قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل التاسع

وصل حمزة لذاك العنوان الذى أعطاه له عمه زكريا و تطلع لتلك اللوحة المعدنية البراقة امام بوابة حديدية أنيقة .. ڤيلا مندور .. أمهر سائق السيارة الأجرة ثمن توصيله و ترجل متوجها فى ثبات ليطرق ذاك الذر جوار البوابة ليتطلع اليه البواب العجوز من بين أسياخها الحديدة متسائلا:- مين ..!؟..
هتف حمزة مجيبا :- انى الباشمهندس حمزة الهوارى بن اخو زكريا بيه ..
هتف البواب فى ترحيب :- اهلًا  يا بيه اتفضل .. زكريا بيه بلغنى بوصولك .. هو مستنيك جوه ..

فتح البواب احد جانبى البوابة و سمح لحمزة بالمرور و الذى اخذ يتطلع للڤيلا متأملا حتى وصل لبابها الداخلى فطرقه و عرف نفسه من جديد لرزقة التى هللت لوصوله و اصطحبته حيث يجلس عمه بالمكتب و الذى ما ان رأه حتى اندفع فى سعادة محتضنا اياه هاتفا :- الف حمد الله ع السلامة يا حمزة .. نورت إسكندرية .. بس مش كنت تجول انك چاى كنت بعت لك العربية تستناك ع المحطة بدل ما تتصل تاخد العنوان اول ما وصلت .. دِه انى كنت خايف عليك تتوه ..

ابتسم حمزة :- لااه متخافش علي يا عمى دِه انى أفوت ف الحديد ..
قهقه زكريا :- تمام .. هو دِه المطلوب ف شغلنا يا واد اخوى انك تفوت ف الحديد .. كِده انى اطمنت ..
اندفعت هدير لحجرة المكتب هاتفة فى دلال :- بابى ... بليز عايزة العربية عشان ..
قطعت جملتها هاتفة فى دهشة ممزوجة بفرحة بريئة كعادتها :- ايه ده ..!؟.. هو حمزة جه ..!؟ مقلتش يا دادى انه جاى ..!!..

غض حمزة بصره و هو يرى ذاك البنطال الضيق و القصير الذى ترتديه و ذاك القميص بلا أكمام الذى يظهر ذراعيها كاملين و لم يعقب بحرف على ترحيبها بينما هتف زكريا مشاكسا ابنته :- يعنى كنتِ هاتعملى ايه يعنى لو جلنالك انه چاى ..!؟..
هتفت هدير بغيظ :- كنت هعمل كتير يا بابى .. و اول حاجة هعملها انى اجيب شحنة ناموس و أطلقها ف اوضته يرحبوا بيه .. زى الترحيب اللى شفته ف بيتهم بالظبط ..

انفجر زكريا مقهقها بينما ابتسم حمزة للذكرى ليستطرد زكريا موجها كلامه لحمزة :- شايف .. تاريها صعيدية على حج ومتسيبش تارها .. ميغركش ...الاصل غلاب برضك ..
اتسعت ابتسامة حمزة و رفع عينيه بلا إرادة لأبنة عمه التى رأها متخصرة فى غيظ و وجهها فى تلك اللحظة توحى ملامحه بالإجرام الفعلى لكنه اجرام مخلوط ببراءة عجيبة تربكه فاضطرب و غض الطرف من جديد ليهتف عمه امرا :- ياللاه يا حمزة اما أوصلك اوضتك عشان تستريح من السفر ..

هتف حمزة مستنكرا :- ليه ..!؟.. هو احنا مش هنروحوا الشركة ..!؟..
ابتسم زكريا رابتا على كتفه :- الصبر يا باشمهندس الشركة مش هطير .. كمان الشركة اچازتها النهاردة .. انت مخدتش بالك انى موچود ف البيت النهاردة و دى ساعة شغل ..!؟..

تنبه حمزة فعلا لهذه النقطة و هو يخرج من غرفة المكتب و خلفهما هدير .. اشار زكريا للدور العلوى و السفلى هاتفا :- بص .. منتش غريب .. اختار لك أوضة فاضية تعچبك .. البيت كَبير و فى اوض فوج و تحت .. شاور ع اللى هتريحك فيهم و تبجى بتاعتك ..

تنحنح حمزة فى ادب هاتفا :- طب معلش يا عمى.. انى بجول اشوف اى فندج اجعد فيه لحد ما اشوف شجة على كدى جريبة من الشركة عشان متجلش ع البيت و ناسه ..
زمجر زكريا فى ضيق حقيقى هاتفا :- وااه .. بيت عمك مفتوح وتجعد بره .. ليه !؟.. مش هنجدر على لجمتك و لا ايه ..!؟..

هتف حمزة فى اضطراب :- لاااه .. العفو يا عمى مش الجصد و الله .. بس ..
قاطعته هدير هاتفة موجهة حديثها لأبيها :- خلاص يا دادى سيبه براحته .. و لو هو شايف انه هيحد من حريتنا جوه الڤيلا خلاص .. جناح الضيوف موجود ..مش هايبقى له حجة ..
هتف زكريا مهللا :- تسلم افكارك يا هدير .. هو دِه الكلام  ..

صفقت فى سعادة لنجاحها فى إيجاد حلا للمعضلة بينما انحنى زكريا على حمزة قليلا مستعيدا روحه المرحة هامسا :- عرفت تلاجى حل و انا و انت كنّا هنمسكوا ف خناج بعضينا و الحل جدامنا .. صعايدة صح يا واد اخوى لما مخنا بيجفل يالله السلامة ..

قهقه حمزة للمرة الاولى منذ وصوله بل منذ ان رأته هى للمرة الأولى و جذب صوت قهقهاته مسامعها لتتنبه انها ايضا للمرة الاولى تطرب لصوت ضحكات ما لكنها لم تقف امام الامر طويلا كعادتها و لم تحمله اكثر مما يحتمل بل ابتسمت فى هدوء و تطلعت لأبيها و بن أخيه المحبب الى قلبه و هما يتجها معا لجناح الضيوف و قد غابا عن ناظريها الان و ابيها يستند على ذراع حمزة القوية السمراء التى قدمها لعمه فى محبة .. تنهدت فى لامبالاة ملقية كل تلك الخواطر خلف ظهرها و عادت ادراجها لحجرتها ..

رن هاتفها مراراً فى تلك الساعة المتأخرة و قررت الا ترد الا انه ألح فى الرنين فتأففت فى غيظ و نظرت الى ذاك الرقم الغريب الغير مسجل عندها لكنها استيقظت على ايه حال و قررت الرد بالفعل هاتفة بصوت ناعس :- ألو .. مين ..!؟..
انتفض باسل لسماع صوتها الناعس و اضطربت جوارحه دفعة واحدة فهى المرة الاولى التى يتصل بها  فلم يكن ابدا هناك ما يستدعى ان يفعل .

حاول استجماع شتات نفسه هاتفا بغيرة غير منطقية و ليست فى محلها على الإطلاق :- ازاى تردى على حد ف الساعة دى ..!؟..
هتفت فى نزق و قد بدأت تستفيق كليا :- نعم !؟..
هتف متراجعا عن جنونه :- اجصد يعنى مترديش على نمر غريبة تانى و خصوصى ف الليل ..
تجاهلت الرد متعمدة و هتفت فى لهفة :- هااا فى اخبار جديدة ..!؟..

اكد و قد تذكر سبب الاتصال من البداية :- ايوه .. امال انى بتصل ليه ف ساعة ذى دى ...!!.. استعدى و انى جاى اخدك نروحوا المستشفى جبل ما الممرضة تبلغ الدكاترة بفوجان المحروج و الدكاترة الصبح هيبلغوا النيابة تاجى تاخد اجواله ..
انتفضت بدورها هاتفة :- اعتبرنى جهزت .. و هستناك من باب السرايا الورانى عشان عم سعيد ميخدش باله..
اكد بدوره :- اتجفجنا .. انى چاى ف السكة .. اعتبرينى عندك .. سلام عليكم ..

أغلق الهاتف و انتفض بدوره خارج الدار و منه للسيارة .. لحظات و كان بانتظارها خلف سُوَر السراىّ الخلفى .. لمح شبحها يقترب فأدار العربة التى كان قد أطفأ محركها حتى لا يسترعى صوتها او إضاءتها انتباه احدهم ..
دخلت السيارة ملقية السلام ليرد مندفعا مبتعدا فى طريقهما للمشفى ..
لم يتفوها بكلمة طوال الطريق حتى وصلا اخيرا ..

استطاعا بمساعدة الممرضة الدخول حيث حجرة المجنى عليه لينقدها باسل مبلغا سال له لعابها فأخذته فى لهفة مبتعدة لتترك باسل يحاول ان يتجاذب أطراف الحديث مع عسكرى الحراسة أمام الباب مؤكدا إنهما .. هو و سندس .. أقارب المجنى عليه بالداخل و لا يريدا شيئا الا التطلع اليه و التأكد انه بخير .. حاول باسل باستماتة إقناع العسكرى و كان لبريق المال تأثيره الفعّال بالتأكيد ليسمح لهما بالدخول لدقائق معدودة شكره باسل ناقدا اياه مبلغا من المال و تسلل هو و سندس لداخل الحجرة فى سرعة ..

كان مسعد ممددا على فراشه بصدر عار الا من بعض الأربطة الطبية و بقعة دم تزينها تدل على موضع جرحه .. امتعض باسل لمرأه بهذا الشكل فى وجود سندس التى ما ألقت بالا للأمر متقدمة قرب الفراش هاتفة به فى صوت خفيض نوعا ما :- انا المحامية بتاعت مهران اللى ضرب عليك النار..
همس بدوره بوهن :- وجيالى ليه!؟

انا معملتلوش حاجة عشان يبقى عايز يقتلنى .. منه لله ..
تصنع الغلب و المسكنة و لكن سندس ادركت ما يرمى اليه هاتفة :- على فكرة مهران قالى على كل حاجة و اللى عملته يدخلك السجن كام سنة حلوين .. فأحسن لك قول اللى عندك و أوعدك هساعدك زى ما هساعده .. انا مش عايزة ليك الأذية بس ف نفس الوقت عيزاه يطلع براءة و يا دار مدخلك شر .. هااا .. ايه رايك نتفق و لا ..!؟

همس فى استكانة :- نتفق .. شوفى انت عايزة ايه و انا معاكى .. بس كله بتمنه ..
حاولت سندس كتم سعادتها حتى تنهى مساومتها مع ذاك الحقير هاتفة بلهجة محامية متمرسة :- بص .. البوليس لقى معاك ٢٠ الف جنيه و هم بينقلوك المستشفى .. لو عِملت اللى هقولك عليه هتاخد قدهم قلت ايه ..!؟..
برقت عينا مسعد هاتفا و قد نسى جرحه مخدرا بسحر المال :- طب ما نكملهم ٥٠ الف يا استاذة.. كلك مفهومية ..

جز باسل على اسنانه غيظا و هو يرى ذاك الحقير يكلم سندس بهذه الطريقة ما جعله يهتف فى نفاذ
صبر :- هنخليهم زفت ٥٠ بس اتنيل جول اللى هتجولهولك و تحفظه بالحرف الواحد ..
اكد مسعد هاتفا بجشع عجيب على حالة فى مثل حالته :- خدامكم يا بيه .. بس مش اشوف اى حاجة تحت الحساب ..

تطلعت سندس لباسل فما كانت لتستطيع احضار اى مبالغ مالية معها خاصة بهذا الكم لكن باسل لم يخزلها و اخرج من جيب سترته مبلغا ضخما واضعا اياه فوق المنضدة القريبة من فراشه هاتفا فى نبرة قاسية و بصوت واثق يثير الرعب فى النفس منحنيا ليواجه مسعد و نظراته تكاد تقتله
حنقا :- أدى يا فجرى الفلوس ..١٥ ألف جنيه .. و ليك زييهم لما نسمعوا انك جلت اللى اتفجنا عليه .. بس بالك انت لو ما نفذت و جلت خلاف ما احنا عايزين .. و الله ما هتجعد عليها ثانية واحدة يا واد المحروج ..

ارتعش مسعد متسائلا بقلق :- مش هقعد على ايه لمؤاخذة ..!؟..
جز باسل على اسنانه هاتفا بصوت كالفحيح :- الدنيا .. مش هتجعد على وش الدنيا ثانية واحدة .. و هجتلك بيدى .. و أديك كنت ميت ميت .. و اللى الموت ملحجهوش النوبة اللى فاتت يلحجه المرة دى .. جلت ايه !؟

ارتعشت سندس بدورها مع ارتعاشة مسعد و للمرة الاولى تشفق عليه و هو يهتف فى وهن من جراء خوفه لا جرحه :- تمام يا بيه .. تمام ..اللى هتقولولى عليه بالحرف هقوله ف النيابة ..
ربت باسل على كتفه فى تشجيع مصطنع هاتفا :- انت كِده چدع و تعچبنى .. اتفضلى يا استاذة جوليله يجول ايه بالحرف ..

هتفت سندس بعد ان تمالكت نفسها جراء ما رأت من باسل العجيب ذاك و الذى لم تعرفه يوما:- كل اللى عوزاك تقوله ان بينك و بين مهران شغل .. و انك كنت متفق معاه على طلبية عسل نحل .. و اتفقتوا على السعر العشرين الف اللى لقوهم معاك و اللى مهران دفعهم ليك فعلا و إنكم و إنتوا بتتكلموا  ف البيت المهجور ده مهران شاف ثعبان مقرب منك  فخرج سلاحه عشان يضربه لكن انت اتحركت لانك خفت و الطلقة جت فيك غلط و اللى هيأكد كلامك ان مهران بلغ الإسعاف بنفسه ..لو فى نية للقتل كان سابك تموت ف مكانك .. تمام .. فهمت هتقول ايه ..!؟..

سأل مسعد :- طب لو سألونى دخلتوا ليه البيت ده من الاساس .. أقول ايه!؟
هتفت تخبره :- قول يا سيدى ان الدنيا كانت شمس ف وقتها و انت مش بتستحمل و انك طلبت من مهران تخشوا البيت ف الضل و تتكلموا
مع انه عزم عليك تيجى فى بيته بس انت كنت مستعجل و انت اللى طلبت منه تتقابلوا على اول النجع ..
تمام كده..!؟.. اى استفسار عن اى حاجة تانى !؟..

هز مسعد رأسه نافيا مع دقات العسكرى بالخارج على الباب يتعجلهما مؤكدا على انتهاء وقت الزيارة لتندفع سندس خارجا يتبعها باسل و هو يشير لمسعد إشارة محذرة ان يتفوه بكلمة خلاف ما لقنته سندس .. ليومئ مسعد رأسه موافقا فى خوف مؤكدا انه ما كان ليفعل ..

تحرك باسل بالسيارة فى اتجاه النجع و قد شملهما الصمت لكنه صمت من نوع جديد .. ليس صمتا لانه ليس هناك ما يقال بل صمتا ناتجا عن اضطراب نتيجة احتشاد الكلمات فى حلقها دون قدرة على التفوه بها .. و تساءلت و هى تلقى بنظرة جانبية لابن عمتها :- هل هذا باسل حقا !؟.

فهى لم تراه يوما بهذه الشخصية القادرة المسيطرة فهو دوما المستهزئ الساخر .. الباسم الباش فى وجه الجميع بلا استثناء لكن ذاك الباسل الذى رأته بالأعلى يحاور مسعد فى اقتدار جانب جديد من شخصية بن عمتها لم تكن تتخيل وجوده من الاساس  ..
هتف هو قاطعا شرودها بعد ان لاحظ نظرتها المختلسة تلك :- ايه يا استاذة .. مش عارف حاسس ليه انها اول مرة تشوفينى ..!؟..

اضطربت بعد ان ادركت انه لاحظ نظراتها فهمست :- لا ابدا .. بس اصل اللى كان بيتعامل فوق مع مسعد ده .. يعنى ... شخصية جديدة انا معرفهاش ..
هتف فى شجن لاأراديا :- و انتِ من ميتا تعرفينى..!؟.. ثم ادار دفة الحديث فى مهارة هاتفا:- يا استاذة انى من سن اتناشر سنة و انى ف السوج بتعامل مع أصناف و أشكال و ألوان من البشر و خلاص عرفت من نظرة الطريجة اللى تنفع مع كل واحد .. واللى شوفتيه فوج ده عينة صغيرة من باسل .. باسل اللى ما تعرفهوش يا بت خالى ..

وصلا لسور السراىّ الخلفى لتتنبه هى لوقوف السيارة فتلقى التحية فى صوت متحشرج على عجل و تندفع لداخل السراىّ من بابها الخلفى .. انتظر حتى غابت و تأكد انها بالفعل فى الداخل ليعيد تشغيل العربة من جديد هامسا بشجن لطيفها الذى غاب الان خلف البوابة الصغيرة :- باسل يا بت خالى .. باسل اللى متعرفهوش و لا عايزة تعرفيه .. باسل اللى يتمنى يسمع اسمه من بين شفايفك  ..اسمه اللى بجاله سنين متحرم عليه يسمعه  منيكى .. يسمعه لو حتى بعدها يموت ..

تنهد فى قلة حيلة و اندفع بالعربة راحلا مبتعدا عن محياها و كأنما يفر منها هاربا .. لكن منذ متى
بمقدور عاشق الهرب من ساكنة روحه ..!؟..

هتفت تلك الفاتنة في دلال و هي تميل عليه بإغراء محترف :- بجى كِده يا سى ماهر .. تغيب الغيبة دى كلها و تجول عدولى .. متوحشتش حنان ..
هتف بصوت متحشرج متأثرا لقربها المُهلك منه :- لاااه .. كيف تجولى كِده.. اتوحشتك جوى يا بت .. بس غيبت و جيت على شوجة عشان اجيب لك دى ..
انتفضت في مكانها و برقت عيناها طمعا عندما اخرج من جيب جلبابه سوار من الذهب و وضعه امام ناظريها لتلهث في جوع حقيقى لمرأى ذاك السوار الذهبي ..

هتفت و عيونها لازالت متعلقة بمبتغاها :- دِه ليا انى يا سيد الناس!؟..
هتف متفاخرا :- امال ايه ..!؟ طبعا ليكى يا بت .. هاتى يدك ..
و جذب يدها البضة و زينها بوضع السوار حول معصمها لتجذب يدها تحركها يميناً و يسارا في تيه و إعجاب ..
نهض خلفها يهمس بالقرب من اذنها في رغبة :- ها عچبك يا بت .. !؟..

استدارت متكئة على صدره في دلال هامسة :- عچبنى بس .. دِه يچنن يا سى ماهر .. ربنا يخليك ليا و تچيب لحد ما تملى دراعاتى دول كلهم أساور ..
هتف و هو يدنيها منه هامسا :- هايحصل يا بت .. هايحصل ..
هتفت بفضول :- شكل اللى الناس بتچوله صح .. و ان طلع لك عم و لا خال و لا بهوات السيما .. ألا صحيح الكلام دِه يا سى ماهر ..!؟..
دفعها ماهر عنه هاتفا بحنق :- ملكيش صالح .. هو اكل و بحلجة ..

تنبهت انها اثارت حفيظته فعاودت إغراءها من جديد مقتربة منه هامسة بدلال :- على جولك .. المهم انك تسلم و تچيب يا حبة عينى من چوه..
استدار اليها و قد جذبته بسحر غوايتها المفطورة عليه ليهمس لها :- ايوه ..خلينا ف حالنا .. و مفيش أحلى من حالنا و لا ايه ..!؟..
أطلقت ضحكة ماجنة جعلت رأسه يدور و ينسى ما عداها ..

انطلقت الزغاريد من ام سعيد و نجاة زوجة ولدها ما ان طالعهما مهران بصحبة عاصم و سندس و كذلك حسام و باسل و حازم يدخلون السراىّ و قد غمرتهم الفرحة اخيرا ببراءة مهران من تهمة الشروع فى قتل ذاك الحقير مسعد بعد ان أكد فى اقواله ان ما حدث كان مجرد خطأ غير مقصود و ان المال الذى كان بحوذته كان ثمن طلبية من العسل الذى يشرف مهران على مناحله و ان ما يثبت صحة اقواله ان مهران بنفسه هو من ابلغ الإسعاف و الشرطة عندما وقع الحادث فلو هناك اى نية لقتله فما الداعى الذى دفعه لإنقاذه خاصة فى مثل ذاك المكان الذى لم يكن ليجد احد فيه جثته لإيام عديدة ..

اندفعت زهرة تجاه ولدها الذى كادت تُجن من خوفها عليه تحتضنه فى شوق تطمئن انه حقا امامها و ان تلك الغمة قد انزاحت بلا رجعة ..
كان الجميع فى سعادة غامرة ان الامر انتهى على خير اخيرا الا مهران الذى ظل ذاك الجمود يسيطر على ملامح وجهه و هو يجلس يتلقى التهانى من الكل بلا استثناء دون ان يلين ذاك الجمود و لو للحظة حتى لأمه التى كانت فرحتها بنجاته تفوق الحد الذى جعلها لا تدرك ما يعتر ولدها الا بعد حين حينما كان يرد على مجامليه ردودا مقتضبة خالية من الود الذى كان دوما يقطر من كلمات مهران و افعاله ..

وجبت صلاة العصر فأنتفض من المجلس مستئذنا ليندفع للأعلى متحججا برغبته فى الاغتسال و الصلاة .. استأذن الجميع متفهمين واحدا تلو الاخر لتهتف زهرة في قلق :- مهران ماله يا عاصم ..!؟.. مش ده مهران اللى غاب عنى اربع ليالى بس .. ده كأنه اتبدل ..

ربت عاصم على كتفها متفهما و محاولا بث الطمأنينة داخلها :- متجلجيش .. شوية و هيفك و يرچع احسن من الاول .. اللى شافه برضك مهواش هين .. و الاربع ليالى دوول بهم اربع سنين .. جولى الحمد لله ان ولدك رچع لك بالسلامة يا ام مهران و بكرة يبجى عال .. استحمديه ..
همست زهرة بألية و عقلها لايزل مضطربا لمرأى ولدها بهذه الحالة :- الحمد لله على كل حال ..

هتف عاصم متسائلا :- هو ماچد اتصل ..!؟.. أوعى تكونى جولتيله حاچة ..
نفت زهرة هاتفة :- لا طبعا مقلتش حاجة محبتش اقلقه هو كمان على اخوه و انا عارفة انه هيفضل هناك مش قادر لا يجى و لا هيبقى مرتاح وهو بعيد و احنا ف الظروف دى عشان كده متكلمتش و لا جبت سيرة .
هتف عاصم :- طب الحمد لله اهى چت على خير و ربنا سترها معانا ..

و ربت عاصم على كتفها قبل ان يصعد لغرفته و تتجه هى للمطبخ لتوصى بطعام شهى من اجل مهران تعويضا عما فاته ربما يعيد له ذلك بعض من ذاك البريق الذى تستشعره كأم و قد خبا فى اعماق ولدها البكر .

اندفع مهران لحجرته مارا بذاك الجناح الذى من المفترض ان يكون جناحه بعد زواجه و لم يسطع ان يرمقه حتى بنظره .. شعر ان بداخله قوة غضب هائلة يمكن ان تدمر ذاك الجناح بكل ما فيه و إحراقه رغبة فى إطفاء تلك النيران التى تستعر بداخله فى المقابل .. و ما ان كاد يدفع باب غرفته حتى تذكر جدته فضيلة التى ترقد بالغرفة المجاورة  وانه قد انقطع عنها و عن زيارته لها بشكل دورى مع ميقات كل صلاة حاملا لها ماء الوضوء ليساعدها فى اتمامه قبل ذهابه للصلاة بالمسجد.. ترى كيف حالها دونه و قد تخلف عنها اربعة ليال كاملة !؟..

توجه الي بابها يطرقه فى وجل و هو يعلم انها لن تجيب كعادتها فدخل فى هدوء ليراها تتمتم بأذكارها فى خشوع و مسبحتها الألفية تتدلى من احد كفيها .. شعر بشوق هائل يجرفه ليقبل تلك الكف المتعرقة و يلقى برأسه المكدود بحجرها الطاهر ..
اقترب منها لتستشعر وجوده رافعة رأسها متطلعة اليه لتهتف فى سعادة :- مهران يا حبة جلبى .. رچعت بالسلامة يا واد الغالى ..

تعجب من معرفتها بالأمر فهو يعلم تماما ان الجميع  اصبح يخاف عليها تأثير الحزن و الهم لكبر سنها فلا يخبروها الا الطيب من الاخبار ..
اندفع اليها يلقى برأسه فى تجويف قدميها المتشابكتين فوق اريكتها المفضلة .. ضمت رأسه اليها و ربتت على ظهره فى حنو هامسة فى تفهم عجيب كأنما تعرى روحه :- مالك يا مهران .. راحت فين روحك و عزمك .. راچع مهران و منتش مهران اللى اعرفه ..

كاد يبكى و هو يخبئ وجهه بحجرها الحانى و تلمست هى ذلك بمشاعر  جدة هو عندها أعز من ولدها ذاته فربتت من جديد على كتفه و جالت بكفها على طول ظهره و عرضه تتمتم ببعض الأدعية و آيات القرآن الكريم دفعا لتلك العين الشريرة التى اصابت حفيدها المفضل لقلبها ..
همهمت بعد فترة ما ان استشعرت انه هدأ قليلا هامسة :- جوم يا مهران و سلمها لله جادر يعدلها من عِنده .. جوم و صل ووضينى جبل ما تروح .

رفع مهران نظراته اليها متسائلا :- معلش يا ستى انى بجالى اربع ليالى مش باچى اوضيكى ..
ابتسمت و هى تربت على جانب وجهه هاتفة :-كيف دِه ..!؟.. كنت بتاچى يا مهران .. مخلفتش ميعاد صلاة حتى الفچر .. بس ف كل نوبة اشوفك مهموم كيف ما انى وعيالك دلوجت و تروح توضينى و تبوس على يدى و تجولى ادعيلى يا ستى انى ف ضيجة شديدة و كنت بدعى يا ولدى .. بدعى و انى جلبى هيتخلع لشوفتك متكدر كِده..

تعجب مهران من كلماتها التى تقطر صدقا و بالفعل نهض لمساعدتها فى الوضوء و قبل جبينها فى محبة طاغية قبل ان يرحل ليلحق بصلاة العصر متمنيا ان ينزاح ذاك الهم من على قلبه لكن هيهات فوجعه و صدمته فى توأم روحه لا يعادله وجع و لا تساويها صدمة ..

طرقت باب غرفته و هى عازمة على معرفة الامر برمته للنهاية .. اذن لها بالدخول فدفعت الباب و دخلت ملقية السلام دافعة ذاك المقعد لتجلس عليه لتكون فى وضع مقابل له تماما و نظرت اليه منكس الرأس هكذا فشعرت بالضيق فهتفت تجذب
انتباهه :- مهران ..!! خبر ايه ..!؟.. ايه اللى حصل للى انت عاملة ف نفسك ده ..!؟..

تنهد فى ضيق و صمت و لم يعقب لتستطرد هى و قد عزمت على دك حصون جموده و ثباته منذ عاد الى البيت بعد محنته الماضية :- بقولك ايه يا مهران انا سندس يا مهران عارف يعنى ايه سندس!؟..
تطلع اليها مستفهما لتكمل بمحبة :- يعنى توأمتك و حتة من روحك .. هتخبى على روحك يا مهران ..!؟..

تطلع اليها فى محبة مماثلة و هز رأسه فى تشتت و لم ينطق حرفا لتندفع متسائلة بغتة :- ايه اللى حصل بالظبط يا مهران ..!؟.. مين مسعد ده و عارفه منين ..!؟.. و ايه اللى حصل بينكم بالظبط!؟..
انتفض حانقا يهتف فيها :- ما خلصنا من الموال دِه و كل حاچة اتجالت ف النيابة ..

هتفت بدورها :- مش صحيح .. انا عارفة ان مش دى الحقيقة .. و اللى متعرفهوش انى انا اللى قلتله يقول كل الكلام اللى اتكتب ف اقواله ف النيابة يعنى انا اللى عارفة كويس ان مش دى الحقيقة .. ايه الحقيقة بقى ..!؟.. و ايه اللى خلاك توصل انك ترفع سلاحك على الراجل ده و انا اكتر واحدة ف الدنيا متأكدة انك متعملهاش!؟...

تهرب منها يدور فى الغرفة لا يريد ان يلتقى بعينيها حتى لا تثبر أغوار نفسه و تدرك حقيقة ما حدث و تقرأه جليا بعمق عينيه ..
تنهدت متسائلة فى تعجب :- مش غريب انك من ساعة ما رجعت من الحجز مزرتش تسنيم و لا جت هى تطمن عليك و لا مرة سواء و انت ف الحبس او هنا لما رجعت ..!؟..

انتفض من جديد عند ذكر تسنيم هاتفا :- لاااه .. كانت عايزة تاچى و انى اللى منعتها و انى بكلمها ف التليفون اطمنها عليا ..
تنهدت سندس من جديد و هى تربت على كتفه فى حنو و قد ادركت ان هناك سرا فى ما يحدث .. سرا شائكا و خطيرا  و الا ما كان استمات اخوها هكذا للدفاع عن سريته و عدم فضحه لمخلوق حتى لها هى و همست قبل ان ترحل تاركة الغرفة فى هدوء :- تسنيم عيانة يا مهران ..من ساعة ما سمعت باللى حصل لك و هى راقدة و دكاترة داخلين و دكاترة خارجين ..

هتف فى وجل مقاطعا إياها :-عيانة!؟
هزت رأسها و هى على اعتاب الحجرة قبل ان تخرج و تغلق الباب خلفها :- مش بتقول كلمتها يبقى اكيد عرفت بده .. مع انها على حسب ما شفتها لما رحت أزورها رايحة خالص عن الدنيا و كل اللى على لسانها .. اسمك ..

انتفض مع إغلاق اخته للباب كأنما اغلقته بوجه قلبه الذى ما عاد يحتمل .. شطراه يتنازعان فى ضراوة .. شطره الذى مازال يحن لها كحبيبة و منية لروحه و شطره الاخر الذى ما عاد يطيق ذكرها امامه و لا يتذكر الا صورتها امام ذاك الحقير و هى تعطيه ثمن اثامها التى ساومها على فضحها .. انه يكرهها .. لا .. بل يحبها .. و لايزل يحبها بل يعشقها و هذا ما يعذبه و يدفع به لحافة الجنون .. جلس مهدودا على اقرب مقعد واضعا رأسه المثقل بالصراعات بين كفيه يهمس متضرعا فى وجع .. يااارب ..

بدأت الانفجارات تتوالى و صوتها يتتابع فى صخب و صرخات هنا و هناك و تلك الملامح المألوفة لذاك الوجه الذى يطارده دوما يظهر و يختفى من جديد مع صرخة بأسمه جعلته ينتقض فى ذعر اصبح علامة من علامات استيقاظه منذ كان فى الخامسة من عمره تقريبا ..

ألتقط انفاسه فى تتابع يتلفت حوله على الرغم من يقينه انه بحجرته و على فراشه و ان ذاك الكابوس الذى يصاحبه كظله هو سبب ذاك الاضطراب الذى يعانيه بعد استيقاظه من نومه مباشرة ..
طرقات على الباب من خادمه تؤكد انه استيقظ بالوقت المناسب تماما .. دخل الخادم هاتفا فى تأدب :- صباح الخير يا سيد بيه .. ثوانى و الحمام يكون جاهز لحضرتك ..

أومأ سيد برأسه موافقا و ألتقط من على تلك الصينية التى أحضرها الخادم كوب من عصير برتقال طبيعى هو المفضل له صباحا و ما ان انهى بضع رشفات منه حتى خرج خادمه يعلن جاهزية الحمام لأستقباله ..

جلس يتناول إفطاره و عينيه تجولان على اخبار المال و الاعمال فى الجريدة التى ينشرها أمام ناظريه وفجأة توقف عن ابتلاع لقمة كاد يغص بها فألتقط كأس الماء ليرتشف منها ما يخلصه من غصته و هو يطالع ذاك الاسم المتألق فى عالم الاعمال و الإنشاءات .." الهوارى جروب " يعلن عن مشروع جديد سيبدأ فى تنفيذه بالصعيد ..

ألتمعت عيناه ببريق ما يشبه بريق احد الذئاب الذى اخيرا عثر على ضالته المنشودة .. همس فى سعادة و هو يتطلع للأسم من جديد :- اخيرا الفرصة جت و هنتجمع و كل واحد ياخد حقه ..
..و ابتسم تلك الابتسامة الصفراء من جديد و هو يقذف بالجريدة بعيدا بطول ذراعه ...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة