قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث بقلم رضوى جاويش الفصل الأربعون والأخير

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث رضوى جاويش

رواية ميراث العشق والدموع الجزء الثالث (رباب النوح والبوح) بقلم رضوى جاويش الفصل الأربعون والأخير

منذ ان تحسنت حالته و تم نقله لغرفة عادية و هى تتحين الوقت المناسب لتأتى الى المشفى لتتسلل الى غرفته و تجلس بالقرب من فراشه فاتحة مصحفها الشريف الذى تجلبه معها دوما مستغلة استغراق امه فى تلك الساعة فى نوم عميق على الأريكة البعيدة بالجانب الاخر من الغرفة..
لا تعلم لما لم يستفيق بعد على الرغم من تأكيد الأطباء على استقرار حالته.. تنهدت فى حسرة على حاله و هو ممدد بهذا الشكل بلا حراك و هو الذى كان يملأ الكون صخبا و ضجيج..

فتحت مصحفها و بدأت فى استئناف القراءة من حيث انتهت الليلة السابقة مر الوقت و اخيرا همست بالآية الكريمة:- يا ايتها النفس المطمئنة ارچعى الى ربك راضية مرضية و ادخلى فى عبادى و ادخلى چنتى..
همست و هى تغلق المصحف:- صدق الله العظيم...
و بدأت فى التضرع كعادتها هامسة:- يا رب يجوم بالسلامة.. يا رب.. وندر عليا لأصوم كل اثنين و خميس لحد رمضان الچاى.. بس يچوم ياارب..

و ما ان همت بوضع المصحف على الطاولة القريبة حتى همس صوت محبب اليها اشتاقته كثيرا حد التهلكة بنبرة ساخرة واهنة:- بتدعى على مين يا باشمهندس !؟..و هو انا مت و لا ايه !؟.. هو مش الآية دى بيقروها ع المقابر برضو.!؟..
انتفضت تتطلع اليه غير مصدقة انه استعاد وعيه اخيرا و همت بالاندفاع لمناداة الطبيب الا انه شاكسها هاتفا فى وهن:- مردتش ليه يا باشمهندس ثريا !؟.. بتبشرى عليا..

اندفعت تدافع عن نفسها:- دِه قران يا باشمهندس.. و استطردت ساخرة كعادتها:-و شوف سبحان الله.. الآية بتتجرى ع الأموات و انت سمعتها فوجت..
قهقه متأوها على ردها الذى كان ينتظره و قد اشتاق مشاكساتها:- مفيش فايدة فيكِ.. لسانك اطول من ايّام الحزن..
كانت ف المعتاد ستستاء لوصفه لها بهذا الشكل لكن على غير العادة وجدت نفسها تحاول وأد ابتسامة كادت تولد على شفتيها و انتفضت هاتفة:- طب خاف منى بجى.. و سبنى انادى الدكتور يشوف ايه الاخبار..

هتف يستوقفها متسائلا فى لهجة متعجبة:- ثريا!؟.. هو انا ليه مش حاسس بدراعى خالص و لا قادر احركه حتى!؟..
استجمعت شجاعتها و ردت بثبات تحسد عليه:- تفتكر ليه يا باشمهندس!؟..يمكن عشان واخد لك رصاصة فيه مثلا !؟..
ابتسم رغما عنه هاتفا:- طب نادى الدكتور.. خلينى اخلص من لسانك..
اندفعت فى اضطراب للبحث عن الطبيب لتؤكد عليه عدم اخباره.. طافت المشفى بحثا عنه و لم تجده ظنت انه غير متواجد و ما ان همت بالاقتراب من الغرفة حتى تنبهت ان الطبيب المعالج كان يغادرها لتوه..

شهقت بصوت مسموع و اندفعت تفتح الباب فى حذّر ليطالعها منظره و هو ملقى الرأس بأحضان امه التى اخفته بين ذراعيها فى جزع و يبدو انه علم حقيقة الوضع الخاص بذراعه و ها هو يبكى حاله.. شعرت بالوجع يفت بقلبها على مرأه بهذه الحالة و تمنت لو ان لها من الصفة ما يخولها لتدخل تشاركه ذاك الحزن و تصرف عنه ذاك الوجع لكنها ليست كذلك و لا سلطة لديها للإقدام على تحقيق ما تتمنى كما انه ليس من المفترض ان تجعله يدرك انها رأته بهذا الضعف فقررت الانسحاب لبعض الوقت قبل ان تعود من جديد وقد هدأ و بدأ يتقبل الامر الواقع و لو قليلا ليأتى دورها الفعلى..

تسللت فى هدوء الى داخل تلك القاعة الدراسية و جلست فى اضطراب و ترقب فى المقاعد الخلفية و انتظرت دخول الطلاب كالعادة و من بعدهم دخل هو.. كادت تنتفض فى لوعة و هى تراه امامها ملء العين.. انه هو.. نسخة طبق الاصل منه.. نفس طريقة السير الهادئة الرزينة و منظاره الطبى الأنيق الذى يزين عين تختلف عن لون عين ابيه البندقية.. فقد كانت زيتونية حزينة.. يزيدهما المنظار الطبى جمالا و رقة..

ابتسم فدق قلبها فى شوق لإبتسامة مطابقة رحلت منذ زمن و تفتقدها حد الوجع.. انه يحمل ابتسامة ابيه الدافئة
..انه نبيل.. و كأنها تراه مرة اخرى وقد عاد شابا فى نفس تلك السن التى رأته فيها للمرة الاولى و سقطت صريعة هواه من النظرة الاولى...
ما عادت قادرة على كبح جماح دموعها.. انه ولده من زوجته التى تزوجها دون معرفتها..

هى لا تنكر انها ثارت و هاجت و ماجت عندما ادركت انه تزوج اخرى لينجب طفلا.. و تساءلت كيف يحدث هذا و العيب فيه !؟..لكن ما ان هدأت قليلا و أعملت عقلها حتى بحثت بين اوراقها القديمة على ملفات علاجها و كذا علاجه و عرضتها على الأطباء من جديد لتتأكد بما لا يدع مجالا للشك لديها انها كانت خدعة قام بها هو وألصق ذاك العيب به على الرغم انه كرجل صعيدى ما كان يحمل ان يوسم بعيب كهذا قد ينتقص من رجولته.. لكنه فعل لأجلها..

فعل لانه يحبها بحق.. فعل لانه ادرك انها لن تحتمل ان تظل تحيا معه و العيب فيها و ستعتقد انها تظلمه.. انه فضل ان يلصق هذا العيب به على ان ترحل بعيدا عنه و خاصة عندما علم من الطبيب ان حالتها ميؤوس منها و لا داع للمحاولة من الاساس و التى كانت لن تتوانى عنها مهما كلفها ذلك و هو كان يعلم هذا و اثر إلصاق عيب كهذا به على جعلها تتعلق بأمل كاذب يعلم علم اليقين استحالة تحقيقه..

تنهدت هامسة لنفسها:- حتى عندما نقمت عليه ادركت انى حمقاء و انه كان يعشقنى حد بقاء زوجته الاخرى و ام ولده الذى تمنى طوال عمره فى الظل لا يدرى بهما احد..
انتهت المحاضرة اخيرا و بدأ فى تجميع اغراضه راحلا و مودعا طلابه.. نهضت خلفه مهرولة حتى وصلت قبالته.. كاد يصطدم بها اثناء مغادرته لكنه تراجع بسرعة متجنبا الصدام متأسفا فى أدب و بفرنسية أنيقة رغم ان الخطأ خطأها...

هم بالرحيل فعليا الا ان تلك المرأة التى وقفت تتطلع اليه بهذا الشكل الغريب استرعت انتباهه فتطلع اليها متعجبا من حالها مع كل تلك الدموع التى تكسو وجنتيها و اخيرا انتفض فى صدمة عندما وجدها تندفع الى احضانه تتشبث به و كأنها تعود لأحضان نبيل من جديد.. همساتها التى تحمل شوق الكون بنبراته و هى تنطق اسم والده بهذه الطريقة جعله يبعدها عنه فى هدوء هامسا بعربية صحيحة:- انتِ كنتِ تعرفى بابا !؟..

ابتعدت عنه ندى قليلا بدورها و قبل ان تتكلم قاطعها هاتفا و كأنه تذكر فجأة اين رأى ذلك الوجه:- حضرتك الدكتورة ندى التهامى..صح !؟..
هتفت متعجبة:- عرفت ازاى !؟.. ده انت عمرك ما شفتنى..

ابتسم فى رزانة:- ازاى معرفكيش يا دكتورة !؟.. بابا مكنش ليه سيرة غير حضرتك و صورتك كانت على طول ف محفظته و جنب قلبه.. كان بيحبك قووى..
شهقت ندى فى لوعة جعلت حسام ينكس رأسه فى أسى حزنا على ذاك الرجل الذى يفتقده بدوره و هتفت تتساءل ما ان هدأت:- طب ليه اتجوز غيرى طالما بيحبنى !؟..

اكد حسام و هو يشير لها لتجلس على بعض المقاعد القريبة من موضع وقوفهما:- جواز بابا بأمى جواز مصلحة.. كانت مهاجرة و عندها مشاكل و ممكن تترحل فلجأت له و قدر يحل مشاكلها.. الموضوع تقدرى تقولى تبادل منفعة.. هى ضمنت بقاءها هنا لانها متقدرش ترجع بلدها و هو خد بن كان طول عمره بيتمناه و كان نفسه تكونى حضرتك امه.. على فكرة ده مش تحليلى.. ده كلام بابا ليا لما سألته ليه طلق امى..
هتفت ندى مصدومة:- طلقها !؟..

اكد حسام:- اه.. و من زمان يا دكتورة.. تقريبا و انا عندى خمس سنين.. بعد ما ضمن لأمى حياة كريمة و مقصرش معايا ابدا..
هدأت ندى قليلا هامسة:- طب ليه مجتش تسأل عليا بعد وفاة نبيل !؟.. انا كنت محتجاك قووى..
هتف بدوره فى شجن:- كانت امى دخلت فى دور مرضها الاخير و كنت براعيها بجانب شغل الجامعة.. و كمان الصراحة كنت خايف اجى لحضرتك وانا مكنتش اعرف اذا كنتِ تعرفى بوجودى م الاساس و لا لأ !؟.

اومأت برأسها متفهمة ليستطرد هو بنبرة تقطر حزن:-و انا كمان كنت محتاجك قووى بعد وفاة امى.. بابا و ماما ورا بعض ف سنة واحدة..كان صعب عليا قووى غيابهم و احساسى انى بقيت ف الدنيا لوحدى..
هتفت مؤكدة:- انا مش هسيبك تانى.. انا كنت ناوية أرجع مصر عشان شعور الوحدة هنا قاتلنى.. بس بعد ما لقيتك خلاص.. انا بقى لى ابن هنا حتى لو سافرت ارجع عشان خاطره..
ابتسم فى سعادة غامرة.. و اقترب يحتضنها فى حنو و يقبل جبينها فى امتنان..

تطلع حمزة من باب الحجرة ليتأكد انه استيقظ و ما ان لمحه حتى دخل فى سعادة ملقيا التحية فى مودة:- كيفك النهاردة يا سيد !؟.. يا رب تكون عال!؟..
صمت سيد و لم يعقب و قد استشعر الحرج و هو يقارن بين لكل ما قدمه له حمزة من مساندة و دعم خلال الفترة السابقة و كل ما قدمه هو من سوء بالمقابل و اخيرا هتف بصوت يملؤه الشجن:- سامحنى يا حمزة.. الغضب كان عامينى.. حتى انت كنت عايز انتقم منك عشان كنت فاكر زى ما قالى ابويا ان امك هى السبب اللى خلى عمى عاصم يطرده م البلد..

ابتسم حمزة فى هدوء هاتفا:- خلاص بلاها الحديت ف الموضوع الماسخ دِه.. احنا ولاد النهاردة.. و اهم حاچة دلوجت انك تجوم بالسلامة..
هتف سيد بصوت متحشرج و فى نبرة تؤكد على وجع صاحبها:- هو ابونا كان وحش قوى كده يا حمزة !؟.. معقول ابونا كان كده !؟..
تنهد حمزة و قد ادرك ان سيد لديه الكثير من الأسئلة التى لاتزل تشغل فكره و لا يجد لها اجابات شافية ترضيه فهتف مؤكدا:- للاسف ايوه.. الله يرحمه بجى اذكروا محاسن موتاكم..

هتف سيد فى قهر حقيقى:- انت ما شفتوش يا حمزة.. انا اللى شفته و عشت معاه.. مش ممكن يكون كده.. معقول كان كده !؟..
هتف حمزة و هو يتقدم من فراش سيد رابتا على ركبته:- يمكن حالى احسن من حالك.. تعرف.. انا لولا ابويا يونس كان زمانى ف مطرحك..
هتف سيد:- ازاى !؟..

اكد حمزة:- ابويا جه مرة و كان عندى بتاع خمس سنين.. فاكرها كنها امبارح.. و كان عايز يخطفنى من امى.. بس اللى وجف له ابويا يونس ربنا يبارك لى ف عمره.. لكن انت محدش وجف له و حظك انك اتربيت ف كنفه و شربك كره لأهلك و ناسك اللى المفروض تتحامى فيهم..
و استطرد حمزة متنهدا:- جوم بالسلامة بجى عشان تحضر فرحى على بت عمك زكريا و فرح ولده حازم على بت عمتك سهام احنا اچلناه شوية عشان تجدر تحضر لأننا مش هنعمله هنا عشان ظروف الوفاة بتاعت ستى سكينة.. هنعمله ع الضيج ف إسكندرية.

همس سيد:- ياااه.. انا كنت بعيد عن الناس دى كلها.. انا تقريبا معرفش حد فيهم.. حاسس انى مقلوع من جدورى..
ابتسم حمزة مطمئنا:- متجلجش.. اديك رچعت للنچع تانى.. و مد چدورك فيه زى ما انت عايز.. خلاص مبجاش فيها بعد يا واد ابوى..

ابتسم سيد فى سعادة فقد وجد اخيرا راحة ما كان يتوقع انها موجودة من الاساس.. راحة مدعومة بحب اخوى و سند ابوى و دعم يحمل روح المحبة و الود من عائلة لطالما اعتقد انه يكره الانتماء اليها و يود لو يمحى لقبه الاخير رغبة فى التخلص من عارها الذى كان يعتقد انه لحق بأبيه.. لكن الان هو يشعر بدفء عجيب يكتنفه و هو بين احضان أفرادها و يتمتع بكامل محبتهم و دعمهم..

اكد سيد بكلمات مبهمة تحمل مغزى مبطن لا يدركه الا هو:- ايوه.. همد جدورى بالقوى يا حمزة.. همد جدورى و اتبت..
و هنا لم يسطع بمخيلته الا صورة واحدة و اسم واحد.. الباشمهندس ثريا و ارتسمت على شفتيه ابتسامة تحمل عشق أفصح اخيرا عن نفسه..

صرخاتها كانت مدوية حتى انه ما عاد قادرًا على الاحتمال ليهتف ناصر فى اضطراب:- لا كده كتير بجد!؟.. هو ليه ده كله !؟..
هتف خميس مطمئنا:- يا واد اهدى.. هتقوم بالسلامة ان شاء الله..
ساد الصمت لدقائق لتعاود صرخاتها ترج جدران شقتهما لينتفض هو من جديد هاتفا:- اقسم بالله ما مخليها تحمل تانى..
انفجر خميس مقهقها و هو يهتف:- كلنا قلنا زيك كده و جبتكم اتنين.. قوم تعالى انزل معايا القهوة.. ده انت هتولد قبلها يابنى..

هتف ناصر فى نفاذ صبر:- لا مش رايح ف حتة الا لما اطمن عليها.. هى امى غابت جوه كده ليه مش تطلع تطمن البنى آدم اللى هيولع هنا و هو واقف !؟..
ضحك خميس رابتا على كتفه فى محاولة لتهدئته هامسا:- ادعيلها بالتساهيل.. و امك هتخرج بالبشارة ان شاء الله..
لحظات و صدق وعد المعلم خميس لتخرج نعمة صادحة بزغاريدها هاتفة فى سعادة:- ولد زى القمر.. يتربى ف عزكم يا ناصر..

ابتسم ناصر فى حبور و اندفع لأحضان ابيه فى فرحة غامرة و همس مؤكدا:- نادر رجع يا معلم.. رجع..
دمعت عينا المعلم خميس فى سعادة هامسا بدوره:- ربنا يخليهولك يا بنى و يطول لك ف عمره و يجعله م الصالحين..
هتف ناصر متأثرا فى تضرع:- امين
عادت نعمة حاملة نادر بين ذراعيها تسلمه لناصر الذى ابى حمله و اصر على ابيه ان يحمله اولا..

ضمه خميس لصدره فى سعادة هامسا باسمه العزيز على قلبه و قد شعر ان بعضا من تلك النيران المتأججة بصدره من يوم فراق ابنه الشهيد قد خمدت قليلا لمرأى نادر الصغير الذى كان نسخة مصغرة من عمه الراحل و الذى اخذ يتمطع فى نزق جلب الابتسام عنوة لشفتى خميس..
هم خميس بدفع نادر الصغير لذراعى ابيه لكنه اختفى من أمامه لتبتسم نعمة فى خبث هامسة و هى تحمل الصغير عن زوجها:- دخل يطمن على مراته..
ابتسم خميس ساخرا:- خليه يطمن لحسن ده لو كان ولد مطرحها كان احسن.. ده شيبنى عقبال ما خرجتى..

قهقهت نعمة و هى تقبل كف الصغير فى سعادة بالغة..
اقترب ناصر من فراش شيماء التى تمددت عليه فى إرهاق واضح و قد كسا الشحوب وجهها..
انحنى ملثما جبينها فى سعادة هامسا:- حمدالله ع السلامة.. انا كنت هموت عليكِ بره..
ابتسمت فى وهن هامسة:- صحيح!؟

اكد هازا رأسه هامسا:- ابويا بيقولى ده لو كنت ولدت انت كان احسن.. ركبته العصبى..
اتسعت ابتسامتها فى سعادة هامسة:- مبسوط !؟
همس و هو يقترب منها:-طبعا مبسوط.. مبسوط عشان بقالى عيال منك.. و لولا العذاب اللى شفتك فيه و انت بتولدى لكنت قلت اجيب عشرين.. تلاتين عيل كمان..

ابتسمت من جديد هامسة:- عشرين.. تلاتين!؟..١٣شوية الصراحة..
ابتسم و هو يتمدد جوارها ضاما إياها لصدره:- انا طماع ف اى حاجة تكون منك..
قبل جبينها من جديد هامسا:- ارتاحى انا هفضل جنبك و مش هسيبك..
أخفت وجهها فى صدره و راحت فى نوم عميق و اخذ هو يتطلع الى تلك الرائعة.. طفلته و ربيبته التى اصبحت ام.. و ليست اى ام.. بل ام لأولاده هو.. و ابتسم فى سعادة حامدا الله فى سره على عطاياه..

انارت القاعة الفخمة فى ذاك الفندق الفخم بطلة حمزة و هدير و حازم و تسبيح.. كل زوج منهما جلس على كرسيه المخصص و بدأ ذاك الحفل الهادئ الذى يحمل طابع الرسمية الى حد كبير لانه مخصص ف الاساس لكل معارف و شركاء زكريا فى عمله داخل إسكندرية و خارجها و ايضا من اجل حازم و زملائه و قادته من الضباط..

استمر الحفل على سمته الرسمى ذاك و كل أفراد العائلة حضور حول الموائد الراقية المنتشرة فى ارجاء القاعة.. و اخيرا ما ان تأكد ان الحفل اصبح عائليا حتى نهض حازم متطلعا لتسبيح و اشار بيده اشارة معينة و جذبها لتنزل الى منصة الرقص فى وسط القاعة.. جذبها بين ذراعيه هاتفا:- اخيرااا.. انا كنت حاسس ان معمول لى عمل و الله و مش هتجوز ف سنتى دى..

انفجرت تسبيح مقهقهة:- اديك اتچوزت اهو..
اكد هامسا:- لا.. لما أتأكد ان اتقفل علينا باب واحد ساعتها بس هقول أحمدك يااارب..
تضرح وجهها بالحمرة لكلماته و كاد يشتعل خجلا عندما ضمها لصدره و تلك الاغنية التى يبدو انها طلبه من مشغل الاغانى تصدح قائلة:-

يا خُلاصَة الجَمال يانشيد العاشِقِيْنَ
يا نشيد العاشقين.. يا إِجابَة عَنَّ سؤال كانَ شاغَلَنِي مَن سَنَّين
كانَ سُؤال عَنَّ مَيْن حَبِيبَتى
مَيْن هتبقا إِساس حِكايتِى وَالإِجابَة كانَت أَنّتِ أنتِ كَنَّتَيْ غايبة فَيِن.

كانت سهام تبكى فرحة و هى ترى ابنتها بهذه السعادة التى ما توقعت رؤيتها على محياها ممثلة بهذا الجمال و مجسدة بهذه الروعة.. حمدت الله فى سرها كثيرا و شكرته لان تلك الفتاة الصغيرة التى ما ظنت إنها سترى السعادة مع زوج محبوب بسبب اعاقة قدمها قد وهبها الله ذاك الزوج الرائع الذى يطير فرحا و يهيم عشقا بأبنتها.. و تمنت ان يديم الله عليهما سعادتهما..

اما حمزة و هدير فكانا جالسان فى هدوء و لم تجرؤ هدير على الاعتراض و خاصة عندما همت بتعقب تسبيح و حازم اخيها للرقص فنظر اليها شذرا لتعود لموضعها فى صمت رغبة فى إرضائه فهى تدرك تماما انه لن ينهض من موضعه ليرقص و لو انطبقت السماء على الارض..
تطلع هو اليها و لمح الحزن على محياها فمس بالقرب من اذنيها:- هعوضك..

عادت الى شفتيها الابتسامة من جديد و هى تتطلع اليه فى عشق فيكفى انه يستشعر رغباتها و يسعى دوما لتحقيقها بالطريقة التى تناسب رأسه الصعيدى اليابس الذى تعشقه على كل حال..

دخلا جناحهما المخصص لقضاء ليلتهما.. اندفعت تسبيح فى خجل الى داخل الغرفة و تركته بالخارج.. انتظرت قدومه لكنه لم يأت.. تعجبت و طلت من الباب لتجده يقف عند باب الغرفة الرئيسى متطلعا منه فى ترقب
كادت تنفجر ضاحكة و هى تراه يتلصص بهذا الشكل.. لم ينس مهنته حتى فى ليلة كهذه..
طرقت بخفة على ظهره هامسة:- ها مسكته و لا لسه !؟..
انتفض لمرأها و هتف:- هو مين !؟..

امسكت ضحكاتها:- المچرم اللى بتدور عليه.. انا حاسة ان الفرح ده كان عملية تمويه عشان تجبض عليه.. صح !؟..
لم يجبها على أسئلتها بل فتح الباب و فجأة شهقت فى دهشة هامسة:- هو فى ايه يا حازم !؟..
كان يحملها خارجا من الغرفة متوجها الى الدرج الخلفى للفندق..
هتف مؤكدا:- مفيش.. بخطفك عشان محدش يعرف مكانا..

نظرت اليه غير مصدقة لهذا الجنان الذى ترى.. و ابتسمت رغما عنها و هى تترك له قيادتها حيث سيارته التى كان يدرك تماما موضعها فيبدو انه رسم بمهارة خطة الهرب..
قاد بها العربة لفترة قصيرة و بعدها وجدت نفسها على احد الشواطئ حملها من جديد مخرجا إياها من السيارة و مندفعا حيث ذاك الشالية الأنيق المعد لأستقبالهما..

انزلها بالداخل و أغلق الباب خلفهما لتتطلع هى حولها لذاك الجمال المحيط بها و لم تنطق بكلمة من شدة سعادتها ليقترب هو منها فى شوق هامسا:- اشتريته من فترة.. و اول ما خطبتك قلت اول ليلة لينا مع بعض هتكون هنا.. ده مكانى السرى محدش يعرف بوجوده اصلا.. انتِ اول واحدة تدخليه..
همست متطلعة اليه فى وله:- انا !؟.

اكد فى همس عاشق:- ايوه انتِ.. زى ما كنتِ اول واحدة تدخل حياتى.. و اول واحدة تدخل قلبى..
دمعت عيناها فرحا فما عادت قادرة على استيعاب كل هذا الكم من السعادة التى تغمرها..
اقترب منها فى شوق جارف هامسا:- انا بحبك يا تسبيح.. بحبك..

انتفضت رغما عنها فهى المرة الاولى التى تسمع ذاك الاعتراف منه واضحا جليا لا يقبل الشك او المواربة و انحدرت دمعة من عينيها لم تستطع مقاومتها.. مد كفه يغتالها و همس مشاكسا:- طب ايه !؟.. مش هتقولى و انا كمان.. طب حتى شكرًا.. طب ربنا يخليك.. اى حاجة!؟..
استعادت روحها المرحة و هتفت و هى تندفع مبتعدة لأقرب حجرة مقهقهة فى مشاكسة:- هجول يحنن..

قهقه مندفعا خلفها و قد امسك بها جاذبا إياها لأحضانه:- على فكرة بقى انا شحات غلس و مش ماشى الا و انا واخد حسنتى..
همست بعشق و هى تضم كفيها حول رقبته:- ان مكنش لله!؟.. ياللاه كله بثوابه..
علت قهقهاته و هو يغمرها بفيض عشقه ضاما إياها لصدر توق اليها طويلا.. و اخيرا نال شحات الغرام حسنته و هديته الكبرى..

صعدا معا لحجرتهما تاركى ذاك الصخب الدائر بالأسفل من طبول و مزامير تعلن انتهاء حفل زفافهما.. فتح باب الجناح الذى سيضمهما لثلاث ليال قبل سفرهما لقضاء شهر العسل.

دفع حمزة الباب و أشار اليها بالدخول.. لتندفع فى سعادة الى الداخل.. ليدخل خلفها و يغلق الباب ورائه و ما ان استدار حتى وجدها أمامه لا يبعدها عنه الا امتداد ذراعيها اللتان دفعتهما بصعوبة خلف رقيبته و هى تمط جسدها قدر استطاعتها حتى بذاك الحذاء ذو الكعب العالى ليتشابكا هناك هاتفة فى سعادة:- اخيرااا يا حمزة.. انا مش مصدقة نفسى..

بهت لحركتها الجريئة كالعادة و ما ان انحنى قليلا يهم برفع كفيه ليفض تشابك ذراعيها حتى اقتربت هى فى شقاوة تحاول تقبيله..
هتف حمزة بصوت متحشرج:- هدييير.. ايه اللى بتعمليه دِه!؟..

فتحت عيونها بخيبة أمل هامسة فى نبرة طفولية ساخطة و هى تبتعد عنه دافعة نفسها دفعا لتجلس على طرف الفراش و فستان زفافها يتأرجح حولها فى فتنة:- ايه بقى يا حمزة!؟.. حرام عليك..احنا كان مكتوب كتابنا و مش مخلينى اقرب منك.. اجى امسك إيدك تزعق.. اجى اقرب منك.. تشخط..اجى أهزر و أقولك كلام حلو.. تزغرلى.. حتى النهاردة كمان.. لا كده كتير.. ده لو انت واخدنى تخليص حق مش هتعاملنى كده..

و بدأت تذرف الدمع الذى جعله لا يقوى على الابتعاد عنها اكثر من ذلك ليتقدم اليها بطوله الفارع و ينحني مسندا ثقل جسده على احدى ركبتيه التى لامست الارض ليمد كفه رافعا وجهها متطلعا لعينيها الدامعة هامسا بصوت تحمل نبراته عشق يضج به صدره و ينضح تأثرا بصوت مرتعش
لا يمكن إغفاله:- هدير..انا عارف انى كنت شَديد عليكِ.. عارف انى مكنتش الخطيب اللى كنتِ عاوزة تعيشى معاه أحلامك..بس أوعدك انى أكون الزوچ اللى تتمنيه.. و اقترب منها اكتر هامسا:- عارفة انا مكنتش بسمح بكل اللى جولتيه دِه ليه!؟.. عشان خايف عليكى..

تنبهت هدير و مسحت دمعها و هى تصغى له باهتمام مستطردا:- ايوه.. كنت خايف عليكِ من نفسى.. حتى لما كنتِ مرتى بعد كتب الكتاب مكنتش أجدر اخون ثقة عمى و حلفت بينى و بين نفسى ما مسك الا وانت فى بيتى.. عشان مكنتش عارف لو جربت لك.. كنت هجدر ابعد تانى و لا لااه...
شهقت فى تعجب وهى تستمع لكلماته ليكمل متنهداً:- انتِ عارفة انت عذبتينى كيف!؟.. و الله كنت حالف اخلص بتارى منيك على اللى كنتِ بتعمليه فيا و انا مش جادر اخلف وعدى مع حالى..

واقترب منها هامسا باذنها:- و باينه هايبجى احلى تار ف الدنيا كلها..
تنهدت فى عدم تصديق:- اخيراً.. ما انت بتعرف تقول كلام حلو و يدوخ اهو..
ثم فجأة عادت لطبيعتها دافعة نفسها بين احضانه ليتلقفها هاتفا و هو يقهقه على افعالها هاتفا باسمها فى تعجب:- هديرر!؟..
رفعت رأسها متغضنة الجبين هاتفة:- ايه بقى.!؟. مش قلت هتاخد بتارك منى..
اعادت دفع نفسها متعلقة برقبته هاتفة فى مرح:- سمعنا بقى ضرب النار..

انفجر ضاحكا و هو يضمها اكثر لصدره هاتفا فى مرح:- اقسم بالله اتچوزت مچنونة.. بس بموت فيها..
رفعت رأسها تنظر اليه بتعجب متسائلة:- انت قلت ايه!؟.. سمعنى تانى كده..!
هتف حمزة ضاحكا:- اه هجول.. هو انا هخاف منيكِ.. جلت انكِ مچنونة.
هزت رأسها رافضة لتهتف:- لااا.. دى انا عرفاها.. اللى بعد كده بقى لو سمحت..
انفجر ضاحكا من جديد ليجذبها هو هذه المرة لاحضانه هامسا:- ايوه بموت فيكِ و ف چنانك.. بحبك يا بت عمى..

نظرت هدير له فى عدم تصديق.. ها هو ينطقها اخيراً.. تلك الكلمة التى عذبها كثيرا حتى تسمعها او حتى تستشعرها.. و للمرة الاولى لا تندفع مازحة كعادتها.. للمرة الاولى تشعر ان للكلمة طعم مختلف.. طعم يحمل ملامح العشق الحقيقى.. معنى بطعم تلك العذابات التى تجرعتها فى سبيل سماعها منه ينطقها بقلبه قبل لسانه و ها هى تلك الأحرف الذهبية تصل مسامعها بشكل اكثر روعة مما كانت تتوقع اوحتى يأتيها بأعذب أحلامها..
عادت من جديد لتضع رأسها على كتفه ليحتضن خصرها بقوة اليه و كأنه يقول لن تبتعدى مرة اخرى ابدا.. فأنا لتوى ألتقط انفاسى و انت بين احضانى...

استيقظ متمطعا كعادته يفرد ذراعيه بكل اتجاه و كاد ان يصيبها بقبضته فتنبه اخيرا ان هذه الجميلة الناعسة قربه قد أضحت زوجه اخيرا..
ابتسم فى سعادة و استند على مرفقه يعلو بجزعه متطلعا اليها فى شغف و شوق و اخيرا همس بالقرب من اذنيها مشاكسا يحاول ان يمسك ضحكاته و قد تأكد له بخبرته الأمنية انها مستيقظة بالفعل و تدعى النعاس:- تسلييييح.. عارف انك صاحية..نظرة هنا لجل النبى..

لم تفتح عينيها بل ارتسمت على شفتيها ابتسامة حاولت وأدها لكنها فشلت و ضمت كفيها خجلا تخبئ وجهها.. همس من جديد مشاكسا:- تسليييح..
رفعت كفيها عن وجهها وقد تغلب شغبها على خجلها هاتفة بدلال مدعية الغضب:- تسليح ف الصباحية يا حازم!؟..
قهقه رغما عنه و جذبها لأحضانه هامسا:- ده انت مش تسليح بس.. ده انت أسلحة دمار شامل..
قهقهت رغما عنها ليتنهد هو هامسا فى عشق:- انا مش عارف لو مكنتش اتجوزتك كنت هعمل ايه !؟..
همست دامعة:- صحيح يا حازم!؟..

اومأ برأسه مؤكدا ليستطرد فى تيه:- انتِ مش عارفة كان الذنب ازاى بيموتنى كل اما أبص لك او أتكلم معاكِ و جوايا مشاعر مش المفروض انها تكون موجودة.. متعرفيش يعنى ايه احلف مية قسم بينى و بين نفسى انى مش هقرب من بيت ابوكِ تانى.. و ألاقى رجلى وخدانى على هناك و روحى سبقانى لعندك و عيونى هتتحول عشان بس اشوفك..

شهقت باكية رغما عنها دموع من سعادة لاعترافاته ليهمس و هو يمسح دمعها المنساب:- مش انت لوحدك يا تسبيح اللى صرختى باسمى.. حمزة قالى ان انا كمان كنت طول ما انا ف الغيبوبة بهلوس باسمك و بقول انا راجع لك..
شهقت فى صدمة و رفعت نفسها من بين ذراعيه مستندة على جزعها تتطلع اليه فى محبة طاغية ليهمس
مشاكسا:- احنا الاتنين اتفضحنا يا روحى..
اتسعت ابتسامتها ليستطرد متسائلا:- عارفة !؟.

همهمت تستحثه على قول المزيد من اعترافاته الرائعة ليهمس:- مكنش فى صورة قدام عينى غير صورتك و الإرهابيين بيعذبونى.. الاول كنت خلاص هستسلم و كنت بقول لنفسى ما هى بقت لغيرك ايه فايدة انك ترجع حى و لا ميت..
انسابت دموعها من جديد ليكمل بنبرة عاشق:- لكن افتكرت ابويا و اللى ممكن يحصل له فقاومت و الأغرب ان ف نوبة من نوبات الإغماء اللى كانت بتحصلى من شدة التعذيب جيتى زورتينى..
هتفت متعجبة:- زورتك !؟..

اومأ مؤكدا:- حلمت بيكِ قاعدة على سجادة الصلاة و بتدعيلى و بتعيطى بقهرة و بتقوليلى ارجع انا مستنياك..
هنا لم تستطع كبح جماح شهقاتها لتنفجر باكية رغما عنها و قد استقامت فى جلستها تغطى وجهها بين كفيها..
استقام فى جلسته بدوره و اقترب يضمها هامسا:- ايه !؟.. هو حصل فعلا و لا ايه !؟..
اكدت بايماءة من رأسها و هى لاتزل تخفى وجهها بين كفيها كعادتها عند البكاء..

جذبها بين احضانه فى عشق هامسا:- بحبك يا تسبيح.. بحبك قوووى..
شهقت بأحضانه من جديد ليهمس مشاغبا إياها:- صباحية ايه اللى كلها بكا و دموع دى !؟...
همست و هى ترفع وجهها من بين احضانه:- حازم.. انا بحبك قووى..
و مدت كفها تتحسس تلك الندوب المنتشرة على كتفيه و اعلى ذراعه ليهمس بالقرب من اذنيها بصوت متحشرج:- تسبيح !؟.. انتِ قولتى بحبك.. و قووى كمان..

رفعت نظراتها اليه هامسة:- و محبتش حد غيرك يا حازم.. و لا هحب حد زى ما حبيتك..
تطلع اليها بنظرات مضطربة تفضح عشقا طال كتمانه له ليجذبها فى رقة معتصرا إياها بين ذراعيه.. لترفع هى رأسها ملثمة ذقنه فى رقة اذابته ليهمس مشاكسا:- تسليح بدأت ف استخدام اسلحتها..
همست تشاغبه بدلال:- عندك مانع !؟
همس مازحا:- مانع ايه !؟.. اموت انا ف الأسلحة المحرمة دوليا..
قهقهت و هى بين ذراعيه يضمها لصدره فى سعادة...

رن جرس الهاتف ليجيب حمزة فى نزق:- الو..
هتف زكريا مشاكسا:- صباحية مباركة يا عريس..
انتفض حمزة بكامل يقظته يشعر بالحرج:- الله يبارك فيك يا عمى.. ربنا يخليك..
هتف زكريا بلهجة مازحة:- طب احنا عايزين ناچى..
هتف حمزة دون وعى:- تاچوا فين!؟..
قهقه زكريا ليتنبه حمزة مسرعا فى الرد:- ايوه طبعا تاچوا و تنوروا..

اكد زكريا:- طيب تمام.. كمان ساعة و نكون عندكم.. معلش بجى الناس اللى عايزة تروح النچع عايزة تبارك جبل ما تمشى..
اكد حمزة:- و ماله يا عمى يتفضلوا..
هتف زكريا:- يبجى ساعة بالمشئة و نكون عندك..
اغلق زكريا الهاتف ليعاود قهقهاته لتتعجب زينة متسائلة فى فضول:- فى ايه !؟.. خير يا زكريا!؟..
هتف زكريا من بين قهقهاته:- بتك ضيعت عجل الراچل.. الواد بيجاوبنى بالكلمة و عكسها.. كان مستخبيلك فين دِه يا واد اخوى..
تعالت ضحكات زينة بدورها..

بينما استدار حمزة بعد ان وضع الهاتف جانبا و تطلع اليها مبتسما و هى تشبه الاطفال.. صغيرة و شهية..
انحنى هامسا يوقظها:- هديير..هديير
همهمت و شبكت ذراعيها حول رقبته تجذبه اليها ليهتف هو متخلصا من ذراعيها فى حسرة:- بجولك ايه.. فوجى كِده.. ابوك و امك چايين و معاهم ناس عشان يباركوا لنا..
جومى اچهزى بسرعة..
اكدت هامسة فى ضيق:- حاضر..

مرت امامه عابسة الوجه ليجذبها اليها لتسقط على فخذيه شاهقة ليهمس فى شوق:- صباحية مباركة يا عروسة..
ابتسمت فى سعادة هامسة تشاغبه:- الله يبارك فيك..بس سؤال محيرنى يا باشمهندس.. لما التار حلو اهو عايزين يمنعوه ليه !؟..
تعالت ضحكات حمزة مؤكدا:- عشان الحكومة چاية دلوجت تعمل كبسة..

جومى يا هدير..
تعالت ضحكاتها و هى تندفع للحمام تجهز نفسها لاستقبال الضيوف.. اما هو فتنهد فى سعادة و عيناه تتابعها حتى غابت و قد تمنى لو انه رحل بها بعيدا حتى ينل ثأره منها كاملا..

 دخل ماهر شقته باحثا عنها بناظريه و لم يجدها كعادتها فى هذه الساعة تقف تحضر طعام الغذاء.. اندفع للحجرة فى قلق.. وجدها ممددة على فراشها يبدو على وجهها الشحوب على غير العادة.. همس بالقرب
منها:- هداية!؟.. انتِ كويسة !؟..

فتحت عيونها فى وهن هامسة:- سلام عليكم.. انا تمام متجلجش.. دوخة كِده و هتروح لحالها..
هتف قلقا:- دوخة ليه !؟.. اكيد مكلتيش زى عوايدك.. انا نازل أخلى ايمان تعمل حاچة تكليها..
هتفت تستوقفه:- لاااه يا ماهر الله يخليك.. انا مطيجاش ريحة حاچة.. و بعدين انا عارفة ايه سبب الدوخة دى.. الظاهر كِده فى حاچة ف السكة..
تطلع ماهر اليها فى صدمة بنظرات مشدوهة و اخيرا صرخ فى سعادة مندفعا الى الأسفل يبشر امه هاتفا:- الله اكبر..

اتسعت ابتسامة هداية على افعاله و عادت تتمدد من جديد وما هى الا لحظات حتى كان هو و سمية امه فوق رأسها تبتسم فى سعادة و بعيون دامعة متسائلة:- صحيح يا هداية يا بتى انتِ حامل !؟..
اكدت هداية مبتسمة فى خجل و هى تحاول الاعتدال فى مجلسها احتراما لحضورها:- اه يا اما.. اتاكدت..
هللت سمية مكبرة و انحنت تلثم جبينها فى سعادة هاتفة:- ربنا يجومك بالسلامة يا بتى و تفرحى بشوفة ولدك ف حضنك..
هتف ماهر مؤمنا:- يااارب..

تساءلت سمية فى حبور:- هتسموه ايه من غير شر !؟..
لم يرد ماهر و تطلع لهداية التى هتفت فى سعادة مؤكدة:- هيكون فى احسن من اسم عمه الشهيد يتسمى بيه!؟.. لو واد يبجى مؤمن و لو بت هتبجى سمية بإذن الله..
دمعت عينىّ سمية فى امتنان و انحنت تلثم كنتها من جديد هامسة بصوت متحشرج تأثرا:- ربنا يسعد جلبك و يريح بالك يا غالية..

و استأذنت مؤكدة لها على عدم اجهاد نفسها و كل مطالبها اى كانت مجابة.
توقف ماهر متسمرا موضعه و ما ان سمع صوت إغلاق باب شقته معلنا رحيل امه حتى جلس على حافة الفراش بالقرب منها و ضم وجهها بين كفيه هامسا:- و الله ما عارف اجول لك ايه !؟.. ربنا يراضيكى و يجبر بخاطرك زى ما جبرتى بخاطر امى..

دمعت عيون هداية فى محبة هامسة:- انى معملتش حاچة.. انا كنت حاسة انك نفسك انت و امى تسموا اللى ربنا هيرزجنا بيه على اسم اخوك الله يرحمه.. فجلت كِده..
همس مقتربا منها:- و انا كمان متأكد ان كان نفسك تسميه على اسم اخوك عبدالله الله يرحمه.. صح !؟..
اومأت برأسها ايجابا ليستطرد هامسا:- و فضلتينى انا و امى على حالك..
لم ترد بل وضعت رأسها على كتفه ليضمها هو اليه و هو يعلم انه يضم اليه الان احب شخصين الى قلبه.. هى و طفله منها..

تحرك فى هوادة تجاهها و همس عندما وقف خلفها قليلا:- ازيك يا ثريا!؟..
انتفضت و هى تتطلع للسائل الذى ادركت كنهه قبل ان تقع عليه عيناها و همست بصوت متحشرج تأثرا لمرأه:- الحمد لله يا باشمهندس..
و استطردت مشيرة لذراعه التى لاتزل على حالها لا تتحرك و معلقة الى رقبته مضمومة لصدره.. تلك الذراع التى تأثرت نتيجة الطلق النارى و التى اخبرهم الأطباء انها قد تشفى اذا ما أولاها الاهتمام و العلاج الطبيعى لفترة حتى تعود لطبيعتها:- كيفها دراعك دلوجت !؟.. مش احسن!؟..
اومأ مؤكدا:- الحمد لله..

و صمت للحظات ثم هتف مستطردا بسرعة و بلا مواربة:- ثريا.. تتجوزينى!؟..
انتفضت عندما وصل مسامعها تساؤله و استوعبه عقلها و اضطربت غير قادرة على الرد بحرف واحد..
همس من جديد:- مكنتش اعرف انه سؤال صعب كده !؟.. انا طلبتك من ابوكِ.. و قالى لازما أطلبك من عمى عاصم.. لكن انا حبيت أسالك الاول.. تتجوزينى يا ثريا !؟..

تلجلجت و تاهت الأحرف على شفتيها و همست اخيرا بعد فترة من الاضطراب:- انا.. مش عارفة.. اصل..
هتف مشاكسا إياها كعادته:- تعرفى.. انا غلطان اصلا انى جيت سألتك..
اخيرا نطقت هاتفة:- يا سلااام.. طب مش موافچة..
انفجر ضاحكا:- هو محدش يعرف يطلع منك الكلمة الا بالخناق.. انا رايح لعمى عاصم أطلبك...
هتفت من جديد:- ما انى جلت مش موافجة..

هتف يغيظها:- هتجوزك بالعافية.. و الله انا ما عارف ازاى هعمل ف نفسى العملة دى و أتجوز واحد صاحبى.. يا باشمهندس ثريا..
هتفت من جديد:- بجى كِده.. طب شوف مين اللى يوافج لما عاصم بيه يسألنى!؟..
اقترب منها هامسا:- هتوافقى.. عارفة ليه !؟.. عشان بتحبينى..
شهقت واضعة كفها على فمها ليهمس مستطردا:- امى حكت لى على كل حاجة.. على رقدتك جنبها ف المستشفى و انا بين الحيا و الموت و على دعواتك ليا.. و..

هتفت مستجمعة شتات نفسها:- ده كله عشان خاطر خالة سيدة... و كنت شفجانة عليك.. صعبان عليا يعنى مش اكتر..
استطرد كأنه لم يسمعها بنبرة تقطر عشقا جليا:- و دخولك عليا الأوضة تطمنى كل شوية و قعادك جنبى بالساعات تقرى قرآن.. و ندرك انك تصومى لو قمت بالسلامة..

شهقت مرة اخرى عندما كشف سرها الذى لا يعلمه احدهم و توقعت ان تكون سيدة قد سمعتها عندما كانت تهمس بذلك بجوار فراشه دون ان تدرك استيقاظها..
لم تنبس بحرف ليهمس هو من جديد:- لو مكنش ده كله حب.. يبقى اسمه ايه !؟.. حتى لو مش بتحبينى.. فأنا بحبك..

انتفضت متطلعة اليه غير مصدقة لإعترافه الرائع ذاك ليستطرد مؤكدا ذلك على مسامعها من جديد:- ايوه بحبك.. و عايز اتجوزك.. و عايز اخلف دستة عيال.. عندك استعداد للمهمة دى..
ابتسمت رغما عنها و نكست رأسها حياءً ليندفع من أمامها فى اتجاه الباب الداخلى للسراىّ هاتفا:- انا رايح لعمى عاصم أطلبك منه.. المهمة شاقة و متحتملش التأجيل..
انفجرت مقهقهة رغما عنها و هى تتطلع اليه يغيب داخل السراىّ و قد غاب فى اثره قلبها و عقلها و روحها الذى تبعته حيث غاب..

صرخات من هنا و صرخات من هناك و هرج و مرج عم ارجاء المشفى و ذاك الجمع الغفير يدخل من بوابة الاستقبال كل فوج حاملا امرأة تصرخ فى ألم طالبا نجدتها..
كل امرأة منهما على وشك الوضع كانت تسنيم على جانب و بجوارها زوجها مهران و امه و ابيه و على الجانب الاخر كانت سندس و بجوارها زوجها باسل و امه و ابيه..

دخلت سندس و تسنيم الى الاستقبال و منه الى غرف مخصصة استعداد لدخولهما غرفة العمليات للولادة..
كان الوضع يعج بالفوضى و التشتت فزهرة تقف حائرة لا تعلم اين يمكنها التواجد!؟.. فى حجرة ابنتها سندس ام فى حجرة زوجة ولدها تسنيم.. و كذلك كانت سهام تقع فى نفس الحيرة اما عاصم و حسام فوقفا على أطراف الرواق يتابعا الوضع فى محاولة لعدم إظهار قلقهما كل على ابنته..

اما مهران و باسل فحدث و لا حرج كان مهران يجلس للحظات ممسكا مسبحته محاولا التظاهر بالهدوء للحظات و الاستغراق فى الاستغفار الا انه ينتفض مع سماع صرخات تسنيم التى تدمى قلبه فينهض يزرع الرواق جيئة و ذهابا و يعاود الجلوس من جديد فى محاولة للهدوء الذى اصبح صعب المنال فى تلك اللحظات الحرجة..

لكن باسل كان الأكثر تهورا كالعادة فقط صرخ فى طاقم التمريض و كذا الأطباء هاتفا:- أدوها حاچة تهديها.. ادوها حاچة تخفف الالم دِه.. اعملوا اى حاچة بدل ما انتوا واجفين كِده..
هتف احد الأطباء لسهام مؤكدا:- مش هاينفع كده.. خروجوه بره عشان نعرف نشتغل و احنا هنقوم بالازم..

حاولت سهام جذب ولدها خارج الغرفة فى محاولة لتهدئة أعصابه هاتفة فى تفهم:- اهدى يا باسل.. اهدى يا ولدى.. و الله لتجوم بالسلامة متجلجش..
أفلت باسل ذراعه من بين كفى امه المتشبثين به ليندفع باتجاه الطبيب صارخا و هو يمسك بتلابيه:- عارف لو چرى لها حاچة هعمل فيك ايه !؟..

صرخ الطبيب محاولا التحكم فى أعصابه:- لا حول و لا قوة الا بالله.. يا حضرة اهدى.. و الله هتقوم بالسلامة.. بس انت سبنى اشوف شغلى من فضلك..
ترك باسل تلابيب الطبيب و زفر فى حنق و هو يتطلع لسندس التى ما زالت تتألم صارخة ليخرج مندفعا من الحجرة غير قادر على البقاء و هى بهذه الحالة التى لا يستطيع عمل اى شئ حيالها الا الدعاء..

خرج يجلس خارج الغرفة منكس الرأس فى قلق و اضطراب يشعر ان الوقت لا يمضى كأنما عقارب الساعة تعانده..
هرج و مرج من جديد لتندفع كلتاهما لغرفة العمليات فى انتظار و ترقب القادم..
خرج الطبيب هاتفا:- مبروك ولد زى القمر.. يتربى ف عزكم..
كان ذاك ولد باسل و سندس الذى زفر فى راحة مبتهلا الحمد لله يا رب.. الحمد لله..
دقائق مرت قبل ان يخرج الطبيب الاخر مباركا:- الف مبروك.. عريس زى القمر..

ليسجد مهران لله شكرًا و تنطلق الزغاريد من هنا و هناك من حنجرة سهام التى اصبحت جدة للمرة الاولى تصاحبها دموع الفرح من عيون زهرة التى اصبحت جدة هى الاخرى اما حسام و عاصم فقد وقف كل منهما يحيى الاخر فى سعادة مباركا ليهتف عاصم متذكرًا و هو يقهقه:- فااااكر.. كنه يوم ولادة حازم و تسبيح بالظبط..

قهقه حسام بدوره:- صدجت يابو مهران.. بس انى مكنتش مچنون زى ولدى ربنا يهديه..
قهقه عاصم:- صدجت.. الچنان دِه تبع سهام.. طول عمرك عاجل يابو باسل..
ربت حسام على كتف عاصم ممتنا و هتف مشجعا:- تعال نطمن ع البنات.. و نشوفوا عيالهم.. ربنا يبارك لهم ف زرعتهم..
هتف عاصم و هو يسير بمحازاته:- اللهم امين..

كان يعلم انها كانت تحلم بزفاف يوافق أحلامها لكنه ابى عليها ذلك نظرا لتشدده فى بعض الامورورؤيته اخيها يرقص مع عروسه جعلته يود ان يسعدها و فكر فى وسيلة و وطد نفسه على تنفيذها و ما ان دخلا جناحهما حتى تركها تندفع للحمام لتبدل ملابسها ليحضر عدة العمل و يجهزها و قد خلع ملابسه بدوره مرتديا احدى جلابيبه التى ما استطاع الاستغناء عنها..

خرجت متطلعة اليه فى تعجب فتلك المرة الاولى التى تراه فيها يرتدى جِلْبابا منذ زواجهما.. اقترب منها فى حب هامسا:- انى عارف انك كان نفسك نرجص ف فرحنا سلوو زى حازم و تسبيح بس انى مليش ف الحاچات دى و مبعرفش اعملها..بس عشان خاطرك هنرجص برضو..
هتفت تصفق فى جزل:- صحيح يا حمزة.. هانرقص سلو اخيرا..
تنحنح فى احراج هاتفا:- مش بالظبط يعنى.. بس اهو هنرجص برضك..
هتفت مستفسرة:- ازاى !؟..

اندفع لمشغل الاغانى و ضغط زر التشغيل ليهتف صوت الريس متقال منشدا:- اتفرچ ع الحلاوة.. حلاوة.. دى بلدى و نجاوة نجاوة..
انفجرت مقهقهة و هى تراه يتمايل مادا ذراعه اليسرى لأعلى كعلامة تحية النازى لهتلر و واضعا كفه اليمنى اسفل باطه الأيسر يتأرجح فى نشوة على احدى قدميه بالتبادل مع القدم الاخرى..

هتفت فى سعادة:- الله يا حمزة دى رقصة اورينتال.. احسن من السلو.
و اندفعت مختفية لدقيقة ثم عادت متوشحة بملس اسود كان للجدة بخيتة يوما ما و استأذنتها فى احدى زياراتها للنجع لتحصل عليه.. مما دفع حمزة ليقهقه على مظهرها و هى تتعثر فيه حتى اصبحت بمحازاته و اخذت تتمايل على موسيقى المزمار الصادحة من مشغل الاغانى و هى تدفع بطرف الملس السفلى يميناً و يسارا فى سعادة..

اقترب منها حمزة يجذبها بين ذراعيه هامسا فى عشق:- مبسوطة دلوجت!؟
همست فى دلال:- طبعا مبسوطة.. كفاية انك عملت ده كله عشان تبسطنى يا حمزة..
همس منحنيا ليصل لمسامعها:- انى اعمل اى حاچة ف الدنيا عشان أسعدك..

شبت على أطراف أصابعها محاولة الوصول لمسامعه البعيدة عن شفتيها نظرا لفارق الطول الشاسع بينهما مما دفعه ليحيط خصرها بذراعه حاملا إياها مساعدا لتصل لمبتغاها هامسة:- بحبك قووى..
اعتصر خصرها بذراعه الاخرى و غابت تماما فى حنايا احضانه و ما عادت راغبة فى الابتعاد عن دفء ذراعيه و حنان صدره..

دخل حامد الى شقته متوقع ان يجد يونس الصغير يعيث فيها فسادا كعادته
الا انه وجد السكون هو سيد الموقف فتنهد فى راحة و هو يتجه الى مصدر ذاك الصوت الشجى الذى يعشق..
كان صوت شدو عائشة و هى تقف فى المطبخ تعد له طعام العشاء كعادتها و هى تتغنى بأحد روائع سيدة الغناء العربى ام كلثوم.. انت عمرى.

قد ايه من عمرى قبلك راح و عدى يا حبيبى..قد ايه من عمرى راح
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا ذاق في الدنيا غير طعم الجراح
اندفع يونس يكمل معها فى سعادة و قد ابتسمت لمرأه:-
ابتديت دلوقت بس أحب عمرى.
ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجرى

وضعت الاطباق على المائدة و مدت كفها تلتقط لقيمة صغيرة من ذاك الطعام الذى يفضله تضعه بفمه ليتذوقه مستطيبا فى استحسان لتبتسم هى فى فرحة لانه نال رضاه..
دخلت للمطبخ من جديد ليتعقبها واقفا خلفها محتضنا إياها فى سعادة و فخر ضاما بطنها المنتفخ امامها هامسا:- هو الأخ اللى چوه دِه مش ناوى ينزل و لا ايه !؟..

ابتسمت تحاول الاستدارة متطلعة الى عينيه متسائلة:- هو تاعبك ف حاچة!؟..
اكد مشاكسا:- الصراحة اه.. طول چوووى.. عايزينه ياجى يتحط چنب اخوه عشان نلحج نچيبوا الثالث..
انفجرت ضاحكة ثم هتفت متعجبة:- حامد !؟.. هو حد مداينك بالعيال دى!؟.. و لا هى طريحة ولازما تخلصها!؟..

قهقه بدوره مؤكدا:- يا بتى دى نظرية علمية چاااامدة.. احنا نچيب العيال كلها مرة واحدة ورا بعضيها كِده و نديهم لأمى تربيهم و احنا نشوفوا حالنا بجى يا جمر..
قهقهت من جديد هاتفة:- طردنا م البيت دِه هيبحى على يد امك لو عِملت اللى بتفكر فيه.. دِه يونس الصغير بيخليها تمسك السما بيدها..
أدارها اليه يضمها فى شوق هاتفا:- بس اسمعى كلامى تكسبى..

انتفضت متألمة و هو يضمه اليها فظن انه فعل ما يؤذيها فأبتعد مرتعبا يهمس فى قلق:- ايه فى !؟.. انتِ كويسة !؟.
ابتسمت تطمئنه:- متجلجش.. دِه باينه ولدك سمع كلامك و هو كمان معجبوهوش فشغال تخبيط..
هتف مؤكدا:- مش بجولك معطلنا..
و مش عاچبه كمان..
هزت ضحكاتها جسدها فى قوة على تعليقات زوجها العابس و امسكت ببطنها المنتفخة امامها و هى تنظر اليه فى دلال و تتركه خلفها لتحضر باقى الصحون ليتبدل حاله فى لحظات متعقبا إياها فى سعادة..

دخل لشقته متسللا يتلمس اتجاه تلك الرائحة الرائعة التى لا تخطئها انفه..
دخل للمطبخ متطلعا اليها فى سعادة و هى تقف توليه ظهرها و تترنم فى انسجام تام و هى تصنع شئ ما لا يدركه ناظره من موضعه..
اقترب منها هامسا فى محبة:-وحشتينى..

انتفضت صارخة مستديرة اليه و كل ذاك العجين الذى كان يملأ يدها تناثر بشكل عشوائى و طال وجهه و بدلته الميرى..لحظات صمت لاستيعاب الصدمة بعدها ما استطاعت الا الانفجار ضاحكة على مظهره الان و قد اضحى ملطخا ببقع العجين هنا و هناك.. ألتزم الصمت للحظات بدوره حتى انتهت من ضحكاتها و اخيرا هتف:- دى اخرة اللى يعمل فيها رومانسي..

قهقهت تسبيح من جديد و هى تعاتبه:-انت مش هتنسى انك ظابط شوية و تبطل تتسحب كده و تفزعنى!؟..
هتف فى غيظ و هو يتذوق العجين الذى وصل لشفته السفلى:- لا مش هبطل.. و اذا كان عجبك بقى..
رفعت كتفها بلامبالاة و استدارت تكمل صنع صينية الكيك بعد ان وضعت صينية البسبوسة بالفرن هاتفة:- ع العموم... هتبطل غصب عنك.. مش على كيفك يعنى.. و الا الأخ او الأخت اللى جاى ف السكة هيتسرعوا و تبجى انت السبب..

تنبه لكلماتها و استغرقه الامر للحظات حتى هتف فى صدمة و هو يديرها اليه فى حرص متطلعا اليها حتى يتأكد انها لا تُمارس ألاعيبها عليه:- انتِ بتتكلمى جد يا تسبيح!؟.. اصل انا عارف هزارك..
عبست مدعية الحنق هاتفة:- ادك انا و لا من مستواك عشان اهذر معاك..
ابتسم متسائلا ف شك:- تسليح !؟..

هتفت فى نفاذ صبر:- طب اعمله ايه ده عشان يصدج !؟.. طب ده انا قمت اعمل صينية بسبوسة مخصوص لان نفسى راحت لها و واضح كده و الله اعلم ان اللى چاى طالع مبسبس زى ابوه..
تقدم اليها حازم فى سعادة هامسا و هو يجذبها لأحضانه فى رفق:- و الله ما مصدقك لحد دلوقتى..

قهقهت تمد كفها تزيل العجين الذى لايزل عالقا بوجهه:- كلها تسعة شهور يا حضرة الظابط و ان مجالكش عيل يطلع عينك هو و امه متبجاش تصدجنى تانى..
قهقه فى سعادة و هو يضمها لصدره منتشيا...

اندفع حسام بن نبيل الى داخل المطار يحمل حقيبة ندى زوجة ابيه و التى اصبحت بمثابة امه بعد لقائهما منذ عدة أشهر.. توطدت العلاقة بينهما سريعا فقد وجد فيها حنان الام المفتقد و وجدت فيه ذاك الطفل الذى تمنت أنجابه من نبيل لكن إرادة الله كانت خلاف ذلك فكان هو العوض من الله على صبرها و احتسابها..

لكنها رغم كل شئ قد شعرت بالحنين لمصر و لأهلها فقررت العودة لزيارتهم على امل الرجوع من جديد الى فرنسا و الى ولدها الذى ما عادت قادرة على الابتعاد عنه.. كما ان زيارتها لمصر تحمل غرضا اخر فهناك أهله الذين لا يعلم احدهم بوجود حسام من الاساس و نصيبه من ميراث ابيه غير محدد بالتأكيد فقررت النزول لمصر لأخبار اهل نبيل بحقيقة وجود بن له يحمل اسمه و يحق له ان يرثه..

ودعها حسام فى حزن و خرج من المطار يشعر بالوحدة من جديد و ما ان هم بالمرور من البوابة الخارجية حتى سمع صوت تنبيه شديد بلغة مصرية خالصة يصرخ:- حاسب..
لم يكن يدرك ما يجب عليه ان يتجنبه الا عندما اصطدم به بالفعل و سقط ارضا لتسقط فوقه عدد من الحقائب..

هتف صوت انثوى رقيق بالعربية و يبدو انه من ذعرها نسيت التحدث بالفرنسية.. انها صاحبة العربة ذات الارجل التى تحمل ذاك الكم الضخم من الحقائب و التى كانت تدفعهم و بجوارها على ما يبدو امها و لم تستطع ان تتحكم فى العربة فأصطدمت به:- انت كويس !؟..
اخرج رأسه من بين تل الحقائب التى كانت تغمره و عدل من منظاره الطبى الذى لحسن الحظ لم يُكسر او يُفقد فى ظل هذه الفوضى..

نهض فى تثاقل يعدل من هندامه لتبادره بالسؤال من جديد:- انت كويس !؟.. تذكرت انها تتحدث بالعربية فظنت انه لهذا لا يجيب عليها لعدم فهمه إياها فتحدثت بفرنسية رشيقة تسأل من جديد عن حاله..
هتف هو اخيرا بعربية صريحة مازحا:- ايوه يا ستى و الله العظيم كويس..
هتفت فى دهشة:- عربى !؟.. حضرتك بتتكلم عربى !؟..

اتسعت ابتسامته:- ايوه يا آنسة.. انا مصرى كمان..زى حضرتك بالظبط و مد كفه ملقيا التحية:- دكتور حسام نبيل التهامى.. محاضر بالسربون..
ابتسمت الفتاة فى سعادة و هى تنظر لأمها كأنما فُتحت لها طاقة القدر هاتفة تعرف عن نفسها:- نهلة مختار السداوى.. طالبة دراسات عليا بالسربون..
ابتسم حسام مرحبا:- نورتوا فرنسا.. وواضح اننا هنتقابل كتير من هنا و رايح بس يا رب من غير حوادث او خساير..

ابتسمت نهلة فى سعادة و شكرت الله فى سرها انه بعث لها ذاك الشاب الذى بالتأكيد سيكون له دور كبير فى حياتها فى الفترة القادمة طوال أقامتها فى فرنسا..او.. ربما بعدها..

هتف بها حمزة معنفاً و هو يراها تترنح على ذاك الحذاء ذو الكعب العال و الذى تأبى التخلى عن ارتدائه رغم حملها:- يا هدير احنا مش جولنا بلاها الكعوب العالية دى لحد ما تولدى !؟.. انت محتاچة حاجة مريحة ف رچلك و عشان لا قدر الله ما تتكعبليش فيها بتجلك ده..
هتفت هدير محتجة:- لااا.. مش هبطل ألبس كعب و أتخلى عن اناقتى.. حمل او غير حمل هفضل ألبسه برضو..

هتف حمزة و هو يراها تندفع صاعدة الدرج فى تهور غير عابئة ببطنها المنتفخة امامها:- يعنى برضك مفيش فايدة!؟..مبتسمعيش الكلام..
طيب يا بت عمى..
اندفع خلفها و حملها عنوة لتهتف صارخة:- بتعمل ايه يا حمزة !؟.. نزلنى بليز..
اجلسها على اقرب مقعد و انحنى يجذب الحذاء من قدميها و يكسر كعبه العال فى عنف..
هتفت هدير فى غيظ:- كده يا حمزة.. دى شوز سينييه..

حملها من جديد ناهضا بها صاعدا بها الدرج دون عناء حتى مع حملها و ثقلها المتزايد ليهمس بالقرب من اذنيها مشاكسا:- خافى بجى على جزمك السينييه و ابجى ألبسيهم تانى يا بت الحاچ زكريا..
تعلقت برقبته فى دلال هامسة:- هلبسهم يا ميزو و كسرهم براحتك طالما بعد كل مرة هاتشيلنى لحد اوضتنا كده.. يا واد عمى..
اضطرب لهمسها بالقرب من مسامعه ليهمس متسائلا:- انت هتولدى امتى يا هدير !؟..

رفعت اصبعى الوسطى و السبابة امام ناظريه و هو يخطو لداخل الردهة الطويلة المفضية لجناحهما ليهمس بفرح :- أسبوعين !؟..
انفجرت ضاحكة لتهمس مغيظة اياه:- لااا.. شهرين..
توقف امام باب حجرتهما هاتفا:- طب افتحى الباب.. و ربنا يعدى الشهرين دول على خير..

دفعت الباب و هى تقهقه على حال زوجها الذى بات هاجسه الاول و الاخير هو حملها و خوفه على تداعيات الحمل و تأثيره على صحتها نظرا لضاءلة حجمها.. هى لا تعان شيئا و اكد الطبيب ذلك مرارا و تكرارا.. لكن هو لا يترك لها فرصة تهنأ فيها بأى نشاط من وجهة نظره قد يؤثر عليها بالسلب.. لقد اصبح مهووس كليا.. يعاملها كأنها دمية قابلة للكسر بسهولة.. و كم يسعدها ذلك.. فما اروع الدلال على يديه.!

وضعها على الفراش و ذهب يحضر بعض الأغراض من خزانة ملابسه فقررت مشاغبته لتهتف صارخة بإسمه:- حمزاااااا...
اندفع بإتجاهها فى ذعر ملقيا ما كان بيده كيفما اتفق و هتف فى قلق:- ايه فى!؟.. انتِ بخير !؟..
انفجرت ضاحكة على حاله و هى تربت على وجنته مهدئة:- انا كويسة يا بيبى.. بس حبيت اقولك.. بحبك..
جز على اسنانه فى غيظ هامسا:- هدييييير..

و تنفس فى عمق محاولا ممارسة ضبط النفس و اخيرا هتف فى لهجة تقريرية:- بصى يا بت الناس لو متعشمة ف اخوات للمحروس اللى چاى..أحب أبلغك ان بعد اللى بتعمليه فيا احسن لك تفجدى الأمل ف الموضوع ده نهائى..
انفجرت هدير ضاحكة حتى دمعت عيناها مما استرعى انتباهه لبراءة ضحكاتها فهمس مقتربا منها:- على فكرة.. و انا كمان بحبك..

هتفت مقلدة لهجته الصعيدية و هى تتعلق برقبته:- عن چد يا واد عمى!؟..
ابتسم وهو على يقين انه يعشقها بكل ذرة بكيانه:- عن چد يا غالية..
اندفعت لأحضانه فى سعادة غير مصدقة ان ذاك الأسد الجسور الذى كانت تهابه دوما و تسعى للهرب منه.. اصبحت لا تجد الحنان و لا الدفء إلا بين ذراعيه..

هتف ماجد مازحا و هو يدخل لغرفتهما فى عقبها تاركا خلفه كل ذاك الصخب و الموسيقى متطلعا اليها:- استنى اعمل لك زى الأفلام.. اخيرا بقينا لوحدنا يا حياتى..

قهقت ضاحكة و لم تعقب ليستطرد و هو يجلس على طرف الفراش فى انهكاك مادا قدميه أمامه امرا بلهجة مازحة :- تعالى يا بت هنا و اخلعيلى رجلى..
حاولت ان تدارى تلك الابتسامة التى تعافر للقفز إلى شفتيها لشعورها بالسعادة لذاك المطلب فهو ابدا ما كان يدع احد يدخل عليه غرفته الا و هو يضع طرفه الصناعي.. انحنت تستند على ركبتيها و قد انتشر فستانها حولها كبتلات زهرة ندية.. تاه فى محياها و مظهرها الآسرو هى تجتهد فى تنفيذ مطلبه ليستطرد هو مستمرا فى تقمص دور سى السيد ساخرا:- و اغسلى الرجل اللى هتخلعيها دى ف مية و ملح..

ما عادت قادرة على قهر ضحكاتها فجلجلت قهقهاتها و هى تجذب القدم الصناعي لتنخلع عن جسده لتسقط للخلف ليقهقه بدوره و يمد كفه مدعيا مساعدتها و ما ان وضعت كفها باحضان كفه السمراء حتى جذبها هو بدوره الى احضانه هامسا:- بزمتك شوفتى جوز مريح كده.. بدل ما تجيبى المية بالملح و تتعبى نفسك بيديكى رجله تغسليها..

اضطربت و ما عادت قادرة حتى على الضحك و هو يضمها اليه بهذه الطريقة المتملكة و هى تقريبا جالسة فى حجره..
شاكسها من جديد هامسا بالقرب من مسامعها:- برضو مش عاوزة تتعلمى ضرب النار!؟..
ازدردت ريقها هامسة تحاول مجاراة مزاحه:- هى الحرب هتجوم خلاص!؟..

هتف صارخا و مؤكدا و هو يجذبها لسطح الفراش جواره:- اهى قامت اهى و ضرب النار اشتغل.. خديلك ساتر بقى..
رنت ضحكاتها و هو يخبئها بين ذراعيه حتى يكون سترها و أمانها و حربها و سلمها و سلامها..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة