قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس

جلست حليمة وقد حملقت في الفراغ بلا وعي!، وما لبثت أن ضربت كفا بكف في ذهول تام مما سمعت، فتحت فنار باب الدار واقتربت من أمها تصيح بتذمرٍ:
أمي، أنتِ هنا وأنا أبحث عنكِ؟ لمَ تركتيني بقصر الملك ورحلتِ ألم أخبرك أن تنتظريني؟
يبدو أن حليمة لم تسمع ما قالت، كانت على حالها تحملق بالفراغ لا تتكلم، فتعجبت فنار من أمرها وهي تجلس إلى جوارها متسائلة:
أمي ما بكِ؟، هل حدث شيء؟

حركت رأسها ونظرت لها بصمت، ولما طال صمتها، سألتها بنفاد صبر:
يا أمي تحدثي أرجوكِ، ماذا هناك؟، وماذا كان يريد منك الملك تيم؟
نهضت حليمة ومشت إلى الزير وأخذت تملأ الإناء وتجرعته دفعة واحدة، ثم قالت وهي ترفع وجهها إلى السماء:
يا الله، أنا لم أصدق!
لم تصدقين ماذا بالضبط يا أمي؟
يا إبنتي، الملك، تيم، قال...
قطعت جملتها وتنهدت، ثم أردفت بغير تصديق:
لم تصدقِ ماذا طلب منّي الملك يا فنار!

استأنفت فنار وقد ازداد فضولها:
ماذا، ماذا يا أمي طلب، تكلمي أرجوووكِ!
نظرت لها مطولًا ومن ثم قالت بهدوءٍ:
الملك طلبك أنتِ يا فنار!
ابتسمت فنار وهي تجلس متنهدة بارتياح وكأنها كانت تتوقع هذا، ثم قالت وهي تضع ساقا فوق الأخرى بثبات:
يا الله، أنا كنت متيقنة من هذا، أخيرًا يا جلالة الملك!
توسعت عيني حليمة بشدة وهي تقترب منها هاتفة بصدمة:
ماذا قلتِ أنتِ؟!، أنتِ كنتِ تعلمين أنه سيطلبك؟ كيف!، كيف يا فنار؟

ضحكت فنار وهي تصفق بيدها وقالت:
يا أمي الملك كان يبتسم لي وهذا يحدث قليلا مع أي أحد، وشعرت أنه يبحث عن خادمة بمواصفاتي أنا، لذا كنت متأكدة أن الملك سيطلب منك أن أكون خادمة في قصره الجميل.
جلست حليمة وضحكت بشدة بينما تردد من بين ضحكاتها:
يخرب هذا العقل يا فنار، أنتِ ذكية للغاية، الملك بالفعل يبحث عن فتاة بمواصفاتك ولكن ليس لتكون خادمته يا إبنة بطني!
ليس خادمته؟، إذن ماذا سأكون.

عادت حليمة تتعجب وهي تواصل حديثها بذهولٍ:
زوجته..!
ضحكت فنار بتهكمٍ وهي تقول:
يا أمي لا تمزحين معي وتسخرين مني، تحدثي وقولي ماذا سأكون في قصر الملك؟
راحت حليمة تهتف بصدق:
يا إبنتي أقسم لكِ بالله العظيم أن الملك تيم يريدكِ زوجة له على سنة الله ورسوله!
لطمت حينذاك على صدرها ووقفت فاغرة فاها بدهشةٍ شديدة، ماذا قالت أمها؟
ماذا يريد الملك؟
هل تحلم؟
هل أمها تمزح معها؟

لكنها أقسمت لها بالعظيم!، ولم تكن تقسم حليمة بربها كذب أو مزاح!
إذن هي صادقة، الملك ذاته يريد فنار زوجة له، بأي عقل قال وبأي قلب؟!
نطق فاها بصدمة عارمة:
رباه!، زوجة له، كيف؟، كيف يا أمي كيف؟
تعجبت مثلك تمامًا يا فنار ولم أصدق حين قال هذا الكلام، فقال لي هكذا اختار قلبي، اختار فنار!
اختار فنار! لا أصدق لا أصدق.

كانت أيريس نائمة حين بدأ الحديث بينهما، لكنها استيقظت بعد دقائق وحضرت الحديث بصدمة وفي صمت لا تصدق هي الأخرى، ومن يصدق؟
حاكم المملكة يطلب فتاة فقيرة مثلها، لمَ؟.!
نظرت فنار إلى أختها وقالت ترمش بعينيها:
هل سمعتِ يا أيريس؟، الملك تيم!.
هزت الأخرى رأسها ومازالت تحاول استيعاب ما قيل، لتقول بخفوت:
سمعت أختي، لعل الله أراد ذلك وذلك على الله يسير!
فقالت حليمة بهدوءٍ:
ونعم بالله الملك العلي، سبحانك سبحانك!

استفاقت فنار من صدمتها قليلًا وهي تقول بتساؤل:
ولكن يا أمي هل ستوافق الملكة قسمت؟ أم هي موافقة بالفعل عليّ؟
لا أعلم فنار، ولكن لطالما تكلم الملك إذن هي موافقة بالتأكيد.
وقالت أيريس بجدية:
ثم إن الملك تيم يأخذ أي قرار وينفذه حتى وإن رفضت أمه.
ولكن إذا كانت رافضة ستتعذب إبنتي فنار بشدة.
أسرعت فنار تهتف بسعادة عارمة:
الملك تيم سيحميني يا أمي، الملك تيم، الملك تيم!

أخذت تدور حول نفسها والفرحة تغمر قلبها الصغير بينما تصفق بيديها وهي تردد:
ما هذه الروعة، أنا سأتزوج من الملك!
ثم توقفت وقد قالت بحزن:
ولكن لمَ أنا تحديدًا يا أمي، أنا سمراء اللون وهو وسيم للغاية كيف؟ وما الذي أحببه في!

جلست الملكة قسمت قبالة إبنها تيم وأخذت تنظر له منتظرة الأمر الذي يريدها لأجله..
أما عن تيم فقد تحدث قائلًا بثبات دون أن يرمش له جفنا:
سأتزوج.
تهللت أساريرها واتسعت ابتسامتها بشدة وهي ترد عليه:
جيد جداً يا إبني، مبارك مقدما يا تيم، هل أقنعتك جلنار بهذه السرعة؟
نظر لها ثم واصل بكلام مبهم:
أقنعتني بماذا يا أمي؟
فأجابت:
بزواجك من الملكة روكسانا شقيقة أوار، هي جميلة للغاية وتليق بك واختيارك موفق.

زفر تيم بعنف، ثم حاول ضبط أعصابه وهو يقول:
توقفي يا أمي، أنا لن أتزوج روكسانا ولم ولن أحبها!
تغضن جبينها، فيما تسأله باستغراب:
إذن من ستتزوج يا تيم؟
نهض والتفت موليها ظهره وراح ينظر من النافذة، بينما يكتف يديه خلف ظهره قائلًا بهدوءٍ تام:
سأتزوج فنار يا أمي.
نهضت وقد قلِق فؤادها وهي تسأله بحذر:
من هذه؟
فأجاب بنفس الثبات:
هذه إبنة حليمة، بائعة التوت.
فضحكت مُكملة:
أتمزح؟

لا أمزح، قلبي يريد فنار إبنة بائعة التوت ولن أتخلى عن ذلك.
أنت جننت بالتأكيد يا تيم، لن أسمح لك أبدًا، ستلوثنا على آخر الزمان؟
التفت يواجهها بحدة:
لا أريد إلا حقي، وحقي أن أتزوج من ينبض القلب لها وهو قد نبض لفنار، لا يهمني من تكون، يهمني أن تبقى لي لطالما كانت من الأشراف.
هزت رأسها بعدم تصديق وقد أوشكت على الصراخ:.

لا أصدق، ماذا سيقولون الناس؟ ماذا يا ملك مملكة الأسد؟، أتتزوج من فقيرة أمها تبيع التوت؟! وليس هذا فحسب، بل إنها سمراء لم تلق بجمالك ولا جمال العائلة كيف سنعيش مع هذه الحشرة؟
أمي، أنا من سأعيش معها، ليس أنتِ.
صرخت بوجهه في غضب عارم:
أنت مجنون!، لن تتزوجها أبدًا ما حييت يا تيم.
بل سأتزوجها، لن تمنعيني أنتِ!
برقت عيناها بشراسة وهي تهتف بانزعاج:
هل تتحداني؟
فقال صائحا:.

لم أتحداكِ، أردت زوجة وهذا لا يخص أحد، عذرًا أمي لن أخضع لكِ ما دمت لم أفعل الخطأ ولن تحرمي ما حلله الله!
أخذت تهز ساقها في غضب جم وهي تحدجه بشراسة قاسية، فيما تقول بعنف:
ستلاحقك لعنتي في كل مكان وغضبي عليك إلى يوم الدين إن لم تتراجع عن هذه الخرافات!
هز رأسه موافقًا وقال بضيقٍ:
شكرًا لكِ يا أمي، سأدعو الله أن يلين قلبك وترضين عنّي ولكن فنار ستكون زوجتي في أقرب وقت عذرًا منكِ!

دقات عنيفة على باب الدار أفزعتهن، فنهضت حليمة لتفتح وإذا بسيدة عجوز تهتف بامتعاضٍ:
أهلا يا حليمة، أتيت إليكِ لأعرفك أن لم تبعدِ ابنتك الضائعة عن إبني لسوف أفضحكن!
قالت حليمة بغضب:
ماذا تقولين؟، من إبنك هذا؟
إبني محروس يا حليمة، وتلك إبنة الحرام التي تربينها أنتِ تغازله وتأتي إلى بيتنا بعد أن أنام ليلًا وتحاول ايقاع ولدي في شباكها.
صرخت حليمة بوجهها وهي تقول:.

إلزمي حدودك يا امرأة، إبنتي أشرف فتاة في هذه المملكة أنتِ تهزين وتتحدثين عن إبنتي، أقسم إن يتكلم عنهما أحد بسوء لقتلته.
ضحكت العجوز بتهكمٍ قبيل أن تخبرها:
اسأليها إذن وستعرفين وتتأكدين من كلامي، ابنتك الشريفة تحوم حول إبني وجيرانك يعرفون هذا.
ازدردت حليمة لعابها وقد قلقت بالفعل، هل تتحدث العجوز بصدق؟، هل ستخذلها ابنتها وبالفعل كما تقول هذه؟

نادت عليها بغضب، وحضرت أيريس وهي ترتعش، ووقفت كمن سيُحكم عليه بالموت الآن وهي تسألها أمها بجدية:
هل تعرفين إبن هذه المرأة؟
وكانت خيبة الأمل حينما هزت رأسها ب نعم!
لطمت بشدة على صدرها وشهقت، لقد خذلتها ووضعتها في موقف لا تحسد عليها، أما أيريس فكانت تبكي بحسرة و فنار تعانقها وتضمها إلى صدرها وكأنما تخبئها عن العالم بأحضانها، وتكلمت العجوز بثقة:.

ألم أقل لكِ يا حليمة؟، ابعدي ابنتك وعلميها كيف يكون الحياء!
ثم استدارت ماشية وانصرفت وتركتهن في حالة يُرثى لها، وبعد أن دخلن دارهن مجددًا حتى قامت بصفعها عدة صفعات بينما تصرخ بها:
ماذا فعلتِ بنا، لمَ؟، أنتِ، أنتِ يا أيريس؟
ازدادت الأخرى بكاء هيستيري وهي تتوسل لها بقولها:
سامحيني، بالله سامحيني
جذبتها من شعرها وهي تلقيها على الفراش وتهتف:
أسامحك؟، لقد وضعتِ رأسي بالطين.

انهالت عليها ضربا وكانت فنار تتلقى الضربات بدلا منها وهي تتوسل لأمها أن تكف عن ضربها، لكن حليمة كمن فقدت وعيها وظلت تضربها بشدة إلى أن فقدت وعيها بالكامل...

هذا بالتأكيد جن!
تحدث تيجان في غضب شديد وهو ينظر إلى زوجته التي أكدت على كلامه قائلة:
لقد ذبحني يا تيجان، تخيل أن تكون زوجة إبني حشرة مثل هذه؟
حبيبتي، أنا أشعر بكِ، معك كل الحق، هذا لابد له من وقفة.
قالت بحسرة:
ماذا أفعل يا تيجان؟
فقال بخبث:
الحل معي، ولكن هل ستوافقين؟
ما هو؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة