قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثالث والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثالث والعشرون

رواية مقيد بأكاذيبها للكاتبة هدير نور الفصل الثالث والعشرون

هتفت اشجان بينما تلتف متجهة نحو غرفتها و هي تتثائب بصوت مرتفع و هي تغمغم ببرود
=خدها و ادخل الاوضة و اقفل الباب عليكوا مش عايزة صداع. واقفل بوقها ده مش عايزين فضايح...

اسرع اشرف بتنفيذ أمر والدته حيث قام بسحب صدفة التي كانت تقاومه بكامل قوتها تضربه بيديها و قدميها و هي تصرخ بهستيرية طالبة المساعدة لكن كان اقوى و اضخم منها حيث نجح بكتم فمها بيده و سحبها نحو الغرفة لكن دبت القوة داخلها فور ادراكها ما سيحدث لها ان استسلمت له.
قاومته بشراسة رافضة تحريك قدميها التي ثبتتها بالارض حيث كان لا يفصلهم عن الغرفة سوا عدة اقدام قليلة...

زمجر اشرف و هو يسب بقسوة بينما يحاول سحبها بالقوة لداخل الغرفة بينما يده لا تزال فوق فمها مما جعلها تتلفت حولها تبحث عن شئ تنقذ نفسها به...

وقعت عينيها على قطعة من الحديد الخاصة بعمل زوج والدتها و التي كانت بجانب الحائط مدت يدها اليها لكنها كانت بعيدة قليلاً عن متناول يدها حاولت الوصول اليها لتنجح بالنهاية بالامساك بها استغلت انشغاله بمحاولة سحبها للغرفة و قامت بضربه بقطعة الحديد الغليظة فوق رأسه مما جعله يفلتها على الفور و هو يصرخ ممسكاً برأسه التي بدأت الدماء تتسرب منها إلى وجهه...

لتسرع صدفة راكضة نحو باب المنزل تحاول الهرب لكن لحقت بها على فور اشجان التي خرجت من غرفتها راكضة على صوت صراخ والدها لتصعق فور رؤيتها ما يحدث و قد دب الرعب بداخلها من فكرة هروبها...
اسرعت خلفها وقبل ان تستطيع صدفة فتح الباب قبضت اشجان على شعرها بقوة تجذبها منه مانعة اياها من الخروج...
ثم دفعتها للخلف بكامل قوتها و هي تصرخ بها
=راحة فين يا بنت الك. لب ايه فاكرها سايبه...

سقطت صدفة على الارض بسببب دفعتها تلك ليرتطم اسفل ظهرها بقوة بالطاولة الصغيرة التي كانت تتوسط الردهة مما جعلها تصرخ متألمة و هي تنفجر باكية شاعرة بألم قوي يعصف بأسفل ظهرها و بطنها...
رمقتها اشجان بازدراء و نفور قبل ان تتجه نحو اشرف الجالس على الارض و هو يمسك برأسه لتصرخ فازعة فور رؤيتها للدماء التي تغطي جانب وجهه و يده جلست بجانبه تحاول فحص رأسه...

لتستغل صدفة ذلك محاولة ان تتحمل الالم الذي يعصف ببطنها و اسفل ظهرها و نهضت مسرعة نحو باب الشقة راكضة باقصي سرعة لديها تحاول انقاذ نفسها فهي تعلم اذا امسكوا بها مرة اخري فلن تستطيع المقاومة بسبب الألم الذي يعصف بها و جسدها الذي اصبح واهن و ستستسلم لهم...
صرخ اشرف بهستيرية فور رؤيته لصدفة تفر هاربة من الشقة
=الحقققى ياما، بنت الكلب خرجت الحقيها بسرعة...

هتفت اشجان التي لم تتحرك من مكانها و عينيها مسلطة بغضب على الباب المفتوح على مصراعيه
=سيبها تغور، داهية خدتها هي و اللي جابوها...
صرخ اشرف مقاطعاً اياها بقسوة و الخوف يدب بداخله بينما ينهض على قدميه بترنح
=اسيبها تغور ايه افرضي راحت لراجح الراوي و قالتله على اللي حاولت اعمله معاها، المرة دي هيقتلنى بجد...
غمغمت اشجان بهدوء بينما تلوي شفتيها بسخرية
=لا اطمن، عمرها ما هتقدر تقرب حتى من بيت الراوي...

لتكمل وهي تدير عينيها نحوه تجذبه من ذراعه معيدة اجلاسه بقوة
=اتنيل اقعد، خاليني اشوف راسك اللي اتفتحت دي، جتك وكسة مش قادر على عيلة زي دي...
جلس اشرف مرة اخري وهو يتأفف بغضب بينما بدأت والدته بتفحص جرح رأسه حتى ترى ان كان يستدعي الذهاب إلى المشفى...
في ذات الوقت...

ظلت صدفة تركض باقصى سرعة تسمح بها قدميها المرتجفة محاولة الهرب والابتعاد قدر الامكان عن منزل اشجان و ولدها لكنها توقفت فجأة ممكسة ببطنها تأن بألم عندما شعرت كما لو ان سكاكين تمزق بطنها و اسفل ظهرها كان الألم رهيب لا يطاق...

لكن تصلب جسدها بقوة فور ان شعرت بسائل دافئ ينساب من بين ساقيها اخفضت عينيها ببطئ نحو قدميها ليتحول شحوب وجهها الى لون رمادى كما لو كانت قد فقدت الحياة فور رؤيتها للدماء التي تغطى قدميها شهقت منحنية للاسفل ممسكة ببطنها تأن و هي تنفجر باكية عندما ازداد الالم عليها بشكل اصبح لا يطاق شعرت كما لو كانت على وشك الموت...

اتجهت نحو الطريق الرئيسى بخطوات بطيئة مترنحة من ثم حاولت ايقاف سيارة اجرة حتى تقلها للمشفي لكن تجاوزتها العديد من السيارات رافضة الوقوف لها...
و كل مدى الالم يشتد عليها اكثر و اكثر مما جعل بكائها يزداد بسبب الالم الذي تشعر به و يأسها من ان تصل للمشفى بالوقت المناسب...
بالنهاية نجحت بايقاف سيارة اجرة بالنهاية اقتربت من شباك السائق هامسة بصوت مرتجف
=عايزة اروح المستشفي، بس مش معايا فلوس...

لتكمل بصوت مرتعش من شدة الالم الذي ازداد عليها بينما تنزع من اصبعها دبلة زواجها تعطيها له
=بس معايا دى، خدها و ودينى اقرب مستشفى حكومى، ابوس ايدك
تأمل السائق وجهها الباكى الذي يظهر عليه الالم بوضوح و حالتها الرثة قبل ان يهز رأسه قائلاً بشفقة
=لا حول و لا قوة الله بالله...
ليكمل و هو يدفع يدها الممسكة بالدبلة برفض
=اركبى، اركبى يا بنتى، و خلى دبلتك معاكي احنا برضو عندنا ولايا...

صعدت صدفة السيارة تسند رأسها إلى المقعد و هي تغرز اسنانها بشفتيها حتى ادمتها و ذاقت طعم الدماء بفمها لكنها لم تبالى فقد كان الالم ببطنها يكاد يمزقها الى اشلاء...
بعد مرور ساعتين...

كانت صدفة مستلقية فوق فراش المشفى بوجه شاحب يحاكى شحوب الموتى تستمع الى حديث الطيب بذهن شارد لا تستوعب شئ من حديثه لها عن ما قام به من اجراءات لازمة لاسعافها و ايقاف النزيف الذي اصابها كانت تتطلع اليه بعيونها الغائرة تزيد الهالات التي اسفلها من مظاهر التعب و الشحوب اكثر عليها لا تقوى حتى على فتح شفتيها حتى تسأله اكثر سؤال ترغب بأجابته لكنها اجبرت نفسها على النطق قائلة بصوت متحشرج خافت لا يكاد يسمع.

=انا عندي ايه يا دكتور، و ايه سبب الدم ده،؟!
اجابها الطيب قائلاً بهدوء
=للأسف يا مدام صدفة انتي حصلك نزيف و لو كنت اتأخرتي نص ساعة بس كمان كان ممكن تفقدى الجنين يموت...
اهتز جسدها بعنف كما لو صاعقة قد ضربتها فور سماعها كلماته تلك همست بصوت مرتجف و هي تظن انها قد اخطأت في سماعه
=جنين،! جنين ايه،؟!
ارتسمت ابتسامة على وجه الطبيب الذي استوعب انها لم تكن تعلم بأمر حملها.

=انتى حامل يا مدام صدفة، و كمان في توأم، مبروك.
انسحبت انفاسها من داخل صدرها كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حولها وقد اتسعت عينيها بصدمة بينما يدها تهبط إلى بطنها تتحسسها برفق و رهبة و هي تهمس بصوت منخفض مرتجف
=ت. توأم،؟!

اخفضت عينيها المتسعة بالصدمة الى بطنها التي كانت ممتلئة بعض الشئ و هي تهز رأسها بعدم تصديق لكن جفت الدماء بعروقها وقفز قلبها بداخل صدرها بعنف فور تذكرها للألم ببطنها و الدماء التي كانت تغرق قدميها...
همست بصوت مختنق لا يكاد يسمع يملئه الخوف و الارتعاب بينما يدها لا تزال تتحسس بطنها
=طيب هما. هما كويسين حصلهم حاجة، الدم، الدم اللى نزل منى...
قاطعها الطبيب على الفور قائلاً بنبرة مطمئنة.

=اطمنى هما كويسين و بخير و النزيف الحمد لله قدرنا نوقفه، بس صحتك انتى اللي مش كويسة خالص...
هزت رأسها هامسة بنبرة متحشرجة بينما الدموع تملئ عينيها
=مش مهم انا، المهم هما يكونوا بخير و كويسين...
زفر الطيب قائلاً بصوت عملى حازم.

=ماهو يا مدام صدفة علشان الحمل يكون كويس انتى كمان لازم تكونى كويسة علشان كده احنا عملنا كل اللازم في المرحلة دى و انتى كل اللى مطلوب منك الهدوء والراحة لحد ما نعدى مرحلة الخطر...
ليكمل بهدوء و هو يتقدم نحوها خطوة قائلاً بجدية.

=انا مش هكدب عليكى حالتك مش مستقرة و ياريت تتابعى مع دكتور كويس يعالج الانيميا الحادة اللى عندك، انتى كان عندك هبوط حاد بالدورة الدموية و مع النزييف اللى اتعرضتيله وضعك كان صعب فياريت تهتمى بأكلك و تاخدى العلاج اللي هكتبهولك و ترتاحى خالص، لحد ما تتابعى مع دكتورك الخاص. اتفقنا
اومأت له بضعف تغلق عينيها و هي تشعر بثقل كبير يستقر فوق صدرها فمن اين ستأتى بالطعام حتى تأتى بالدواء من اجل اطفالها...

رفعت يدها فور تذكرها للدبلة الخاصة بها لكنها صعقت عندما لم تجدها فيبدو انها سقطت منها بالأمس عند نزولها من السيارة الاجرة، اخر امل لها قد ذهب فمن اين ستأتي بالمال الان...

فور سماعها الباب يغلق خلف الطبيب انفجرت باكية و هي تشعر بالعجز و الوحدة الشديدة مررت يدها فوق بطنها وهي تهمس بألم و اشتياق اسم راجح، زوجها. حبيبها الذي كان يدللها كالملكة كما لو كانت المرأة الوحيدة بهذا العالم يغرقها بحنانه و عشقه و ليس ذلك الوحش الذي قام بتعنيفها و ضربها دون اي سبب...

كانت تتمنى لو كانت الامور بينهم لم تصل الى هذا الحد من الالم و الاهانة، تتمنى لو كان بجانبها الان يحتضنها و يطمئنها كما اعتاد دائماّ ان يفعل ان تفرح معه بخبر حملها باطفالهم و ليس ان تكون في هذه الحالة من الوحدة و الخوف...
باليوم التالى...
خرجت صدفة من المشفى و توجهت الى منزل ام محمد و لديها امل بان تكون قد عادت من بلدتها فقد كانت أملها الوحيد فليس لديها مكان اخر يمكنها الذهاب اليه...

لكن خابت امالها عندما ظلت تطرق الباب دون اجابة حتى خرج اخيراً عم زكريا جار ام محمد و اخبرها انها لم تعد من بلدتها حتى الان طلبت منه صدفة ان يتصل بها من اجلها لكنه اخبرها انه لا يملك رقمها ثم طلب منها ان تدخل إلى شقته تستريح عندما رأى الانهاك و التعب ظهران عليها لكنها رفضت و انصرفت على الفور فرغم كبر سنه الا انه كان معروف عن زكريا هذا انه زير نساء و اشتكت العديد من نساء الحارة من سلوكه المشين نحوهم و نظراته القذرة التي تترصدهم...

لذا هربت سريعاً قبل ان تقع بمأزق اخر هي في غنى عنه فيكفى ما اصابها حتى الان.
كان قد انسدل الليل عليها و هي تجول بانحاء الشوارع لا تدرى الى اين تذهب فلم يكن هناك مأوى تستطيع الذهاب اليه و الاحتماء به من برودة الليل و مخاطره التي تملئ الشوارع...
كانت تجر قدميها المتورمة جراً و هي تشعر بالانهاك الشديد و التعب لتجد نفسها و دون ان تشعر ام بيت راجح...

رفعت عينيها الممتلئة بالدموع تتفحص شرفة الشقة التي كانت منذ ايام قليلة فقط شقتها.
احاطت بطنها بيديها كما لو كانت تضم اطفالها اليها بينما الدموع تنسدل من عينيها المحتقنة بالألم و هي تشعى بالاشتياق لتلك الايام التي كانت سعيدة بها حيث كانت تنعم بين ذراعى زوجها و حبيبها، همست من بين شهقات بكائها المنخفضة
=هونت عليك ازاى. يا راجح...

ظلت تتفحص الشرفة و النوافذ المعتمة فقد كانت تبدو كما لو كان لا يقطن بها احد يسيطر عليها نوع من الوحشة و الاكتئاب.
مسحت وجهها من الدموع بظهر يديها قبل ان تلتف و تكمل طريقها و هي لا تدرى إلى اين تذهب...
في ذات الوقت...
انتفض راجح مستيقظاً و هو يشهق بلهاث حاد كما لو كان يختنق وهو يصرخ باسم صدفة و هو يتلفت حوله باعين يملئها الخوف و القلق...
فقد انتابه كابوس سئ عنها جعله يشعر كما لو كان يختنق...

ارتمي مرة اخرى على الاريكة التي كان نائماً عليها يفرك وجهه بحدة متنفساً بعمق بينما ضربات قلبه تتعاصف بداخله
شاعراً بالغضب من نفسه...
فقد كان لا يكف عن التفكير بها حتى اثناء نومه يحلم بها لا يعلم اين يهرب منها و من مشاعره التي اصبحت تلاحقه و تعذبه.
زفر بعنف قبل ان ينهض و يتجه نحو الحمام فور سماعه اذان الفجر لكي يتوضأ و يصلي لعل الله يفك كربه و يخفف الالم الذي بقلبه و الذي اصبح لا يطاق...

في ذات الوقت...
كانت صدفة جالسة اسفل احدي الاشجار باحدي الشوارع تحيط جسدها بذراعيها محاولة بث بعض الدفئ به حيث كان الطقس بارداً للغاية و عبائتها السوداء ذات القماش الرقيق لا تحميها كفاية من برودة هواء الليل...
كانت تتلفت حولها بخوف حيث كان الشارع يعمه السكون لا يكسر صمته سوا اصوات حشرات الليل...
كانت تنتفض بفزع و خوف كلما سمعت صوت اقدام او نباح الكلاب التي كانت تملئ الشوارع بهذا الوقت...

مررت يدها برفق على بطنها التي كانت تصدر اصواتاً من شدة الجوع فهى لم تأكل شئ منذ الوجبة التي قدمت لها بالمشفى و كانت وجبة صغيرة لا تشبع طفلاً...
همست بصوت مختنق بالدموع بينما لازالت تمرر يدها على انتفاخ بطنها الطفيف تحدث اطفالها كما لو كانوا امامها بينما يتغلب عليها الشعور بالعجز و الذنب لعدم قدرتها على الاهتمام بهم كما اوصاها الطبيب.
=حقكوا عليا، بس و الله مش بايدى حاجة...

لتكمل و دموعها تتساقط على خدييها
=بس الحمد لله انكوا بتاخدوا اللي محتاجينه منى، مش مهم انا. المهم انتوا...
اسندت رأسها على جذع الشجرة و قد سيطر عليها النعاس مما جعلها تغلق عينيها بتعب و هي لازالت تحيط بطنها بحماية بيديها.
لكن لم تمر سوا دقائق قليلة و فتحت عينيها مرة اخرى بفزع فور ان وصل إلى مسمعها صوت ضحكات بعض الرجال...

لتسرع بدس جسدها بين الحائط و جذع الشجرة محاولة ان تختبئ عن انظارهم ليبدأ جسدها بالارتجف من شدة الخوف دفنت وجهها بين ساقيها ضاغطة بيدها فوق فمها و قد بدأ يسيطر عليها حالة من الهلع و هي تسمع اصوات اقدامهم تقترب...
ظلت تحبس انفاسها بخوف وترقب حتى ابتعدت اصواتهم تماماّ عن مكان تواجدها دون ان يلاحظوا اياها لكنها رغم ذلك لم ترفع رأسها و تفرج عن انفاسها سوا بعد ان اختفت اصواتهم تماماً...

انفجرت باكية على كل ما يحدث معها و هي لا تدرى ماذا تفعل حتى تخرج من مأزقها هذا...
ظلت تبكى حتى سقطت بالنوم مكانها و لم تستيقظ الا على صوت الباعة الجائلين الذين بدئوا يملئون الشارع...
نهضت ببطئ مجبرة قدميها على التحرك رغم شعورها بالمرض و الانهاك غيجب ان تذهب الى منزل ام محمد مرة اخرى و تتأكد اذا كانت عادت ام لا...

كانت تمشي بخطوات بطيئة منهكة بينما تشعر كما لو كانت عينيها غائمة لا تري بها شيئاً لكنها استمرت في طريقها حتى وصلت الى منزل ام محمد لكن هذه المرة فتح الباب و ظهر امامها زوج ام محمد الذي عقد حاجبيه بحدة فور رؤيته لها بمظهرها الرث هذا قائلاً بفظاظته المعتادة
=خير،؟!
بللت صدفة شفتيها الجافة هامسة بصوت منخفض من شدة التعب
=ام محمد هنا،؟!
اجابها بحدة وهو يلوى شفتيه برفض.

=لا مش هنا، لسه في البلد قاعدة مع امى...
شعرت بخيبة الامل تجتاحها مما جعلها تكاد ان ترغب بالبكاء
=طيب، طيب معلش يا ابو محمد ممكن تتصلي بها...
اجابها بفظاظته المعتادة فقد كان دائماً لا يحبها بسبب تقربها هي و زوجته من بعضهم البعض
=ام محمد تليفونها بايظ، و معيش رصيد...
ليكمل بحدة و هو يمسك بالباب
=عايزة حاجة تانية، انا جاى من سفر و مهدود حيلى و عايز انام.

هزت رأسها بالنفي قبل ان تستدير و تغادر بكتفيين منحنيين.
خرجت إلى الشارع تجر قدميها جراً و قد اصبحت الرؤية امامها مشوشة بينما كامل جسدها يصرخ من شدة الالم و التعب شاعرة كما لو ان روحها يتم سحبها بقسوة من داخل صدرها...
توقفت خطواتها بمنتصف الشارع وقد بدأت تشعر بالدوار الشديد حاولت المقاومة و استعادة نفسها لكنها فشلت و سقطت مرتمية على الارض و هي تستسلم اخيراً للغمامة السوداء التي ابتلعتها بداخلها...

في ذات الوقت...
كان راجح جالساً في مكتبه بالوكالة يتطلع امامه باعين شاردة بينما وجهه يرتسم عليه الحزن و الالم و هو لا يكف عن التفكير بها، فمنذ ذلك اليوم وهو لا يستطيع ان يعمل فعقله دائماً يعيد عليه جميع ما حدث يحاول ايجاد الخطأ الذي ارتكبه حتى جعلها تخونه مع رجل اخر...
لكن كيف هذا، كيف لزوجته الخجولة ان تقوم بمثل هذا الفعل الفاضح...

فقد كانت لوقت قريب تخجل من ان ترتدى امامه قميص نوم حتى اقنعها هو و ازال خجلها منه، فبرغم وجود الادلة على خيانتها التي لا يمكن نفيها او انكارها الا انه يوجد شئ خاطئ بكل هذا، اما ان قلبه الضعيف الذي لا يزال يعشقها هو من يحاول ايهامه بذلك حتى يجد مخرج لها و يستعيدها...
زفر بحنق و هو يفرك وجهه بعصبية عندما دخل احدى العمال لديه يهتف بانفس لاهثة
=الحق، الحق يا راجح باشا الست صدفة...

انتفض واقفاً و قلبه يقفز بداخل صدره بعنف فور سماعه اسمها قائلاً بحدة
=مالها صدفة،؟!
اجابه العامل و هو لا يزال يلهث كما لو كان اخذ الطريق الى الوكالة ركضاً
=وقعت من طولها في الشارع مغمى عليها قدام محل النبوى و قاطعة النفس خالص، الناس بقالهم اكتر من ربع ساعة بيحاولوا يفوقوا فيها و هي مفيش خالص...

لم ينتظر راجح سماع باقي جملته حيث اسرع راكضاً و جسده ينتفض بذعر شاعراً بالدماء تكاد تغادر جسده و عقله يصور له ابشع السنياريوهات حولها...

اتجه نحو محل النبوى حيث سقطت و عينيه تبحث بلهفة و ذعر عنها ليجد مجموعة من الناس مجتمعة اتجه نحوهم على الفور يعبر بين الناس ليشعر بقلبه يسقط بداخل صدره فور ان رأها ملقيه على الارض ساكنة بجمود بوجهها الشاحب الذي كان يشبه شحوب الاموات ظل واقفاً مكانه عدة لحظات يراقب محاولات النساء لأفاقتها بينما يقاوم المشاعر التي تتصارع بداخله لكنه لم يستطع الوقوف جامداً حيث تغلبت عليه مشاعره و استسلم اخيراً و انحني عليها.

جاذباً زجاجة عطر من احدي النساء و وضع كميه منها اسفل انفها محاولاً افاقتها لكنها ظلت ساكنة لا تصدر اي حركة تدل على استجابتها مما جعل الفزع يدب بداخله و قد بدأ عقله يصور له سيناريوهات بشعة حول موتها صرخ باحدى الرجال الذين يعملون لديه بان يقوم بايقاف سيارة اجرة حتى يأخذها للمشفي...

و لم تمر دقيقتين و توقفت السيارة امامهم حمل راجح جسدها المستكين بين ذراعيه و صعد بها إلى السيارة بينما لا يزال يحاول افاقتها...
بعد مرور ساعة...
كان راجح واقفاً امام الغرفة التي ادخلت اليها صدفة و هو محني الرأس ينظر امامه باعين محتقنة شاردة فمنذ ان وصلوا إلى المشفي و هو على حالته تلك.

فقد كان ضائعاً. عاجزاً بطريقة لم يعهدها من قبل، ينتظر خروج اي احد من الغرفة التي ادخلت اليها صدفة حتى يطمئنه فأخر ممرضة تحدث اليها كان ما يقرب من ساعة و اخبرته انها لم تستعيد الوعي حتى الان و ان الطبيب يفعل ما بوسعه فقد كانت تحاول ان تطمئنه لكنها فشلت فقد كان الخوف يسيطر عليه خاصة كلما تذكر كيف كانت تبدو صدفة عندما اتى بها إلى هنا...
بداخل الغرفة...

راقب الطبيب صدفة التي فتحت عينيها ببطئ قبل ان يغمغم بهدوء
=حمد لله على السلامة يا مدام صدفة، بقي ده اللي اتفقنا عليه ده انتى مبقالكيش يوم واحد خارجة. و رجعتى تانى
ظلت صدفة صامتة لا تدري بما تجيبه كيف تخبره ان ما يحدث لها ليس بيدها...
تأكد الطبيب من المحلول المعلق بيدها و هو يغمغم بصرامة.

=انا هطلع اطمن جوزك اللي واقف على اعصابه برا، و هأكد عليه انه ياخد باله منك اكتر من كده لان انتى كده بتضحى بنفسك و باللي في بطنك...
قاطعته صدفة هامسة بصوت مرتجف فور سماعها يذكر زوجها
=جوزى. مين! هو راجح برا...
اومأت الممرضة التي كانت تقف بجانبها تمسك بيدها تتفحص الكانيولا الموصلة بها
=هو اللى جابك هنا، و واقف على اعصابه برا مستنى انك تفوقى...
دب الذعر بداخل صدفة.

فور تأكدها من انه بالخارج همست بصوت منخفض و هي تحاول فتح عينيها بصعوبة موجهه حديثها للطبيب
=بلاش تقوله حاجة عن حملى يا دكتور، مش عايزاه يعرف...
قطب الطبيب حاجبيه قائلاً
=بس هو لازم يعرف، علشان يقدر ياخد باله منك انتى حصلك نزيف امبارح، و النهاردة حصلك هبوط حاد نتيجة الانيميا الحادة اللى عندك ده غير انك تقريباً مبتاكليش و ده هي...

قاطعته برجاء و هي على وشك البكاء فلم تكن ترغب ان تجعله يعلم شئ عن حملها...
=وحياة اغلى حاجة عندك يا دكتور بلاش تقوله عن حملى. و انا و الله هعرفه بس مش دلوقتى في الوقت المناسب هقوله و اوعدك و الله هاخد بالى من نفسي...

وقف الطبيب ينظر بتردد الى الدموع التي انسابت فوق وجنتيها قبل ان يومأ برأسه بالموافقة و هو بداخله ينوى اخبار زوجها عن حالتها المراضية حتى يعتنى بها و ان كان لن يخبره عن حملها كما وعدها حتى تخبره هى...
امر الممرضة بحقنها بمهدئ عندما غرقت في نوبة بكاء شبه هستيرية نفذت الممرضة امره لتغرق سريعاً بنوم عميق و الدموع تغرق وجنتيها...

كان راجح لا يزال واقفاً بمكانه غارقاً بعالمه المظلم من المشاعر التي تتصارع بداخله فقد كان هناك صوت بداخله يحثه على الذهاب وتركها فماذا يفعل هنا لما هو قلق على من خانته و طعنته بأقذر سكين يمكن ان يطعن بها الرجل. و صوت اخر يحثه على البقاء حتى يطمئن عليها فهو لا يستطع محو صورة وجهها الساكن الشاحب من عقله فقد كانت تبدو كما لو فقدت الحياة ابتلع بصعوبة الغصة التي تشكلت بحلقه و هو يمرر يده بشعره بعصبية و خوف. لكنه فور ان سمع باب الغرفة يفتح انتفض متجهاً نحو الطبيب برغم الارتجاف الذي بقدميه و قصف قلبه الذي يدوي بداخله من شدة الخوف الا انه اتجه سريعاً نحو الطبيب قائلاً بلهفة.

=ها. يا كتور فاقت،؟!
اجابه الطبيب بصوت يملئه الهدوء
=اطمن فاقت و بقت كويسة الحمد لله...
ليكمل بجدية
=بس مكدبش عليك حالتها صعبة الانيميا عندها عالية. و دى تانى مرة يحصلها هبوط حاد و تيجى المستشفى في يومين بس، تقريباً مبتاكلش خالص
شحب وجه راجح فور سماعه هذاو قد افزعه معرفته انها دخلت المشفى من قبل همس بصوت مختنق مرتجف
=يعني ايه، في خطر على حياتها،؟!

اجابه الطبيب قائلاً و هو يتجنب اخباره صراحة انه حدوث نزييف لها مرة اخرى هو ما قد يشكل خطر عليها
=بصراحة اها علشان كده مطلوب ان حد يهتم بها كويس يعني تاخد الادوية اللي هكتبهالها في ميعادها، و تاكل و تشرب كويس، خصوصاً الاكلات اللي فيها حديد و فيتامينات مناسبة لحالتها، و اهم حاجة الراحة يعني حرفياً تنام على ظهرها لحد ما تعدى اول 3 شهور بخير...
قاطعه راجح قائلاً بعدم فهم
=3 شهور ايه بالظبط.

ارتبك الطبيب فور ادراكه ذلة لسانه ليسرع قائلاً
=معلش اتلغبطت انت عارف الحالات كتير و كلها بتدخل في بعضها...
ليكمل بجدية.

=اهم حاجة الراحة، و بلاش اي ضغوط نفسية تتعرض لها، و انا كاتب لها على محاليل و هي بتاخد اول محلول دلوقتي تقدر تاخدها وتروحوا اول ما يخلص، و باقي الكورس تاخده في البيت كله مكتوب في الروشتة هنا بمواعيد كل دوا و متقلقش لو لقيتها معظم الوقت دايخه او نايمة ده بسبب الادوية و طبعاً فقر الدم اللى عندها...

اومأ راجح وهو يتناول منه الورقة بينما الصراع بداخله يحتد اكثر و اكثر، اخرج هاتفه ليتصل بأم محمد و يجعلها تأتى حتى تأخذها معها الى منزلها و تعتنى بها...
اتصل على هاتفها ليجده مغلق ليقم بالاتصال بزوجها الذي ما ان اجابه سأله عن ام محمد ليخبره الاخر انها مسافرة ببلدتهم بالصعيد منذ اكثر من عشرة ايام بسبب مرض والدته و انها لا تنوى الرجوع هذه الفترة...

اغلق معه راجح و هو مقتطب الحاجبين اذا ام محمد مسافرة منذ عشرة ايام فاين كانت تقيم صدفة خلال الايام الماضية لدى اشجان.؟! مع اشرف؟! تشدد جسده بقسوة عند هذه الفكرة و قد اشتعل بداخله الغضب، لكنه هز رأسه مبعداً تلك الفكرة بعيداً فما تفعله او يحدث لها لم يعد من شأنه، كما هي لم تعد تهمه...
كذبه القلق و الخوف اللذان يمزقان قلبه كلما تذكر بان حياتها معرضة للخطر بسبب مرضها...

تنهد راجح بقزة و هو يفكر انه لا يمكنه ان يستسلم للصوت الذي بداخله و يلتف و يغادر و يتركها تواجه مصيرها. لا يمكنه ان يقف ساكناً و يدعها تموت فهو لا يزال يحبها يعلم ان هذا يجعل منه احمق. ضعيف، لكن لا يمكنه تركها تموت فسوف يأخذها للمنزل و سيجعل و الدته تعتنى بها حتى تصبح حالتها افضل و وقتها سيطلقها و يدعها تذهب مرة اخرى اعتصرت قبضته بقوة الورقة التي بيده...

قبل ان ينهار جالساً على المقعد الذي خلفه يضع رأسه بين يديه بينما يشعر بثقل رهيب يستقر بصدره و هو يشعر بعالمه بأكمله ينهار من حوله
بعد مرور عدة ساعات...
اضطر راجح إلى الدخول الى غرفة صدفة عندما اخبره الطبيب بانه يمكنه اخذها للمنزل...
وقف متردداً عند باب الغرفة خائفاً من رؤيتها حتى لا يضعف قلبه...

فرغم انه رأها من قبل عندما كانت غائبة عن الوعي و قام بحملها إلى هنا الا ان وقتها كان قلقه وخوفه هما ما يسيطران عليه فلم يفكر بأى شئ اخر.
استجمع شجاعته و فتح الباب بهدوء و دلف إلى الداخل ليزفر براحة عندما رأها غارقة بالنوم...
اقترب منها بخطوات متثاقلة و شعور من الالم يسيطر عليه تفحص وجهها الشاحب الذي كان يحاكى شحوب الموتى و عيونها الغائرة و الهالات من اسفلها تدل على مدي مرضها...

شعر بغصة بصدره فور تذكره لكلمات الطبيب عن حالتها الخطرة مرر يده على شعرها لكن تجمدت حركة يده فور ان ادراك ما يفعله كيف له ان يشعر نحوها بأي شئ كيف له ان يكون بهذا الضعف نحوها، كيف نسى خيانتها له.

اشتعل الغضب بصدره بنيران متأججة فور تذكره لتلك المحادثات القذرة التي كانت بينها وبين عشيقها و صورها بقميص النوم، و قد بدأ عقله برسم مشاهد لها مع عشيقها جعلته يلف يديه حول عنقها وهو يرغب بخنقها حتى تلفظ اخر انفاسها على يديه...

لكنه تراجع بصعوبة و خرج من الغرفة بخطوات سريعة كما لو ان الشياطين تلاحقه وقف بردهة المشفى يلهث بقوة و قد تسارعت انفاسه و احتدت بشدة كما لو كان يعدو اميال عديدة و هو يشعر بعجز لم يشعر بمثله طوال حياته.

حاول تهدئت ثورة غضبه تلك و التحكم في اعصابه و ما ان نجح في ذلك دلف الى غرفتها مرة اخرى بوجه متصلب خالى من المشاعر حملها بين ذراعيه و غادر المشفى ليضعها بالسيارة الاجرة عائداً الى المنزل و قد اتصل بوالدته و اخبرها عن حالة صدفة و طلب منها ان تحضر لها طعام مناسب...
بشقة راجح...
قامت نعمات بمسح قطعة من القماش المبللة فوق جسد صدفة التي كانت مستلقية فوق الفراش بغرفة النوم.

غارقة بالنوم منذ ان احضرها راجح من المشفى و تركها بين يدى والدته حتى تعتنى بها.
حيث ساعدتها على تبديل ملابسها من ثم حاولت ايقاظها و جعلها تتناول بعض الطعام الذي اعدته لها لكن رفضت صدفة الاستيقاظ و ظلت غارقة في ثباتها العميق...
مررت نعمات يدها على رأس صدفة هامسة بحنان و شفقة
=يا ضنايا يا بنتى شكلك اتبهدلتى جامد...

قطعت جملتها عندما دلفت هاجر الى الغرفة بوجه شاحب تتطلع الى صدفة باعين متسعة بالصدمة وهي تغمغم بلهاث
=ايه ده هو راجح، رجعها، بجد، طيب ازاى...
استدارت نعمات اليها قائلة بحدة
=هو ايه اللى ازاى، يا منيلة
اجابتها هاجر بارتباك وهي تبتلع ريقها بتوتر
=ابداً، ابداً يا ماما مقصدش بس استغربت بس انهم رجعوا بعد كل اللى حصل يينهم...
اجابتها نعمات بينما تعدل من الغطاء حول صدفة.

=ياما بيحصل بين المتجوزين و كله بيعدى بعدين الاتنين روحهم في بعض ميرجعوش ليه.
هزت هاجر رأسها صامتة بينما عينيها مسلطة على الهاتف الخاص بصدفة الموضوع بجانب رأسها قبل ان تلتف و تخرج لكن اوقفتها والدتها قائلة
=راحة فين استني ساعديني اصحيها علشان اخليها تاكل...
لوحت هاجر بيدها قائلة بحدة
=مش فاضية يا ماما عندي مذاكرة.

ثم استدارت خارجة من الغرفة لتجد راجح جالساً ببهو الشقة اقتربت منه قائلة بتردد و هي ترغب التأكد من رجوعهم لبعضهم البعض و الخوف يسيطر عليها من ان يكتشف شقيقها ما فعلته.
=راجح، هو، هو انتوا رجعتوا بجد لبعض...
رفع راجح رأسه من بين يديه يتطلع اليها بصمت عدة لحظات قبل ان يومأ برأسه و هو يقرر الكذب على شقيقته فهو لا يريد ادخالها بمثل تلك الامور التي قد يصعب عليها فهمها بسنها الصغير هذا
=ايوة يا هاجر، رجعنا.

سقط قلبها بداخل صدرها فور سماعها تأكيده هذا لكنها غصبت شفتيها ان ترسم ابتسامة مرتجفة مغمغمة بفرح كاذب
=طيب الحمد لله، و الله فرحت اوي...
لتكمل وهي تتجه بتعجل نحو الباب
=معلش هنزل انا، علشان اذاكر
ثم هبطت الى الاسفل مسرعة و هي لا تدرى ما يجب فعله بتلك المصيبة...
بينما خرجت نعمات من الغرفة قائلة
=بحاول اصحيها يا بنى و مش راضية تصحي خالص، لازم تاكل مينفعش كده...

نهض راجح على قدميه قائلاً بهدوء يعاكس الاعصار القائم بداخله
=معلش ياما سبيها نايمة شوية كمان الدوا اللى خدته في المستشفي اللى عمل فيها كده...
ليكمل وهو يتجه نحو غرفة النوم حيث توجد صدفة
=هدخل اغير هدومى، علشان ارجع الوكالة
اومأت نعمات برأسها و هي تتصنع تصديقه فقد كانت تعلم ان هذا ليس الا حجه حتى يدخل الى الغرفة و يطمئن عليها همست بصوت منخفض
=ربنا يا بنى يهديلكوا الحال، يا رب.

ثم دلفت الى المطبخ حتى تصنع عدة عصائر مناسبة لحالة نقص الحديد التي لدى صدفة...
في ذات الوقت...
ما ان هبطت هاجر إلى الاسفل
تناولت هاتفها تتصل بتوفيق الذي ما ان اجاب اخذت تخبره بكل ما حدث و هي ترتعد من الخوف
هتف توفيق بصوت ممتلئ بالغضب
=يعنى ايه رجعها، يبقي مصدقش اى حاجة من اللي بعتنهاله...
همست هاجر بارتجاف و خوف
=طيب هنعمل ايه يا توفيق راجح لو اكتشف اللي عملناه هيقتلنا.

قاطعها بوحشية مما جعل يدها التي تحمل الهاتف ترتجف
= بطل زن على دماغى انا مش ناقصك و لا ناقص نواحك...
ليكمل و هو يزفر بحدة
=انا هتصرف ان مكنش صدق اللي فات، هخليه يصدق المرة دي و هتبقي القاضية اللي هتنهي الليلة دي خالينا نرتاح منها مرة واحدة...
اجابته هاجر قائلة بخوف
=هتعمل. ايه مش فاهمة...
قاطعها مغمغماً بحدة و نفاذ صبر
=مش مهم تعرفى هعمل ايه، المهم قوليلي موبيلها لسه معاها،؟!

اجابته هاجر على الفور و هي تتذكر رؤيتها للهاتف الذي كان بجانبها على الوسادة
=اها معاها لسه شايفاه...
ضحك توفيق قائلاً بفرح
=حلو اوي كدة سهلة و متقشرة...
ليكمل بحدة وفظاظة
=اقفلي يلا خاليني اشوف هعمل ايه
ابعدت هاجر الهاتف الذي اغلقه بوجهها عن اذنها تتطلع اليه بصدمة و قلبها يطرق بصدرها بجنون من شدة الخوف والارتياب.
بعد مرور ساعتين...

كان راجح جالساً بمكتبه يتفحص بعض الورق لكن عقله كان منشغلاً بتلك المستلقية بالمنزل مريضة عندما وصلت رسالة الى هاتفه ليتصلب وجهه بقسوة عندما وجد انها من ذلك الحقير...
«« ايه يا راجح باشا. ايه صدقتها و رجعتها اما شيطانة بصحيح قدرت تقنعك ازاي انها بريئة، و لا انت شكلك معرفتهاش حاجة و مصدقتنيش برغم كل اللي بعتهولك، طيب خد اخر دليل.

سكرين شوت لاخر رسالة المدام بعتهالى من نص ساعة يعنى لسة طازة، »»
(( صدفة: انا اتصالحت انا و جوزي و رجعت معاه البيت خلاص بس تعبانة شوية بسبب الانيميا، يعنى متقلقش لو مقدرتش اكلمك الفترة دى، و ياريت انت كمان متتصلش بيا و نقلل مقابلات الفترة دي علشان راجح اكيد هيبقي مركز معايا و مش عايزاه يشك في حاجة، )).

ظل راجح جالساً بمكانه عدة لحظات بجمود و هو يتطلع الى شاشة الهاتف باعين مظلمة ممتلئة بالغضب العاصف قبل ان يلقي الهاتف من يده...
ويفتح درج مكتبه مخرجاً منه هاتف صدفة الذي كان يحتفظ به داخل هذا الدرج منذ ان وصل إلى هنا...
فتحه و قام بفحصه قبل ان يزمجر بشراسة من بين اسنانه المطبقة بقسوة
=يا ولاد الك. لب...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة