قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

رواية مملكة الأسد للكاتبة فاطمة حمدي الفصل الثاني عشر

لا يا تيم، لا يا إبني، بالله لا تفعل بالله.
كانت تصرخ وأخذت دموعها تزداد بكثافة ألهبت وجنتيها كما ألهبت فُؤادها، تترجاهُ لكنه لا يسمع، يريد الانتقام ممن أذى زوجته وكان يريد قتلها..
كان مركزا ناظريه عليه، يرسل له لهيب من نار عبر نظراته، ولم ينتبه لوالدته إلا حينما ركعت تحاول تقبيل قدمه حتى يعفو عن زوجها...
حينها انحنى وصرخ بها غير مصدقا:
أمي..! ماذا تفعلين، انهضي.

جذبها لتقف على قدميها، ثم مسكها من ذراعيها وهزها برفقٍ مع قوله:
كيف يا أمي ك...
قاطعته باكية بحرقة:
اتركه لأجل خاطري يا تيم، لا تحرق قلبي عليه بتوسل إليك.
نظر لها بصدمة، صدمة عارمة وهو يضغط على أسنانه بينما يهتف بغضب:
كان يريد قتل فنار يا أمي؟!
أنا، أنا من كنت أريد قتلها ليس هو، اتركه واقتلني أنا.
هز رأسه بتهكم وهو يقول:
تتهمين ذاتك لأجله؟!
ثم حدجه بنظرة قاسية وهو يواصل مستهزءًا:.

يا ليته يستحق هذه التضحية!
وصدح صوته مرة أخرى بحدةٍ:
أخرجوه من الحفرة، إلى السجن الإنفرادي.
ولم ينتظر كلمة أخرى من والدته التي كادت تتوسله مرة أخرى بشأن السجن الانفرادي هذا، إلا أنه لم يمنحها الفرصة وانصرف في غضب جم..
خرج تيجان من الحفرة وهو يتنفس الصعداء أنه لم يمت، لقد خرج منها سليما لم يمسه شيء، ولكن مازال التوعد يحتل عينيه، مازال الكره يغلفهما، ويردد في نفسه:
صبرًا يا تيم، صبرًا.

انتهت فنار من شراب العصير الطازج الذي أحضرته جلنار لها وأصرت أن تتناوله، حينها ابتسمت بنعومة وهي تردد بهدوءٍ:
لقد عاهدت نفسي يا فنار أن أفعل لكِ يوميا كوبا كهذا، تعويضا عما حدث وتقديراً مني لكِ أيضاً، أتمنى تكوني الآن راضية عن معاملتي لكِ
ابتسمت فنار بعفوية وقالت بلا تردد:
أنتِ طيبة جلنار، جزاكِ الله عني خيرا.
منحتها ابتسامة كذلك ومضت تقول برقة:
شكرا حبيبتي، سأتركك الآن لترتاحي.

انصرفت وتركتها بينما تحاملت فنار على نفسها ونهضت من رقادها ببطء وهي تتأوه، حاولت الوقف فشعرت بعدم الاتزان، فجلست مجددًا، ثم زفرت بحنق قائلة:
كيف سأعد القهوة الآن لسيدي؟
وجدته يلج من باب الغرفة وهو يزفر حانقا والغضب بات واضحا فوق قسمات وجههُ الجامدة، خشيت قليلًا من هيئته الصارمة خاصة وهو يسألها بحزم:
لماذا قمتِ؟!
تلجلجت وهي تجيب عليه بخفوت:
لقد، لقد، لقد شعرت بالملل من رقادي يا سيدي.

ملل ماذا؟، أنتِ مريضة ومجروحة هل تفهمين يا فنار؟
هزت رأسها قائلة بخجل:
نعم، المعذرة سيدي لا أريدك تغضب مني.
لست غاضبًا!
ماذا بك؟!
نظر لها وهو يسحبها من يدها إليه بعد أن جلس جوارها وضمها إلى صدره، بينما يقول برفقٍ وقد لانت ملامحه:
لا شيء.
نظرت له بتردد وهي تتابع:
لقد سمعت ضجيج بالخارج، ولكن خفت أن أخرج حتى لا تغضب.
كنت قتلتك!

قالها بجدية مصطنعة وهو يضغط بيده فوق كتفها، فابتسمت بخوف وصمتت، فضحك بشدة على ملامح وجهها الوجلة ومضى يقول بحنان:
أمزح معك يا قهوتي، أتخافين مني لهذه الدرجة؟!
ثم واصل معاتبا:
تخافين ممن عشقك بل ولم يعرف للعشق سبيلا إلا على يدك!
ابتسمت باتساع، فيما تقول بسعادة:
لا أخاف
كشر عن جبينه، ثم قال مراوغا:
أنتِ تكذبين يا فنارتي..
آآ، أخاف قليلًا!
قولي الصدق!
نعم أخاف.
كثيرا؟!
تنهدت بارتباك ثم أجابت:.

أنت الملك، كيف لا أخاف؟، الجميع يخشاك وبشدة!
مال عليها، يهمس بوله:
ولكن أنتِ زوجتي، صحيح؟!
نعم
وهل هناك زوجة تخاف زوجها؟!
واصل دون أن ينتظر منها إجابة:
الزوجة تحب زوجها، تحترمه، تقدره، وهو أيضاً، ولا مجال للخوف بينهما
أومأت برأسها في صمت، فقال مبتسما:
هل كلامي صحيح؟!
نعم، وهل يقول الملك ما لا يصح؟!
غمز لها وقال مشاكسا:
ولمَ لا يا غزالتي، من الوارد.

اشتعلت خجلًا من غزله ونظراته الوالهة، بينما قال في رفق وهو يتحسس جبينها:
أنتِ بخير؟
نعم، هل تريد قهوة؟
عقد ما بين حاجباه، ثم قال:
نامي الآن، أنتِ متعبة، سأأمر الخادمة بإعدادها
فقالت وهي تتحامل على نفسها:
لا، أنا سأعدها يا سيدي، بسعد بذلك
ولكن...
قاطعته باصرار:.

أرجوك، نهضت ببطء دون كلمة أخرى وراحت تشعل الموقد الصغير وتبدأ باعداد القهوة بمحبة خالصة، أما هو فقد استلقى مكان نومتها وهو ينعم بدفئ رقادها ورائحتها التي صاحبت الوسادة، أغمض عينيه مستمتعا بكل شيء حوله، رائحتها، حركاتها، ابتسامتها البريئة، وقلبها!
واهٍ من قلب السمراء..
سيدي ماذا حدث، ولماذا كان هذا الضجيج؟!
راحت تسأله، فأخذته من شروده قليلًا فنظر لها وهو يجيبها بجدية:.

كنت أريد تأديب تيجان الحقير، ولكن أمي وقفت عقبة في ذلك
تعجبت وسألته:
لماذا، ماذا فعل؟!
تصفية حسابات يا قهوتي، انتبهي لما تفعلين
مطت شفتيها ببراءة وأولته ظهرها وهي تهتم باعداد القهوة، ثم راودها الفضول مجددًا وهي تسأله:
كيف كنت ستأدبه؟!
لاحقا سأخبرك...

أختك، بخير.
همس سليمان الذي وقف أمام دار السيدة حليمة بعد أن جلب لهما كافة الطلبات ومستلزمات الدار بأمر من الملك، بينما قالت أيريس وهي تكتم بكاؤها:
كيف وقعت؟!
كانت تركض فسقطت، لا تخبري السيدة حليمة لانها لا تريد اخبارها هذه رغبتها
أومأت برأسها موافقة وخانتها الدمعات فهبطت بلا توقف، فاقترب سليمان وقال بلهجة حازمة يشوبها بعض الحنان:
قلت، انها بخير فلما تبكين الآن؟!

مسحت العبرات سريعا وهي تردد باختناق:
لا شيء، هل بإمكاني أن أزورها وأطمئن عليها؟!
بالتأكيد، هيا تعالي معي
تحرجت منه ونظرت أرضا لعدة ثوانِ، لتتفاجأ بصرامته وهو يقول بقسوة:
لا أريد السير معك ولكن أريد حمايتك، وهذا ليس لأجلك بل لأجل الملك تيم، فهو يأمرني بالاعتناء بكما، لا تظني أنك شيء هام
اتسعت عيناها بدهشة وحدجته بحدة، ثم عادت تنظر إلى الأرض مجددًا بلا كلام، اغتاظ من ردة فعلها فقال متعمداً جرحها:.

ممتازة أنتِ في دور المسكينة!
شعرت أنها تنهار، تلك لم تكن المرة الأولى التي يقوم باهانتها فيها، ماذا يريد؟، ولما يتعمد جرحها بقسوة...
غليت الدماء بعروقها ولم تشعر إلا وهي ترد:
أنت عديم الذوق والانسانية، ماذا تظن نفسك؟، سأشتكيك للملك وهذا حقي، وسلطتك لن تشفع لك..
كز على أسنانه بقوة وقال مجددًا في قسوة عارمة:
ولمَ لم تشكِ من اهانك ودهس كرامتك بقدمه وذلك؟
صرخت به وكل خلية بجسدها ترتعش:
ليس شأنك..!

شعورا غريبا يجتاحه يود صفعها واحتضانها ثم صفعها مجددًا، هذه غبية تحب من لا يحبها، ومن يحبها لم تحبه، غبية حقا، لو استطاع خنقها لخنقها، حمقاء هي، حمقاء لم ترَه..
تركها وانصرف قبل أن يتهور ويفعل ما لا يحمد عقباه، بينما هبطت هي على ركبتيها تردد من بين حسرتها:
انه مُحق...

مرحبا روكسانا
هتفت جلنار بترحيب وهي تُصافح الأخيرة بحرارة، بينما تهمس روكسانا مبتسمة:
مرحبا يا صديقتي..
وجالت عيناها بحثا في الحديقة تتمنى رؤيته، حتى تُشبع عينيها من جمال طلته...
وما هي إلا لحظات ووجدته يطل بالفعل إلى الحديقة، ولكن كانت الصدمة، وأي صدمة هذه!
لقد كان يحمل فنار بذارع واحدة، يهمس لها بشيء في اذنها، وهي تتعلق بعنقه كطفلة في حضن آباها، كان مشهد أثار غضبها وظهر الشر بوضوح على ملامحها..

هذا سخف!
همست بها وهي تهز ساقها بعنف، بينما همست جلنار هي الأخرى:
لا تقلقي، لقد فعلت ما اتفقنا عليه..
متى أراها خارج القصر وبعيدة عن تيم..!
ثم تابعت بوميض شرس:
تعالي معه لأصافحه..
...
وهناك، أجبرها تيم على الجلوس فوق ساقيه، رفضت فنار بخجل شديد، إلا أنه صمم بحزم..
فجلست مجبرة وما أن رأتهما قادمتين نحوهما حاولت النهوض، ولكنه أبى تركها وثبتها بيديه..
احمر وجهها بقوة وبدأ قلبها يطرق كالطبول من وضعها..

اشتعلت نظرات روكسانا بالحقد وكادت تصفعها، كادت لكنها لم تستطع..
تماسكت ومدت يدها تُصافحه، قائلة:
أهلا تيم.
نظر إلى يدها الممدودة، ثم قال هادئاً:
عذرًا، لا أصافح النساء
ماذا؟!
كما سمعتي
أرجعت يدها ومضت تضغط على نواجذها وهي تنظر إلى جلنار، التي قالت بتوتر:
تعالي معي روكسانا
سارت معها بعد أن رمقته بنظرة واعدة، أما هو فعاد ينظر إلى طفلته، داعب أنفها بأنامله، فأخبرته بارتجافة:
أحرجتني، سيدي.
كيف؟!

لا يصح أن أجلس هكذا، ماذا ستقول عني الآن؟!
ضحك مقهقها وهو يقول من بين ضحكاته:
ستقول أنني أحبك، فقط!
ولكن أنت جرحتها لمَ لم تصافحها؟
رفع حاجبا وقال بحزم:
لا أصافح النساء، ما ذنبي أنا يا فنار؟!
نظرت له بإعجاب وسألته بفضول:
أنت لم تصافح أي امرأة من قبل؟
ضحك بخفوت وأجابها:
نعم..
ابتسمت ونظرت إلى الأرض بينما تخبره:.

صراحةً، يوميا أكتشف فيك صفات لم تتوفر لدى أي أحد. أنا أمي دعت لي من أعماق قلبها وكانت أبواب السماء مفتوحة مؤكداً
تأملها بعينيه، ثم تابع بهدوءٍ:
وماذا أيضا؟
تحب الحق ولا تظلم أحدا..
وماذا؟
ضحكت بعفوية وتابعت:
رائع
أخذ شهيقًا عميقا بالقرب منها، لتمتلئ رئتيه برائحة الورد، وما لبث أن همس مستمتعا:
ما أجملك!

أشاحت فنار بوجهها إلى الجهة الأخرى هاربة من نظراته، وجدت أيريس مقبلة عليها وهي تلتقط أنفاسها، نهضت وركضت نحوها وعانقتها بقوة، بينما قالت الأخيرة:
فنار، حبيبتي، ماذا أصابك؟
أنا بخير، لا تقلقي يا أيريس
راحت تضع يدها برفق على رأسها المجروح، ثم عادت تسألها بحزن:
كيف حدث حبيبتي، ولم لم تخبرني أنا وأمي
ربتت على كتفها وهي تقول باطمئنان:
اهدئي حبيبتي، خفت عليكما، ولأنني اصبحت بخير لم اخبركما بما حدث.

حمدا لله على سلامتك
تعالي، اجلسي
نظرت أيريس إلى الملك بحرج وعادت تنظر إلى الأرض، ابتسم تيم بخفة وقال بجدية:
فنار، اصطحبيها معك إلى الداخل
لا، لا أريد، سأجلس هنا بالحديقة
قالت أيريس وقد بدا الخوف يطغى على ملامحها، فعاد يردد الملك بحزم:
هيا فنار، إلى الداخل!
جذبتها فنار من يدها وقالت بهدوءٍ:
لا تخافي أيريس، الملك هنا لا أحد يستطيع أن يؤذيك أبدا..

بالفعل اتجهتا إلى الداخل، وجلس تيم بصحبة رعد الذي تمرغ به بود...
ما إن دخلتا حتى صدح صوت روكسانا الهاذئ بهما وهي تقول:
أرى أن القصر أصبح شبيهاً بالأسواق يا جلنار، لا ينقصه سوى بائعة التوت ويصبح سوقا بحق
اشتعلت فنار غضبا وغيظا، إلا حليمة، ليس من حق أحد أن يُجرّح بأمها، مهما كان !
ولم تشعر بنفسها، إلا وهي ترد عليها باستهزاء مماثل:
وأنا أرى أنه امتلئ بالقمامة الآن، ولابد أن أقوم بتنظيفه، هيا إلى الخارج!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة