قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الرابع عشر

سارت بخطواتٍ متزنة ورأسها مرفوع بكبرياء، أمرت الحارس الواقف أمام الزنزانة التي تضم زوجها تيجان بالداخل بأن يفتح ذاك المزلاج المتين ويطلق سراحه، لكن الحارس أبى ذلك وهو ينحني لها قائلًا:
جلالة الملكة قسمت، هذا أمر الملك تيم، المعذرة سيدتي لن أستطيع اخراجه دون أمر من الملك شخصياً
اشتعلت عيناها بوميضٍ غاضب وهي تقترب من الحارس قائلة بعنفٍ:.

هل جننت؟!، أنا أأمرك أن تفتح، وما عليك سوى أن تقول سمعا وطاعة!
سيدتي، بعتذر منكِ، أخبري الملك أولاً، ثم سأفتح كما أمرتيني جلالتك
صرت على أسنانها بقوة، هل ألغى شأنها أيضًا؟ بعد أن كانت تأمر وتنهي كيفما شاءت؟!، هل نفى وجودها إلى هذا الحد؟!
تيم!

صرخت باسم ابنها وهي تمشي بخطواتٍ سريعة متجها إلى حجرته، لقد عمى الغضب عينيها وهي تركض بينما تمسك بفستانها بكلتا يديها، ما إن وصلت إلى غرفته حتى طرقت بعنف وانتظرت هُنيهة حتى قام تيم بفتح الباب وهو يقول هادئاً بنبرة ثلجية:
مرحبا يا أمي، تفضلي
هتفت بالمقابل أمام وجهه حانقة:.

ماذا تظن نفسك فاعل يا جلالة الملك؟، هل نسيت ذاتك؟ نسيت أنني أمك، أنني الملكة قسمت، منذ متى وأنت بهذه القسوة؟ أصبحت لا تحترم وجودي وهذا الذي كنت أنتظره منك يا إبني، تماماً كما حذروني!
كان جامدا ثابتا لا يحرك ساكنا وهو ينظر لها من علو، ثمة تحرر من صمته المهيب وهو يقول بجديةٍ:
من هم الذين حذروكِ مني يا أمي!؟، تقصدين زوجك الفاسد وابنه الفاشل، أليس صحيح يا جلالة الملكة قسمت؟

فقالت من بين أسنانها المطبقة على بعضها بشدة:
لا تتكلم عن زوجي بالسوء، لن أسمح لك أبدًا، هل تفهم؟
ابتسم مُتهكمًا لردة فعلها؟!، غريبة هي، غريبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بدلا من أن تمنحه الحنان، منحته للغريب، في حين أنه لها أقرب قريب، يا له من خزي يتلقاهُ دوما منها..
ولكن، لا بأس هو الأسد العفيّ الذي يتحمل، الذي يواجه بصلابةٍ دون كسر...
حسنا يا أمي، ولكن ما المطلوب مني الآن؟!

أن تعفو عن تيجان، زوجي وكل ما أملك من هذه الدنيا!
قالت جملتها متعمدة جرحه، بينما تواصل في غضب:
هيا اذهب وأمر كلابك بالافراج عنه وإلا لعنتك طوال عمري وغضبت عليك
تملك الغضب منه وهو ينهرها دون وعي:
هؤلاء رجال، لا تنعتيهم بالكلاب، كفي عن هذا التكبر واتقِ الله يا أمي، أنتِ لا تعلمين ما معنى الرجل الحقيقي لأنك تعشقين فاسد منعدم النخوة..
صمت يلتقط أنفاسه المتسارعة بقوةٍ، ثم عاد يتكلم بحدة سافرة:.

لن أفرج عنه يا أمي، ولا حتى لأجل خاطرك أنتِ!
صدمها بهذه الجملة القاسية، وهو صُدم مثلها! ولكن هي من اضطرته أن يفعل، أن يقسو، وأن يبيع، تماما كما باعته واشترت الخبيث..
أفهم من ذلك أن...
قاطعها بصوتٍ اختنق من موقفها ضده:.

لا داعي لإضافة أي كلام، أرجوكِ لا تضغطي عليّ، لقد سامحته آلاف المرات وعفوت عنه، وأنتِ، أنتِ يا أمي كنتِ تعلمين أنه يخطط لقتل زوجتي وتركتيه يفعل بل ورحبتي بذلك، أي قلبٍ تمتلكينه؟، أصبحت لا أشعر أنكِ أمي..!
كلماته كانت بمثابة طعنات مزقت قلبها، هو محق في كل كلمة، هي لم تقدم له يوما ما يحتاجه افقدته حنانها!، وهي تعلم، ولكن تأبى، تتكبر، تصر على موقفها، تيجان أهم..

التفتت دون كلمة أخرى وانصرفت بنفاد صبر قبيل أن يتطور الحديث للأسوأ..
أما تيم فتراجع وأغلق باب الحجرة مرة أخرى، وراح يجلس على الأريكة المقابلة للفراش وعيناها تلمعان بحزن أليم..
نهضت فنار عن مجلسها ومشت ببطء متجهة إليه، راحت تجلس جواره مباشرة وربتت على كف يده برقة بينما تهمس بوداعة:
سيدي، لن أتحمل رؤيتك حزين، تعودت أن أراك مفعما بالحيوية والأمل والابتسامة لا تفارقك رغم صرامتك وهيبتك.

نظر لها وابتسم رغم حزنه، فيما يقول بهدوء:
لست حزينا يا فنار.
قالت بتردد وهي ترتجف:
لقد سمعت حواركما سيدي
تصنع الجدية وهو يقول:
تتنصتين فنار؟
لا وربي، صوتك سيدي كان عالٍ والملكة قسمت أيضًا
هز رأسه بهدوءٍ، فيما واصلت هي:
أرى أنني فعلت لك مشاكل عديدة مع والدتك يا سيدي، لمَ تزوجتني طالما لم أنال اعجابها
تكلم بصرامة وهو يلتقط كف يدها ويضغط عليه:
هذا حقي، ليس شرطا أن تنالي اعجاب الجميع، يكفي اعجابي أنا، أنا فقط.

نظرت إلى الأرض باستيحاء، ثم تابعت بخفوت:
هل لي أن أطلب منك طلب؟!
اطلبي دون تفكير
ابتلعت ريقها ثم قالت بحذر:
افرج عن زوج والدتك، ولا تقطع حبال الود بينك وبينها
ضغط على نواجذه بعنف ومضى يهتف بغضب:
تعلمين ماذا فعل لتطلبي مني هذا؟
نعم، كان يريد قتلي لقد سمعت، وهو من حفر لي الحفرة، أنا سامحته سيدي، اعف عنه
زمجر غاضبا وهو ينهض مبتعدًا عنها قائلًا:
انهضي لتنامي الآن ولا أريد منكِ كلمة أخرى.

حاولت أن تتكلم أو تهدئه، لكنه رفض بقوله الصارم:
هل سمعتِ فنار؟ هياااا!

لن أدعه ينعم بحياته، صبرا يا تيم، أقسم أنني سأقتلك..
همس بشار لنفسه وهو يحتسي من كاس الخمر الذي يمسكه بيده، ثم واصل بغضب:
لا، لا لن أقتله، سوف أجعله يتمنى الموت، سأقتله ولكن سيبقى على قيد الحياة، سأدمره تدميرا
ألقى الكاس من يده فوقع متناثرا متحولا إلى قطع لامعة، رأى انعكاس صورته في تلك القطع فابتسم بشرٍ وهو ينهض حيث جاء منذ قليل..

سار وهو يترنح يمنة ويسرة، إلى أن وقف قبالة الزنزانة، وقال موجها حديثه للحارس:
سأتكلم معه فقط، افسح لي الطريق، فضلاً!
نحى الحارس بجسده وسمح له بالحديث مع من بالداخل، حيث كان محروس الذي ابتسم بخبث دفين وهو يقول بنبرةٍ واعدة:
أعتقد أنك فكرت جيدًا فيما عرضت عليك، مرحبا بك يا صديقي، هكذا نتحد لننتقم!

صباحًا جديدًا..
انتهى من ارتداء ملابسه، بينما كانت فنار مازالت نائمة، راح ينظر لها بتمعن وسار ليجلس جوارها، ثم أخذ يتأملها ملء عينيه، عاتب نفسه قليلًا لقد كان جافا معها البارحة، بل ونام جوارها موليا إياها ظهره غاضبًا منها..
راح يطبع قبلة حانية فوق جبينها النديّ بحبات عرقها، ثم همس بنعومة جوار أذنها:
ربما لو كان يريد قتلي أنا، لعفوت عنه
ثم صمت قليلًا وهو يمسح على شعرها بدفئ:.

لكن، لن أسمح لأحد أن يأخذك مني..
منحها قبلة أخرى وهو يعاود لها الهمس:
أحبك فنار
تخضبت وجنتاها آنذاك واختلجت عضلة فكها من شدة خجلها، ضحك الملك بتعجب وهو يهمس لها بمشاكسة:
تتصنعين النوم فنارتي، هيا انهضي يا شقية، انهضي أريد قهوتي
فتحت عينيها ببراءة وابتسمت بخجل بينما تنهض جالسة ببطء:
صباح الخير سيدي، هل رضيت عنّي؟
رفع حاجبا مع قوله:
عديني الأول أن لا تتدخلي مرة ثانية فيما يخص هذه المواضيع..

أعدك، أعدك لن أتدخل، ولن أغضبك
ابتسم حينها وقال مرحا:
عفونا عنك يا قهوتي
منحته ابتسامة كذلك ونهضت بتمهل قائلة:
دقائق وستكون القهوة جاهزة أمامك
شعرت بدوار خفيف يجتاحها فحاولت جاهدة ألا تظهر ذلك أمامه وابتسمت بتوتر وهي تتجه نحو الموقد الصغير لتبدأ بإعداد القهوة خاصته، لا تعلم ماذا أصابها منذ يومين، تشعر دائماً وكأنها مريضة، ربما ذلك أثر جرح رأسها، هكذا قالت في وليجة نفسها.

شعرت بعد لحظاتٍ به يحتضنها من الخلف وصوته العذب يتسلل إلى أذنها قائلًا برفق:
ما بكِ فنار، أشعر أن هناك شيئا ما تخفينه عني، أنتِ بخير؟
نعم، سيدي بخير، أنا بخير
لم تسمع منه حرفا آخر سوى تنهيدة عميقة وهو يتكئ بذقنه فوق كتفها، يتشمم رائحتها الطيبة بصمت..

فتحت أيريس الباب وهي تتثائب بكسل وتفرك عيناها أثر نومها، بينما تقول بضيقٍ:
يا أمي لمَ لم تأخذين المفتاح معك، لقد أيقظتيني من حلمٍ جميل..
ثم ما لبثت أن صرخت صرخة صغيرة وهي تداري جسدها بالكامل خلف الباب، ونظرت للواقف أمامها بعدم استيعاب وهي تقول:
أنت!، ماذا تريد؟
تنحنح سليمان بحرج وهو يواصل ناظرا إلى الأرض:
جئت لأبلغ السيدة حليمة، أن الملكة فنار تدعوها لتتناول الغداء معها لأنها اشتاقت لها.

تنهدت أيريس وأومأت برأسها في صمت، بينما واصل سليمان بارتباكٍ:
هل تريدين شيء أجلبه لكِ؟!
لا، من فضلك اذهب من هنا الآن
عض سليمان على شفته بحرج، هل يخبرها الآن؟!، أم ينتظر ويتمهل؟!، ها هي أمامه فلمَ لا يتكلم ويصارحها بحبه؟
زفر بعنف واستدار ماشيا وهو يلعن نفسه، ثم قال لنفسه بضيقٍ:
غبيّ!، لا بأس مؤكداً سأخبرها عندما تأتي مع أمها إلى القصر.

تتكلمين جد؟
هتفت فنار بطفولية وهي تكمل بحماس:
وأين هذه الجزيرة إذن؟!
أجابتها الخادمة بابتسامة:
لست بعيدة يا سيدتي، تعالي معي وسوف تقضين وقتا ممتعا بها
مطت شفتيها وهي تحدث نفسها:
ولكن الملك لم يأخذني إليها قط!
فُتح الباب فجأة وولجت جلنار وهي تهتف بابتسامة:
صباح الخير فنار، كيف حالك اليوم؟
حمدا لله
اقتربت جلنار وهي تمسك بكوب العصير المعتاد ومدت يدها لها وهي تقول:
تفضلي ملكتي..

أخذته منها بعفوية وتجرعت منه متلذذة بمذاقه قائلة بمحبة:
شكرا لكِ جلنار، أنا ممتنة لكِ جداً..
ابتسمت جلنار وتابعت متسائلة:
أين تيم؟
اجابتها بهدوءٍ:
هو بعيداً عن القصر الآن، قال لي أن لديه أعمال هامة، لا أعلم إلى أين ذهب تحديدًا
صمتت قليلًا ثم تابعت بحماس:
أنا سأذهب إلى الجزيرة التي تحكي عنها تلك الخادمة، تقول أنها ممتعة للغاية..
حسناً وقتاً ممتعاً فنار..

انصرفت ما إن أنهت جملتها، بينما خرجت فنار بصحبة هذه الخادمة متجهة إلى وجهتها حيث الجزيرة التي سمعت عنها..
بعد وقتٍ قليل، كانت قد وصلت بصحبة الخادمة..

هناك بحرٍ كبير للغاية، وأشجار كثيرة كثيفة عالية مزينة بالأزهار، والأرض خضراء، لكنها خالية، مُجردة من الأمان، هكذا شعرت وهي تتجول بها، رغم جمالها الخلاب إلا أنها شعرت وكأنها صحراء قاحلة، لا تعلم لماذا اجتاحها الخوف بلا رحمة، ونظرت خلفها فلم تجد الخادمة، إلى أين ذهبت؟

شهقت برعب وهي تتلفت حولها تحاول الركض لكن تيبست ساقيها مكانهما ولم تستطع الحراك، وعلت أصوات مخيفة في المكان جعلتها تصرخ باكية وهي تهتف باستنجاد:
يا الله، يا الله..
أظلمت الدنيا فجأة وعلت أمواج البحر بشدة محدثة صوتا يرج الابدان، ازدردت ريقها، وما لبثت أن شهقت وهي ترى نفسها داخل مياه البحر الغادرة والأمواج تتلاعب بها بلا رحمة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة