قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الخامس عشر

قاومت الأمواج بضعفٍ وهي تلوح بذراعيها وتصرخ لعل أحد يسمعها فينقذها، لكنها لم تجد النجدة فلا يوجد سواها مع الأمواج والأشجار وتلك الجزيرة الملعونة، كانت تبكي بيأس، وقد علمت أن هذه النهاية لا محال، ستموت الآن، تذكرت كل لحظاتها السعيدة التي جمعتها بتيم، كانت هذه أفضل مرحلة بحياتها كلها، أخذت دموعها تزداد وتنهمر بكثافة، وراحت تسعل وهي تستسلم للأمواج فكل مقاومتها باتت فاشلة، أغمضت عيناها وهي تستغفر سرًا، وفجأة، وجدت زئير يصدح عاليا في الجزيرة، فتحت عيناها مرة أخرى وقد علمت أن هذا الزئير ل رعد، لقد أتتها النجدة، الملك حبيبها قد جاء لينقذها..

أسرع رعد يركض وهو يزأر يحاول إنقاذها، وأخذت هي تحاول الوصول إليه بكل ما تمتلك من قوة، حاولت أن تسبح، وكان رعد يحاول أيضًا، وظلا هكذا إلى أن تقاربت المسافة بينهما، فراح رعد يشدها من ثيابها المبتلة بفمه القوي، فخرجت من البحر وارتمت على الأرض الخضراء فاردة ذراعيها وهي تتنفس الصعداء، بينما أخذ يحوم رعد حولها، لقد كان بمفرده معها دون صاحبه الملك، وهي تعجبت لذلك وعيناها تبحثان عن حبيبها لعله بالقرب منها، لكنه لم يكن موجود..

انهضي واصعدي خلف ظهري لأسير بكِ أيتها الملكة.
فتحت عيناها على اتساعهما برعبٍ شديد؟!، من الذي تكلم الآن؟!.
لا، لا هي تتوهم مؤكداً، مؤكداً..
فعاد يردد:
هيا، لا تضيعي الوقت يجب أن نرحل من هنا الآن، الملك على وصول إلى هنا لابد أن نلحق به في الطريق، هيا
رمشت بعينيها عدة مرات ولم تستعب بعد؟!، ماذا؟!، رعد يتكلم؟!
هيا، اصعدي فوق ظهري وتشبثي بي، بسرعةٍ!

ازدردت لعابها بصعوبة ونهضت ببطء شديد من الأرض وصعدت فوق ظهره ومازالت عيناها تسعتان بدهشة، استلقت فوق ظهره الصلب وأخذ يسير بها بخطواتٍ سريعة فابتعد عن الجزيرة ومشى في طريق في آخره يقف الملك، ومن معه جنوده والخيل، كان يسير بتلهفٍ بواسطة الخيل خاصته وما إن رآها مُقبلة على ظهر رعد هبط بقوة من فوق حصانه وأسرع راكضًا إليها، فحملها من فوق ظهر الأسد وضمها إليه بقلق وهو يتنفس بعمق، بينما يهتف بعتاب وقسوة في آن واحد:.

لماذا فنار، لماذا خرجتي من القصر
لم ترد عليه، فقط كانت متشبثة به بشدة وتدفن وجهها عند كتفه، وفجأة وجدته يرفعها على الحصان ويصعد خلفها ثم يعود ليضمها إليه مجددًا، سار الحصان بهما بتمهل وراح يمسح على شعرها المبتل بيده وعلى وجهها، تنهد بارتياح وهو يراها تستعيد انتظام تنفسها وتهدأ رويدًا، همس لها بجدية:
أنتِ بخير؟
أومأت برأسها بضعفٍ والتفتت قليلًا كي تتمكن من رؤيته، ثم قالت بصوت خافت وهي تبكي بنعومة:.

أنا آسفة.
لكنه لم تلن ملامحه المتجهمة وهو يخبرها بنبرة واعدة:
هناك عقاب ينتظرك، وهذا الاعتذار خاصتك غير مقبول، لقد أرعبتيني جراء طفوليتك تلك يا فنار!
سيدي لقد كنت...
قاطعها واضعا كفه على فمها برفقٍ وهو يقول بحزم:
لا تتكلمي، أنتِ متعبة..
وضعت رأسها على كتفه وقد اطمئن قلبها في حضرته، بينما تسمعه يهمس بغيظ:
لا أعلم ماذا كان سيحدث لكِ إذا تأخر رعد قليلاً!
التفتت له مرة أخرى وقد تذكرت رعد!، فيما تسأله بذهولٍ:.

ذكرتني، رعد؟، كيف يتكلم؟، كيف سيدي لقد صُعقت عندما تكلم
شش، اخفضي صوتك فنار، لا أحد يعلم هذا السر، رعد الأسد الوحيد بالمملكة الذي يتكلم بلغتنا، إياكِ أن تخبري أحد فنار!
أومأت برأسها وهي تردد بدهشة:
يا للعجب، حسناً سيدي لن أخبر أحد
تنهد وهو يأخذ رأسها ويضعها فوق كتفه قائلًا بجدية مصطنعة:
لا تتحدثي فنار، لا أريد أن أسمع صوتك الآن، أنا غاضب، غاضب وبشدة منكِ..

اختتم جملته بقبلة فوق وجنتها وهو يهمس بحزمٍ رفيق:
سأعاقبك.

ضحكة عابثة أطلقتها روكسانا وهي تخبر جلنار بخطتها:
نعم، أنا من دبرت لها هذه المكيدة، أنا سعيدة للغاية جلنار، وأخيراً انتهت من حياة الملك وغرقت بالبحر.
نظرت لها جلنار بدهشة وقالت:
يا الله، يعني فنار، ماتت الآن!
أومأت برأسها مؤكدة وهي تهتف بارتياح:
لا تخافي، تيم سيحزن قليلًا ثم ينسى أمرها، المهم، دعنا نفكر بالمستقبل القادم لي ولكِ جلنار
لي أنا!
نعم، ستتزوجين أخي أوار، حبيبك.

أنهت كلامها بغمزة من عينيها وهي تربت على كتفها، فابتسمت جلنار بخجل وقالت:
أوار!، أنا أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر..
عن قريب حبيبتي، عن قريب
نهضت روكسانا وهي تدور في بهو القصر بينما تقول بخفوت:
عن قريب سأكون أنا ملكة هذا القصر، وستكونين أنتِ زوجة حاكم مملكة النمور، تخيلي معي جلنار؟!
ضحكت جلنار وهي تصفق بيديها فيما تهتف بفرحة عارمة ؛
يا الله، أوار هذا حلم حياتي..

لحظاتٍ مرت ووجدتا تيم يلج وهو يحمل فنار بذراعه اليمنى ويده الأخرى تمسد على شعرها المبتل صعودا وهبوطا، حدجهما بنظرة قاسية تنبئ عن عاصفة قادمة، بينما اتسعت عينا روكسانا وهي تناظره بذهولٍ تام، ألم تغرق فنار؟!
مفاجأة، أليس كذلك؟!
كانت جملة تيم التي صدحت عالياً بينما انكمشت جلنار على نفسها تحاول الاختباء بعيدا عنه، فهتف مجددًا بنبرة شرسة:.

ماذا جلنار؟ انظري إليّ!، حدثيني، أتتفقين مع هذه؟، وكل هذا لأجل أن يرضى عنك أخيها النذل، أليس صحيح جلنار؟
لم تستطع النظر إليه، فقد كانت ترتجف وهي تسمع منه حقيقتها، ازدردت ريقها وهي تسمع خطوات أقدامه تتجه إليها بعد أن قال آمرا لخادمة زوجته الخاصة:
اصطحبي فنار إلى الحجرة وأبدلي لها ثيابها وأعدي لها الطعام ريثما آتي إليها.
ثم واصل وهو يكتف يديه خلف ظهره بحدةٍ:
ارفعي رأسك وانظري إليّ جلنار.

رفعت رأسها ببطء شديد وهي تنظر له بالكاد، وما لبث أن هوى بصفعة مدوية على صدغها وهو يصرخ بها:
سأعيد تربيتك، اذهبي الآن إلى غرفتك، هياااا.
فرت هاربة منه وهي تصرخ باكية، فتحرك متجهًا إلى روكسانا التي وقفت مرفوعة الرأس، ليقول بصوتٍ أجش صارم:
أما أنتِ، فحسابك لم يأت بعد، اذهبي من هنا ولا تريني وجهك في هذا القصر مجددًا، وإلا، ورب السماوات اعتقلتك في سجوني وجعلتك عبرة لمن يعتبر، اذهبي من هنا.

ظلت واقفة متجمدة مكانها وهي ترمقه بنظراتٍ نارية بينما تهتف بحسرة:
ماذا تحب بهذه السمراء؟ إنها...
قاطعها صائحا بصرامة مخيفة:
ليس من شأنك، هيا غادري لا أريد رؤيتك وجههك ولا سماع صوتك القذر
ابتلعت الإهانة ورمقته بتوعد، ثم استدارت بعنف خارجة من القصر وهي تلعنه في سرها..

ما هذه؟!
همس بشار الذي انحنى بجزعه إلى محروس الذي ضحك بشر وهو يقول بخبث؛
هذه، بودرة صُنعت حديثاً لا أعلم ممن صُنعت، ولكن أعلم مفعولها جيدًا
تابع بشار متسائلًا:
ما مفعولها إذن؟
أجابه رافعاً أحد حاجباه
أرني شطارتك ودعني أهرب من هنا، ثم سأقول لك ما مفعولها
أنا وعدتك، سوف تخرج من هنا ولكن اعلمني ما مفعولها رجاءً!
لمعت عيناه بوميض خبيث، ثم همس:
سأقول لك، هذه...

اندفعت فنار إلى أحضان والدتها التي ولجت من باب الحجرة الان بصحبة أيريس، عانقتها بحرارة وهي تهتف باشتياق ؛
أمي، اشتقت لك يا حبيبتي
حبيبتي، وأنا أيضاً، كيف حالك يا أميرتي
ضحكت وأخبرتها:
أنا بأفضل حال يا أمي
مسدت حليمة على رأسها في حنوٍ وهي تقول:
أدام الله هذا يا إبنتي..
كذلك صافحت أيريس بمودة وجلسن بعد ذلك يتحدثن وتتعالى الضحكات في مرح...
إلى أن قالت فنار بابتسامة ودودة:
أيريس، هناك خبر سيسعدك حقا.

نظرت لها أيريس وتابعت بفضول:
ما هو؟
وقالت حليمة كذلك
ما هو فنار؟
أردفت فنار وقد ابتسمت باتساع:
أخبرني سيدي، أن سليمان مساعده وذراعه الأيمن شخصيا يحب أيريس ويريد أن يتزوجها
رفرف قلب السيدة حليمة وراحت تقول بحماس:
يا الله، لقد استجاب ربي وسيعوضك خيراً يا أيريس، سبحانك سبحانك، اللهم لك الحمد
ذهلت أيريس من هذا وهي تقول:
ماذا؟، سليمان، كيف كيف فنار؟

ما بكِ؟ هكذا يحبك، أيريس الملك بذاته مرحبا بذلك وسعيد لهذا الحب، لا تستغربي أنسيتي ماذا قلتِ لي من قبل؟ حين طلبني الملك قلتِ لي لعل الله أراد ذلك وذلك على الله يسير!
أومأت أيريس برأسها وهي تنظر إلى الأرض وتتساءل، كيف؟ وهو كلما رآها عنفها؟ كيف يحبها؟

بعد مرور الوقت...
قد خرجت من القصر بصحبة أمها وسارتا معا بين الحدائق، ليتابعهما سليمان وتلتقي عيناه بعينيها الجميلتين في نظرة دافئة، ولأول مرة تراه يبتسم، يبتسم بحنوٍ وهو يضع يده مكان قلبه مباشرة ومنحها غمزة من عينيه، فشهقت بخفوت ونظرت أمامها وأسرعت خطاها وقد دق القلب معلنا بدأ عاصفة المشاعر...

تدثرت فنار بغطائها في الفراش وأغمضت عيناها هاربة من أسدها الذي دخل الآن وبدأ في تغيير ثيابه وهو يتابعها بنظرة عاشقة مع ابتسامة رائعة، يعلم أنها خائفة الآن وتتصنع النوم..
اقترب ما إن أبدل ملابسه واندس جوارها وأخذ يمسد شعرها الناعم بحب، بينما يهمس بثباتٍ:
أعلم أنكِ لست نائمة يا صغيرة
ازدردت لعابها وهي تعصر عيناها وتدفن وجهها بالوسادة، فضحك مستمتعا مع قوله:
افتحي عينيكِ، لن أؤذيكِ.

فتحت عينيها سريعا والتفتت إليه مبتسمة، ثم قالت بخجل:
مؤكداً؟
وهل تظني غير ذلك؟
توردت وجنتيها بحمرة الخجل، مع همسها الحنون:
لا أظن، ولكن أنت وعدتني بعقاب، فخفت أن تنفذ
قرص وجنتها برفقٍ ثم همس بود:
كنت أنوي، كنت!، لكن الآن تبخر كل شيء، كيف أعاقبك وأرى دموعك وحزنك، لا شيء يسعدني سوى ابتسامتك يا صغيرة
ثم تابع محذراً:
ولكن، إن تكرر هذا الأمر وخرجتي دون علمي حينها سيكون عقابا صارما.

أومأت برأسها في سعادة ونهضت جالسة على الفراش وهي تهتف:
حسناً سيدي، الآن سأعد لك القهوة
وقفزت من الفراش إلى الأرض بعفوية، فضحك مقهقها وهو يقول من بين ضحكاته:
أسرعي، قهوتي.

سار سليمان بهيبته بين السجون اشرافا عليهم، دخل إلى الزنزانة التي تضم محروس وأخذ يرمقه بنظراتٍ عدائية كريهة، بينما ابتسم محروس وهو يقول بسخرية:
المملكة كلها تتحدث عن حب السيد سليمان ل ابنة بائعة التوت، مبارك سيدي
ليس شأنك أنت يا حقير..
مسح محروس على وجهه ونهض قائلًا بجمود:
ولكن أريد أن أخبرك سرًا سيدي
اقترب سليمان وقال بغضب:
سر ماذا؟
كشر عن جبينه ثم نطق بتشفٍ:.

هذه الفتاة، غير شريفة، حتى أنها ليست عذراء!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة