قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والستون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والستون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الحادي والستون

قهقهه الضابط عاليًا وبشدة، كأنه قال له مزحة، مما جعل الدم يتصاعد في عروقهم بغيظ، هدأ قليلاً ونظر لفارس ثم رفع حاجبه الأيسر وقال مصطنعًا الجدية:
انت متأكد من كلامك؟
اومأ فارس بتأكيد، ثم تابع بثقة زائفة:
ايوة، واكيد لاقيتوا دليل عليه هو كمان
هز الضابط رأسه نافيًا، ثم اردف متهكمًا:
هو انت متعرفش أن استاذ عمر مالك هو إلى مبلغ اصلاً!؟

جحظت عينيه، لم يتخيل أن الأسد يهدأ في عرينه ويخطط لتلك المواجهة الحاسمة، فكر في الكثير والكثير، ولكنه لم يتخيل أن عمر سيودى بحاتم للتهلكة، حاول إخراج الكلمات من بين شفتيه المرتعشة اثر الصدمة قائلاً:
ا آآ ازاى ي يعني!
نظر الضابط لحاتم الذي كان يجلس صامت، شارد، ساكن، ولكن هدوءه مخيف، اشبه بهدوء ما قبل العاصفة، ثم قال بتوضيح بارد:
بص يا سيدى رغم ان ده مش المفروض تعرفه لكن بما انك غالي عليا هاعرفك.

صمت لبرهه يستعد لقذفهم بما سيصدمهم صدمة العمر، ثم تابع بجدية:
عمر مالك يا سيدى الظاهر انه كان بيخطط لده من بدرى جدًا، او يمكن ماكنش بيخطط بس كان بيسجل لكم كل حاجة، تقريبًا كدة عشان لو غدرتوا بيه يبقي مأمن نفسه، في طرف تانى متعاون معاه، لكن مش هاقدر اقولك او اوضح عنه، لكن الظاهر ان حبايب حاتم باشا كتير، ولما إلى ضرب عمر مالك بالنار.

وشدد على جملته الأخيرة بدقة وهو يرمق فارس الذي بدأ يرتبك بنظرات ذات معني، ثم اكمل:
الطرف التاني ده راح وسلم كل الدلائل إلى ضدكم والي هي عمر مالك ملهوش يد فيها اصلاً، الفيديوهات بتجمعك انت وحاتم وانتم بتسلموا البضاعة، بتأمروا بقتل حد، كدة يعني انتم ادرى بشغلكم، ده غير القضايا إلى اترفعت ضدكم وبشهادة الشهود، يعني من الاخر انتم كان مجهزلكم الوقعة دى من بدرى.

كان فارس مذهول مما يسمعه، دقات قلبه توحى بالخطر، منذرة انها ستتوقف حتمًا من الخوف، نعم، الخوف من الاعدام!
بينما تأفف الضابط وهو يتشدق بتهكم ب:
حتى لو كلامك صح وعمر إلى هو اصلا شاهد ملك ف القضية شريكم، يبقي هو سلمكم وطلع منها، والقانون لا يحمي المغفلين
هنا نطق حاتم وقد نفذ صبره وقال بحده:
ازاى، انا بأعترف على عمر ده انه معانا
اجابه الضابط برسمية:.

والله يا فندم الادلة إلى معايا ما بتدينش استاذ عمر مالك ابدًا، بل بالعكس ده شهد عليكم وهو إلى قالنا ع مكان تخزين البضاعة، يعني لو كلامك صح انا عايز ادلة وشهود، القانون مش عواطف
أطلق حاتم زافرة قوية وعاد يفكر في حل لهذه المعضلة، ولكنه فشل فشل ذريع في ايجاد اى حل، وجد كل الابواب مغلقة في وجهه، كل نفوذه وسلطاته وامواله لن تنفعه الان!
قال الضابط بجدية:.

يعني انتم اعترفتوا انكم فعلا كنتم بتتاجروا ف المخدرات وقتل و، الخ
هز فارس رأسه نافيًا بسرعة ثم قال بهلع:
لا لا اعترفت اية انا معرفش حاجة
تقوس فمه بأبتسامة ساخرة، وهو يقول متساءلاً بتهكم:
انت مش لسة من دقيقتين قايل انك بتعترف ع عمر شريككم، يعني بتعترف ع نفسك قبله من دون قصد
خبط جبينه بطرف يده بصدمة، بالفعل خانه لسانه واعترف على نفسه، من دون اذنه صرح بما لا يجب ان يصرح به، ذهب لحبل المشنقة بقدمه!

تنحنح الضابط بجدية معتادة موجهًا حديثه للكاتب بجواره:
اكتب يابني، قررنا نحن وكيل النيابة / اكمل زهير، بحبس كلا من المتهم حاتم مهران، وفارس كمال مهران 15 يوم على زمة التحقيق مع مراعاة التجديد.

أسدل الليل ستائره، وذهبت الشمس على وعد بأن تشرق مجددًا، وحل القمر مكانها لينير الأجواء بضوءه الساطع، الذي يدوى على جميع المناطق يعطيها مظهر جذاب، انتهت رضوى ونبيلة من اعداد كل شيئ، كانوا يجلسوا في الصالة في انتظار قدوم عبدالرحمن الذي سيأخذهم إلى المحطة ويسافر معهم، ومما ادهش رضوى اكثر ان نبيلة لم تعارض عندما علمت بقدوم عبدالرحمن معهم كعادتها، لم تصيح بها وتنهرها ككل مرة، بل وافقت بصدر رحب، من يراها يعتقد انها تبدلت كليًا، وكأنها أُهلكت من كثرة الصراخ والغضب، وقررت تغيير تعابير وجهها الحادة ولو لفترة قليلاً، ولكنها حقًا لم تشعر يومًا انها اخطأت في الحكم على رضوى، هي شخصيًا حتى الان لم تعرف ما سر تغيير شعورها المفاجئ تجاه رضوى، لم تتخيل يومًا انها يمكن أن تكن لها شيئً سوى الكره، ولكن اليوم، مشاعر جديدة بنظرة مختلفة تطرق بابها لتحل محلها في قلبها تجاه تلك المسكينة، تشعر لو انها تعوضها بدلاً من مها، وآآه من مها التي اشتاقت لها ولكن كبرياؤوها يمنعها وبشدة من زيارتها، زيارتها..!

اى زيارة وهي خرجت من تلك القضية وذهبت مع زوجها دون الرجوع اليها ركضًا، نعم، نبيلة كانت تعلم كل شيئ عن مها، كانت تسأل المحامى الذي وكلته رضوى لمها عما حدث، شعور الأمومة وعطفها لم يسمحوا لها ان تبتعد عنها للابد كما ارادت، تغلبت تلك المشاعر الحانية على غضبها وثوارانها لتغلق عليه جدران متينة صلبة، ولو مؤقتًا لحين الاطمئنان على ابنتها الوحيدة، كانت لا تريد ان تصبح الجلاد والحنونة في آن واحد!.

قطع ذلك الصمت الذي دوى صوت سيف الطفولى وهو يقول بتساؤل رقيق:
احنا رايحين فين يا خالتو رضوى
استدركت رضوى نفسها سريعًا، ثم مدت يدها تحيط كتفيه برقة، ثم اجابته بهدوء حذر:
مسافرين يا حبيبي
زم شفتيه بضيق طفولى، ثم زمجر قائلاً:
هانروح من غير ماما يعني!؟

صمتت لبرهه، فهي نفسها لا تعرف اجابة ذاك السؤال، السؤال الذي تسأله لنفسها مرارًا وتكرارًا، إلى متى سيذهبوا بدون مها؟!، تشعر ان بداخلها جزء مفقود يجب البحث عنه، وان كان ذاك الجزء يحدث لها صخب وازعاج، وبعض الألم، ولكنه يظل جزء منها، لا تقدر على التخلي عنه دون ارادة منها..
إبتلعت تلك الغصة المريرة في حلقها، ورسمت ابتسامة صفراء لتخفي ذاك العبوس الذي كاد يظهر بوضوح على محياها، ثم اردفت بجدية:.

حبيبي ماما مستحيل تسيبك لوحدك، هي بس بتعمل حاجات عشان تيجي تاخد سيف معاها بس
كانت نبيلة تتابعهم بأعينها، وكأن عينيها تجبرها على النظر لهم لتؤكد لها ان رضوى لم تكن يومًا سيئة، وانها هي من كانت سيئة معها، من اجل شعور الغيظ بالفطرة من درتها!

سمعوا طرقات هادئة على الباب، لتنهض رضوى وتتجه للخارج بخطى هادئة، ثم فتحت الباب بأبتسامة على اعتقاد منها ان هذا عبدالرحمن، إلا انها اختفت تدريجيًا وهي ترى مها بجوار أحمد، لم تشعر انه حان وقت تلك المواجهة الان!
بدت مها مشرقة، ملامحها تشربتها الفرحة، اشبعت شعورها بالأشتياق من اول فرد من تلك العائلة، لأول مرة تشعر انها تحب رضوى بصدق، ابتسمت بسعادة، ثم تنحنحت قائلة بحرج:
رضوى، ازيك وحشانى اوووى.

كلماتها كافية لخروج رضوى السريع من صدمتها، جعلتها تستدرك نفسها على شعور الاشتياق لاختها الوحيدة، بدأ الجزء المفقود بداخلها يعود رويدًا رويدًا، لم تمنع مها نفسها من الاقتراب منها، ثم احتضنتها بقوة، طبقت على ظهرها تتأكد انها اصبحت مع اختها الوحيدة، ولم تعارض رضوى على احتضانها، ثم همست بما رد لها روحها المحرجة بجوار اذنيها:.

وانتِ كمان وحشتيني اوى يا اختى، اسفة اوى مكنتش بزورك بس حصلت حاجات كتير منعتنى والله
إبتعدت عنها مها بهدوء، كلما تمعنت النظر لها اكتشفت الفارق الشاسع بينها وبين رضوى، فهي مسبقًا لو كانت مكانها لكانت طردتها سريعًا دون اى رحمة، هزت رأسها نافية بأبتسامة حانية:
ولا يهمك يا حبيبتي، كفاية المحامى إلى عينتيه لي
ابتعدت رضوى عن الباب قليلاً ثم اشارت لهم وقالت بهدوء:
طب اتفضلوا ادخلوا سيف وماما جوة.

سيف ، مجرد ذكر اسمه واعطاؤوهم الاذن جعلها تكاد تركض كالأطفال لتلحق بأحدى الهدايا التي جلبها لها والدها، ولكنه حقًا هدية اهداها لها الله يتبعها احمد، وجدوا سيف يجلس على الاريكة بجوار نبيلة، من دون سابق انذار تقدمت بسرعة واحتضنته بلهفة، بادلها هو العناق بفرح طفولى، يشاهدهم احمد بحماس، واخيرًا التم شمل عائلته، فيما كانت نبيلة تتصنع الصدمة، كانت متوقعة زيارتها تلك، ولكن غضبها يمنعها عن ركضها هي واحتضان مها، اخذت مها تحتضن كل جزء فيه بشوق، وتلقلقت الدموع في عينيها، دموع بسبب غباءها اللانهائى على بعدها بإرادتها سابقًا عن ذاك الطفل الملائكى، هنا تنحنحت نبيلة وهي تصيح بغضب:.

اية دة، انتم داخلين فين، وازاى تدخلي كدة من غير احم ولا دستور
ابتعدت مها عن سيف بهدوء، ثم اطرقت رأسها ارضًا بخزى، فيما قال احمد بجدية:
معلش، حضرتك عارفة اد اية مها كانت مشتاقة لسيف
إرتسمت ابتسامة ساخرة على ثغر نبيلة، ثم رفعت حاجبيها قائلة بأستنكار:
والله، طب الحمدلله.

لم تتعجب مها ولم تندهش، اكتفت بالصمت، ولكن نظرات احمد الموجهه نحوها ذكرتها بما يجب عليها فعله، رفعت ناظريها لتواجه نظرات نبيلة الحادة، فقالت مسرعة بأسف:
ماما انا عارفة انك مستحيل تسامحيني بعد كل إلى عملته، لكن انا عشمانة في حنانك وقلب الام
قالت نبيلة بصوت قاتم من دون تفكير:.

عشمانة ع اية ولا اية ولا اية، على ثقتي فيكي إلى ضيعتيها، ولا ثقة احمد فيكي وفي تربيتنا وكونى مش قادرة ارفع عيني فيه، ولا بعدك عن ابنك، ولا خيانتك، ولا محاولة قتلك لحبيب القلب
اغمضت مها عينيها بألم، تشعر بحجم الفجوى التي اصبحت بينها وبينهم بسبب كل ما حدث، وهي تعلم جيدًا انها غاضبة وبشدة، ولكن ما كانت لا تعرفه ان تتقبلها رضوى بشوق ووالدتها لا!
حاول احمد تخفيف حدة الموقف، فقال بهدوء ورقة:.

احم، ممكن اقول حاجة، مها كان شيطانها مأثر عليها، واتغيرت وعرفت غلطها وتقصيرها في حق كل واحد في حياتها، واتكلمنا انا وهي كتير، وانا الجزء إلى بيحبها جوايا قدر يتغلب على الجزء الغضبان منها، وانا متأكد انك هاتعملي كدة
هزت رأسها نافية بسخرية واضحة، ومن ثم تابعت بصوت اجش:
انت الزمن قدر يداوى جرحك وغضبك، لكن انا امها، خانت تربيتي وتعبي عليها مش مجرد ثقة، انا المفروض اكون اقرب واحدة لها مش ابعد واحدة.

غمغمت مها بصوت اشبه للبكاء:
انا بجد اسفة اوووى اووى، سامحيني ارجوكِ يا امى
مطت شفتيها بعدم رضا، ثم قالت بتهكم:
كويس انك افتكرتى ان ليكي ام
تنهدت مها بقوة، قبل ان تقول بصوت يكاد مسموع:
ماما، انا واحمد رجعنا لبعض
هزت رأسها بسخرية، ثم استطردت بجزع:
بقيت اتوقع منك اى حاجة، بس كويس انه قدر يسامحك هو ع الاقل.

في هذه اللحظة سمعوا صوت طرقات على الباب، فسارت رضوى مسرعة لتفتح، بالطبع وجدت عبدالرحمن فقابلته بوجه واجم، دلف عبدالرحمن لينصدم، ولم يستطع منع نظراته المذهولة من الظهور، تنحنح قائلاً بحرج لنبيلة:
خلصتم يا حماتى ولا لسة؟
شعر ان سؤاله احمق بالفعل، ليس هو الوقت او الظرف المناسب، كان يشعر بالتوتر المحمل في الجو، ففضل الصمت، إلا ان نبيلة اجابته بجدية:
ايوة يا عبدالرحمن يلا
قالت مها متساءلة بلهفة:.

ماما انتم رايحين فين وواخدين سيف!
لم ترد نبيلة، فأجابتها رضوى بدلاً منها بهدوء حذر:
احنا مسافرين للأقصر عشان شهد
سألتها مرة اخرى بتوجس:
مالها شهد يا رضوى؟
قصت رضوى عليها كل ما عرفوه، فصُدمت مها للغاية، ولم تعرف ما الذي جعلها تطلب من القدوم معهم دون تردد، تعجبت رضوى إلى حدًا ما، ولكن مع اصرار مها على ان يلحقوا بهم هي وسيف واحمد بسيارة احمد، جعل نبيلة ترد عليها ببرود ظاهرى:.

براحتك مليش فيه اعملي إلى عاوزاه
ركضت مها تبدأ بأعداد حقيبتها واحمد قرر الذهاب بالملابس التي يرتديها ويشترى بعضًا من هناك ان اطالوا الاقامة، فأنتهوا جميعهم وأتجهوا معًا إلى الاقصر..

شهقت شهد من الصدمة، وابتعدت عنه بسرعة تنظر له لتتحقق ان كانت تتخيل او ان ما سمعته حقيقي، استعاد وعيه، استعاد وعين بالفعل، ترى غابتها الغامضة الان بين جفونه الثقيلة، ترى ابتسامته التي رسمت الخطوط حول ثغره المتعب، يدوى صوته كالعزف الرومانسي، على اوتار قلبها المشتاقة بهدوء، اختفت الدموع سريعًا، وتقوس فاهها بأبتسامة مصدومة، شعرت وكأن قلبها يدق بصوت عالٍ مسموع محرج، تابع عمر بصوت ضعيف لأول مرة يطرب على اذنيها:.

مالك يا شهدى منهارة كدة ليه
زمت شفتيها بضيق طفولي اعطاها مظهر جذاب، ثم قالت بصوت متحشرج:
والله يعني مش عارف، اسكت بقا
نهضت بسرعة ثم اتجهت للخارج، ونظرت حولها قبل ان تنادى بجدية:
دكتوور يا دكتور
كان الطبيب بالقرب منهم فتقدم منها سريعًا، وسألها بتوجس:
خير حصلت حاجة جوة ولا؟
هزت رأسها نافية، ثم اجابته بأبتسامة زينت وجهها الواجم مسبقًا:
لا بس فاق وبيتكلم معايا.

اومئ الطبيب ثم دلف إلى الداخل بسرعة، واشار لها ان تنتظر، فأنتظرت للخارج، وتغيرت ملامحها للغاية، وكأن شفاء عمر له مفعول سحرى عليها، اقتربت منها نادى ومحسن ومسعد بأبتسامة، فربت مسعد على كتفها قائلاً بجدية فرحة:
الحمدلله يابنيتي، ربنا ما يجعلنا ندخل المستشفيات دى تانى الا ف الخير
رددوا خلفه بهدوء:
امين يااارب.

كانت سعادتها لا توصف، من كثرة سعادتها تشعر انها على حافة الموت، نعم، فهي تشعر بقلبها ودقاته لم يعد قادر على التحمل اكثر من ذلك، تشعر بكل ذرة في كيانها تهلل وترقص فرحًا الان بأستعدادة محبوبها، فلم يكن ما مر بالهين..
بعد دقائق خرج الطبيب بهدوء، فأتجهت له شهد ومن دون ان تسأله قال بجدية:.

الحمدلله، رغبته في الحياة خلته ماقعدش في الغيبوبة غير ساعات، وربنا سترها معاه وان شاء الله هيبقي كويس ف اقرب وقت لانها اصبحت مجرد اصابة، لا تمس القلب بأى سوء، وهننقله لأوضة عادية بعد شوية وتقدروا تشوفوه
تنهدت بأرتياح شديد يجتاحها، فتمتمت بأمتنان:
شكرًا جدًا يا دكتور
اومأ الطبيب بأبتسامة هادئة ثم استدار وغادر على عقبيه..

وبعد نصف ساعة تقريبًا تم نقل عمر لاحدى الغرف العادية، وبالطبع كانت شهد ونادى ومحسن ومسعد بجواره، ما ان دلفوا للغرفة، حتى قال مسعد بصوته الاجش لعمر:
الحمدلله على سلامتك يا ولدى، كدة تجلجنا عليك
ابتسم عمر بخفة، ثم اجابه بخفوت:
الله يسلمك يا خال، كنت بأشوف معزتى عندكم بس.

قال كلماته الاخيرة وهو ينظر لشهد التي كانت تقف في اخر الغرفة تتأمله بشرود، وكأنها حتى الان غير مصدقة انه اصبح معها، فيما ردد كلاً من محسن ونادى الامنيات بالشفاء لعمر والحديث العادى على محور الحياة، حتى اردف محسن بجدية ل مسعد:
طب يلا يا خال روحوا انتم ارتاحوا كفاية عليك إكدة عشان ماتتعبشي بجا يا خال
هز رأسه نافيًا وهو يتشدق ب:
لآآه، ماهمشيشي من هنا من غير بتى وجوز بتي
هز عمر رأسه ثم اكمل بهدوء:.

لا حضرتك اكيد بقالك كتير وتعبان، روحوا ارتاحوا يلا
فقالت شهد متدخلة لتؤيدهم:
ايوة يا خالو، الاجهاد غلط على صحتك
اومأ مسعد بأستسلام، ثم هتف بتساؤل جاد:
مين هايجعد طيب؟
اجابه محسن مسرعًا بهدوء:
انى هاجعد مع شهد، والرجالة برة متجلجشي
اومأ موافقًا بهدوء ثم إتجه للخارج مع نادى، عائدين للمنزل بخطى مرهقة..
فيما تنحنح محسن لشعوره برغبتهم في الانفراد ببعضهم بهدوء:
انا هأروح اجيب اكل اكيد هتاكلوا.

اومأ عمر بهدوء، فأتجه محسن للخارج، وشهد كما هي لا تتحرك، فقط تتأمله تشبع رغبتها في التمعن لقسمات وجهه، فنظر لعينيها، ذاك البحر الذي يذيبه، وهمس بصوت شبه جاد:
شهدى، تعالي قربي، عايزك جمبي
لم تقدر على تحديد شعورها في هذه اللحظة، شعرت بكم مشاعر متخبطة تجتاحها، الاشتياق لكلماته، والفرح، والحزن على ذاك اليوم الذي كان من اسوء ايام حياتها، والخوف، الخوف من تكرار ما حدث..

اقتربت منه بخطى مرتبكة، جلست على الكرسي المجاور للفراش، ولم تنظر له، فمد يده بصعوبة، تحامل على شعوره بالألم بسبب الاصابة، ومد يده يرفع ذقنها لتنظر له، فشعوره بالأشتياق لها اقوى الان، غمغم بخفوت وهو يهز رأسه نافيًا:
لا، تعالي اقعدى هنا
ثم اشار بنظره على الفراش بجواره، واكمل بهمس مشتاق:
في حضني.

توردت وجنتاها بخجل، ونهضت بخفة تجلس على الفراش بجواره، ليلف يده حول خصرها يحيطه بأبتسامة تملكية سعيدة، فيما كانت شهد مازالت شاردة بعض الشيئ، فشدد على ضمها بخفة وهو يقول مداعبًا:
مالك يا حبيبتي، سرحانة ف مين
اجابته مسرعة دون وعي:
فيك، حاسه انى باحلم وانك لسة في الغيبوبة مش معايا.

وجه نظره لشفتيها المنتكزة الكرزية برغبة واشتياق ونظرات متيمة بعشقها، نظرات اربكتها وجعلتها حمراء كحبه الطماطم، فقال عمر بخبث:
ممكن اثبتلك انك مش بتحلمى بس بطريقة تانية
لم يعطيها فرصة لتعترض او تسأله او تندهش حتى، وابتلع كلماتها بين شفتيه، يبث لها شوقه لها ورغبته المميتة فيها، يؤكد لها بطريقته الخاصة انه معها! وكانت مستسلمة هي، فهي تشتاق له الضعف..

ابتعد عندما شعر بالألم يزداد بمكان الاصابة، وبحاجتهم للهواء، نظر لها وقال وهو يلهث:
لسة مش مصدقة بردو
لم تستطع الرد واكتفت بالصمت والنظر للأرضية الرخامية بخجل، مما جعله يبتسم بتسلية ويمتع عينيه بالنظر لها وحدها..!

كان فارس وحاتم يجلسوا في السجن، وسط اناس لم يعرفوهم بحياتهم كثيرًا او يقتربوا منهم لهذا الحد، يقيموا معهم في مكان واحد، غريبة بعض الشيئ ان يجتمع افراد عائلة مهران المعرفة ببعض الاناس اقل ما يقال عنهم انهم بقايا افراد المجتمع، تظهر بعض الندبات على وجههم، روائحهم كريهه مقززة، ملابسة تكاد تكون ممزقة، الارضية نفسها لا تشجعك على الجلوس عليها اطلاقًا، كان فارس يفرك يديه بتوتر وهيستريا، ثم صاح ف حاتم بتساؤل مرتعد:.

هانعمل اييية ها هانعمل اية
اطلق حاتم زافرة قوية قبل ان يجيبه بحيرة:
مش عارف، عمرى ماحطيت ف حساباتي كل إلى حصل، حتى المحامى اتقبض عليه ف قضية اختلاس
جز فارس على اسنانه بغيظ، وعاد يقول بنبرة غليظة:
يعني اية يعني هنقضي باقي عمرنا في السجن ولا اية
هز حاتم رأسه نافيًا، ثم اردف بشرود:
اكيد لا هاتصرف بس سيبني افكر
اومأ فارس ثم غمغم بسخرية:
فكر يا عمي فكر فكر يلا.

تقوس فم حاتم بشبح ابتسامة شيطانية وهو يقول بصوت اشبه لفحيح الافعي:
تقريبًا كدة عرفت بس ياريت ينفع
نظر له فارس بلهفة، ثم قال متساءلاً بترقب:
اية اية قول بسرعة؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة