قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السادس عشر

ارتشف من قدح القهوة مستمتعًا بمذاقها، أشار لها بالجلوس جواره فامتثلت له وراحت تجاوره بهدوءٍ، بينما سألته باهتمام:
ماذا فعلتا جلنار وروكسانا؟، لقد سمعتك تقول انهما قد اتفقتا على شيء ما ولكن لم أفهم ما هو؟
نظر لها بصمت هُنيهة، ثم تحرر من صمته وقال:
لا تنشغلي بمثل هذه المواضيع..
عادت تتكلم بحدة بعض الشيء:
أريد أن أفهم
ليس شأنك فنار..
عقدت حاجبيها بضيق وظهر الحزن بعينيها قبيل أن تقول بتأثرٍ:.

حسناً سيدي، لن أتحدث معك في هذه الأمور مرة ثانية
ثم نهضت عن مجلسها واتجهت نحو النافذة وأطلت برأسها منها وهي تستنشق الهواء، فنهض خلفها قائلًا وهو يبتسم:
ماذا فنار؟
لا شيء!
قالتها دون أن تنظر إليه، فوقف جوارها وهو يحاوط كتفيها معا بذراعه، ثم قال مبتسما:.

لم أقصد، ولكن لا أحب ازعاجك، كل شيء هنا بالقصر مزعج للغاية، أنا أركض بعد انهاء عملي الشاق إليكِ، كل هذا لأجل أن ارتاح معك، فلا أريد أن أفسد لحظاتنا بخطط ومكائد هؤلاء، أفهمتِ قهوتي؟
ابتسمت له بوداعة وهي تقول:
فهمت سيدي، ولكن بإمكاني أن أسمعك وأن أكون بجانبك في الشدائد أريد أن أخفف عنك
أنتِ بالفعل جانبي فنار، يكفيني قلبك هذا
راح يطبع قبلة هادئةٍ فوق جبينها ثم ترك قدح القهوة من يده وهو يقول متغزلا:.

أحبك فنار
ثم تابع وكأنه تذكر شيئا:
فنار، أريد أن أسألك سؤالا
أومأت برأسها وهي تقول برفقٍ:
تفضل سيدي
. تابع متنهدًا وهو يمسح على شعرها:
لمَ لم تحملي إلى الآن، هل لاحظتي ذلك أم أنا فقط؟
تجهمت ملامحها وشحب وجهها وهي تزدرد ريقها، ثم تابعت بنبرة متحشرجة:
لا أعلم سيدي، لا أعلم لماذا تأخر
لاحظ ارتجافها فربت على كتفها قائلًا بحنوٍ:.

لا بأس حبيبتي، ظننت أنكِ تعرفين السبب أو أن والدتك طمأنتك أن هذا طبيعي، لا تقلقي، إن لم يحدث اليوم سيحدث في الغد
أومأت برأسها موافقة وهي تدعي ألا يحرمها الله ذلك، ابتسم لها وحملها بخفة قائلًا بمرح:
دعينا ننام فنارتي الصغيرة.

يومان، قد مرا..
كان ينتظرها حيث اتفق مع والدتها ليذهبا معا ويريها بيتهما الذي سيجمعهما خلال أيام فقط، كانت الدماء تغلي بأوردته وهو يتذكر كلام ذاك الذي يُسمى محروس وما قاله له، لا يعلم أهو ادعاء أم حقيقة.؟ حقيقة صادمة قاسية...
ولكن هي كانت تحبه بكل جوارها وربما...
توقف عقله عن التفكير وهو يراها قادمة إليه بحياء، لا يود الظن السيء بها، ولكن حبها له ربما كان له الدور الأكبر لاخضاعها...

وقفت أمامه وهي تنظر له بحياء مع قولها:
كيف حالك؟
فأجاب باقتضابٍ:
بخير..
كشرت عن جبينها وهي تنظر له باستغراب، بينما تسأل بجدية:
ما بك؟
لا شيء، هل ننصرف الآن؟
نعم هيا بنا
سارا معا وكانت هي تبتعد عنه عدة خطوات، بينما هو يتابعها بعينين حائرتين، وفي وليجة نفسه قد قرر المواجهة...

لن أصمت بعد اليوم
قالها الملك أوار وهو يضرب الطاولة التي أمامه بقبضته، فيما يهتف بنبرة محتدمة:
تيم هذا أزادها، لابد أن أعلن الحرب
وقفت روكسانا وهي تهتف بمماثلة:
لا، لن تفعل، لا أريد ذلك يا أوار، أنا مُصرة على قتل هذه الفتاة ونفيها من حياته، وبعدها افعل ما تشاء
أنتِ جننتِ؟ هذ التيم ليس سهلا، هذا سيدمرك ويدمرني إن لم نسعَ أولا في تدميره.

لا تخاف عليّ أوار، أعدك أن هذه ستكون أخر محاولة وبعدها سأقول لك تصرف أنت
ولكني أخشى عليكِ..
أنا سأرتب كل شيء مع جلنار، لا تقلق
ثم حدقت بالفراغ ورددت بحقد:
سيكون لي..!

ما رأيك؟
هكذا سألها سليمان وهو يتمعن النظر بملامحها البسيطة، فأجابته بخفوت:
البيت، مريح للنفس، لقد أحببته
هز رأسه بهدوءٍ وقال بجدية:
هو فقط؟!
نظرت له بدهشة وقالت:
كيف؟!
فواصل بتهكم:
أقصد البيت فقط الذي أحببتيه؟ أم أن هناك آخر غيره؟
تخضبت وجنتاها سريعاً بحُمرة الخجل، وابتلعت ريقها قائلة بأنفاسٍ متسارعة:
ماذا؟..
رد بقسوة:
أم أنك تحبين فقط ذاك الضائع، محروس أليس كلامي صحيح؟

اتسعت عيناها بصدمة، ثم تملكها الغضب وهتفت بغيظ:
ماذا تقول؟ كيف أكون مازلت أحبه وأوافق على زواجي منك، هل تظن أنني بلا شرف؟!
يقولون ذلك عنك..
طعنتها جُملته الصارمة، كانت بمثابة خنجر دُفع لتوه إلى قلبها، تلألأت العبرات بعينيها قبيل أن تهمس بانكسار:
بلا شرف!
ذبحه منظرها، وكاد قلبه أن ينشطر نصفين يا ليته لم يفعل، فيما يسمعها تهتف من بين بكاؤها:
إذا أنت لم تثق بي، فلمَ ستتزوجني؟

تحاشى النظر إليها وراح يقول بجديةٍ:
لم أقل هذا، لقد قلت أنهم هم، من يقولون ذلك عنك ليس أنا، أم أن السؤال حُرم؟
ابتسمت بتهكم وقالت:
ومن هم الذين يقولون ذلك؟
فأجاب بلا تردد:
حبيبك، محروس!
اشتعل وجهها غضبا فصرخت به:.

لا تتعمد جرحي، أنت! لقد أشبعتني اهانة ولم أسمح لك بعد ذلك، هذا كنت أحبه والآن كرهته، كرهته لأنه كاد يسلبني شرفي، ومؤكدا يريد تشوهي لأنه بلا أخلاق، وأنت، أنت صدقت، أخبرك شيئاً؟ أنا أكرهك مثلما أكرهه، كما أكره الجميع، هيا ابتعد عن طريقي دعني أذهب لأمي، وتمتع أن ببيتك الراقي بمفردك.

عاتب سليمان نفسه وبشدة، ليته لم يتكلم، وظل صامتا، تبدو محقة في كل كلمة، لم يتحرك ولم يدعها ترحل، فقد قبض على ذراعها قائلًا بصوتٍ أجش:
لا تكرهيني أيريس، لقد حلف لي هذا النذل بذلك، وأقسم لكِ أنني كنت حائر ليس أكثر، لم أصدقه، هل لي من سماح عندك؟
حركت رأسها بنفي وقد ازدادت دموعها وهي تقول بحزن:.

لقد صدقته، ولكن لن أسامحك فقط سأثبت لك أني عذراء شريفة، سأذهب إلى الطبيبة المختصة وسأدعها تخبرك بذلك، ليس لأجلك بل لأجل كرامتي
لن تذهبي إليها، وكرامتك هذه فوق رأسي، آسف أيريس، سامحيني
تعالت شهقاتها وهي تقول بحدة:
اترك يدي!
فقال بحزم:
ليس قبل أن تعديني
، ثم واصل متنهدًا:
عديني أن نبدأ حياتنا وتسامحيني عما صدر مني، أتوسل إليكِ؟
مسحت دموعها العالقة بأهدابها، ثم قالت بخفوت:.

عدني أنت أيضاً، بأن لا تجعل للشك مكانا في علاقتنا وأن لا تكسرني يوما، وأن تمنحني الثقة ولا تحدثني عن هذه التجربة السيئة مرة أخرى
أسرع يقول بصدق:
أعدك أيريس، أعدك حبيبتي
صدمت من كلمته الأخيرة؟!، ثم همست بخجل:
حبيبتي!
نعم، أقسم لكِ أنك حبيبتي ولا حبيبة لي غيرك.

خرجت فنار إلى الحديقة ومشت ببطء، إلى حيث يجلس حبيبها الملك، كان يجلس شاردا بصحبة صديقه العزيز رعد، شعر بها تجلس جواره بهدوءٍ، فالتفت لها وابتسم بمحبة فبادلته الابتسامة وقالت:
هل بإمكاني أن أجلس جوارك سيدي؟
فرفع حاجبا مع مراوغته وهو يقول:
لا، مكانك ليس جواري
زمت شفتيها قبيل أن تقول بحزن:
كيف؟!
فنظر لها غامزًا وهو يشير إلى ساقيه قائلًا:
مكانك هنا، يا صغيرتي
وضعت يدها على فمها وهي تقول بخجل:.

سيدي، ليس أمام رعد!
ضحك ونظر إليه قائلًا بمزاح:
أغلق عينيك يا رعد
بالفعل أغلق عينيه منصاعًا له، فشهقت فنار بذهولٍ وهي تردد:
يا إلهي، هذا الأسد من المؤكد أنه معجزة!
ضحك تيم وهو يمسد شعيرات وجهه ويقول:
هذا صديقي الحبيب
ابتسمت فنار ووضعت يدها على رأس الأسد قائلة:
هيا رعد افتح عينيك
ففتح عيناه سريعاً جعلها تشهق مرة أخرى ولكن ذايلها الفضول وهي تسأله بشقاوة:
كيف حالك يا رعد؟

لم يرد عليها فظهر الاحباط على معالم وجهها، ليقول تيم ضاحكا:
لن يرد إلا بكامل إرادته، إنه لا يتكلم إلا قليلاً أو بالضرورة فقط
رفعت حاجبيها مندهشة وقالت:
يا للعجب سيدي
ربت على رأسها ثم نهض قائلًا بابتسامة هادئة:
هناك بعض الأعمال سأنهها وأأتي لكِ يا غزالتي
انصرف تيم بصحبة رعد وبقيت فنار تتابعهما بابتسامة سعيدة، فتفاجأت ب جلنار تقف أمامها وتبتسم كعادتها قائلة:
صباح الخير فنار، تفضلي العصير الغني بالفتانين.

أخذت فنار منها الكوب ونظرت لها بامتنان:
لا أعلم ماذا أقول، شكراً لك حبيبتي
تابعت جلنار بابتسامة
لا تقولي شيء هذا واجبي نحوك ونحو أخي سأذهب الآن
انصرفت على ذلك ومشت بخطوات سريعة إلى الباب الخلفي للقصر، حيث تقف روكسانا التي قالت بضيق:
لماذا تأخرتي جلنار!
كنت أعطها العصير روكسانا، عذراً
تساءلت روكسانا بمكر:
هل يظهر عليها أعراض لهذا؟
أومأت جلنار وهي تقول بخوف:
أراها شاحبة قليلاً يبدو أن المفعول بأوله.

ابتسمت روكسانا بشر وقالت سريعا:
حسنا، خذي هذا، مفعوله أقوى، سينهي عليها سريعاً
هل ستموت؟
تساءلت جلنار بريبة، فأجابتها روكسانا بلا مبالاة:
نعم، ولابد أن تفعلي من أجل أوار
ابتسمت ولكنها قالت:
يكفي ما أضعه بالعصير يا روكسانا، أنا لم أتخيل يوما أن أقتل
هذا يعني أنك لا تريدين أخي كما يريدك؟
أسرعت تهتف:
لا لا سأفعل روكسانا
ابتسمت روكسانا بارتياح وقالت:
حسناً سأذهب قبل أن يراني أحد!

ولج بشار إلى المطبخ، وبيده هذه البودرة الذي أخذها من محروس ابتلع ريقه وهو يتذكر قوله:
هذه البودرة صُنعت حديثاً، ولم تصدق ماذا تفعل!
ماذا؟!
من سيأخذ منها يا عزيزي سيفقد بصره، ويظل أعمى طوال عمره، خذها وانتقم!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة