قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل التاسع

صباحًا مشرقاً دافئا، تململت فنار في نومتها بنعاس وابتسامة لم تغب عن وجهها منذ البارحة، لقد كان ما حدث أروع من الحلم، أروع من أي شيء، ذاقت شعورا لم تستطع تفسيره، لكنه جميل، ممتع، محبب إليها..
ما لبثت أن اصطدمت به وهي تتمطأ في الفراش، واصطدمت عيناها بوجه الحبيب، إلى الآن لم تدقق في ملامحه من شدة خجلها منه، وها قد حانت الفرصة، إنه نائم فلتستمتع بالتأمل في وجهه..

أشرفت على وجهه بعينين منبهرتين من تلك الملامح، بشرة خمرية ووجه دائري منحوت يتوسطه أنف مستقيم، وأهداب كثيفة طويلة ناهيكٍ عن ذقنه النامية التي تنافس لون البندق، وخصلات شعره البنية المُتدلية على جبينه، ما أجمله..!
ذايلها الفضول وراحت تمشي بأناملها فوق ملامحه وكأنها تحفرها بفؤادها، إلى الآن لا تصدق وتعتقد أنها مازالت تحلم...

تنهدت بسعادة حتى وصلت يدها إلى شفتيه فشعرت بقبلةٍ دافئة تُطبع عليها وصوته الناعس يقول بمشاكسة:
صباحا مباركا يا عروسي.
شهقت بخجل وتوسعت عيناها بريبة وهي تحاول نطق الكلمات لكنها تحجرت على شفتيها، وأصبحت تهمهم بكلمات غير مفهومة...
فما كان منه إلا أن ضحك عاليا وهو يطبع قبلة هادئةٍ أخرى على جبهتها متسائلًا بخبث:
ماذا كنتِ تفعلين؟
لا شيء!
لا أحب الكذب، ماذا كنتِ تفعلين سمرائي؟
فأجابت وهي ترمش بعينيها:.

كنت أتأمل ملامحك، فقط.
ضاقت عينيه بوميض عاشق وهو يتابع بمراوغة:
وما رأيك!؟
تصنعت عدم الفهم وهي تسأل ببراءة زائفة:
رأيّ، بماذا سيدي؟
عض شفته السفلى وهو يدرك جيدًا أنها تتصنع عدم الفهم، فقال متنهدًا وغامزًا:
بسيدك..!
تنحنحت بخجل، وقالت تجيبه بعفوية:
رائع، إنه رائع.
فضحك بخفة وهو يميل عليها مُغازلًا:
ليس هناك ما هو أروع من السمراء!

تخضبت وجنتاها سريعاً بحُمرة الخجل وحاولت أنت تبدو صلبة أمام مهاجمته بالمشاعر خاصته التي تخترقها اختراق بلا رحمة، لكنها لم تنجح في ذلك، هي متوترة للغاية، خجلة، مرتبكة، قربه مهلك، مهلك جدًا، تكاد تبكي من شدة الخجل، وهو لا يرحم، هو مستمتع بذلك جدا، وكأنها كتلة من السعادة، ما إن يقترب منها يُصبح أسعد إنسان على وجه الأرض!
كيف عشقها عشقا جارفا في تلك الأيام البسيطة التي مرت، وكيف لم يرَها من قبل؟

أين كانت سمرائه الناعمة، الفاتنة، خفيفة الظل، حبات السكر كما لقبها هو..
أحبك..
همس لها بهيام وعيناه تحتضن عيناها الواسعتين البندقيتين، بينما يُواصل بابتسامة رائعة:
تعلمين أن عيناكِ تذكرني بقدح القهوة، هي تماما تشبه القهوة، أشعر أحيانا أنكِ أنثى بنكهة القهوة!
منحته ابتسامة كذلك وهي تشتعل خجلًا من نظراته التي أرسلت لها مدى العشق الذي بحوذته، ثم سمعته يهمس آمرا:.

أريد من يديك الجميلتين قدحا من القهوة يا سمرائي..
أومأت برأسها في طاعة وراحت تنهض في سرعة الفهد وكأنه أطلق سراحها وفك أسرها من حصاره، بينما يضحك على حركاتها التي تروق له وتضبط حالته المزاجية...
سمعها تقول بخفوت:
أين سأعد القهوة؟
فقال وهو ينهض عن الفراش بهدوءٍ:
سأأمر الخادمة أن تأتي بموقد صغير والمستلزمات خاصتها.
قالت في تردد؛
دعني أذهب إلى المطبخ وأعدها هناك، هل تسمح لي؟
كما تحبي، حبيبتي.

تحرجت من كلمته الأخيرة وابتلعت ريقها وهي تقول بجدية:
شكرًا لك.
قطب مغتاظا وهو يقترب منها قائلًا:
ألن تغازليني مثلما أغازلك أنا؟، ما معنى شكراً تلك؟
حركت كتفيها للأعلى وقالت وهي تفرك كفيها ببعضهما:
آآ، حسنا، سيدي، إن شاء الله، سأفعل.
هز رأسه بيأس وهو يقترب منها أكثر ويمسح على وجنتها برفقٍ بينما يهمس بابتسامة:
إن شاء الله فنار، سأصبر وما صبري إلا بالله يا طفلتي، سنفطر بالخارج مع الجميع هيا تجهزي.

ولكن سيدي أنا خائفة...
رفع أحد حاجبيه وهو يقول بصرامة:
لقد أبلغتك أن زوجة الملك لا يجب أن تخاف يا فنار، لا أريد أن أسمع منك هذه الكلمة مرة أخرى.
أومأت إيجابا بتذمرٍ طفولي وأطرقت برأسها لوهلة، ثم عادت ترفعها وتنظر له بتردد، يبدو أنها تريد قول شيء..
تفرس وجهها بعينيه هينهة، ثم قال متسائلًا:
ماذا؟.
فقالت وهي تنظر إلى جسدها الممتلئ إلى حدٍ ما بحزن:.

صدقا، منذ أن علمت أنني سأصبح زوجة للملك وأنا لا أأكل إلا قليلاً، لابد أن ينقص وزني حتى أليق بك سيدي، لهذا أنا لن أتناول أي طعام الآن.
كتم ضحكة كادت أن تخرج من فاه وهو يقول باقتضاب:
لا أريد أن ينقص وزنك، هكذا أحببتك وأريدك، هل سمعتِ؟
ولكن أنا أريد...
هل سمعتِ؟
تعجبت لتصميمه وقالت بارتباكٍ:
نعم، سمعت.
هيا إذن.

قالها حازما وقبل مقدمة رأسها وانصرف داخلًا إلى الحمام، بينما تبتسم رغمًا عنها وهي تدور حول نفسها وتردد:
حسنا، سأأكل الأخضر واليابس، لطالما سيدي أحبني سمينة.

إلى أين؟..
كان هذا السؤال للملك أوار الذي وقف بشموخ أمام شقيقته ينظر لها من علو وهو يكتف ساعديه أمام صدره بثبات، ثم يتابع والغضب يعصف بعينيه القاسيتين:
ستذهبين إلى مملكة الأسد؟، إلى من تركك وتزوج غيرك، أليس صحيح؟
رفعت روكسانا عيناها الحداتان إليه وهما تلمعان ببريق غاضب ثم قالت بضيق:
سأذهب، نعم سأذهب، أريد أن أرى تلك الحشرة.
كز أوار على أسنانه ثم قال لائما:.

لا تنسي أن شاغلنا الأكبر هو أخذ المملكة ليس أكثر، لا يجب عليكِ أن تحبين عدونا.
هذا عدوك أنت وحدك.
ماذا؟
كما سمعت أوار، أنا أحبه ولن أتركه لغيري مهما كلفني الأمر..!
كاد يتكلم لكنها قاطعته متهكمة:
أنت أيضاً تحب شقيقته، جلنار!
ضحك ضحكة هازئة وهو يقول بخبث دفين:
هي مجرد وسيلة لغايتي، ليس أكثر هل فهمتِ؟
كما تريد، دعيني وشأني سأفعل أنا ما أريد..

ختمت جملتها وانصرف بينما شعرها الأسمر يتطاير معها بعشوائية وهي تسير خارجة من القصر خاصتهم، ووقف أوار يبتسم بشراسة قائلًا:
تيم، سأجعلك تندم على تركك لأختي أيضًا!

انتهى تيم من ارتداء ملابسه الرسمية والتي كانت عبارة عن ثوبٍ من الكتان السميك ذي كمين قصيرين إلى حدٍ ما يصل طوله إلى ركبتيه أسفله بنطال من نفس النوع ويتوسط الثوب حزام لامع يتدلى منه حافظ السيف خاصته الذي وضعه لتوه وصفف شعره بعناية، وبينما انتهت فنار من ارتداء ثوبها الناعم الأبيض الذي يستر جسدها بالكامل ووضعت تاجا يبرقُ بشدة أعلى قمة رأسها، ووقفت تتأمل هيئته الفخمة عبر المرآة بانبهار، ابتسم لها وهو يلتفت ويقول هادئا:.

فنار، تعالي حبيبتي.
اقتربت منه وهي تمسك بالثوب بكلتا يديها حتى وقفت قبالته تماما، ثم راح يحتضن وجهها بين كفيه وهو يقول بلُطفٍ:
لا تخافي فنار، إياكِ أن تظهري لهم أنك مرتبكة أو متوترة أو خائفة، إذا حدثك أحد تكلمي معه بثباتٍ تام، ابتسمي مهما كان الحديث فلا يغضبك قولهم مهما كان، اتفقنا؟
أومأت مبتسمة وهي تقول بخفوت:
أمرك، سيدي، سأفعل.
حسنا فنارتي، احضري لي القهوة أولا ثم اتبعيني إلى المائدة..

ربت على وجنتها قبيل أن يبرح الغرفة ويتجه خارجا، وانصرفت هي وهي تحاول الثبات رغم قلبها الذي يقرع بخوف شديد، سارت وهي تحاول البحث بعينيها عن مكان المطبخ كأنها تسير في متحف ليس دار..
توجه تيم ناحية المائدة وجلس يترأسها بهيبته المعهودة، كان قد جلس الجميع يتبادلون النظرات، في حين قالت أمه ضاغطة على نواجذها:
صباح الخير تيم، أين عروسك؟ هل مازالت نائمة؟ .
صباح النور، فنار تعد لي قهوتي، هي آتية الآن.

اتسعت عيناها وذايلتها الدهشة بينما تسأله بغضب:
هل ذهبت إلى المطبخ؟ تقف هناك مع الخدم والجواري؟
فقال بنبرة ثلجية وهو يهندم ثيابه:
نعم...
أجننت؟، س...
قاطعها يقول صارما
أمي..! فنار لا تحب التكبر مثلي أنا، وهذه شؤوننا وتخصنا فلا تتدخلي رجاءا!
كزت على أسنانها وهي تزفر غاضبة:
ومثل هذه ستتكبر على ماذا؟، ولمَ أستغرب أنا وهي مثلها مثل الخدم.

ما إن أنهت جملتها اللاذعة حتى أطلق بشار ضحكة عالية هازئة ساخرة وهو ينظر إلى تيم بتشفي، فالتفت تيم له وهو ينظر له بهدوءٍ ثلجي وما لبث أن جذب قدح المياه الموضوع على الطاولة ودفعه بوجهه في لحظة واحدة فغرق وجهه وصدره وشهق الجميع مذهولين!
ثم صدح صوته الجهوري محذراً:
تلك المرة الأخيرة أسمع فيها ضحكتك السخيفة وإلا وربي لسويتك بالأرض، يبدو أنك نسيت ذاتك يا فاشل.

كاد بشار أن يموت غيظا وهو ينظر له بتوعد، ولم يختلف حال تيجان عن حاله حيث ضغط على نواجذه ولم يستطع فعل أي شيء وإلا نفذ تهديده في الحال..
بضعة دقائق وأتت فنار بقدح القهوة خاصته، ووقفت أمامه وهي تقول للجميع:
صباح الخير
فلم يرد عليها أحد منهم وأخذوا يرمقونها باحتقار، بينما قال تيم ببسمة عريضة:
اجلسي، حبيبتي.
جلست بحذر وهي تناظرهم بتوتر لم تظهره كما أمرها، ثم شعرت به يربت على يدها ويقول بصوتٍ عذب:.

رائحة القهوة أخذت عقلي، لأرى مذاقها إذن
ارتشف من القدح ببطء وهو يغمز لها فتوردت وخجلت من غزله أمامهم، وأما عنهم فكادا يحترقوا غضبا وغيظا من معاملته لها دون أن يراعي وجودهم..
هيا فنار، كلي!
قال ذلك بصيغة آمرة، فهزت رأسها بإيجاب وهي تبتسم بارتباكٍ وتتحاشى النظر إليه...
نادى تيم يقول:
يا سليمان، سليمان، أين أنت
حضر سليمان بعد دقائق وانحنى له قائلًا:
أمرك
قال وهو يعاود الارتشاف من القهوة:.

احضر لي رعد، اشتاقت له
أمرك سيدي سأحضره لك حالا..
انصرف سليمان، بينما تساءل تيم باستغراب:
أين جلنار؟
أنا هنا يا أخي.
هتفت جلنار التي أتت لتوها تمسك بيد روكسانا وتبتسم باتساع مواصلة:
كنت أنتظر روكسانا، أتت لتهنئك على الزواج وتهنئ العروس
تقدمت روكسانا وهي تحدق ب تيم في جراءة وهي تقول:
مبارك الزواج يا جلالة الملك..
فرد تيم بجمود:
العقبة لكِ
أشكرك..
ثم توجهت بالحديث ل فنار وهي تقول بتهكم لم يلاحظه إلا تيم:.

مبارك، يا عروس!
ابتسمت فنار بعفوية وهي ترد عليها:
شكرًا لكِ، والعقبة لكِ.
كنت أعتقد أن زوجة الملك ستكون أكثر جمالا، لكن يبدو أن للملك رأي آخر!
تحرجت فنار ونظرت إلى تيم باستغاثة، لكن تيم لم يبد أنه تأثر وراح يفتح ذراعيه ل رعد الذي اندفع لتوه إلى حجرة الطعام متمرغا في صاحبه في ائتلاف وود، ضحك تيم وهو يخلل يده داخل شعيرات وجهه الكثيفة ويمسد على ظهره متجاهلا الجالسين تماما..

وهذا ما استفذ روكسانا التي رمقته بحنق شديد وصارت تتأفف بغضب جم..
نهض عن مجلسه وهو يقول بجدية:
تعالي معي فنار.
نهضت معه وخرجا إلى الحدائق بصحبة رعد وما إن خرجا حتى اقتربت منه تلتصق به وتتمسك بذراعه كأنه تختبئ منهم ومن الغدر الذي ظهر في أعينهم وكأنه شعر بما شعرت هي فقال:
ألم أقل لا يغضبك قولهم يا فنار؟
لست غاضبة..
هز رأسه موافقًا:
سأصدقك، إذن ما بكِ الآن؟

قالت وهي تركض بفرحة أمامه وتقفز لتلتقط حبة من ثمرات المانجو قائلة:
أنا جائعة، سيدي..
ضحك مستمتعا وهو يشاهدها تأكل المانجو بنهم وقد تلطخ وجهها وشفتيها كالأطفال، واستمرت تنتهي من واحدة تأخذ الأخرى وهو تركها تفعل ما يحلو لها فقد كان في قمة سعادته وهو يشاهدها تلهو أمامه وكأنها طفلة صغيرة..
كفى فنار، كثرة المانجة ستضرك حبيبتي، توقفي هذا يكفي.
لكني أحبها، سيدي دعني آآ...
قاطعها مازحا:.

ماذا قلت؟، توقفي يا حلوتي.
تركت من يدها واقتربت تقول بخجل:
آسفة، تلطخت يدي وثيابي، لا تغضب مني
كاد ليتكلم إلا أن سليمان قاطع خلوتهما وهو يقول بأدب:
سيدي، هناك امرأة تريد مقابلتك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة