قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثاني والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثاني والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثاني والعشرون

اخفض راجح الهاتف و كامل جسده متصلباً بينما تضيق به الانفاس كما لو قد منع عنه الهواء فجأة يشعر كأنه وسط جحيم يشعل جسده بنار لا يستطيع تحملها...
غمامة من الغضب العاصف امام عينيه تعمى عنه الرؤية
التف بحدة فور ان رأي صوت صدفة يأتى من خلفه تغمغم بفرح
=ايه ده راجح انت جيت بدرى...

دلفت صدفة من باب الشقة و ابتسامة واسعة مرتسمة على وجهها فلم يشعر بنفسه الا و هو يندفع نحوها تحركه فورة الغضب المشتعل بصدره و السعير الذي يكوي اعماقه قبض على شعرها بعنف يكاد ان يقتلعه من جذوره لا يعير لصرختها المندهشة من تصرفه اكثر منها متألمة يجذبها من شعرها لداخل الشقة صافعاً اياها بقوة جعلتها تسقط ارضاً و ليصطدم جسدها بالارض بعنف جعلها تصرخ متألمة وهي تنفجر باكية لم يتح لها الفرصة حتى تنهض حيث اخذ ينهال عليها ضرباً و هو ينعتها بافظع الشتائم منهالاً عليها بقدمه يضربها ضربات متفرقة بانحاء جسدها غير ابهاً بصراختها المدوية الباكية المتألمة، فقد كان اشبه بالمجنون المغيب الذي يعميه غضبه بينما روحه تتلوي على جمر الغضب والاحتراق بالغيرة...

ركض كلاً من مروان و نعمات يصعدون الدرج إلى شقة راجح بخطوات سريعة متعثرة عند سماعهم صوت صراخ صدفة التي كانت تصرخ متألمة بشكل شبة هستيرى ظناً منهم انها قد اصيبت بمكروه ما...
لكن فور دخولهم إلى الشقة التي كان بابها مفتوحاً على مصراعيه تجمدوا بمكانهم بصدمة عند رؤيتهم لما يفعله راجح بزوجته فقد كان ينهال عليها ضرباً فقد كان خارجاً عن السيطرة تماماً
لا يدرك فضاحة ما يفعله يقوده غضبه الجنونى...

اندفع على الفور مروان نحو شقيقه يعقد ذراعيه من حوله محاولاً جذبه بعيداً عنها و هو يصرخ به ان يستعيد وعيه و يتوقف عما يفعله...
بينما حاولت والدته دفعه بعيداً عنها و هي تصرخ به باكية غير مستوعبة ما يحدث له فبحياتها بأكملها لم تراه ابداً في حالته الجنونية تلك...

دفعته بقوة للخلف لكنه تملص من بين ايديهم معاوداً الهجوم مرة اخرى على صدفة الملقية على الارض تنتحب بشهقات ممزقة بينما تنحنى على نفسها تحمي جسدها من ضرباته.
مما جعل والدته تلقى بجسدها فوقها تحميها بجسدها و هي تصرخ به ان يتوقف عن جنونه...

ليتوقف اخيراً متجمداً بمكانه ينهج بعنف و يتصبب العرق من كامل جسده لا يعير لسؤال امه اخيه عما حدث ليفعل هذا بها نظراته تنصب فوقها فقط وقد اجلستها والدته ببطء و شفقة تمسح وجهها بيدها محاولة تهدئتها بينما تضمها اليه...

ليعاوده الجنون مرة اخري و قد غلت الدماء بعروقه فور تخيله لها في اوضاع حميمية مع عشيقها بصور جعلت الدماء تفور بعروقه دفع مروان بعيداً متحرراً منه و هجم عليها ضارباً اياها بقسوة و هو يزمجر بشراسة سابباً اياها غير ابهاً بصراخاتها او بصراخات والدته الفازعة او شقيقه الذي اخذ يحاول جذبه بعيداً عنها لينجح بالنهاية بابعاده عنها بينما دفعت و الدته صدفة الباكية نحو باب الشقة و هي تصرخ ممتلئ بالفزع.

=اخرجى، اخرجى دلوقتى و ابعدى عنه...
جن جنون راجح فور رؤيته لها تتجه بخطوات متعثرة نحو الباب
دفع شقيقه بقوة مما جعله يسقط على الارض بينما يلتف و يتناول السكين من فوق صحن الفاكهة و فكرة قتلها تسيطر عليه اندفع نحو الباب محاولاً ان يلحق بها لكن تصدت له والدته التي اسرعت بقفل باب الشقة مغلقة اياه بالمفتاح و هي تصرخ في هلع لاطمة وجهها بيديها عندما رأته يندفع نحو الباب محاولاً فتحه و السكين لا يزال بيده.

=يالهوي، عليا و على سنينى
لتكمل بيكاء و هي تندفع واقفة امام الباب دافعة اياه بصدره
=انت اتجننت عايز تقتل مراتك، ده انت روحك فيها. ايه حصلك، ايه حصلك...
زمجر راجح بشراسة و هو يحاول دفعها بعيداً عن الباب
=اوعى ياما ابعدى...

ليكمل صارخاً بشراسة عندما امسك به مروان من الخلف يعقد ذراعيه من حوله مقيداً حركته دافعاً اياه داخل غرفة النوم التي قام باغلاق بابها سريعاً من الخارج ليبدأ راجح بضرب قبضته بالباب و هو يصرخ بشراسة و قد اصابته حالة من الجنون
=افتح يا مروان الباب، افتح و الا قسماً بالله هموتك، افتح...

ظل يضرب الباب بقوة و عنف كالمجذوب الذي يحركه الغضب دون تفكير او حساب، اعمى لا يرى امامه سوى ستار خيانتها التي تحجب عنه الرؤية...

حطم قبضتيه فوق الباب بينما السكين لا تزال بين يده مما جعلها تنغرز بها و تقطع لحم يده لكنه لم يدرك او حتى يشعر بالألم فقد كان الألم الذي بقلبه اكبر و اعمق جعله يفقد الشعور بأي شئ اخر ظل على حالته تلك حتى خانته قدميه و انهار فجأة راكعاً على الارض بجسد منهك و اليأس و الألم يسيطران عليه و لأول مرة بحياته ينفجر باكياً بكاء مرير اهتز له كامل جسده هامساً من بين شهقات بكاءه التي كانت تمزق صدره.

=لية، لية يا صدفة...
وصل صوت بكاءه هذا إلى نعمات التي كانت تقف مستندة إلى الباب من الخارج تستمع إلى شهقات بكاءه و قلبها يتمزق من أجله شاعرة كما لو كانت روحها تسحق لتنفجر باكية هي الاخرى على ألم ولدها و هي تدرك ان الأمر بينه و بين زوجته اخطر مما كانت تتوقع فهى لم تراه من قبل يبكى قطاً حتى عندما كان طفلاً و يعنفه عابد. فقد كان طفل هادئ ذو كبرياء يرفض اظهار ألامه للأخريين.
في ذات الوقت...

كانت صدفة جالسة على احدى أرصفة الشارع تضم جسدها المتألم بذراعيها وهي تبكى بمرارة و ألم فقد كانت في حالة من الصدمة و الذهول لا تصدق ان راجح قد قام بضربها و سبها بتلك الشتائم البشعة، فماذا فعلت هي حتى تستحق منه ذلك.
و كيف امكنه فعل هذا بها.
اهذا ذات الشخص الذي كان لا يتحمل رؤيتها تعانى او تتألم حتى ان كان مجرد ألم بسيط...

فكيف استطاع ايذائها و تعنيفها بهذا الشكل. فقد كان يضربها كما لو كان يكرهها و يحتقرها كما لو كانت قد فعلت به شئ قبيح لا يغتفر لكن ماذا هي فعلت حتى تستحق ما فعله بها.
اخفضت رأسها بينما تنتحب على حالتها تلك شاعرة بألم حاد يعصف بقلبها يكاد ان يحطم روحها إلى شظايا من شدة الحزن.

ظلت جالسة بمكانها عدة دقائق تحاول تهدئت ارتجاف جسدها قبل ان تنهض بتثاقل تجر قدميها بصعوبة و هي تنوي الذهاب إلى بيت ام محمد لكن تجمدت خطواتها فور تذكرها ان ام محمد ليست بالمنزل فقد سافرت بالأمس إلى الصعيد لكى تراعى والدة زوجها المريضة...

لتنفجر باكية مرة اخرى فور ادراكها انه لا يوجد مكان تستطيع الذهاب اليه سوا منزل والدتها حيث تقطن اشجان و ولدها اشرف، اشرف الذي حاول الاعتداء عليها من قبل و اغتصابها، بدأت الارض تميد تحت قدميها شاعرة بعالمها بأكمله ينهار من حولها فور تذكرها لتلك الحادثة، و ما حاول فعله بها و شعورها وقتها مما جعل جسدها يرتجف من شدة الخوف اخذت تتلفت حولها و هي تضع يدها فوق فمها تكتم شهقات بكائها بينما تحاول ايجاد مهرب اخر من مأزقها هذا لكن لم يوجد امامها خيار اخر سوا الذهاب إلى منزل اشجان فلا يوجد لديها مكان تذهب اليه...

وضعت يدها فوق قلبها محاولة تخفيف الألم الحاد الذي يعصف به و هي تهمس دون وعى من بين شهقات بكائها المريرة بكلمات متقطعة غير مترابطة بصوت مكتوم باكي القهر ينبثق منه...
=ليه. يا راجح حرام عليك، ازاي هونت عليك تعمل فيا كده، ليه تخليني ارجع ليهم من تاني
مسحت وجهها بيد مرتعشة قبل ان تجبر قدميها على التحرك و التوجه إلى بيت والدتها حيث توجد اشجان...
بعد مرور عدة دقائق...

اتجهت اشجان نحو باب الشقة وهي تتراقص في خطواتها بينما تدندن بفرح اغنية ما لكنها صمتت فاغرة الفم فور ان فتحت الباب و رأت امامها صدفة بمظهرها المدمر الءي كانت عليه.
مررت عينيها الممتلئة بالصدمة فوق وجه صدفة الباكى و العلامات الحمراء التي تملئ خدييها قبل ان تتسع شفتيها في ابتسامة واسعة و قد التمعت عينيها بشماتة واضحة و هي تستوعب ما حدث لها
=ايه ده هو ابن الراوى ضربك و لا ايه، طيب و نبى تسلم ايده.

دفعتها صدفة في ذراعها مبعدة اياها عن طريقها بينما تندفع الى الداخل متجاوزة اياها دون ان تجيبهالتلحق بها اشجان هاتفة بصوت يملئه الفرح
= عملتى ايه يا منيلة، خلتيه يورملك وشك كده. اكيد نيلتى حاجة ما انا عارفاكى لسانك طويل، و مفكيش لا عقل ولا تفكير...
لتكمل بمكر عندما تجاهلتها صدفة و دلفت الى غرفتها لتلحق بها.

=و لا يمكن تلاقيه هو اللى زهق منك، و قال يخلص منك بدرى بدرى، ما خلاص خد منك اللى عايزه هيبقى على واحدة زيك ليه لا مال و لا جمال و لا تعليم...
استدارت اليها صدفة صارخة بهستيرية و قد طفح كيلها من كلماتها السامة تلك التي اشعلت النيران بجرح قلبها
=اطلعى برا، برا ربنا يخدك...
دفعتها صدفة لخارج غرفتها مغلقة الباب بوجهها بقوة مما جعل اشجان تستشيط غضباً هاتفة بقسوة و غل.

=بتتشطرى عليا انا، ياختى روحى اتشطرى على اللي مرمطك. جتك ستين نيلة تاخدك...
انهارت صدفة جالسة على ارضية الغرفة تدفن وجهها بين ساقيها ابتى كانت تضمها إلى صدها بينما تحيط اذنيها بيديها رافضة سماع صراخ اشجان بالخارج حيث كانت مستمرة بالقاء كلماتها السامة عليها.
خرج نشيج ممزق من بين شفتيها بينما تنفجر منتحبة على كل ما اصابها و ما اصبحت عليه...
بعد مرور يومين...

كانت صدفة جالسة على الاريكة التي تقع بغرفتها تسند رأسها الى اطار النافذة التي كانت تنظر الى خارجها باعين غائمة بينما كان وجهها شاحب كشحوب الأموات لا يزال يرتسم عليه الحزن و الالم.
فمنذ ان اتت إلى هنا و هي على حالتها تلك غارقة في عالم من الحزن و البؤس لا تستطيع الخروج منه...
فركت بيدها برفق فوق بطنها التي كانت تؤلمها منذ الأمس.

فقد كانت دائماً مصابة بمرض القاولون العصبى فعند اضطرابها او حزنها يشتد المرض عليها مثل الأن، لكنها بالماضي كانت تتناول الدواء المخصص لها و تصبح افضل على الفور.
لكن الأن هي لا تملك حتى ثمن حبة واحدة من ذلك الدواء الذي قد يخفف من توعكها...

انحدرت الدموع فوق وجنتيها لكنها قامت بازالتها سريعاً بيدها المرتجفة مرفرفة بعينيها بقوة حتى تبعد الدموع المحتقنة بداخلها عندما رأت باب غرفتها يفتح و تدلف اشجان و هي تتغنج في مشيتها بقميصها المنزلي العاري و وجهها المغطى بالعديد من الالوان الفاقعة.
القت بطبق صغير امام صدفة قائلة بينما تمضغ العلكة التي بفمها
=امسكى اطفحى، انتى من ساعة ما اتنيلتى جيتى هنا مكلتيش حاجة، مقضيها عياط و نواح. بس...

لتكمل و هي تدفع بالطبق نحوها
=كلى ياختى، احسن تموتى و لا يحصلك حاجة و يحسبوكى عليا بنى ادمة و لا حاجة،؟
اخفضت صدفة عينيها الى الطبق الذي اتت به و الذي كان به كمية قليلة من الملح و نصف قطعة من الخبز الجاف اعترضت معدتها رافضة الطعام لتدير وجهها نحو النافذة دون ان تجيبها لتهتف اشجان بسخرية لاذعة
=ايه ياختى بتبصي للأكل بقرف كدة ليه مش عجبك، ايه ابن الراوى اخدك على المحمر و المشمر...

اقتربت منها ممسكة بذراعها تديرها نحوها و هي تتابع بغل دافعه الصحن امام وجهها
=لا ياحبيبتى عودى نفسك على الاكل ده خلاص ابن الراوى رامكى و قريب اوى هيطلقك، و هترجعى تاني للقشف و الجوع
نفضت صدفة يدها الممسكة بذراعها بعيداً هاتفة بها بشراسة و قد اخرجتها كلماتها القاسية تلك من قوقعة صمتها التي كانت تختبئ بها طوال اليومين المنصرمين
=مش عايزة حاجة من خلقتك...
لتكمل دافعة اياها بقوة.

=و ابعدى عنى بقى و ارحمينى...
تراجعت اشجان بتعثر عدة خطوات للخلف بسبب دفعتها تلك مما جعلها تهتف بغضب
=بتزقينى كدة ليه يا حال. وفة انتى. الحق عليا انى بقطع من أوتى و بديكى تطفحى، مش كفاية قاعدالى زى الحمى في البيت، لا شغلة ولا مشغلة و جايلنا ببلاوكى...

قاطعتها صدفة بصوت مرتجف بينما تحاول السيطرة على نوبة البكاء المتصاعدة بداخلها و قد مزقتها كلماتها تلك...
=و انا ياما صرفت عليكوا من و انا عيلة كنت بشتغل و بصرف عليكوا، بعدين انا مش عايزة منكوا حاجة ارحميني بقي و سبينى في حالى...
ربتت اشجان على ظهرها بحدة بضربات قاسية متتالية مغمغمة بتهكم حاد.

=انزلي ياختى شوفيلك شغلانة اشتغليها تصرفى بها على نفسك ولا حاولي رجعي الفرشة بتاعتك اللي بعتيها لما جيتي تتجوزي الشملول اللي رماكي بعد 5 شهور رمية الكلاب و لا كأنك تسوى...
قاطعتها صدفة صارخة بهسترية فور سماعها كلماتها المؤذية تلك النى كانت تضغط على اعصابها و جرح قلبها
=اطلعى برا، اطلعى برا...

وقفت اشجان تتطلع اليها بصمت عدة لحظات تراقب الالم و العذاب المرتسم على وجهها بعينين تلتمع بالرضا و ابتسامة شامتة ترتسم على شفتيها قبل ان تلتف و تغادر الغرفة تاركة صدفة شبه منهارة تبكى بكاء مرير فقد كان الالم الذي يعصف بداخلها يكاد يمزق قلبها ازدادت شهقات بكائها مما جعلها تضع يدها فوق فمها تحاول كتم شهقات بكائها التي اخذت تتعالي بقوة ظلت منحنية الرأس تنتحب بصوت يقطع انياط قلب من يسمعه و هي تردد بداخلها لما فعل بها راجح هذا لما تخلى عنها و جعل الجميع يشمت و يسخر من ألامها فهى لم يكن لها بهذة الحياة سواه.

حاولت ان توقف بكائها هذا و ان تهدئ من حالتها تلك فقد امضت اليومين الماضيين في البكاء و الغرق في شعورها بالشفقة على نفسها مسحت وجهها بيديها المرتجفة
=اماااا انا جيت...

انتفض جسد صدفة بفزع فور سماعها صوت اشرف يأتى من الردهة بالخارج مما جعل الدماء تجف بعروقها من شدة الخوف انتفضت واقفة متجهة نحو باب الغرفة تغلقه على الفور بحثت عن المفتاح تقوم بغلقه لكنها لم تجده مما جعل رعبها يزداد اكثر و اكثر فقد امضت اليومين الماضيين مطمئنة بعض الشئ عندما علمت من اشجان بانه قد سافر لمحافظة اخرى للعمل بها لكنه الان قد عاد فكيف ستمكث معه في منزل واحد بعد ان حاول التعدى عليها انهارت جالسة على الارض تسند ظهرها إلى باب الغرفة محاولة احكام غلقه بجسدها.

احاطت بذراعيها جسدها الذي كان ينتفض بشدة بسبب الرعب الذي يعصف بها، و ذكريات تلك الليلة التي حاول الاعتداء عليها بها تعاودها و الخوف و الفزع الذي شعرت بهم وقتها يسيطران عليها من جديد فمنذ تلك الليلة لم تقع عينيها عليه.
رفعت عينيها إلى الاعلى وهي تهمس بعجز و خوف بينما الدموع تغرق وجهها الشاحب
=اعمل ايه يا رب، اروح فين...

اسندت رأسها إلى الباب بتعب ليصل اليها صوت اشجان و هي ترحب به فقد كان مسافراً كما اخبرتها منذ ان فك جبيرة يده لكنه عاد الان على حظها العثر...
ظلت جالست بمكانها عدة دقائق حتى اطمئنت من انه قد دخل غرفته لتسرع ناهضة تبحث في انحاء الغرفة عن مفتاح الباب و لحسن حظها وجدته ملقي بجانب الفراش الخاص بها...

لتسرع بغلق الباب عليها بالمفتاح من الداخل لكن رغم ذلك لم يهدئ خوفها مما جعلها تجذب المنضدة الثقيلة التي بجانب الفراش و وضعتها امام الباب كحاجز...
لترتمي بعدها على الفراش تتنفس الصعداء...
في ذات الوقت...
غمغم اشرف الذي كان مستلقى على الاريكة التي ببهو الشقه منتفضاً في مكانه فور سماعه صوت يأتي من غرفة صدفة
=ايه ده. ايه الصوت ده ياما، حرامى و لا ايه.؟

اجابته اشجان و هي تدفعه في صدره مجلسة اياه على الاريكة مرة اخري
=اقعد. ياخويا متخفش، حرامى ايه اللي هيجيبه هنا ايش ياخد الريح من البلاط
لتكمل و هي تلوي فمها بنفور
=ده المنيلة صدفة...
انتفض اشرف واقفاً مرة اخرىفور سماعه ذلك هاتفاً و عينيه تلتمع بلهفة
=ايه. صدفة...
ليكمل بلهفة واضحة بينما يتجه نحو الغرفة الخاصة بها
=بجد ياما، صدفة هنا.؟
اسرعت اشجان واقفة امامه تسد عليه الطريق قائلة بحدة.

=اها يا روح امك، هنا...
لتكمل بحدة و هي تدفعه للخلف
=و اتنيل اقعد، رايح فين،؟!
تنحنح اشرف بحرج قبل ان يعاود الجلوس مرة اخرى على الاريكة و هو يحاول رسم اللامبالاة على وجهه
=و هي بتعمل ايه هنا،؟
اجابته اشجان قائلة بينما تجلس بجانبه قائلة بشماتة واضحة
=راجح الراوى، طردها من قلب البيت و شكله كده خلاص هيطلقها...
لتكمل بغل وهي تهز رأسها باستحسان.

= كنت عارفة ان ده هيحصل من زمان هياخد منها اللى عايزه و يرميها رمية الكلاب...
صمتت قليلاً قبل ان تتابع بحده و عينيها تلتمع بالحقد
=يلا اهي بنت المحظوظة عاشتلها يومين في العز و اتنغنغت، برضو
لوت فمها قائلة بحسرة و هي تحدث نفسها بينما تضرب بيدها فوق صدرها
=مش زي حالاتي، غرقانة طول عمرى في الفقر و الهم...
قاطعها اشرف و هو يبدأ بتناول الطعام الذي وضعته امامه بوقت سابق.

=ما خلاص يما بتحسديها على ايه ما اهى اطلقت و رجعتلك من تانى و متلقحة جوا اهها...
ضربت يدها فوق ساقها قائله بحدة
=اها يا خويا رجعتلى من تانى بهمها و قرفها ده من يومها قافلة على نفسها و شغالة عياط و مش راضية تاكل لحد ما هتلبسني مصيبة...
تنحنح اشرف قائلاً بينما يتناول من امامه الصحن الملئ بالدجاج
=طيب ما ادخل انا كده و احاول اخليها تاكل...
هتفت به اشجان بشراسة
=اتنيل اقعد مكانك يالا انت...

لتكمل بحدة و عينيها تشتعل بالغضب مشيرة إلى الصحن الذي لا يزال بيده
=تأكلها ايه ياخويا فراخ،؟! ليه مال ابوها هو، اخرها شوية ملح ونص رغيف عيش و يبقي كتر خيرى اوي انا هصرف عليلها من جيبي، كمان
جلس اشرف واضعاً الصحن من يده مغمغاً بحدة
=خلاص يما، اقفلى البوتجاز اللي هب من بوقك ده، انا بس البت صعبت عليا...
قاطعته اشجان بسخرية لاذعة و هي تضرب بيدها فوق صدره بقسوة.

=بقولك ايه روح امك، شغل الحنيه و النحنحة ده مش عليا انا فاهمة دماغك كويس...
لتكمل وابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيها
=و هنولك اللي في بالك، بس اهدي كدة و متبقاش خايب...
هتف اشرف بفرح فور سماعه كلماتها تلك
=بجد يما،؟!
ضحكت مغمغمة
=اها بجد يا ابو رياله...
لتكمل و هي تلوي شفتيها بعدم رضا
=انا عارفة هتموت عليها، على ايه جتك نيلة
غمغم بينما عينيه تلتمع بشهوة واضح
= البت صاروخ ارض جو يما...

اصدرت صوت من بين شفتيها ينم عن السخط قبل ان تدفع بفمة قطعة من لحم الفراخ قائلة بعصبية
=طيب اطفح، و نقطنى بسكاتك و اول ما تطلق هجوزهالك...
ارتسمت ابتسامة واسعة راضية على وجه اشرف قبل ان يستدير ويبدأ بتناول طعامه و بداخله يرقص فرحاً لأقترابه من الحصول على مراده...
في منزل الراوي...

دلفت نعمات إلى شقة راجح التي كان يسودها الظلام الدامس لتقوم باشعال ضوء الردهة قبل ان تتجه إلى غرفة الاستقبال التي يوجد بها راجح. فمنذ ذلك اليوم الذي فقد به السيطرة و قام بضرب زوجته و هو لم يغادر تلك الغرفة حتى عمله لم يذهب اليه رافضاً التحدث إلى اي شخص حتى هى.
دلفت إلى الغرفة لينفطر قلبها ألماً عليه عندما وجدته نائماً على الاريكة بوجهه الشاحب و ذقنه التي نمت خلال الايام الماضية.

وقعت عينيها على صينية الطعام التي على الطاولة و التي كانت كما هي فيبدو انه لم يتناول الطعام التي وضعته له فقد كان يرفض تناول الطعام في كثير من الاحيان، لكنه كان لا يكف عن تناول السجائر و القهوة...
اقتربت منه جالسة بجانبه على الاريكة مغمغة اسمه برفق ليستيقظ على الفور و انتفض جالساً يتطلع اليها باعين غائمة مررت يدها فوق رأسه بحنان و هي تتفحص بحسرة وجهه الشاحب الذي اصبح انحف من قبل.

=لما انت بتحبها اوى كده، ليه يا بنى تعمل فيها و في نفسك كده...
لتكمل وهي تربت على كتفه عندما ظل صامتاً
=فهمني يا بني ايه حصل. يمكن اقدر اساعدك...
احني راجح رأسه رافضاً التحدث فكيف يستطع اخبارها بان زوجته قد قامت بخيانته.
تفحصت نعمات وجهه الحزين قبل ان تضم رأسه إلى صدرها تحتضنه بحنان هامسة بصوت باكي
=اتكلم يا ضنايا، اتكلم و فضفض انا امك. و سرك و وجعك هو وجعى...

دفن راجح وجهه بحضن والدته يشعر ببعض السلام يستقر بداخله بعد معاناته والألم الذي لم يفارقه طوال الايام الماضية همس بصوت مجهد مهتز
=دبحتنى ياما...
ليكمل بصوت مختنق يملئه الحسرة والالم
=باين مكتوب عليا ان افضل موجوع طول عمرى...
صمت قليلاً قبل ان يتابع بصوت مرتجف ممزق بينما غصة من الالم تسد حلقه.

=بعد ما قولت خلاص ربنا عوضنى بها. و بقي ليا بيت و واحدة تخاف عليا و تحبنى و احبها. كل ده طلع كدب و انا في الاخر طلعت اهبل. اهبل مضحوك عليا
ربتت والدته على رأسه بحنان
=و الله يابنى دى بت غلبانة شوف على قد ما كنت مش طيقاها في الاول لكن بعد ما شوفت حبها وخوفها عليك حبيتها...
رفع رأسه من حضن والدته قائلاً بصوت مرهق و هو يحاول تغيير الحديث يعاكس الالم الذي يمزقه من الداخل.

=معلش ياما انزلى و سبينى انا عايز انام، علشان هنزل الوكالة بكرى بدرى
كانت تهم نعمات بالاعتراض لكن فور انه رأته يشيح وجهه بعيداً حتى لا ترى عينيه الغارقتين بالدموع اومأت برأسها
=حاضر، حاضر يا ضنايا...
نهضت واقفة على قدميها تتطلع اليه بحسرة قبل ان تربت على رأسه بحنان مجبرة ذاتها على المغادرة و تركه فقد كانت تعلم انه لا يرغب برؤيته و هو ينهار...
في اليوم التالى...

في منتصف الليل استيقظت صدفة على ألم بطنها و رغبتها بدخول الحمام حيث ظلت طوال اليوم حابيسة غرفتها خوفاً من مقابلة اشرف...
لكنها غادرت غرفتها مرة واحدة عندما سمعته يخبر والدته انه ذهاب لمقابلة اصدقاءه على القهوة وقتها ذهبت لملئ زجاجتها بالمياة و استعملت الحمام ثم عادت إلى غرفتها و اغلقت عليها مرة اخرى...

نهضت من الفراش و ارتدت عبائتها السوداء القديمة التي تركتها خلفها عند زواجها و عقدت طرحة حول رأسها جيداً قبل ان تتجه نحو الباب و تفتحه قليلاً تطل برأسها منه للخارج حتى تتأكد ان اشرف ليس موجوداً و عندما وجدت المكان خالى
خرجت و دلفت إلى الحمام الذي اغلقته خلفها جيداً...

بعد عدة دقائق خرجت من الحمام بعد تأكدها من خلو الردهة لكن ما ان اقتربت من باب غرفتها حتى شعرت بيدين تقبض على ذراعيها من الخلف مما جعلها تصرخ فازعة عندما دفعها اشرف الذي لا تعلم من اين ظهر نحو الحائط محاصراً اياها بجسده و هو يسرع بتكميم فمها بيده
اتسعت عينيها بالذعر بينما كامل جسدها يرتجف من شدة الخوف عندما سمعته يهمس بالقرب من اذنها
=شوفتى. لفيتى لفتك. و رجعتيلى...

ليكمل و عينيه تلتمع بالشهوة و هو يمرر يده الجشعة على جانب جسدها
=و اللى مكملش في المخزن هيكمل هنا، و دلوقتى
انهى جملته و هو يحاول دفن وجهه بعنقها و تقبيله مما جعلها تدفعه في صدره بيديها المرتجفة لكنه لم يتزحزح انشاً واحداً فقد كان كالصخر مما جعلها ترجع رأسها للخلف بعيداً و هي تقاومه بشراسة رغم ضعفها و شعورها بالاعياء...

اخذت تحاول الصراخ و طلب المساعدة لكن خرجت صراختها تلك كالزمجرة المكتومة بفعل يده التي كانت تغلق فمها بقوة
اخذت تتملص بهسترية بين يديه محاولة التحرر من بين قبضته لكن ما اصابها من ذلك الا ان ازداد ضغط جسده على جسدها مما جعلها تنفجر في بكاء هستيرى عندما شعرت بشفتيه تقبل جانب عنقها.

ابتعد عنها قليلاً يتطلع إلى وجهها المحتقن كالدماء بسبب محاولتها الفاشلة في الصراخ بسبب يده التي كانت تكمم فمها قبل ان يقرب شفتيه من اذنها و يهمس بصوت اجش مظلم
=عارفة انى من يوم ما شوفتك و انتى بتغيرى هدومك، مبتفارقيش خيالى ولا احلامى، كنت هتجنن عليكى، و كنت يأست لما عرفت انك اتجوزتى راجح الراوى...
ليكمل و هو يتطلع اليها بعينين ممتلئة بالرغبة.

=بس اهو اديكى بين ايديا، و مفيش حد هيمنعنى عنك زى يوم المخزن...
دب الرعب اوصالها فور سماعها كلماته تلك مما جعلها تحاول دفعه بقوة وضراوة اكبر لكن فشلت جميع محاولاتها...
حاولت التذكر كيف نجت منه بالمرة السابقة لتتذكر كيف قامت بعضه بيده وضربه بين ساقيه...

لتسرع بغرز اسنانها بيده التي تكمم فمها تعضه بكل الغل و الخوف الذي يكمن لديه مما جعله يصرخ بألم مبعداً يده عنها لتسرع باطلاق صرخة مدوية طالبة المساعدة...
لينفتح باب غرفة اشجان على الفور التي خرجت الى الردهة بوجه ناعس وشعر مشعث تهتف بحدة
=في ايه، ايه الصويت ده...
ابتعد اشرف عن صدفة فور سماعه صوت والدته يأتى من خلفه.
بينما اسرعت صدفة راكضة نحوها بخطوات متعثرة تمسك بيدها وهي تهمس باكية.

=الحقيتى، الحقينى يا خالتى ابنك بيتهجم عليا...
اخذت عينين اشجان تمر بينهم بعدم فهم عدة لحظات قبل ان تطلق تنهيدة طويلة و هي تحيط كتف صدفة بذراعها
=يتهجم عليكى ايه بس، يا صدفة
لتكمل و هي تربت على صدر صدفة
=يا حبيبتى اهدى كدة. و متكبريش الموضوع
هتفت صدفة بحدة من بين شهقات بكائها الممزقة و هي تجذب نفسها بعيداً عنها
=اكبر ايه، بقولك اتهجم عليا و حاول يغتصبنى...
قاطعتها اشجان ببرود و هي تهز كتفيها.

=طيب و ايه يعنى، انتى دلوقتى قاعدة على قلبي لا شغلة و لا مشغلة و بصرف عليكى، يبقي خلى ليكى لازمة، و اعملى بلقمتك...
انهت جملتها تلك دافعة صدفة بقسوة نحو اشرف الذي اسرع باحطتها بذراعيه يضمها إلى جسده بقوة و على وجهه ترتسم ابتسامة واسعة...
اخذت صدفة تنتفض بينما ذراعيه مقاومة اياه بضراوة وهي تحاول فك حصار ذراعيه من حولها هاتفة بصوت مختنق يملئه الخوف و الفزع
=ابوس ايدك متخلهوش يعمل كده فيا...

وقفت تتطلع اليها اشجان بتشفى و هي تستمتع بتذللها هذا قبل ان تغمغم ببرود
=و مخلهوش يعمل فيكى كده ليه يا عينيا، طيب الاول كنت منعاه عنك علشان كنت بنت بنوت، لكن دلوقتى امنعه ليه، سيبى الواد ينزه عن نفسه
لتكمل بابتسامة واسعة
=و بكرة تتعودى، متقلقيش...

اهتز جسد صدفة بقوه شاعرة بالبرودة تتسلل إلى عروقها و قد اتسعت عينيها برعب فور سماعها كلماتها تلك لكنها افاقت من صدمتها عندما رأت اشجان تلتف متجهة نحو غرفتها و هي تتثائب بصوت مرتفع و هي تغمغم
=خدها و ادخل الاوضة و اقفل الباب عليكوا مش عايزة صداع. واقفل بوقها ده مش عايزين فضايح...

اسرع اشرف بتنفيذ أمر والدته حيث قام بسحب صدفة التي كانت تقاومه بقوة وهي تضربه بيديها وقدميها و هي تصرخ بهستيرية طالبة المساعدة لكنه كان اقوى و اضخم منها بكثير حيث نجح بكتم فمها و سحبها الى الغرفة...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة