قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الثامن

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثامن

تنحنح حمزة و هو يدخل الى دار التهامية لمقابلة تسبيح ووداعها قبل رحيله للأسكندرية كما كان متفق منذ زيارة زكريا للنجع ..
اندفعت سهام مرحبة و بجوارها باسل الذى هتف فى سعادة :- مرحب يا حمزة .. ادخل يا راچل انت بتستأذن و انت داخل دارك .. تعال ..
و اصطحبه لغرفة الصالون بينما امر امه بجلب تسبيح لوداع خطيبها قبل رحيله المقرر بعد ساعة من الان ..

هتف باسل :- خلاص نويت يا واد عمى .. هتحصل عمك ع إسكندرية !؟
ابتسم حمزة فى هدوء مجيبا :- اه يا باسل بس ده مؤقت .. يعنى عمى عايزنى أتعود على وضع الشغل و طبيعته هناك ف الشركة عشان هو بيفكر يفتح فرع هنا ف الصعيد و عايزنى انا اللى أديره خاصة بعد چوازى بإذن الله ..

هتف باسل :- طب و الله تمام .. دى تسبيح اكيد هتفرح للخبر ده لأنها كانت خايفة تكون هتاخدها بعيد عننا بعد چوازكم ..
دخلت تسبيح هاتفة :- السلام عليكم .. ازيك يا حمزة ..
انتفض حمزة لدخولها هاتفا دون ان يمد كفا لسلامها فهو لم يكن من عاداته مصافحة النساء بوجه عام و هى حتى ولو خطيبته فلن تكون استثناءً .. هتف فى هدوء :- أزيك يا تسبيح .. اخبارك ايه .. !؟..

هتفت فى اضطراب و عيونها على باب الغرفة ربما ترى تسنيم عند عودتها من ذاك اللقاء الذى كان من المفترض منها القيام به و ها قد جاءت زيارة حمزة لتضع لها العراقيل فتقرر تسنيم الذهاب بدلا منها حتى دون ان تخبرها بذلك  :- الحمد لله .. كله تمام نهض باسل هاتفا بعد اشارة ممتعضة من امه بالخارج حتى يخرج و يتركهما وحدهما قليلا :- طب اروح استعچل لك الشاى يا حمزة .. دججتين و راچع لك ..

اكد حمزة :- ملوش لزوم يا باسل انا بس چيت اسلم و أمشى عشان مش عارف ممكن أجدر أنزل تانى ميتا .. و كمان الوجت خلاص يا دوب على معاد الجطر ..
و نهض فى سرعة :- اشوفك على خير يا تسبيح .. خلى بالك على حالك .. و طمنينى على نتيچتك لما تطلع ..

أكدت بإضطراب و هى تهز رأسها فى تيه لاحظه هو لكنه لم يعلق و اندفع مغادرا و محييا الجميع و ما ان رحل حتى تفرق باسل و امه عنها و ظلت هى مكانها تتابع بنظراتها المتوترة مدخل باب الدار لحظات و نهضت مذعورة خلف اختها التى دخلت الدار فى حالة يرسى لها من الاضطراب و التيه مدفوعة للأعلى حيث حجرتهما فى سرعة رهيبة حتى لا يلمحها احدهم ..

الا ان تسبيح كانت فى عقبها حتى وصلت للغرفة و اندفعت خلفها حتى انها استطاعت الوصول لباب الغرفة قبل ان تغلقه تسنيم عليها بالمفتاح و تندفع لفراشها تلقى نفسها عليه فى تيه ..
اكملت تسبيح غلق الباب بالمفتاح و اندفعت جوار اختها على طرف الفراش هاتفة بها فى ذعر:- فى ايه يا تسنيم .. ايه اللى حصل .. !؟..

لم تنطق تسنيم بحرف واحد .. بل ظلت على شرودها و ذاك التيه الذى يشمل نظراتها و كأنها تعرضت لصدمة رهيبة اثرت على مستوى إدراكها مما دفع تسبيح لتمسك بكتفيها فى ذعر تهزها فى قلق صارخة :- تسنيم .. فى ايه .. انطجى حرام عليكى جولى فى ايه ..!؟.. السافل اللى روحتى تجابليه عمل لك حاچة .. انطجى انا بموت و انا شيفاكى كده ..

لم تنبس تسنيم بكلمة عن ما حدث بل همست فى شرود وهى تخلع عنها حجابها ملقية به ارضا و تكورت على نفسها بوضع جنينى تخبئ رأسها فى وسادتها:- انا عايزة انام ..

عرفت تسبيح انها لن تنل من اختها حرف واحد عما حدث مع ذاك الحقير و رغم انها تموت حرفيا لتعرف ما جرى هناك الا انها نهضت فى هدوء و جذبت الغطاء على جسد اختها الذى انتفض ما ان استندت عليه تسبيح تنحنى تقبل جبينها مما اثار تعجبها الا انها لم تعقب و اغلقت الإضاءة و انزوت فى طرف بعيد من الغرفة بعد ان أوهمت تسنيم انها رحلت خارج الغرفة بعد ان فتحت الباب و أغلقته و هى لاتزل بالداخل .. فكيف لها ان تتركها و هى بهذه الحالة التى لا تشى بالخير ابدا .. لابد ان ما حدث هناك ينذر بكارثة .. لكن ما الذى حدث بالضبط ..!؟.. هذا ما كان يتأكلها الفضول و القلق معا لمعرفته ..

نام البيت كله بعد فشل الجميع فى الدخول اليها لمعرفة رأيها فيما عرضه ناصر و الذى كان مفاجأة للجميع على حق .. ناصر بعد كل ما يفعله معها يطلب يدها للزواج .. !؟.. من يصدق ..
هى وحدها تعلم لما يفعل ذلك .. هى وحدها تدرك سبب تقدمه للزواج منها .. مجرد شهامة منه تجاه ابنه خاله و ربيبته بسبب ما حدث فى شقة حازم من ذاك الحقير .. انه يضحى بهناءه و سعادته و تقدم للزواج منها لإنقاذهم من عار محقق سيلحق بأبيه .. خالها الذى قام بتربيتها ..

اغلقت باب غرفتها خلفها بالمفتاح بعد ان أعلن ناصر عن مفاجأته التى اذهلتها هى شخصيا فمهما كان ما توقعته حتى ينقذها من عرض الزواج ذاك الا ان يتقدم لطلبها هى للزواج .. فذاك كان ابعد ما يكون عن أقصى تخيلاتها ..

تنبهت ان لا صوت يصدر بالخارج و فتحت بابها فى حذّر ليتأكد لها من ذاك الظلام الدامس الذى واجهها بالردهة ان الجميع خلد للنوم بالفعل و مع ذلك قررت القيام بما انتوت عليه فتسللت فى هدوء تسير بحرص على أطراف اقدامها حتى وصلت لباب غرفته طرقته فى وجل و انتظرت و دقات قلبها تكاد تخترق صدرها توترا .. همت بالنقر من جديد على الباب الا انه فتح الباب فى قوة اجفلتها لتتراجع خطوة للخلف منتفضة بينما وقف هو متعجبا من وجودها امامه فى مثل تلك الساعة .. تطلع اليها هامسا :- خير يا شيماء .. فى حا..

قاطعته بإشارة من كفها مشيرة ليخرج خلفها للردهة التى بالفعل توجهت لها و تبعها و هو يكمل احكام غلق أزرار سترة منامته التى كان ينام دونها لشدة حرارة الغرفة ..
وقفت بالقرب من النافذة المشرعة قليلا و صمتت للحظات حتى انه همس :- خير ..!؟.. فى حاجة يا شيماء ..!؟..

استفزها هدوءه و كأن من طلب يدها للزواج منذ ساعات لم يكن هو بل كان شخصا اخر تماما ليحدثها بمثل ذاك الهدوء الذى اثار حنقها لتهتف فى غيظ :- فى حاجة ..!؟.. حاجة واحدة بس !؟.. قول حاجات .. أولهم ايه اللى انت عملته ده ..!؟
همس متعجبا :- عملت ايه ..!؟..
كادت تصرخ لولا حرصها على عدم سماع خالها و زوجته لصوتها لذا تمالكت أعصابها هامسة بتساؤل :- انت طلبت ليه ايدى من خالى ..!؟.

اضطرب للمرة الاولى منذ حديثهما و كأنما تذكر ذلك فجأة فتحنح بعد ان سيطر على اضطرابه هامسا :- كنتِ عيزانى اعمل ايه يعنى ..!؟..كنت بحاول انقذك من عريس الغفلة اللى جاى يخطبك ده ..
هتفت بحنق :- تقوم تورط نفسك !؟..

كاد ان يمد كفيه يخنق تلك الحمقاء البلهاء التى لا تع شيئا .. تقول يورط نفسه ..!؟.. هو من الاساس متورط فيها .. متورط فى عشقها منذ اللحظة التى وضعتها امه نعمة بين ذراعيه و هى لاتزل طفلة لم تكمل الثلاثة أعوام توصيه بها خيرا ... منذ تلك اللحظة الفارقة و هو متورط فيها رغما عنه .. ليت الامر بيده لكان ابتعد و ابتعد حد اللانهاية ... لكن و ما يجدى البعاد و هى اصبحت تسكن متغلغة فى أعمق أعماق الروح ..ذكرها يغدو و يروح مع كل شهيق و زفير يمنحه الحياة و صورتها سكنت احداقه حتى انه ما عاد ينظر لإمراة غيرها الا ليبحث عن صورة منها فلا يجد.. فقد اصبحت بكليتها موشومة على جدار القلب و لا امل ف الفكاك منها .

تنهد فى ضيق كعادته هاتفا :- يعنى أعملك ايه .. كان لازم حل نهائى يخلصنا من الليلة دى و مكنش فى حل تانى .. حتى و لو خلصنا من العريس ده دلوقت .. اكيد هيكون فى غيره بعدين .. فقلت اخلص بقى و اتجوزك انا و امرى لله ..
نظرت اليه و قد جرحتها كلماته الاخيرة التى ألقاها ساخرا مستهزئا و دمعت عيناها و هى تتطلع اليه هامسة بصوت متحشرج من اثر دمعها الحبيس الذى تحاول السيطرة عليه :- كتر خيرك يا بن خالى .. عمرى ما هنسالك الجميل ده ابدا .. عارفة انى حمل تقيل عليك حملته لنفسك .. بس.. انا ..

لم تستطع ان تكمل ما كانت تريد قوله و اندفعت تشهق باكية تدخل حجرتها و تغلقها خلفها فى حرص و لكن بسرعة حتى لا يراها على حالها تلك .. اما هو فلم يستطع ان يسيطر على غضبه من نفسه و عدم استطاعته السيطرة على لسانه ذاك الذى يجلدها دوما .. اندفع للنافذة المشرعة ليدفع ضلفتيها فى عنف لتنفرجا بقوة محاولا بذلك الحصول على اكبر قدر من الهواء لرئتيه لعله يخفف بعض من تلك النيران المستعرة بداخله اشفاقا و رحمة على تلك الحمقاء التى يعشق و هى لا تدرى ان زواجه منها كان أعظم أمانيه و ها هى الظروف واتت اخيرا ليحقق مبتغاه الذى تمناه دوما بل انه يكاد يكون أمنية حياته الوحيدة..

اندفع عاصم و معه سندس خلف ذاك العسكرى الذى يسحب مهران متخاذلا فى تيه خلفه و قد توقفا اخيرا امام باب طرقه العسكرى و دفع مهران للداخل و دخل خلفه ملقيا التحية العسكرية فى قوة هاتفا :- المتهم مهران عاصم الهوارى يا فندم..
امره الضابط فى نزق :- سيبه و اخرج و مدخلش حد علينا ..

ألقى العسكرى التحية من جديد و خرج مسرعا مغلقا الباب خلفه ليتطلع الضابط لمهران مشيرا للمقعد قبالة مكتبه :- اقعد يا مهران .. باين عليك بن ناس .. ايه اللى حصل بالظبط .. احكيلى و ان شاء الله خير ..
جلس مهران و على الرغم من ذلك ظل صامتا و لم ينطق بحرف واحد .
هتف الضابط من جديد :- ضربت المدعو  مسعد  عبدالمولى بالنار ليه يا مهران .. !؟..

لم ينطق مهران بحرف و ظل على صمته و تيهه بعد ان كرر الضابط سؤاله مرارا ليتنهد الضابط بحنق ضاغطا على ذر ما جواره ليندفع العسكرى من الباب هاتفا :- امرك يا فندم..
اشار الضابط لمهران :- خده يا عسكرى ع الحبس و يتعرض ع النيابة ف الفترة الصباحية ..

خرج مهران برفقة العسكرى ليهتف عاصم و سندس ما ان طالعاه :- مهران .. عِملت كِده ليه يا ولدى ..!؟. و مين مسعد دِه اللى ضربته بالنار !؟.
تعرفه منين دِه .. !؟.. طب جول اى حاچة و ريح ابوك يا مهران ..
اختفى مهران مع العسكرى داخل احدى المنحنيات التى تصله لزنزانته لتبكى سندس فى جزع على اخيها و حالته الغير مطمئنة بينما يضرب عاصم كفا بكف هاتفا فى قلة حيلة :- لا حول و لا قوة الا بالله .. لله الامر من جبل و من بعد .. سترك و رحمتك يا رب ..

واستدار الى سندس الباكية هاتفا :- كلمتى الاستاذ موافى المحامى ياجى يشوف المصيبة اللى احنا فيها دى !؟
هتف سندس من بين دموعها التى تحاول السيطرة عليها :- ايوه يا بابا .. هو قالى انه هيتحول للنيابة و هيكون معاه الصبح هناك من بدرى .. ربنا يسترها ..
هتف عاصم بوجل متضرعا :- يا رب يابتى .. يا رب.. و الله ما عارف هرچع لأمك كيف .. واجولها ايه ..!؟. دى جاتلة حالها من البكا من ساعة ما جالنا الخبر ع السرايا .. الرحمة من عِندك يا رب ..

ربتت سندس على كتف ابيها محاولة تحسين الصورة القاتمة كذبا :- بإذن الله خير يا بابا .. انا كلمت الاستاذ موافى و استفسرت منه على بعض النقط و الثغرات و بإذن الله يخرج منها على خير  .. و كويس انه متكلمش خالص لحد ما يقعد الاستاذ موافى معاه و يعرف منه ايه اللى حصل و يفهمه يقول ايه بالظبط قدام النيابة .. اهم حاجة بس ان المجنى عليه يعيش ..

هتف عاصم شاعرا ببصيص امل :- يعنى الاستاذ موافى جالك كِده ..!؟.. اومأت سندس مؤكدة ليستطرد و هما يتوجها للسيارة :- يااارب يا سندس يا بتى .. ياارب يكون صح الكلام دِه ..
همست سندس :- باذن الله خير يا بابا .. بإذن الله..

كانت تعلم ان الامر ليس سهلا ابدا لكن حالة ابيها التى لم تره عليها من قبل و كذا حالة أمها التى تركوها تكاد تموت قلقا على فلذة كبدها جعلتها تحاول ان تجمل الامر قليلا رغم إدراكها كمحامية ان الامر ليس هينا بالمرة ..

تململت تسبيح فى موضعها السرى بأقصى الغرفة حيث جلست فى غفلة من اختها التى راحت فى سبات عميق و ادركت انها غفت رغما عنها لانها لم تذق للنوم طعما منذ تلك الرسالة المشؤومة من ذاك الحقير الذى قابلته تسنيم و عادت من لقاءه بوجه غير الوجه ..

انتفضت متيقظة تماما عندما تذكرت كل تلك الاحداث و اندفعت باتجاه فراش اختها تتفقدها و ما ان اقتربت منه حتى تناهى لمسامعها صوت انين تسنيم اقتربت على عجل و قلق تضع كفها على جبين تسنيم الذى كان يحترق من شدة حرارتها و همسها المحموم باسم مهران ..

انتفضت تسبيح لا تدرى ما عليها فعله تتطلع حولها فى اضطراب و لا تدرى ما دخل مهران فيما يحدث .. اتهزى باسمه ربما شوقا اليه ..!؟.. ربما .. فهى تدرك كم تحب اختها بن خالهما حتى و لو لم تفصح يوما عن ذاك العشق الذى تخبئه بين طيات روحها له وحده منذ كانا صغارا ..

اندفعت تسبيح بإتجاه الباب ربما تكون أمها قد عادت من بيت خالها فترى ما يجب فعله لأجل تسنيم و ما ان همت بالخروج من الباب حتى كادت ان تصطدم بأمها مندفعة للداخل بدورها تسأل عن تسنيم بلهفة عجيبة لتعالجها تسبيح هاتفة فى ذعر :- تسنيم تعبانة قووى و بتخترف.. ده انا كنت جاية أناديلك تشوفيها ..

اندفعت سهام للداخل فى جزع هاتفة :- يا بتى .. اكيد سمعت باللى حصل لمهران ..
تنبهت تسبيح و أمها تتفقد تسنيم فى ذعر لحالها هاتفة :- ايه اللى حصل لمهران ..!؟..
هتفت سهام :- واد خالك مسكاه الحكومة لانه ضرب نار على واحد من بره البلد عند الدار المهچورة ..

صرخت تسبيح منتفضة و هى تحاول كتم شهقات بكائها و لوعتها فى حين استطردت أمها أمرة إياها فى
خوف :-  اچرى جولى لأبوكِ يجيب داكتور لأختك .. البت حالتها متطمنش ..استرها يا رب ..
توقفت تسبيح تتطلع لأختها التى كانت تهزى باسم خطيبها و حبيبها مهران و قد ادركت ما حدث دفعة واحدة .. انها السبب .. هى السبب فى كل ما يحدث.
بدأت تشهق باكية فى ندم حقيقى يتأكلها و هى لاتدرك ما عليها فعله و لا كيف يمكنها إصلاح ما ترتب على رعونتها ..

صرخت سهام فيها مؤنبة :-انتِ لساتك واجفة .. و انتفضت من جوار تسنيم هاتفة :- تعالى اجعدى جار اختك لحد ما انى انزل اجول لأخوكى و لا أبوكى يجيب داكتور بسرعة ..
تقدمت فى وجل من فراش اختها التى لازال اسم مهران يتردد على شفتيها جلست جوارها و انحنت تقبل جبينها المتقد هامسة بالقرب من اذنها معتذرة باكية:- سامحينى يا تسنيم .. انا السبب.. سامحينى ..
و انفجرت باكية من جديد و هى تحتضن جسد اختها الذى ترتع فيه الحمى .. حمى عشق كان يوما جنتها و اليوم اصبح نارها ..

جلس مهران وحيدا بزنزانته و كأن الدنيا خلت من المتشاحنين إلاه ليقذف فيها بمفرده .. تطلع حوله للجدران الشاحبة الباردة و تنهد فى وجع تنهيدة اخرج فيها من جوفه انفاس بحرارة نيران صدره الذى يغلى كبركان ..
من كان يصدق ان تسنيم تفعل ذلك!؟..من كان يتخيل انها على علاقة آثمة بذاك الحقير و انه يملك صورها و محادثات بينهما ..!؟..

ألهذا كانت تؤجل خطبتهما التى كان يتعجلها دوما بحجة دراستها ..!؟.. و هو المغفل الذى كان يظن فيها الطهر و العفة و انها اكمل النساء ..
-مغفل .. صرخ بصوت عال ليتردد داخل الزنزانة صداه .. ضرب رأسه بكلتا يديه يحاول ان يمسح ذاك المشهد الذى يعيده عقله عليه مرارا و تكرارا بلا توقف يكاد يدفعه للجنون .. مشهد ظهورها امام الرجل الذى عرفها فورا و كان فى انتظارها داخل ذاك البيت المهجور و كيف تحدثت معه بثقة من يعرفه جيدا و هى تناوله المال و تأخذ ذاك القرص الذى يحوى قذاراتها معه .. او ربما مع غيره فهو لم يعد متيقنا كم من الرجال تعرف و هو الذى لم يرى من النساء سواها ..

تأوه فى ألم متضرعا و عينيه تدمع :- يااارب ..
انه لا يظلمها .. اكيد لا يظلمها .. فهو يتذكر كل حرف نطق به ذاك السافل بعد ان جعلها تخرج راكضة لسيارته عقب إطلاقه النار ليخرج هو للسيارة و يوصلها فى صمت لأقرب نقطة عامرة و يتركها و يعود للرجل فى عجالة منحنيا عليه ممسكا بتلابيه صارخا به :- ايه اللى بينك و بينها .. انطج ..و لا رصاصة تانية و نخلصوا منيك و لا ليك دية !؟.. جوول ..

هتف الرجل فى ذعر :- اعرفها من ع النت .. كان بينا كلام و حوارات .. و بعديها هى قالت لى عايزة صورى و كل اللى بينا عشان اتخطبت .. ساومتها و طلبت نتقابل هنا .. جابت لى الفلوس اللى طلبتها منها و انا أديتها السى دى اللى عليه كل صورها عندى و انت شفتنا بنفسك ..

ألتقط الرجل انفاسه فى صعوبة و بدأ وجهه يزداد شحوبا ما ان انهى أعترافه نظر اليه مهران و حمد الله ان الإصابة لم تطل قلبه مباشرة كما كان يتمنى بل ان رصاصته طاشت لتبتعد قليلا بسبب اندفاع تسنيم اليه مانعة اياه من إطلاق النار .. أخرج هاتفه و طلب الشرطة و الإسعاف ثم عاد للرجل ينحنى عليه من جديد هاتفا فى غل :- اقسم بالله لو ما كان جتلك حرام و هى كمان مشتركة معاك ف الاثم ما كنت اترددت لحظة و جتلتك لكن لو ربنا نچاك و اتسألت اياك تچيب سيرتها من جريب و لا بعيد و الا اللى مكملش هنا هكمله و هجيبك و لو كنت فين و اجتلك بيدى و لا بيد غيرى .. ساااااامع ..

انتفض الرجل مع صرخة مهران بتحذيره الاخير هاتفا بذعر :- سامع .. سامع ..
ما ان انهى الرجل كلماته المذعورة حتى دوى صوت سرينة الإسعاف و كذا الشرطة و قد وصلا لمكان الحادث .. ذاك البيت المهجور لينتشر الحدث بالنجع كله ..

مسح مهران على وجهه بكفيه فى إرهاق حقيقى يود لو يملك عقار ما يتناوله ليوقف نشاط دماغه التى لم تتوقف للحظة عن العمل منذ ما حدث
و تعجب انها كانت ستصبح زوجته فى غضون أسابيع قليلة .. و كيف كان كالأحمق يقف على رأس العمال مشددا حتى ينتهوا من تجهيز جناحهما قبل الموعد المحدد فهو لم يعد يطق صبرا على اجتماعهما تحت سقف واحد .. كم كان مغفلا بحق ليأمن امرأة على قلبه مهما كانت تلك المرأة .. فهن صنف غدار لا أمن له و كم سمع من أقاصيص عن غدرهن لكنه لم يكن يصدق انه سيتعرض لمثل هذا الامر يوما ..

لم يكن يتوقع ان تلك التى كان يضعها دوما فى مصاف الملائكة تتدنى بهذا الشكل لتصبح فى لحظة شيطان رجيم.. بل ألعن و أضل .. فالشيطان ندرك انه شيطان فهو لا يتجمل او يتظاهر .. لكن هى .. ادعت ما ليس فيها .. و تظاهرت بالطهر و ارتدت قناع البراءة و هى ابعد ما يكون عنهما و هو ذاك المغفل الذى ظل يتمناها منذ ان وعى ان له قلبا ينبض ..هو لا يظلمها بالتأكيد ..

نعم لا يفعل فأحترافات ذاك الرجل القذر لا يمكن ان تكون محض افتراء فالرجل كان على شفا الموت و لا يوجد شخص يمكن ان يكذب فى لحظة كهذه كما انه بدأ له ان الرجل عرفها ما ان دخلت عليه الدار و وعى لها .. كان حديثه معها ينبئ بمعرفة قديمة ليست محلا للشك .. لا .. انه لا يظلمها .. بل هى من ظلمته و دمرته.

وقف كالذبيح فى قلب زنزانته الباردة يترنح وجعا بروح عليلة و اخيرا هتف من جديد :- يااارب ..
و سقط ارضا متكوما على نفسه يحاول ان يرأب صدع تلك الروح المجروحة  لكن لا فائدة ترجى من جسد فارقته روحه و هو لايزل حيّا يُرزق ..

اندفع الجميع لسراىّ النيابة عاصم و سندس و باسل و حسام و تسبيح بصحبة الاستاذ موافى المحامى الذى هتف يطمئنهم :- متجلجوش يا چماعة .. ان شاء الله خير .. هو بس يلتزم الصمت لحد ما نشوف أجوال المچنى عليه اللى النيابة هتاخدها لما يفوج .. و انا متأكد انه هيخرچ منها بإذن الله .

هتف الجميع مؤمنا و اندفعوا جميعا عندما ظهر مهران بصحبة العسكرى المصاحب له عند مدخل سراىّ النيابة .. كل منهما يهتف مشجعا بكلمة أو داعما بربتة على كتف و هو لايزل على حاله الساكنة حتى غاب بصحبة مرافقه داخل مكتب وكيل النيابة مع الاستاذ موافى المحامى عندما تم النداء على اسمه بعد ان لقنه موافى ما يجب عليه فعله او قوله ..

هتف صوت بالسلام للجميع ليهتف عاصم فى ترحيب :- حضرة الظابط .. و الله و فيك الخير ..
ليهتف حازم متسائلا :- انا اول ما عرفت جيت على طول يا عمى .. ايه الاخبار ..!؟..
هتف عاصم فى ثبات رغم ما يعانيه :- الحمد لله يا ولدى كله خير .. اهو چوه عند وكيل النيابة ومعاه المحامى.
هتف حازم فى ثقة :- متقلقش يا عمى .. مهران ميعملهاش .. اكيد فى لبس ف الموضوع ..

كان حازم قد تعرف عندما جاء للسراىّ للمرة الاولى على كل من سندس و مهران .. و اصطحبه مهران فى جولة حول النجع و قام بتعريفه على كل من يمت له بصلة قرابة .. و توطدت بينهما صداقة هادئة لذا فإن حازم على يقين ان شاب مثل مهران لا يمكن ان يرتكب جرما كهذا ابدا ..
تطلع حازم لسندس هاتفا :- متقلقيش يا آنسة سندس .. هيخرج منها على خير ..المفروض انت محامية شاطرة و عارفة ده كويس .. يعنى المفروض تطمنى عمى .. و لا ايه ..!؟..

هتف باسل محاولا دفن غيرته المفضوحة بأعماقه:- ايوه .. ما هى طمنتنا كلنا الحمد لله .. و كلنا متأكدين ان مهران خارچ منها بعون الله ..
تطلع حازم لباسل غير مدرك لماهيته ليهتف عاصم معتذرا :- معلش يا حازم نسيت من اللى بيحصل أعرفك .. دِه باسل واد عمتك سهام .. اختى الصغيرة .. و دى بتها تسبيح و خطيبة حمزة واد عمك ..

تطلع حازم لباسل فى ترحيب رسمى هاتفا :- تشرفنا يا باسل .. كان نفسى نتعرف فى ظروف احسن ..
و ادار رأسه حتى يلقى التحية على تلك المنزوية خلف اخيها و كأنما تتحاشى لقاءه:- تشرفنا يا آنسة تسبيح
و ما ان اخرجت رأسها تومئ ترد التحية حتى ادرك انها تلك المندفعة التى اصطدم بها فى يومه الاول لزيارة السراىّ .. انها تلك التى اعتذرت و رحلت فى سرعة ليدرك مدى عجز قدمها و لم تعر اعتراضاته اى أهمية تذكر .. و على ما يبدو انها ايضا تذكرته و الا لما كانت تختبئ خلف كتف اخيها متحاشية لقائه ..

انه يذكرها فهو لا ينسى وجه قابله قط .. ربما هذه ميزة تساعده كثيرا فى عمله لكن الامر مختلف معها .. ان الامر لا يتعدى مجرد وجه تذكره لكنه تخطى ذلك لتلك العيون الشقية المتحدية التى رمقته بها لحظتها عيون لا تُنسى ابدا على الرغم ان نظراتها فى تلك اللحظة تمور بالحزن و الالم الى انها لم تفقد بريقها المتحدى المميز لها ..

تنحنح فى تأدب كعادته و هو يحاول ان يجذب نظراته عنها متعجبا من حاله مع تلك الفتاة و نظراتها التى اصبح خبيرا فى تفسرها و ادراك ما تحمله كل نظرة .. منذ متى كانت نظرات الفتيات تخصصه ..!؟.. و منذ متى يعير اى فتاة مهما كانت اهتماما يذكر ..!؟..

انه حتى لا يذكر انه يحتفظ فى مخيلته بذكرى لنظرة ما لخطيبته نهلة او حتى يدرك من الاساس ما لون عينيها .. هاله ما اكتشفه لتوه ليندفع هاتفا لعمه عاصم ليوقف سيل تلك الافكار المتدفقة لعقله :- انا هدخل لوكيل النيابة بعد ما يخرج مهران اشوف ايه الاخبار و ايه اللى ممكن يتعمل ..
هتف عاصم :- تسلم يا حازم يا ولدى .. شوف الاخبار و بلغنا و يا رب خير ..

خرج مهران ليندفع الجميع خلفه بينما اندفع حازم لمقابلة وكيل النيابة ليستشف منه مجرى سير القضية و الذى اكد ان مهران يلتزم الصمت تماما و لم يتفوه بحرف و ان الأمل كله فى أقوال المجنى عليه فهى التى يمكنها ان تدفع به داخل أسوار السجن او خارجه .. و انتظر الجميع على امل واحد .. البراءة ..

كانت زهرة لاتزل تبكى و بجوارها سهام تهدئ من روعها عندما وصل عاصم و سندس و حسام .. اندفعت زهرة ملهوفة لعلها ترى بينهم ولدها مهران و قد انتهى الامر على خير فما منهم من احد رد على اتصالاتها المتعددة حتى كادت تجن من شدة خوفها و قلقها ..
اندفع عاصم للأعلى غير قادر على النطق بحرف و اندفعت هى خلفه لعلها تستشف منه ما يشفى غليلها و يطمئنها على ولدها ..

تنهدت سهام فى حزن هامسة
لحسام :- ياللاه بينا احنا نشوفوا حالنا يابو باسل .. و نشوف تسنيم عاملة ايه دلوجت  ده انى سبتها نايمة بسبب علاجها اللى بتخده بعد اللى حصل و چيت!؟.
اومأ حسام بالإيجاب مستأذنا سندس التى جلست على احد المقاعد و لم تحرك ساكنا منذ وصلت تشعر بالعجز تجاه اخيها التوأم و الذى تتمنى لو تفتديه بروحها ..

هتفت بها سهام :- احنا ماشيين يا سندس و لو چدت اى حاچة بلغونا .. و ربنا يجيبها جمايل يا بتى .. بالأذن...
رحل كل من سهام و حسام .. و لم تبرح هى مكانها لا تعلم ما عليها فعله بالضبط..
اندفع باسل لداخل السراىّ و قد ظهر أخيرا بعد ان اختفى بشكل غريب بعد عرض مهران على النيابة صباحا .. رأها تجلس بهذا الشكل المضطرب الشارد حتى انها لم تدرك بعد بوجوده انتفض قلبه لمرأها بهذا الضعف الغير معتاد عليها فدائما هى تلك المتنمرة فى حضرته و التى تتحكم فى أعصابها و ردود افعالها بشكل يخرجه عن طوره ..

تقدم متنحنا فى هدوء و جلس على احد المقاعد القريبة منها هامسا :-  .. هاتعملى ايه يا استاذة ..!؟..
رفعت رأسها و تأكدت من نبرة صوته المتسائلة بصدق انه لا يهزأ منها كالمعتاد فهمست بقلة حيلة :- مش عارفة .. حاسة انى عاجزة و مهران مش راضى يتكلم و لا ينطق بحرف عن اللى حصل و المجنى عليه راقد اهو بين الحيا و الموت .. حاسة انى عاجزة بجد ..

هتف هامسا :- بعد الشر عليكِ من العچز .. انتِ اهدى بس و فكرى و هتلاجى لها الف حل .. انى متأكد انك هتلاجيه بس عشان دِه اخوكِ فجلجك عليه مخليكى مش عارفة تفكرى مظبوط ..
نظرت اليه بتعجب .. هل هذا باسل الذى لا يترك موقفا الا و تناولها بالسخرية و الاستهزاء حتى انها كرهت اجتماعها معه بمكان ..الان تستشعر صدق كلماته التى تقطر ثقة فى قدرتها و امكانياتها القانونية ..

تنهدت و تطلعت للبعيد جاذبة ناظريها بعيدا عن محياه الذى يزيدها التطلع اليه اضطرابا خاصة و هو بهذا الحنان و التفهم العجيب من قبله و الذى يربكها بشدة ..و هتفت تفكر معه بصوت عال :- مهران مش راضى يتكلم .. و مهما عملنا مش هيتكلم برضة ده اخويا و انا عرفاه ..
هتف مؤكدا :- تمام .. عندك حج ..

استطردت فى ثقة :- يبقى مفيش حل الا ف المجنى عليه ده اللى اسمه مسعد لو فاق نلحقه قبل ما النيابة توصله و تاخد اقواله و نتصرف معاه احنا ..
هتف باسل فى ثقة بدوره :- اعتبريها انحلت خلاص ..
هتفت و هى تنظر اليه فى دهشة :- ازاى ..!؟..

نظر اليها فى فخر هاتفا :- انى رحت المستشفى جبل ما اچى على هنا و عرفت مين الممرضة اللى هتشرف على حاله المحروج دِه اللى ضربه مهران و أديتها اللى فيه النصيب عشان تبلغنا اول ما يفوج جبل ما تبلغ الدكاترة ..
فغرت سندس فاها فى دهشة و هتفت بعد لحظات من الصمت :- انت عملت كده بجد !؟..
اكد فى تواضع :- ايوه .. حتى أديت الممرضة نمرتى عشان تبلغنى عليها و ليها اللى فيه النصيب لو حصل المراد ..

هتفت تسأل و هى لازالت تتعجب من افعال بن عمتها الذى تراه الان بعين مختلفة :- طب و الحراسة اللى قدام الباب .. اكيد حاطين عليه حراسة !؟..
اكد باسل فى هدوء :- متجلجيش .. زى ما ظبطت الممرضة .. هظبط العسكرى .. انت ليكى تدخليله الفجرى دِه و نشوفوا ممكن يخدمنا ازاى ف الجضية ..
ابتسمت فى سعادة هاتفة :- ده كده تمام جدااا .. انا بس ادخل اشوفه و أتكلم معاه و انا متاكدة انى هقدر أخليه يشهد لصالح مهران ..

هتف باسل مشاكسا  :-دى انى متأكد منيها .. الله يكون ف عونه .. بس يستاهل المحروج هو اللى چابه لروحه ..
امتعضت سندس و هتفت فى حنق :- قصدك ايه!؟..
هتف باسل و هو يستعد للرحيل هاربا :- مجصديش يا بت خالى .. اروح انى و اول ما هيچد حاچة .. هبلغك ..
و اندفع باسل من باب السراىّ راحلا متجنبا نوبة غضبها لتنفجر ضاحكة رغما عنها لمرأى افعاله ..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة