قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل السادس

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل السادس

اندفع عاصم لداخل حجرته و خلفه زهرة تخلع عنها حجابها هاتفة بعد معرفتها برحيل زكريا و ابنته :- بس يا عاصم .. شفت زكريا كبر ازاى.!؟
السن بان عليه قووى .. و خاصة بسبب موضوع رجله ده ..
تنهد عاصم و هو يجلس على احد المقاعد رافعا قدمه على ركبته الثانية بغية التخلص من حذائه و خلعه هاتفا في تعاطف :- الله يكون ف عونه .. زكريا اللى شافه مش هين برضك ..

اتبهدل واتسچن ظلم و جت حادثة رچليه دى چابت الاخر معاه .. هو لما جعد معاى حكالى كل حاچة بالتفصيل
دِه كان ممكن ميرچعش يمشى تانى لولا ساتر ربك و العلاچ اللى اخد منيه سنين عشان يوصل للى انتِ شيفاه دِه .. بچد لو چبل كان اتهد من كتر اللى شافه..
هزت زهرة رأسها موافقة دون ان تنبس بحرف بينما استطرد عاصم هاتفا :- بس شوفتى بته ..!؟..

هتفت زهرة :- أمورة و رقيقة قووى
هتف عاصم :- ورانى صورهم كلهم
و احنا جاعدين عند سمية .. تشبه أمها كَتير و بيجول ان حازم فيه من امه الله يرحمها برضك ..
صمت قليلا ثم استطرد :- و الله بفكر ناخد بته هدير لماچد .. ايه جولك !؟..
هتفت زهرة :- يا ريت .. بس انت عارف ماجد و دماغه .. مبيعجبوش العجب ..

اكد عاصم هاتفا :- ايوه .. على جولك هو مش ناوى ياخد من البلد برغم ان في بنات كَتير زينة .. انى عارفه زى الجرع يمد لبره .. تلاجيه حاطط ف راسه بت من بنات مصر ..
هتفت زهرة محتجة :- و مالهم يا عاصم بقى بنات مصر ..!؟..
انتبه انها قاهرية فقهقه و هو يقترب منها مشاكسا :- جمر.. بنات مصر جمر.. انى لو اضمن انه يكون حظه كيف حظى.. انى اللى هجوله هات لنا عروسة من هناك..

قهقهت في سعادة هاتفة :- ربنا يرزقه ببنت الحلال اى كانت منين و لا هي مين .. المهم تكون بنت حلال ..
هتف عاصم :- صدجتى .. و عجبال سندس ما ربنا يعدلها لها بعريسها دِه اللى جاى كمان كام يوم..
هتفت زهرة مندهشة :- هو كلمك يا عاصم .. !؟.. مقلتليش ..!؟..
هتف عاصم مبررا :- مجية زكريا لخفنت دماغ الواحد .. بس هو كلمنى من يومين و اتفجنا ياجى لوحده الأول
جبل اى إتفاج نجعد معاه و لو في جبول يبجى يجيب عيلته عشان هم من بحرى مش من الصعيد ..

هتفت زهرة مذعورة :- ايه ده !؟.. يعنى سندس ممكن تبعد عنى و تسافر معاه ..!؟.. لا متفقناش على كده يا عاصم ..
هتف عاصم متعجبا :- يعنى شوفتيها وافجت و خلاص چوزناها..!؟.. لما يبجى ياجى و نجعد و نتفاهموا نبجوا نشوفوا ايه اللى فيها ..
تنهدت زهرة بعدم راحة و همست بهدوء :- عندك حق .. نستنى بس نشوف هي أصلا هتقبله و لا ترفضه زى كل عريس يجلها ..
هز عاصم رأسه موافقا و هو يهم بدخول الحمام استعدادا للنوم ...

هتف ماجد في شقاوة متحدثا على الهاتف :- عيد سعيد .. و لبس جديد.. و عمر مديد يا كحك العيد ..
انفجرت محدثته ضاحكة على الطرف الاخر هاتفة في دلال :- بطل بكش بقى يا ماجد كنت فين الفترة اللى فاتت دى و جاى تكلمنى دلوقتى تعيد عليا بعد العيد ما خلص ..!؟..

هتف صادقا يبرر غيبته :- اعمل ايه بس يا نرمين ..!؟.. معرفتش اخلص من اخوكى اللى لازق لى على طول الا النهاردة .. و ماشى ثلاثة كيلو ف عز الشمس عشان اعرف أوصل لمكان يلقط شبكة ..
هتفت غير مصدقة :- معقول ..عملت ده كله عشان تسمع صوتى ..!؟..

هتف ماجد في عشق :- و اعمل اكتر من كده كمان .. خلصى بقى كليتك يا بنتى انا عايز اجى اخطبك النهاردة قبل بكرة و لولا انى عارف من منير ان باباكِ رافض اى ارتباط الا لما تخلصى كنت جيت من بدرى .. و كمان الصراحة مش حابب أخبى على منير اكتر من كده .. ببقى حاسس انى مش راجل و انا بعمل كده من ورا ضهره ..

تنهدت هي هامسة :- عندك حق يا ماجد بس نعمل ايه ف تحكمات بابا.. هانت .. كلها السنة دى و اخلص يا سيدى .. المهم انك وحشتنى قووى ..
هتف ماجد في لهفة :- صحيح ..!؟
أكدت بدلال :- طبعا و الا مكنتش قلتها لو مش حساها ..
هتف مشاكسا :- طب وحشتك قد ايه!؟.. اعترفى..
قهقهت و لم تجب امعانا في دلالها مما دفعه ليهتف في هيام :- بحبك يا نرمين ..!؟..
همست متسائلة :- قد ايه ..!؟..

رد مغيظاً إياها مازحا :- قد ما بحب الكحك بسكر يا بسكوتة ..
قهقه فهتفت بغيظ :- بقى كده يا ماجد
متكلمنيش تانى ..
هتف بإسمها في وجد :- نرمين ..
همهمت :- هااا ..
همس :- متنسيش الساعة ١٢..
همست بحب :- مش ممكن أنسى ..اول ما الساعة تدق ١٢ بالليل ببعت لك كلمة بحبك ..

همس بعشق :- بتوصلنى بالثانية ..
و تنهد في ضيق و هو يقول :- انا مضطر أقفل و أرجع الوحدة ضرورى .. خلى بالك من نفسك ..
لا اله الا الله ..
هتفت بدورها :- و انت كمان خلى بالك من نفسك و من منير .. لا اله الا الله ..
أغلق كلاهما الهاتف على أمل اللقاء عند دقات الساعة الثانية عشرة مساءً بتوقيت الحب ..

صرخت شيماء فى غل و هى تضع تلك الملابس المتسخة بالشحوم و الزيوت امامها فى طبق بلاستيكى ضخم ملأته بالماء الساخن و الصابون و جلست على ذاك الكرسى الخشبي المنخفض فى قلب الحمام تحاول ازالة تلك الشحوم من ملابس ناصر .. كان قد فاض بها الكيل و فقدت ما تبقى من عافيتها فى محاربة تلك الأوساخ لتهتف فى حنق بصوت عال لأمها فى المطبخ الذى يفصله عن موضعها مسافة ثلاثة اقدام :- هو فى ايه بقى!؟ انا هلكت ..ما حد يقول للباش مهندس ان كده كتير .. ما يلبس العفريتة و هو بيصلح عربياته بدل هدة الحيل فى دعك هدومه بالشكل ده..

هتفت نعمة مؤكدة :- ما انتِ عرفاه .. مش بيحب يلبسها .. يعنى هو ده جديد على ناصر ..!!.. طول عمره كده ..
هتفت شيماء فى امتعاض :- و الله ده ظلم بقى .. يشوف له حد يدعك هدومه اللى طلعت روحى دى..
هتف ناصر بصوته الجهورى و قد وصل له صوت اعتراضاتها منذ دخل من باب الشقة ليقف امام باب الحمام حيث تجلس :- خير !؟.. الكونتيسة مش عاجبها هدومى و الزيت اللى فيها ..!؟.. نجيب مين بقى يدعكهم يا خيبتها ..

ابتلعت ما بقى من اعتراض بحلقها و هى تخرج غليلها فى المزيد من دعك ملابسه التى ودت لو ألقت بها من اقرب نافذة .. و ياحبذا لو تبعتها بصاحبها .. هدأ ذاك الخاطر من حنقها قليلا و ما ان همت بالنهوض من امام ذاك الطشت البلاستيكي و قد أنهت ما كان عليها تنظيفه بعد ان أدمت كفيها .. لتجد فجأة ناصر يقف على اعتاب الحمام حاملا بعض من ملابسه التى يبدو انه خلعها لتوه و ارتدى اخرى نكاية بها و دفع بها فى غيظ تجاه الطبق الذى كان يمتلئ ماء به بعض المنظفات هاتفا :- خدى دوول كمان .. اهو تنشفى شوية .. و استطرد ساخرا يلوح بكفه بجانب جبهته فى تحية عسكرية :- و لما تغسلى هدومى بعد كده تبقى تضربى لها تعظيم سلام ..

ضربت شيماء فى غيظ الماء ذو الرغوة بكفيها ليتناثر على جانبى الطبق و يشملها غير قادرة على الإتيان بحرف رغم انها تكاد تموت غيظا و قهرا...
هتف ناصر و هو يراها تعبر عن غضبها بهذه الطريقة :- ايه ..!؟. شايفك مش مبسوطة برضو .. طب اروح اجيب باقى الهدوم بقى ..
هنا صرخت شيماء فى قهر :- أماااا
هتفت نعمة تساندها :- أعتقها بقى يا ناصر خلاص ..

هتف ناصر :- عشان خاطرك انت بس ياما .. لكن و الله اسمعها تانى مش عاجبها هدومى ما هايحصل طيب ..
و اندفع عائدا لحجرته .. و ما ان تأكدت شيماء انه غادر بالفعل حتى ألقت بملابسه فى اتجاه عتبة باب الحمام حيث كان يقف منذ لحظات مما دفع نعمة لتنفجر ضاحكة ..

اندفع مؤمن لأحضان امه التي استقبلته فاتحة ذراعيها بشوق جارف لفلذة كبدها الغائب منذ فترة ليست بالطويلة لكنها كذلك من وجهة نظرها كأم تفتقد وليدها المقرب لقلبها و الأحن عليها من بين أخواته ..
جذبته في سعادة لطاولة الطعام الموضوع عليها ما لذ و طاب هاتفة:- انى و ايمان من الفچر بنحضر لك كل الأكل اللى عتحبه يا عين امك ..

ابتسم مؤمن و هو يتخذ موضعه على الطاولة هاتفا في محبة مقبلا يدها امتنانا :- تسلم ايديكم يا ست الكل .. و بعدين ايه كل دِه .. كَتير .. و الدنيا مش ناجصة مصاريف ياما عشان دروس الثانوية بتاعت ايمان ..
هتف ماهر الذى ظهر اعلى الدرج هابطا إياه منضما لهم على طاولة الطعام في سخرية :- كل بس و متجلجش .. الخير كَتير .. امك اتفتحت لها طاجة الجدر ..
هتف مؤمن غير مستوعب لما يقصده أخيه :- جصدك ايه ..!؟.. طاجة جدر ايه اللى بتتكلم عنيها ..!؟.. ستى أديتكم حاچة من ورث ابوى ..

انفجر ماهر مقهقها وهو يلوك قطعة لحم بين انيابه :- ستك ام ابوك ..!؟.. ليييه .. لهو الحداية بتحدف كتاكيت..!؟.. دِه خالك زكريا اللى عاود من غيبته يا سيدى ..
هتف مؤمن بسعادة :- عن چد !!.خالى زكريا رچع .. وايه عامل !؟

همت سمية بالحديث الا ان ماهر قاطعها هاتفا :- عامل بيه و لا بتوع الأخبار .. و شكله الدنيا مزهزة معاه ع الاخر .. دِه أدى لأمك مبلغ منتحصولش عليه ف سنة بحالها و جالها هايبعت زييه كل شهر عشان طلباتنا .. تبجى طاجة الجدر اتفتحت و لا لاااه .. و لا الحوچة لورث ابوك و لا لغيره ..

هتفت سمية و هي تنظر لولدها البكر شذرا :- إيوه هو هايبعت فلوس كل شهر عشان مصاريفنا ..بس جال برضك انه لو عايز تكمل علامك تكمله و هو هيساعدك و كمان هيعمل لك مشروع تسترزج منيه و هيساعد مؤمن يتوظف بعد خلصانه الچيش يعنى البعيد يفهم ان اللى بيبعته دلوجت مش على طوول .. لحد ما تشدوا حيلكم و توجفوا على رجليكم و بعدها كل واحد فيكم يشيل حاله ..

امتعض ماهر و لم يعقب بينما هتف مؤمن مؤكدا :- معلوم ياما .. هو دِه الكلام الموزون .. هو احنا هنفضلوا عالة على الراچل طول عمرنا .. كتر خيره انه هيساعد من الأساس ..
هتفت ايمان بدورها :- صدجت يا مؤمن .. دِه انى لو أطول اشتغل و مكلفش حد حج دراستى لأعملها ..
هتف ماهر محتجا :- مبجاش الا انتِ كمان اللى تعملى لنا فيها ام كرامة ..

صمتت ايمان على مضض الا ان مؤمن طيب خاطرها بربتة حنونة على كفها اسفل المائدة ..
انتفض ماهر تاركا الطعام في اتجاه باب الدار ليهتف مؤمن خلفه :- على فين يا ماهر .. مش هتجعد معاى شوية .. انى اجازتى يا دوب مش محصلة يومين..!؟

هتف ماهر و هو يهم بغلق الباب خلفه:- هنجعد .. ارچع بس من مشوارى و نسهر طول الليل سوا ..
أغلق الباب ليعم الصمت للحظات حتى قطعته امه سمية هاتفة في ضيق:- تسهر مع اخوك طول الليل .. كيف و انت طول الليل مع الغوازى و مبتاجيش الا وش الصبح .. !؟..

هتف مؤمن مؤنبا امه بنظراته حتى تنتبه لوجود ايمان و إمساك لسانها عن ذكر ما لايليق في حضرتها:- ياما .. مش وجته ..
تنهدت في حسرة و تناولت قطعة لحم لاكتها بغيظ حتى تخرس نفسها عمدا عن الشكوى من ماهر لأخيه بينما ربت مؤمن على كتف ايمان التي نكست رأسها في حزن على حال اخيها الأكبر و هتف في محبة :-ايه الچميل مبياكلش ليه ..!؟.. لااااه دِه انتِ ثانوية عامة و دى عايزة تركيز و مچهود .. كلى يا منمن ياللاه و الا و الله ما دايج الاكل اللى طلع عينكم ف عمايله دِه ..

ابتسمت في سعادة هاتفة :- حاضر هاكل .. بس خد كل دى من يدى..
تناول من كفها قطعة اللحم و هتف في مرح وهو يندفع للطعام بشهية:- واااه
دِه انى كنت چعان و انى مش واخد بالى ..

بدأ الجميع في تناول الطعام بروح يغلب عليها المرح و السعادة و خاصة مع تلك القصص و النوادر التي يقصها مؤمن عما يحدث بين اقرانه في معسكر التجنيد و كذلك رحيل ماهر الذى يعد وجوده مصدر شقاء و تعاسة ..

استيقطت كالعادة و اول ما طالعته هو جوالها الذى لا يفارق يدها ليل نهار و بدأت في تصوير نفسها بكل الأوضاع الممكنة لتضعها على مواقع التواصل الاجتماعي لصديقاتها .. و لكنها توقفت عندما أتتها رسالة ما مجهولة المصدر فتحتها في تعجب .. اعتقدت انها مرسلة بالخطأ كما هو وارد .. لكنها استمرت في القراءة لتنتفض شاهقة في فزع و هي تتطلع لتلك الرسالة من جديد و تحاول ان تع كل حرف من حروفها ..

فتحت ذاك الرابط المرسل مع الرسالة لتشهق بمزيد من الزعر و تبدأ في الصراخ و النحيب .. فعلى ذلك الرابط وجدت صورها كلها التي كانت تنشرها على بعض التطبيقات و التي تعتقد انها محمية و غير قابلة للنشر منشورة و بأوضاع مخلة جعلتها تكاد تفقد وعيها .. ان من يتطلع لتلك الصور يتأكد انها صور تم تركيبها بتقنية الفوتوشوب لكن كيف يمكنها إقناع من يراها بذلك .. ستُفتضح و تُدمر سمعتها .. و تذكرت كيف سيكون رد فعل باسل اخيها او حمزة خطيبها على تلك الصور التي لو تم نشرها فلن يكفيهما وأدها حية للتخلص من عارها ..

بدأت في النحيب من جديد غير قادرة على التفكير او اتخاذ قرار يمكنه ان ينفذها من ذاك الحقير الذى يبتزها..
و أخيرا دخلت عليها تسنيم الغرفة لتُصدم بأختها المنهارة بهذا الشكل
فتندفع اليها في لوعة هاتفة :- وااه.. ايه في يا تسبيح !؟.. ليه البكا ده كله!؟..ايه اللى حصل .. !؟..طمنينى.

دفعت تسبيح جوالها لكف تسنيم و لازال نحيبها تعلو وتيرته و تزداد ألما و قهرا لتشهق تسنيم بدورها و هي تضع كفها على فمها في صدمة ..
و أخيرا هتفت تسبيح من بين دموعها صارخة :- اعمل ايه دلوجتى .. أتصرف ازاى ..!؟.. البنى آدم ده اللى خد الصور بيبتزنى عشان عايز فلوس و الا هينشر الفيديو ده .. اعمل ايه!؟.. اعمل ايه يا تسنيم جوليلى ..

و بدأت في اللطم على وجهها في انهيار تام.. احتضنتها تسنيم و هي غير مدركة للحل الأمثل لتلك المصيبة التي ما كانت على البال او الخاطر و أخيرا هتفت :- احنا لازم نقول لحد يساعدنا يا تسبيح ..
صرخت تسبيح متشبثة بها :- لاااه .. أوعى تجولى لحد .. انتِ عارفة باسل ممكن يعمل ايه لو عرف حاچة زى دى .. و لا حمزة .. و لا أبوكى..

لااااه .. أوعى يا تسنيم عشان خاطرى متندمنيش انى جولت لك .. اوعدينى انك مش هتبلغى حد بالمصيبة دى .. اوعدينى ..
هزت تسنيم رأسها إيجابا :- أوعدك يا تسبيح بس اهدى .. و الله ما هقول لحد ابدا .. بس هنتصرف ازاى .. و الحقير ده اكيد طالب حاچة عشان مينشرش الفيديوهات دى ..
هزت تسبيح رأسها هاتفة :- ايوه .. طالب فلوس .. عشرين ألف چنية ..

هتفت تسنيم صارخة :- كام ..!؟ .. ده مبلغ كبير يا تسبيح .. ازاى هنتحصل عليه ..!؟..
هتفت تسبيح :- نبيع اى حاچة .. انا هبيع دهبى .. مش عارفة يكفى و لا لاااه .. بس ده اللى جدامى ..
أكدت تسنيم :- و انا كمان هبيع دهبى و نشوف يچيب المبلغ ده و لا ايه ..
انفجرت تسبيح مرة أخرى في البكاء لتعاود تسنيم احتضانها من جديد و محاولة تهدئتها هامسة لها :- اهدى يا تسبيح .. انا معاكِ .. هتعدى على خير ان شاء الله ..

انتفضت كلتاهما عندما وصل إشعار لرسالة أخرى لتفضها تسبيح بيد مرتجفة و تهتف في صوت مهزوز و مرتبك :- ده عايزنى اوديله الفلوس بعد يومين .. ف البيت المهچور اللى على مدخل البلد الساعة خامسة المغرب ..
هتفت تسنيم رافضة :- تروحى فين!؟.. لاااه مفيش مرواح .. أحنا عارفين ده مين و لا ممكن يعمل معاكِ ايه ..!؟...
هتفت تسبيح و قد بدأت في النشيج من جديد :- طب هعمل ايه طيب ..!!..

هدأتها تسنيم هاتفة :- اهدى دلوجت و كل عجدة و ليها حل .. المهم دلوجتى نبيع الدهب و يبجى معانا المبلغ و لما يجى وقت تسليمه يبقى يحلها المولى من عنده ..
هزت تسبيح رأسها و قد بدأت تهدأ قليلا لكن تسنيم لم يهدأ لها بال فقد استشعرت ان هذا الامر لن يمر على خير و ان هناك امر ما سئ يلوح في الأفق و تظلل سحبه سماءها بغمام قاتم يعميها عن رؤية طريقا اخر للنجاة   

انطلقت الزغاريد صادحة بسعادة ما ان طوق خاتم خطبة حازم بنصر نهلة التى كانت تسبح فوق غيمة من السعادة غير مصدقة انها اصبحت رسميا خطيبة النقيب حازم الهوارى .. كان ذاك حلم صعب المنال رغم عشرتهما الطويلة و صداقة والدها رحمه الله بوالده الا ان ذاك الأمل كان دوما حلما لا امل فيه نظرا لطبيعة حازم الصارمة و التى لم تترك لها فرصة و لو بسيطة لتتقرب منه و لم تكن على علم برغبة ابيها فى وصيته و التى وافقت رغبتها و قربت ذاك الحلم الذى اعتقدته لفترة طويلة صعب المنال ..

ابتسمت فى سعادة و حمرة الخجل تعلو وجنتيها عندما وضعت بدورها خاتمها فى بنصره الأسمر و نظرت لتلك الكف الرجولية المفرودة امامها فى ثقة و شعرت بالأمان لانها ستضع كل حياتها بين احضان تلك الكف الأمينة ..
ابتسم حازم بدوره للجمع الحاضر للخطبة ابتسامة متحفظة مجاملة و هو يتم وضع الخاتم داخل بنصره بشكل مريح بعد ان تركته نهلة فى اضطراب و خجل متعلقا بمنتصف إصبعه و جذبت كفيها بعيدا فى حياء.

انتصف الليل و خلا منزل اللواء مختار من الضيوف ليبدأ حازم فى التنحنح فى إشارة خفية لأبيه و زوجته و اخته هدير تنم عن رغبته فى الرحيل ليهتف زكريا ناهضا متوجها لنهلة مقبلا جبينها فى محبة :- ألف مبروك يا عروستنا .. ربنا يتمم لكم على خير يارب ..
ابتسمت نهلة فى خجل متمتمة :- ميرسى قووى يا عمو ..

و بالمثل فعلت كل من هدير و زينة فى سعادة ليهتف حازم و هو يتأخر عن الجمع الذى كان فى طريقه للرحيل :- انا مقلتش صحيح .. نشرت التنقلات طلعت و اتنقلت الصعيد بالقرب من بلد بابا ..
نظرت كل من نهلة و أمها سهير لبعضهما البعض نظرات مضطربة و اخيرا هتفت سهير فى ثبات :- الف مبروك يا حازم ..

و ما ان رحل الجمع حتى نظرت نهلة لأمها فى حيرة هاتفة :- و بعدين .. احنا هانعمل ايه ف موضوع الصعيد ده ياماما .. انا مش ممكن ابعد عنك .. و لا يمكن اسيبك لوحدك ..
ربتت سهير على كتفها فى حنو :- متفكريش ف اى حاجة دلوقتى .. سيبى كل حاجة لوقتها و النهاردة متعمليش حاجة غير انك تفرحى و تتبسطى و تحلمى باللى نفسك فيه كله و بإذن الله ربنا يقدرنى و احققهولك .

دمعت عينى نهلة فى محبة و امتنان محتضنة أمها  فى سعادة والتى تلقفتها بين ذراعيها فى حب جارف محاولة مداراة ما يعتمل بداخلها من ألم لقرب فراقها عن ابنتها لتظل وحيدة تجتر الذكريات دون ان تجد من يؤنس وحدتها بعد رحيل شريك العمر.. و قرب رحيل وحيدتها بعيدا عنها لتتبع زوجها فى رحلة كفاحه كما فعلت هى يوما ما .

خرج مندفعا من أسفل احدى السيارات التى يقوم بإصلاحها و قد شعر بالجوع ينخر معدته على الرغم من إفطاره الدسم صباحا فقرر ترك ما كان يقوم به و الصعود لشقة ابيه لعله يجد ما يسد به رمقه قبل موعد الغذاء المتأخر عادة ..
اندفع يصعد الدرج حتى وصل لشقة ابيها و طرق الباب عدة مرات حتى تنبهت امه من الداخل و هرولت لتفتح مما استرعى انتباهه لعدم وجود شيماء فهتف متعجبا :- هي البت شيماء فين تفتح الباب !؟.. ده انا بقالى زمن بخبط..

هتفت نعمة و هي تعود ادراجها للمطبخ تنقذ ما تركته على نار الموقد:- تلاقيها ع السطح بتلم الغسيل هتكون فين يعنى ..!؟..
اندفع ناصر خارج الشقة صاعدا للسطح و لم يجدها فأستشعر القلق و تنبه ان حازم لم يعد بعد من اجازته ..
جز على اسنانه غيظا و اقسم ان يمزقها أربا اذا كان ما يعتقده صحيحا.

اندفع فى سرعة لبيت ابيه يقفز الدرجات قفزا و دفع الباب الذى تركه مواربا و تطلع لمكان ما بالحائط حيث يحتفظ الجميع بسلاسل مفاتيحهم
و عرف انها اخدت مفتاح شقة حازم التى تركها فى حوذة امه حتى تشرف على تنظيفها كالمعتاد ..
عاد من جديد قافزا الدرج ليندفع لبيت الحاج وهيب متحفزا ..

صعد الدرج فى هوادة فهو لا يريد ان يثير فضول أولئك الطلبة الذين يحتلون الشقة المقابلة لشقة حازم و هم ايضا سببا من الأسباب التى تدفعه ليرفض مجيئها للبيت لتنظيفه .. وصل قبالة باب شقة حازم و هم بدق الجرس لكنه وجد الباب مواربا بشكل غريب لا يستطع اى من كان ادراكه الا من يدقق و ما اثار قلقه اكثر ان المفتاح لايزل بالخارج .. هل من المنطقى تركها المفتاح بالخارج هكذا ..!؟.. دب الذعر فى نفسه و دفع الباب رغم ذلك فى هدوء متطلعا لأنحاء الشقة ..

وقف بمنتصفها تقريبا و لا صوت يذكر .. تراها صعدت للسطح لجلب بعض الأشياء لذا تركت المفتاح بالباب لتعاود الدخول .. أراحه الخاطر و هم بالخروج ليصعد السطح لكن فجأة تناهى لمسامعه حركة سقوط شئ ما قادم من غرفة النوم المغلقة ..
تقدم ببطئ و فتح الباب لينتفض صارخا فى ثورة و هو يندفع لذاك القذر الذى لم يكن الا احد طلاب الشقة المقابلة و هو يهم بها مغيبة تماما عن الوعى و ملقاة على الفراش مهلهلة الملابس ..

جذب ناصر ذاك الحقير عنها فى قوة و ألقى به أرضا و دفع فوق جسدها الشبه عار غطاء الفراش و عاد مرة اخرى لذاك القذر الذى هم بالنهوض هاربا الا ان ناصر استطاع الوصول اليه قبل مغادرته باب الحجرة ليكيل له السباب و الضربات و اللكمات ثم يعود كالمجنون للفراش يمسك بكتفيها يهزها فى قوة كمن فقد عقله صارخا:- شيماء فوقى .. شيماء قومى قوليلى ايه اللى حصل .. شيماااء ..

لكن لا اجابة فيبدو ان هذا القذر قد استطاع تخديرها بشكل ابو بأخر و هى تهم بدخول الشقة و استطاع الانفراد بها ليفعل ما يحلو له ..
عاد ناصر مرة اخرى لذاك الحقير الذى كان مكوما على الارض لا يستطع حراكا يزحف ببطء حتى ينجو بنفسه من بطش ناصر الذى عاد من جديد يكيل له الركلات فى جنون و فجأة انحنى و امسك بتلابيه يهزه صارخا فيه :- انت عملت فيها ايه !؟. انطق ..لو ..

صرخ الطالب هاتفا فى ذعر :- و الله ما لمستها .. مجتش جنبها .. ملحقتش اقرب لها .. ملمستهاش..ملمستهاش..
هم ناصر بخنقه بيديه العاريتين الا ان عصا غليظة نزلت على رأسه جعلت كفيه يرتدان عن عنق ذاك القذر و يسقط متكوما ارضا ..
نهض الشاب منتفضا لا يصدق انه نجى ينظر لأخيه الأكبر الذى كان يسكن معه الشقة المقابلة و تلك العصا التي ضرب بها ناصر و أخيرا اندفعا خارج الشقة و منها لشقتهما متفقين ضمنيا على الهروب مبتعدين عن هنا قدر امكانهما ..

لم يعرف ناصر كم مر من الوقت حتى استيقظ يتطلع حوله فى تيه يضم رأسه بكفيه فى قلة حيلة محاولا ان يمنع ناظريه من السقوط على جسدها المستباح على الفراش هناك .. نهض في تثاقل مترنحا و هو يضع كفه على موضع الكدمة القوية التي خلفتها تلك الضربة المباغتة على رأسه .. اتجه للفراش وكاد ان يبكى و هو يعاود من جديد هزها لعلها تستفيق مناديا بإسمها فى تضرع لكى تستيقظ ممنيا نفسه انه جاء فى الوقت المناسب و ان ذلك النجس لم يطلها ..

ترك جسدها يفلت من يديه متمددا من جديد على الفراش ليندفع هو خارج الحجرة للمطبخ يحضر كوب من الماء و يقف بالقرب من وجهها ناثرا رزازه على وجهها .. تململت قليلا ليتنهد فى راحة ملتقطا زجاجة العطر التى رأها على طاولة الزينة و اخذ يرش منها زخات على كفه مقربا اياه من وجهها.
اخيرا فتحت ناظريها فى تثاقل تتطلع حولها لا تع ما يحدث لكنها دفعة واحدة تذكرت ما حدث لها على الدرج و هى تهم بفتح باب شقة حازم لينقض عليها احد طلاب الشقة المجاورة واضعا منديل على انفها لتفقد وعيها و تنسى ما حدث بعدها ..

حاولت النهوض لكن ادركت ما هى عليه و نظرات ناصر اليها جعلتها تصرخ و هى تستر جسدها بغطاء الفراش بكف  و تكتم صرخاتها بالكف الاخر..
كان ناصر يقف على طرف الفراش يضرب وجهه بكفيه فى جنون .. و اخيرا تقدم لها صارخا فى وجهها متسائلا :- مسك ..لمسك .. انطقى .. ياما قلت لك متطلعيش هنا لوحدك .. ياما قلت لك البيت كله شباب و متجيش هنا لكن عمرك ما سمعتى كلام حد .. شوفى اللى حصلك .. كل ده عشان خاطر عيون الباشا .. هااا.. كل ده عشان يبص لك و يعبرك .. !!. مش هايحصل ..شوفى انت فين و هو فين .. !؟. فضحتينا حرام عليكِ ..ثم عاد من جديد يهزها بجنون صارخا :- انطقى .. قولى اى حاجة .. ريحينى و قوليلى ان النجس ده ملمسكيش .. قووولى ...

كانت تنظر اليه نظرات تائهة لا تعلم بما تجيبه فهى نفسها لا تدرك ذلك و هى التى رأها بنفسه فاقدة الوعى و منعدمة الإدراك لما حدث ..
انفجرت فى بكاء دامى و شهقات مقهورة و هو لا يكف عن ضرب الحائط بكفه حتى أدماها ..

لا يعلم كم مر عليهما من وقت و هما على هذه الحالة الهستيرية لكنه اخيرا هتف فيها :- قومى ظبطى نفسك و اغسلى وشك بسرعة .. و ارجعى البيت و متخليش امى تحس بحاجة .. انا هستناكِ تنزلى .. و انزل وراكِ بشوية بس بعد ما أصفى حسابى مع النجس اللى أتهجم عليكِ ده و هرجع الورشة و لا كأن حاجة حصلت .. انت عارفة لو اللى حصل ده أتعرف هاتبقى مصيبة لخالك ف الحتة كلها .. ابويا اللى طول عمره كبير الحتة و تاج راسها على اخر الزمن تجيبى له العار .. قوومى..

عادت لبيت خالها كما امرها ليعود هو يطرق باب الشقة المقابلة ليخرج له احد طلابها و ما ان سأل عن بغيته حتى اكد له صاحبه انه عاد من الخارج مجروحا فى عراك ما جمع على اثره هو أخيه كل ما يملكا فى الشقة و رحلا بغير رجعة ..
خرج ناصر من بيت الحاج وهيب ينتقض غيظا و قهرا حتى وصل الورشة فهتف به صبيه شكمان :- ايه ده يا أسطى ..!؟.. كفك مجروح و بينزف ..

امره ناصر بإحضار بعض القطن و مطهر من الصيدلية القريبة على اول الحارة و اخذ يفكر متسائلا :- لما كان يريد ذاك النجس و عاد يبحث عنه فى شقته ..!؟.. هل كان ينوى ان يقتله!؟..اقسم فى نفسه ان ما منعه شئ من قتله الا بعض من تعقل حتى لا يفتضح الامر و تصبح كارثة بحق .. و تساءل من جديد هل كان فى نيته تزويجه لها لمدارة الفضيحة ..!؟..

صرخ قلبه داخله ... لا .. كان اهون عليه قتله و لا ان يزوجه إياها  و خاصة انه لا يعلم هل نال منها بحق ام انه جاء فى الوقت المناسب لينقذها من بين يديه كما ادعى ذاك الحقير ..!؟.. و اذا كان كاذبا و نال منها بغيته ماذا انت بفاعل ..!؟..شعر انه على حافة الجنون لا يقو على التفكير فى مصيرها المعلق بمصيره و الذى ازداد تعلقا به بعد تلك الحادثة ..
نظر لكفه الدامى و هو يطهره و يطيب جرحه الذى لا يستشعر حتى ألمه فوجع فؤاده اكبر و انين روحه يمزق أعماقه و هو غير قادر حتى على التوجع ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة