قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الخامس والأربعون

ظل محسن يركض خلفها بخوف، وشهد تركض أسرع دون ان تأبه بالسيارات التي حولها، في عقلها هذه الرسالة وصورته وهو في أحضان غيرها فقط، شعرها يتطاير على وجهها وعلى عينيها، فحجب عنها الرؤية لدقيقة، فتوقفت ولكن دموعها لم تتوقف ولو للحظة، امسكها محسن بسرعة، ثم صاح فيها بحدة وهو يلهث..
حرام عليكي، عمال انادى عليكي، اقفي استني لما نفهم
نزعت يدها بقوة ثم قالت من بين شهقاتها بكسرة..

افهم اية، ده بالدليل، ده انسان حقير عمره ما هيتغير، ماصدق اني ابعد عنه
كانت ممسكة برأسها بقوة، واصبحت الرؤية امامها مشوشة، ثم اصبحت تترنج امامه بتعب وفجأة سقطت مغشيًا عليها، حملها محسن بسرعة، ثم اوقف احدى سيارات الاجرة ووضع شهد في الخلف بلهفة وخوف، ظل السائق ينظر لهم بتفحص وقلق، فهم محسن ما يدور بعقله الان، وركب بجواره ثم أردف بجدية..

دى اختي وفجأة وجعت اغمي عليها، وهوديها المستشفى، ممكن ترجع بينا للمجابر عشان اجيب الشنطة إلى سبناها هناك
كان رجل يبدو عليه كبر السن، عقد حاجبيه بعدم فهم، وراوده الشك حول أمر محسن، ولكن امأ برأسه موافقًا وعاد للمقابر مرة اخرى، ووقفوا امام الحقيبة الخاصة بشهد، فمد محسن يده وحملها ليحرك السائق المقود متجهًا لاحدى المستشفيات القريبة ومحسن يلقي نظرات لشهد بحسرة على حالها الذي اصبح مثير للشفقة..

في منزل عبدو
بدأ عمر يستعيد وعيه تدريجيًا، فتح عيناه بتثاقل لتظهر عيناه السوداء، مد يده يتحسس الفراش بجواره ليجد تلك الفتاة الشقراء تنام على صدره وهي عارية، وملابسهم مُلقاه على الأرض بأهمال، نهض وجلس على الفراش بفزع وهو ينظر حوله، أمسك ببنطاله ثم ارتداه سريعًا، ونظراته الغليظة مسلطة على تلك البغيضة، اقترب منها ثم وكزها بقوة وهو يصيح فيها بغضب قائلاً..
انتي يابت قومي، اصحي انجزى.

فتحت عيناها ببرود، وهي تدعك جفنيها، ثم نظرت لعمر نظرات ذات مغزى وقالت بدلال وخبث..
مالك يا عمورى، حد يصحي حبيبته كدة بردو في يوم زى ده
صُعق من جملتها ثم جز على أسنانه كاملة بغيظ شديد، فأقترب منها اكثر وجذبها من شعرها بعنف ثم بصق في وجهها قائلاً بقسوة..
قومي يا زبالة، حبك برص، غورى مش عايز اشوف وشك يا قذرة.

صرخت بتآوه وحاولت إفلات خصلات شعرها من بين يديه ليتركها عمر، ومسح على شعره ببطئ، واصبح قلبه يدق وقد اشتعلت النيران بداخله، كلمتها حبيبته جعلته يدرك الخطأ الفادح الذي ارتكبه، لقد خان حبيبته، إن علمت ستتركه حتمًا، لا لا لن تعلم، ولكن ضميره يؤنبه كثيرًا، كيف أستطاع ان يمسس حواء غيرها، ولكنه كان ليس في وعيه..

فجأة ظل يصرخ بصوت عالي، وضرب المرآة بيده بقوة حتى انكسرت، نظر لصورته المكسورة في المرآة بخزى من فعلته، فهي سترى صورته هكذا من الان وصاعدًا، وسيطرت عليه حالة هيستيريا وهو يحاول أن يتذكر ما حدث، ولكن دون جدوى، لا يتذكر سوى جلستهم على هذا الفراش اللعين فقط..!

ركضت الفتاة للخارج بسرعة بعدما ارتدت ملابسها خوفًا من حالة عمر، ثم اغلقت الباب خلفها، بينما هوى عمر على الفراش، واصبح يبكي بحدة، ولأول مرة منذ وفاة والدته وهند يسمح لدموعه بالهطول..
همس بألم وكسرة قائلاً وهو يضع كفيه على رأسه..
انا اسف يا شهدى، سامحيني.

في منزل رضوى
شهقت بصدمة مما قالته والدتها، أهي تعي ما قالته حقًا!
كأنها لم تعد تشعر بالألم في جسدها بسبب ضرب والدتها المستمر، ولكن ما تشعر به الان هو آلمها النفسي، والوخزة المؤلمة في قلبها، أغلقت جفنيها لتلاحقها صورة عبدالرحمن الحانية وهو يرجوها أن لا تبتعد عنه، فجأة جذبتها والدتها من حجابها ثم طرحتها ارضًا وهي تسبها بأبشع الألفاظ..
حاولت رضوى أن تفهم اتهامها اللعين، فسألتها مستفسرة بألم..

طب حتى فهميني انا عملت اية؟
رمقتها بنظرات حادة، ثم أجابتها وهي تضغط على كل حرف بدقة..
يعني انتِ مش عارفة، اية إلى كان بينك وبين الواد إلى اسمه عبدالرحمن يابت
هزت رضوى رأسها نافية بسرعة، ثم سارعت في الرد بقلة حيلة..
لا والله معرفش، مفيش حاجة بيني وبينه الا زى ما انتِ عارفة.

أمسكت بخصلات شعرها لتتخل بين اصابعها السمراء بقسوة قد اعتادت عليها رضوى مؤخرًا، ثم سارت متجهة للمكتبة وهي تجر رضوى خلفها، حتى امسكت ببعض الصور الموضوعة على المكتبة وألقتها على وجه رضوى ومن ثم أردفت بجمود قائلة..
امال ايييية دول يا محترمة هاا.

أمسكت الصور بلهفة وظلت تنظر لهم بدهشة متسعة الحدقتين، كانت صور تجمعها مع عبدالرحمن في أوضاع مخلة، وقعوا من يدها ودموعها تنهمر كالشلالات على وجنتيها بصمت، كيف هذا وهي حتى لا تسمح له ان يمسس يدها، لماذا يجعلها الله في هذه الامتحانات الصعبة!
...
امسكت بالصور مرة اخرى وبدأت تقطعها اربًا اربًا علها تطفئ غليلها، ثم نظرت لوالدتها بأعين قد ارهقها البكاء، ثم قالت برجاء حار..

صدقيني مش انا إلى ف الصور، معرفش ازاى اصلا الصور دى، عبدالرحمن عمره ما قرب مني بالطريقة دى ابدا ولا غيرها حتى والله
لوت شفتيها بأعتراض شديد وعدم تصديق، ثم أكملت بصرامة لاذعة:
مش هاتخرجي من البيت ده ولا هتشوفي الشارع تاني ابدًا، لحد ماتلاقي واحد يكون امه داعيه عليه ويتجنزك يا زبالة ونخلص منك.

ظلت محدقة بها ووجهها خالي من اى مشاعر كأنها اصبحت جثة هامدة، ودوت اخر جملة قالتها والدتها في اذنيها كالرعد، وخاصة أنها لن ترى حبيبها مرة اخرى..!
ومن دون مقدمات سقطت مغشيًا عليها، ليرتطم جسدها بالأرض بقوة...!

في المستشفى
مازال عقلها لا يستوعب ما قاله لها احمد، كانت مسطحة على الفراش وعيناها تكاد تغمض، نظرت للأعلي وثبتت ناظريها كأنها تتابع شيئ ما، لتجد دموعها تنهمر من عيناها بصمت، واخذت تتذكر ما قاله لها احمد، وقلبها يكاد يحترق، ولو له رائحة لشمت رائحة الحريق حتمًا..
فلاش باك..

عيناها تنتقل بينه وبين مراد بخوف الذي يقف يدارى وجهه بيده بخيبة على تسرع احمد، بينما احمد يرمقها بنظرات حادة، سادت الصدمة وألجمت لسان الجميع، وكأن مها ادركت ما قاله لها الان فأجابته بتهكم قائلة..
ولسة فاكر إن انت كنت مخلف دلوقتي
جز على أسنانه بغيظ ولكن كبت غيظه بصعوبة وأردف ببرود قائلاً..
لا بس للأسف كنت مفكرة هيبقي احسن له لو اتربي مع امه، لكن طلعت غلطان.

إبتلعت ريقها بإزدراء ونظرت له بطرف عينيها متسائلة بجدية..
واية إلى خلاك عايزه دلوقتي؟
اخذ نفسًا عميقًا ثم زفره على مهل، ووضع يداه في جيب بنطاله البني مرة اخرى وتابع بجمود قائلاً..
لأني اكتشفت أن امه لازم تربي نفسها الاول حتى تربي ابنها كويس
حاولت أن تتجاهل ما قد وصل لها من طريقة حديثه وتهديده الواضح، وسألته بتوجس قائلة..
قصدك اية يا احمد؟
رفع حاجبه الأيسر بسخرية، وضغط على كل حرف وهو يقول بحدة..

كل ده مفهمتيش، بس ماشي، عايز ابني اربيه انا يا مها
خرجت القطة الشرسة التي تسكن بداخلها، وضعه لهذا القناع البارد الساخط اخرجها عن شعورها وعن قناع القطة الضعيف، لتصيح فيها بجدية وحدة قائلة..
ابني مش هايبعد عني، فااااهم
قطب جبينه بضيق بدى عليه بوضوح، ثم هز رأسه موافقًا واستطرد بتوعد..
تمام، يبقي هنتقابل ف المحكمة يا مها وهاخد ابني بردو.

في احدى المستشفيات الخاصة
يسير ذهابًا وإيابًا امام غرفة الكشف للطوارئ، التي دلفت اليها شهد منذ قليل، يفرك اصابعه بتوتر وخوف، يخشي فقدانها مثل ما فقد والده الحبيب، ولكنه لن يصمد حينها وسينهار بالتأكيد، فهو قد بني هذا الحائط بداخله لتستند عليه شهد، ولكن إن حدث لها اى شيئ سيُهدم ولن يبنيه مرة اخرى ابدًا..

خرج الطبيب ليقطع افكاره السيئة وهو يخلع النظاره الطبية الخاصة به، فأقترب منه محسن بلهفة وسارع بسؤاله بتوجس قائلاً..
خير يا دكتور طمني؟
أشار له الطبيب ثم قال مهدئًا من روعه:
اهدى، انت جوزها؟
هز رأسه نافيًا ليتابع بجدية: لا اخوها
اومأ الطبيب رأسه، وعَلت الإبتسامة الهادئة ثغره، ليمد يده ويربت على كتف محسن قائلاً بطمأنينة..
متقلقش هي بخير، والاغماء كان بسبب انها حامل بس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة