قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الحادي عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الحادي عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الحادي عشر

أخذت تسير جيئةً وذهابًا وهي تفرك كلتا يديها ببعضهما في قلق، إلى أن رأته قادم إليها وهو يسألها بثبات:
جلنار، ماذا حدث؟
فأجابت عليه بضيق:
لقد غضب مني تيم، وعاتبني وأنا لن أتحمل غضبه مني، هذا أخي يا أوار، ماذا أفعل؟
تنهد أوار بضيقٍ وهو يهتف بحدة:
ماذا فعلتِ ليغضب؟
فقالت بخفوت:
عاملتها بجفاء.
أنتِ مخطئة جلنار ولم أتفق معك على ذلك..
ولكن يا أوار...
قاطعها بصرامة:
هذا هو الحل صدقيني جلنار...

اسمعينا جيدًا يا جلنار!
كانت هذه العبارة ل روكسانا التي جاءت من خلف أخيها تهتف هي الأخرى بعدائية:
أوار محق فيما يقول، وهذا الحل الأمثل لطرد هذه اللئيمة من القصر وخروجها من حياة أخيك تماماً.
صمتت جلنار وهي توزع نظراتها عليهما في خوف، بينما يُواصل أوار بخبث:
القرار يرجع أخيرا لكِ حبيبتي، أنا أود أن أبدأ معك حياتي دون أي نزاع وخروج هذه من حياتكم سيفرق كثيراً..
بينما تردف روكسانا:
هل اتفقنا جلنار؟

هزت رأسها مرغمة وقالت:
اتفقنا..

تحت أشعة الشمس الذهبية كانت تمشي بين الأشجار والحدائق تشب على قدميها وتقطف حبات المانجو..
تأكل منها بنهم وتلذذ بينما تلطخ وجهها وثيابها كعادتها، لكنها لا تهتم، لقد تحدث معها الملك البارحة، أن تكون متزنة أكثر من ذلك، أن لا تكون عفوية إلى هذا الحد، لقد أصبحت حرمه، أصبحت الملكة فنار فلتتعامل على هذا الأساس..
كانت عيني قسمت ترقبانها عبر النافذة والغيظ يشتعل بها كالنيران، ماذا تفعل؟
أهذه زوجة ابنها؟

لا تُصدق، لا تصدق، لقد خذلها وجاء بهذه البلهاء زوجة له وجعلها ملكة!
بينما شعرت ب تيجان يقف خلفها وهو يهمس بشراسة:
هل رأيت الفضائح يا قسمت؟
رأيت، وسأموت، حتماً سأموت
لا، بل هي، ستموت
نظرت له بصدمة وهي تقول
هل مازلت تنوي قتلها؟
فقال والشر يتطاير من عينيه:
نعم، سأقتلها ونستريح..
ماذا، ستفعل يا تيجان؟
تابع وقد صر على أسنانه بقوة:.

سأحفر لها حفرة، ستقع بها وستموت، كأن قدميها انزلقتا وهي تركض كعادتها، لا تخافي لن يعرف تيم شيئا أنا قد رتبت كل شيء
احذر يا تيجان، ان علم تيم سيحدث ما لم تتوقعه!

مازالت فنار تمشي بين الحدائق تلعب مع الفراشات التي تتراقص فوق الأزهار بحرية، كانت الابتسامة ملء شدقيها وهي تقفز بلا وعي منها غافلة عن عيني تيم المتابعتين لحركاتها، أثارت غضبه وغيظه لكنه لم يستطع منع ضحكته الخافتة، لا يعرف ماذا تفعل به، انها تضحكه بشدة دائما حتى وهو غاضبا منها ويريد قتلها من تصرفاتها المجنونة..
أخذ يقترب منها ببطء، وهي مازالت تلهو مع الفراشات..
ما هذا؟

تجمدت أوصالها وكأنها تصلبت مكانها عقب أن سمعت صوته الجهوري الذي بدا وكأنه رعد يدوي في أذنيها، أغمضت عيناها بشدة وهي تلتفت له وتقول بلا مقدمات:
أنا آسفة، لن أفعل هذا الهراء مجددًا
اقترب منها أكثر وراح يمسح على ثغرها بإبهامه بواقي المانجو التي أكلتها، بينما يقول باقتضابٍ:
إذن أنتِ تعلمين أن هذا هراء!، ماذا قلت بالأمس فنار، هل هذه تصرفات ملكة؟
ابتلعت ريقها وهي تجيب بأدب:
لا..

لماذا فنار، لماذا لم تسمعي كلامي؟!
سأسمع، أعدك سأسمع دائماً
مضى يتأمل ملامحها بعينين براقتين تتوهجين عشقا جارفا، كم يحبها تلك السمراء، كم تأسر قلبه النابض..
حسنا، سأصدقك، هيا أريني كيف تسير الملكة!
ابتسمت بثقة وسارت أمامه قبيل أن ترفع رأسها وذقنها كما علمها، وتقوم بفرد ظهرها وكتفيها كما علمها أيضًا، وتسير هكذا القدم اليمنى أولا ثم اليسرى..

سار خلفها وهو يكتم ضحكته بينما هي تسير ببطء حتى لا تسقط، إلى أن اصطدمت بشيء ما، فاضطرت لأن تنظر أرضا لتجده رعد!
اتسعت عيناها وانتفضت خائفة وركضت خلف ظهر زوجها لتحتمي به، لكنه ضحك بيأس وهو يجذبها من ذراعها ويجبرها على الوقوف بجانب الأسد، ثم يهتف بنفاد صبر:
هل كنت أحدث نفسي فنار، لا تخافي هل تفهمين؟
راح الأسد يتمرغ بها ويدور حول ساقيها بينما هي متسعة العينين بذعر وتهمس بتلعثم:
س سيدي، إنه يلتصق بي!

انفجر ضاحكا وهو يخبرها ببساطة:
هذا يعني أنه أحبك فنار، لذلك هو يتمرغ ويلتصق بكِ هكذا، لا تخافي وتعاوني معه
بدأت تهدأ تدريجياً مع تشجيعه لها واطمئنانه، وبدأ الائتلاف يكتمل بينها وبين الأسد، تجرأت ومسحت على ظهره، ما إن يزأر تبتعد، ثم تقترب وتبتعد، إلى أن استطاعت التعامل معه بحب، وابتسامة..
ابتسم تيم وهو يقول بجدية:
هكذا أفضل أليس كذلك يا قهوتي؟
أومأت برأسها في ارتياح ثم قالت:
نعم، نعم سيدي، أحببته.

سأتركك معه وأذهب إلى حجرة عملي لأنهي بعض الأعمال
ترددت وهي تقول بخوف قليلًا:
سآتي معك، سي...
ابقي مع رعد..
أومأت في طاعةٍ، بينما مال إليها قبل أن يسير وهمس بأذنها:
كفى تدليلا فنارتي..
ثم همس بشيء اخر في اذنها الأخرى جعلها تحمر خجلًا وتركها على ذلك ورحل، ابتسمت بسعادة وكادت تقفز لكنها وقفت مكانها وهي تهمس إلى نفسها بحزم:
هذه أفعال ملكة؟
ثم نظرت إلى رعد وقالت بتوتر:.

حسنا يا رعد، أنت لست جائع، صحيح؟، إياك أن تشعر بالجوع الآن!
استدارت لتسير ببطء وابتعد عنها رعد ليتجول هو الآخر بالحدائق، ظلت تنادي عليه تارة وتتركه تارة وقد صاحبته تماما ووجدته رائعا كصاحبه الملك...

ساعة، قد مرت..
انزلقت احد قدماها في حفرة لا تعلم من أين ظهرت الآن، وسقط على وجهها فاصطدمت جبهتها بالأرض بقوة، حتى أنها أصدرت صوتا عاليا، صرخت صرخة واحدة وبعدها تغيبت عن الوعي تماما...
تجمهرت الخادمات في غضون ثوانِ وتصاعد الخبر إلى أن وصل للملك الذي انتفض صارخاً باسمها الحبيب..
أسرع في خطواته ووجدها ملقاه والدماء تسيل من رأسها، لوهلة شعر أنه قد فقدها، هي تبدو الآن كالأموات...

اتسعت عيناه ذعرا وانحنى ليحملها بينما يصرخ بالجميع قائلًا..
الطبيب، الطبيب..
في أقل من دقائق كان الطبيب يفعل لها اللازم وهو يجاورها في الفراش يحتضنها بعنف وهو يدعو أن تفيق، بينما تقف أمه وتتعجب، ويقف تيجان يتمنى أن تنجح خطته الدنيئة و بشار كذلك..
قال الطبيب بحذر وهو يحاول معالجتها:
جلالة الملك، هل تسمح بالابتعاد قليلاً ريثما أنهي تطهير الجرح
لم يتحرك تيم وسأله بعصبية:
هل ستسيتقظ أم ماذا؟..

أومأ الطبيب بجدية وهو يطمئنه:
نعم سيدي، ستتعافى بإذن الله، لا تقلق..
أكمل الطبيب عمله برفق وهو يحاول ألا يطلب من تيم أن يبتعد مجددًا، فما أن يبتعد انشا يعود ويقترب منها متلهفا..
لقد تعجب الجميع، لقد تعجب الجميع من خوف الملك تيم، لم يره أحد من قبل في مثل هذا الوضع، لكنهم لا يعلمون أنه هذا الحب، وأنه الملك عندما يعشق..

انتهى الطبيب أخيرًا بعد أن اضمد الجرح ولف رأسها بلفافة بيضاء وأعطاها مسكن لتلك الآلآم، فسأله تيم بصرامة:
لم تستيقظ؟!
فقال الطبيب:
لأني قد أعطيتها مهدئ سيدي، لا تقلق هي بخير لابد أن ترتاح فقط وستفيق بعد مرور ساعتين على الأقل، لكن هي بخير.
هز رأسه موافقًا وأشار له بأن ينصرف وكذلك أشار للبقية بأن يتبعوه..
أخذ يمسح على وجنتها وهو يهمس لها بود:
ماذا حدث يا فنار، ستنهضين حبيبتي لا تخافي.

ختم بقبلة فوق وجنتها، ثم اندس جوارها وهو يضمها إليه وقد هدأ حينما شعر بأنفاسها تنتظم إلى حد كبير، مسح على وجهها برفقٍ وهو يهمس لها قائلًا:
لن أحيا يوما بدونك يا سمرائي، هيا افتحي عينيكِ الجميلتين وانظري إليّ، هيا حبيبتي.

عصفت به أعصار الغضب وبات في حالة هياج، لقد فشلت الخطة، ولم تمت فنار!
الحكاية ساعتان، وستنهض كما كانت، مجرد جرح برأسها..
كيف، كيف، كيف؟!
هكذا صرخ باهتياج وهو يضرب الحائط بقبضته، بينما ضحك بشار وهو يتهكم في قوله:
كنت تصفني دائما بالغباء يا أبي، أنظر ماذا فعلت، هاهاها!
ما إن أنهى حديثه حتى هوى تيجان على صدغه بصفعة مدوية وهو يصرخ بشراسة:
اخرس، اخرس لا تتكلم وإلا دفنك حيا!
اهدأ يا تيجان !

همست قسمت تحاول تهدئته بينما تردف بضيق:
ربما لو ماتت لكان انكشفت الخطة خاصتك، لكن الآن دعنا نحمد الله أن تيم لم يعرف شيئا وهذا الأهم.
زفر تيجان وقد صاح بصوتٍ أجش:
لا يهمني كل هذا، هذه الفتاة هي هدفي، هذه ستسحوذ على الأملاك ونحن لن نأخذ شيء ولن يكون لنا نصيب، افهمي إذن يا قسمت!

تململت فنار من سباتها وأخذت تأن بضعف وهي تهز رأسها ببطء، يمنة ويسرة، أما هو فانتفض قلبه ينبض بفرحة عارمة ومال عليها محدثا إياها بلهفة:
فنار، حمدا لله على سلامتك حبيبتي
راحت تنظر له تحاول استيعاب أي شيء، ماذا حدث، تتذكر أنها كانت تلهو مع رعد بالحدائق وبعدها لم تشعر بشيء، هل حاول رعد أكلها..؟ هل شعر بالجوع فجأة وانقض عليها أم ماذا؟!
لم تتردد كثيرا في قول سؤالها، وهي تتفوه بضعف:.

سيدي، ماذا حدث، هل حاول رعد أن يأكلني أم ماذا!
لقد عادت، سمرائه اللذيذة، عادت لتجعل الضحكة ترتسم على معالم وجهه، قهقه ضاحكا بشدة وهو يهمس من بين ضحكاته الرجولية العالية:
لم يمسك رعد يا صغيرتي، أنتِ كنتِ تلعبين وسقطي هكذا على رأسك، ألم أقل لكِ يا فنارتي لا تفعلي؟!
قالت بعد عدة ثوانِ من الصمت بصوتٍ مرهق:
سيدي، كنت لا ألعب أقسم لك، كنت أسير خلف رعد فقط وفجأة انزلقت قدمي لا أعلم كيف!

أغلق عينيه وهو يستنشق رائحة الورد، رائحتها المنعشة، ثم ابتسم وقال بهدوء:
لا يهم، المهم أنكِ بخير، يا قهوتي
ابتسمت بتعب وقالت متنهدة بعمق:
رأسي يؤلمني..
سيزول الآن، ما إن ينتشر مفعول المسكن جيدًا
تساءلت فنار بقلق:
هل علمت أمي بما حدث؟!
لا، لم تعلم، إن كنتِ تريدين اخبارها، سأدعوها فوراً
لا. لا سيدي هذا أفضل، أنا بخير الآن
حسنا يا صغيرتي
فُتح الباب فجأة وأطلت جلنار برأسها وهي تبتسم بعذوبةٍ ثم قالت برقة:.

هل أدخل أخي؟
قال قبيل أن يبادلها الابتسامة:
بالطبع...
دخلت ثم أغلقت الباب خلفها واقتربت وهي تقول بخجل:
حمدا لله على سلامتك يا فنار
ابتسمت فنار ببراءة مع قولها:
سلمك الله..
نظرت جلنار إلى شقيقها وهي تقول برفقٍ:
أنا آسفة تيم، لم أقصد معاملة سيئة ل فنار، كان مزاجي سيء فقط ولم أكن أعلم أنها ستغضب مني وأنت أيضًا
واصل تيم بهدوءٍ:
لا بأس جلنار، لا بأس
تابعت جلنار:
آسفة فنار، لم أقصد أن أجرحك
ابتسمت بعفوية وأخبرتها:.

لا عليكِ حبيبتي.
جلنار وقد استأنفت بوداعة:
سأحضر لكِ عصيرا طازجا حتى يمدك بالطاقة..
انصرفت جلنار خارجة من الغرفة، بينما تابعت فنار بارتياح:
إنها طيبة وجميلة، يا ليت من بالقصر يا سيدي مثلها.
مال عليها مجددًا وهو يهمس بحرارة:
ما أجملك!
ضحكت بالكاد وهي تشعر بألم رأسها، فصمتت بحذر، فنهض قائلًا وهو يتنهد بامتداد:
لا ترهقي نفسك..
إلى أين سيدي؟!
أنا قادم يا قهوتي..

برح الغرفة ما إن أنهى جملته، خرج يسير بثباتٍ وهو يضغط شفتيه بقسوة متجها إلى غرفة والدته...
كانت هناك تجلس بصحبة تيجان الذي كان مازال يحدثها بشأن، فنار، حيث كان يقول بغيظ:
سأحرقها حرق المرة القادمة.
هذا إن كان هناك مرة قادمة..!
هكذا صدح صوت الملك تيم وعيناه ظللت عليهما القسوة ونظراته كانت مخيفة بعثت الرعب بأوصال تيجان الذي نهض فاغرا فاه وعيناه تتسعان بصدمة..
بينما يتابع تيم جازا على أسنانه:.

يا أحقر خلق الله!
ابتلع تيجان ريقه الذي جف الآن وقال بتلعثم:
ماذا، ماذا تقول يا تيم..
اخرس ولا تسمعني صوتك النجس هذا..
اقتربت قسمت حينذاك وهي تقول بتوتر:
ماذا هناك يا تيم..؟ ما بك وما...
أشار لها بسبابته محذراً:
وأنتِ يا أمي تتأمرين معه على زوجتي؟، ماذا فعلت لتحاولان قتلها؟.
لا لا أنت خطأت الفهم يا ابني
ضحك ساخرًا وقد قال بشراسة قاسية:.

خطأت الفهم؟، تلك الحفرة من أين وجدت؟ لم تكن صدفة قط يا أمي، من حفر الحفرة هو زوجك الحقير النجس
ثم تابع وعيناه تلمعان بغموض:
ولكن لا بأس هم يقولون أن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، أليس صحيح يا تيجان؟!
ارتعب تيجان من نظرته الغامضة وقال في ارتباك:
ماذا تقصد؟!
ستعرف حالا!
ثم هتف مناديا بصوته الجهوري:
سليمان!
راح سليمان يركض وهو يقول في أدب:
أمرك سيدي.
أأتني بالرجال!

أومأ سليمان برأسه في طاعة وانصرف يفعل كما أُمر، بينما هتف تيجان باحتجاج:
أنا لن أخاف منك وأنت لن تستطيع فعل شيء!
وهتف بشار خائفا:
ماذا ستفعل بأبي؟
وتقول قسمت بريبة:
تكلم يا تيم ماذا ستفعل؟!
لكنه لم يتكلم، ظل ساكنا بجمود، إلى أن حضر سليمان ومعه رجال الملك الذين هم أشبه بالوحوش..
وتكاثروا على تيجان فأخذوه عنوة إلى الخارج، بينما تصرخ قسمت بابنها، و بشار ينادي أباه..
و تيم لا يصغى لهما!

وصلوا به إلى نفس ذات الحفرة وهو مازال يصرخ بهم في حسرة قائلًا:
اتركوني، اتركوني!
بينما كتف تيم ساعديه وقال مبتسما بتهكم:
كنت تريد قتل، زوجتي يا تيجان..!
ثم اقترب منه أكثر وهو يهمس بفحيح:
أتعلم؟، سأدفنك حيا يا قذر
ثم صاح آمرا رجاله بقسوة:
ألقوه بالحفرة وأردموا فوقه الرمال...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة