قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الثامن عشر

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الثامن عشر

اندفع الجميع لداخل المشفى عاصم و زهرة و معهما سندس و مهران و تسنيم و كذلك سهام و حسام و تسبيح
امتلأت قاعة الاستقبال بهم مهرولين لا يدركوا ما حدث لولدهم..

أخيرا استوقفوا احد الأطباء الذى دلهم على مكان باسل ليهرع الجميع حيث أشار الطبيب.. لحظات و كان باسل يخرج من الغرفة و تنفس الجميع الصعداء حيث كان الى حد كبير في أتم حال الا بعض الخدوش و الجروح البسيطة و ردود في ذراعه جعلت الأطباء يرفعوه لأعلى برابطة معلقة برقبته حتى لا يحركه.. بكت سهام في لوعة ما ان رأته معافى و كأن هما كبيرا قد انزاح من على كاهلها برؤية ولدها لا يشكو شيئاً..

توجهت به الممرضة على كرسى متحرك حيث غرفته التي تم تعينها له ليبيت فيها الليلة تحت الملاحظة..
توجه الجميع خلفه و اكتظت الغرفة
هتف باسل محاولا تخيف اثر الرعب الذى عاشوه بسببه:- ايه يا چماعة.!!
الحمد لله چت سليمة..
هتف عاصم:- سليمة ايه بس يا شيخ دِه انت نشفت دمنا..

نظر باسل لسندس التي كانت تقف في احد جوانب الغرفة يبدو عليها اثر البكاء و الصدمة و هتف متسائلا:- ايه!؟.. خفتوا علىّ.. متخافيش يا خالى.. عمر الشجى باجى..
ربتت سهام على كتف ولدها في سعادة بنجاته هاتفة:- ربنا ما يورينا فيك حاچة وحشة ابدا يا ضنايا..
قبل باسل كفها التي لا تزل موضوعة على كتفه هاتفا في مرح:- تسلميلى يا سوسو..

ابتسمت سهام في فرحة و عادت للربت على كتفه من جديد و هتفت مستفسرة:- على كِده يبجى نأچلوا الكتاب و الفرح لحد ما يجوم باسل بالسلامة..
هم عاصم بالرد الا ان باسل نفسه انتفض في حمية:- ايه هو اللى يتأچل دِه يا سهام!؟.. دِه انى لسه مدعلك و جايل لك يا سوسو تبجى دى اخرتها.. و الله ما حاچة تتأچل و لا دجيجة واحدة..

انفجر الجميع ضاحكين الا سندس التي تمنت لو ابتلعتها الأرض من شدة حرجها مما يفعله ذاك المجنون الذى تهيم فيه و به عشقا..
هتف حسام موبخا في مرح:- يا واد انت مكسور.. طب يومين لحد ما تجوم على رچلك.. هتچوز و انت مكسور كِده!؟..
اندفع باسل هاتفا:- فين المسكور دِه!؟.. . ياك جصدك ع البتاعة دى اللى معلجينها ف رجبتى.. يا عم دِه شغل دكاترة.. و اهى هشيلهالكم عشان تصدجوا انى تمام..

اندفع مهران مقهقها و هو يمنعه فك رباط ذراعه من حول رقبته:-خلاص يا باسل مصدجينك بس متشلهاش.. هنچوزوك متجلجش..
قهقه الجميع من جديد ليهتف عاصم مؤكدا:- خلاص يا واد بطل غلبة.. كل حاچة ف ميعادها بس شد حيلك انت..
هتف باسل مؤكدا:- انى شاده ع الاخر يا خالى بس چوزونى انتوا و ملكمش صالح..
قهقهت سهام هامسة بجوار عاصم:-هايطلع لمين!؟.. مچنون واد مچانين..

قهقه عاصم و همس بدوره:- يعنى ابوه متچوزكيش و لسه مطبش من العياراللى خده!؟.. خلينا ساكتين احسن..
قهقهت سهام بدورها لتهتف زهرة في مرح:- بتتأمروا على مين انتوا الاتنين!؟..
هتفت سهام:- عليكِ.. عاصم بيجول عايزنى أدور له على عروسة چديدة و يبجى الفرح فرحين..
قهقه عاصم و هو ينظر لزهرة التي زمت ما بين حاجبيها ممتعضة هاتفا:- انتِ تصدجى برضك!؟..

ابتسمت زهرة في دلال هاتفة:- الصراحة لااا..
هتفت سهام ضاحكة:- طيب اخرچ منيها انى بجى..
ليصرخ باسل جاذبا انتباههم جميعا:- جاعدين تهزورا و سايبينى كِده..
هتفت سهام ناهرة:- مالك يا واد.. !؟.
ما انت زى الفل اهو الحمد لله..
هتف باسل في توسل:- عايز اتچوز يا خالى..

تعالت ضحكات الجميع من جديد و سندس تزداد انزواءً خلف كتفى زهرة و هتف عاصم ناهرا:- ماجلنا بعد يومين يا فجرى..
هتف باسل:- لااااه.. عايز اتچوز دلوجت..
هتفت سهام لعاصم تعقيبا على طلب ولدها:- مجلتش انى.. مچنون..
هتف باسل متضرعا:- نكتب الكتاب بس.. اخرچ من هنا و هي مرتى..
هتف حسام:- طب و ايه اللى فرج على يومين!؟.. . كنك مچنون زى ما جالت امك..

هتف باسل متضرعا من جديد:- و حياة أغلى حاچة عنديكِ ما ترفض يا خالى.. نكتبوا الكتاب و اهو الفرح ف ميعاده بعد يومين..
ابتسم عاصم لإبن اخته المجنون و كانت فرحته الداخلية لا توصف و هو يراه متلهفا على زواجه من ابنته بهذا الشكل و لكم تمنى رؤية هذه اللهفة و ان يستشعر معزة ابنته في عين طالبها و رغبته فيها .. و ان يتدلل كأى أب حتى يوافق على اقترانها به.. و أخيرا هتف بعد لحظات صمت و هو ينظر لسندس التي تزوى خجلا و حياءً:-انى موافج..

كانت المرة الأولى التي سُمع فيها صوتها منذ قدومهم لتهتف في إحراج متعجبة من موافقة ابيها:- بابا.. !!..
هتف عاصم مازحا:- ايه !!.. فرجت ايه دلوجت من يومين.. على بركة الله.. روح يا مهران هات لنا المأذون..
هلل باسل في سعادة:- ينصر دينك يا خالى.. و الله انت اچدع خال ف الدنيا دى كلها..
انفجر الجميع فى نوبة جديدة من الضحكات لرد فعل باسل المتهور بينما أطلقت سهام زغرودة قوية فى سعادة..

اندفع العمدة حامد الحناوى في سعادة بجانب يونس في الكارتة يجول به شرق نجع الحناوى و غربه حتى يعرف كل ما يخصه من أراضى و أملاك..
توقفا كثيرا لبعض الأشخاص ليعرفهم حامد على ولده البكر يونس متحمسا و متباهيًا.. شعورا رائع غمر يونس و هو يستشعر اهتمام ابيه و رغبته في الإفصاح عن وجوده و الافتخار بكونه ولده.. ذاك الشعور الذى دوما ما كان يحلم به و هو يعرف ان تحقيقه درب من مستحيل.. لكن ها هو المستحيل يتحقق أخيرا و يشعر بمدى روعة الشعور بالإنتماء لرجل ما يفخر انك تحمل اسمه مزيلا اسمك في عزة..

انه الان يونس الحناوى.. و سيظل يونس الحناوى.. لقد وجد هويته الضائعة أخيرا.. وجد ضالته المنشودة.. وجد اصله و جذوره و لن يبتعد عنها من جديد و سيظل يعمل جاهدا حتى يستحق الانتماء لهذا الأصل و سيتشبث ما حيا بهذه الجذور و لأخر رمق في أنفاسه.. انه هو أخيرا.. انه يونس الحناوى و لن يكون الا هو بعد الان.. يونس الذى سيستمد القوة من اسم ابيه الذى يحمله تلك اللحظة في فخر و سيكون ذاك اللقب هو قوته و سنده و داعمه الأول..

ربت حامد على كتف يونس الشارد هاتفا في حنو:- ايه رايك يا يونس!؟..
عچبتك الأرض.. عرفت اللى ليك يا ولدى!؟..
انحنى يونس مقبلا كف حامد في اعزاز هاتفا:- ربنا يخليك لينا يابا.. المال مالك يا حاچ و هايفضل مالك دايما.. انى لا عايز حاچة و لا بدور على مال.. انى كفاية عليا انى ولدك..

ربت حامد على كتف يونس من جديد هاتفا في تأثر:- محدش ضامن عمره يا يونس.. لازما تعرف كل حاچة.. دِه مش حجك لحالك.. دِه حج اختك و بت عمك.. يعنى أمانة ف رجبتك يا ولدى.. عارف ان الشيلة تجيلة.. بس انت كدها و هتجدر عليها..
صمت يونس و لم يعقب ليهتف فجأة صوت اخرجه من تأمله هاتفا:- اهلًا بواد عمى.. مش واد عمى برضك و لا غلطت ف العنوان!؟..

هتف جاسم بتلك الكلمات مما استرعى انتباه يونس ليتطلع اليه في قلق و قد ادرك النبرة العدائية التي يتحدث بها بينما هتف حامد غاضبا:- انى مش جلت متورنيش وشك تانى!؟.. ايه اللى چابك!؟..
هتف جاسم ساخرا في غل:- واااه يا عمى.. !!.. بجى واد عمى ياجى و منرحبوش بيه برضك!؟.. دِه حتى تبجى عيبة ف حجى يا عمدة.. و انت واعى لجاسم.. طول عمرى يفهم ف الأصول..

هتف حامد في غضب و هو يمسك لجام الكارتة:- طب غور من جدامى.. غور..
و اندفع حامد بالكارتة مبتعدا عن محيا جاسم و الذى تطلع يونس اليه في فضول و رأى تلك النظرات التي كان يرمقه بها في حقد و شعر ان جاسم هذا لن يكون الا باب لشر مستطير لن يُغلق بسهولة ابداااا..

اندفعت ثريا بإتجاه مكتب سيد العشماوي.. دخلته متعجلة و هي تلقى التحية بسرعة للعاملين أغلقت خلفها الباب و تركت حقيبة يدها و أدواتها الهندسية جانبا و توجهت حيث المكتب تبحث عن بعض التصميمات التي من المفترض مراجعتها.. بحثت هنا و هناك و لم تجدها.. تعجبت.. من دخل الى تلك الحجرة و حصل على تلك التصميمات.. اضناها البحث بين كل تلك التصميمات الموضوعة جانبا فتنهدت في ضيق و قد شعرت بجفاف حلقها و ان الإرهاق قد تمكن منها بالفعل.. فاليوم كان شاقا في الجامعة و ها قد اكتمل بعدم عثورها على تلك التصميمات الهامة.

تنهدت من جديد بنفاذ صبر و رفعت ذراعيها تتمطع كقطة رومية تحاول ان تطرد ألم عضلاتها التي تئن رغبة في الحصول على الراحة..
ابتسم هو في سعادة و هو يرى تلك المتنمرة المسترجلة أخيرا و قد بدر عنها اى بادرة تؤكد انها أنثى و لو لمرة واحدة.. فها هي تتمطع بتلك الطريقة المغرية جعلته يزدرد ريقه في تأثر و ما عاد له القدرة على التفوه بكلمة رغبة في عدم خدش مجال حريتها مستمتعا بجهلها لوجوده..

و رغم انه يجلس في ركن مظلم و ناءٍ بالغرفة.. الا انه يدرك انها ستكتشف وجوده عاجلا او اجلا.. و ساعتها لن يسلم من لسانها و اعتراضاتها.. فقرر الإعلان عن وجوده مضطرا.. فهتف في هدوء من موضعه:- واضح انك تعبانة و مش بتنامى كويس.. يا ترى ليه!؟..
انتفضت موضعها محاولة السيطرة على تلك الصرخة التي كادت تخرج من حلقها بوضع كفها على فمها مغتالة إياها..
هتف من جديد ساخرا:- ايه ده!؟.. هو الباشمهندس ثريا بيخاف و بيعرف يصرخ!؟..

استعادت رباطة جأشها في سرعة و تمالكت أعصابها قدر الإمكان حتى لا تتجه نحوه و تكيل له بعض السباب او تصفع وجهه الوسيم هذا عدة صفعات تشفى غليلها.. الاحمق.. كاد يصيبها بنوبة قلبية..
تنفست بعمق هاتفة في سخرية:- دِه ان مكنش عند حضرتك مانع يعنى اتعب زى البنى أدمين.. و أخاف زيهم برضك..

هتف في نزق مقتربا من موضعها و قد قرر الأخذ بثأره كاملا مما فعلته به امام الجامعة:- لا معنديش طبعا.. بس يا ترى الباشمهندس ثريا مبينمش ليه!؟.. قاعدة بتعدى النجوم ف بعدى و لا ايه!؟..
انفجرت ثريا ضاحكة في سخرية:- بعد النچوم!؟.. هو في راچل يحب ف راچل برضك و يجعد يعد النچوم كمان.. چديدة دى!؟..

كاد ينفجر غيظا من تهكمها و قد شعر انها من نال منه و ليس العكس فزاده ذلك امتعاضا و غيظا ليهتف حانقا:- حيث كده يا باشمهندس.. جهزى نفسك حالا عشان هتروحى معايا الموقع..
هتفت متعجبة:- بس دِه تخصص الباشمهندس حمزة.. انا..

هتف بضيق:- انتِ تسمعى اللى بقولك عليه من سكات.. جهزى نفسك و حصلينى بالتصميمات اللازمة و هستناكِ ف عربيتى.. هااا.. عربيتى.. و ابقى ارفضى تركبيها..
هتفت في تردد:- بس التصميمات..

اقترب منها في بطء و لا تعرف لما لم تتحرك مبتعدة حين اقترب من موضعها و مد كفه في تؤدة لموضع ما خلفها حتى ان رأسها الان اصبح مقابلا لموضع قلبه مباشرة و تناول مجموعة مطوية من الأوراق كانت بعيدة عن موضع يدها و يبدو انه من وضعها في ذاك الموضع متعمدا و ابتعد رويدا و قدم لها الأوراق هامسا:- اهى التصميمات يا باشمهندس.. يا ريت ننجز عشان اتأخرنا فعلا.. كان زمنا خلصنا الامور دى الزبارة اللى فاتت لو كنتِ ركبتى معايا من قدام الجامعة..
تركها و رحل مخلفا عبق عطره و قد علق بأنفاس ذاكرتها و يبدو انها ستظل عالقة للأبد..

تعالت الزغاريد بقلب المشفى فها قد تم عقد قران باسل و سندس وسط تعجب الجميع.. و ما ان انتهت التهانى و المباركات حتى بدأ الجمع في الرحيل في تتابع للبدء في تحضيرات الزفاف التي أزف موعده.. كانت سندس اخر من يخرج من الغرفة ليهتف باسل بأسمها في
عشق:- سندس..

تخشبت اقدامها و لم تحرك ساكنا عندما سمعت بندائه الذى ساعد على ازدياد وجيب قلبها الذى لا يصدق حتى تلك اللحظة ان ذاك المحنون الذى تعشق منذ طفولتها اصبح زوجها الان..
هتف باسل من جديد عندما رأى اضطرابها و توترها:- انتِ رايحة فين!؟..

اشارت لباب الخروج مؤكدة انها راحلة مع الجمع الذى غادر قبلها.. ظلت على حالها لا تستطع التفوه بحرف واحد مما دفعه للإستطراد هاتفا في شوق:- طب خلى بالك على نفسك يا سندس..
اومأت برأسها إيجابا و همست أخيرا في حياء كان مستحدثا على طبعها في تعاملها معه:- حاضر..
همت بالخروج الا انه هتف يناديها من جديد:- سندس..

توقفت تتطلع اليه ملبية الا انه لم يتفوه بحرف واحد كل ما فعله هو التطلع اليها يحاول ان يملأ كل خلجة من خلجات روحه بمحياها غير قادر على التصديق انها أصبحت زوجه و ان ما بين وجودهما الان و جمعهما للأبد تحت سقف واحد مجرد ساعات قليلة لا تتعدى اليومين.. و برغم قصر الفترة الا انه ما عاد لديه القدرة على احتمال بعادها عنه و لو لحظة أخرى.. تنهد في قلة حيلة هاتفا:- مع السلامة..
ابتسمت في خجل و رحلت في هدوء وتركته يعد الساعات حتى يتحقق حلم الطفولة و الشباب..

ظلت تتحين الفرصة المناسبة حتى رأته مغادرا مقر الشركة فأندفعت لتقف امامه مباشرة تسد عليه طريق الخروج.. توقف هو بغتة بدوره حتى يتجنب الاصطدام بها و نظر اليها مستفسرًا في تعجب لتهتف هي في امتعاض برئ لطالما اثار اضطراب ما داخله:- مش كفاية بقى يا حمزة!؟
هاتفضل مخاصمنى لحد امتى!؟..

هتف هو محاولا التظاهر بالصلابة امامها:- انا مش مخصمك على فكرة.. انا بس بعدت عنك زى ما وعدتك عشان مبجاش بضايجك و لا بزعلك..
هتفت كأنها لم تسمع ما كان يقوله من الأساس:- عارف بقالك كام يوم مخاصمنى!؟..

و رفعت كفها تحسب في تؤدة تلك الأيام التي تجنبها فيها مما جعله يكتم ضحكة كادت تقفز مرتسمة على محياه من جراء مشاهدتها بهذا المظهر الطفولى الذى يثير دوما روح المرح داخله و أخيرا هتفت:- خمس ايّام يا حمزة مش بتكلمنى و لا بتوصلنى للشركة معاك مع ان بابا قالك جيب هدير معاك كل يوم.. و لا بتتعشى معانا و بتتعشى لوحدك.. كل ده و بتقول مش مخاصمنى.. امال لو مخاصمنى هتعمل فيا ايه!؟..

ابتسم حمزة على الرغم من محاولته التماسك و قال مشاغبا:- تجولى ايه!؟.. راس صَعيدى..
ابتسمت في سعادة هاتفة:- يعنى خلاص يا حمزة.. سامحتنى..
اتسعت ابتسامته رغما عنه هاتفا:- طب ياللاه عشان أوصلك ع البيت معايا..
صفقت في جزل هاتفة:- يبقى سامحتنى.. ياللاه بينا.. و متنساش هسافر معاك عشان احضر فرح سندس و باسل..
قهقه حمزة هاتفا:- يبجى عشان كِده جيتى تكلميني.. عشان اسفرك معاى..

قهقهت بدورها و هي تنظر اليه تلك النظرات الطفولية التي تفقده ثباته بشكل يثير اضطرابه و يدفعه للحذر و التحفظ في تعاملها لانها هي الوحيدة التي جعلته يدرك ان هناك أسباب عديدة للفرح غير المألوفة لديه.. أسباب كابتسامتها و ضحكاتها الطفولية و نظراتها البريئة.. ابعد ناظريه عن محياها و هي تهتف قائلة فى مرح :- مش بالظبط يعنى.. بس الصراحة كنت زعلانة أنك زعلان منى يا حمزة.. مش عارفة ليه!؟..

فسرت بصراحة فطرية ما كان يشعر به و يخاف ان يعترف به لنفسه فتلك الليالى التي كان يتجنبها فيها أشعرته بمعزتها و بتأثره بإبتعادها و انها وحدها التي تملك بوصلة دواخله دون ان يكون لها يد في ذلك او حتى راغبة فيه.. أخرجته من خواطره و هي تتجه للسيارة بمحازاته هاتفة في دلال فطرى لا تدعيه:- بليز يا حمزة متزعلش منى تانى.. قولى بس انا غلطت ف ايه و انا هسمع كلامك.. بليز..

ابتسم غير قادر حتى على اصطناع الشدة معها و اومأ برأسه موافقا و هو يجلس خلف مقود السيارة يحاول ان يتجنب اتجاه أفكاره لتلك التي تقفز اليها عنوة دون اى مجهود يذكر من قبلها...

اللعنة بل الف لعنة تُصب على رأسه لما يفعله بها.. أهكذا ينال ثأره من رفضها الصعود لسيارته لتأتى الى هذا الموقع!؟.. اللعنة عليه..
زفرت في ضيق و هي لا تستطيع التحرك بتلك التنورة التي ترتديها و التي لم تكن الزى المناسب لمثل ذلك الموقع الملئ بالأحجار و الرمال و التي تصعب عليها الحركة.. ألم يكن من الأفضل لها لو اخبرها انها ستذهب معه للموقع!؟.. كانت على الأقل اخذت في اعتبارها ما يجب عليها ارتدائه.. لكن بمثل تلك التنورة و هذا الحذاء.. انها لا تستطيع حتى التنفس بحرية..

هتف في جزل و هو يراها على مثل هذه الحالة من الضيق و استنتج بالطبع السبب عندما نظر لتنورتها و حذاءها و أيقن ان كلاهما غير مناسب للتواجد في موقع كهذا:- ايه رأيك يا باشمهندسة!؟.. بصى كده ع المعدات و الأساسات..
هتفت هي في غيظ:- يا باشمهندس المفروض انك مهندس وعارف ان دِه مش تخصصى و مجدرش أفيدك فيه.. ده تخصص الباشمهندس حمزة.. يبجى ايه لزمة وچودى هنا!؟..

هتف في هدوء تام بغية اثارة المزيد من حنقها:- انتِ المساعدة الخاصة بتاعتى و المكان اللى عايزك فيه هتكونى فيه يا باشمهندسة.. متهئ لى ده مفهوم.. و لا ايه!؟..
هتفت بحنق بالغ و تهور و هي تتجه ناحيته مباشرة:- باشمهندس سيد.. يكون ف معلومك دى اول و اخر مرة إجى فيها للمو..

لم تكمل جملتها و كيف لها ذلك و قد زُلت قدمها و بدأت تهوى بالفعل من ذاك المنحدر الذى كانت تقف على قمته بصحبته.. ستصاب إصابة بالغة لامحالة.. فالسقوط من مكان كهذا لن يخلف الا إصابة شديدة حتما..

سقطت بالفعل و صرخت في رعب و اندفعت اثناء سقوطها تتشبث به لعله ينقذها.. لكن الامر لم يستغرق ثوان لتجد نفسها متمددة على الأرض..
لكن مهلا ذاك السطح الذى يرقد عليه ظهرها الان لا يمكن ان يكون تلك الأرض الصلبة ذات الحصى و الأحجار.. بحثت عنه بعينيها في مجال رؤيتها حيث ترقد لترى في عينيه نظرات التشفى و السعادة فها قد نال ثأره بأفضل طريقة ممكنة..

لكنها لم تره و أخيرا انتبهت ان سقوطها جاء على صدره و ان ذراعه تحيط خصرها و ان جسده قد تلقى الصدمة عنها و تلقاها هي نفسها ليكون ظهرها متوسد صدره في تلك اللحظة..
تسمرت موضعها غير قادرة على الإتيان بأى رد فعل .. و رغم ذلك كانت هي المبادرة لتنهض في سرعة متجهة للسيارة مهرولة قدر استطاعتها لتبتعد عن محياه رغم انها لا تعرف كيف سيمكنها النظر الى وجهه من جديد و التطلع اليه و التعامل معه كأن شيء لم يكن!؟..

هي مرغمة على البقاء جوار السيارة في انتظاره فما من سبيل اخر لإخراجها بعيد عن هذا الموقع الا سيارته و التي عليها ركوبها و التواجد معه فيها حتى تصل لبيتها و تنأى عنه و عن نوباته الثأرية التي كلفتها الكثير هذا النهار.. لعنته مرة أخرى في سرها و هي تراه قادم الى حيث تقف في انتظاره و سيطرت على نفسها حتى لا تنفجر ضاحكة رغم كل ما حدث بسبب مظهره الدامى و حلته التي تغير لونها من جراء سقوطهما.. ووجهه الوسيم الذى لطخه الغبار في عدة مواقع مختلفة و أخيرا.. بنطاله الذى اكتسب هوة عميقة في موضع احدى ركبتيه..

ان مظهره في تلك اللحظة أشبه بأحد المتسولين حرفيا لولا نظارته الشمسية التي تحجب نظراته عنها و التي هي على يقين انها تكاد الان تمزقها غيظا.
حاولت التحدث عندما رأت حاله اسوء من حالها بمراحل و لكن ما ان همت بالتحدث حتى أشار اليها لتصمت تماما..

حتى انه لم ينبس بحرف واحد بل ركب السيارة في صمت و صعدتها بدورها و هي تستشعر بقوة ان رغبته الحقيقة فعلا هي إلقاءها خارج السيارة و عدم رؤيتها من جديد فلزمت الصمت تماما احتراما لرغبته و الفضول يقتلها لترى ما يعتمل داخله من خلال نظراته المختبئة خلف العدسات القاتمة.. ظلا على حالهما من الصمت المطبق حتى وصلا امام السراىّ ففتحت الباب و خرجت و ما ان ترجلت من السيارة حتى انطلق بها مغادرا بأقصى سرعة بعيد عن محياها دون ان يلق التحية حتى.. انفجرت ضاحكة رغما عنها فبالرغم من كل ما حدث الا انها تشعر بسعادة بلهاء لا تعرف مصدرها.. لكنها تستشعرها و بقوة..

تهادت العروس بجوار عريسها على درج دار ابيه حسام التهامى ليصعدا للدور الثانى الذى خصص لهما كمنزل مستقل تتبعهما الزغاريد المتعاقبة التى تنطلق من هنا وهناك.

كانت سندس ترتجف بحق وهى تتأبط ذراع زوجها.. تنبهت لفعل الكلمة بقلبها الذى زاد من وجيب نبضاته الذى تعلق به منذ نعومة أظفارها لكنها لم تعترف بذلك ابدا.. لكن بعد ما حدث وكادت تفقده.. تأكدت بل ايقنت انها تعشقه حد الثمالة ولا قبل لها بحياة ليس فيها.. لا يملأ جنباتها بمزاحه الذى يثير تحفظها تجاهه و تفكهه على لدغة لسانها التى تطير صوابها.. وصل العروسان لباب حجرتهما فنظر اليها باسل فى وجد يكاد يطير فرحا فها هى حلم الطفولة امام ناظريه يتحقق..

و ها هو الان على بعد خطوة واحدة من باب الجنة التى انتظرها طويلا..
فتحت امه الباب.. نظر لسندس التى احمرت خجلاً من خلف خمارها التلى.. و اندفعت للشقة فى عجل.. ليندفع خلفها فى سعادة لا متناهية لتغلق امه الباب خلفه يختنق بحلقها مزيج من مشاعر حبور غامرة و دموع فرحة مع تلك الزغرودة الأخيرة التى اطلقتها وهى تغادر طابق العروسين وقد بدأت دموعها تغلبها فتتساقط وهى ترفع كفيها للسماء داعية بدوام الفرحة و الذرية الصالحة لهما.. وهمست و قد طغت روحها المرحة على دموعها لتهمس فى مرح:- ربنا معاكِ يا بت اخوى.. ولدى مچنون وانى عرفاه..

هتف فيها حسام مازحاً:- بتبرطمى تجولى ايه يا ام العريس!؟.. و واجفة ليه ع السلالم كِده.. !؟؟..
همست سهام و هى تهبط الدرج متأبطة ذراع زوجها:- كنت بجول الله يكون ف عون بت اخوى.. ولدى مچنون و بن مچنونة..
واشارت لصدرها فى فخر.. تربيتى..

انفجر حسام هاتفاً بمرح وقد وصل على مشارف حجرتهما:- هتجوليلى.. و اى مچنونة.. فاكرة ليلة دخلتنا!؟.. جرتينى الليل بطوله وراكِ.
تعالت قهقهات سهام وهى تدفع باب الحجرة و تدلف للداخل مسرعة هاتفة فى شقاوة:- طب حصلنى بجى لو تجدر!؟..
اندفع حسام متحديا فى مرح و هو يدلف خلفها و يعلق الباب خلفه:- وااه.. طب ايه جولك لهجيب لولدك العريس اللى فوج دِه اخ..
سخرت سهام متحدية:- جد جولك يا ابو باسل!؟..

خلع حسام جلبابه قاذفا به بعيدا و ما ان رأته سهام حتى تحفزت هاتفة:- بتعمل ايه يا بوالعريس.. !؟؟
اقترب منها مشاكساً وهو يهمس:- هندخل باسل الچيش..
لتتعالى ضحكاتها من جديد...
وقد كانت سهام على صواب..
فما انا أُغلقت امه الباب خلفه بعد دخوله حتى تقدم باسل فى تثاقل فهد الى عروسه التى رفعت خمارها و هى تتحفز فى رهبة هاتفة:- عارف لو قربت لى.. ليلتك مش معدية..

ووضعت ذراعيها فى موضع دفاعى كما يفعل لاعبى رياضة الكاراتيه عند بدء القتال..
انفجر ضاحكاً وهو يراها على هذه الحالة من التحفز و بدأ فى التقدم ببطء و قد خلع سترته فى طريقه اليها..

اندفعت تجرى لإحدى أركان الغرفة حتى وصلت للطاولة جوار الفراش و اخرجت من احد الأدراج منظارها الطبى و ثبتته على عينيها وعادت تتحفز من جديد لذاك الذى وقف حيث تركته بلا حراك وعلى شفتيه ابتسامة ماجنة تستفزها و قد استدارت ليواجهه بكليتها فى تلك اللحظة لتعاود قهقهاته الاندفاع صادحة من جديد و هو يرى منظارها يتوج عينيها ذات النظرات النارية و التى تكاد تقتله شوقا.. وضع كفيه فى جيبىّ بنطاله ينظر اليها فى عبثية واخيرا هتف فى صوت مرح:- انتِ يا بت يا استاذة انتِ.. يا اللى اسمك أوله زى اخره.. تعالى هنا..

و أشار لمكان وقوفه بإيماءة من رأسه.. اما هى فقد فغرت فاها ما انا سمعت أمره.. انه يتذكر.. لازال يتذكر ما كان بينهما منذ كانا صغارا.. لازال يتذكر ذاك الامر الذى كان يجعلها تندفع اليه تلبى طلبه بصوت مبتهج لانه ناداها..
خفت نارية نظراتها.. و بدأت تحرق مأقيها اثار دمع بدأ يترقرق بهما... بدأت ترتعش.. بل تنتفض عندما هتف بنفس نبرته المرحة:- طالما مش هاتيچى.. يبجى اجرب انى..

و بدأ فى التحرك ناحيتها وهو لايزل على وضعه السابق واضعا كفيه فى جيبى بنطاله الاسود.. وصل أمامها لا يفصلهما الا خطوة واحدة.. و بدأت هى تفقد كل رباطة جأشها مع كل خطوة يخطوها ناحيتها.. وها قد فقدتها تماما بالفعل مع همسه لإسمها بتلك الطريقة الحالمة.. :- سندس..
كان ارتجافها وصل لذروته وهى تطأطئ رأسها أرضا..

ولا تجرؤ على رفع نظراتها لمقابلته.. مما زاد من ضغطه عليها ليهمس بإسمها من جديد بنفس الطريقة التى دمرت دفاعاتها:- سندس..
همست فى وجل بحروف مترددة و عينيها لازالت تحتضن الارض عند قدميه:- باثل.. عشان خاطرى..
كان دوره لترتجف روحه وهو يسمع اسمه اخيرااا من بين شفتيها.. اسمه الذى قد حرمته سماع أياه من سنين مضت حتى لا يكون هدفا لتندره على لدغتها العزيزة على قلبه..

همس بصوت متهدج وقد دفع احدى كفيه تحت ذقنها ليرفع رأسها لتطالعه نظراتها المتوسلة من خلف منظارها الطبى فيزداد ارتجاف روحه و يهتز ثباته الظاهرى:- انتى جولتى ايه!؟
رددت بألية و هى تنظر لعمق
عينيه:- عشان خاطرى..
هز رأسه نافيا:- لاه.. جبل كِده.. انطجيه يا سندس.. انطجى اسمى تانى..

هزت هى رأسها رفضا هذه المرة فمد كفه يجذب منظارها و يقذف به بعيدا وانحنى قليلا ليلتقط كفها فى وله حقيقى و يرفعه لفمه ليقبل باطنه نشوانا وهو يأمرها من جديد:- انطجيه.. وحياة أغلى حاچة عِندك..
هتفت فى سرعة قبل ان تتردد و ترفض من جديد:- باثل..

كان تقرير بانه الاغلى فى حياتها قبل ان يكون جواب لطلبه... انزل كفها لتصبح الان فوق قلبه مباشرة.. تتوسد صدره.. لتنتفض فى خجل و تتلاقى نظراتها بعينيه من جديد و هى تستشعر نبضات قلبه التى تنتفض مثلها تحت أضلع ذاك الصدر الذى
لطالما تمنى احتواءها..

اقترب حتى اصبح جبينه يلامس جبينها و نظراتهما ملتحمة فى ثورة عشق انضرمت بقلبيهما منذ سنوات وها هى تعلن عن نفسها اخيرا..
همست بلاوعى باسمه من جديد.. وقد نسيت امر لدغتها و تندره بها:- باثل..
لتستشعر من جديد نبضات قلبه التى يزداد وجيبها ويتضاعف فى جنون.. مع نطقها لاسمه.. همس فى صوت متحشرج:- هايوجف جلبى.. يرضيكى يا بت خالى..
ردت فى لوعة:- بعد الشر عنك..

قبل جبينها فى سعادة قبلة طويلة أودعها النذر القليل من مشاعره التى تضرم بين جنبات روحه منذ امد بعيد.. كان يعلم.. بل كان على يقين.. ان اسمه من بين شفتيها بتلك اللدغة الرائعة التى تذهب بثباته قد يودى به لحافة التهور لذا كان يشاكسها دوما حتى لا تنطقه على لسانها ابدا.. فتذهب بالبقية الباقية من رزانته وتعقله..

جذبها اليه فى حنو بالغ لتصبح اسيرة احضانه فيطبق ذراعاه حولها و هو يتنهد بعمق زافرا انفاسه فى قوة محملة بشهيق من لظى صدره.. حتى هى سمع شهقات بكاءها يتردد بين أضلعه فتحامل حتى يبعدها عنه و احنى قامته ليقبل وجنتيها المبللتان بدموع من شوق و ترقب و رجفة ممزوجة بلهفة..
و فجأة رفعها بين ذراعيه ليدور بها حول نفسه فى فرحة طاغية لتصرخ ضاحكة وهى تتعلق بعنقه:- نزلنى... عشان خاطرى..

توقف وهو ينزلها لتستقر ثانية بين ذراعيه و قد أبدل دموعها.. بضحكات انارت وجهها الطفولى الذى يعشق كل تفاصيله تلك الموشومة على جدار روحه بتطوراتها العمرية منذ مولدها حتى تلك اللحظة.. هامساً بالقرب من اذنيها:- حاضر يا عيون باثل.. و ضغط على حرف الثاء لتضحك فى خجل ضاربة كتفه بكفها.. وفجأة يجذبها من كفها خلفه وهو يهتف فى تعجل:- تعالى عايز استشريك ف جضية مستعچلة.. كلمتين كِده ع السريع...

ثبتت قدميها بالأرض و هى تحاول جذب كفها من براثن كفه المتشبث بها هاتفة باسمه فى خجل:- باثل..
توقف ليدير رأسه اليها ما ان نطقت اسمه وقد أضاءت عيناه نظرات مشاكسة ماجنة ليندفع اليها حاملا أياها:- انطجى اسمى كِده تانى.. و الكلمتين هايبجوا چرنال..

انتفضت فى خجل بين ذراعيه و لتوترها و اضطرابها لم تع ما تقول غير ان تهتف باسمه من جديد:- باثل.. و هو يضعها على حافة الفراش.. ليطالعها من عليائه متطلعاً بعشق الى عمق عينيها و يهتف مازحاً فى وله:- انتى جصداها بجى..
لتنفجر ضحكاتهما وهو يغيب بها بين ذراعيه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة