قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الخامس والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الخامس والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الخامس والعشرون

كانت صدفة نصف نائمة تحاول ان ترتاح بعد موجة الغثيان التي اصابتها عندما سمعت طرق حاد متتالى على باب الشقة مما جعلها تتحامل على نفسها و تنهض بتثاقل لكى تذهب و تفتحه...
لكن ما ان فتحته مت
تراجعت الى الخلف بفزع عندما دلف عابد الراوى الى الداخل كالاعصار و الذي و دون اي مبررات قام بصفعها بقوة صفعة جعلتها تكاد ان تسقط على الارض...

لكنها تماسكت بضعف بالطاولة التي بجانب الباب حتى تبقى على قدميها هتف عابد و هو يندفع نحوها بوجه اسود عاصف
=بقي انتى يا روح امك، بتتبلى على بنتى و تلبسيها مصيبتك...
ليكمل و هو يقبض على شعرها يجذبها منه بقوة مما جعلها تصرخ متألمة
=طيب وحياة امك لأدفنك مكانك، و اعرفك ازاى تتبلى على اسيادك اللى اشرف منك و من اهلك.

و لكن ما انهى كلماته تلك الا و شعر بيدين تجذبانه بقسوة من الخلف بعيداً عنها و صوت راجح الغاضب يعصف بانحاء الارجاء بقسوة
= تدفن مين، يا عم انت...
ليكمل بشراسة عندما وقعت عينيه على وجه صدفة الذي كان يظهر عليه بوضوح علامات حمراء اثر اصابع عابد ليشتعل الغضب بداخله كبركان ثائر
=انت ضربتها، مديت ايدك على مراتى...
هتف عابد و عينيه تلتمع بالقسوة
=ايوة ضربتها...
ليكمل و هو يصراخ بوجه اسود عاصف.

=و هقطملك رقبتها كمان، ليه هي احسن من بنتى اللى ضربتها و مديت ايدك عليها...
قاطعه راجح بشراسة و ازدراء
=مراتى جزمتها برقبة بنتك الرخيصة الزبالة...
زمجر عابد يزجره بنظرات ممتلئة بالكراهية و الشراسة
=قطع لسانك، بقى بتقارن بنت الحسب و النسب باللمامه تربية الشوارع اللى انت متجوزها، طيب عليا النعمة لحسرك عليها...

انهى جملته مندفعاً نحو صدفة محاولاً الهجوم عليها مرة اخرى مما جعل راجح يندفع نحوه على الفور و قد جن جنونه فور ان رأي صدفة ترتعد بخوف و هي تحاول التراجع إلى الخلف بعيداً عن عابد و الخوف ظاهر على وجهها الشاحب...
قبض على عنق عبائة عابد و غضب عاصف يشتعل بداخله دافعاً اياه بقوة الى الخلف
=لو ايدك اتمدت عليها، قسماً بالله لأقتلك...
صرخ عابد بشراسة و هو يحاول تجاوزه و دفعه بعيداً
=طيب ورينى هتقتلني ازاى.

و دينى لأموتهالك...
انهى جملته قابضاً على ذراع صدفة التي اطلقت صرخة مرتعبة و هي تنفجر باكية فلم يشعر راجح بنفسه الا هو يندفع نحوه يلكمه بقوة بوجهه، مما جعله يتراجع إلى الخلف متعثراً و يفقد توازنه و يسقط بقوة على الارض لكنه سرعاً ما انتفض واققاً و هو يصرخ بصدمة بينما يدلك فكه و هو لا يصدق انه قد ضربه
=بتضربنى، بتضرينى يا ابن الكل. ب يا ناكر الجميل، بتضرب ابوك، علشان واحدة زى دى...

قاطعه راجح بقسوة و هو يمسك بصدفة المرتجفة الباكية و ينحيها خلف ظهره بحماية حتى لا يستكع عابد الوصول اليها
=بتكدب على مين يا عابد يا راوى طول عمرك لا اعتبرتنى ابنك، ولا انا اعتبرتك ابويا، شوفت منك كتير من و انا عيل مكملتش 7 سنين. كنت بحط الجزمة في بوقى و مبنطقش على بهدلتك و مرمطتك فيا...

ليكمل بعنف و هو يقترب منه حتى وقف امامه مباشرة و تعبيرات وحشية مرتسمة على وجهه غارزاً اصبعه في صدره و هو يزمجر بشراسة
=لكن مش هسكت و لا هقف اتفرج عليك و انت باهين و بتمد ايدك على مراتى...
زمجر بشراسة و هو يضغط على كلماته بقسوة
=مراتى خط احمر يا عابد يا راوى...
قاطعه عابد بقسوة و غل هو يدفع يده بعيداً عن صدره
=مراتك،! مراتك مين ياخويا اللى انت محموق اوى علشانها...
ليكمل بشراسة و هو يرمقه بازدراء و حدة.

=مراتك اللي خانتك يا نطع مع راجل تانى، و انت طردتها و بعدها رجعت رجعتها تانى بعد ما ركبتلك الاريال فوق راسك، و جاى بقى تلبس مصيبتها في بنتى انا. علشان تدارى على نجاست. ها...
قاطعه راجح بشراسة غافلاً عن تلك التي شحب وجهها فور سماعها كلمات عابد تلك شاعرة بالدوار يجتاحها لتنهار جالسة على الارض و هي تتنفس بصعوبة و قد بدأت تدرك لما طردها راجح. لما قام بضربها و نعتها بتلك الشتائم البشعة.

=قطع لسانك، و لسان اللى يقول عليها كده مراتى اشرف من الشرف، اشرف من بنتك الصايعة بتاعت...
لكنه قطع باقى جملته عندما وصل الى مسمعه صوت انتحاب صدفة الممزق الصادر من خلفه ليدرك انها قد سمعت حديثهم و فهمت ما فعله.

استدار نحوها ليجدها جالسة على الارض بوجه شاحب يحاكى شحوب الاموات تبمى بحرقة اسرع نحوها جالساً على عقبيه امامها يحيط وجهها بيديه هامساً اسمها بصوت مرتجف لكنها دفعت يده بعيداً رافضة لمسته حاول لمسها مرة اخرى و هو يشعر باليأس و الالم لكنه انتفض واقفاً عندما سمع عابد يغمغم بسخرية لاذعة من خلفه
=ايوة ايوة. يا خويا داددى فيها اوي، ما هي راكبة و مدلدلة، ياخى اتفو على ده صنف رجالة.

صرخ به راجح بينما يندفع نحوه يدفعه بقسوة نحو الباب و قد بدأ يفقد السيطرة على اعصابه
=اطلع برا، برا و كفاية بقي لحد كده متخلنيش اتجنن عليك
ليكمل و هو في ثورة غضبه
=و اعمل حسابك لحد كدة و خلصت. انا معتش شغال معاك...
هتف عابد بتوجس و قد اختفى اللون من وجهه
=تقصد ايه،؟!
اجابه راجح بحدة و هو يتطلع بعينه بقسوة.

=يعنى الحمار اللي كان شايل الشغل على دماغه هيسيبك، و اعمل حسابك برضو هاخد حقى على داير المليم، نص كل حاجة...
اطلق عابد ضحكة قصيرة ساخرة و هو يلوي فمه بتهكم
=نص ايه يا خويا. سمعنى تانى كدة...
اجابه راجح بشراسة هاتفاً بصوت حاد لاذع
=نص الوكالة و ال9 محلات، ايه حقى
قاطعه عابد مغمغاً بسخرية لاذعة
=حقك.! و حقك ده بقى بتاع ايه، فاكرنى يمكن اكون ناسى...
زمجر راجح و هو يضرب بقسوة على صدره و هو يكمل.

=حق تعبى و شقايا يا عابد يا راوى، حق ما انا طفحت الدم و اتهد حيلى و انا بكبر محلك الصغير بتاع الاجهزة المخروبة و المستعملة لأكبر وكالة للأجهزة الكهربائية المستوردة و ده اللى اتفاقنا عليه من اول يوم اشتغلت فيه معاك...
قاطعه عابد و هو يبتسم ببرود
=طيب و معاك ورقة بقى تثبت كلامك ده...
اندفع راجح نحوه يتطلع اليه بقسوة و شراسة مرعبة
=يعنى ايه هتاكل هتعبى و شقايا...

اقترب منه عابد هامساً بالقرب من اذنه بصوت هسيس منخفض حتى لا يصل إلى مسمع تلك التي كانت لازالت جالسة على الارض تتطلع امامها باعين متسعة ينساب منها الدموع بصمت وهي تبدو كما لو كانت بعالمها الخاص
=لا اعتبره. مقابل انى قبلت اربى عيل ابن حرام زيك و خدتك في حضنى و ربيتك، و اديتك اسمى. بدل ما كنت تترمى في الشارع زى كلاب السكك لقيط، لا لك اب و لا ام
فق.

راجح السيطرة على اعصابه فور سماعه كلماته تلك ضارباً راحتيه في صدر عابد بقسوة دافعاً اياه نحو باب الشقة الذي كان منفتح على مصراعيه مزمجراً تحركه فورة الغضب المشتعل بصدره و السعير الذي يكوي اعماقه
=طيب اتكل على الله و غور من وشى بدل ما اتغبى عليك و اعرفك انا ابن حرام ازاي...

تراجع عابد بخوف من لهيب الغضب المحترق بعينيه مندفعاً خارجاً بينما وقف راجح يغمض عينيه بقوة معتصراً قبضتيه و قد تسارعت انفاسه و احتدت بشدة وهو يحاول التحكم في غضبه حتى لا يلحق به و يفعل ما قد يندم عليه...
لكنه فتح عينيه شاعراً بالبرودة تجتاحه فور تذكره لصدفة و ما سمعته...

التف عائداً اليها جالساً على عقبيه امامها لكنها لم تنظر اليه حيث كانت عينيها لا تزال مسلطة على الارض تبكى بصمت ليشعر بقبضة حادة تعتصر قلبه فور ان رأى اثر الدموع على وجنتيها الشاحبتين
احاط ذراعيها بيديه قائلاً بصوت معذب
=صدفة، و الله كان غصب عنى، انا عارف انى غلطت لما شكيت فيكى بس...
نفضت يده بعيداً عنها رافضة لمسته و هي تصرخ بهستيرية
=متلمسنيش...
لتكمل منتحبة و هي تضربه في صدره براحتى يديها.

=ازاى قدرت تصدق. انى ممكن اخونك...
اخفض راجح رأسه شاعراً بالخجل و الندم لا يعلم بما يجيبها فهو نفسه لا يعلم كيف لم يثق بها
ارتجفت شفتيها في قهر و هي تهمس بصوت ممتلئ بالألم و الحسرة
=عملت ايه يا راجح علشان تشك فيا...
تحولت دموعها الى شهقات بكاء عالية ممزقة و هي تكمل بصوت منخفض ملئ بالحسرة
=شوفت منى ايه وحش علشان تصدق عليا كده...
لتكمل وهي تضرب بيدها فوق صدرها.

=ده انا كنت لحد وقت قريب كنت بتكسف منك، بتكسف منك و انت حلالى ازاي تصدق ان اقدر اخونك مع راجل تانى، او اخلى راجل تانى غيرك يلمسنى...
ظل راجح مخفض الرأس و هو لا يجروء على رفع رأسه و مواجهتها بينما الالم يمزق قلبه
همست بصوت مختنق وهي تحدث نفسها.

=ضربتنى، و طردتنى في نص الليل و لقيت نفسي لوحدى في الشارع، خلتنى لأول مرة في حياتى احس يعني ايه اكون يتيمة. ماليش حد، و لا مكان اروحه و لا ايد تطبطب عليا، ملقتش قدامى غير بيت اشجان و ابنها...
لتكمل صارخة بهستيرية ضاربة اياه بصدره براحتى يديها و الالم الذي شعرت به بهذا اليوم يعاودها
=انطق قولى عملت ايه. عملت ايه علشان تضربنى، عملت ايه علشان ترميني بايدك لأشجان و ابنها.

تشدد جسد راجح بعصبية فور سماعه كلماتها الاخيرة تلك
=عملوا فيكى حاجة،؟!
التوت شفتيها بابتسامة ساخرة يظهر بها مدي ألمها
=يهمك اوي، لو افرق معاك مكنتش رمتنى، مكنتش صدقت عنى حاجة بالوساخة دى...
قاطعها بحدة و هو يشعر بانه على الحافة من فقد اعصابه
=عملوا ايه يا صدفة،؟
اخذت تتطلع اليه و الدموع تنساب من عينيها بصمت قبل ان تهمس بصوت مرتجف و الالم و الخوف الذي شعرت بهم وقت ان هاجمها اشرف يعاودانها من جديد.

=اشجان سلمتنى لأبنها علشان ياخد منى اللى هو عايزه...
لتكمل بمرارة و انتحابها يزداد بشدة مما جعل جسدها يرتجف بقوة
=وقالتلى بكرة تتعودى و اهو يبقى اسمك بتدفعى حق لقمتك، لقمتى اللي كانت نص رغيف ناشف مليان بالعفن وحبة ملح، ده كان تمن شرفى عند اشجان و ابنها...
جن جنون راجح و قد غلت الدماء بعروقه فور سماعه كلماتها تلك زمجر بقسوة بينما يضغط على فكيه بقوة و قد اصبحت الرؤية امامه ضبابية من شدة الغضب
=لمسك.؟

هزت رأسها بصمت هامسة بصوت مختنق
=لا. ضربته على راسه بحته حديدة و هربت من الشقة...
لتكمل بصوت مختنق و قد تحولت دموعها الى شهقات بكاء عالية ممزقة...
=هربت. و لقيت نفسى لوحدى في الشارع في نص الليل، و ماليش مكان اروحه...
صمتت للحظة قبل ان تتابع بكلمات متقطعة من بين نشيج بكائها.

=و فى. الاخر ملقتش. قدامى، غير، حتة تحت شجرة في الشارع نمت تحتها، نمت و انا مرعوبة من كل صوت يقرب من المكان اللى انا نايمة فيه، خايفة لا اللى معرفش اشرف يعمله فيا، يعمله غيره من السكرانين و المدمنين اللى الشارع مليان بيهم...
انهت جملتها دافنة وجهها بين يديها بينما حلقها ينقبض وهي تحاول كتم شهقات بكائها لكنها فلتت منها منكسرة.

شعر راجح بقبضة تعتصر قلبه و بألم يكاد يحطم روحه إلى شظايا و هو يستمع إلى ما عانته بسببه و سبب غبائه و غيرته العمياء تجمعت دموع كثيفة في عينيه لكنه قاومها بشدة
اقترب منها ببطئ ممسكاً بمؤخرة عنقها ليدفن وجهها بعنقه مما جعلها تنفجر باكية مخرجة نشيج صغير متألم كان كالسكين الذي انغرز بقلبه...
همس بصوت متألم مختنق و هو يعقد يديه من حولها يضمها اليه بقوة
=سامحينى يا صدفة، حقك عليا.

انحنى عليها موزعاً قبلات خفيفة على وجنتيها و عينيها، و هو يقسم بداخله انه سيجعلهم يدفعون ثمن كل ما فعلوه بها و بانه سيعوضها عن كل هذا فهى زوجته و حبيبته الهواء الذي يتنفسه و بدونها يختنق فهي الحياة بالنسبة له.
رفع يدها طابعاً قبلة عميقة براحتها قبل ان يهمس بالقرب من اذنها بصوت مرتجف ملئ بالندم و الحسرة
=حقك عليا يا حبيبتى، حقك عليا...

انتفضت مبتعدة عنه ما ان تمالكت نفسها دافعة اياه بعيداً و هي تصرخ بصوت ممزق
=اسامحك، ازاى، اسامحك ازاى بعد ما عملت كل ده فيا، انت اثبت ان مفيش ما بنا ثقة، و انى رخيصة في نظرك، بتصدق عنى اي حاجة، و زى ما صدقت المرة دى هتصدق اى كلمة اى حد هيقولها عليا
قاطعها سريعاً بانفس ممزقة و هو يشعر بكلماتها كالخنجر بصدره.

=انتى اغلى و اهم حاجة في حياتى يا صدفة، و الله العظيم كان غصب عنى، ظبطوها صح، و انا بغبائي صدقت غيرتى و جنونى بيكى هما السبب...
نهضت بتثاقل على قدميها متجهة نحو الباب و هي تحاول عدم التأثر بكلماته تلك. فكيف يمكنها ان تكمل معه حياتها بعد ما فعله...
نهض راجح هو الاخر مسرعاً يلحق بها ممسكاً بذراعها قائلاً بلهفة
=طيب راحة فين...
نزعت ذراعها من بين يده هاتفة بحدة وهي تمسج وجهها من الدموع العالقة بها.

=همشى، انا معتش ليا مكان هنا...
تنفس راجح بعمق محاولاً تهدئت اعصابه التي كانت على حافة الانهيار فهو لن يستطع تحمل رؤيتها تبتعد عنه مرة اخرى
=طيب اهدى يا صدفة، اهدى يا حبيبتى.
ليكمل و هو يحيط و جهها بيديه هامساً بصوت ممزق مختنق يملئه اليأس
=قوليلي اعمل ايه علشان تسامحنى، وانا و الله مستعد اهد الدنيا و ابنيها علشانك...

انتفضت مبتعدة عنه مزيحة يده التي كانت تحيط وجهها بحده تمتم بقسوة بينما صدرها يعلو و ينخفض بينما تكافح لألتقاط انفاسها محاولة عدم التأثر بحالته تلك
=تطلقنى...
اهتز جسده بعنف كما لو صاعقة قد ضربته و ارتسم معالم الارتعاب على وجهه فور سماعه كلماتها تلك
اجبر شفتيه على التحرك هامساً بصعوبة و ثقل
=اطلقك،؟! عايزة تسيبنى يا صدفة.

ارتبكت فور رؤيتها للألم الذي ارتسم داخل عينيه همت بالنفى حتى تزيح هذه النظرة من عينيه لكنها توقفت متجمدة مذكرة نفسها بقسوة بما مرت به بسببه. و عدم ثقته بها. و اهانته لها
همس راجح من بين اسنانه المضغوطتين و قد بدأت البرودة تتسلل الى جسده عندما ظلت صامتة امسك بيدها يجذبها اليه بلطف
=طيب اهدى، انتى دلوقتي اعصابك تعبانة و لما تهدى كل حاجة هتتحل...
قاطعته و هي تتراجع مبتعدة عنه هاتفة بحدة.

=ايه اللى هيتغير. هينغير حاجة من اللى حصلى لا، احنا معتش ينفع نكمل مع بعض.
لتكمل هامسة بألم و قد بدأت عينيها تصبح ضبابية ممتلئة بالدموع
=انا معملتش حاجة غير انى حبيتك و صونتك و صونت بيتك و صونت شرفك، مشوفتش حاجة وحشة منى علشان تظن بيا الظن الوحش ده، مكنتش استاهل منك ابداً اللى عملته فيا...

اخفض رأسه و الشعور بالندم يتأكله من الداخل بينما ضعف غريب يستولي عليه عندما وقفت تنظر اليه وعينيها تنبثق منها خيبة الامل و الجرح...
=عندك حق يا صدفة، انا مستهلكيش...
صمت قليلاً قبل ان يغمغم و هو ينظر اليها بتضرع
=بس انا برضو مش هقدر اسيبك تمشى...
ليكمل بتصميم و صرامة قاطعة
=مش هتمشى يا صدفة، على جثتى لو سيبتك تمشى.

فقدت اعصابها فور ان سمعت كلماته تلك ضربته في صدره و هي تصرخ بشراسة وهي في حالة من الهستيرية
=لا همشى، همشى و مش هعقد معاك و لا دقيقة واحدة...
اسرع بتقييد يديها التي كانت تضربه بها و هو يشعر بالخوف يتسلل بداخله عندما رأى وجهها يشحب و انفاسها تتثاقل متذكراً مرضها.
احاطها بين ذراعيه لكنها اخذت تقاومه مما جعله يشدد من ذراعيه حولها هامساً باذنها محاولاً تهدئتها.

=طيب خلاص، خلاص اهدى هعملك اللى انتى عايزاه بس اهدى، اهدى يا حبيبتى
هدأت صدفة و استكان جسدها فور سماعها كلماته تلك اخذ راجح يمرر يده على ظهرها و هو يكمل
=عايزة تعقدى لوحدك حاضر بس انا اللى همشى، مش انتى...
هزت رأسها برفض و عندما همت بفتح فمها اسرع بالقول
=ده بيتك و لو حد هيمشى يبقى انا...
ليكمل و هو يحيط وجهها بيديه طابعاً على جبينها قبلة حنونة بينما الالم يمزق قلبه بقسوة...

=ارتاحى، و انا شوية وهكلم امى تطلع تحضرلك الاكل و تديكى الدوا. و لو تقدر تبات معاكى تبات، علشان متبقيش لوحدك
ظلت صدفة تتطلع اليه بصمت غير قادرة على النطق بحرف واحد شاعرة بكامل طاقتها تنفذ منها...
طبع راجح قبلة اخرى على جبينها و قد تطلب منه الامر كل ما لديه من قوة ارادة لكى يستدير و يغادر الشقة بهدوء و يتركها بمفردها كما تشاء...

بينما وقفت هي تراقب مغادرته تلك بجسد مرتجف قبل ان تنفجر باكية و الالم يمزق قلبها...
في ذات الوقت...
دلفت نعمات الى المنزل لتجد عابد جالساً على الاريكة ببهو الشقة اقتربت منه قائلة و هي تضع مفاتيحها بالحقيبة التي بيدها
=ايه ده خير، مش قولت هتبات النهاردة برا علشان مستنى بضاعة...
لكنها ابتلعت باقى جملتها لاطمة فوق صدرها بفزع فور ان رفعت رأسها و رأت جبينه المكدوم بشدة.

=نهار اسود، ايه اللى شلفط وشك كده، اتخنفت مع مين؟!
اجابها عابد بحدة و هو يفرك جبينه المكدوم برفق
=المحروس ابنك...
هتفت نعمات قائلة بغضب و هي تقترب منه
=مين مروان، ليه هو اتجنن يمد ايده ازاى عليك...
قاطعها مزمجراً بقسوة
=مروان مين يا وليه انتى. اللي هيضرينى، انا بتكلم عن الفرخة بكشك بتاعتك اللى مفضلاه على الكل حتى على عيالك اللي من صلبك...

اتسعت عينين نعمات هاتفة بصدمة و هي لا تستطع تصديق ان راجح يمكنه فعل ذلك
=راجح،؟!
لتكمل سريعاً و هي تهز رأسها بقوة
=لا طبعاً استحالة راجح يعمل حاجة زي دى...
هتف عابد بغيظ و هو ينتفض واقفاً
=خلاص، خلاص ياختي يبقي انا كداب و ابن كل. ب و بتبلى عليه...
دفعته نعمات في صدره معيده اجلاسه و هي تهتف
=مقولتش كده، يا عابد بس مستغربة ازاى راجح يعمل كده، طيب و ليه اصلاً
زفر و هو يرسم الحزن على وجهه حتى يكسب عطفها.

=انا نفسى مصدوم ازاى يعمل فيا كده، ده ابنى اللي مخلفتوش...
ليكمل بألم و اسف
=كل اللي حصل انى رجعت البيت علشان اكلى لقمة قبل ما ارجع الشغل، لقيته ماسك في هاجر و نازل فيها ضرب...
صرخت نعمات بفزع و قد شحب وجهها
=هاجر،؟! ضرب هاجر. ليه؟!
غمغم قائلاً بمكر
=شوفتى انتى اتصدمتى ازاى، تخيلى بقي اللي انا حسيت به وانا شايفه بيضربها...
ليكمل بغضب و شراسة.

=لا و مش مكفيه ضربها لا، ده بيتيلى عليها قال ايه بنتى انا العيلة اللي مكملتش 18 سنة بتحب توفيق الحلاونى اللي متحوز ومخلف، و متفقة معاه كمان...
همست نعمات التي بدأت تشعر بالدوار و المرض
=متفقة معاه ازاي، مش فاهمة
اجابها عابد وهو يلوح بيده بغضب
=قال ايه بنتك اتفقت معاه على انهم يشككوه في مراته و بعتوله صور لها كأنها هي اللى بعتاها لراجل غريب...
ليكمل بقسوة و شراسة.

=ابن الكل. ب بيلبس بنتى مصيبة مراته علشان يبررلها وسختها...
انهارت نعمات جالسة بوجه شاحب و هي لا تصدق ما يحدث
ليكمل عابد بمكر و هو يتابع ردة فعلها على كلامه
=جيت الومه و اعاتبه على اللي عمله في اخته مد ايده عليا انا كمان و نزل فيا ضرب...
هزت نعمات رأسها و هي تضرب يدها بساقها
=اخص عليك يا راجح، اخص عليك...
غمغم عابد بحدة
=علشان كدة، طردته من الشغل و دينى ما هخليه يطول جنية واحد طول ما انا عايش...

ليكمل بارتباك عندما وجد نعمات تنظر اليه باعين متسعة مليئة بالصدمة
=و انتى قومى، قومى شوفى البت وشها وجسمها متبهدلين لو كده نخدها على دكتور يشوفها
نهضت نعمات على الفور عند سماعها كلماته تلك و القلق و الخوف ينتاباها مسرعة نحو غرفة هاجر لكى تطمئن عليها...

بينما تابعها عابد بنظراته و ابتسامة ماكرة تملئ وجهه سعيد بنجاح خطته حيث بعد خروجه من شقة راجح قام بضرب رأسه بالحائط عمداً حتى يتسبب بالكدمات لنفسه و يقنع نعمات بما فعله حتى يجعلها تنقلب عليه وتصبح بصفه و هذا ما نجح به بالفعل...
بعد مرور نصف ساعة...

كان راجح يجلس بالشارع على الرصيف امام المنزل رافضاً البقاء بسيارته التي قد توفر له بعض الدفئ في هذه الليلة قارصة البرودة لكنه فضل البقاء هنا كما لو كان يعاقب نفسه على ما حدث لصدفة، او ربما لكى يشعر ببعض ما مرت به في تلك الليلة التي قضتها بالشارع...
شعر بقبضة حادة تعتصر قلبه فور تخيله لها و هي في مثل حالته تلك وحيدة بشارع مظلم لكنه على الاقل رجل يقدر على حماية نفسه من أى خطر قد يتعرض له.

لكن هي من كان سيحميها اذا هاجمها احدى الكلاب المفترسة التي تملئ الشوارع، او انتبه اليها احدى السكيرة و مدمنى المخدرات و حاول الاعتداء عليها...
ابتلع الغصة التي تشكلت بحلقه فور تخيله رعبها و خوفها بهذا الموقف. اقسم بداخله بانه سيجعل كل من تسبب في هذا يدفع الثمن خاصة اشجان و ابنها الحقير...
اخرج هاتفه على الفور متصلاً باحدى الارقام ليسرع بالقول فور ان اجابه الطرف الاخر...

=ايوة يا مسلم، انت لسه شغال الواد اشرف ابن اشجان
اجابه مسلم بارتباك و خوف
=لا والله العظيم يا راجح باشا توبت و بعدت عن السكة الشمال دى، و البركة فيك بعد ما جبتلى شغل اعرف اصرف به على امى و اخواتى، و لو مش مصدقنى انا ممكن...
قاطعه راجح سريعاً
=مصدقك يا مسلم، بس انا طالبك في خدمة...
اسرع مسلم قائلاً بلهفة
=خدامك يا باشا اؤمر...
اجابه راجح بهدوء يعاكس الغضب المشتعل بصدره.

=عايزك تقرب من الواد ده تانى و تعرفلى بيبجيب البلاوى دى منين و في اقرب وقت يستلم فيها المخدرات دى اعرفلى بيخبيها فين و بعدها اخلع منه...
اجابه مسلم على الفور
=حاضر يا باشا، اللى تؤمر به
غمغم راجح بهدوء
=و متقلقش يا مسلم، نفذ اللى قولتلك عليه و في الاخر هشوفك.
قاطعه مسلم قائلاً بعتاب
=ده كلام برضو يا راجح باشا، ده انت خيرك مغرقنى. لولاك كان زمانى مسجون ولا مقتول بسبب السكة الزفت اللى كنت ماشي فيها.

ليكمل باصرار
=باذن الله، هجيبلك اللى انت عايزه خلال يومين هو اصلاً كان بيزن عليا بقاله فترة عايزنى ارجع للشغل معاه...
همهم راجح قائلاً بهدوء
=ماشى يا مسلم مستنى منك الخبر، قريب...
انهى معه و اغلق الهاتف قبل ان يرفع عينيه يتفحص نافذة غرفة والدته ليجدها مضاءة امسك الهاتف و اتصل بوالدته حتى تذهب للاطمئنان على صدفة
اجابت والدته بعد عدة اتصالات
=خير عايز ايه...

تعجب راجح من نبرة والدته الجافة معه لكنه غمغم قائلاً
=معلش ياما، هتعبك ممكن تطلعى تطمنى على صدفة و تشوفيها ك...
قاطعته والدته بحدة و جفاف
=لا يا حبيبى مبطلعش اشوف حد...
لتكمل بغضب وقسوة
=بعدين انت ليك عين تطلب منى حاجة بعد اللي عملته في ابوك و اختك. يا اخى اخص عليك و على تربيتك...
غمغم راجح قائلاً بنفاذ صبر
=ياما انتى مش فاهمة حاجة...
قاطعته نعمات بقسوة.

=مش فاهمة ايه، بقى تمد ايدك على الراجل اللى رباك، بقى ده جزاته بعد ما رباك وعملك راجل تمد ايدك عليه، النهاردة ضربت ابوك و اختك بكرة تضربنى و تدينى بالجزمة ما انت خلاص فجرت...
صمتت للحظة قبل ان تتابع بنبرة صارمة يملئها الغضب
=من النهاردة اعتبر نفسك مالكش لا ام و لا اب، و شوف حالك بعيد عننا، و كتر خيرنا اوى لحد كدة...
ثم اغلقت الهاتف بوجه دون ان تترك له مجال للرد.

اخذ راجح نفساً طويلاً مرتجفاً بينما عينيه مسلطة على الهاتف الذي لايزال بيده لا يصدق ان والدته من تحدثت معه بتلك الطريقة القاسية...
امتلئ قلبه بالألم شاعراً لأول مرة في حياته معنى انه يكون يتيم فوالدته دائماً كانت تغرقه بحنانها و لين قلبها و الان تركته رافضة وجوده بحياتها اصبحت عينيه ضبابيبتين ممتلئتين بالدموع همس بصوت متحشرج ملئ بالألم
=حتى انتى ياما، حتى انتى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة