قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثامن

فتحت عينيها ببطء بعد أن وضعها تيم على الفراش ونثر قطرات من العطر على وجهها وأنفها، بدأت الرؤية تتضح أمامها أكثر ومازال قلبها ينبض بقوة، فبادر تيم يتكلم وهو يخبرها:
إياكِ أن تغيبي مرة أخرى، لقد أرهقتيني فنار!
ابتلعت ريقها الجاف وقد شعرت بالعطش، لا تتذكر أنها شربت منذ عدة ساعات طويلة، وجدته يعدل من نومتها ويرفعها بسهولة لتجلس وتسند ظهرها إلى الوراء على الوسادة العريضة، ثم يقول باتزان:.

أنتِ ظمآنة؟
هزت رأسها بذهولٍ وهي تسأله:
نعم، كيف عرفت سيدي؟
قال وهو يصب لها الماء في قدح كبير ثم يمد يده إليها:
أنا أفهم بلغة الجسد، جيدًا.
تجرعت قدح المياه دفعة واحدة وظل هو يُتابعها بعينيه وقد شق ثغره ابتسامة رقيقة، فيما يقول بود:
صحة وهنا، يبدو أنكِ جائعة أيضًا؟
حركت رأسها سلبًا وقالت بتوتر:
لا، لا سيدي لست جائعة.
أخذ منها القدح بعصبية وراح يضعه على الكومود وقد اقترب منها قائلًا بجمود:.

ليس سيدك الآن هل تفهمي أم لا؟
رمشت بعينيها وهي تهرب من حصار نظراته ولم تجب، فعاد يتحدث بهدوءٍ حازم:
فنار، أعلم أن أمر زواجنا كان سريعاً للغاية وأعلم أنك لا تصدقين ولكن هذا حدث وتعايشي معه كأمرٍ طبيعي.
أومأت برأسها إيجابًا وقالت تحاول تهدئة نفسها الخائفة:
أمرك سيدي.
أغمض عينيه بينما يردد بغيظ:
يا الله يا ولي الصابرين!
ثم تابع بهدوءٍ صارم:.

فنار، أنتِ زوجتي وأنا زوجك واليوم زفافنا أو كما يقولون دخلتنا أريد أن أشعر بهذا ساعديني.
أومأت برأسها في طاعةٍ دون كلام، فابتسم وقال:
أراهنك أنك ستفعلين حرفا مما قلت!، والآن هيا انهضي لنأكل.

قام بدوره ليفسح لها الطريق، فنهضت خلفه في حذر، جلس تيم على الأريكة المقابلة للفراش وشد إليه عربة الطعام الصغيرة، وكشف عنها غطاءها وإذا بغنيمة من الطعام لم ترَها فنار من قبل، ابتلعت ريقها وهي تشعر بمعدتها تتمزق من الجوع، لكنها تأبى أن تمسها حرجا، ..
نظر لها بنفاد صبر وهو يقول بصيغةٍ آمرة:
اجلسي.
لست جائعة، صدقني
لا أصدقك يا فنار، هيا اجلسي.

تحركت بخجل واقتربت ثم جلست مباشرة على أرض الحجرة، فنظر لها وهو يحك صدغه بإبهامه قبيل أن يتكلم بغضب:
بإمكاني شدك من شعرك الجميل هذا إن لم تنهضِ وتجلسي جواري فنار.
لم أجرؤ سيدي لم أجرؤ، المعذرة.
تابع يقول بجديةٍ:
انهضي فنار، لن أتكلم ثانية.
نهضت رغمًا عنها وجلست جواره أخيرًا، بينما تسمعه يقول مجددًا:
اقتربي أكثر!

اقتربت على استيحاء وقد تخضبت وجنتاها بحُمرة الخجل وزاغت عيناها هُنا وهُناك بارتباكٍ، ثم اتسعت عيناها جراء لمسته وهو يقربها منه أكثر ويربت على كتفها مع قوله الرفيق:
لن أؤذيكِ فنار تأكدي من هذا.
هدأت قليلًا مع لمسته وكلامه الحنون، بينما يُكمل:
اختارتك بكامل إرادتي فنار، تحرك قلبي تجاهك ووضع الله محبتك داخل قلبي، ماذا أفعل؟
واصل متسائلًا:
أجيبي ماذا أفعل فنار؟
نطقت بنبرة متحشرجة:.

لا أعلم، أقصد أن الإنسان إذا أحب شخص يحاول أن يخبره.
هذا ما حدث فلمَ تستغربين؟
تنهدت بارتياح وهي تبتسم بعذوبةٍ وتقول:
لأنك الملك، تيم!
مسح على شعرها وهو يبادلها الابتسامة كذلك، بينما يقول برفقٍ:
في بداية الأمر أنا أيضاً تعجبت من شعوري، ترددت لكن قلبي وعقلي كانا معك، فعزمت وتوكلت، وقلت في قرارة نفسي أن الله إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون.
هزت رأسها بابتسامة راضية وهي تقول بخجل:.

ولكن، أنت كثير عليّ، كثير للغاية، لم أكن أتخيل يوماً أن أتزوج مثلك ليس أنت، سبحان الله، سبحان الله.!
منحها ابتسامة ودودة ومضى يقول بحنوٍ:
أنا كذلك، لقد كنت أحلم بفتاة طيبة لا تفقه شيء سوى الحب والحنان مثلك، أعتقد أنكِ ستغمرينني بالحُب، أليس كذلك؟
راقب تعبيرات وجهها الخجلة وهي تنظر له بهيام وعيناها ترتكز على عينيه المشعتين حنان، وسمع همسها دون وعيٍ منها:
أنت رائع، رائع جدا.

قهقه ضاحكا على عفويتها، فاستردت وعيها للحظة وهي تبتلع ريقها باحراجٍ فيما تقول تحاول تغيير مجرى الحديث:
أين رعد؟
فأجابها وهو يتناول قطعة من اللحم صغيرة ويضعها داخل فمها قائلًا:
هُناك، في بيته، مع زوجته وأشباله.
أخذت تمضع قطعة اللحم وهي تسأل بفضول واستغراب:
رعد متزوج؟
نعم ولديه أبناء وأخوة أيضًا.
أدخل فمها قطعة لحم أخرى وهو يُكمل:
غداً سأأخذك لتتعرفين على عائلته وأصدقائه.
شحب وجهها أيضاً وهي تقول بخوف:.

لا، لا أريد.
فضحك مواصلًا:
زوجة الملك لابد أن لا تخاف أبداً يا فنار، سأعرفك عليهم وأعتقد أنك ستعشقينهم مثلي.
ما سر حبك للأسود؟
غداً سأحكي لكِ كل هذا ولكن الليلة كما قلت دخلتنا، ، ثم تابع بابتسامة عابثة:
دعيناا ندخل أولا!
أغمضت عيناها بشدة وهي تحاول الابتعاد عنه ولكن لا مفر هو محاصرها تماما، يطعمها، يغازلها، يبث لها الحُب كما يجب، لن تهرب من حبه ولن تستطيع...

العقبة لكِ جلنار
كانت عبارة بشار الذي وقف أمامها الآن مبتسما، لترد عليه مبادلة إياه الابتسامة:
شكرا لك يا بشار!
ابتسم قائلاً بمشاكسة:
ربما عن قريب تجدي من يحبك ويحافظ عليكِ وعلى قلبك الذي يشبه الجوهرة.
ابتسمت بنعومة وهي ترجع خصلة من شعرها خلف أذنها بينما تقول:
ربما وربما أنت كذلك، ستجد من تحبك وتشاركك حياتك.
أنا وجدتها!
اتسعت ابتسامتها الرقيقة وهي تسأله بفضول:
من هي؟
فنهض قائلًا بغموض:.

سأتركك تخمنين من تكون هي وأنا متأكد بأنك ستعرفين في أقرب وقت.

سامحيني، سامحيني أمي.
همست أيريس بنبرة منتحبة وهي تركع أمامها بندمٍ، بينما تواصل بصدق:
أعدك بأن لا أخطأ مرة ثانية، أعدك.
تنهدت حليمة وهي تربت على رأسها وتكاد تبكي على بكاؤها، وأردفت بهدوءٍ:
أطلبي السماح من الله، فرضاه يا إبنتي أهم، أما عني فقد سامحتك وهذا لا يعني أني لست غاضبة منك، لقد خذلتيني يا أيريس وأضاعتِ تربيتي لكِ كالهباء المنثور.
أنا لن أسامح نفسي يا أمي...
هزت حليمة رأسها وهي تقول بحزمٍ:.

ماذا لو كان السيد سليمان لم يأتِ، كنتِ أنتِ ضعتِ!، ولمَ كل هذا؟ لأنك أنتِ جعلتي قيمة للذي لا قيمة له.
تدفق الدمع أكثر من عيني أيريس، بينما واصلت حليمة بأسى:
لن أذبحك بكلامي أكثر، ولكن أنتِ ذبحتي نفسك بيدك.
قالت أيريس بهمس من بين بكاؤها المرير:.

لقد كان يا أمي يبتسم لي، يقول أنه يحبني، يشعر بي ويسمعني، على عكس القية اللذين إذا رأوني عاملوني بوحشية ولم أفهم السبب!، ولمَ أنا تحديدًا؟، حتى جاوبني محروس وقال لي أنني إبنة حرام...
انقطع صوتها من كثرة البكاء وهي تضرب على قلبها المسكين بيدها واستكملت بمرارة:
وأمه أخبرتك أنني إبنة زانية، والآن فهمت لمَ تعاملني الناس بوحشية...

راحت حليمة تجذبها إلى أحضانها وتربت عليها بشدة وبكت هي الأخرى حزنا على حالها، ثم تقول بحسرة:
لا تقولي هذا يا أيريس، اصمتي، اصمتي حبيبتي.
ابتعدت أيريس عنها قليلًا وسألتها بقلب يتمزق وجعا:
أنا إبنة زانية يا أمي؟، بالله أجبيني!
عضت حليمة على شفتها السفلى بينما تقول بلا حيلة:
وحتى إن كان هذا صحيح، فما ذنبك أنتِ حبيبتي، أنا أمك وأنا من ربيتك.
أجبيني بالله يا أمي.
قالت حليمة في تردد:.

حبيبتي، أمك كانت، تحب شخصا آخر غير والدك، ولم تتحمل فخانت والدك معه وكنتِ أنتِ صغيرة لم يتجاوز عمرك الشهر، وما إن علم والدك قتلها وقتل ذاته في آن واحد، وهذا الشيء لا يجعلك تخجلين من أحد لأنه ليس ذنبك، أمك الحقيقية هي أنا، أنا فقط حبيبتي، لقد أخذتك بحضني وربيتك مع فنار وكنا أسرة رائعة تنعم بالحب رغم فقرها.

أخدت دموعها تزداد وهي تدخل بحضنها أكثر وتمرغ رأسها بصدرها حتى تنعم بحنانها الوافر، ثم قالت بصوت متقطع، متألم:
ليتك، كنتِ أمي التي أنجبتني.

أنتِ تجلسين هكذا بمنتهى البرود وكأن شيئا لم يكن؟!
نفثت قسمت حمم غضبها في وجه ابنتها جلنار وهي تضرب الحائط بقبضتها، تعجبت جلنار وراحت تقول برقة:
ما بك يا أمي، ماذا حدث؟
تسألين؟، أخوكِ الذي جن وفعل ما برأسه وتزوج من هذه الضائعة..
ولكن يا أمي أنت وافقتي على ذلك، ثم أن أخي تيم حر هو لم يؤذيك بزواجه لمَ كل هذا الغضب يا أمي؟
كشرت عن جبينها وهي تهتف بغيظ:.

أنا وافقت رغما عني ولم أعلم أنه سيتزوجها بهذه السرعة!
تأففت جلنار وهي تقول بضيق:
دعيه وشأنه يا أمي، هو أعلم أين سعادته.
تتحدثين وكأنه لم يكن أخاك ولم يهمك أمره.
بل لأنه يهمني، لن أكون عقبة في طريقه.
تركتها وانصرفت بغضب ناري فلم يجد الحديث نفعا معها، بينما زفرت جلنار بضيق وهي تقول:
متى أتزوج وارحل من هذا القصر، لقد سئمت.

أبدل تيم ملابسه الرسمية بأخرى مُريحة عبارة عن منامة من قطعتين من الحرير الخالص، ثم توجه نحو الفراش وهو يهتف بنبرة هادئة:
هيا فنار، تعال إلى هنا.
كانت واقفة بمنتصف الحجرة لا تعلم أين تذهب وماذا عساها أن تفعل، لم تتخيل أنه يدعوها للنوم جواره كيف ستنام جوار الملك، كيف؟
صعد على الفراش والابتسامة لا تفارقه، تلك الابتسامة التي صاحبته منذ أن عقد عليها وأصبحت ملكه، أنها تضحكه بشدة وتريح أعصابه وقلبه..

هي كشوكلاه ناعمة أضافت مذاقا رائعا لحياته..
ألن تبدلين ملابسك أيضاً؟
هزت رأسها موافقة وهي تقول بارتجافة:
نعم، ولكن أين سأبدلها؟
فضحك عاليا وهو يخبرها ببساطة:
هنا، بالطبع!
لن أفعل...!
تنهد بنفاد صبر قبيل أن يقول بغمزة:
تخجلين من زوجك..؟، أيعقل!
نظرت إلى الأرض وهي تقول بأدب:
سيدي، لو سمحت.
قال بغيظ يعاتبها:
سيدي؟
فرفعت رأسها تقول بصدق:
لن أستطيع قول غير هذا، دعيني أتعود.
حسنا، سمرائي، هيا إذن.

ختم جملته بابتسامة عابثة، فتنحنحت وهي تقول بخفوت:
سأدخل، الحمام، و، سأبدل ملابسي، هل تسمح لي؟
أومأ لها موافقًا ثم قال بمرح:
اذهبي ولا تتأخري، هل اتفقنا؟
وافقت وذهبت إلى الحمام سريعاً وهي تكاد تركض، أغلقت الباب ووقفت تتنفس بعمق وهي تضع يدها فوق موضع قلبها الخافق، تحركت في انحاء الحمام بانبهار وهي تحدث نفسها:
ما هذا؟ هذا الحمام بمساحة بيتنا وأجمل منه بمراحل!

ثم ضحكت وهي تدور حول نفسها بسعادة لم تصدقها إلى الآن، ثم توقفت ونظرت إلى المرآة الضخمة وهي تبتسم بخجل شديد، تأملت نفسها جيدًا وهي تحدث نفسها:
أنا الملكة فنار!
ثم ضحكت بعفوية وهي لم تصدق، تعالت ضحكاتها إلى أن سمعت صوته يهتف بمشاكسة:
على ماذا تضحكين فنار.؟
فكتمت فمها بيدها وهي تبرق عينيها في المرآة ثم تحدثت إلى نفسها بخفوت:
اخرسي فنار، اخرسي!
وبعد بضعة دقائق تخطت النصف ساعة تقريبا..

خرجت فنار من الحمام ترتدي منامة بأكمام طويلة من الحرير لونها أزرق قاتم، فضفاضة للغاية، ما إن رأها تيم حتى قطب جبينه بدهشة وهو يقول:
ماذا ترتدين؟
فقالت فنار وهي تقترب أكثر:
هذه حشمة وتسترني، أنا مرتاحة بها.
كظم غيظه للحظة وهو يقول:
تسترك!؟، وحشمة؟، في ليلة دخلتنا؟
مطت شفتيها ببراءة وهي تقول بحرج:
هل أغضبتك سيدي؟!
قال وهو يتنهد بنفاد صبر:
لا فنار، لا، ولكن الذي لا تعلمينه أن هذه منامتي..!

شهقت فنار وهي تضع يدها على فمها بصدمة، ثم نظرت إلى نفسها وهي تقول باحراج:
معذرة سيدي، كنت...
قاطعها يقول جازا على أسنانه:
لا بأس فنار، لا بأس، ، تعلمين هذا الزفاف لابد أن يُسجل في التاريخ!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة