قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس

ألجمت الصدمة ألسنتهم وبرقت أعينهم باتساع مريب لم يرف لهم جفن قط فى حين كان هو محافظا على وضعية جلوسه بنظراته التى تحمل مزيج من المكر والتحدٍ بآنٍ واحد لم يتحرك قيد أنملة ونظراته الثاقبة ظلت تتفقد التغيير الطارئ على وجههم، صدمتهم تلك كانت المتوقعة بالنسبة إليه لم يكن يتوقع أن يرحبوا بالأمر وهو لم يرِد ذلك من الأساس فهو يريد أن يرد لهم الصاع صاعين، لقد تحداه ذلك الأبله وعند معه وهذا أكثر ما يكرهه وبشدة أن يعند أحدا معه وقد فعلها هذا الشىء، هو لا يريد أن ينطق اسمه حتى فى مخيلته لكى لا يكون ذلك احتراما له حتى إذا كان بينه وبين نفسه.

مسح أوجه الجميع بنظرة سريعة من عينيه الداكنتين فى هدوء وثبات إلى أن وقعت عيناه عليها هو لا يعرف حتى اسمها، كانت هى صاحبة الصدمة الأكبر فيهم جميعا ظلت تناظره فى صمت واستطاع رؤية شحوب وجهها بسهولة بالغة، فهى لم تصدق ما ترجمته لها أذنها ظنت فى بادئ الأمر انه تُخيل ليس إلا ولكن تأكدت مما استمعته عندما هب عدى واقفا بعصبية مفرطة كمن لدغته أفعى وهدر فى مجد بقوة وتشنج.

-هو ايه اللى بتقوله ده أخت مين اللى عايز تتجوزها انت تعرفها أصلا!
مط شفتيه فى عدم مبالاة ثم قال وهو يعقد ذراعيه امام صدره باستفزاز لذلك الواقف تندلع نيران الغضب من جسده
-عادى نتعرف
كز على اسنانه بغيظ واهدر بضيق ونفاذ صبر مما يتشدق مجد به امامهم وعلى مسامعهم
-متستفزنيش أكتر من كده وقولى عايز توصل لإيه
قال وهو يضع كفيه على فخذيه فى تحفز.

-اللى عايز اوصله قولته، وده اللى عندى هتكتب كتابك على أختى بعدها علطول كتب كتابى على أختك، يا إما بقى بلاها الجوازتين وهناخد أسيف ونمشى، أنا هطلع أقف فى الهوا شوية عشان اتخنقت من اللمة هنا، قدامك ساعة تفكر فيها وتبلغنى مش هستنى كتير
وقف بعدما فجر قنبلته فى وجوههم وغادر الغرفة متوجها نحو الشرفة إستأذن جاسم وخرج خلفه لكى يتحدث معه ويفهم منه ما هذا الهراء الذى تفوه به توا.

كانوا جميعا فى موقف لا يحسدون عليه، بينما طيف كانت كمن يوجد فى عالم آخر مغيبة عنهم لا تشعر بوجود أحد من حولها، مازلت لا تصدق ما قيل رغم تكراره مرتين على مسامعها ولكنها كانت تحتس نفسها بداخل حلم لا بل كابوس ولا تعرف متى ستفوق منه كل ما تعرفه الآن انها بمأذق كبير ولا تعرف كيفية الخروج، ولكن لحظة! ماذا قال هذا اللعين منذ قليل؟! أقال زواج يجمعمها! عن أى زواج يتحدث وبأى حق! كيف له أن يساومه بها! كيف يفكر هكذا من الأساس، لا لن تقبل بهذا حتى إذا انطبقت السماء على الأرض لابد من وجود حل آخر، أو من الممكن أن يردعه والده عن هذه التراهات ليتعفن بعنجهيته تلك وتأخذ معها أفكاره الحمقاء وكلماته ذو النبرة الجافة التى تشعرها بخلو ذلك الرجل من أى مشاعر إنسانية.

سار خلفه حتى الشرفة جذبه من كتفه يديره إليه مغمغما به بخفوت وغضب لأول مرة يظهر بحديث منه موجها نحوه
-ايه يا مجد اللى قولته جوا ده انت ازاى تفكر كده اصلا؟!
التفت له ببرود متغاضيا عن غضبه الذى ملأ نبرته وجال أيضا على ملامحه الهادئة عادة وأردف بتعجب مصطنع وهو يعقد ذراعيه أمام صدره
-قولت ايه!، تظاهر توصله للمغزى من كلامه ثم تابع ببرود آاه، قصدك على طلبى الجواز من أخته، ايه اللى فيه بقى.

وضع جاسم يده على وجهه بنفاذ صبر ليزمجر قائلا
-هو ده طلب جواز عادى!، انت بتساومه يا مجد!، بتساومه باخته اللى انت اصلا متعرفهاش، ده انت حتى متعرفش اسمها
انشق جانب فمه بابتسامه باهتة قائلا وهو يرفع حاجبيه بغيظ
-ماقولت هنتعرف
همهم بقلة حيلة وضيق عينيه ثم أردف بجدية
-اممم، تقدر تقولى هتعمل ايه لو وافقوا!
قال بإيجاز وملامح جامدة وهو يعاود النظر أمامه فى مواجهة الهواء الطلق
-هنتجوز.

رفع جاسم حاجبيه بتفاجؤ مما يردف به صديقه وسأله مستفسرا قاصدا كل كلمة يتحدث بها إليه
-هتتجوز واحدة متعرفهاش! يعنى يوم ماتتجوز يبقى بالشكل ده
سرح بخياله لعدد من الثوانى فى هيئتها المصدومة منذ قليل ثم ارتسم على شفتيه ابتسامة صغيرة لم يرها صديقه وخرجت دون إرادته ثم قال بخفوت و تلقائية دهش بها الآخر عندما استمعها ولم يتبين له قصده بها
-عادى مخسرناش كتير.

حرك ذراعيه بقلة حيلة وتركه وعاد لهم مرة أخرى، بقى هو بمفرده يفكر ماذا إن وافقوا حقا، سيتزوجها مؤكدا لن يدع هذا الأبله يعترضه وينفذ كلمته رغما عنه، لقد عند معه وما بدر منه منذ برهة ما هو إلا رد فعل، برر لنفسه بذلك ولكن مازال يشغل خاطره هذه الفتاة التى لا يعرفها حقا ولا يعرف اسمها حتى كما قال صديقه، كيف سيتعامل معها كيف سيمكثا معا ببيت واحد وغرفة واحدة بحكم زواجهما، فرك رأسه بيديه من الخلف بإرهاق وقرر ان ينتظر ردهم أولا وسيدع الأمور تسير بناءا على ذلك، لن يرتب لأمر آخر فهو مرهق من كل ما يحدث حوله حد الجحيم.

ترك عدى الغرفة لم يعد لديه القدرة على التحكم بأعصابه أكثر من ذلك دلف غرفته بوتيرة انفاس متعالية، يفكر فيما يجب عليه فعله ماذا يقرر! سعادة وراحة من يختار! أيختار أسيف التى يعلم جيدا أنها لن تستطيع العيش بدونهم ولن تستطيع التأقلم مع هذه العائلة وخصيصا هذا المجد الذى يمقته اكثر يوما بعد يوم، ماذا يفعل؟! أيضحى بسعادة أخته وحقها فى اختيار شريك حياتها! أسيصبح هكذا زواجها الذى يتحرق شوقا لقدومه! لن يستطيع إحزانها وتخييب أملها ولن يستطيع أيضا ترك أسيف دونهم يخاف أن تُدمر بمفردها، أن تحيا حياة لا تعلم عنها شيئا وتخشاها كثيرا فهو رأى ذلك بأم عينيه عليها.

دلفت أسيف إليه قاطعة تفكيره جلست بجانبه ووضعت يدها فوق يده فى دعم قائلة بحزن
-عدى متفكرش وتتعب نفسك مفيش غير حل واحد وهو انى أعيش معاهم، ده أصلا اللى مجد عايزه، وانا خلاص قررت انى هرو..
استدار ومسكها بقوة من ذراعيها ثم صاح بها بانفعال
-مش رايحة فى اى مكان يا أسيف انتى مش هتسيبى البيت ده انتى فاهمة، هتفضلى هنا، انتى وعيتى عالدنيا هنا وهتكملى هنا مش بمزاجك تقررى حاجة أصلا مش بمزاجك.

لم تستطع التحكم بدموعها لتسيل على وجهها جذبها داخل أحضانه وضمها هذه المرة بقوة بكت بحرقة وازدادت شهقاتها ظلا على هذا الوضع لبضع دقائق حتى هدأت قليلا سحبها من أحضانه ببطء وحاوط وجهها بين كفيه وهدر برفق وهو ناظر فى عينيها.

-أسيف انا عارف انك مش هتقدرى تعيشى معاهم، انت متعرفيهمش لسه وانتى مش بتاخدى على حد بسرعة، انا متأكد إنك لسه فى صدمة ظهورهم، حقهم انك تعيشى معاهم بس انا مش هقدر أسيبك تضيعى وسط ناس لسه متقبلتيش وجودهم، طباعهم غير طباعك وحياتهم غير حياتك هتحسى وسطهم إنك وحيدة، موافق انك تعيشى هناك بس مش دلوقتى لما تتعودى على وجودهم فى حياتك، غير كده لأ مش هقدر يا أسيف
سحبها مجددا داخل أحضانه وقال بهمس.

-مش هقدر أصلا إنك تبعدى عنى أنا بجد متعلق بيكى، مش هقدر بين يوم وليلة كده الاقيكى مش معايا، مش هقدر استحمل البيت من غيرك
خرجت كلماته من صميم قلبه لا يدرى أتعلقه هذا حقا تعلق أخ بأخته أم شيئا آخر ولكن هذا ما فى قلبه لها هذا ما يخافه وهذا ما يريده وهو بقائها بجانبه.

رأسها فوق كتفه تبكى بصمت ولكن ليس حزنا بل تأثرا بما قاله، لن تجد هذا الآمان فى رحاب أى أحد غيره ولم ولن تشعر بما تشعر به فى أحضانه إنه شعور يجعلها تريد البقاء داخلهم دائما وابدا وعدم التحرك قيد أنملة بعيدا عنهم، للمرة المائة لا تدرى ما هذا الشعور ولما جديد من نوعه عليها عندما تكن بجانبه ومعه، حسنا منذ صغرهم وهى تشعر ببعض الخجل منه ولكن شعورها الآن غير ولا تجد له أى تفسير، لا تعرف الحين سوى أنه محق بما قاله، محق بشعورها تجاه ظهور عائلتها المفاجئ وتجاه حياتها التى انقلبت بلمح البصر، محق انها لن تستطيع الابتعاد عن هذا البيت حتى إذا كانت قد شعرت ببعض الآمان وتخللتها قدر كبير من الراحة رفقة والدها ولكن هذا لن ينفى حقيقة انها ابنة ذلك البيت وانها ستتهوه بهذه الحياة إذا خطت بقدمها خطوة واحدة خارجه فهو حصنها المنيع من مخاطر الحياة التى لم ولن تستطيع يوما مواجهتها دونهم.

استمعت طيف لكل ما قالاه لم تسطتع حبس دموعها هى الآخرى فهى تعلم أسيف كم هى بريئة هشة، تعلم أيضا أنها لن تستطيع تقبل الأمر حتى وان كان لا يبدر منها أى اعتراض حاليا ولا تتشدق بشىء ولكن عدى محق فهذا أثر صدمتها وسينقلب كل ذلك رأسا على عقب عندما تفق وإذا لم تجدهم بجانبها فحينها لن تصمد وستنهار حتما.

لن تقف كالبلهاء مكتوفة الأيدى، لن تترك أختها هكذا ولن تضحى بسعادة أخيها الذى ترى عليه بادرة حب تجاه أسيف إذا لم يلحظ أحد ذلك فهى لاحظته وبشدة، ماذا سيحدث إذا وافقت، هو فى الأول والأخير زواج ومن يعلم ما ينتظرها او ماذا سيكون القادم لها.

دلفت إلى الغرفة التى يجتمعون بها كان ذلك أثناء دلوف مجد أيضا رمقها ببرود موجها نظره لأسفل نظرا لفرق القامة بينهما، التقيا عيناهما معا لجزء من الثانية ثم ابتلعت رمقها بتوتر ناظرة لوالدتها زيفت ثباتها ثم هدرت بنبرة واضحة ليستمع لها جميعهم
-ماما لوسمحتى خلى عدى وأسيف يجوا يكتبوا الكتاب عشان المأذون بقاله كتير وهو قدامه جوازتين مش عايزينه يتأخر.

انفجرت ملامح والدتها بالصدمة ثم قالت بأستفهام وعدم تصديق
-انتى موافقة؟!
رمقته بنظره سريعة بعدما جلس بنفس المقعد وبنفس طريقته المتغطرسة قائلة بطفيف من الحزن
-ايوه موافقة يا ماما لوسمحتى اخرجى هاتيهم بقى.

تنهدت فى حزن هى الأخرى وأومأت لها فى قلة حيلة هى تعلم ابنتها فى عنادها لن تتراجع إلا بتنفيذ ما ارادته ولكن هل ما سيحدث فى الدقائق القادمة بمحض إرادتها! ام فرض عليها جبرا! وهى استسلمت لأمر واقع لا تدرى بعد ما عواقبه وما سيعود عليها من نفع إذا كان به.

اكملت طريقها نحو غرفة ابنها وجدت بابه مفتوح دلف له وكادت أن تتحدث إليه حتى وجدته مازال على وضعه آخذا أسيف فى أحضانه حُرجت كثيرا لهذه الحميمية بينهما وحمحت وهى ناظرة بعيدا عنهما قائلة بتوتر
-يلا يا عدى عشان تكتبوا الكتاب
فرق عناقهما بحرج من والدته ثم قال بدهشة ممزوج بالتوتر
-هنكتب الكتاب ازاى طب وا...
قاطعته قائلة بطفيف من التعب والآسى لما يحدث
-طيف وافقت.

وقف مرة واحدة مشدوها مما قالته ملوحا بيده ثم هدر بقوة
-وافقت على ايه هى اتجننت
لم يدع لوالدته فرصة الرد واتجه مسرعا نحوهم، وجدها جالسة وعلى ملامحها جمود لم يره عليها من قبل فهى ذات طابع مرح ووجه بشوش وقف امامها ثم قال مستفسرا
-وافقتى على ايه معلش فهمينى، وافقتى تبقى محطوطة فى وضع مساومة، وافقتى تتجوزى واحد متعرفيهوش ولا هو يعرفك وكل اللى همه يمشى كلمته وخلاص، ردى فهمينى وافقتى على ايه.

أغمضت عينيها مانعة نفسها من الإنهيار فهى تعلم ان ما هى مقبلة عليه ليس سوى غلطة لا تدرى هل ستدفع ثمنها لاحقا ام سينتهى الأمر بمجرد زواج فحسب ثم قالت بهدوء
-عدى أنا خدت القرار خلاص لو سمحت اقعد واكتب الكتاب خلينا نخلص، ومتحاولش تغير رأيى لأن ده مش هيحصل وانت عارفنى، أرجوك يلا بقى.

نظر فى عينيها يريدها أن تتراجع وسيحاول قدر الأمكان الا يخسر احدا منهما تبادلت معه نظراته فى توسل وترجٍ وتناولت يده وسحبته فى آخر الغرفة بعيدا عن الجميع ثم قالت بخفوت كى لا يستمع أحد لما تقوله.

-عدى أرجوك يلا عشان خاطر أسيف، انت وانا عارفين انها استحالة هتقدر تبعد بعيد عن البيت ده او تعيش مع ناس تانية غيرنا حتى لو كانوا اهلها، وصدقنى أنا فكرت فيها من جهات كتير ومش هخسر حاجة لو اتجوزنا جايز نتفق، جايز يبقى طباعه كويسة بعيدا عن هجومه عليك ده وهو برضه أخ وليه مبرراته، وبعدين مجد الكيلانى شخصية معروفة جدا وسمعته كويسة ده غير انك بنفسك قولت انه هو اللى قوم شركات باباه تانى بعد ما كانت وقعت أكتر من مرة واعلنوا افلاسهم، مجد عمره ما هيئذينى هيفكر فى أخته أنها معاك وأكيد لو لقاك كويس معاها هيبقى هو كمان كويس معايا على الأقل عشانها هى وعشان علاقتكوا متتوترش بسببه.

لاحظت ملامح الأعتراض على وجهه فهدرت به بابتسامة مرحة قائلة
-انا شوفتك وانت حاضن أسيف، مكنتش أعرف إنك بتحبها كده، وهل ده بقى حب متبادل بينكوا ولا لسه طرف واحد من ناحيتك
دهش من قولها ذلك وازدرد ريقه ولم يعقب بينما هى تابعت بجدية.

-بلاش تضيعها من ايدك يا عدى، انا عمرى مافكرت فى أسيف ليك او تخيلت انكوا تبقوا مع بعض، بس من ساعة الموضوع ده ماحصل وانا مش شايفاكوا غير مع بعض، وبعدين انت متخيل يعنى إنه هيقدر عليا مانت عارف أختك ده ممكن اقتله واتاويه واقول معرفش عنه حاجة وأعيط عليه كمان وابقى زى اللى يقتل القتيل ويمشى فى جنازته.

قالت الأخيرة فى مزاح حتى تقلل جدية حديثهما والموقف العصيب المتواجدين به قليلا، ضحك هو بخفوت على كلامها قائلا بملامح حزينة متوسلا إياها أن تطمئنه
-يعنى اتطمن عليكى يا طيف؟
أومأت له بالإيجاب وجابت بعينيها المأذون ثم قالت بمرح وهى تشير ناحيته برأسها
-يلا بقى المأذون هينام مننا يا عدى مش كده
ضحك مجددا وحاوط كتفيها بذراعه بإحتواء وعادا إليهم ثم قال عدى بجدية موجها حديثه للمأذون
-أحنا جاهزين تقدر تبدأ.

قام المأذون بعمله والقى عليهم كلماته المتداولة عند عقد القران لم يستمع عدى لأى منها فقد كان يشغل خاطره أخته هل ما يفعله صحيحا أم هكذا ضحى بها وبسعادتها تناول القلم ليوقع على الأوراق ويبصم وهو فى شرود تام لم ينتبه لشىء حتى استمع إلى المأذون وهو يقول جملته الشهيرة بارك الله لكما وبارك عليكما وجميع بينكما فى خير.

نبض قلبه فى تسارع عندما أنهى المأذون قرانهما ولا يدرى السبب فى ذلك وجه نظره تجاه أسيف الجالسة بجانب والدها بهدوء واستسلام تام لما يحدث ثم نهض وجلس بجانبها بعدما قام والدها وأشار له بالجلوس مكانه مد يده آخذا يدها الصغيرة كانت باردة ومرتجفة قليلا قبض عليها فى دعم لها وفى ملكية له بها أعترض ذلك صوت مجد الخالى من المشاعر
-طب مش نكتب الكتاب التانى عشان المأذون يمشى ولا هنفضل مذنبينه جنبنا كده كتير.

نظر له عدى بضيق لا يتقبل فكرة أخذه لشقيقته عنوة عنه ولكن ما باليد حيلة فشقيقته وافقت ولن تتراجع هو يعرفها جيدا وقد عقد قرانه أيضا على أسيف الذى كان مشترط بعقد قران مجد على أخته ولهذا لن يستطيع النبس ببنت شفة فهو قادر على سلب أسيف منه عنوة وستبقى حُجته انه تم الزواج على اتفاق وهو نقضه.

جلس مجد بجانب المأذون تحديدا فى المقعد الذى كان جالسا عليه عدى مشيرا للمأذون بيده لكى يبدأ فى عقد قرانه على الجالسة قبالته منزوية على نفسها عاد الحزن ظاهرا على ملامحها من جديد لا تدرى أصحيح ما تفعله! أخير لها الحياة التى ستقدم عليها! كل ما تعلمه أنها عالقة الآن بين مشاعر مهشمة
أنهى المأذون قرانهما هما الآخران وغادر، وقف مجد قبالة طيف ثم قال بنبرته الرجولية.

-انا هسيبك النهارده تجهزى نفسك وهبعتلك السواق بكرا الصبح ياخدك
القى كلماته عليها ثم غادر والغرفة بل والمنزل أيضا، ابتلعت ريقها فى توتر من هيئته الخاطفة للأنفاس فهو يريبها كثيرا وخصيصا نظرته تلك بسوداوتيه القاتمه بأهدابها السوداء التى تجعل لهما رونقا خاصا بهما لم ترَه على غيره، ظهر الإرتباك جليا على ملامحها استأذنت من الجميع وتركت الغروفة لتختلى بنفسها قليلا لكى ترتب شتاتها.

ودعت أسيف والدها وشقيقتها التى لم يتسنى لها التعرف عليها بعد أو التطرق معا فى أى حديث بسبب ما حدث اليوم من مفاجأة شتت أفكارهم جميعا.

أحست بإرهاق كبير فتوجهت إلى غرفتها كى ترتاح وتخلد للنوم بعد يوم شاق كذاك، كان ذلك تحت أنظار عدى الذى كان يتمنى أن يجلسا سويا لو لقليل من الوقت فهو بحاجة إلى التحدث مع أحد يخبره أن ما قام به اليوم كان محقا فى فعله، خلل يديه فى رأسه وهو مطأطأ لأسفل ثم تنهد مطولا ونهض من مقعده هو الأخر متوجها لغرفته علّ النوم هو الخيار الأمثل للهروب من كل تلك الحروب القائمة داخل رأسه والأفكار السيئة التى تنهش بروحه.

طرقت والدتها بابا غرفتها لكى تنتبه لها طيف التى كانت جالسة فوف الفراش بملامح شارده توجهت نحوها بابتسامة حانية، أفسحت لها ابنتها قليلا كى تجلس بجانبها، سحبتها والدتها نحو أحضانها رابتة على ظهرها برفق ثم قالت بنبرة هادئة.

-عمرى ماكنت أحب انك تتجوزى بالشكل ده ولا انك تتجوزى واحد متعرفيهوش ولا هو يعرفك ويمكن كنت أقدر أعترض على الموضوع كله بس حاجات كتير منعتنى مش بس عدى وأسيف موضوعهم اللى منعنى أو خوفى على أسيف، كلام والد أسيف ورفيف أختها الصغيرة طمنى كتير من ناحية مجد وخلانى حابة ادى للموضوع فرصة، رغم ان الموضوع بدأ بشكل غلط بس حاسة ان الخطوة اللى اخدتيها دى مش هتبقى غلط يا بنتى، وصدقينى عمرى ما كنت هقرر حاجة عنك بس بعد ما كلمونى قولت انى هسيبك تقررى ولو وافقتى انا مش هرفض، انتى عارفة هما قالولى ايه عنه؟

حاولت جذب انتباه ابنتها بهذه النبرة الاستفهامية فأخذت تقص عليها والدتها ما قالاه لها
-اقعدى يا نادية هانم عايز اتكلم معاكى
تشدق بها هشام بعد أن خرج الجميع من الغرفة بعد ما قاله مجد من طلب زواجه من طيف
جلست مجددا منتظرة ما سيقوله بملامح حانقة على كل ما يحدث، فتابع هو بجدية قائلا.

-عارف ان ابنى زودها أوى وانا حقيقى مش عارفة اعتذرلكوا ازاى عن اللى عمله سواء المرة دى أو المرتين اللى فاتوا، بس صدقينى مجد غير ما انتوا شايفينه غير اللى باين عليه اصلا واللى مبينه للناس، مش بقولك وافقوا على طلبه، بس صدقينى عمرك ماهتلاقى لبنتك راجل زى مجد يمكن فى الأول هيتعبوا لحد ما ياخدوا على طباع بعض، لكن هو عمره ما هيئذيها أو هيسببلها أى نوع من انواع الاهانة، مجد شايل مسؤولية كبيرة من وهو فى سن صغير وتعب كتير من بعد موت مامته يمكن ده السبب اللى غيره كده، انا شايف ان موضوع جوازهم ده هيبقى بداية حلوة ليه ولطيف كمان ان شاء الله، وانا مستعد أبقى المسؤول قدامكوا مسؤولية كاملة عنها، شوفى رأى طيف وعدى ايه ومهما كان القرار أنا هبقى معاكوا ومش هسمح لمجد بأى نوع من انواع التطاول عليكوا حتى لو كان بالكلام.

خرجت طيف من أحضانها وأعتدلت بجالستها بجانبها فما قالته والدتها يستدعى جميع حواسها فى حين تابعت الأخرى حديثها ساردة لها أيضا ما قالته لها رفيف قائلة بهدوء
-ومش بس كلام باباه اللى خلانى اتطمن من ناحيته شوية كلام رفيف أخته خلانى أحس أنه هيبقى خير ليكى وأنه مش زى ماحنا شايفينه فعلا
-بعد اذنك يا بابا هتكلم
أومأ لإبنته فابتسمت له وأردفت بهدوء وهى ناظرة ل نادية.

-بجد يا طنط ومش عشان مجد أخويا، بس هو فعلا جواه حاجة تانية خالص غير اللى ظاهرلكوا يمكن يبان عصبى ومش بيبان على وشه أى مشاعر ويبان جامد بس هو غير كده، مجد حنين جدا معايا وبيعاملنى زى ماكون بنته وعمره ما حب يزعلنى ولو حصل ومن غير قصد منه زعلنى بيصالحنى علطول ومش بيهون عليه يشوفنى حزينه وخصوصا لو هو السبب، مجد بس عنده مشكلة وهو انه مش بيعرف يتعود على حد بسرعة ومش بيثق فى أى حد غير المقربين منه، يعنى لو فعلا حصل نصيب وهو طيف اتجوزوا لما يقرب منها ويعرفها هيعاملها بطبعه من جواه زى مابيعاملنى وبيعامل بابا مش بطبعه الخارجى اللى بيتعامل بيه فى شغله ومع اى حد ميعرفوش او سطحى معاه فى التعامل.

-كلامهم طمنى شوية وانا متأكدة إن طالما ربنا كتبلك الحاجة دى إنها تحصل يبقى إن شاء الله فيها خير ليكى يا حبيبتى.

قالتها وهى تربت على كتفها بحنان اومأت لها إبنتها مجددا وعادت بظهرها تفترش الفراش دثرتها والدتها داخل الأغطية وتوجهت نحو المقبس وأغلقته ثم خرجت غالقة الباب ورائها تاركة ابنتها لتنعم ببعض الراحة حتى تهىء نفسها للتغير الذى سيطرأ على حياتها بداية من يوم غد، تدعو الله أن يجعل لها القادم جميعه خير وأن يبعد عنها كل سوء.

توجهت نحو دولابها ملتقطة منه ثوبا للنوم سمعت هاتفها يعلن عن اتصال قررت تركه الآن كى تذهب لتستحم ولكنها استمعت له مجددا يعلن عن تكرار الإتصال زفرت بضيق وتوجهت إلى حيث يوجد التقطته وكادت أن تجيب ولكنها انتبهت لاسم المتصل، ابتسمت باتساع وردت سريعا بنبرة رقيقة ظاهر عليها سعادتها وتفاجؤها معا
-ألو، جاسم أنت بجد لسه صاحى
أتاها صوته ناعسا قليلا قائلا بخفوت.

-بنام والله، حاسس انى مرهق اوى النهارده واليوم كان طويل، بس قولت اتطمن عليكى قبل ما انام
زادت ابتسامتها اتساعا وردت بنعومة
-أنا تمام، نام انت وارتاح وبكره نتكلم
تنهد بتعب ثم قال بمزيد من النعاس والتثاؤب
-ماشى يا حبيبتى تصبحى على خير.

قالها بتلقائية وبغير وعى لنعاسه الشديد أغلقت الهاتف لم تستطع الرد عليه صدمتها كلمته كثيرا منادته لها بحبيته جعلت دقات قلبها تهدر بسرعة بالغة لا تعرف أقالها بدافع صداقتهما وأخوة بينهما مثلما يقولها مجد لها! أم ماذا! ولكن راقها كثيرا نطقه لها بهذا الكلمة.

لم ينم منذ البارحة ظل جالسا على المقعد الخشبى بشرفة غرفته مغمض عينيه بإرهاق كبير من كثرة تفكيره فيما حدث ليلة أمس ألا وهو زواجه الغريب والذى تم بطريقة أغرب، لم يبتعد عن مخيلته هيئة طيف المتوترة من قربه ونظرتها بعينيها الخضراوتين المتسعتين لتحديقها به لأعلى عندما كان يلقى على مسامعها كلماته القليلة الجامدة والخالية من أى شعور إنسانى، لا يعلم ما الذى جعلها توافق على مثل تلك الزيجة فهى فتاة يافعة ذات جمال استثنائى لاحظ على ملامحها انوثتها الطاغية رغم الحزن الذى كان ينفجر من عينيها لو لم يرى هذا الحزن عليها لكان ظن انها وافقت طمعا به ليس إلا، ولكن عدنا مجددا لنفس ذات النقطة ما الذى دفعها للموافقة!

فرك وجهه بيديه بقوة محاولا نفض كل ذلك عن رأسه قام من مقعده ودلف إلى الغرفة التقط هاتفه رأى الساعة قد تعدت السابعة صباحا توجه نحو حمامه ليستحم علَّ هذه النيران المتأججة بداخله تهدأ قليلا.

استيقظت أسيف من نومها لتجد طيف بجانبها تحدجها بإبتسامة استغربتها الأخرى قالت وهى تفرك عينيه بنعاس وتعجب
-قاعدة كده ليه يا طيف!
نظرت لها نظرة ذات معنى سريعا ما فطنتها أسيف ثم قالت وهى تضيق عينيها بمكر
-فى واحدة تنام ليلة كتب كتابها فى أوضتها وتسيب جوزها ينام لواحده
برقت أسيف بعينيها وهى جالسة قبالتها ثم قالت بتلعثم
-اا، ايه اللى انتى بتقوليه ده، يا طيف!
قلدت كلماتها بسخرية مرحة.

-ايه اللى انتى بتقوليه ده يا طيف، ماشى يا أسيف أنا شايفة برضه تخليكوا أخوات أحسن
قالت الأخير متصنعة الجدية وهى تنظر لها بطرف عينيها لترى تعبيرات وجهها التى تتغير من كلماتها ثم تابعت وهى تنهض قائلة بتنهيدة
-على العموم انا كنت جاية أسلم عليكى قبل ما امشى
نهضت الأخر من فراشها وقف امامها لتستفهم منها وقالت
-ايه ده تسلمى عليا ليه انتى رايحة فين؟!
قالت وهى تضع حقيتها فوق كتفها بنبرة غير مكترثة نوعا ما.

-السواق أخوكى بعته، نزلتله الشنط من شوية، وسلمت على ماما وعرفتها انى ماشية، مرضتيش اصحى عدى عشان هيمسك فيا وهيفضل يقولى خليكى انتى عارفاه هو أصلا زمانه مش عارف هو وافق ازاى وعمال يضرب نفسه بالجزمة، قولت آجى اسلم عليكى انتى كمان، ودلوقتى هنزل انا بقى عشان مفضلش ركناه كده
طالعتها أسيف فى حزن وقالت
-خلى بالك من نفسك، وطمنينى عليكى اما توصلى، وكلمينى كتير وعرفينى كل حاجة هتحصل، و..

قاطعتها وهى رافعة حاجبيها ثم صاحب بها بثقة مرحة
-ايه ده حيلك حيلك فى ايه هو انا رايحة استشهد، خافى يا حبيبتى على أخوكى منى
ضحكت أسيف وجذبت الأخرى فى عناق لم يكن طويلا إلى حد ما فرقتا عناقهما ثم هدرت بها طيف بإبتسامة
-هنزل أنا بقى وهبقى أكلمك اما اوصل.

أومأت لها وصاحبتها إلى باب المنزل ثم ودعتها وداعا حارا، دلفت بعدها طيف المصعد بثبات تستحث نفسها عليه لا تريد أن تظهر ضعيفة أمامه، فهى ترى دائما أنها والضعف مثل الكلمة وتضادها ولكن أمامه مجد الكيلانى يختلف الأمر.

وقف المصعد فى مدخل البناية ترجلت منه عازمة بينها وبين نفسها أنها لن تجعل الضعف يتملك منها خصيصا أمامه ومعه وجدت السيارة أمام العمارة مباشرة صعدتها من الخلف ثم أدار السائق عجلة القيادة متوجها نحو بيت مجد وليس قصر والده فهو لا يريد ان يضغط عليه أحد خاصةً فى هذا الأمر.

-بتعملى ايه
قالها عدى وهو يتثاءب ل أسيف التى كانت تقف بالمطبخ تعد القهوة لها
التفتت على صوته ثم قالت برقتها التى بدأت تجذبه مؤخرا
-بعمل قهوة أعملك معايا؟
هز رأسه بموافقة ثم قال بتعب وهو يعبث بخصلاته المشعثه أثر نومه
-اه يا ريت مصدع أوى معرفش ليه
قالت بقلق طفيف وهى تتحس جبهته بيدها بعد أن أخذت خطواتها نحوه
-ممكن تعبت ولا حاجة ورينى كده.

أحس بالقشعريرة سرت فى جسده تأثرا بلمستها الرقيقة ثم قال وهو ينظر لعينيها بقليل من الخمول والغرق بداخل خضراوتيها حيث يكتشف رونقهما من جديد ولأول مرة
-أنا، أنا كويس متقلقيش
كادت تتحدث غير مستشعره نظراته تلك ونبرته التى تغيرت أيضا ولكن قاطعها دلوف والدته ابتعد عنها متوجها نحو المبرد فهو لا يريد أن تترجم والدته الموقف بشكل خاطئ.

نعم ؛ هو متعلق بها ولكن ليس كشقيقة لقد عاهد أكثر من مرة دقات قلبة الهادرة بقوة فى قربها، لسماع صوتها، ولرؤيتها فقط بجانبه، تغير كل شىء فى علاقتهما من ناحيته بشكل أكبر فى الأيام الأخيرة، فهو لم يعد يراها أسيف أخته أصبح يراها بمنظور آخر، حسنا ؛ لنقل زوجته فقط حاليا لكنها لم ولن تعود أخته مجددا.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة