قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثالث والخمسون

فزعت وإرتعش جسدها اثر الصدمة، ذاك الصوت الذي تعرفه جيدًا عن ظهر قلب، بل تعشقه ايضًا ويقع على مسامعها كالموسيقي الرومانسية الهادئة، ولكن ماذا يفعل هنا الان، وكيف سيفهمها؟
حمدت الله على تلك الشعيرات البيضاء لدى وحيد والتي تظهر كبر سنه، أقترب عبدالرحمن حتى اصبح امامهم تمامًا ثم نظر لرضوى نظرات حادة، وسألها بهدوء حذر:
مين ده!؟
لم يعطي وحيد فرصة لرضوى لتجيب، حيث هتف مستنكرًا:.

انت إلى مين وكنت بتزعق ليه؟
جز عبدالرحمن على اسنانه بغيظ، ولمعت عيناه بشرار، أستطردت رضوى مهدأه اياه لتهدأ من العاصفة القوية التي كادت تهب عليهم تدمرهم جميعًا:
ده عمو وحيد محامي بابا الله يرحمه
ثم وجهت نظرها لوحيد قائلة بأبتسامة مزيفة:
وده عبدالرحمن خطيبي يا عمو وحيد
اومأ وحيد برأسه بهدوء ولم يبعد ناظريه عن عبدالرحمن، ثم قال بترحاب:
طب اتفضل اقعد يابني.

إبتلع عبدالرحمن الغصة المريرة في حلقة، وأجبرته نظرات رضوى التي كانت عبارة عن رسالة ترجوه فيها أن يجلس ويمرر الأمر بسلام، ابعد الكرسي برفق ثم جلس، ثم قال موجهًا نظره لرضوى:
خير ان شاء الله، في اية بقا؟
تنهدت رضوى بقوة، ثم نظرت للنيل وأردفت بشجن:
عمو وحيد أنت عارف ان طنط نبيلة مش أمي صح؟

أطرق وحيد رأسه ارضًا، وعجز لسانه عن اجابتها ولكن تكفلت نظراته وهيئته بأجابتها، لتؤكد على ذاك الجرح بداخلها، رفع نظره وقال لها بهدوء:
ايوة عارف يا بنتي
اومأت بسرعة ثم سألته بلهفة:
طب ممكن تحكي لي كل حاجة، وازاى ماقالوليش!؟
كانت حدقتي عبدالرحمن متسعتين بصدمة باتت ظاهرة بوضوح على محياه، كانت كلماتهم كالسوط الذي ينزل عليه دون رحمة ولا يعطيه الفرصة ليستوعب حتى يفاجئه بالأخرى على التوالي..

بينما تابع وحيد بجدية وهو يتذكر:.

والدك كان متجوز الست نبيلة، وخلف منها مها، بس حس انه مش متطمن لنبيلة، ومش مرتاح معاها يعني، شاف والدتك الله يرحمها وحس انه بيحبها جدًا، انا اعترضت وقولتله ازاى انت واحد متجوز وتحب، قالي مش ذنبي ان الحب ده جه ومتأخر وانى غلطت في جوازى من نبيلة، وصمم انه يتجوز والدتك وراح اتقدم لها، ولأن والدتك ست محترمة رفضت انهم يتجوزوا في السر، وقالتله لازم تشوف مراتك لو موافقة يبقي على خيرة الله ولو مش موافقة يبقي ماقدرش اخدك منها، رشوان كان ممكن يعمل اى حاجة عشانها، بس ماقالش للست نبيلة وراح اتجوز والدتك، وبعد جوازه بأسبوع قال للست نبيلة، واعترضت وثارت وكانت هتطلب الطلاق، بس منعرفش اية إلى غير رأيها فجأة ووافقت، وسكنهم جمب بعض بس مش ف شقة واحدة، ومرت الأيام وجيتي انتِ نورتي الدنيا، بس ف المقابل راحت والدتك للي خلقها، ووالدك قرر انه مش هيعرفك ويخليكي تتربي مع اختك، روحتي عيشتي معاهم ونبيلة كانت بتعاملك كويس ادام رشوان بس، لكنه فجأة شافها بتزعقلك وبتضربك ولاحظ انها حنينة مع مها، مكنش متطمن عليكي معاها واكتشف ان عنده كانسر، يأس وملاقاش حاجة يعملها غير انه يكتبلك كل ورثه بأسمك يمكن يأمن مستقبلك، وساب لمها جزء بسيط، ولوالدتها ولا حاجة، وكان عارف انها مستحيل تسكت، ومات والدك بعد ما وصاني عليكي كتير لأنه كان قلقان من الست نبيلة جداا.

تلقلقت الدموع في أعين رضوى، الان فقط فهمت لما تعاملها بهذا الجفاء والقسوة، كانت تثبت قارب مها في بحر الحياة، وتهدم قارب تلك اليتمة ليغرق ويغرق وتطفو هي وابنتها فقط..!
كم من آآه ودت الصريخ بها ولكن كتمتها بداخلها حتى كادت تنفجر من الغضب والحزن والألم معًا..

وكأن عبدالرحمن أستطاع أن يستشف ما تشعر به الان بمهارة، ولكن السبب مجهول، أو يمكن لأن اسمها محفورًا بداخله كالوشم على قلبه، كلما جاءت عاصفة تربته شعر به ونظفه سريعًا..
فقال بصوت قاتم موجهًا نظره لوحيد:
طب يا استاذ وحيد نستأذن احنا.

اومأ وحيد برأسه دون أن يتفوه لينهض عبدالرحمن ممسكًا بيد رضوى، وكأنه يفعل ما فعلته مؤخرًا، ينقذها، والأعجب انها لم تبدى اعتراضها هذه المرة، او حالتها لم تسمح لها بالأعتراض من الأساس.

تحت أشعة الشمس الصفراء، معلنة بدأ يوم جديد بحياة جديدة وسعيدة لهم، كان عمر متسطحًا على الفراش وشهد تنام على ذراعه، يحتضنها بذراعيه كأنه يخشي اختطافها، ينظر لوجهها الملائكي يتمعن قسماته بنظرات عاشقة، نظرات ترغب التأكيد انها اصبحت معه وله للأبد، ذراعه الأسمر مع وجهها الأبيض يكونوا مزيجًا ذهبيًا رائعًا، كانت أنفاسه المضطربة تلفح بشرتها، بدأت تتململ وبدى على وجهها الضيق، اصدرت تأوه متألم، وبدأت تفتح جفنيها بتثاقل، لتقابل عيناه السوداء بنظرات قلقة، فجأة صرخت بألم، لينهض عمر مسرعًا وهو يسألها بلهفة:.

مالك يا شهدى في اية؟
كادت تبكي وهي تجيبه بصعوبة ووهن:
بطني وجعاني اووى مش قادرة
أصابه الهلع على الفور، جملتها جعلته كالمجرم يتلفت حوله خوفًا من قدوم الشرطة، ارتدى ملابسه بسرعة واقترب منها واضعًا يده على بطنها وهو يقول بقلق:
حاسه بوجع فين، قصدى يعني ازاى، قصدى حاسه بأية يعني يا شهد.

ضحكت من بين دموعها على توتره وقلقه المبالغ، لأول مرة ترى القلق في أعين شخص عليها هكذا، قدم لها زهرة بسيطة في عز ألمها، أبتسم بحزن ثم قال بتوجس:
مالك يا شهدى، حاسه بأية دلوقتي؟
وضعت يدها على بطنها ثم غمغمت بخفوت قائلة:
حاسه بطني وجعاني
أقترب منها ووضع يده تحت قدميها والأخرى اسفل ظهرها وهم بحملها إلا ان اوقفته بهمسها بهدوء:
خفت خلاص يا عمر
قطب جبينه بتعجب، منذ لحظات كانت تكاد تبكي والان شفيت تمامًا!

فجأة صرخت بأبتسامة قائلة بحماس:
عمر انا حاسه بيه جوايا
أبتسم عمر بسعادة ثم أقترب ووضع يده على بطنها ليشعر به هو الاخر، كم هو شعور رائع، معشوقته تحمل طفل منه، واصبحت الحياة كالزهرة المتفتحة امامهم، اجتاحه شعور بالفرحة، الحزن، ربما الحزن على السنوات التي اضاعها من عمره هباءًا، افاق على صوت شهد الهادئ وهي تقول:
عمر، روحت فين؟
مدد جسده بجوارها ثم احاطها بذراعيه يحتويها بحنان وهو يجيبها بمداعبة:.

بفكر في ابننا، لكن انتِ ليه قولتي ابننا مش بنتنا مثلاً
وضعت إصبعها على خدها كحركة تعبر بها عن التفكير، ثم تابعت بجدية:
يمكن لأني حساه ولد مش بنت
مط شفتيه بعدم رضا، ثم أقترب منها كثيرًا حتى لامس أنفه وجهها، هنا بدأ عداد الخطر ينذر لديها، واضطربت انفاسها واصبح قلبها يدق بسرعة رهيبة كالطبول العالية في الحرب، لدرجة أنها شعرت انه يسمع دقاته، بينما أكمل هو مشاكسًا:.

بس انا عايزها بنت، عشان تاخد عيونك وشكلك وتجنن الشباب كدة زى ما انتِ جننتيني
تزين ثغرها بأبتسامة هادئة، ثم داعبت انفه بأنفها وقالت بشوق:
لأ نفسي ف ولد شبههك كدة
لم يمهلها الفرصة لتبتعد وألتهم شفتاها بشفتاه بشغف وقد أحاط خصرها بيده ليحاوطها كالحصن، وتختلط انفاسهم كالجنود بداخلها سويًا..

بعد الإفراج، كانت مها تسير امام السجن بشرود ووجوم، ووجهها لم يختفي شحوبه بعد، مازالت الهالات السوداء تحت عيناها تعطي مظهر مقشعر للأبدان، كانت تسير بلا هدف، كأن قدماها من تحركها ولا تعرف أين ستأخذها، كانت تشعر بمزيج من المشاعر المختلطة، الحزن لإبتعادها عن كل من احبتهم، أم الفرح لأنها خرجت من هذه التهمة، ام القلق من رد فعلهم عندما يروها، فجأة وجدت يد كالحديد تقبض على ذراعيها بقوة، إلتفتت لتصطدم بأعين حادة كعين الصقر، اذ هو أحمد ينظر لها بقوة وتساءل:.

انتِ رايحة فين يا مها؟
حاولت إبعاد يدها ولكنه كان يمسكها بقوة، نظرت ليده نظرات تحذيرية لحركته، فهتفت بجدية:
احمد احنا في الشارع سيب ايدى
أبعد يده ولكنه مازال محتفظ بحديته، ولم تهتز له شعره واستطرد جادًا:
ردى عليا هتروحي فين دلوقتي
رفعت أكتافها ثم أجابته ببلاهة:
هأروح البيت اكيد يعني
جز على أسنانه بغيظ من هذا الغباء، ثم قال وهو يضغط على كل حرف بدقة:.

هاتروحي البيت وانتِ مش معاكى فلوس وتفتكرى اهلك هياخدوكى بالأحضان ولا اية؟
ظلمت عيناها كظلم الليل، وبدى وجهها أكثر شحوبًا، لم تخطر هذه الفكرة في عقلها ابدًا، لاحت في عقلها اخر صورة لوالدتها وهي تضربها بقسوة، إنتفض جسدها بخوف وكأنها مازالت تضربها الان، ثم استطردت بتشنج:
امال هأروح فييين يا أحمد
صمت لبرهه ثم أجابها بصرامة لاذعة:
عندى في البيت طبعًا
شهقت وهي تضع يدها على فاهها، ثم أضافت بتهكم:.

ليه شايفني فتاة ليل ولا اية
لوهلة ذكرته بما فعلته به وما عرفه عنها، كالصخرة التي دمرت موجته في لحظة، لتقسو عيناه البنية، ويمسك بذراعها بقوة ويجرها خلفه بإتجاه سيارته، دون أن يأبه بمناداتها المتكررة الغاضبة:
سيبني يا احمد ابعد عني اوعي اوعي
إتجه لسيارته وفتح الباب ثم جعلها تركب رغمًا عنها، واغلق الباب ثم توجه للباب الاخر وركب بخطي ثابتة.

كانت چودى تسير بخطوات مسرعة وهي تدلف للمطار تجر حقيبتها الجلدية السوداء خلفها، ترتدى ملابسها التي تكشف معظم جسدها كعادتها دون أن تأبه بنظرات من حولها الساخرة والراغبة والكارهه، كانت كالتي تهرب من شيئ ما، ولما لا فهي بالفعل تهرب ممن يرغب في الأنتقام منها، لم تكن هذه چودى التي لا تهاب اى شيئ وتدافع عن مركب حبها الممتلك الصغير، والان تركتها تغرق لتفر هاربة لشاطئ النجاة..

وصلت امام الشباك ومدت يدها بجواز السفر للرجل يتفحصه، اعطاه لها مرة اخرى وأبتسمت بسعادة فها هي قد تخطت اول مرحلة للنجاة..
فجأة قطع احلامها السعيدة يد قوية تخبط على كتفها بقوة، إلتفتت لتجد مجموعة من الضباط، خرجت منها شهقة مكتومة وهي تتساءل بخوف:
انتوا مين وعايزين اية؟
أخرج الضابط الكارنيه الخاص به مشيرًا لها ثم اجابها برسمية:
طه الجندى، ضابط مكافحة المخدرات
صمت برهه ثم سألها جادًا:
انتِ چودى سالم؟

اومأت بهدوء وهي تبتلع ريقها بصعوبة، ليكمل وهو يقبض على ذراعها بقوة:
معانا أمر بالقبض عليكي.

كان يقف امام احدى الرجال مفتولين العضلات ملامحة صارمة إجرامية، يرتدى زى كاللصوص، في احدى الاماكن الساكنة الذي يدوى الصمت فقط وصوت الأقدام فيها، ويقف هو بهيبته وغروره المعتاد، يضع يداه في جيب بنطاله الأسود، ينظر للرجل امامه بجدية، ثم كرر سؤاله للمرة الثالثة على التوالي بتوجس:
متأكد انك تقدر تعمل كدة؟
اومأ الاخر بتأكيد وهو يقول بصوت أجش:
طبعًا يا باشا، خليك واثق فيا.

اومأ بهدوء، في حين نظر له الاخر بطرف عينيه متساءلاً بعطف مصطنع:
بس مش حرام يا باشا ده لسة جنين
رمقه بنظرات حادة للغاية أسكتته، ليتابع هو بحقد بدى في عينيه بوضوح:
لأ مش حرام، ماهو مش بعد ده كله هسيبه يتهني ويخلف ويعيش عادى.

نهض عمر من فراشهم بتثاقل، حانقًا يرتدى التيشرت الخاص به وهو ينظر لشهد التي كانت تضحك بقوة، جز على أسنانه بغيظ وهو يقول بحنق:
خلاص يعني لازم تاكلي عنب دلوقتي
حاولت كتم ضحكتها، وهتفت من بين ضحكاتها بمرح:
ايوة ولا يرضيك ابنك يبقي فيه عنبه في قفاه؟
ضحك على جملتها وظل ينظر لها بسعادة حقيقية لأول مرة تغمره، كان كالملك الذي توج لتوه على عرشه ثم أردف بمشاكسة:
لا انا تحت امر الواد وام الواد كمان.

القي لها قبلة سريعة في الهواء، ثم اشار بيده وهو يقول بخبث غامزًا:
هاجيب العنب وجايلك على طول يا ام حزمبل
شهقت على هذا اللقب وإتسعت حدقة عيناها بشكل كوميدى، ليضحك عمر ويسير متجهًا للخارج، هبط درجات السلم وهو يحمد الله على كل ما حدث، كان بالأسفل ووجد هاتف نادى يرن، كان يسير بجواره فأثار فضوله، قطب جبينه وهو يقرأ رقم المتصل، ثم همس بدهشة قائلاً:
اية ده، اية إلى جاب رقم مريم على تليفون نادى!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة