قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثاني والخمسون

صاح هادرًا وهو ينظر لمحسن بالغة، جدية اجبرتهم على اعتقاد عدم رغبته في إتمام زيجة شهد وعمر، لم يكن منهم سوى الصدمة التي حددت ملامحهم بوضوح، بينما تسللت الأبتسامة الهادئة لتزين وجهه المتعرج، ثم قال بحنان لشهد:
يلا روحي جهزى نفسك يا عروسة.

إرتفعت نبضات قلبها، اصبح يخفق بعنف، وشحب وجهها الملائكي لمجرد تخيل أنها لن تعود لحبيبها ووالد طفلها، كانت عيناها متعلقتان بعيناه الذين بدوا صامدتين سوداوتين كظلام الليل الموحش، كانت تبحث عن نظرات تطمأنها ولو قليلاً..
رمق الخال عمر بنظرات هادئة ثم قال بحنان غير معهود منه تجاه عمر:
وانت يا عريس روح جهز نفسك عشان كتب الكتاب بكرة والفرح بليل.

تهللت أساريره وأنفجر ثغره بأبتسامة سعيدة، حالمة، رغم ارتفاعها لم تعبر عن ولو كم صغير من أطياف السعادة التي غمرته، كان قلبه يطرق الطبول على دقاته، بينما همست هي بعدم تصديق:
بجد، بجد يا خال؟
اومأ بأبتسامة صافية، لتنطلق راكضة له كالفراشة المحلقة من شدة سعادتها، ثم احتضنته وهي تقول بأمتنان:
ربنا يخليييك لينا يارب، شكرًا اووى يا خالو، شكرًا اوووى اووووى بحبك جدًا.

قهقه بسعادة على سعادتها، فما يغمرها يغمره، مسح على شعرها برفق، وراح يقول بخبث غير معتاد:
مش تجولي انك واجعة للدرجة دى
كست الحمرة وجنتاها، ونظرت للأسفل بخجل، في حين أكمل هو بأبتسامة:
ربنا يهنيكم يا بنيتي، ويرزجكم الذرية الصالحة يارب
ردد الجميع خلفه آمين بفرحة، كلماته وقراره لم يدخلوا السرور على قلب هذان العاشقان فقط، بل جعل السعادة رايتهم الوحيدة في هذا القصر الكبير
أبتسم محسن بهدوء ثم عاد يقول بثقة:.

كنت متأكد انك هتاخد القرار الصح يا خال، طول عمرك حكيم
لم يعرف ماذا يقول عمر، وكأن اسنانه احكمت القبضة على لسانه لتمنعه عن التفوه وكأنما توقفت عن العمل من فرط سعادتها، ولكنه همس بوعدًا جادًا:
مش عارف اقولك اية بس إلى اقدر اقولهولك انك مش هتندم ابدًا على قرارك ده طول منا عايش
اومأ خاله بتأكيد ثم قال بمزاح:
معلش بجا نزلتكم بس قولت لازم اعمل فيكوا المجلب ده.

ضحك الجميع بسعادة على مزاحه الذي تمنوا أن يطيل ويطيل لأيام، وربما للأبد ولكن يترك اثرًا واضحًا على نفسه الصارمة يلينها ولو قليلاً.

شعرت انها سقطت في دوامة قوية لا تنتهي تكاد تعتصرها من شدتها، كل شيئ مهزوز من حولها، اجتاحها شعور قوى بالغثيان وعدم السيطرة على نفسها، كلمات السيدة التي من المفترض أن تكون والدتها نزلت عليها كالسوط لتجلدها دون ادني رحمة، تلقلقت الدموع في أعينها على الفور، ولكنها لن تسمح لها أن تهبط هذه المرة، لن تكون ضعيفة بعد الان، فتحت الباب فجأة لتدلف، وقد إرتسم الجمود على ملامحها ليخفي قسمات وجهها الملائكي، أنتفضت والدتها ذعرًا، ثم سألتها بتوجس:.

ف في اية يا رضوى!؟
أبتسمت بسخرية مريرة، ثم رفعت اكتافها وقالت بلامبالاة مصطنعة:
لا خالص، كنت بسألك هاتكلي معايا ولا لا يعني؟
اومأت والدتها سريعًا، لتتجه رضوى للخارج دون أن تتفوه بشيئ اخر، بعدما لعبت على أعصابها ببرود ولو قليلاً مثلما كانت تفعل بها هي منذ ولدت..

تنفست الصعداء وهي تضع يدها بجوار قلبها وكأنها تتأكد من استمرارية النبض، كان سينهار جليد التخطيط الذي كانت تعيش من اجله، امام شعلة واحدة مفاجئة من رضوى..
بينما كانت رضوى تهوى على الأريكة بحمل جسدها، تتنهد بعمق تنهيدة حارة تحمل بطياتها الكثير من الألم والمشاعر المختلطة، لم يخطر ببالها سوى شخصًا واحدًا، هزت رأسها مؤكدة بما قد توصل له عقلها الذي عاد يشتغل لتوه..

نهضت بسرعة ثم أمسكت بهاتفها الموضوع على المنضدة الصغيرة واتصلت بأحدى الارقام ثم وضعته على اذنيها منتظرة الرد بلهفة، وبعد ثوانٍ اتاها صوت رجولي أجش قائلاً:
الوو سلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله، ازيك يا استاذ وحيد؟
بخير الحمدلله يابنتي
كنت عايزة اتكلم مع حضرتك بخصوص وصية بابا الله يرحمه
انا وريتها لوالدتك من بدرى
آآ ممم انا عارفة بس ضرورى اقابل حضرتك في اقرب وقت
تمام تمام انا فاضي بكرة الصبح.

طيب، هأتصل بحضرتك بكرة الصبح وشكرًا جدًا ليك
الشكر لله، مع السلامة يا بنتي
مع السلامة يا عمو
أغلقت وألقت الهاتف بعنف، ثم أطلقت زافرة قوية علها تعبر عن جزء بسيط من كم الغضب الهائل الذي يشتعل بداخلها، الكارت الوحيد الذي كانت تستخدمه وتصمت رغم اهانتها هو حقها عليها كوالدتها، ولكن، من الان لم يعد هناك ضعف امامها، هناك قوة وجبروت ترتعد منه رغمًا عنها فقط.

أنطلق شهاب كالسهم من القوس بإتجاه هذا الذي يدعي محمود، الذي تجرأ وتعدى كل الخطوط الحمراء، تجرأ ومس زهرته الجميلة بسوءٍ او ربما أنتشلها من مكانها من الأساس، كان وجهه أحمر بشدة من كثرة الغضب، عيناه السوداء توحي بظلمة غاضبة حاقدة مشتعلة ستحرق من يقف امامها حتمًا، يسرع بخطواته قدر ما استطاع ليعجل من القبض على رقبة هذا الحقير الخائن للأمانة..

وصل امام منزله ثم ترجل من سيارة الأجرة بسرعة، وألقي بالأموال ليهم بالركض للداخل دون أن يأبه بأى شخص، طرق الباب بعنف لدرجة أنه يمكن ان يُخلع بيده، فتح محمود الباب وهو يغلق ازرار قميصه القنطي الأسود وينظر للطارق ببرود، سرعان ما تحولت للهلع وهو يسأله بتوجس:
مالك يا شهاب في اية؟!

أجابة بأجابة واحدة يعجز اللسان عن قولها، أجابة تجبره على الصمت لأخر عمره، بل تجبر قلبه على التوقف عن النبض، ليعلن انتهاء حياته واخذ ثأره بأريحية ومهما كان العقاب..
طلقة مدوية خرجت من المسدس الخاص بشهاب وهو يرمق محمود الذي سقط صريعًا بنظرات قاتلة مثل الطلقة النارية تمامًا، اخترقت قلب محمود دون رحمة، لتنهي حياة واحدًا من أسوء رجال البشرية.

صباح اليوم التالي تسللت أشعة الشمس الصفراء لغرفة شهد، معلنة عن بدأ يوم جديد بسعادة جديدة، تدفئها بحرارتها، تغطي شعرها الذهبي لتعطيها مظهرًا جذابًا، يزيدها جمالًا فوق جمالها الخلاب، فتحت جفنيها بتثاقل وكسل، وبدأت تتململ في فراشها، ما إن فتحت جفنيها وعاودتها ذاكراتها بما حدث امس، تحسست بطنها بهدوء، وقد زينت الإبتسامة الحالمة ثغرها، نهضت ببطئ، واتجهت للمرحاض لتغستل وتؤدى فريضتها بأنتظام، كانت مستيقظة بسعادة غامرة على غير عادتها مؤخرًا، انتهت ثم صففت شعرها على شكل ذيل حصان ثم ارتدت احدى العباءات المنزلية، واتجهت للأسفل بخطي هادئة، لتجد الجميع يجلس على الإفطار يتناولوا الأفطار بشهية، أقتربت منهم بأبتسامة مرددة:.

صباح الخير، ازيك يا خالو
أبتسم خالها بهدوء، ثم اجابها بجدية:
صباح النور يا حبيبت خالك، اجعدى عشان نفطروا والمأذون هايجي، وزمان الناس بتفرش برة عشان الفرح بليل
قطب نادى جبينه متعجبًا ثم قال بدهشة:
كيف بالسرعة دى يابوى!
تنهد والده بقوة، ثم نظر له واستطرد بتوضيح:
عمتك ليها ورث في اراضينا وارض ابونا، ده غير إن انا متكلف بكل مصاريف الجواز لحد ما تروح بيت چوزها واطمن عليها، دى بنت الغالية مش اى حد.

أبتسم عمر بفرحة داخلية من موقف خالها وهذه الموافقة السريعة، بل سيقيم الفرح وليس كتب الكتاب فقط، يا الله كم كان الحظ يحالفه، ولكن أردف مستنكرًا:
بس ازاى ده يا عمي، انا بيتي موجود في القاهرة، والحمدلله معايا فلوس تقضي اني اتكلف بمصاريف فرحي زى اى عريس وعروسة
أجفل الخال ثم قال حازمًا:
انت وشهد زى ولادى، انا خلاص جولت إلى انا عايزه، فوتكم بعافية بجي اروح اجهز كل حاجة.

ابتسم عمر بهدوء، واجبرته عيناه على النظر لمعشوقته التي كانت تود أن تطير بأجنحتها محلقة على ارض قلبه بسعادة ليمتزجوا معًا احتفالاً بزواجهم للمرة الثانية ولكن بأختلاف..
تمر الساعات ويسدل الليل ستائره وظهر القمر لينير الأرض بخفوت وينير معه قلوب العاشقان اللذان ينتظران هذا المساء بفارغ الصبر..

تم تحضير كل التجهيزات على أكمل وجه وبسرعة فائقة، والاتفاق على الاقامة في غرفة شهد هذه الليلة ويسافران في الغد عائدين للقاهرة، كما طلبت زوجة خال شهد بعض فساتين الزفاف لتنتقي منهم احلاهم، الفستان الأبيض الذي تحلم به اى فتاة، كانت تقف امامه في غرفتها تنظر له بشوق وقد تلقلقت الدموع الفرحة في عيناها، آآه كم كانت تتوق لإرتدائه لحبيبها وزوجها كأى فتاة، أصدرت انينًا خافتًا وهي تتحسسه ببطئ وبأصابع مرتعشة، وحال عمر لا يختلف عنها كثيرًا، بل كان الشوق اضعاف الاضعاف بداخله لها، مر الوقت سريعًا، وبدأ الزفاف الأسطورى الذي أقيم لهم، ونزلت شهد بفستانها الأبيض الذي كان ضيق عند منطقة الصدر مُطرز بفضة، ينزل للأسفل لأوسع بطبقتين سميكتين، يُبهر من يراه، وشعرها منسدل على ظهرها، وترتدى تاجًا ابيض اللون ليجعلها مثل الملائكة، متأبطة ذراع خالها، ظلت عيناه متعلقة بها، وقلبه يخفق بعنف، ها هي حبيبته بعد دقائق ستصبح له وللأبد مرة اخرى، ود لو استطاع ان يركض ويحتضنها ليخبأها بأحضانه ويختلع أعين كل من ينظر لها بأعجاب، كلما اقتربت منه كلما التهبت نظرة الشوق والرغبة في عيناه لها، تأبطت ذراعه والخجل يكسو ملامحها، سارا متجهين للمنضدة التي يجلس عليها المأذون، اقترب من اذنها هامسًا بعشق:.

انتِ ازاى حلوة اوووى كدة.

نظرت للأسفل بخجل، كلماته تؤثر عليها بشكل يجعلها مضطربة تلفت الانظار من شدة ارتباكها، ولا تعلم أن خجلها يفعل به اكثر من ذلك، يثيره اكثر ويزيد رغبته بها اكثر واكثر، بدأ كتب الكتاب وبالطبع كان خالها وكيلها، وها اخيرًا قد تحقق ما ارادوه، وعطف القدر عليهم ليعطيهم ما ارادوه، بعد كم هائل من المشاكل والعذاب، انتهي كتب الكتاب وتعالت الزغاريد السعيدة، وقد اُعلنت زوجته امام الجميع، وبدأت فرحتهم الاساسية، كان يود عمر أن ينهي كل هذه الاحتفالات ويأخذها ويختفيان عن الأنظار، انتهي الفرح بالفعل ليحمل شهده بين ذراعيه المفتولتين بخفة، بينما وضعت هي رأسها بحوار قلبه بخجل شديد، تسمع ضربات قلبه المضطربة من قربها، دلف بخطي واثقة ليضعها على الفراش بهدوء، ثم اخذ ينظر له بعشق، بينما هتفت هي بخفوت:.

ممكن نصلي مع بعض، احنا قبل كدة ماصليناش، خلينا نصلي وابننا معانا
اومأ بتأكيد، ثم نهضت هي لتقول بهدوء يشوبه بعض الحرج:
طب يلا عقبال ما اغير الفستان روح انت غير ف الحمام ومتخرجش دلوقت
ضحك بخفة على خجلها، ثم قطب جبينه قائلاً بدهشة:
انتِ لسة بتتكسفي مني بعد ده كله يا شهدى.

اومأت بخفوت وهي تنظر للأسفل بوجنتا أشعلتها حمرة الخجل، سيطر على نفسه بصعوبة وإتجه للمرحاض كما قالت له، لتبدل هي ملابسها بقميص نوم من اللون الأحمر ضيق يبرز مفاتنها، ثم فردت شعرها الذهبي على كتفيها، ثم ارتدت الإسدال الخاص بالصلاة، لتأذن له بالخروج، لتدلف هي لتتوضأ، بدأوا يصلوا وعمر إمامها، كان يخجل من نفسه بشدة، فالمرات التي صلي فيها تعد على الأصبع، انتهوا من الصلاة وعمر يدعي الله ان يوفقهم في حياتهم، حملها بخفة للفراش، ثم وضعها عليه برقة، وفك طرحتها، وجعلها تخلع الإسدال، لتظهر فاتنته وترى الإنبهار في عيناه السوداء، هجم على شفتاها بشغف ينال منهم أسمها الشهد ويغرقا في عالمهم، عالم هي ملكة فيه على عرش قلبه معلنة بدأ سيطرتها من جديد على قلبه.

صباحًا..
وصلت رضوى لإحدى الكافيهات على النيل، بعدما نزلت من المنزل بصعوبة وهرب، بعدما اخبرت والدتها انها سترى صديقتها ولكن تتأخر، وبعد إلحاح شديد وافقت على مضض، لترتدى ما ظهر امامها وتنزل بسرعة، فهذه مسألة حياة او موت بالنسبة لها، اقترب من احدى المنضدات الذي يجلس عليها رجل كبير بالعمر، تظهر كبره بعض الخصلات البيضاء وتجاعيد وجهه الأبيض، اقتربت منه وهي تجلس على الكرسي امامه ثم هتفت بجدية قائلة:.

ازيك يا عمو وحيد
أبتسم بهدوء مجيبًا ببشاشة:
الحمدلله، ازيك انتِ ووالدتك ومها؟
اختفت الابتسامة على الفور، لتكمل بحنق:
عمو وحيد انت عارف اني مش بعتبرك بس المحامي بتاع بابا لكن كأب تاني ليا بعد موت بابا الله يرحمه
اومأ بهدوء ثم استطرد بحنان دفين:
ايوة يا بنتي وربنا يعلم اني بعد ما والدك وصاني عليك تحديدًا حبيتك اكتر
طمأنها كلامه، كأنه يحثها على قول ما تريد، لتقول بحزم:.

عمو وحيد انا عايزة اشوف الوصية والورث لو سمحت
لم يستطع الإجابة اذ وجدوا من يقترب منهم بصراخ حاد:
رضوووووى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة