا على الطاولة قبالته.. رفع الغطاء عن الطعام متطلعا اليه بلا رغبة و اخيرا اعاد الغطاء موضعه دون ان يمسه..
توجه لغرفته فى رتابة ملقيا نفسه على الفراش فى ضجر.. حاول النوم لكن كيف له النوم و هى ليست تحت سقف بيته.. انه لا يفصلها عنه الا بضع درجات من سلم البيت لكنه يستشعرها اميال و اميال.. انه يفتقد انفاسها حد الالم..

تقلب يمنة و يسرى على ذاك الفراش الذى اضحى موضع من اشواك و اخيرا انتفض فى ضيق و ما ادرك ما يفعل الا و هو يجد نفسه يدفع باب غرفتها و يلقى بنفسه فى احضان فراشها و كأنما يجد سلواه فى بعض من عبقها الذى تستره الوسائد او تحمله الاغطية.. و لحسن حظه وقعت كفه على احد ارديتها المنزلية التى خلعتها و تركتها على طرف فراشها.. تناول ذاك الرداء بيد مرتعشة و ضمه الى صدره فى شوق و كأنما يضم صاحبته تلك البعيدة النائية التى لا تعلم كم يدميه بعادها عنه حد الصراخ وجعا و طلبا لقربها.. لكنه صراخ مكتوم.. صراخ يأبى ان يغادر حلقه ابدا..

انكمش على نفسه يغمس رأسه بين طيات الوسادة و يتلخف بالغطاء و هو يضم الرداء المقدس لأحضانه ليزوره النوم اخيرا بعد ان تسلل بعض من عطرها الى انفاسه فهدد روحه..

اندفعت كسبانة لداخل غرفتها في ثورة تهدد و تتوعد و ما ان لحق بها يونس حتى أغلقت الباب خلفه في عنف و هتفت بكل ما يعتمل داخلها من قهر و كبت اختزنته طوال الأيام الماضية احتراما لوفاة ابيه:- بجولك ايه!؟..

انى مش هسكت ع اللى بيحصل دِه.. يعنى اعرف ان دى وصية ابوك و جالك تتچوزها و أكتم جهرتى طول العزا.. و عديناها .. لكن كمان تجبها لحد دارى و عايزها تعيش هنا.. لاااه.. دِه انت لو جاصد تجهرنى و تموتنى بحسرتى مش هاتعمل كِده..
هتف يونس في غضب:- كنك اتجننتى يا كسبانة على كبر!؟.. اتچوز مين يا مخبلة!؟.. اتچوز بت من دور عيالى.. لاااه دى اصغر كمان من عيالى.. دى اصغر من حامد ولدك.. تجولى اتچوزها!؟..

هتفت كسبانة في ثورة:- و هو انى اللى جولت.!؟.. مش دى وصية ابوك الله يرحمه برضك.. و لا انى مخبلة عن چد و عجلى خف!؟..
هتف يونس متنهدا في تعب و هو يجلس على احدى الأرائك:- لاااه.. صح وصية ابوى.. بس انى مش كدها.. اخرها تبجى عايشة معانا هنا نحموها هي و هداية اختى.. لكن چواز.. لااه.. ابجى بظلمها.. و مكنش ينفع يا كسبانة اسيبهم لحالهم هي و هداية جاسم يبيع و يشترى فيهم.. دِه مفترى و جتال جتلة..

ضربت كسبانة على صدرها بباطن كفها في لوعة:- يا حزنى.. و احنا ايه اللى رمانا ع الهم دِه بس.. ما كنّا عايشين كافيين غيرنا شرنا..
هتف يونس:- هو حد كان عالم باللى هايچرى لأبويا!؟.. دول بجوا ف رجبتى يا كسبانة.. عرضى.. هسيب عرضى برضك لكلب زى جاسم دِه ينهش فيه!؟..
صمتت كسبانة و لم تعقب و نهضت في هدوء دموعها تنساب على خديها و تركت الغرفة و هى لا تعلم هل ما قرره بخصوص وصية زواجه من ابنة عمه صحيح.. ام انه يهادنها حتى يحقق وصية ابيه تلك و التي جلبت على حياتها الغم و الكرب!؟..

هبطت الدرج فى عجالة رغم حذاءها ذى الكعب العالى و تنورتها الضيقة نوعا ما لكنها تعلم ان حمزة ينتظرها بالأسفل حتى يوصلها معه للشركة و ما من مجال لتتأخر عليه و لو لثانية واحدة حتى لا ينهرها كما فعل فى السابق..
ألتقطت انفاسها فى تتابع و هى تقف أمامه حيث ينتظرها على باب الفيلا الداخلى هاتفة:- جيت ف ميعادى اهو.. متأخرتش صح.. !؟.

كظم غيظه ما ان طالع ما ترتديه و هتف فى سخط متجاهلا الرد على سؤالها بخصوص تأخرها المعتاد على ميعاد الذهاب للشركة رغم علمها حرصه على دقة المواعيد.. :- ايه اللى انتِ لبساه دِه!؟..
هتفت و هى تستدير حول نفسها فى سعادة:- ايه عجبك !!؟..

و نطقت فى انجليزية متقنة باسم قميصها الحريرى المنعدم الأكمام و تنورتها التى قدت عليها لتفصل خصرها النحيل و تعطى المزيد من الحرية لحركة قدميها بتلك الفتحة الواسعة بأحد جوانبها و هى بالكاد تصل لما دون ركبتيها بقليل.. و هتفت من جديد فى ابتسامة طفولية متسائلة وهى تغمز بأحدى عينيها:- ايه.. عايز تجيب زيه لتسبيح!؟..

هتف منتفضا:- دِه انى اكسر راسها جبل ما تفكر تلبسه..
هتفت مذعورة فى صدمة:- ليه!؟.. هى تسبيح بتلبس ايه!؟..
هتف متعجبا السؤال:- يعنى ايه بتلبس ايه.. بتلبس العادى!؟..
هتفت بدهشة:- طب ما هو ده العادى يا حمزة..

هتف فى غضب:- عادى.. !! عادى ايه يا بت الحاچ زكريا.. و أشار لها فى حنق.. دراعاتك دى اللى ظاهرة كلها و رجليكى اللى باين نصها و رجبتك و شعرك.. و.. أشار الى محياها ككل هاتفا فى ضيق.. كل الهلومة اللى انت عملاها ف نفسك دِه.. و تجولى دِه العادى..
نظرت اليه فى براءة حقيقية هاتفة:- بليز يا حمزة ممكن تفهمني انت قصدك ايه!؟..

تنهد فى تعب بعد ان استعاد رباطة جأشه التى بدأ يفقدها ما ان تطلعت اليه بتلك النظرات البريئة التى تثير جنونه و التى تخرج منها تلقائية حد عدم التصديق.. و اخيرا هتف:- بصى يا بنت الناس..
ابتسمت تشاغبه:- انا فعلا بنت الناس اللى جوه دوول..
زفر حمزة فى ضيق:- بصى يا بت الراچل الطيب..
اكدت فى مرح:- ده بابى.. فعلا هو طيب و الله..
صرخ حمزة بنفاذ صبر:- هتسمعى و لا اجوم اشوف حالى..

صمتت فى خوف تضع كفها على فمها فى صدمة.. أورثه مظهرها المرتعب من صراخه بعض من إشفاق عليها و على الرغم ان مظهرها كان يدعوه لينفجر ضاحكا الا انه تماسك فى ثبات و بدأ فى الحديث هاتفا:- كل اللى بجوله انك تطولى كم البلوزة اللى انت لبساها دى شوية و تطولى كمان الجيبة اللى انت لبساها حبة.. فيها حاچة دى!؟..

هتف سؤاله الاخير فى هدوء مما جعلها تتشجع قائلة:- بس ده أستيل لبسى يا حمزة من زمان.. ومش شايفة انه مضايق حد و لا حتى غريب عن اللى حواليا.. كلهم كده..
هتف بتهور:- انتِ غيرهم..

و تنبه لتهوره لكنه حمد الله انها لم تنتبه لعثرته و استطردت فى تعجب:- انت بتقولى انتِ غيرهم و حازم بيقولى كده برضو.. و بصراحة انا لا فهماك و لا فهماه.. انا اللى شيفاه انى عادية جدا و مش بعمل حاجة غلط.. يبقى فى ايه!؟..
هز حمزة رأسه نافيا:- مفيش يا بت عمى.. مفيش.. هايجى يوم و تعرفى انك أغلى من كِده..
و اندفع باتجاه السيارة لتتبعه فى حيرة لكلماته الاخيرة التى ما استطاعت ان تجد لها تفسيرا..

صعدت عائشة و هداية للدور العلوى في بيت يونس حيث تم اختياره كموضع لإنتقالهما حتى تكونا على حريتهما بعيدا عن حركة الشباب حمزة او حامد بالأسفل و خاصة عائشة التي لها وضع خاص..
دخلت كلتاهما الشقة في ترقب.. و دارتا فيها و قد لاقت اعجابهما فهى كانت مجهزة بشكل جيد من جميع النواحي استعدادا لزواج حمزة..

خلعت عائشة خمارها الأسود الذى تغير لونه من حر الطريق و غباره و بدأت في غسله و ارتدت غيره في سرعة هاتفة لهداية انها ستصعد السطح لنشره و التطلع للنجع من الأعلى و رؤيته هل يشبه نجع الحناوى ام لا..
اشارت هداية لها بالذهاب و هي تستعد لتكبيرة الإحرام إيذانا لدخولها للصلاة..
فتحت عائشة باب شقتهما في وجل و أغلقته خلفها في هدوء و بدأت في صعود الدرجات لأعلى في ترقب..

وصلت لعتبة السطح و تطلعت حولها في فضول و أخيرا خطت للداخل تبحث عن احد الأحبال لنشر خمارها.. وجدته في الجهة الشرقية من السطح..
اندفعت الأفراخ الصغيرة التي كانت تملأ الدنيا صياحا و جلبة مبتعدة عن سبيلها في خوف..
فردت خمارها و ثبتته على احد الأحبال و دارت تنظر للنجع من عليائها تعب من النسيم القادم من بين النخيل المنتشر على مقربة من الدار..

كان المنظر خلابا و قد اخذها كليا حتى انها لم تنتبه لذاك الصفير القادم من الأسفل و الذى وصل لعتبة السطح
فتحول لصوت شجى يردد بعض الكلمات في تناغم تام جعلها تتسمر موضعها..
كان هو يقف باحثا عن شيء ما لا يدركه و أخيرا ايقنت انه يبحث عن احدى الدجاجات السمينة حتى يمسكها لذبحها ربما.. اخذ يجرى حول المكان يحاول الإمساك بالدجاجة و لكن لا فائدة حتى انه في اثناء كفاحه ذاك سقط متعثرا في احد اوانى الطعام المخصصة للأفراخ و انغرست كفه بالكامل داخل طبق اخر فأخذ يطلق السباب في حنق و هو متكوم ارضا..

مما جعلها رغما عنها تنفجر ضاحكة
على مظهره.. كان يفصل بينهما حبل بعرض السطح و الذى تمدد عليه احد أغطية الفراش كحاجز بينهما فلم تكن ترى الا بعض منه.. و شاهدت بعض من معركته مع الدجاج عندما كان يجرى هنا و هناك..

انتفض هو عندما تناهى لمسامعه ضحكاتها التي علا رنينها رغما عنها.. توقف مذهولا للحظات و أخيرا تنبه انه يقف بلا بنطال و لا قميص كعادته و قد خلعهما بالأسفل استعداداً للمعركة مع الدجاجات فجذب غطاء الفراش المنشور بينهما و تلحف به دون ان ينبس بحرف واحد و اندفع مغادرا السطح لتتلقفه امه مندفعة من الأسفل لتحذره ان اصبح لديه نسوة في الدار و عليه ان يحذر الصعود مرة أخرى بهذا المظهر الخليع..

نظر حامد لأمه في غيظ هاتفا:- توك ما افتكرتى يا كسبانة.. ابنك كِده برستيجه يضيع..
هتفت كسبانة في هم:- ايه اللى يضيع دِه يا خوى!؟.. و النبى هي ما نجصاك.. انزل و خلى بالك بعد كِده..
هتف حامد مازحا و هو يتلحف بالغطاء حتى رأسه جيدا كبُردة بشكل أورث كسبانة الضحكات:- ايه رأيك!؟.. السترة حلوة برضك..

جذبته كسبانة خلفها و هبطت الدرج و هي تنظر لباب الشقة العلوية و التي ظنت انها ستكون مصدر سعادة لها بزواج ابنها حمزة و تسبيح فيها لتصبح فجأة بين عشية و ضحاها موضع يتأكلها الشك في انه سيكون دارا لزوجة أخرى قد يجلبها زوجها بعد كل ذلك العمر من اجل تحقيق وصية والده المشؤومة...

دخل الغرفة متأخرا كعادته في الفترة الماضية.. كان يتعمد التأخر حتى يعود ليجد تسنيم نائمة فلا يضطر للبقاء متيقظا يموت شوقا ليتجاذب معها أطراف الحديث حتى.. مجرد حديث فقط.. انه يتعذب بحق لمرأها أمامه دون ان يكون له اى حق في الاقتراب منها فهو يذكر تماما انه حرمها على نفسه تحريما مغلظا في ليلة زفافهما و ها هو يدفع ثمن تسرعه و رعونته وقتها و هي منذ المرة الأخيرة التي سقطت فيها بين ذراعيه و انتفض مبتعدا مع اذان الفجر و هو يشعر انها تتعمد ان تقتص منه جراء ذاك البعد و.

تأخذ بثأرها من نفوره و صده لها بهذا الشكل الذى يورثه مرارًا لا يحتمله..
دار بناظريه في أنحاء الغرفة و توقع ان يجدها متمددة على فراشها في مثل هذه الساعة الا ان ظنه لم يكن بمحله.

فتعجب.. تراها اين ذهبت في مثل ذلك الوقت!؟.. انتفض عندما انفرج باب الحمام عن محياها.. و شهق بصوت مسموع و هي يرى ما لا يحتمله قلبه الذى ينوء بحمل عشقها الذى يديمه.. كانت كتلة متجسدة من الإثارة و هي تخرج بذاك الثوب الحريرى و شعرها الغجرى الأسمر يسافر حيث لا نهاية على كتفيها..
كانت رائحة عطرها الذى فاح عبقه في ارجاء الغرفة قد اسكره تماما..

أغلقت باب الحمام و تهادت لداخل الغرفة و كأنها لا تراه.. مرت جواره فخدرته تماما بجدائلها السرمدية التي كانت تعانق خصرها في دلال فطرى
و اصبح أسيرا بالكامل لمحياها الفتان ذاك فما عاد قادرًا على ان يحيد بناظريه عنها..

رأت نظراته و شعرت بما يعتريه و ابتسمت داخلها في سعادة فها هي تأخد بثأرها منه.. فليبتعد ان استطاع و يتركها تتجرع مهانة الصد و الهجران
انها لن تغفر له مطلقا انها كانت بين ذراعيه طائعة و هو الذى نأى عنها معرضا.. ستجعله يشتهيها و حين يقترب ستصبح سرابا حتى يتعلم جيدا كيف تُعامل النساء و خاصة.. لو كانت امرأة تهواه لهذه الدرجة.. و تعشقه بهذا الصدق حد الألم.. و تتمناه بذاك العمق حد المعاناة.. و تمقته لما يفعله بها حد الانتقام لكرامتها و كبريائها الجريحة..

.. انها تعلم انه لايزل على ظنه القديم فيها بسبب ذاك الرجل الاخرق الذى ذهبت لمقابلته بديلا عن اختها الصغرى تسبيح.. هى تعلم انها اخطأت.. لكنه ابدا لم يطبق فيها قول الآية الكريمة.. ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.. وهو لم يتبين.. هو لم يأت مرة يسألها ماذا حدث.. يسألها سبب مقابلتها لهذا الرجل..
انه فقط اصدر حكمه بإعدام حبها في قلبه و انتهى.. و لهذا حساب اخر لم يأتي دوره بعد..

عادت بعد ان حصلت على ما كانت تتعلل بحاجتها اليه حتى تمر من أمامه
و استلقت على فراشها و تركته لايزل على حاله المشدوه من مرأها الأسر.
ابتسمت هي في جزل لمطالعته بهذا الشكل و قد ادركت انها حصلت على ثأرها بالكامل عندما اندفع هاربا من الغرفة كمن تتعقبه شياطين الأرض هامسة خلفه:- هاتبعد مهما تبعد هاترچع يا شيخ مهران..

هتفت هداية بعائشة المستلقية في كسل على فراشها:- هاا.. هاتيجى معاى و لا هتفضلى نايمة!؟..
هتفت عائشة في نعاس:- لاااه انى تعبانة.. روحى انت.. انا مش جادرة اجوم..
هتفت هداية و هي تعدل من خمارها الأسود امام المرأة:- طيب.. انى هروح اشوف الدنيا فيها ايه لحسن فاتنا كَتير.. و لو لجيت حد من زميلاتك هچيب لك محاضراتك معاى..

هتفت عائشة ممتنة:- تسلمى لى يا هداية.. ربنا يخليكى..
ألقت هداية السلام و اندفعت للأسفل متوقعة وجود يونس او حامد ليقلاها للجامعة بالسيارة الا ان كسبانة أخبرتها ان كلاهما في أطراف الأرض البعيدة..
هتفت هداية:- طب خلاص متنادميش على حد فيهم انى هاخد عربية من ع الطريج تنزلنى جدام الجامعة.. هشوف اللى فاتنى و فات عيشة و تنى راچعة على طول..

اندفعت هداية خارج دار يونس اخيها قبل ان تحاول كسبانة إثنائها عن الذهاب الا برفقة اخيها او حامد..
سارت في قلب النجع لا تعرف كيف الوصول للطريق لكنها اتبعت حدسها
و باتت على وشك الوصول حتى ظهر احدهم من احد الزوايا..

كادت تصرخ منتفضة الا انه انفجر ضاحكا لمرأها بهذا الشكل و هتف في سخرية:- اللى يشوفك ماشية كيف عسكرى الدورية ميجولش دى بتخاف.. و لا ايه يا بت العمدة!؟..

نظرت هداية لذاك الأخرق الذى لم تكن تلك المرة الأولى الذى يتعقبها فيها.. فهو يتبعها كظلها ما ان تخرج من دار اخيها حتى تصل لوجهتها اى كانت..
كادت تصفعه متشفية نظرا لجرأته و صفاقته في التعامل معها الا انها اكتفت بنظرة نارية و اندفعت مبتعدة ليتعقبها بدوره هاتفا في حنق:- ايه يا بت العمدة.. !؟ محناش كد المجام و لا ايه !!.. ردى طيب.. طب اعملى اى حاچة.. لهو انت فاكرة نفسك مين يعنى!؟..

استشعرت ان عدم ردها عليه يثير غيظه فأستمرت على صمتها لا تعيره اهتماما ليهتف في غيظ:- شايفة نفسك على ايه!؟.. عشان بت عمدة.. لهو انت متعرفيش انى مين!؟.. انى..
انتقضت هاتفة في حنق مقاطعة اياه:- انا ميهمنيش انت مين.. و لا عايزة أعرفك م الأساس.. و دى اخر مرة هلاجيك ماشى ورايا.. كل مرة اجول دى صدفة لكن انى بجولهالك اهاا لو اتكررت يبجى متلومش الا روحك..

كانت قد وصلت لموضع سيارات الأجرة فأندفعت داخل احداها تاركة إياه يغلى غضبا من جراء تلك المتكبرة التي ترى حالها افضل من الجميع و كأن على رأسها احدى الريشات.. زفر في ثورة و سيارتها تغادر و هتف في غيظ:- ماااشى.. يا انى يا انت ِ و نبجوا نشوفوا هاتعملى ايه مع ماهر الهوارى.. يا بت العمدة..

تقدم ماجد هامسا بصوت خفيض و هو يقترب من موضع مؤمن مناولا له كوب من الشاى الساخن فى ظل ذاك البرد القارص ف تلك الثكنة العسكرية التى تضمهما ليتناولها مؤمن فى سعادة غامرة بين كفيه محتضنا سلاحه الى صدره هامسا بدوره:- تشكر يا واد عمى.. كنت محتاچها جووى كباية الشاى دى.. الواحد رصرص من البرد..

ابتسم ماجد رابتا على فخذه هامسا بابتسامة واسعة:- اى خدمة يابو عمو..
ثم استطرد متحسرا:- خلاص قربت تسبنا يا مؤمن و تخلص تجنيدك.!؟.. . هتقطع بيا.. اتعودت على وجودك ف المعسكر و الله..
ابتسم مؤمن و هو يرتشف بعض من كوبه مستمتعا ليهمس:- و الله و انت كمان يا ماچد.. اتعودت ابجى معاك دايما.. سبحان من خلى اول تعيينك ف نفس السرية اللى بخدم فيها..

ربت ماجد على كتفه هامسا:- ربنا يوفقك يا مؤمن انت بن حلال و تستاهل كل خير..
ثم تساءل فجأة:- هو انت اجازتك الجاية امتى بالظبط يا مؤمن!؟..
-كمان يومين ان شاء الله.. بس و الله ما عارف ليه حاسسهم بعيد كنهم مش هايچوا!؟..

تعجب ماجد:- ليه بتقول كده يابنى!؟ دوول يومين مش سنتين!؟.. فكرنى أديك جواب للحاج عاصم عشان وحشونى قووى و مش عارف أوصل لهم بشبكة الموبيل اللى مش موجودة هنا اصلا..
همس مؤمن:- عيونى.. هات اللى انت عاوز توصله و انا تحت امرك.
ربت ماجد على كتفه شاكرا:- تسلم يا كبير..
شرد مؤمن قليلا ليوقظه ماجد هاتفا بمرح:- اييييه.. رحت فين يا واد عمى!؟..

ابتسم مؤمن فى شجن هامسا:- رحت لحد النچع و جيت.. اصلك امى و اخواتى وحشونى جووى مش عارف ليه هافف عليا شوفتهم!؟..
امى وحشتنى.. و ماهر.. و البت ايمان.. يا ترى عاملة ايه ف مذاكرتها!؟..
اكد ماجد:- اكيد زى الفل يا عم.. مالك النهاردة فيك ايه!؟..

استطرد مؤمن كأنه لم يسمع سؤال ماجد الاخير هامسا و نظره يمتد لبعيد عبر دروب الصحراء كأنه يرى غيبا لا يعيه صاحبه:- انت عارف يا ماچد.. امى دى غلبانة و الله.. صعبانة عليا جووى.. تعرف.. لما بفكر ف حياتها بلجيها عمرها ما نالت اللى تشتهيه.. لا اب يحن عليها و يكبر بيها.. و لما مات.. الأخ كان اسوء و أضل... حتى جوازها من ابويا.. انت عارف أوله من اخره.. معشتش يوم حلو.. حتى عيالها..

ماهر مطلع عينها و دايما تجولى انها خايفة تكون نهايته زى نهاية خالى سليم.. و ايمان.. رغم انها غلبانة و منكسرة.. لكن ليها شخصية خلاف عن امى و مش متفجين ف حاچات كتيير.. حتى انا.. على كد ما أجدر بحاول أطاوعها و اجول كفاية عليها اخواتى و اللى بتشوفه منيهم و الدنيا و اللى شافته فيها..
همس ماجد فى مودة:- ربنا يخليها ليكم..

استطرد مؤمن:- عارف يا ماجد.. ماهر طيب جووى و الله.. بس الدنيا وخداه ف تيارها وهو مسلم ليها و مطاوع .. لكن هو كويس و الله و الظروف چت عليه چامد خصوصى بعد ما مات ابويا و سيبانه دراسته عشان يصرف علينا..
اما البت ايمان.. و ابتسم فى محبة عندما تذكر اخته الصغرى الأقرب الى قلبه.. ايمان دى حتة من جلبى.. رباية يدى بصحيح.. طيبة و حنينة لكن دماغها واعرة.. يااابوى على نشفان دماغها.. حچر صوان.. بس تعرف.. دى احلى حاچة فيها.. لما اجعد اناكف فيها و اطلع زربينها..

و انفجر ضاحكا فى سعادة و كأنها أمامه بالفعل يشاكسها مستمتعا.. ليهتف ماجد فى شقاوة:- طب و النص الحلو فين من ده كله!؟..
هتف مؤمن:- لااه مفيش لا نص حلو و لا نص وحش.. انا جلبى ركنته على چنب لحد لما اطمن على ايمان و اچوزها.. بعدها يبجى ليها صرفتها
لكن ايمان هى اللى ع البال دلوجت.. تنچح بس السنة دى ف الثانوية و تدخل الكلية اللى تعچبها و اطمن عليها.. عارف يا ماچد.. انا نفسى اچوزها واحد زيك..

انتفض ماجد محرجا:- زيي انا!؟.. ثم استطرد محاولا المزاح:- يا شيخ جوزها حد عدل.. ده كفاية رميتنا السودا دى.. هتشوفنى كام يوم كل شهر و يمكن اكتر..
ابتسم مؤمن:- و الله لولا الملامة لكنت خطبتك ليها.. كفاية اخلاجك و أدبك.. وواد عمنا.. ولولا ما انى كمان عارف الحساسيات اللى بين امى و ام مهران.. لكنت چوزتك ليها بالعافية..

انفجر ماجد مقهقها:- بالعافية يا مؤمن.. ده ايه الجواز اللى بالاكراه ده.. !؟
هتف مؤمن ممتعضا:- خلاص يا واد عمى.. كنت بهزر معاك هو انا اختى بايرة و لا وحشة.. انا كنت بفتح لك جلبى يا ماچد.. و انى عارف اننا مش كد مجامك يعنى..
انتفض ماجد هاتفا:- ليه كده يا مؤمن.. ليه بتقول كده و هتزعلنى منك.. ده انت بن عمتى.. و مقامنا واحد و اختك يتمناها الباشا.

و هتف مازحا:- و اذا كان ده اللى يرضيك يا عم.. طب ايه رايك هتجوزها..
هتف مؤمن مازحا:- خلاص يا عم تتچوز مين بس.. دِه كله كلام فضفضة.. انا اتمناك لإيمان صح لكن يكون انت اللى رايدها بجلبك.. لإن ايمان متستاهلش اجل من كِده.. ايمان تستاهل احسن حاچة ف الدنيا.. و اچدع راچل ف الدنيا..

و شرد مؤمن من جديد ليهمس بصوت قادم من اعماق بعيدة لماجد:- خلى بالك منيهم يا ماچد وخصوصى ايمان.. خلى بالك عليها..
هتف ماجد مازحا من جديد و هو يهتف فيه:- ما قلنا خلاص بقى فك التكشيرة دى و تبسم للنبى ثم همس هاتفا:- هتجوزهاااا.. ارتحت يا..
و لم يكمل هتافه المازح الا و بدأ إطلاق النار من عدة جهات ليحمل كل منهما سلاحه ليتبادلا الإطلاق وهنا صرخ ماجد فى مؤمن أمرا فى
ذعر:- خد لك ساتر يا مؤمن.. خد لك ساتر..

بدأت الانفجارات تتوالى هنا و هناك.. و اصبح ليل الصحراء القاتم كنهارها.. و ساد الهرج و المرج.. لكن ماجد جال بناظريه بالقرب من موضعه باحثا عن مؤمن حتى يطمئن انه بخير.. لكنه لم يتبين فى ذاك الظلام الدامس الذى عاد يكتنف المكان بعد ان توقفت التفجيرات و هدأت حدتها منذ لحظات..

اندفع ماجد لذاك الموضع الذى ابصره يتجه اليه مستترا خلف ذاك الحاجز و جرى بإتجاهه و لكن إطلاق النار و التفجيرات عادت من جديد و التى كان احداها قريبا من موضعه الذى استتر خلفه قبل بلوغه موضع مؤمن ليقذفه ذاك الانفجار ليصبح بالفعل خلف ذاك الساتر يتطلع بنصف وعى حوله لا يدرك اين بن عمته الذى كان يبصره منذ قليل.. زحف قليلا فى وهن و ارتجف فجأة عندما وجد جثمان مؤمن أمامه مدرج بدمائه..
ليسقط ماجد فى غيبوبة و اخر ما طالعه كان تلك الابتسامة الطاهرة على شفتى مؤمن..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة