قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الخامس

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الخامس

دخل الإسطبل حيث تقبع فرسته التى أهداها له عمه عاصم وأوكل له رعايتها منذ كان بن الخامسة عشرة .. تقدم منها رابتا على عنقها المحنى فصهلت في سعادة و هو يلقمها قطع السكر ..خلع جلبابه و ثنى اطراف بنطاله وبدأ فى احضار ما يلزم لينظف فرحانة .. فرسته الخاصة التى يعشقها والتى تعتبر اكثر من صديقة يبثها كل أحزانه وأفراحه .. شرع فى التربيت على جسد الفرسة وبدأ فى سكب الماء وتمسيدها بفرشاة النظافة.

رحل باله بعيدا .. لقد انتهى لتوه من رسالة الماجستير وناقشها اخيرا ليحصل عليها بإمتياز..
لكن ماذا بعد ..!؟..
كان حصوله على الماجستير رغبة عمه زكريا في الأساس .. و الذى وعده بأن يكون يوما ما ذراعه الأيمن في شركاته التي يديرها بديلا عن حازم ولده الذى سلك طريقا مختلفا تماما عن الهندسة و المقاولات ..

لكن .. ماذا بعد ..!؟.. انه لا يرغب فى استكمال الدراسات العليا اكثر من ذلك ..أقصى ما يتمناه الان هو العمل كما وعده عمه حتى يستطيع اكتساب خبرة عملية بجانب درجته العلمية ..
انتفض فجأة .. فتناثرت كل تلك الخواطر وهربت مبتعدة عندما ربتت عصا ركوب الخيل تلك على كتفه فى غطرسة و داهم مسامعه صوت رقيق رغم تكبره يهمس أمراً:- أنت ..

جهزلى الحصان اللى فى ايدك ده عشان اركبه ..
نظر اليها نظرة شاملة من اعلى رأسها حتى اخمص قدميها
غير مدرك من هذه المجنونة التى تطلب منه ما ليس لها ..
انتهى من تفحصها وأولاها ظهره ينشغل بفرسته من جديد ..

اشتعلت هى غضبا لتجاهله أمرها وهى التى لم تعتد ان تعيد أوامرها مرتين .. فهى تأمر فتُطاع ..
ضربت على كتفه من جديد بعصاها بقوة اكبر وهى تهتف فى سخط :- انت ايه .. اطرش .. مسمعتنيش بقولك ايه ..!؟..
نظر اليها من جديد نظرة لامبالية .. وتجاهلها من جديد ..

فصرخت فيه :- انت ازاى تعاملنى بالوقاحة دى .. انا هبلغ عمى عاصم عشان يطردك .. رد عليا يا بنى ادم انت..
استدار الان مواجها لها بكليته وهو ينظر الى قصيرة القامة تلك و الأشبه بدمية من عليائه يضع كفيه بجانبى جزعه متخصرا :- لما تخلصى جلة أدبك الاول .. ابجى أرد عليكى ..

صرخت فى هياج :- انا قليلة الادب!؟.. ورفعت عصاها لتنزل على كتفه فلا يحرك ساكنا .. فتعيد الكرة من جديد وترفع عصاها وتهم بضربة من جديد صارخة .. انت بجد حيو..
هنا مد كفه يتلقى ضربة عصاها جاذباً أياها و مطوحا بها بعيدا .. وهو يتقدم اليها وقد بدأ الغضب يغلى بعروقه وهو يتكلم من بين اسنانه :- جلى أدبك تانى .. وهتبجى ربايتك على يدى ..

شعرت بالتهديد وهو يتقدم خطوة اليها لكنها أبت ان تعترف بخوفها وسيطرته الآسرة .. فهتفت بصوت مهزوز :- انت هتربينى انا .. وضحكت بتوتر .. ليه .. فاكر نفسك مين ..!؟.
هتف صوت رجولى متزن دخل فى تلك اللحظة الفاصلة ليهتف فى فخر :- الباشمهندس حمزة سليم غسان الهوارى .

شهقت هى فى صدمة حقيقية .. بينما تطلع هو لذاك الرجل المهيب الذى يقف لا يتبين ملامحه حيث يغمره الضوء الخارجى عند الباب فيصنع له ظلا يصعب معه تحديد ماهية الرجل .. هو متأكد انه لم يلتقيه يوما فى حياته .. لكن يبدو انه يعرفه .. ويبدو ان له علاقة بتلك المتغطرسة قليلة التربية القابعة أمامه الان مشدوهة فى صدمة لا يعرف لها سببا ..

والتى تكلمت اخيرا هاتفة فى عدم تصديق :- مش معقول ده يكون حمزة يا دادى .. !!؟..
هتف حمزة حانقاً من لهجتها :- لاااه.. .. انا حمزة بشحمه ولحمه يا روح دادى.
ثم استدار للرجل الغامض هاتفاً :- بس حضرتك مين ..!!؟..وتعرفنى منين!؟
تقدم اليه الرجل الغامض فى تؤدة حتى اصبح ما بينهما لا يتعدى مسافة ذراع وقال بصوت يحمل حنين وشوق طاغ:- ليك حج متعرفش عمك زكريا يا ود اخوى ..

سمرت الصدمة حمزة فى مكانه لثوان اندفع بعدها فى احضان عمه معانقا أياه فى لهفة حقيقية .. و اخيرا ابتعد محرجا بعد ما تذكر ان ملابسه مبتلة ويده متسخة من اثر المياه الخاصة بنظافة الفرس ..
تكلم فى تلعثم :- اسف يا عمى .. معلش .. وهو يشير الى الفوضى التى خلفها سلامه على ملابسه ..

ابتسم زكريا فى حبور :- ولا يهمك يا باشمهندس .. فداك
هنا هتفت هدير بلهجة غير
مستحسنة :- بقى ده حمزة !؟.. ده انا افتكرته السايس بتاع الخيل ..
هتف فيها زكريا موبخا :- هديررر..

امسك حمزة لسانه احتراما لعمه لكنه رد فى ادب :- معندناش حريم بيركبوا خيل فى جلب البلد ..وباللبس اللى انتِ لبساه ده ..
هتفت مستنكرة :- حررريم .. وهمست بانجليزية تلعن تخلفه فهمها بالطبع وابتلعها ولم يعلق احتراما لعمه
الذى ربت على كتفه متجاهلا ابنته المدللة وقال :- حصلنى يا حمزة على دارنا .. فى مواضيع كتير عايز أناجشها معاك..

أومأ حمزة موافقاً .. ورمقها بنظرة قاسية وهى تتبع ابيها متمايلة فى دلال تنظر اليه شذرا .. واخيرا تخرج له لسانها كما الاطفال وهى تنحرف يميناً قبل ان تختفى خلف باب الإسطبل مما دفع الابتسامة لتقفز الى شفتيه وهو يؤكد انها مجنونة لامحالة ..

لازالت العائلة مجتمعة حول مائدة الطعام يتجاذبون أطراف الحديث و فجأة هل عليهم صوت غريب هتف من على باب السراىّ الداخلى مشاكسا:- ليا مكان ف اللمة دى و لا نسيتونى خلاص ..

انتفض عاصم لسماعه ذاك الصوت المألوف على أذنيه مما دفع كرسيه ليسقط أرضا و هو يستدير متوجها بكليته لصاحب الصوت الذى ما ان طالع عاصم محياه حتى صرخ في شوق :- زكريا .. وااه يا واد عمى اندفع اليه عاصم محتضنا إياه وسط دهشة و تعجب الجميع الذين نهضوا في ترقب يشاهدون ذاك الاستقبال الحار ..

ربت عاصم على ظهر بن عمه في معزة حقيقية هاتفا :- و الله و لك واحشة كَبيرة يا زكريا .. من ميتا بتجول جاى و نستناك و لا تجيش..
طولت الغيبة جوووى يا واد عمى..
ربت زكريا على كتف عاصم متأثرا لحفاوة الاستقبال و هتف بصوت متحشرج :- معلش يا عاصم .. كل شيء بأوان .. و اللجا نصيب ..
هتفت زهرة محيية في سعادة :- الف حمدالله ع السلامة يا زكريا ..

هتف زكريا لها في تأدب :- الله يسلمك يا مرت الغالى .. كلك خير يا داكتورة..
ثم استدرك مستديرا الى هدير التي كانت تقف في صمت تتطلع الى السراىّ حولها في شيء من الفضول و جالت عيناها على الوجوه المتطلعة الى ابيها و عمها عاصم ثم اليها الان في رهبة الا ان زكريا هتف و هو يربت على كتفها مقربا إياها لموضع وقوفه :- دى هدير بنتى الصغيرة ..هتتخرج كمان كام شهر من إدارة اعمال ..

تقدمت هدير تلقى التحية على عاصم الذى هتف في محبة :- الله اكبر .. ربنا يخلى يا زكريا .. دى عروسة ما شاء الله .. دى تجريبا كد تسبيح بت سهام.. و أشار إلى موضع تسبيح حيث تقف الان في اخر الطاولة و التي تنبهت لذكر اسمها فأبتسمت في مودة الى هدير و اشارت محيية فأبتسمت هدير لها بدورها ..
هتف زكريا في مودة ضاحكا :- سبحان الله كنى شايف سهام و هي كدها ..

ظهرت سهام من بين الجمع هاتفة في مرحها المعتاد :- و لساتها زى ما هي يا واد عمى مكبرتش يوم ..
قهقه زكريا :- و الله صدجتى .. متغيرتيش يا سهام .. ربنا يحرسهالك
تنحنح حسام ناظرا لسهام شذرا وهو يهتف في ترحيب :- حمدالله بالسلامة يا زكريا .. و الله العيد كنه عيدين النهاردة برچعتك ..

هتف زكريا ممتنا :- تسلم يا حسام ربنا يعزك .. و الله دِه انى اللى كنى اول مرة ادوج طعم العيد ..
هتفت سهام من جديد قاطعة سيل الترحيب و هي تشير لأولادها :- و دِه يا زكريا ولدى باسل .. البكرى .. و دى الداكتورة تسنيم خطيبة الداكتور مهران واد عاصم ..
اتسعت ابتسامة زكريا هاتفا لعاصم :-وااه يا عاصم .. دِه انى طولت الغيبة صح .. دِه انت هتبجى چد عن جريب...

انفجرعاصم مقهقها ثم هتف  :- اهااا مجلتش حاچة انى .. مش بجلك طولت الغيبة .. بس المهم انك چيت بألف خير ..
ثم هتف عاصم في استدراك :- خبر ايه ..!؟..احنا ايه اللى موجفنا كِده!؟. ادخل يا زكريا هو انت غريب .. ادخلى يا هدير يا بتى و اجعدى وسط البنات و اتعرفى على ولاد عمامك ..

ألقى زكريا السلام على الجمع الذى بدأ يتخذ موضعه على مقاعده من جديد وبدأ عاصم بتعريف زكريا بالجيل الجديد الذى لا يعرفه بالطبع فأشار لأولاده في فخر هاتفا :- دِه بجى الداكتور مهران .. داكتور بيطرى .. و البركة ف امه يا سيدى حببته ف الشغلانة ..قهقه الجمع ليستطرد و هو يشير الى سندس :- و دى بجى سندس .. الأستاذة سندس محامية و بتحضر للماچستير ف القانون .. كبر زكريا في سعادة بينما امتعض احدهم و الذى لم يكن سوى باسل الذى كان يرمقها بقدر كبير من المحبة مختلطا بقدر لا يستهان به من الغيظ ..

و استكمل عاصم هاتفا :- اما اخر العنجود فده سيادة الملازم ماچد دِه ظابط ف الچيش يا سيدى بس للأسف مجدرش ينزل اچازة العيد دِه ..
كبر زكريا من جديد و هتف بدوره :- حازم كمان مقدرش ينزل اجازة عنده مأمورية .. ما هو كمان ظابط .. بس شرطة ..
هتفت سهام :- بِسْم الله ما شاء الله .. ربنا يبارك لك فيه و يحفظه هو و اللى زيه يا رب ..

أمن الجميع و هتف عاصم في مرح:- خبر ايه .. احنا مش هناكل و لا ايه يا چماعة .. هنجضيها حكاوى .. مد يدك يا زكريا .. اتوحشناك يا واد عمى ..
ابتسم زكريا في سعادة و كأنها المرة الأولى التي يستشعر فيها فعلا معنى العيد .. بينما استطرد عاصم هاتفا لأبنته و ابنتى سهام :- يا بنات .. خلوا هدير تاكل .. أعزموا عليها لتكون مكسوفة و لا حاچة ..

هتفت تسبيح في مرح موجهة كلامها لهدير :- لا .. مكسوفة ايه .. احنا هنا اللى مبياكلش بنحطه ف أوضة الفيران ..
ضحكت هدير :- لا الا الفيران .. بخاف منهم .. خلاص هاكل يا ميس..
ابتسمت سندس و تسنيم في أريحية لبراءة هدير و عفويتها بينما تطلعت اليهم هدير هاتفة :- معلش بس عشان ملحقتش احفظ .. ممكن تقولولى مين بن مين و مخطوب لمين ..!؟..

هتفت سندس مقهقهة :- بصى يا ستى انا سندس بنت عمك عاصم انا مش مخطوبة و خلصت دراسة و بحضر ف الماجستير ..
هتفت هدير بأنجليزية :- برافو ..
لتستطرد تسنيم :- وانا بقى تسنيم بنت عمتك سهام لسه مخلصة دراسة الطب و يا دوب مخطوبة من فترة بسيطة لمهران توأم سندس ..
ابتسمت هدير في استحسان بينما هتفت تسبيح أخيرا :- انا أعرفك بنفسى بلا فخر ..

انفجرن ضاحكات لتستطرد :- انا تسبيح بنت عمتك سهام و بدرس طب أسنان و ف اخر سنة واتخطبت من قريب لحمزة بن عمك ..
صرخت هدير عند ذكر اسم حمزة هاتفة بأنجليزية :- يا آلهى ..
و استطردت بالعربية في سخط :- انتِ خطيبة الكائن ده ..اعوذ بالله ..
قهقهت الفتيات بينما امتعضت تسبيح هاتفة :- و ماله حمزة ..!؟..

اشارت هدير بكفها متأسفة بانجليزية:- انا متأسفة جدا ..
و استطردت :- انا بس مش متخيلة انك تكونى خطيبته ..هو مش المفروض بن عمى وكده بس انت لذيذة عنه كتير الصراحة..هو شخص مش متحضر بالمرة..
هتفت تسبيح مصدومة :- مش متحضر !؟..
تنبهت هدير لخطأها فهتفت تعتذر :- اووه .. متأسفة .. بصى .. أنسى كل اللى قلته ..
قهقهت الفتيات من جديد على عفوية هدير و تلقائيتها ..

أصطحبت الفتيات هدير في جولة حول السراىّ بينما اصطحب عاصم زكريا لأستراحة الإصطبلات ليرحب به جميع الهوارية على اختلاف أعمارهم ..
دخل عليهم فلم يعرفوه الا بعد ان عرفه عاصم في فخر .. اندفع الجميع اليه في ترحاب و معزة حقيقية جعلت قلبه يرفرف فرحا .. فها هو بين الهوارية و ينال بين رجالها حظوة و تشريف و الكل يخطب وده و يتمنى رضاه و يتقرب منه ..بل ان بعضهم طلب منه قضاء بعض مصالحهم لما له من مكانة و مقدرة و هو وعدهم انه لن  يتأخر لحظة عن تنفيذ ما طلبوه ..

كانت زيارته للاسطبلات واجبة حقا فقد اثلجت صدره و أشعرته ان رحلة تيهه و وجعه التي سرقت عمره ما كانت هباءً .. و ان زرزور الذى كان حبيس تلك الاسطبلات التي يجول في جوانبها بناظريه الان قد اضحى زكريا بيه الهوارى بعرق جبينه و بساعد يده لا استناداً على عز موروث او لقب يزيل اسمه في بطاقة هويته الشخصية...

هتف زكريا لعاصم بعد ان انفض الجمع من الاسطبلات :- بجولك ايه يا عاصم .. !؟..
تنبه عاصم و هو يضع كوب شايه الفارغ بالقرب منه على احدى الطاولات :- خير يا ابوحازم ..
هتف زكريا :- انى عايز أزور سمية.. ينفع ..!؟..
انتفض عاصم :- وااه .. و دِه اسميه سؤال برضك !؟ .. دى اختك .. طبعا ينفع جووى ..

اضطرب زكريا :- بس اصلك انت عارف يعنى الموال الجديم ..لتكون لساتها شايلة ف جلبها منى ..
هتف عاصم مشاكسا :- سمية اختك فيها ما فيها بس و الله غلبانة .. تعال شوف حالها بعد ما أمها و جوزها راحوا .. ولدها الكبير ماهر ملودها تجول فولة و انجسمت نصين من سليم اخوك الله يرحمه .. اما مؤمن ولدها التانى سبحان الله ايه من الآيات .. أدب و تدين مفيش بعد كِده .. اما ايمان اخر العنجود ف بت حلال نسمة.. تربية مؤمن اخوها ..

تنهد زكريا :- يعنى ينفع نجوم نزورها دلوجت ..!؟..
اكد عاصم منفذا و هو ينهض :- معلوم .. جوم بينا ..
توجها لبيت سمية و طرقا الباب طال انتظارهما و أخيرا فُتح الباب لتطل منه سمية هاتفة في تساؤل :- مين ..!؟
هتف عاصم مجيبا :- انى عاصم واد عمك يا سمية و معاى ليكِ مفاچأة ..

انفرج الباب و طلت منه سمية بكاملها هاتفة في سعادة :- عاصم .. تعال يا واد عمى ادخل .. و مرحب بضيوفك..
هتف عاصم :- دِه مش ضيف يا سمية.. دِه صاحب بيت بس بجاله زمن غايب ..
تنبهت سمية و استدارت بكليتها لمواجهة ذاك الظل الذى بدأ يظهر من خلف عاصم لتهتف في صدمة :- زكريا .. !!..
وتقدمت من اخيها هاتفة من جديد تستوضح معالم وجهه :- بچد .. هو زكريا ..

لم تمهل زكريا لينطق حرفا واحدا بل اندفعت الى احضانه تتشبث به كمن وجد طوق لنجاته تهتف باكية :- وااه يا زكريا .. توك ما افتكرت ترچع .. دعيت ربنا كَتير لجل ما ترچع و تشيل عنى الشيلة .. انى تعبت ياخوى.. تعبت ..
ترك زكريا عصاه تسقط أرضا و ضمها بين ذراعيه مهدئا متأثرا لإستقبالها الذى لم يكن يتوقعه هامسا:- و الله لو اعرف انك محتچانى لكنت سبت الدنيا كلها و چيت لك .. انى كنت فاكر انك مش جابلانى و لا جابلة شوفتى ..

هتفت سمية في نحيب :- مبجيش غيرك يا زكريا .. مبجاليش حد .. امى راحت و سليم أخوى و عدلى چوزى.. معدش ليا حد يا خوى ..
هتف عاصم محاولا تخفيف الشجن المحيط بهما :- بجى كِده يا سمية !؟.. و انى رحت فين ..!؟..
تنبهت لوجود عاصم فرفعت رأسها من بين ذراعى اخيها هاتفة :- و الله يا عاصم لولا وجفتك چارى لكنت شحت انى و ولادى و ما لجينا العيش الحاف..

هتف عاصم مؤنبا :- وااه .. متجوليش كِده ..أدى الكلام اللى يزعل دِه انت و سهام ف غلاوة واحدة و ربك العالم ..
هتف زكريا متعجبا :- و ليه كل دِه .. فين ورثك من ابوكِ و لا حتى من چوزك ..!؟..

تنهدت في حسرة و هو تشير لهم بالجلوس على الأرائك القريبة هاتفة و هي تكفكف دمعها بظاهر كفها :- ورث ..!؟.. ورث ايه بس ياخوى !؟.. ورثى من ابويا جبرنى عدلى الله يرحمه أتنازل له عنيه عشان كان عايز يعمل بيه جال ايه مشروع و إلا يطلجنى و يرمينى بعيالى التلاتة .. جلت و ماله .. أتنازل .. ما هو كله للعيال .. و مفيش بعدها بكام شهر راح ف حادثة و أدور على اللى لعياله منيه ملجيش و لا مليم .. كان كاتب كل حاچة بأسم امه .. و لا طلنا لا أبيض و لا اسود .. لولا عاصم اهو بيساعد باللى يجدره عليه ربنا و ماهر ساب علامه و بجى بيشتغل عشان اهو يسند حاله ع الأجل ..

هتف زكريا :- هو ماهر كان بيدرس ايه ..!؟..
هتفت سمية :- ملحجش .. يا دوب دخل اول سنة كلية تچارة و سابها عشان يشتغل .. اما مؤمن فكمل و خدها و هو بيخلص التچنيد و ايمان لساتها ثانوية عامة السنة دى ..

هز زكريا رأسه متفهما و هتف :-متجلجيش يا سمية .. انى وراكِ و مش هسيبك ..و باذن الله يخلص مؤمن چيشه هشغله بمعرفتى اما ماهر فهنشوف له مشروع صغير يشتغل فيه و لو عايز يكمل تعليمه و ماله .. يكمل و ميشلش هم .. و كل ما يلزمك و يلزم عيالك انى متكفل بيه مهما كان..
انفجرت سمية باكية من فرط سعادتها هاتفة :- صح يا زكريا .. يعنى مش هتسبنى لحالى تانى ..

اقترب منها رابتا على كتفها في محبة هامسا بشجن :- اسيبك ايه بس يا مخبلة دِه انى ما صدجت لجيتك ..
تعلقت بذراعه كطفل صغير يبغى الحماية و بدأت في البكاء من جديد..

تجمعت أسرة يونس مع زكريا و ابنته حول مائدة العشاء وضعت كسبانة الاطباق التي تحمل ما لذ و طاب على الطاولة مهللة بفرحة لقدوم زكريا أخيرا لتهتف سكينة :- و الله يا زكريا يا بنى امك شافت رؤية انك چاى و انى اجول لها دِه انت بس عشان نفسك ياجى بتحلمى بشوفته ..
و استدارت لبخيتة رابتة على كفها في مزاح :- بس كنها شيخة مرفوع عنيها الحچاب .. بركاتك يا حاچة ..
انفجر الجمع ضاحين ليربت على كتف امه في حنو هاتفا :- امى طول عمرها جريبة من ربنا ..

ثم استطرد مقهقها :- فاكرة يا ياما لما كنتِ تچرى ورايّ بچريدة النخلة عشان محفظتش الربع اللى چال عليه شيخ الكُتاب..
انفجرت بخيتة مقهقهة للذكرى مؤكدة:- إيوه .. و ابوى كان ينچدك من يدى و يرفعك على السجرة عشان معرِفش اطولك ..
قهقه زكريا بدوره و كذلك هدير التي هتفت مازحة :- طول عمرك شقى يا زيكو .. بس ايه جريدة النخلة دى !؟..

انفجر الجميع ضاحكين على تساؤلها البرئ و هتف حمزة :- دى السعفة بتاعت النخلة اللى نازلة من راسها هبجى أشاور لك عليها ..
هزت رأسها متفهمة :- اهااا.. شوور.. عرفتها ..
هتف زكريا لحامد :- و انت بتدرس ايه يا حامد ..!؟..
اكد حامد في تأدب :- بدرس ذراعة ف اخر سنة السنة دى ان شاء الله ..

هتف زكريا :- ما شاء الله .. ابوك كان نسخة منيك و هو ف سنك ..
ابتسم يونس في محبة للذكرى بينما هتف حامد مستفسرًا :- دايما كنت اسمع ابويا بيشكر فيك و يجول انك اچدع راچل جابله ف حياته بس عمرى ما عرفت إنتوا اتجابلتوا فين!؟..

عم الصمت المطبق للحظات فلا احد يعلم بماض يونس الا كسبانة زوجته و بخيتة و عاصم و لم يُفتح هذا الموضوع مطلقا منذ قدم يونس الى النجع للإشراف على ارض زكريا بتوصية من زكريا نفسه الذى أراد ليونس حياة جديدة و نظيفة بعيدا عن المولد و السجن و ذكرياته ..
قطع زكريا الصمت هاتفا :- اتجابلنا ف المحاچر .. كنّا بنشتغل ف المحچر انى و هو .. و اتعرفنا هناك .. عرفت يا باشمهندس حامد .. !!..

ابتسم حامد هاتفا في مرح :- شايفين كلمة باشمهندس حامد عاملة ازاى .. و الله يا عمى زكريا انت اول واحد يحترمنى ف الدار دى...
انفجر الجميع مقهقهين ليتوجه زكريا بكلامه لحمزة هذه المرة مؤكدا :- بجولك ايه يا حمزة .. انا هسافر و عايزك تحصلنى .. چهز اوراجك كلها و مكانك محچوز ف الشركة عشان احنا داخلين ف الچد و الشغل التجيل جاى و عايزك معاى ..

هم حمزة بالتحدث الا ان هدير قاطعته هاتفة :- هو حمزة هيشتغل معانا ف الشركة يا دادى ..!؟..
هتف حمزة متعجبا :- معاكوا ..!؟..
اكد زكريا :- ايوه يا هدير ..
شتمت بصوت خافت و رغم ذلك ادرك حمزة سخطها و جز على أسنانه غيظا من تلك المدللة عديمة اللياقة فهتف بدوره لعمه :- بتجول معاكم يا عمى .. كيف يعنى .. هي الانسة هدير بتعمل ايه ف الشركة لامؤاخذة..!؟.. هي مش شركة هندسية و مجاولات برضك .. !؟..

اكد زكريا :- ايوه يا حمزة ما انى جايل لك كِده من زمان .. هدير بتدرب ف الشركة ..السنة دى هتتخرج من إدارة اعمال جامعة أمريكية ..
هتف حمزة بصدمة و هو يشير اليها:-دى ..!؟.. دِه انى كنت فاكرها ف الإعدادية ..!؟..
انفجر زكريا مقهقها و تبعه الجميع الا هدير التي زمت ما بين حاجبيها في ضيق و ادركت انه ينتقم منها بسبب سبابها الذى ايقنت انه وصل اسماعه منذ قليل ..حسنا هو لا يترك ثأره و هي أيضا بها عرق صعيدى و لن تفعل لكن لكل شيء أوان .. و همست في سرها :- كان الله بعونك يا تسبيح..

هتف ناصر و هو يدخل غرفتهما المشتركة موجها حديثه لأخيه نادر مستنكرا :- هو ايه .. اليومين بتوع الإجازة بيطيروا كِده ليه ..!؟ ملحقناش نقعد مع بعض .. و لا حتى قلت لى ع الموضوع المهم اللى كنت عاوزنى فيه ..
هتف نادر و هو يضع ملابسه بداخل حقيبته الصغيرة هاتفا :- خلاص هانت .. كام شهر و اسلم المخلة و اخلص من الجيش و اقعدلك لحد ما تزهق منى ..
ابتسم ناصر  والفضول يتآكله :- طب و ايه الموضوع المهم اللى كل ما تيجى تقوله يحصل حاجة او حد يقطع كلامنا ..

هم نادر بالتحدث الا ان طرقا على باب الغرفة أوقفه لينظر كل منهما للأخر و ينفجر ضاحكا ..
نهض نادر يفتح الباب ليجد شيماء تقف به و هى تحمل بين كفيها علبة ملفوفة بإحكام سلمتها له هامسة بوهن اثر وعكة ألمت بها:- امى بتقولك خد العلبة دى فيها الأكل اللى طلبته و شوية قراقيش للفطار ليك ولزمايلك..

ابتسم لها نادر ببشاشته المعتادة هاتفا :- تسلمى يا شوشو يا قمر .. الأجازة الجاية عايز صحتك بمب و ترجعى شوشو القمر اللى اعرفها و الا هايبقى خسارة فيكى العريس اللى جايبهولك ..

ابتسمت شيماء فى وهن و غادرت متمنية له السلامة .. ليدخل الى الغرفة حاملا العلبة الكرتونية ليضعها جانبا و يعاود تحضير حقيبته و هو ينظر لأخيه الأكبر الصامت فى انتظار اطلاعه على موضوعه الهام .. صمت للحظات بدوره و اخيرا هتف فى مرح متطلعا لناصر :- الظاهر كده انى هاخد الشقة اللى فوق منك .. مش المعلم خميس قال اللى يتشطر و يتجوز الاول هو اللى ياخدها ..

حملق ناصر فى أخيه غير مصدق و اخيرا اندفع اليه محتضنا اياه فى سعادة رابتا على ظهره فى فخر هاتفا :- الف مليون مبروك  يا بطل..
و انفجر مقهقها مستطردا :- و حلال عليك الشقة الفوقانية يا سيدى .. بس مقلتش مين اللى أمها داعية لها دى ..!؟..
اندفع نادر خارج الغرفة حاملا حقيبته و علبته الكرتونية مقهقها :- لااا .. هو انت عايز تعرف كل حاجة مرة واحدة .. و ببلاش كده ..دى بقى الأجازة الجاية بإذن الله ..

ودع نادر الجميع راحلا و هبط الدرج مع ناصر يوصيه هامسا :- خلى بالك من شوشو شكلها الأجازة دى مش عاجبنى خااالص .. شكلها تعبان بجد .. خلى بالك منها يا ناصر دى ملهاش غيرنا ..
اكد عليه ناصر فى ود و هو يحتضنه قبل ان يرحل مع احد أصدقائه الذى ينتظره بسيارة على اول الطريق :- متقلقش الإجازة الجاية هتلاقيها زى الفل .. و يمكن أكون عاملك مفاجأة انا كمان ..

هتف نادر بمشاكسة :- حلاوتك يا ابوالنصر يا جميل .. امتى بقى الإجازة الجاية دى تيجى ..!؟..
و رفع رأسه للسماء متضرعا :- يااارب هون و صبرنى ..
قهقه ناصر  لمزاح أخيه على الرغم من تلك الغصة التى كانت بقلبه جراء فراقه .. و تضرع لله بالمثل ان يرجعه الله سالما ليكمل فرحته و هو يرى ظل أخيه يختفى فى الزحام حتى غاب ..

أصر يونس على زكريا و هدير البقاء بالطابق الثانى للدار و التي أقامها يونس من اجل زواج حمزة من تسبيح و أسسها بما يلزم مؤقتا حتى تختار العروسة ما تحب قبل عقد القران مباشرة .. لم يرغب زكريا في مخالفة رغبة يونس و خاصة انها مماثلة لرغبة امه التي قالت له انها تريده ان ينام معها بنفس الدار حتى تملأ أنفاسه ما حولها لتعطيها القليل من التجلد حتى رؤياه مرة أخرى و تمنحها الصبر و بعض من وهم انه لازال هنا و لم يغادر ..

قرر البقاء و اتخذ مع هدير الطابق العلوى مكانا لبياتهما ..
ساد الصمت الدار في تلك الساعة المتأخرة و لم يبق فيها أحدا الا و هجع لفراشه ..
تملمت هدير في فراشها غير قادرة على الإغفاء و لو لدقائق معدودة بسبب ذاك الناموس المتوحش الذى اتخذ منها وليمة شهية يتلذذ بها ..

زفرت في حنق و دفعت نفسها خارج الفراش ترتدى مئزرها الحريرى تطرق الباب على ابيها الذى كالعادة يتميز بنوم ثقيل و لم ينهض مستجيبا لطرقاتها ..
اندفعت تنزل الدرج للطابق السفلى لعلها تجد من يساعدها فى القضاء على مشكلة الناموس تلك بأى طريقة .. فتحت الباب الفاصل بين الطابقين و ما ان همت بالدخول حتى انتفضت من جراء شهقة أتية من مسافة ليست بالبعيدة ..

استدارت لترى من هناك فإذا به حمزة كاد يغص في رشفة الماء التي كان يتناولها من زجاجة اخرجها من المبرد المفتوح قبالته ..
سعل للحظة و قذف الزجاجة بباطن المبرد و أغلقه بعنف هاتفا :- ايه اللى انت عملاه دِه ..!؟ ..
هتفت بتعجب :- عملت ايه..!؟ انا معملتش حاجة و الله ..
هتف و هو ينظر في كل الاتجاهات الا نحوها هاتفا :- ايه اللى انت لابساه دِه ..!؟.. حد ينزل كِده .. حتى ألبسى الروب فوج اللى انتِ لبساه دِه ..

انفجرت ضاحكة و هتفت متعجبة:- طب ما ده الروب يا حمزة ..
انتفض في غيظ و هو لا يرى الا غلالة حريرية رقيقة بدون أكمام و لا تصل لركبتيها حتى ..
تنهد في نفاذ صبر :- انتِ ايه اللى منزلك من فوج دلوجت ..!؟..
هتفت في تضرع :- هموت من الناموس .. بليز شوف حل .. انا معرفش ان في هنا ناموس متوحش بالشكل ده كنت جبت ال off بتاعى معايا ..
سخر منها هاتفا :- ال off.. !!.. اوف منك يا شيخة .. معنديش حاچة للناموس .. اصله خلاص متعود علينا.. تصبحى على خير ..

هتفت في ضيق :- حمزة .. هتسبنى كده مع الناموس ..
هتف مشوحا بكفه مبتعدا عنها :- دِه بيرحب بيكِ متجلجيش .. شوية و هيزهج منك .. اطلعى على فوج .. اطلعى .. بلا دلع ماسخ ..
ضربت الأرض بقدمها في غيظ و فتحت الباب الفاصل بين الطابقين من جديد مندفعة للأعلى لاعنة إياه و اليوم الذى رأته فيه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة