قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع

أصبح تنفُسها غير مُنتظم وهي تطالعه ببلاهة ونظرات مُضطربة، لم تستعب ما قاله لتوه!
لمن الشوق ولمن اشتاق هو؟!
لمن النظرة والابتسامة والحُب؟
لا تُصدق! هي لا تصدق!، هذا الملك تيم حقا أم أنها تحلم؟!
هذا الملك تيم يتغزل بها أم أنها تتوهم؟!
لوهلة شعرت أن الدنيا تدور بها واجتاحها دوار عنيف وكادت تسقط، وبالفعل سقطت لكن بين ذراعيه العضلين..
خفق قلبه بجنون وظل محاوطها بينما يهمس بثباتٍ رغم قلقه:.

فنار؟، فنار استيقظي ماذا أصابك؟، فنار تحدثي!
لكن لا حياة لمن تنادي، فنار في عالم آخر جراء سحر كلماته..
يا الله!، فنار!
أخذ يضرب وجنتها برفق فلم تستجب أيضًا!، فما كان منه إلا أن حملها بين ذراعيه القويتين وسار بها إلى أقرب أريكة قابلته، وما لبثت فنار أن استيقظت من دوارها وهي تحملق به بصدمة، ثم تلفتت حولها !، ما هذا.؟!

هو يحملها، يقترب منها كأنه يحتضنها ولمَ كأنه هو بالفعل يحتضنها! وقريب للغاية قرب مُهلك ومُميت..
شهقت بصوت عال وهي تحدجه بذهولٍ وما لبثت أن راحت في ملكوتٍ آخر مرة ثانية..
وبدا الموضوع للملك مُسليا ممتعا فضحك عاليا وهو ينحني ويضعها على الأريكة، ثم توقف عن ضحكاته الرجولية وأخذ يهتف بمشاكسة:
هيا انهضي الآن فنار وإلا ناديت ل رعد يوقظك هو بطريقته!

نهضت مفزوعة وجلست بخوف شديد تتحاشى نظراته، اتسعت ابتسامته وهو يكتف ساعديه أمامه يطالعها بإعجابٍ، ثم قال بنبرة متزنة:
هل أنتِ بخير الآن فنار؟!
هزت رأسها وأجابته:
نعم، بخير سيدي.
ماذا حدث لكِ؟
لا شيء أنا بخير سيدي هل تأذن لي بالانصراف؟!
منحها ابتسامة هادئة وهو يقول بصوت جهوري:
إلى أين؟، تريدين تركي وأنا الذي أبحث عن وصالك؟
شهقت مرة أخرى وهي تنهض بارتباكٍ بينما تفرك كفيها ببعضهما قائلة بخجل:.

م، مولاي، آآ، أنت، أنت...
أنا عُشقت السمراء يا فنار، ما الغريب ولمَ الارتباك!
ازدردت ريقها وكل هذا تعتقد أنه حلم، هذا من المستحيل أن يكون حقيقة كيف؟!
ستظل تتساءل كيف حدث!
سيدي، أنا أحلم، والآن أمي ستوقظني، هذا حلم أليس كذلك!
قطب تيم ثم صاح بها:
هذه حقيقة، أنا الملك وأنتِ الفقيرة والحُب ليس له سُلطان، افهمي إذن!
عضت شفتها السفلى وطأطأت رأسها واشتعلت خجلًا، بينما قال في هدوء حازم:.

لن تخرجي من هنا، أنتِ أسيرتي من اليوم
حركت رأسها وهي تسأله بقلق:
ما معنى هذا يا سيدي؟
معنى هذا أنكِ ستكونين زوجتي اليوم، هذا قراري ولا رجعة فيه، عليكِ أن تقولي سمعا وطاعة، أفهمتِ؟
اتسعت عيناها جراء حديثه الصلب!؟، ستتزوج اليوم وأسيرته؟، ولن تخرج؟، ما الذي يحدث معها!
كادت تتكلم إلا أنه أوقفها بقوله الصارم:
لا تتحدثي، سأحضر أمك وسنعقد القران وزوجا مباركا يا عروسي.

أخذت تسير جيئةً وذهابًا بغير هدى بفؤادٍ قلق حزين للغاية، لقد ذهبت فنار إلى الملك وتعتقد أنه يُحاسبها ولم تأت أمها بعد إلى الدار، وهي لا تعرف ماذا تفعل..
هبط الدمع من محجريها بتدفق وأخذت شهقاتها تهتاج، فقط لو أحد يمد يده لها سوف تتشبث بها وتنهض، ثم تستنجد وتتعلق فتعبرُ الطريق وتسير..
فقط تريد السماح، تعترف أنها خاطئة كما أنها لم تكن ملاك بجُناح...
يا ليت أمها تُسامح ويا ليت الناس يغفرون!

طرقات خافتة على باب الدار انتشلتها من شرودها، فراحت تركض لتفتح ظنا منها أنها فنار قد أتت..
فتفاجأت به هو!
محروس!، يقف أمامها ونظرات الندم تنبع من عينيه، يذم شفتيه باحراج، ثم ينطق بأسى:
أيريس، سامحيني ليس لي يد في الذي فعلته أمي، لم أكن أعرف أنها ستأتي وتفعل!
ارحل.
صرخت بوجهه وأكملت من بين دموعها:
ارحل ويكفي إلى هنا، ارحل أنا لم أعد أريدك!
يبدو أنه مصمم على اكمال مشوار حبه معها، لذا قال هادئا:.

تعلمين إني أحبك، ولن أتحمل ابتعادك عني، فلا تفعلي بالله.
قلت لم أعد أريد حبك، وقلت ارحل.
كز على أسنانه، إنها تعاند، ومن هذه لتعانده؟!
لابد أن تخضع وأن أنفها ينزل سابع أرض، هكذا قال. وعَزم على ذلك، بل وبدأ في التنفيذ!
حيث دفعها بجسده إلى داخل الدار ومن ثم أوصد الباب، وراح يهجم عليها بلا شفقة، مزق ثيابها فصرخت باستغاثة، كتم فمها، فعضت كفه بشراسة أنثى تدافع عن أغلى ما تملك!

صرخ جراء عضتها فتركها، انتهزت الفرصة وركضت إلى الباب فلحق بها وجذبها إليه ودفعها مجددًا، ينقض عليها بكل ما يمتلك من قوة، وهي ضعيفة بفطرتها!

لم تعد قادرة على مقاومته لكنها مازالت تعافر وتصرخ، وقد جاءها النجدة حيث كُسر الباب فجأة وولج المُنقذ آخذًا إياه إليه وكيل له عدة لكمات متتالية بلا رحمة، فتنهدت الصعداء وأخذت تلتقط أنفاسها وهي تنكمش على نفسها بخوفٍ شديد، أخرجه خارج الدار ودفعه إلى رجال الملك وقال بغضب عارم:
خذوه إلى الزنزانة إلى أن أأتي له هذا الحيوان.
وعاد يلتفت إلى تلك الباكية، ثم قال بجمود وتساؤل:
أنتِ بخير؟!

هزت رأسها دون تجبه، فقال بحدةٍ:
انتهى الأمر، لا تبكِ سينال جزاؤه!
ازدادت بكاء وهي تهز رأسها بهستيرية، بينما يُتابع:
الحق ليس عليه، بل الحق على من فرطت في كرامتها من أجل من لا يستحق!
وما إن أنهى جملته انصرف تاركا إياها تبكي ونظرات الاستغراب تتبعه!

افهم يا ولد!
حملق بشار في وجه أبيه ببلاهة بينما يقول بطاعة:
أمرك أبي، لكني لا أفهم ماذا تقصد؟
تنهد تيجان بنفاد صبر ثم قال بجدية:
كلامي يعني أني أريدك تأخذ جلنار لصالحك، ترسم عليها الحب، دللها، علقها بك، كن معها دائماً هل فهمت الآن؟
نعم فهمت، أنا كنت أنوي هذا لعلمك.
لوى فمه وتابع:
أريني شطارتك إذن!
ستنبهر أبي.
أتمنى ذلك يا أخيب شخص بالمملكة كلها.
كشر بشار عن جبينه وتأفف قائلًا:.

لمَ يا أبي، دائماً تنعتني هكذا، سأريك من أكون!
ولجت قسمت فقطعت حديثهما وهي تقول بقهرة:
هل سمعت الذي سمعته يا تيجان؟
ماذا حبيبتي؟
قالت قسمت بانهيار:
تيم سيتزوج اليوم من هذه الفتاة، كيف سنتصرف الآن؟
قطب جبينه وقال بلا مبالاة:
ماذا يعني، نحن نعلم هذا ما الجديد، لا تقلقي سأتصرف وأنهي عليها قبل أن يأتي الموعد.
نهرته قائلة:
كيف وهي معه الآن في حجرة عمله؟، لن يدعها تخرج وسيدعو المأذون وأمها فورًا!

فغر فاه وهو يردد:
رباه!، كيف حدث وكيف أتت؟ لقد فشلت الخطة!
افعل شيئا يا تيجان، أنا قلبي انشطر من القهر!
لا أعرف يا قسمت لا أعرف، لقد تشوش عقلي!

تركهما في حجرة عمله وخرج لينعما بالحديث بخصوصية أكثر، راحت فنار ترتمي في حضن أمها وبكت بخوف وهي تقول:
أمي كيف توافقين على بقائي هنا كما أمر الملك، أنا أريد أن أعود معك لا تتركيني بالله يا أمي.
ربتت الأم على ظهرها وابعدتها عنها قليلًا حتى تتمكن من رؤيتها وراحت تمسح الدمع السائل على خديها بحنان ثم قالت:.

اهدئي حبيبتي، أنا سأتركك هنا بأمان، أنتِ في حماية الملك ذات نفسه، كيف تبكين الآن وأنتِ التي كنتِ تحلمين بشخص مثله، فما بالك به هو!، وتبكين!
فركت يديها في بعضهما وهي تواصل:
أنا لا أصدق ما أنا فيه يا أمي، أنا خائفة للغاية!
لا تخافي يا فنار، تأقلمي مع وضعك الجديد وكوني للملك كما يريد هو رأى فيكِ ما لم يرَه في أنثى أخرى فلا تخذلينه..

صمتت فنار وهي تتحرك بعينيها في الحجرة بريبة، ، واصلت حليمة وهي تربت على وجنتها:
صدقيني هذا أفضل لكِ، الناس يا إبنتي صارت تتكلم عنا بالسوء من فعلة أختك، بل قالوا عنك أيضاً ولم يرحمنا أحد، سأدعو الله أن يرزق أختك كما رزقك
سأشتاق ل أيريس يا أمي، بالله عليكِ لا تقسي عليها واغمريها بحنانك.

لن تخرج من السجن بعد اليوم.
هكذا هتف سليمان وهو ينظر إلى ذاك الملقى أمامه بازدراء، فيما يكمل بقسوة:
لن ترى النور مجددًا وهذا جزاء يعتدي على أنثى كما فعلت يا مجرم.
صرخ محروس بهستيرية، لقد ضاع مستقبله وانقلبت حياته وأصبح مصيره السجن..
لم أعتدِ عليها لقد كان ذلك بكامل إرادتها وتلك لم تكن المرة الأولى!
ركله سليمان بقدمه، فتأوه الأخير بألم وهو يصيح باستغاثة، بينما يقول سليمان:.

لقد كانت تصرخ وتستنجد يا كذاب، اللعنة عليك حقير.
هي كانت تتصنع الشرف صدقني، بإمكانك أن تسألها وتسأل المملكة عن أخلاقها وستعرف سيدي.
سدد له لكمة قوية أخرسته ومن ثم تركه وانصرف يلهث بعنف..

ساعتان قد مرا..
كانت فنار تجهزت على أكمل وجه، وارتدت فُستان أنيق لم تر مثله من قبل، مطرز بحبات من اللؤلؤ اللامعة، وطرحة كبيرة تبلغ أكثر من طول الفستان ذاته، وانساب شعرها الأسمر الحريري خلف ظهرها ووُضع التاج المُضيء أعلى قمة رأسها، وبينما عيناها تكحلتان وشفتاها تزينتان بالأحمر القاني، لم تضع شيئا أخر فبدت بسيطة للغاية رغم جمالها الخلاب..

انتهت خادمتها التي خصصها الملك تيم فقط للاعتناء بها من زينتها ومن ثم ألقت نظرة راضية عليها وهي تقول بإعجاب:
يحميكِ الله يا جلالة الملكة، سمارك لم يزدك إلا جمالا وتألقا ستأخذين عقل الملك اليوم
نظرت فنار إلى نفسها في المرآة بتعجب شديد!، تحدث نفسها بدهشة أشد:
من هذه؟ من جلالة الملكة تلك؟ لقد كانت بالأمس في حال والآن حال!.

تزوجت من حاكم المملكة منذ ساعة فقط بحضور أمها، أصبحت زوجته رسميًا وملكة كمثله أيضاً!
ابتلعت ريقها وهي ترى الخادمة تنصرف من الحجرة، الحجرة التي ستجمعها بالملك، كانت الغُرفة تبرق من جميع الاتجاهات وكأن الجدران من الألماس، وهناك سرير كبير تحيطه ستائر ناعمة لونها أبيض، وأرض الغرفة كأنها زجاج حساس...

وفجأة وجدت الباب يُفتح وتدخل خادمة أخرى تجر عربة صغيرة بها الطعام خاصتهما، راحت تضع العربة بمنتصف الغرفة وخرجت دون كلام..
عضت فنار على شفتها السفلى وقالت برهبة:
يا الله، ما الذي يحدث، أنا أحلم، مؤكداً أنه حلم!
فتح الباب مجددًا ينبئها بأنه حقيقة، هي لا تحلم، وها هو الملك يقترب منها، يقترب جدا..
بينما هي تبتعد كلما اقترب، ابتسم لها وقال رافعا أحد حاجباه:
تعالِ إلى هنا.

حركت رأسها بالنفي وهي ترتجف من الخوف، فضحك متفهما موقفها، أخذ يقترب أكثر، فركضت!.
وقف مذهولا من فعلتها وقال بصوت جهوري:
ماذا تفعلين فنار، هيا اقتربي
لا، لا سيدي
أنا ليس سيدك الآن أنا زوجك.
ازدردت لعابها تحاول استيعاب ذلك، لكن رغما عنها لم تستعب ما يقول، ، بينما يُتابع:
إن لم تتوقفي وتقتربي س...
قطعت جملته وهي تخبره باكية:
إني خائفة سيدي، خائفة للغاية.
منحها ابتسامة حانية وهو يطمئنها بقوله:.

لن أؤذيك يا فنار، اقتربي وستري بنفسك.
أومأت برأسها واقتربت بخطواتٍ بطيئة للغاية، فتقدم هو منها وجذبها إليه فشهقت تقول برعب:
ماذا ستفعل؟
ضحك مقهقها باستمتاع وهو يردد:
خفيفة الظل أنتِ يا زوجتي، ما أجملك يا سمرائي، أحبك!
فغرت فاها بصدمة وهي تشير إلى نفسها:
أنا!
أومأ لها برأسه وقال مؤكداً:
نعم أنتِ...
وختم كلامه بقبلة فوق جبينها عميقة جعلتها تغمض عيناها بشدة وتتنفس سريعاً ثم تسقط مغيبة بين ذراعيه...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة