قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل السابع عشر

رقدت قسمت في فراشها منذ عدة أيام جراء حزنها على زوجها الأسير تيجان لقد حاولت مرارًا وتكرارًا مساعدته لكنها فشلت، ثم حاولت اقناع تيم عدة مرات بإخراجهِ من السجن لكنه رفض، وأصبح الحزن رفيقا لها في الأونة الأخيرة وقد تدهورت حالتها الصحية جراء ذلك..
كان تيم يودها ويطمئنُ عليها يومياً، لكنها كانت تأبى ذلك، وكانت تصيح به وتنهره بشدة..

وما كان من تيم إلا الصبر على حالها، رُبما تفق من هذه الغشاوة، ربما!.
ولج إلى غرفته غاضبًا، بعدما خرج من غرفتها وكعادتها لم تتقبله وزمجرت به، راح يجلس على كرسيه الهزاز أمام النافذة المفتوحة على مصرعيها وأخذ ينظر إلى السماء الصافية بنظراتٍ متمهلة، ليشعر بيديها على كتفيه في رفق تام، أغلق عينيه متسائلًا بهدوءٍ:
لمَ استيقظتي الآن حبيبتي؟
فأجابته بنبرةٍ حانية:
شعرت بك مهموم، فكيف أنام يا سيدي؟

ابتسم رغم حزنه ليقول بامتنان:
لا أعلم كيف كانت ستمر أيامي دونك، أنا ممنون لكِ يا قهوتي
لم أفعل شيئاً سيدي، بل أنت من فعلت كل شيء، وأعطيتني ما لم أحلم به يوما
أسند رأسه للخلف حتى يستطيع النظر إلى وجهها، ثم قال بنبرة والهة:
أحبك فنار.
ابتسمت بخجل وصمتت، فضحك بخفوت مع قوله:
وأنتِ أيضًا؟
أومأت برأسها مؤكدة مع قولها الرفيق:
نعم سيدي
متى سأسمع إسمي من بين شفتيكِ فنار؟!

ارتبكت من نظراته العاشقة وابتلعت ريقها بصعوبة، فيما تسمعه يكرر:
ألهذا الحد إسمي صعب؟ أم أنه لا يعجبك؟
أبدًا سيدي، لكني لا أستطيع، لا أعرف لما
وأنا أريد أن أسمعه منكِ هيا قولي
تخضبت وجنتاها بشدة، وراحت تتلعثم في قولها، بينما طُرق الباب فجأة فكان لها النجدة، ابتسم تيم وقال:
الطارق جاء في وقته أليس صحيح فنارتي؟
أومأت برأسها وهي تضحك قائلة:
نعم، سيدي!

لتدخل الخادمة بعد ذلك ومعها العشاء الخاص بهما، ثمة تضعه أمامهما وتقف مطأطأة الرأس، فسألها تيم بجدية:
ماذا تريدين؟!
فقالت بأدبٍ:
سيدي، السيد سليمان يريدك بالخارج لقد أمرني أن أخبر جلالتك بذلك
حسناً، تفضلي أنتِ
انصرفت الخادمة ونهض تيم قائلًا بابتسامة عذبة:
لن أتأخر يا صغيرة
هزت رأسها موافقة وهي تمنحه ابتسامة كذلك قبيل أن يبرح الحجرة ويتجه إلى الخارج حيث يقف سليمان، وما إن وقف قبالته حتى قال هادئاً:.

ما الأمر يا سليمان؟
فقال سليمان بعد أن انحنى له وحيّاه باحترام:
لقد أمرتنا جميعاً إذا حضرت الملكة روكسانا إلى هنا أن نقوم بحبسها في إحدى السجون التي تضم النساء أليس كذلك سيدي؟
فقال تيم مؤكداً:
نعم..
لقد عثر عليها أحد أفراد الحراسة تخرج من البوابة الخلفية للقصر سيدي، ونحن الآن في انتظار قرارك.

سمع تيم صوتها وهي تصرخ في أفراد الحراسة بالخارج، فخرج بصحبة سليمان وراح يتابعها بعينيه وعلى ثغره ابتسامة مستهزءة، فيما يهتف بغضب:
لقد حذرتك أيتها الملكة، ولم تصغِ لي..!
صاحت به بشراسة:
هل جننت؟ أأمرهم يتركوني يا تيم وإلا...
قاطعها متهكما:
وإلا ماذا؟، هيا يا رجال إلى الزنزانة، أولاً ضعوها في السجن الجماعي لتجد الونس، وإن شاغبت إحداهن فضعوها في الانفرادي
اتسعت عيناها بذعر وهي تصرخ بعدم تصديق:.

اتركني، ستندم يا تيم أقسم أنك ستندم
ضحك ساخرًا وقال:
أريد أن أرى..
ثم أشار ل رجاله فأخذوها وسط صراخها، وراح سليمان يقول بحذر:
سيدي لو علم الملك أوار ستبدأ الحرب!
هتف تيم مناديا على أحد رجاله قائلًا بلهجة صارمة:
ابعث مرسال إلى مملكة النمور وأخبر حاكمها أن شقيقته قد تم القبض عليها وأُسرت في سجون مملكة الأسد بأمر حاكمها الملك تيم.
ثم عاد ينظر إلى سليمان قائلًا بهدوءٍ تام:
لا تقلق سليمان!

وانصرف على ذلك عائدًا إلى حجرته...

ما إن وصل المرسال إلى الملك أوار حتى جن جنونه وعصف به الغضب عصفًا وباتت عيناه شرستان مخيفتان، لن يصمت أبدًا..
صرخ بانفعالٍ شديد:
هكذا يا روكسانا!
ثم تابع بنظراتٍ نارية:
سأعلن الحرب عليك يا تيم، وسأجعلك تندم أشد الندم!

مرّ الليل ولم ينم للحظة، فشقيقته هُناك في سجون مملكة الأسد!، سيدمرها، هكذا أقسم وجمع جيشه العريق وتسلحوا بالسيوف عازمين على تدمير المملكة، ذهب إليه والغضب يزداد كلما اقترب من هذه المملكة، وراح رجال الملك تيم حين ذاك يستعدون، وهتف أحدهم بقلق قليلًا:
جيشهم أكبر عددا منا، اللطف يا الله
فرد آخر:
ولكننا الأقوى!
ليصيح بهم سليمان:
كفى، هيا كل واحد منكم يستعد جيدًا ويصمت تماماً.

اتجه بعد ذلك إلى الداخل ينتظر الملك، الذي كان قد انتهى من ارتداء ملابسه أمام المرآة، بينما بكت فنار وهي تتوسله بقولها:
سيدي لماذا هذه الحرب كنت أتركها وشأنها!
التفت لها وربت على وجنتها قائلًا بحب:
قهوتي، ألا تثقين بزوجك الملك؟، لن نُهزم لا تخافي!
قبلت كف يده مطولًا، ثم قالت بحنان:
يحميك الله
راح يطبع قبلة حانية فوق جبينها وربت على كتفها ثم خرج سريعاً من الحجرة، اتجه إلى سليمان قائلًا بثبات:.

أريد جيش الأسود على استعدادٍ تام يا سليمان، ما إن ترى الأمر يحتاج إليهم أخرجهم فوراً
أمرك سيدي..
قد وصل الملك أوار ومن معه جنوده، وخرج الملك تيم ومن خلفه الرجال، ووقف الأثنان في مواجهة نارية، تحد سافر من كلا الطرفين..
مرحبا
هكذا هتف تيم قبيل أن يُكمل بسخرية:
الملك أوار شخصياً هنا بمملكتي!
ليرد الأخير بعدائية واضحة:
لقد تعديت حدودك أيها الملك، مالي أرى جيشك هذيلا للغاية؟
ابتسم تيم مجيبا بعنفوان:.

ومالي أراك جباناً تتحامى في رجالك، إن كنت رجلا بحق فأرني ذلك بمفردك
تابع أوار وقد فاضت عيناه بالقسوة:
أخرج شقيقتي من سجونك يا تيم
رفع حاجبا مع قوله الصارم:
الملك تيم!، ثم أن شقيقتك مُجرمة والمجرمون لابد لهم من عقاب صارم حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر
ثم تابع بجمود:
ماذا أنت بفاعل يا أوار؟، أرني ما عندك
نظر أوار إلى جيشه العريق وقال بصيغةٍ آمرة:
لا أحد منكم يتدخل إلا بإذني، وليرني الملك قوته إذن!

تقدم سليمان آنذاك، فأشار له الملك تيم بحدة:
مكانك يا سليمان
ومن ثم أخرج سيفه معلنا استعداده التام، وبدأت المعركة بينهما فقط، والعيون تتابعهم في حماس، ترى من سينتصر؟

السيفان تقابلا في تحدٍ صارخ واستمرت المعركة لحظاتٍ طويلة كانت النتيجة معادلة، كلاهما يحارب بذكاء، إلى أن سقطت قطرات خفيفة من الدماء على الأرض وكانت هذه دماء أوار الذي جُرح ذراعه بعمق جراء سيف تيم الذي أصابه للتو، ليتراجع أوار وهو يلهث بعنف رافضًا الخسارة، وأشار لجيشه بالتقدم، وما لبثوا أن تراجعوا للخلف مرة ثانية حين رأوا جيشاً عريقاً جداً من الأسود وعلى رأسهم رعد وكان زئيرهم كافياً لابتعاد جيش أوار أكثر فأكثر..

وبإشارة من قائدهم توقفت الأسود مكانهم وتقدم تيم قائلًا بحماس:
مالي أرى رجالك جبناء للغاية أيها الملك أوار؟، والآن ماذا قرارك؟ هل سترحل أم...
قاطعه أوار بشراسة وهو يصرخ به:
سأجعلك تأتي راكعا إلي وهذا وعد مني يا تيم..
واستدار ماشيا مع رجاله منسحبا ومعلنا انهزامه أيضًا، ليهتف تيم بصوتٍ جهوري:
لن أركع أبدًا يا أوار وهذا وعد مني!
ثم التفت إلى سليمان قائلًا بصيغةٍ آمرة:
أرجع الأسود إلى مكانهم يا سليمان.

تمدد أوار على فراشه وترك ذراعه لطبيبه الخاص حتى يضمد جرحه العميق، لم يشعر بألم ذراعه بقدر ما شعر بألم انهزامه وانسحابه من المعركة التي كان الرابح بها تيم، ضغط على شفتيه وهو يهمس لنفسه:
من أين أتى هذا الملعون بكل هذه الأسود؟
زفر بحنق وهو يهتف بالطبيب:
هيا إلى الخارج!
خرج الطبيب وولجت إحدى الخادمات ليأمرها بنبرة واعدة:.

أريد أن يذهب أحد الرجال إلى مملكة الأسد متخفيا ويستدعي الملكة جلنار في سرية تامة دون أن يشعر شقيقها هل فهمتِ!؟
أومأت له في طاعةٍ وخرجت حينما أمرها، ليحدق بالفراغ قائلًا في وعيد:
حسناً جلنار أتى وقت القصاص، ولابد أن يبكي أخيكِ بدل الدمع، دم!

حمدا لله على سلامتك سيدي.
هتفت فنار ما إن رأته يلج من باب الحجرة، وسرعان ما اندفعت إليه تعانقه بفرحة عارمة، بينما استقبلها تيم بين ذراعيه العضلين وربت عليها قائلًا:
ألم أخبرك أني لن أهزم فنارتي
ابتعدت عنه قليلًا وقالت بنبرة دافئة:
ظللت أدعو لك منذ أن خرجت حتى الآن، الشكر لله على سلامتك
قرص وجنتها الناعمة بخفة وهو يهمس لها مراوغا:
أريد قهوة.
حالا سيدي حالا.

أسرعت تقوم بإعدادها بمحبة، وابتسم هو بارتياح وقد أبدل ملابسه الرسمية بأخرى مُريحة، صعد على الفراش واستلقى متنهدًا وهو يتابعها بعينيه، لحظاتٍ مرت ونهض بعنف جالساً فوق الفراش، نظرت له فنار باستغراب وهي تسأله برفق:
ماذا سيدي؟
فقال وهو يفرك عيناه بقوة، ثم يفتحهما على اتساعهما:
أنا لا أرى شيئاً فنار!، الدنيا ظلام ماذا حدث؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة