قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والخمسون

رواية مواجهة الأسد الجزء الأول للكاتبة رحمة سيد الفصل الثامن والخمسون

تقف كالصنم تمامًا محدقة بعمر الذي سقط ارضًا يتأوه من الألم، حدقتيها متسعتين بصدمة وفاغرةً شفتيها التب ترتجف بخوف، وتبلد جسدها، عيناها توحى ببشاعة الصدمة التي رأتها، وكأن الزمن توقف عند هذه النقطة، سارت سفينة ايامهم السعيدة عكس رياح السعادة لتُدمر وتغرق فجأةً!

صمت، صدمة، سكون، وأطلقت صرخة مدوية خرجت من أعماقها المتألمة، تحول سكونها لهيستريا مرتجفة وهي تركض نحوه ثم جثت على ركبتيها تضرب وجنته بخفة وهي تقول بشهقات متتالية:
لا عمر لا اوعّ اوعى تسيبني، عمر ق قوم
هبطت دموعها من عينيها اللؤلؤية، ليشعر بسخونتها على بشرته، اخذ يتمعن النظر لبحر عينيها العميق، يتنفس بصعوبة شديدة، ملابسه مغطاه بدماؤوه، وخاصةً عند منطقة القلب ، هتف بوهن وهو يكاد يغلق عينيه:.

ش شهدى، انا آآ بأحبك اوى
هزت رأسها نافية بهيستريا، وهي ترى عيناه الحمراوتين تغلقان، هزته كأنه تنهره على شيئ ما بصراخ:
لا لا انت مش هاتسيبني، يااااااارب
في نفس اللحظات كان الجميع من حولها، ألجمت الصدمة لسان الجميع واولهم خالها الذي صُعق من مظهر عمر، وافاق من صدمته سريعًا قائلاً لمحسن بصوت آمر:
اطلب الاسعاف بسررررعة
شهقت زوجة خالهم بصدمة وحزن مرددة بجزع:
يا حبيبي يابني، ربنا يقومك بالسلامة.

ركض محسن مهرولاً للداخل، بينما كانت شهد محتضناه وتبكي بقوة ونواح، جزء من داخلها يكاد يهرب من بين يديها للأبد، لم تراه ضعيف هكذا من قبل، وكأن لسانها يردد دون إرادة منها بتصميم:
لأ انت هاتعيش وهانربي ابننا سوا
جاء محسن بسرعة وهو يلهث ثم قال:
اتصلت وخبرتهم، بس رأيى انهم ممكن يتأخروا، احنا ممكن ناخده بالعربية على اجرب مستشفى احسن.

اتكئ بجزعه قليلاً للأسفل ووضع يده بجوار رقبة عمر ليستشف إن كان على قيد الحياة ام لا، ثم نظر لهم قائلاً ببعض من الأرتياح:
لسة عايش الحمدلله بس النبض ضعيف
اومأ الخال، ثم اقترب كلاً من محسن ونادى وحملوا عمر برفق ثم وضعوه في الكرسي الخلفي للسيارة، وشهد خلفهم ركبت لتضع رأس عمر على فخذيها، وركبوا هم وانطلق محسن لأقرب مستشفى، يتبعهم خالهم في السيارة الاخرى على عجلة من امرهم.

وسط اربعة جدران، سجن قديم هش، يجلس هو على الأرضية، يضم ركبتيه إلى صدره، شارد الذهن، ووجهه واجم، طال شعره الكثيف الأسود، وظهرت ذقنه لتعطيه شكل مثير للشفقة، عيناه محدقة بالفراغ، وعقله يذكره بكل ما فعله في حياته، صورته وهو يكذب على الفتيات ويخدعهن ويأخذ منهم كل ما يملكن تجسدت امامه صور شربه للخمر، الزنا، النصب، واخيرًا، اغتصاب شقيقته وقتله لمحمود، كأن عقله تعمد أن يُذكره ليثبت له ان كل ما هو فيه ليس إلا جزاؤوه، يعقاب على كل ما فعله، حتى حبيبته الوحيدة رضوى التي احبها لم يستطيع التعبير لها عن حبه الأنانى بصورة طبيعية، حياته كلها مُدمرة تمامًا، شعر بالدوار من كثرة التفكير، عيناه السوداء الهائمة تجعلك تشعر كأنه على حافة الموت، ولما لا؟!

بالفعل تم الحكم على شهاب بالأعدام، أبتسم بسخرية مريرة، ثم خفض رأسه لينظر على بدلة الأعدام الحمراء، اصبح يمقت اللون الاحمر في اخر ايامه، بالرغم من كل ذلك الا انه يشعر ببعض الراحة، ربما لأنه سيتلقي عقابه في الدنيا، ليخفف عنه الله في الاخرة، تنهد بقوة وهو يحدث نفسه بتهكم:
وانت كنت مستنى اية بعد ده كله
صمت برهه ثم أكمل:.

كنت مفكر انك بعد ده كله هاتعيش حياتك عادى وهاتتجوز الطاهرة العفيفة وتخلف قطاقيط حلوين!
ضحك بسخرية ولكن بصوت اعلي هذه المرة، ثم مدد جسده على الأرضية الباردة، واغلق جفنيه عله يمنع تلك الصور التي تتجسد امامه من ملاحقته، ثم همس وهو يجبر عيناه على النوم الذي لم يعرف طعمه منذ ايام:
سامحني يااارب سامحني.

كانت رضوى تقف امام المرآة الخاصة بها في غرفتها، وشعرها البني منسدل على ظهرها، تضع بعض من الملع على شفتيها المنتكزتين، وكحلت عينيها السوداء ليعطيها مظهر جذاب، بمنامنتها الحمراء التي كانت عبارة عن بنطال ضيق إلى حدًا ما والتيشرت النصف كم، تطالع نفسها في المرآة وعينيها تلمعان بسعادة شديدة، تهندم نفسها كالعروس لزوجها، وما المانع إن كان بالفعل ستصبح زوجته غدًا، غدًا، تتمنى أن تنام وتستيقظ لتجد نفسها في الغد، لأول مرة تتمنى ان يمر الوقت سريعًا، تشعر بقلبها يدق صخبًا كأحدى الحفلات السعيدة تقييم به، بالفعل تشعر انها تحتفل ويحتفل هو بأنتصاره الأبدى، تسللت ابتسامة حالمة لتزين ثغرها لتعطيها جاذبية اكثر، استدارت وإتجهت للخارج بخطى هادئة، حتى وجدت نبيلة تجلس على الأريكة بهدوء تشاهد التلفاز، تنهدت رضوى بقوة قبل تهتف بهدوء حذر:.

طنط نبيلة
نظرت لها بطرف عينيها ثم اجابتها بنزق:
اممممم احكى يا حبيبة طنط
اقتربت منها رضوى حتى اصبحت امامها تمامًا، لتتفحصها نبيلة بعينيها كالصقر، لمحت رضوى السخرية في عينيها، وكادت تتفوه بشيئً ما حتى قاطعتها نبيلة بتهكم واضح:
اية إلى انتِ عاملاه ف نفسك ده، للدرجة دى فرحانة كدة!

قالت جملتها وهي تشير لها من اعلاها إلى امحص قدماها، ربما كانت تخفي غيظها الذي ان خرج يكاد يأكل اى شخص امامه خلف هذا القناع الساخر، بينما رمقتها رضوى بغيظ قبل ان تعقد ساعديها وهي تقول ببرود ظاهرى:
عاجبني انا يا طنط، واه مبسوطة جدًا
رفعت نبيلة كتفيها بلامبالاة ثم قالت بصوت أجش:
مش موضوعنا، انتِ كنتِ عايزة اية؟

اقتربت رضوى تجلس بجوارها، ثم مدت يدها لتتناول من اللُب الذي كان موضوع على المنضدة، ثم وضعته في فاهها قائلة وهي تنظر لنبيلة:
اه صحيح يا حبيبتي، كنت عايزة اسألك انتِ اتصلتي بكل قرايبنا تعزميهم ولا لا؟
جزت نبيلة على أسنانها بغيظ، كلما تذكرت أن سفينتها التي جعلتها ترسو على شاطئ الحياة بعد عناء، تحركت لتغرق بسهولة هكذا تشعر بالشياطين تتقافز امامها، أفاقت من شرودها وهي تقول بغيظ:
اه اتصلت بيهم.

أبعدت رضوى خصلات شعرها عن عينيها ثم نظرت لها وقالت متساءلة بتأكيد:
وقولتى لخالو مسعد؟
اومأت نبيلة بهدوء وهي تسخر بداخلها:
خالو مين ان كان انا مش امك
عادت تسألها رضوى مرة اخرى:
وشهد؟، قولتى لشهد ومحسن ولا قولتى لخالو مسعد بس
مطت نبيلة شفتيها بعدم رضا، ثم قالت بلامبالاة:
قولت لمسعد وهو اكيد هيقولهم
تأففت رضوى بضيق، ثم قالت بحنق:.

طب ما تقوليله يجيبهم معاه، ولا دول مش ولاد اختك يعني ولا عشان امهم ماتت، وإن كان، دول زى ولاده هو على الاقل!

كانت شهد تجلس على احدى المقاعد امام غرفة العمليات، تقدم جسدها للأمام وتضع وجهها بين راحتي يدها، ولم تستطع منع صوت شهقاتها من الصدور، شعرها الذي كام مهندم منذ دقائق اصبح متناثر على وجهها الأبيض الذي ازداد احمرار من كثرة البكاء، وجسدها ينتفض بقوة كلما تذكرت استكانته بين يديها، وكان محسن يقف بجوارها يتبعه مسعد ونادى، التوتر والصدمة الجامحة يشوبان المكان، الاجواء محملة بالخوف وسط بكاء شهد الذي يقطع نياط القلب، اقترب محسن منها يربت على كتفها برفق، ثم هتف بخفوت:.

شهد اهدى مينفعشى كدة يا حبيبتي
ابعدت يدها ونظرت له، فوجئ بوجهها الشاحب، وعينيها الحمراء المبللة بالدموع، وشفتيها الزرقاء المرتجفتين من الخوف، خفق قلبه بحزن على زهرته التي كانت متفتحة مسبقًا، لتزمجر هي فيه:
عايزنى اهدى ازاى يا محسن وجوزى بين الحياة والموت جوة
اطرق رأسه بأسي، قبل ان يكمل برجاء:
طب على الاجل عشان خاطر إلى في بطنك دِه ملهوشي ذنب.

أغمضت عينيها بألم واطبقت على جفنيها بقوة، وآآه من طفلها الذي لم يُولد، جملته لم تصيب المكان الصحيح، جعلتها تشعر انها تفتقده وبشدة كلما تذكرت ذاك الطفل الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، أصابها بمقتل شعورها ان طفلها سيولد دون أب!
لا لا سيصبح بخير تمامًا..

قالت لنفسها هكذا بأصرار وهي تنهض لتقف امام الغرفة، ثم نظرت من خلف الزجاج لتجده جثة هامدة تمامًا، والأطباء يحيطون به من كل الجهات، لم ترى سوى وجهه الذي هرب الدماء منه، ملست على هذا الزجاج اللعين الذي يمنعها عن زوجها وحبيبها بإشتياق، ولاحت نظرة الحزن والضعف الأفق في عينيها البنية، لم تراه ضعيف ومتهالك هكذا من قبل، ولا تريد أن تراه ابدًا، حتى وإن كان يمارس قوته عليها، اقترب منها خالها هذه المرة يحاوطها بذراعيه قائلاً بصوت اجش:.

حبيبتي انتِ مؤمنة بجضاء ربنا صح
اومأت شهد ونظرها معلق بعمر، ليتابع هو بهدوء قائلاً:
يبجي تدعي له وتهدى إكدة عشان اكيد لو كان معانا دلوجيتي كان هيزعل على حالك دِه
حاولت التمالك قدر المستطاع وهي تومئ موافقة، ليقول خالها بتمني:
خليكِ واثجة ف ربنا وهو مش هايخيبك ابدًا
غمغمت هي بألم يتملكها مرة اخرى:
كان قلبه حاسس، كان بيتكلم بغرابة الصبح.

صمتت لثوانٍ تتذكر لتنهمر الدموع من لؤلؤتيها مرة اخرى، لتستطرد بلوم لنفسها:
كنت مستغربة كلامه بس دلوقتي فهمت، انا إلى غبية عشان مخلتهوش جمبي
هز رأسه نافيًا ثم قال مسرعًا بوهن:
ده جضاء ربنا يا بنيتي.

وفي الهدوء، كانوا في احدى المطاعم الشهيرة الفاخمة، مكان كبير نظيف على منضدة متوسطة، تحاوطهم الشموع ويغطيه الضوء الخافت، مزينة بشكل مُبهر، تجلس مها التي لم تختفي الابتسامة من على ثغرها وهي تضع يدها اسفل ذقنها، تنظر لأحمد نظرات سعيدة، حالمة، وكان احمد يبادلها النظرات العاشقة، ولكن يشوبها نظرات متأسفة إلى حدًا ما، تجهل هي سببها..
قطع احمد حديث الأعين وهو يتنحنح قائلاً بهدوء حذر:.

اية يا مها كُلي يلا بقا عشان نمشي
قال ذلك وهو يشير للطعام الموضوع امامهم بتنظيم، لتومئ هي بأبتسامة:
منا باكل، كل انت كمان
أمسكت بالملعقة لتضع الطعام في فاهها علها تدارى احراجها، سمعت احمد يقول بغموض لأول مرة تلحظه في نبرته:
مها هو انتِ لو لاقيتي حاجة ف حياتي متعرفيهاش، هاتفضلي موافقة صح؟
رفعت رأسها لتقابل عينيه السوداء، ثم سألته بأستفسار:
ع حسب اية هي الحاجة دى؟

تنهد بقوة قبل أن يترك الملعقة ويقول بصوت قاتم:
حاجة كنت هأعملها بس انتِ ظهرتى تاني فجأة ف حياتي
دق قلبها بخوف، وهددت حصونها بالأنهيار، لتردف بتوجس:
ما تقول يا احمد اية دى، ليه كل الألغاز دى ف كلامك!؟
هز رأسه نافيًا، ثم قال بصوت حازم:
كل حاجة بأوانها احسن.

عقدت حاجبيها بضيق، ما لبث أن مرت بضع ثوانٍ لتجد فتاة في العقد الثاني من عمرها، ترتدى بنطال جينز وتيشرت احمر نصف كم، تصفف شعرها الأسود بشكل منظم، وتضع بعض مساحيق التجميل، تقف امامهم وهي تنظر لأحمد هاتفة بدهشة:
اييية ده احمد انت هنا
حدقت بها مها بقوة، وهمست فاغرةً شفتيها:
انتِ مييين انتِ؟
لم تعطيها الفتاة اى اهتمام، بل ظلت ناظرة لأحمد الذي بدأ الارتباك يهز كيانه، لتكمل بنزق:.

طب ماقولتليش ليه كنت جيت معاك
هب احمد واقفًا بثبات مزيف، ثم إبتلع احمد ريقه بإزدراء، ثم همس بقلق:
معلش يا رودينا مرة تانية، روحى انتِ دلوقتي وهانبقي نتكلم
اومأت رودينا موافقة على مضض، ثم عانقته بأبتسامة قائلة بصوت مسموع:
Ok , see you soon babe، Love you so much. ( أراك قريبًا حبيبي، احبك جدًا )
غلي الدم في عروق مها، ثم نهضت وهي تصيح بها بحدة:
انتِ مين يا مجنونة انتِ.

ابتعدت رودينا قليلاً عن احمد، لتنظر لمها شرزًا، ثم قالت بحنق:
No no, this you, I will be his future wife. ( انا اكون زوجته المستقبلية ).

استمر الوضع كما هو عليه، شهد تنتظر بالخارج، تنتظر خبر بقاءها هي على قيد الحياة ام موتها، نعم، فموت عمر لن يهز كيانها فقط بل ليس من المستحيل أن تنتحر بعده، لم تتخيل الحياة من دونه يومًا، قلبها ليس بحمله بل معه بالداخل، واعدًا اياه ان لا يتركه اينما ذهب، والجميع من حولها يحاولون مواستها، وهم بالأصل خائفون وبشدة، واخيرًا خرج الطبيب بعد ساعتان تقريبًا من غرفة العمليات، كان طبيب يبدو عليه كبر السن، ركضوا يقفوا امامه بسرعة وامامهم شهد، ليبعد الطبيب الكمامة عن وجهه وقد بدى عليه الإرهاق، لتهتف شهد بلهفة:.

طمنى يا دكتور
اغمض عينيه بقوة، ثم قال مهدئًا اياه:
انتِ تقربي له اية؟
اجابته شهد مسرعة:
انا مراته، هو عامل اية دلوقتي؟
تابع مسعد متساءلاً بجدية:
خير يا داكتور اية إلى حُصل
نظر الطبيب لشهد بهدوء، ثم قال بغموض:
اهدى يا مدام، وكونى قوية وارضي بقضاء ربنا دايمًا
نظرت له بطرف عينيها، وهرب الدم من وجهها، وبدأت تتراجع للخلف بخوف رهيب، ثم عادت تسأله بهلع:
عمر حصله اية يا دكتور؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة