قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثامن والسبعون

رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثامن والسبعون

رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثامن والسبعون

فور دخول سميرة إلى عملها صباحا وجدت الجميع يتهامس، ظنت أنهم يتهامسون في أمر ما، لكنها لاحظت أنهم لا يتكلمون إلا بعد رؤيتها، فأدركت أن الأمر يخصها.
زميلة 1: إحنا هنقول لها وإلا هنسيبها تعرف من برة؟
زميلة 2: خليها تيجى من غيرنا.
زميلة 3: لازم نقول لها عشان تلحق تبلغ هي كمان.
سميرة: في إيه؟
زميلة 1: استاذ عادل اللى الناس مشغلة فلوسها معاه، بيقولوا خد الفلوس وهرب على برة.

سميرة: أستاذ عادل بتاع الحسابات وإلا واحد تانى؟ يا نهار أسود.
زميلة 1: استغفر الله العظيم، لا هو.

تركت سميرة عملها وذهبت إلى قسم الشرطة لتقدم بلاغا مثل آلاف الضحايا، بلغ ما أعطته له من أموال أكثر من مليون جنيه، قيمة مدخراتها والذهب الذي استولت عليه من عبد الرحمن، ظلت سميرة بقسم الشرطة طوال اليوم، وعندما عاد عمر ولم يجدها اتصل بها على الفور، فقد كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءا، فأخبرته بما حدث، ذهب إليها وعادا معا.

عمر: ما قولتليش إنك مدية فلوس لحد يشغلهالك مع إن ده حصل وانتى على ذمتى مش من قبل كدة.
سميرة بتبجح: هأقول لك الرد اللى قولته قبل كدة، دى فلوسى، وبعدين أنا عملت كدة ليه؟ ما هو عشان أقدر أصرف على البيت.
عمر: مرتبى ومرتبك وحتة عيل واحد ومش عارفة تمشى نفسك.
سميرة: قلت لك أنا واخدة على المصاريف، كفاية إنى باصرف معاك، عبد الرحمن ما كانش بيدفعنى مليم.
عمر: وسيبتيه ليه؟
سميرة: عشان باحبك.

تأخر حمل مايسة، لكنها لم تعبأ لهذا الأمر وتركته للوقت، فقد حملت من قبل ومن زوجها هذا، أى أن كلاهما ليس لديه مشكلة في الإنجاب، لكنها شعرت ببعض الألم فقررت زيارة الطبيب، وهنا كانت الصدمة، بعد إجراء الفحوصات والتحاليل تبين اصابتها بسرطان الرحم.
عزة: لا حول ولا قوة الا بالله، الدكتور قال لك هيستأصل الرحم كله والا جزء منه؟ في ناس بتشيل جزء وبتقدر تحمل عادى.
مايسة: لا كله.

عزة: ما فيش إلا علاج الا الاستئصال؟
مايسة: انتى زعلانة ليه يا عزة؟ ما ربانى إدانى الولد ونزلته عشان كان في الحرام، ربنا حرمني منه عشان قتلت روح مالهاش ذنب في قذارتى.
عزة: معلش ربنا يعوض عليكى، المهم انتى، في ناس كتير ربنا مش رايد لها تخلف (ويجعل من يشاء عقيما)
مايسة: أنا مش زعلانة يا عزة، أنا عملت حاجات غلط كتير، واتمنيت ربنا يخلص اللى عملته منى في الدنيا، يمكن التعب ده يكفر عن ذنوبى شوية.

عزة: ربنا غفور رحيم، وانتى توبتى، وبعدين في أطفال مصابة بالسرطان كانوا عملوا ذنوب إيه؟
مايسة: أنا هاعمل العملية الاسبوع الجاي، هأخرج من المستشفى على عندك، هاقعد مع هند، انتى فاهمة أنا عايزة أقول إيه، مش عايزة أتكلم كتير أنا تعبانة.
عزة: بيتى مفتوح لك يا حبيبتى، بس هو أمين قال لك حاجة؟
مايسة: مش هاستنى أما يقول، أنا لازم أبعد، مش هأستحمل أعيش معاه شفقة.

زادت المشاكل بين عمر وسميرة، خصوصا عندما علمت من أحد المتصلين أن عبد الرحمن يسكن في كمبوند كما كانت تحلم، حين قال له المتصل أنا جارك في الكمبوند، شعرت سميرة بالحسرة الشديدة والندم على تعجلها وتهورها، ماذا أعطاها عمر بخلاف ما أعطاه لها عبد الرحمن، سوى ضيق العيش والقلق والخلافات الدائمة، ماديا خسرت، كانت لا تتفق مليم في البيت والآن تضع كل راتبها دون أن تتلقى كلمة شكر واحدة، وكان هذا واجبها والضريبة المستحقة عليها مقابل ما تأخذه من حب ومشاعر، عاطفيا، عمر لم يحبها كما أحبها عبد الرحمن، عبد الرحمن الذي كان يغار عليها ويحافظ عليها مهما كلفه الأمر، عبد الرحمن الذي عاملهأ بما يرضى الله ولم يغضبها يوما.

المشاعر وهم من تخيلاتتا، الخيال هو من يجعل العادى أسطورة.
عمر أيضا فاق من وهمه، حرمانه من سميرة والشوق إليها جعلاه يتخيل أنها غير كل النساء، وأنه لا سعادة له مع سواها، وعندما عادت إليه وأصبحت واقعا أيقن أنه كان واهما، وأن السعادة كانت بين يديه وهو لا يدرى، أضاعها من يده بغبائه.

هكذا نحن البشر لا نشعر بقيمة ما معنا إلا بعد ضياعه منا، نبحث عن السعادة وهي معنا ونحن لا نشعر بها لاننا اعتدنا عليها، اعتياد النعمة هو أكبر آفة تصيب الإنسان.

حين قرر عمر وسميرة استكمال قصة حبهما ظنا أن زواجهما تجربة إن نجحت حصلا على السعادة التي كثيرا ما حلما بها، وأن فشلت عاد كل منهما لعشه المهجور واعتذر لضحيته، وأكمل حياته معه وكأن شيئا لم يكن.

سميرة تعلم مدى حب عبد الرحمن لها، وواثقة أنها لو عادت إليه في أى وقت سيسامحها، بل وتخيلت أنه ينتظر عودتها على احر من الجمر، والدليل أنه لم يتزوج رغم مرور ما يقرب من ست سنوات على انفصالهما، لقد تابعت برنامجه وعلمت كل شئ عنه، عمر أيضا لديه نفس الثقة في عزة، لا بأس سيعتذر كل منهما لشريكه الذي غدر به ويكمل معه الحياة التي يستحقها، حياة الرفاهية التي حلم بها، والتي لم يكن له فيها أى دور.

لم يترك أمين مايسة لحظة واحدة، كان معها خطوة بخطوة، ظل ممسكا بيدها وهي تنهى جميع إجراءات العملية، الأشعة والتحاليل الخاصة، قبل رأسها قبل دخول حجرة العمليات وقال لها: مستنيكى ما تتاخريش عليا.

بكت عزة لحالهما وشعرت بصعوبة المهمة التي كلفتها بها منى، واحتارت ماذا تفعل، لكنها تركت أمرها لله، هو وحده من يدبره، كان الجميع مع مايسة، وفور دخولها حجرة العمليات ظلوا يصلون ويدعون لها حتى خرجت سالمة، اندفع أمين نحوها وهي محمولة على السرير الطبى في طريقها الحجرة الإفاقة، ظل ممسكا بيدها وهي لا تشعر به.
الممرضة: من فضلك سيبها لحد ما تفوق.

أمين: أنا هافضل معاها، عايز زى ما كنت آخر واحد شافته قبل ما العملية، أكون أول واحد تشوفه أول ما تفوق.
فاقت مايسة والجميع حولها، لم يتركنها لحظة، ظلت ثلاثة أيام تحت الملاحظة وأمين لا يفارقها، حتى حانت لحظة الحسم لحظة خروجها، أحضر أمين سيارة خاصة لحملها إلى منزله، كما أحضرت عزة سيارة كما أوصتها مايسة.
وما أن رأى أمين سيارة عزة حتى قال: كتر خيرك يا ست عزة، أنا معايا عربية.

عزة: طب ياريت تروحها على عندى، منى محتاجة رعاية...
وقبل أن تكمل عزة كلامها قاطعها أمين قائلا: ما حدش هيخدم مراتى غيرى.
عزة: في الأمور دى هي محتاجة ست.
أمين: معلش أنا برضو اللى هأخدمها، ولو قصرت ابقوا اعملولها وهي في بيتى، ربنا عالم الكام يوم اللى فاتوا دول عدوا عليا إزاى.
مايسة: أنا مش رايحة عند عزة عشان تخدمنى، أنا رايحة عشان مش ناوية أرجع تانى.

أمين متفاجئا: إيه الكلام اللى باسمعه ده؟ في إيه منى؟ أنا زعلتك في حاجة؟
مايسة: بالعكس، انت من يوم ما اتجوزتنى وأنا عايشة معاك في الجنة، بس يظهر اللى زيي مالهمش مكان فيها.
أمين: وهتفضلى فيها يا حبيبتى، أنا مش هأسيبك، هافضل معاكى لآخر يوم في عمرى أو في عمرك.
مايسة: أنا مش هأخلف.
أمين: وأنا مش عايز عيال، أنا عندى ابن من مراتى الأولى، ومش عايز أكتر من كدة.

مايسة: امشى يا أمين، أنت خلاص سددت الدين اللى عليك، مش هاتحمل أعيش معاك شفقة.
أمين: مش شفقة يا مايسة حب.
عزة: خلاص بقى يا منى، الرجل يعمل لك إيه عشان تصدقى إنه بيحبك؟ اعقلى بقى وروحى مع جوزك.
انحنى أمين على السرير الخاص بها وحملها وهو يقول: مش بمزاجك، أنا هاخدك بالقوة، وابقى صوتى وقولى جوزى خاطفنى.

ضحك الجميع وعادت مايسة مع امين إلى بيتهما، ظلت عزة تزورها من آن لآخر، وعندما شفيت تماما وأصرت على العودة للعمل طلبت منها عزة ألا ترهق نفسها في إعداد الطعام، وتكتفى بالعمل في تلقى الطلبيات وترتيب توصيلها.

مرض عمر مرضا شديدا، أصيب بحمى وارتفعت درجة حرارته بشكل كبير، حتى أنه كان يهذى من شدة التعب، تركته سميرة وذهبت إلى عملها، اكتفت بإعداد إفطار بسيط له ووضعت الأدوية الخاصة به بجواره وانصرفت، لم يستطع عمر من شدة الألم أن يقوم من مكانه لتناوله، فظل بدون إفطار حتى أصيب بهبوط حاد، تذكر عزة التي كانت تعلن حالة الطوارئ في البيت بمجرد إصابته بنوبة برد بسيطة، كانت لا تتركه حتى تتأكد من تناوله طعامه ودوائه، عندما كان مع عزة ويقارن بينها وبين سميرة كانت سميرة هي من تفوز في كل مقارنة، والآن تفوز عزة وبجدارة، عندما اختلفت المعايير التي كان يحكم بها، واختلفت أوجه المقارنة، واتضح له أن الحب وحده لا يكفى لإقامة البيوت.

ولأول مرة يشعر عمر بتغير مشاعره نحو سميرة، حل النفور محل الشوق والكراهية محل الحب، ليس عمر وحده من شعر بذلك هي أيضا مشاعرها نحوه تغيرت، بدأ كل منهما يفكر في العاشق المتيم الذي تركه من أجل الوهم، وقرر العودة له مهما كلفه هذا من ثمن، أصبح كل منهما يرى الآخر عقبة في طريق الوصول لهدفه الجديد، لكن كل منهما أخفى عن الآخر رغبته، .

عاد امين من عمله ومعه وردة حمراء جميلة، اعتاد على ذلك كل يوم، يحضر وردة واحدة لمايسة، كانت تفرح بها أكثر من أى هدية، قبلها وقال: قبل ما تحطى الاكل او تعملى اى حاجه انا عايزك في حاجة مهمة.
مايسة: خير؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة