قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس

هذا تخريف، لا تنسى أنه إبني!
تحدثت قسمت والغضب يعصف بعينيها الشرستين، بينما وقف الأخير متحدثا في المقابل بلا مبالاة:
أعلم أنه إبنك يا قسمت، ولكن هو سيلوثك على آخر الزمان وسيتزوج من فتاة فقيرة، أفقر من أقل خادمة في القصر!، والحل هذا إن لم يعجبك هناك غيره!
أنت جننت بالتأكيد، تريدني أوافقك على قتل إبني؟، هذا إبني يا تيجان إبني، هل تفهم؟!
ضحك حينذاك بخبث دفين وراح يحاوط كتفيها بذراعه فيما يقول:.

هل صدقتِ؟، أنا أمزح معك يا حبيبتي، تيم ليس إبنك وحدك بل إبني أيضًا رغم سخافتهُ معي، كنت أختبر حنانك ليس أكثر!
تنهدت قسمت بارتياح وابتسمت بينما تقول:
صدقتك يا تيجان، الحمد لله!
ثم تابعت متسائلة:
ما الحل الثاني إذن؟!
لمعت عيناه بوميض خبيث ثم استطرد بجفاء:
نقوم بقتل الفتاة!
اتسعت عيناها بصدمة عارمة:
ماذا قلت؟
الذي سمعتيه!
ولكن، لكن، يا إلهي، قتل!

هذا هو الحل الوحيد يا قسمت، وهذا بدلا من أن تشاهد المملكة سخافة ابنك الملك وهو يتزوج تلك البلهاء!
ولكن يا تيجان هذا حرام!
قهقه ضاحكا متهكما عليها بشدة، ومن ثم استأنف من بين ضحكاته:
لأول مرة أعلم أنكِ تعرفين شيء إسمه حرام يا قسمت، أضحكتيني!
زفرت بحدة وهي تعتدل في جلستها بصمت، أما هو فتابع بجدية:
ما رأيك؟
فقالت بنبرة مهزوزة بعض الشيء:
افعل ما شئت، ولكن أنا سأبعد!
هذا من أجل إبنك يا قسمت، ثم إنكِ حُرة!

أنا لم ولن أقتل!
دعني أنا ولكن ستدعمينني في ذلك
تساءلت في ريبة:
كيف؟!
أجاب وهو يحوم حولها:
ستقولين ل تيم أنك موافقة على زواجه من هذه الفتاة، حتى يثق بكِ تمام الثقة، ثم أتحرك أنا.

جلست جلنار جوار شقيقها تيم، ثم قالت وهي تحاول تهدئتهُ:
اهدأ يا تيم، فضلا اهدأ قليلًا، أمي تقصد راحتك لكنك لم تفهمها.
نظر لها هُنيهة في صمتٍ قاسِ، ثم قال بعد لحظات:
أين راحتي التي تتحدثين عنها جلنار؟، أنا أريد أن أتزوج وهذا حقي، ممن هذا يخصني لا يخصها!
نعم أخي ولكن، سيكون هذا صعب جدًا علينا جميعا.
زفر بعنف ثم صاح:
يارب السماوات!، حتى أنتِ يا جلنار!
ربتت على كتفه وقالت:.

أخي أنا أريد سعادتك، لا تغضب مني أرجوك، لكن قل لي ما الذي أعجبك بهذه الفتاة؟
أجابها على مضض:
أعجبتني وكفى.
حسنا أخي، لن أضغط عليك، أنا تسعدني سعادتك فقط.
لاذ بهما الصمت لعدة دقائق، قبيل أن تردف جلنار بهدوءٍ:
هل سيقام حفل زفاف أم ماذا؟
فردُ نافيًا:
لا أريد حفل، أريدها فقط
متى ستتزوجها؟
غداً
ردت باندهاش:
غداً؟، بهذه السرعة؟
فقال:
ولمَ لا؟
مطت شفتيها بهدوءٍ ثم قالت:
انتظر لتتعرف عليها ولو قليلًا، تحدث معها!

واصل بجدية:
لقد تحدثت معها أكثر من مرة، أنا أعلم كيف تكون أعلم جيدًا.
أومأت برأسها إيجابًا، وتابعت:
حسنا أخي، زواجا مباركا إن شاء الله!

نثرت فنار قطرات المياه على وجه أيريس التي راحت في ملكوتٍ آخر وبدا أنها مُغيبة تمامًا عن الوعي، كانت تنهمر كأنهارٍ فوق وجنتاها وهي تقول بصوت متحشرج:
أيريس، استيقظي بالله.
وهناك في آخر الغُرفة جلست حليمة تلطم على فخذيها وهي تبكي حسرةً على من ربتها بكامل الرحمة والمودة والحب، ومن ثم أعطتها الثقة الكاملة بقلبٍ مُطمئن، فتفاجأت بأنها خذلتها وطعنتها بأحد سكين دون أن تشعر!

يا الله، حمدا لله على سلامتك يا أيريس، لقد انقلع قلبي عليكِ
هتفت فنار بهذه العبارة وقد غزت الابتسامة وجهها، ثم التفتت إلى أمها تُكمل بسعادة:
أمي، فاقت أيريس.
أشاحت حليمة برأسها إلى الجهة الأخرى وواصلت البكاء بقلبٍ منفطر، زفرت فنار بيأس وهي تعاود النظر إلى أيريس وتضع يدها فوق جبينها النديّ، جلست جوارها وهمست في حنوٍ:
هل أنتِ بخير أختي؟

لم تتكلم الأخرى إنما انفجرت باكية بشهقاتٍ متقطعة عالية، فاحتضنتها وهي تبكي واخطلت الدموع في آسى بينما تهمس فنار:
لقد قلت لكِ يا أختي، ليتك لم تطعِ قلبك المسكين.
أرسلت أيريس بصرها وصلطته على حليمة التي مازالت تبكي بحرقة وهي تقول مرددة بلا توقف:
يا خيبة آملي فيكِ يا خيبة آملي.
ما كان منها إلا أنها نهضت بإعياء، بخطواتٍ واهنة وراحت تركع أمامها وانحنت على قدمها تقبلها، فأبعدتها الأخيرة وهي تنهرها:.

لا تفعلي!
سامحيني، بالله سامحيني يا أمي، لن أفعل مرة أخرى
نطقت بندمٍ ودموعها آخذة في الانهمار وقلبها اجتاحه ألم مزق النياط...
وقالت فنار بدورها:
سامحيها أمي...
قاطعتها غاضبة بشدة:
اصمتي انتِ، حسابك قادم لانك كنتِ تعرفين وتركتيها تغوص في الوحل، صبرك يا فنار!
ابتلعت فنار ريقها بخوف، ثم قالت وهي ترتجف:
أمي لا تكوني قاسية القلب، لقد أخذت أيريس عقابها منك فسامحيها إذن!

رمقتها بنظرة قاسية، فصمتت ومن ثم ابتعدت عنهما وخرجت خارج الدار، ركضت فنار خلفها وراحت تهتف:
إلى أين يا أمي؟
التفتت حليمة واقتربت منها قائلة:
سأسير قليلًا حتى لا أموت بالحسرة منكما.
حماكِ الله يا أمي لا تقولي هذا ال...
قطعت كلامها وهي توكزها:
اسكتي وادخلي البيت وإلا أكلتك بأسناني الآن يا فنار
زفرت فنار بتذمرٍ وكادت تنصرف لكنها أوقفتها قائلة:
اطعمي أختك واعتني بها.

وسارت دون إضافة أخرى، فابتسمت فنار وهي تُحدث نفسها بخفوت:
هذه الأم صارمة وحنونة، يا الله اصلح ما بينها وبين أختي.

دخل بشار حجرة أبيه بعد أن حيّاه مبتسما، لكن تيجان لم يبادله الابتسامة ونهره قائلًا:
تعال يا رجُل
كشر بشار عن جبينه وهو يقول:
لم السخرية يا أبي؟!، لقد أتيتك بخبر كالصاعقة سيحطم أحلام تيم.
انتبهت حواس تيجان وهو يسأل باهتمام:
ما الأمر؟
قال بشار وهو يجلس ضاحكا:
هذه الفتاة الضائعة التي يريدها، اتضح أنها فتاة سافرة، لقد فضحتها امرأة تخشى على ابنها منها
تيجان بتعجب:
أنت متأكد يا بشار!

نعم أبي، الخبر وصل لي والمملكة تتحدث عن هذا، لا أعتقد أنه إذا عرف سيتزوجها!
ابتسم تيجان وقال:
أتى الحل دون تدخل منّا، الحمد لك يا الله.

ما هذه الخرافات التي تهذي بها أنت وإبنك؟!
قالها تيم وهو يجلس واضعا ساقا فوق الأخرى على كرسيه الضخم، بينما يرتشف من قدح القهوة خاصته وهو يتابع مرددًا:
أجب؟!
فقال بشار وهو يرمقه بعدائية:
المملكة كلها تتحدث عن ذلك وبإمكانك التأكد!
ابتسم تيم مستهزءًا به وهو يطالعه من أسفله لأعلاه بينما يقول ساخرًا:
ولنفرض أن هذا صحيح، ما شأنك وما شأن أبوك؟!
فتح تيجان عينيه على وسعهما وقد هتف:.

ماذا تقول أنت!، نقول أنها سيئة السمعة وأنت تقول ما شأننا، إذن شأن من؟
أرسل لها نظرات تتوهج بشراسة وهو يرد عليه باقتضاب:
شأني أنا!
نحن نعيش معك ولست وحدك لتقول ذلك، هذه ستلوثنا!
إن لم يعجبك ارحل يا تيجان أنت وابنك!
قالها بمنتهى الهدوء وهو يرتشف من قدح قهوته باستمتاع، فاستشاطا غضبا من إسلوبه الثلجي ذاك، بينما يُكمل تيم:
والآن اخرجا من هنا.

كز كلاهما على أسنانهما في غضب ناري وانصرفا بالفعل يغليان حقدًا، أما تيم فقد قست نظراته وهو يحملق بالفراغ وما لبث أن هتف مناديا:
يا سليمان.
حضر سليمان لتوه قائلًا بنبرة مهذبة:
أمرك سيدي
فقال آمرا بجمود:
احضر لي فنار إبنة حليمة حالا.
أمرك سأحضرها فورًا.
انصرف سليمان في سرعة متجها صوب دار حليمة بينما نهض الملك يتابع الحدائق عبر النافذة خاصته...

بعد مرور نصف ساعة..
كانت تقف أمامه ورأسها للأسفل وتغمض عيناها بشدة، وعلى بعد مسافة قريبة كان كُرسيه وهو يجلس عليه بهيبته يتفحصها كعادته حينما يراها، هتف آمرا:
اخرج يا سليمان ولا تطرق هذا الباب إلى أن أأمرك أنا.
انصاع سليمان وخرج سريعا من الحجرة، جلس تيم بأريحة أكثر في كرسيه وهو يقول بهدوءٍ تام:
اقتربي فنار
اقتربت ومازال رأسها متدلي للأسفل بينما تقول بطاعةٍ:
أمرك سيدي الملك.

ارفعي رأسك يا فنار وفتحي عيناك
ازدردت لعابها وراحت ترفع رأسها ببطء، إلى أن فتحت عينيها وطالعته بريبة وقد تورد وجهها خوفا وخجلا وهي تقول بعينين دامعتين:
سيدي لقد سمعت سليمان يتحدث عني بسوء وقال إني سيئة السمعة وأن مولاك تريدني من أجل هذا، أقسم لك إنني لم أفعل شيء ولم أعرف أحد ولم...
قطع جملتها صائحا:
اصمتي فنار، ما هذا؟ أنتِ تتحدثين كثيرا وسريعا اهدئي!
أمرك سيدي.

نهض عن كرسيه فجأة فابتعدت وكادت تركض إلا أنه صاح بحدة:
توقفي فنار!
وقفت ترتعش وهي تراه يزداد اقترابا منها، اقترب واقترب إلى أن وقف أمامها مباشرة ودنا منها قليلًا وهو يقول هامسًا:
لست مُتهمة فنار، أنا أعلم كل شيء، أعلم أن هذا الكلام يُقال على أختك، أنا سأتصرف في هذا الأمر ولم أدعوكِ لهذا!
رفعت نظرها إليه في خجل شديد بينما تسأله بارتباكٍ:
لمَ دعيتني سيدي؟
ابتسم ابتسامة رائعة بينما يردد غامزًا بحُب:.

لقد اجتاح قلبي الشوق.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة