قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل السادس والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل السادس والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل السادس والعشرون

اخذ راجح نفساً طويلاً مرتجفاً بينما عينيه مسلطة على الهاتف الذي لايزال بيده لا يصدق ان والدته من تحدثت معه بتلك الطريقة القاسية...
امتلئ قلبه بالألم شاعراً لأول مرة في حياته معنى انه يكون يتيم فوالدته دائماً كانت تغرقه بحنانها و لين قلبها و الان تركته رافضة وجوده بحياتها اصبحت عينيه ضبابيبتين ممتلئتين بالدموع همس بصوت متحشرج ملئ بالألم
=حتة انتى ياما، حتى انتى.

لكنه حاول مكافحة الدموع و نهض بتثاقل حتى يصعد و يطمئن على صدفة بنفسه...
دلف راجح الشقة بهدوء ليجد الردهة فارغة و الهدوء يعم المكان مما جعل القلق ينبض بداخله...
اتجه نحو غرفة النوم على الفور و هو يشعر بقلبه يعصف بداخله ليجد باب الغرفة مفتوح على مصراعيه دلف الى الداخل بهدوء و عينيه مسلطة بقلق على تلك المستلقية فوق الفراش مغلقة العينين جلس على عقبيه على الارض بجانب الفراش.

ليشعر بقبضة حادة تعتصر قلبه فور ان رأى اثر الدموع على وجنتيها الشاحبتين...
مرر يده برفق فوق خدها يزيل تلك الدموع...
منحنياً عليها موزعاً قبلات خفيفة على وجنتيها و عينيها، و هو يقسم بداخله انه سيعوضها عن كل هذا. و سيجعلها تسامحه على حماقته.
رفع يدها طابعاً قبلة عميقة براحتها قبل ان يهمس بالقرب من اذنها باسمها بلطف محاولاً ايقاظها و هو يزيح شعرها المتناثر على وجهها الى خلف اذنها.

فتحت عينيها ببطئ ليرى الألم المرتسم داخلها مما جعله يرغب بسحق توفيقو هاجر على ما تسببوا به. و تخريب لحياتهم
اخذت تتطلع اليه عدة لحظات بتشوش قبل ان تنتفض جالسة مبعدة يده بحده و هي تهتف برعب حقيقي
=متلمسنيش...
انتفض راجح واقفاً مغمغماّ بصوت مثقل محاولاً تهدئتها
=اهدى يا صدفة، اهدى...
قاطعته بحدة مقاطعة اياه و هي تنتفض واقفة على قدميها
=مش ههدى...
لتكمل صارخة بغضب عندما رأت يقترب منها
=و ابعد عنى...

توقف راجح مكانه و هو يشعر بالعجز واليأس فهو لم يكن يرغب سوا باحتضانها حتى يخفف شعوره باليتم و يهدئ من الالم الذي اصبح لا يطاق بصدره.
همس بصوت يملئه الحزن و اليأس ليكمل و هو ينظر اليها بتضرع
=انا عارف انى غلطان. بس انا و الله بحبك، و حبى ده اللى ودانى في داهية، انا عمرى ما حبيت حد قدك انتى كل حاجة في حياتى...
هزت صدفة رأسها رافضة الاستماع اليه ليكمل بيأس.

= سامحينى، انا مش هقدر اعيش من غيرك، انا ممكن اموت لو سبتينى...
تراجعت مبتعدة عنه هاتفة بحدة و هي تحاول بصعوبة الا تتأثر بكلماته تلك
=لا تقدر تعيش زي ما قدرت تعيش قبل كده بعد ما ضربتنى و طردتنى برا حياتك...
لتكمل و عينيها تلتمع بالقسوة لأول مره يراها بها
=و مش هسامحك يا راجح، عارف ليه
اتجهت نحوه و هي تكمل بصوت مرتجف وقد احتقنت عينيها بدموع حارقة امسكت يده تضغطها على بطنها المتتفخة بعض الشئ.

=علشان خاطر دول، دول اللي لو كنت عرفت انى حامل فيهم قبل ما تكتشف ان انا مش الست الوسخ. ة الخاينة كنت شككت في نسبهم، وقولت انهم مش ولادك...
تسارعت انفاسه و احتدت بشدة شاعراً بالارض تميد اسفل قدميه و قد فرت من جسده الدماء فور سماعه كلماتها تلك استقرت عينيه المتسعة بالصدمة الى يده التي لازالت فوق بطنها اجبر شفتيه على التحرك هامساً بصوت مختنق مرتجف
=انتى حامل،؟!

اومأت برأسها بصمت لتغمره فرحة عارمة جعلت شفتيه تتسع بابتسامة مشرقة و هو لا يصدق بانه سيصبح لديه طفل اخيراً من صدفة، لكن ذبلت ابتسامته تلك و اختفت فور تذكره ما فعله بها اصبحت قدميه كالهلام غير قادرتان على حمله رفع يده عن بطنها يتطلع الى يده تلك و عينيه لازالت ممتلئة بالصدمة و الم يكاد يحطم روحه إلى شظايا همس بصوت منخفض مرتجف وقد اخذت ضربات قلبه تزداد بعنف
=يعنى انتى، كنت حامل لما انا كنت بضربك...

هزت رأسها هاتفة بصوت مرتجف مختنق بينما تقاوم حتى لا تنهار امامه.
=اها كنت حامل...
و رغم الالم و الحزن اللذان يعصفان بداخلها الا انها تصنعت القسوة قائلة بحدة
=عرفت ليه بقى مش هرجعلك، لأن عمرى ما هسامحك على شكك فيا...
امسكت بيده بين يديها المرتجفة هامسة وهي تضغط على يده بقوة
=و لأنى كل ما هشوف الايد دى مش هفتكر الا و هي بتضربنى...

انهت جملتها و تركت يده غافلة عن العذاب المرتسم على وجهه و استدارت عائدة الى الفراش تكمل بصوت مهزوم وهي تدير ظهرها له
=انا بكرة الصبح هشوف مكان اروحه اي مكان ان شالله يك...
لكنها ابتلعت باقي جملتها صارخة بفزع منتفضة في مكانها عندما سمعت صوت مدوى لتحطم شيئاً ما استدارت نحوه ليهتز جسدها بعنف بصدمة عندما رأته يضرب يده بالمرأة الكبيرة التي كانت تشكل نصف الجدار بالغرفة...

ضرب يده بها مرة اخرى و هو يصرخ وقد كان اشبه بالمجنون المغيب الذي يعميه غضبه
=دى ايدى اللي مدتها عليكى. يا صدفة، اهها يا صدفة
كان يصرخ بكلماته تلك و هو يضرب يده بعنف وقوة بزجاج المرآة و هو في حالة اشبه من اللاوعى كما لو كان قد فقد عقله...

اندفعت نحوه على الفور تمسك بذراعه تجذبه بقوة محاولة منعه من ضربها بالزجاج المهشم وقد صعقها مظهر الدماء المنساب منها لكنه قاومها و نزع يده منها واستمر بضربها بالزجاج بقوة محطماً بها بقايا المرآة المعلقة فقد كان كالمجذوب الذي يحركه الغضب من نفسه دون تفكير او حساب، اعمى لا يرى امامه سوى ما فعله بها...

فكلما تذكر صراختها و مظهرها و هي ملقية على الارض تتلاقى ضرباته بينما هي حامل بطفله يجعله يرغب بقتل نفسه...
جذبته صدفة بقوة هذه المرة تمنعه من ضرب يده صارخة به و هي تحاول ايقافه من ايذاء نفسه
=كفاية، كفاية، يا راجح حرام عليك...
لتنجح اخيراً بجذبه بعيداً عن المرآة حيث وقف مكانه ينهج بعنف والعرق يتصبب من كامل جسده و وجهه و عينيه كانوا محتقنين كالدماء.

اخذ يحدق بها بنظرات مليئة بالبؤس و الندم قبل ان يجذبها نحوه يحتضنها بقوة دافناً وجهه بعنقها حاولت دفعه رافضة لمسته لكن تجمدت مكانها عندما بدأ جسده يهتز بقوة بين ذراعيها بينما نشيج حاد يصدر منه.
جفت الدماء بعروقها عندما ادركت انه يبكى همست باسمه بصوت مرتجف و عقلها لا يستطع استيعاب انه يبكى حقاً...

تعالى نحييه بشهقات ممزقة بينما يشدد من احتضانه لها و يده الملطخة بالدماء تتشبث بقوة بظهرها مما جعل عبائتها تتلطخ بدمائه. تشبث بها كما لو كان لا يقدر على تركها...
ظلت صدفة متصلبة بحضنه والضغط الذي قبض على صدرها يهدد بسحق قلبها
لكنها استسلمت اخيراً و احاطت خصره بذراعيها تضمه اليها و يدها تمر برفق فوق ظهره العريض محاولة تهدئته بينما تبكى هي الاخرى على ألمه و ألمها...

ظلوا على حالتهم تلك عدة دقائق حتى توقف نشيج بكائه لكنه ظل دافناً وجهه بعنقها الذي اصبح غارقاً بدموعه، لكنها شهقت فازعة عندما رفعها بين ذراعيه فجأة و اتجه بها نحو الفراش يستلقى عليه وهي لازالت بين ذراعيه بوجهه المدفون بعنقها همت صدفة بالنهوض لكنها ثبتت بمكانها عندما سمعته يهمس بصوت ضعيف متحشرج من اثر البكاء
=انا معتش ليا حد غيرك كله باعنى و ضربنى في ظهرى، حتى امى، انا ماليش غيرك يا صدفة...

ليكمل بصوت منخفض متعب بكلمات متقطعة كما لو كان يحدث نفسه. غير واعى
=كله باعنى، يا صدفة. كله باعنى.
اخذ يهمهم بتلك الكلمات بصوت منخفض كما لو كان غير واعى انقبض صدر هاصدفةو هي تستمع الى هزيانه هذا...
ظل على حالته تلك من الهزيان حتى صمت فجأة و شعرت بانفاسه قد اصبحت ثقيلة لتعلم انه غرق بالنوم...

ضغطت بشفتيها برفق فوق رأسه المدفون بصدرها قبل ان تحاول ان تنسحب من بين ذراعيه لكنه تشبث بها بقوة وهو يتلملم في نعاسه رافضاً تحريرها...
مما جعلها تنتظر قليلاً حتى يستقر بنومه قبل ان تحاول مرة لتنجح بالتحرر من بين ذراعيه و النهوض...

اتجهت نحو الحمام و اخرجت صندوق الاسعافات و عادت الى الغرفة مرة اخرى جلست بجانبه على الفراش و بدأت بمسح الدماء من يده حتى ترى مدى الضرر الذي اصابه لتكتشف عدة جروح بها لكنها لم تكن عميقة تأكدت من عدم وجود شظايا من الزجاج عالقة بها قبل ان تبدأ بوضع عليها المطهر مما جعله يتلملم في نومه بعدم راحة لكنه لم يستيقظ...
استمرت بتضميد جراحه ثم عقدت من حولها بعض اللفائف الطبية.

و ما ان انتهت ظلت جالسة بمكانها تتفحص وجهه و اثر الدموع العالقة به فلأول مرة تراه يبكى، فقد كان دائماً فخوراً لا يظهر ابداً ألمه امامها حتى بعد مشاجراته مع والده فرغم علمها مدى الالم و الحزن الذي يشعر بهم بسبب معاملة والده القاسية له الا انه كان يكتفى بالاستلقاء بحضنها فقط و يظل صامتاً.

انحنت ممررة شفتيها فوق جبينه تقبله بحنان و هي تتمنى لو تستطيع مسامحته و نسى كل ما حدث لكنها لا تستطيع فالألم من شكه بها و تصديقه بانها تستطيع خيانته مع راجل اخر يمزقها من الداخل...
نهضت بتثاقل متجهة نحو باب الغرفة تخرج منه لكنها التفت بمدخلها تلقى نظرة اخيرة عليه قبل ان تستدير و تغادر...
في الصباح...

استيقظ راجح و هو يشعر بثقل رهيب برأسه و ألم ينبض بيده رفعها امام عينيه التي كانت لا تزال غائمة بالنعاس لكنه انتفض جالساً فور ان رأى الضمادة التي حول يده ليتذكر ما حدث بالأمس التف ينظر الى الجانب الاخر من الفراش بحثاً عن صدفة لكنه وجده خالياً انتفض واقفاً متجهاً نحو الحمام ليجده فارغ هو الاخر...

اسرع بالخروج و قلبه يقصف في صدره بجنون ظناً منه انها قد غادرت لكن هدئ ذعره فور ان وجدها نائمة بغرفة الاطفال، اطمئن عليها...
ثم دلف الى المطبخ لكى يحضر لها الافطار فقد اهملها بالامس و اهمل دوائها، لكنه الان سيراعها، سيراعها هي و طفله ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه فور تخيله لفتاة تشبه صدفة بجمالها الرائع...

حضر الافطار لها فوق الصينية ثم وضعهافوق الطاولة التي بجانب الفراش الذي تستلقى عليه و بجانبه الدواء الذي يجب ان تتناوله...
ثم غادر المنزل حتى يذهب الى الوكالة و يرى ما يجب عليه فعله مع والده...
بعد مرور ساعتين.

استيقظت صدفة لتجد صينية الطعام بجانبها خفق قلبها على فعلته تلك الحنونة تلك تناولت طعامها و اخذت دوائها الذي تركه لها من ثم دلفت الى غرفة النوم حتى تنظف الغرفة و تزيل الفوضى التي تسبب بها راجح بالأمس لكنها فوجئت عندما رأت المكان نظيف و قد اختفت شظايا الزجاج التي كانت متناثرة بالامس وتم تبديل شراشف الفراش التي كانت ملطخة بدماءه...

بعد مرور بعض الوقت كانت جالسة على القراش تمشط شعرهل المبلل برفق بينما تشاهد التلفاز بعد ان انتهت من الاستحمام و تبديل ملابسها التي كانت ممتلئة بدماء راجح الى اخرى نظيفة عندما فتح باب الغرفة و دلف راجح الى الداخل.
استمرت بتمشيط شعرها دون ان تلتف اليه متصنعة الانشغال بمشاهدة التلفاز جلس راجح بجانبها من ثم وضع ورقة فوق ساقها اخفضت عينيها اليها تتفحصها بارتباك هامسة بتردد
=ايه ده...

اجابها بهدوء و هو يفتح الورقة امام عينيها
=ده عقد بيع و شرى منى ليكى للشقة دى، يعنى من النهاردة الشقة دى بقت بتاعتك رسمى...
تصلب جسدها بصدمة فور سماعها كلماته تلك لكنها هزت رأسها بقوة و هي تخرج من صدمتها قائلة بعدم فهم
=ليه، كتبتها باسمى ليه،؟!
مال إلى الامام ممسكاً بيديها بين يديه.

=علشان تبقى امان ليكى اى مشكلة بنا مهما كبرت انا اللي امشى و انتى اللى تفضلى معززه مكرمة في بيتك، مع ان و الله مش ناوى ازعلك تانى مهما حصل...
نزعت يديها من بين يديه مغمغة بارتباك
=بس انا مقولتش انى هرجع ليك يا راجح...
انقبض صدره بألم عند سماعه كلماتها القاسية تلك لكنه اومأ برأسه قائلاً بهدوء يعاكس ما يشتعل بداخله من ألم
=حتى لو مرجعتليش يا صدفة، برضو الشقة بتاعتك...

ليكمل بصوت يملئه الندم و هو يتذكر ما تعرضت له بسببه
=انا لا يمكن اخليكى تعيشى اللى عشتيه ده تانى...
قاطعته بحدة و هي تتراجع بعيداً عنه
=بس انا مش عايزة منك، حاجة، ولا محتاجة منك حاجة...
انهت جملتها ممسكة بورقة العقد تهم بتمزيقها لكنه اسرع بجذبها منها و هو يهتف بحدة و فضب
=اعقلى و بطلى شغل العيال ده
زفر بحنق قبل ان يقترب منها قائلاً بنبرة خطرة.

=انا قولت الشقة بتاعتك تبقى بتاعتك، و بطلى عند في كل حاجة علشان انا تعبت...
ليكمل بصوت مختنق و هو يفرك وجهه بيده التي كانت ترتجف بوضوح
=انا تعبان بجد يا صدفة، فبالله عليكى متزودهاش عليا
صمتت صدفة تتطلع إلى عينيه الممتلئتين بالتوسل و الحسرة مما جعل قبضة تعتصر قلبها ألماً عليه، اومأت برأسها بصمت
ليزفر راجح براحة قبل ان يستقيم واقفاً ممسكاً بذراعها يجذبها برفق منه قائلاً.

=يلا قومى البسى، علشان نروح للدكتور انا كنت حجزت امبارح عند الدكتور رأفت علشان موضوع الانيميا، بس لما عرفت بموضوع الحمل كلمت شهد و عرفت منها كانت متابعة مع مين في حملها و حجزتلك عن دكتورها ميعاد النهاردة...
اومأت صدفة برأسها قائلة بهدوء
=شهد عاملة ايه في السعودية اتأقلمت هناك...
اجابها بينما يحثها برفق للتوجه نحو خازنة الملابس
=بخير الحمد لله، يلا البسى بسرعة...

اتجهت إلى الخازنة مخرجة ملابسها من ثم دخلت الحمام حتى تبدل ملابسها...
في وقت لاحق...
كانت صدفة مستلقية على الفراش المعد للفحص بينما كان راجح يجلس على المقعد الذي بجانب رأسها عينيه مسلطة بلهفة على شاشة التلفاز التي سيظهر عليها شكل طفلهم في اى لحظة...
امسك بيد صدفة بين يده يضغط عليها بلطف و لمفاجأته استجابت له و ضغطت على يده برفق مما جعله يبتسم...

اخذ الطبيب يجري فحصه عدة دقائق من ثم استدار اليهم بالنهاية و ابتسامة واسعة تملئ وجهه قائلاً...
=مبروك يا استاذ راجح، المدام حامل في توأم...
انحبست انفاس راجح في صدره و قد اهتز جسده بعنف فور سماعه تلك الكلمات.
اخذ يتطلع إلى الطبيب عدة لحظات باعين متسعة بالصدمة و هو لا يصدق ما سمعه تنحنح و هو يهز رأسه بقوة مخرجاً نفسه من تلك الصدمة هامساً بارتباك
=انت قولت ايه. يا دكتور معلش،؟

ابتسم الطبيب بتفهم و هو يعيد ما قاله.
=قولتلك مبروك المدام. حامل في توأم...
تقافزت نبضات قلبه بجنون بصدره و هو لا يصدق، لا يصدق انه سيكون له طفلين بدلاً من طفل واحد، طفلين يشبهان زوجته الفاتنة...
اخفض عينيه نحوها ليجدها تتطلع اليه باعين ملتمعة بالدموع و هي تراقبه
=انتى كنت عارفة،؟

اومأت برأسها بصمت مما جعله يرفع يدها طابعاً قبلة حنونة براحتها و ابتسامة سعيدة تملئ وجهه لكن تلاشت ابتسامته تلك و اختفت فور ان اتته فكرة جعلت كامل جسده يهتز فقد قام بضربها و هي حامل بطفليه، و كم كانت ضعيفة بهذا الوقت و بحاجة اليه و بدلاً من ان يراعها قام بسحقها بسبب غبائه و تصديقه لفخ اقامه بعض الحقراء...

ادركت صدفة ما يدور في عقله على الفور من الكأبة و الألم الذين ملئوا عينيه مما جعلها تضغط على يده هامسة باسمه.
رفع عينيه اليها لتشير نحو شاشة العرض الصغيرة هامسة برفق و هي تحاول تخراجه من حالته تلك
=هنشوفهم دلوقتى...
اومأ برأسه بصمت و سلط عينيه على الشاشة لكنها شعرت بيده التي تمسك بيدها اصبحت باردة للغاية مما جعلها تضغط عليها بحنان فرغم حزنها و غصبها منه الا انها لا تستطيع ان تراه بحالته تلك.

انحبست انفس راجح داخل صدره فور رؤيته لصورة طفليهم تظهر بالشاشة الصغيرة فقد كانوا مجرد نقطتين صغيرتين لم تكن لهم ملامح واضحة لكنه رغم ذلك وقع صريعاً في حبهم في الحال و شعور من الدفئ و الحماية يغمرانه تجاههم.
اخفض عينيه إلى زوجته التي كانت تبكى بصمت مما جعله ينحنى و يقبل جبينها بحنان و يده تفرك خدها.

غمغم الطبيب الذي لم يكن هذا المشهد جديداً عليه فمعظم الازواج الذين يأتون اليه تكون هذه ردة فعلهم عند رؤيتهم طفلهم لأول مرة غمغم مبتسماً
=الحمدلله. كل حاجة تمام...
همست صدفة بصوت مختنق متردد من ردة فعل راجح على ما ستقوله
=طيب يا دكتور، انا. انا كنت اتعرضت لنزيف من فترة و الدكتور قالى اخد بالى اول 3 شهور...
ابتلعت باقي جملتها عندما شعرت براجح يتصلب بجانبها وقد شحب وجهه بشدة مما جعلها تقلق عليه...

غمغم الطبيب الذي كان غافلاً عن حالتهم تلك...
=متقلقيش يا مدام صدفة. اللى انا شايفه قدامى دلوقتي ان حالتهم بخير. بس ده ميمنعش ان احنا نبقى حذريين لحد ما نعدى ال3 شهور الاولى لان دول اخطر شهور، و هكتبلك على حقن مثبتة وباذن الله كل حاجة هتبقى بخير...
انهي كلامه ثم خرج من مكان الفحص عائداً إلى مكتبه تاركاً الفرصة لها لكي تعدل من ملابسها...

ساعدها راجح على الجلوس وقف امامها مباشرة بوجه شاحب وعينيه محتقنة بشدة هامساً بصوت مرتجف مختنق كما لو كان يتألم
=النزيف ده حصل بسببى مش كدة،؟!
نظرت اليه عدة لحظات وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم قبل ان تدرك مقصده فقد كان يظن ان النزيف الذي اصابها بسبب ضربه لها.
هزت رأسها على الفور قائلة بنبرة قاطعة
=لا مش انت السبب يا راجح...
لتكمل سريعاً دون ان تترك له الفرصة لمقاطعتها.

=النزييف جالى في اليوم اللى هربت فيه من بيت اشجان، كانت زقتنى و اتخبطت في ظهرى جامد. بعدها طلعت اجرى في الشارع...
اشتد وجهه و اصبح اكثر قتامة و قد تسارعت انفاسه و احتدت بشدة شاعراً كأن ستار اسود من الغبب يعمى عينيه، غضب عاصف يجعله يرغب بقتل كلاً من اشرف و اشجان على ما تسببوا به لها. لكنه كان السبب الحقيقى وراء ما عانته على ايديهم لو لم يصدق تلك الاتهامات لما تعرضت هي لكل هذا الالم و العذاب...

اغمض عينه يتنفس بقوة محاولاً السيطرة على ما بداخله من ألم و غضب لكنه فتح عينيه بصدمة عندما شعر بها تلف ذراعيها حول خصره تحتضنه برفق مربتة بحنان فوق ظهره كما لو كانت تدرك ما يدور بداخله راغبة بالتخفيف عنه، حاول التمتع بقربها هذا منه لكنها اسرعت بنزع ذراعيها عنه و نهضت معدلة من ملابسها قبل ان تلتف حول ستارة الفحص و تخرج و تتجه نحو مكتب الطبيب...

ظل راجح مكانه عدة لحظات يحاول التحكم في تسارع تنفسه و ارتجافة جسده قبل ان يستدير و يلحق بها للخارج...

وصف لها الطبيب ادوية جديدة خاصة بحالة الانيميا الحادة التي لديها. و فيتامينات، بالاضافة الى الادوية الاخرى الخاصة بالحمل ثم نصحها بالراحة التامة. و الاكثار من تناول الطعام الذي سيمدها بالحديد مثل البنجر. الكبدة. العسل الاسود و الكثير من الاطعمة الاخرى على ان تقوم بزيارته كل اسبوع حتى يقوم بفحصها و الاطمئنان عليها...
في احدى المنازل بمنطقة شبة نائية...

غمغمت اشجان التي كانت تستند على صدر توفيق المستلقى بجانبهاعلى الفراش
=هتفضل مستخبى كتير كده، خايف من راجح الراوي...
استدار اليها توفيق قائلاً بحدة
=و هو انا هربان من راجح بس، انا هربان من راجح، و من رجالة منصور علام...
قطبت حاجبيها قائلة بعدم فهم
=و منصور علام عايز ايه منك، هو كمان؟!
زفر بحدة قائلاً بغضب.

=منصور علام انا عليا له فوق المليون جنية و كاتب على نفسي بهم وصولات، بسبب البضاعة اللي جبتها اول ما فتحت الأچنص، و هو صاحب راجح و كان كل ما اتأخر في سداد الاقساط يبقى عايز يقدم الوصولات دى للنيابة بس راجح كان بيهديه و يسكته عليا و انه ضمني...
ليكمل و قد تجهم وجهه بغضب.

=طبعاً بعد اللي حصل، راجح اتصل به وقاله انه بيرفع حمايته من عليا و انه حر يتصرف معايا زي ما هو عايز يتصرف و فعلاً راح قدم الوصولات للنيابة و رجالته قالبة الدنيا عليا...
هتفت اشجان و هي تعتدل جالسة
=احييية عليك و على وقعتك السودا...
تناول توفيق سيجارة من العبوة التي فوق الطاولة بجانب الفراش قائلاً بهدوء
=لا متخفيش ما انا عرفت هخرج ازاي من الليلة دي...
لوت اشجان شفتيها قائلة بسخرية.

=ازاى بقي يا ملك عصرك...
اجابها و هو يشعل السيجارة التي بفمه
=عرفت ان راجح فض الشراكة مع عابد و طبعاً طلعله بالميت كدة يجى 6. 7 مليون جنية...
همت اشجان بمقاطعته واخباره انها علمت من عابد انه قام بطرده ولم يعطيه شئ لكنها اغلقت فهمها عندما سمعته يكمل قائلاً
=هخليه يدفعلي بنفسه تمن الوصولات، هخطف الحلوة اللي متجوزها و هخليه يدفع دم قلبه علشان يرجعها...

اتسعت شفتى اشجان في ابتسامة و قد التمعت عينيها فور سماعها كلماته تلك
=طيب و هتخطفها ازاى و هي مرزوعة في بيتها 24 ساعة و لو خرجت بيبقى معاها عابد بيقولى من يوم ما رجعت و هي منزلتش غير مرة و كانت معاه...
ابتسم توفيق قائلاً.

=ما شاء الله، ده عابد واقع لشوشته معاكى و بيحكيلك كل حاجة اهو، اومال ليه ياختى. من يوم ما زقيتك عليه و انتى مش عارفة تضحكى عليه و تخليه يكتبلك محل واحد من محلاته. و كل اللي بتطلعيه منه ملاليم.
اجابته اشجان بحدة و هي تختطف السيجارة من فمه
=و انا كنت اعرف اخد منه حتى حتة تلاجة ولا غسالة طول ما كان راجح ماسك الشغل، علشان اخليه يكتبلى محل من محلاته...
ربت توفيق على ساقها العارية قائلاً بمكر.

= اهو ياختى راجح مشى و رينى شاطرتك انتى بقى...
اخذت اشجان نفساً عميقاً من السيجارة التي بيدها قائلة
=متقلقش، المهم قولى هتوصل ازاى للبت صدفة...
اجابها و هو يتناول سيجارة اخرى و يقوم باشعالها
=مش مهم تعرفى المهم عندى اختار وقت يكون راجح مش في البيت فيه...
قطبت اشجان حاجبيها قائلة
=و هتعرف منين، ده
اجابها مبتسماً و هو يستدير ينظر اليها بسخرية.

=من هاجر حبيبتىى طبعاً. اتفقت معاها تراقب بيخرج كل يوم امتى و بيرحع في حدود الساعة كام علشان اعرف انفذ في الوقت الصح...
زفرت اشجان بحدة قائلة بغضب
=هي البت دي لسه بتكلمك، مش قولت هتخلص منها
هز توفيق قائلاً ببرود
= و اخلص منها ليه، دي منجم دهب و بستفيد منهل
ليكمل بسخرية و هو يمسك بذقنها يدير وجهها اليه
=ايه ده يا شوشو بتغيري عليا ولا ايه...
دفعت اشجان يده بعيداً قائلة بحدة.

=اغير على ايه بلا نيلة. هي جت عليها. ده انت تعرف نسوان بعدد شعر راسك...
ابتسم تقائلاً و هو يعتدل في جلسته
=جدعة يا شوشو. و ده اكتر حاجة بحبها فيكى انك ست عاقلة...
ليكمل و هو يلتقط من السيجارة نفساً عميقاً
=الا صحيح مفيش اخبار عن متولي جوزك...
اشاحت بيدها قائلة بتأفف
=ياخويا افتكرلنا حاجة عدلة، و لا نعرفش عنه حاجة. دخله على 3 شهور من يوم ما غار سافر الكويت كأنه ما صدق ابن الورم. ة.

لتكمل و هي تضرب توفيق على ذراعه
=و يلا يا خويا خد نفسك و امشى بدل ما نلاقى عابد طابب علينا و نروح في داهية، ميعاد رجوعه قرب...
اومأ برأسه من ثم اطفئ السيجارة التي بيده قبل ان ينهض و يلتقط ملابسه و يرتديها ثم غادر مسرعاً.
بعد مرور اسبوع...
كانت صدفة جالسة بغرفة الاستقبال تربت بحنان على بطنها التي اصبحت اكثر بروزاً عن قبل.

و عقلها شارد تفكر بعلاقتها براجح و علاقتهم المتوترة فقد كانت تتجنب الحديث معه و تظل بغرفة الاطفال لا تخرج منها طوال فترة وجوده بالمنزل فقد كانت لاتزال غير قادرة على مسامحته رغم محاولاته لتعويضها فقد كان يراعها يهتم بمأكلها و مشربها. يصنع لها الطعام بنفسه و يقوم بالاعمال المنزلية بأكملها رافضاً ان تحرك اصبع واحد من يدها، رغم انشغاله فقد كان يذهب من الصباح لا يعود الا بعد حلول الليل لا تعلم إلى اين يذهب خاصة انه لم يعد يعمل بالوكالة مع والده...

تعالى طرق حاد متتالى على باب الشقة مما جعلها تنهض بتثاقل
لكى تذهب و تفتحه.
التقطت الطرحة من على المقعد و وضعتها على رأسها قبل ان تفتح الباب لتتراجع الى الخلف توارب الباب عندما رأت رجلاً غريباً يقف بالباب
=ايوه يا استاذ عايز مين،؟!
اجابها الرجل بصوت لاهث
=انتى الست صدفة مرات الريس راجح...
اومأت له قائلة على الفور
=ايوة انا، في ايه، مين انت
غمغم الرجل قائلاً.

=انا خميس شغال في الوكالة بتاعت الحاج الراوى، حاولت اتصل على الحاج عابد تليفونه مقفول و خبطت على الشقة اللي تحت محدش رد...
قاطعته صدفة بحدةو قد بدأت ضربات قلبها تتسارع بخوف وقلق
=ليه، في ايه؟!
اجابها خميس على الفور
=اصل جالنا تليفون على الوكالة من مستشفى النصر ان راجح باشا عمل حادثة بالعربية و نقلوه على هناك...

لطمت صدفة يدها على صدرها هاتفة بفزع و قد شعرت بانفاسها تنسحب من داخل صدرها كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حولها
=راجح، ماله، حادثة ايه
اجابها خميس و هو يهز كتفيه
=اللى اعرفه، انه عمل حادثة بالعربية و ان حالته مش خطرة علشا ن كده جيت ابلغكوا.
انفجرت صدفة باكية بانتحاب حاد شاعرة بقلبها يكاد يغادر صدرها اندفعت تحاول الخروج و هي لا تكاد ان ترى امامها لكن اوقفها صوت خميس.

=راحة فين يا ست صدفة، البسى عباية ولا اى حاجة عليكى هتنزلى بعباية البيت، ألبسى و انا هوصلك للمستشفى انا عربيتى و اقفة تحت...
ليكمل و هو يهبط الدرج
=هستناكى تحت في العربية لحد ما تغيرى هدومك.
تراجعت صدفة للداخل وهي تومأ برأسها قبل ان تسرع للداخل حتى تبدل ملابسها و شهقات بكائها تمزق صدرها...
بالاسفل...
تحدث خميس الذي كان ينتظر بسيارته
=ايوة يا توفيق باشا، كله تمام...
كلها 10دقايق و هتبقى عندك...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة