قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع

إن وجدتِ من يرحمك فأنتِ وجدتِ الحُب وإن أحببتِ وتذوقتِ المذلة فهو سراب، الحُب رحمة ولم يكن مذلة!
عذرًا روكسانا، أخي تيم منشغلا بعمله الآن، ما إن ينهي عمله سيأتي إليكِ ويصافحك
هكذا قالت جلنار موجهة حديثها ل روكسانا التي اشتعلت ملامحها بوهجٍ غاضب مع قولها:
لا بأس، سأذهب الآن يبدو أنني قد أتيت في وقت غير ملائم من الأساس يا جلنار!
أسرعت جلنار تقول:
لا روكسانا الوقت مناسب للغاية، ولكن أخي..

عفوًا جلنار سأذهب وسآتي مرة أخرى، أوصلي سلامي للملكة قسمت.
ثم راحت تبتعد بخطواتها إلى الخارج في غضب، فاستدارت جلنار وذهبت إلى حجرة أخيها مرة ثانية وقد اعتلى وجهها الغضب من فعلته التي لم ترق لها!
هل أنت مرتاح الآن يا تيم؟، لقد أحرجت روكسانا وذهبت وهي غاضبة جدا.
نظر لها مطولًا دون كلام، وما لبث أن تحرر من صمتهِ الثلجي وهو يقول:.

هذه لا تليق بكِ يا جلنار هذه تختلف عنك تمامًا، قلت لكِ مرارًا أنني لا أحبها ولا أحب مجيئها، هذه من مملكة النمور وأخت أوار ألم تسمعي عنه؟
شحب لون وجهها وتلعثمت قليلًا في الحديث وهي تقول:
نعم، سمعت.
واعتقادي أنك تعرفين أنه عدوي وأنه يكرهني وأنا أيضًا!
أومأت برأسها وقالت في هدوء:
ولكن يا أخي روكسانا تحبني بالفعل، وإن كان شقيقها شرير فهي طيبة.

قهقه ضاحكا عقب أن أنهت جملتها، ومن ثم راح يحتضن وجهها بين كفيه وهو يقول مبتسما:
هذه الطيبة تكون أنتِ يا جلنار!
ثم واصل:
هذا الملك أوار يسعى لأخد المملكة وأنا لدي شك أن شقيقته تلك تساعده عن طريقك فاحذري عزيزتي.
هزت رأسها تنفي قوله وهي تخبره:
لا تيم أوار ليس كذلك، روكسانا تقول أنه يحبك
عاد يجلس تيم على كرسيه وأخذ يمسد على أسده وهو يبتسم بغموض:
هي تقول كيفما تشاء، وأنا أقول لكِ احذري!

أومأت برأسها متنهدة بعمقٍ قبيل أن تردف وهي تقترب منه:
كنت أود أن تكون روكسانا زوجتك يا تيم، حتى أمي قالت لي أنها ستعرض عليك الأمر
رفع حاجبيه مُرددا بجدية:
متى ستصمت أمي وتكف عن ارضاء ذاتها عن طريقي أنا!، بربي سئمت.
لا تغضب تيم، إني أخاف حينما تغضب، أنت وكأنك تتحول إلى أسد حينما تغضب
قالتها ضاحكة، فضحك هو أيضاً وهو ينظر إلى أسده مستطردا:
لأن الأسد أوفى كائن على وجهه الأرض لي!

جلستا الفتاتان خارج دارهم في وقت الفجر وتركتا حليمة نائمة في ملكوت آخر، بينما همست لها فنار بنفاد صبر:
توقفي أيريس، وأحكي لي ماذا حدث!
تكلمت أيريس أخيرًا وهي تحاول أن تسيطر على نوبة البكاء خاصتها، ثم قالت بنبرة متحشرجة:
محروس، حاول أن يُقبلني.
أطلقت فنار شهقة عالية وقد لطمت وجهها في هولٍ وهي تقول:.

يا له من وقح!، كيف تجرأ هذا الحيوان وفعل ذلك معك؟، احكي احكي يا أيريس، ماذا فعلتِ أنتِ؟، أيريييس إياكِ أن تكوني أعطيتيه!
لا أختي لا، رفضت أقسم لكِ، وحين رفضت وقاومته قال لي...
بترت جملتها وهي تجهش مرة ثانية في بكاءٍ حار، قلقت فنار وهي تسألها بالحاح وفضول:
ماذا قال؟، أيريس ماذا قال هذا النذل، تكلمي؟
تابعت من بين شهقاتها الخافتة بمرارة:
قال أنني إبنة زانية!

توسعت عيني فنار حينذاك وشهقت مرة أخرى، ثم استطردت:
الجحش! هذا مثل الجحش لعنة الله عليه، هذا يقول تخريف، أنتِ لابد أن تقطعي أي صلة بينك وبينه، هل سمعتِ؟
هل أنا ابنة زانية بالفعل يا فنار؟
قالتها بانكسار وهي تنكس رأسها، فراحت فنار ترفع رأسها وهي تنهرها بقولها:
أجننتِ، لا أنتِ ابنة أشراف، أنتِ إبنة حلال، لا تقولي هذا الهراء مجددًا يا أيريس وإلا ذهبت إلى هذا المحروس القذر وقتلته.
لمَ قال هذا عني يا فنار؟

ألم تسمعي!؟ قلت لكِ أنه جحش!
جعلتها تضحك رغم انكسارها وراحت تمسح العبرات، فابتسمت فنار وقالت بعفوية:
ضحكتك أجمل من دموعك، لا تبكِ على أحد يا أختي دعيه وشأنه وسوف يعوضك الله بأفضل منه، هذا لا يستحقك.
لكني أحبه.
اضغطي على قلبك أيريس، الحب رحمة ولم يكن مذلة!

يا إلهي!، لم أحب أحد مثلما أحببتك يا فنار، أنا أحبك يا سمرائي الفاتنة.
هكذا قال الملك تيم وهو يحرك شفتيه وتلوح ابتسامة عذبة على شفتيه مرددًا:
سمراء فاتنة
سمراء ناعمة
تنافس حبات السكر في حُلوها!
انتفض من فراشه وجلس لاهثًا وهو ينظر حوله في صدمة، ماذا حدث؟.
لقد كان يحلم!، كيف يحلم بأنثى وهو الذي لم تعجبه احداهن يوماً، ولمَ فنار تحديدًا، يبدو أنها استحوذت على عقله وقلبه معا!

نهض وراح ينظر إلى المرآة بعد أن أشعل الأنوار وأخذ يبتسم بسعادة لا يعرف من أين جاءته، ثم قال في هُيام:
ما بك يا قلبي تتلهف على السمراء، أيعقل؟!، يبدو يا فنار أنكِ ستكونين جزءًا من تيم، وعما قريب، قريب جداً!

أشرقت الشمس بدفئها وشعشع ضوئها على أرض المملكة، كان الخدم في قصر الملك يعمل على قدم وساق لأجل تجهيز وجبة الإفطار، على مائدة كبيرة رُصت الصحون وجلس الجميع وراح تيم يترأس المائدة ناظرا إلى الجالسين، حيث كانت أمه على يمينه وإلى جوارها زوجها وعلى شماله كان بشار!
ولهذا تحدث بغضب دون تردد:
انهض واجلس هناك، هذا ليس مكانك!
توسعت الأعين ذهولا من الموقف، ونهض بشار يهتف باحتدامٍ:.

هل سأجلس بأمرك أيضًا؟، أنا أجلس في المكان الذي يروقني!
أنا قلت ولن أعيد كلمتي مرة أخرى، هذا المكان مُخصص ل جلنار أختي وليس لك، والآن ابتعد وهذا أفضل لك!
وقف بعناد وتحد، بينما قال تيم:
مُصر إذن!
وواصل دون إضافة أخرى:
يا رعد.

ركض بشار مجرد أن رأى الأسد يهاجمه بلا شفقة وزأر بعنف منصاعًا لأمر صاحبه، أخذ يصرخ بشار وهو يتوسله أن يجعل هذا الوحش يتوقف، بينما صرخت الملكة قسمت وزوجها خائفان من أن يتهور الأسد أكثر من ذلك ويبتلعه داخل فاه.
وأخيراً أمره تيم بصوت أجش صارم:
توقف يا رعد، هذا يكفي.
توقف الأسد فورًا وراح يمكث جوار قدمه، فتنهد الصعداء وأخذ يمسح حبات العرق التي تندت على جبينه وازدرد لعابه بصعوبة وكاد يبكي!

صاح تيم وهو يبدأ في تناول طعامه:
هذا إنذار لك يا بشار، أما المرة القادمة فستكون وجبة لذيذة لرعد
أكمل تناول طعامه بعد ذلك مما استفز أمه وزوجها الذي صاح بحدة:
أنت تتعدى حدودك معنا، لسنا عبيد لك هل فهمت!
رفع رأسه ببرود وابتسم مستهزءًا:
لم أفهم، فهمني إذن!
نهضت أمه بدورها تهتف:
توقف يا تيم وإلا غضبت عليك ولعنتك، أنت يبدو عليك أنك تهذي هل احتسيت الخمر؟
نهض هو الآخر بعنف وقال بغضب:.

أنتِ تعرفين جيدًا من يحتسي الخمر هنا، لا تحدثينني هكذا يا أمي، كلامي على الجميع هنا أوامر والبطل الذي لم يعجبه يرحل!
برح المكان تاركا إياهم في حالة غضب عارم، وجلس يبكي بشار بجسد مرتعش، فصاح أبوه:
اللعنة عليك يا بشار ما أضعفك، لقد جعلك لُعبة في يده يا حيوان، تعلم القوة يا أحمق!

خرج تيم إلى الحدائق التابعة للقصر يشتم الهواء الطلق وأخذ يتجولها وهو يتأمل حبات المانجة في الأشجار، يبتسم رغمًا عنه وإذا به يلمح طيفها!
هي؟ هي بالفعل تسير هناك أمامه بعباءتها المُهترئة قليلًا وشعرها المنساب خلف ظهرها، تحمل كيسا ورقيا وتحتضنه وتسير كأنها تركض كعادتها!
لم يشعر بنفسه إلا وهو يهتف مناديا عليها وقال:
توقفي!

توقفت على استيحاء وأطرقت برأسها في خجل وخوف معا، رفعت رأسها فوجدته يُشير لها بسبابته أن تأتي إليه، فورًا سارت حتى وصلت إليه بخطواتٍ سريعة، سألها باهتمام:
إلى أين ذاهبة؟، وكيف دخلتِ إلى هنا؟
سيدي، لقد أمرني أحد رجالك أن الملكة جلنار تريد أن تأكل التوت، وأمي أتت معي وانتظرت بالخارج وأحد حراس جنابك سمح لي بالدخول.
هز رأسه موافقًا ثم قال بنبرة مرحة بعض الشيء:
هذا التوت طازج؟
ابتسمت بعفوية وقالت في خجل:.

نعم سيدي طازج، هل تتذوق منه؟
نعم، أعطني إذن!
نظرت له بدهشة وقالت في ذهول:
رباه، الملك ذاته سيأكل التوت، حقا إنك متواضع سيدي!
فقال بجدية زائفة:
هل تتحدثين معي يا سمراء؟
عفوا عفوا لم أقصد سامحني!
ابتسم رغمًا عنه وقال بجدية:
أعطيني التوت.

مدت يدها له بواحدة من التوت الطازج وهي لم تنظر له، فأخذها منها ببطء متعمداً لمس أصابعها فشهقت وابتعدت عنه خطوتين للخلف، أما هو فضحك وهو يلوك الثمرة بفمه بينما يقول متغزلا:
لذيذة للغاية، مذاقها كحبات السكر.
كانت منكسة رأسها لا تجرؤ على رفعها في حين قالت بخفوت:
هل تأخذ واحدة أخرى؟
سأأخذهم كلهن عن قريب يا فنار، والآن احضري لي أمك، أريدها في أمرٍ هام.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة