قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السادس عشر

صباح اليوم التالى..
سحبت نفسا عميقا وعقدت يديها امام صدرها بتحفز وهى واقفة خلف عدى بينما كان هو يوصد نافذة الشرفة بغرفتهما بمنزل والدها بعدما دلف منها حيث انه قد جاءه منذ قليل إتصالا من أحدهم وقد خرج إلى النافذة ليجيب على المتصل وكان ذلك أثناء مغادرة أسيف الحمام واستمعت لرنين هاتفه، كانت ذاهبة لتمشيط خصلاتها ليتطرق إلى سمعها بعض ردود عدى للطرف الآخر عبر الهاتف والذى جعل النيران تتقد بداخلها.

التفت بجسده ليتفاجأ بها أمامه على هيئتها تلك ويظهر على ملامحها الوجوم، عقد حاجبيه باستغراب وكاد يتحدث لتباغته هى بتساؤل وهى ناظرة بداخل عينيه
-كنت بتكلم مين يا عدى؟
أجابها بهدوء وعدم اكتراث لملامحها المشدودة وهو يضع الهاتف بداخل أحد جيبى بنطاله قائلا
-دى ريم زميلتى فى الشغل
عضت على شفتها السفلى من الجانب بغيظ ثم أسهبت فى التساؤل
-وبتكلمها ليه؟

رد بإيجاز ولا مبالاة غير آبها بتعابيرها الحانقة وهو يتقدم نحوها
-هى اللى كلمتنى
حركت وجهها لأسفل قليلا بينما أتسعت حدقتيها وهى تنظر له مشدوهة تزامنا مع ارتفاع احدى حاجبيها وهى تكرر ما قاله بعدم تصديق لقوله ذلك بمنتهى الهدوء كأنه من الطبيعى ان يخبرها بتحدث إحداهن إليه.

-هى اللى كلمتك، أخذت نفسا مطولا مجددا وزفرته بتريث كمحاولة منها للتحكم بأعصابها ثم استطردت بمزيد من التساؤل الذى يبدو انه لن ينتهى وبتكلمك ليه بقى؟
حرك كتفيه لأعلى ومط شفتيه بتعجب مصطنع بعدما أصبح أمامها مباشرة ثم تكلم ببرود
-عادى يعنى يا أسيف هو تحقيق!
تخطاها بخطوتين ليقف ويستدير لها عندما وصل إليه صوتها المرتفع نسبيا بتلك اللهجة التى استشف منها أمرا تلقيه عليه
-انا عايزاك معدتش تكلمها تانى.

احتدت ملامحه عندما تطرق لفكره انها تأمره ليتساءل بخشونة
-ليه؟
أجابته بعناد وتصميم وملامحها بدأت فى الاتقاد بتلك النيران المندلعة بداخلها
-كده، مش عايزاك تكلمها
أصبح وجهه جليا بالإستياء من عنادها معه فى الحديث وتكلم من بين اسنانه بنفاذ صبر
-ايوه كده ليه مش فاهم؟!
ردت فى هجوم واندفاع وعلت نبرتها على الأخير وهى تلوح بذراعها
-مش مرتاحة.

تقدم منها تلك الخطوتين ولهيب نيران الغضب اصبح يتطاير من مقلتيه إثر عصبيتها عليه الذى لا يعلم من أين لها بها مؤخرا تحديدا عقب زواجهما فهى لم تكن يوما من الفتيات اللاتى يثورن ويعلين صوتهن فى الحديث ثم هدر بإنفعال امام وجهها صائحا
-وايه اللى مش مريحك؟
بلغ الإنفعال مبلغه لتردف بنزق ونبرة مرتفعة للغاية وبذات الوقت قاربت على البكاء ووجهها قد احتقن بالدماء
-يوووه، قولت مش مرتاحة، مش مرتاحة وخلاص.

اتسعتا عينا عدى -عند استماعه لها ورؤيتها على تلك الحالة- دهشةً، وما زاد الأمر سوءً دموعها التى انسابت من مقلتيها وصاحبها صوت بكائها ليسحبها داخل أحضانه وهو متفاجئ مما يحدث معها وأخذ يربت على ظهرها ويملس على شعرها بحنان ثم هدر بهدوء ونبرة هامسة
-طب اهدى
دفعته فى صدره بيدها التى شعر بارتجافتها ثم قالت بصوت مهزوز وهى تجفف وجنتها بأنامل يدها الأخرى
-ابعد.

تخطته وتحركت صوب باب الغرفة ليسارع هو بمنادتها كى يوقفها عن المغادرة وهو يهرول خلفها
‐أسيف استنى.

لم تتوقف عن السير ولم تجيب ندائه حتى وتركته مغادرة الغرفة بأكملها ليقف هو أمام عتبة الباب من الداخل لا يفقه شيئا مما بدر منها، أكل ذلك ينبع من غيرتها عليها أم ماذا، نعم لقد كان يستفزها بالكلمات لكى يصل لما يريده وهو رغبته فى إشعال نيران الغيرة بداخلها، فى إشغال فكرها به، ولكن لم يتطرق لمخيلته أن يحدث كل ذلك أن تنفعل عليه هكذا، وأن تبكى، ولكن لما بكت بالأساس.

زفر بحنق وضيق لعلاقتهما التى تسوء يوما بعد يوم وأحس بوخزة بقلبه لبكائها وخضراوتيها التى غاب لونهما خلف دموعها التى ملأت عينيها حتى فاضت منهما مغرقة وجنتيها ليقف هو شاعرا بحرقة ووجع بالغ أستقرا بقلبه، لا يدرى ماذا عليه أن يفعل الآن أيخبرها أن تلك الفتاة كانت تدعوه لخطبتها وأنها لا تعنيه بشىء أم ينتظر حتى يتسنى لها إدراك مشاعرها نحوه، خلل يديه بشعره بتخبط ثم توجه نحو الخزانة لتبديل ملابسه كى يهبط لها.

استيقظ ليشعر بها متكأة على صدره وتداعب وجهه وذقنه بأناملها ولكنه لم يفتح عينيه تركها تفعل ما يحلو لها وترك نفسه يستمتع بلمساتها الرقيقة وقربها منه، لقد قرر انه سيترك العنان لمشاعره لن يورايها بداخله مجددا وسيغدق عليها بها سيظهر لها عشقه كما تفعل هى معه سيريح قلبها الذى أنهكه من جفائه الذى برع فى التظاهر به معها كما برع فى إخفاء ذلك العشق عنها ودفنه بداخله، لن يمنع نفسه عنها وسيدع رغبته بها تتحكم به بصدر رحب لن يحرم نفسه من أحضانها والتنعم بدفئهم لن يبتعد عنها لوهلة أخرى ولن يدعها تبتعد عنه مهما كلف الأمر.

تنهد بتريث ومازالت هى تعبث بوجهه بتلك اللمسات الرقيقة التى يشعر بدغدغة تسرى بأوصاله إثرا لها ليجدها على حين غرة تقرص وجنته بلطف وهى تتساءل بسأم محاولة إيقاظه فيبدو أن كل ما تفعله لم يكن سوى محاولة منها ليصحو
-مش هتقوم بقى؟!

فتح عينيه ببطء فلم يعتد على الضوء بعد ليزفر بخفة وهو ينظر لها بنصف عين فالنعاس مازال متمكن من عينيه ثم قال بحشرجة وهو ينهل بعينيه من تلك الملامح الفاتنة التى لا يصدق انه استيقظ على مثل تلك الإبتسامة المنعشة لروحه
-خلصتى لعب فى وشى!
اتسعت ابتسامتها لتتساءل بنعومة وهى تتحسس وجنته بلطف بظهر يدها
-انت صاحى من بدرى؟

تنهد وهو يجذبها من خصرها مقربها إليه واتكأ برأسه فوق رأسها وأغمض عينيه وهو يحتس بأريحية إثر وجودها بأحضانه ثم همس
-لسه صاحى
رفعت رأسها ليصبح امام وجهه ونظرت له بداخل عينيه وعينيها تشع بالمشاكسة ثم ضيقت عينيها بمرح وتكلمت
-ايه النوم ده كله مكونتش بتنام فى لندن ولا ايه؟
نظر بداخل خضراوتيها مطولا لتتعجب من صمته الءى دام لثوانٍ ثم تكلم بحزن لاح على قسماته وظهر بنبرته الخافتة
-مكونتش بنام فعلا.

لاحظ تبدل ملامحها ليعلم ان هذا ما هو إلا تأثير نطقه الأخير بذلك الحزن الذى اندلع منه دون تحكم ليستطرد مسرعا بنزق وقليل من المرح الذى تراه عليه لأول مرة وهو مضيق عينيه كى يشتت انتباهها عما قاله وهو يرجع خصلاتها التى سقطت فوق وجهها للخلف بيده
-وبعدين تعالى هنا انتى نمتى امبارح ومستنتنيش اما اطلع، اومال وحشتنى ايه، ومتبعدش عنى تانى.

ارتفعت بجسدها قليلا متكأة على الفراش بمرفقها فقد اجتذب انتباهها ما قاله وردت باندفاع مضحك وعبوس طفولى اعترى ملامحها
-انت اللى اتأخرت تحت، انا فضلت مستنياك ونمت غصب عنى، وبعدين اما طلعت مصحتنيش ليه؟
رفع إحدى حاجبيه وتساءل بسخرية لم تنتبه لها فهو بالفعل حاول إيقاظها ولم تستجب له
-يعنى لو كنت صحيتك كنتى هتقومى!

-ايوه طبعا كنت هقوم اجابته مسرعة بثقة لتجد ابتسامة ظهرت على ثغره والتى أخذت تتسع لتتحول لضحكة خافتة لتزم شفتيها بغضب مصطنع وأردفت بحنق وهى تلكزه بخفة بذراعه
-مقولتش حاجة تضحك على فكرة
أومأ لها برأسه ثم ابتعد عنها بتمهل كى ينهض وهو يقول بهدوء
-طب يلا قومى عشان نجهز وننزل نفطر.

اتبعته بعينيها بحب حتى دلف الحمام وأوصد الباب خلفه لتتنهد بسعادة ثم قامت هى الأخرى وهى تحتس بداخلها بكم هائل من النشاط والحيوية على غير عادتها بالشهرين الماضيين وتوجهت نحو غرفة ثيابهما لتبدل ملابسها كى ينزلا سويا لتناول الفطور.

واقفة بشرفة غرفتها واضعة الهاتف فوق أذنها منتظرة رده، لا تعلم لما تأخر فى الرد هكذا فهو دائما ما يجيبها سريعا، انتهت المكالمة دون رد انزلت الهاتف وهى تزفر بإحباط وزمت شفتيها بطيف حزن فقد توقعت انه لربما لا يريد التحدث معها لذا لم يجب على مهاتفتها له، وضعته على المنضدة اماماها وادارات جسدها لمواجهة النسمات الصباحية بتعبيرات وجه فارغة، تتذكر لحظاتهما سويا، لهفته عليها وهى بين أحضانه، مشاعرها الثائرة عليها وعلى القيم التى لطالما احتفظت بها منذ الصغر، تعلم ان ما يحدث بينهما أمرا خاطئا ولكن شعورها حينها لا يضاهى.

عشقه جعل منها فتاة أخرى تريد المغامرة معه بكل ذرة بداخلها فى أمور العشق الذى تعلمته على يديه، تعشق كونه أول رجل تملك قلبها، فهى تقسم انه لا يوجد بذلك العالم جميعه رجل مثله فى كل ما يمتلكه من صفات تجعل منه الأوسم والأفضل على الإطلاق، تلك الابتسامات التى ترتسم على ثغره حين رؤيتها، نبرته الرجولية الرخيمة وهو يتحدث إليها، لمساته الشغوفة التى تصل بها لعنان السماء، وحتى غضبه عليها حين يغار يجعلون منها أسعد إنسانة فى الوجود.

تشعر وكأنه لا يوجد فتاة على الأرض غيرها، ابتسمت وهى تنظر أمامها بشرود فهو دائما ما يلقى ذلك على مسامعها مرارا وتكرار ولا يمل فى اخبارها انه لا يرى فتاة سواها يخبرها انها الوحيدة التى امتلكت قلبه وكيانه جميعه، وانه لن يصبح ملكا لغيرها يوما فهى ليست فقط حبيبته بل وابنته التى لا يستطيع تركها بهذا العالم بمفردها بدونه ولا يستطيع المضى خطوة واحدة للأمام دونها.

فاقت من شرودها به على صوت الهاتف يعلن عن تلقيها رسالة من أحدهم لتستدير وانحنت قليلا والتقطته من فوق المنضدة لتجده هو من بعث بتلك الرسالة والتى تحتوى على بضع كلمات مقتضبة للغاية وهى كنتى بترنى ليه، عايزه حاجة ، عبثت ملامحها عند الانتهاء من قراءتها يبدو انه مازال غاضبا مما حدث بينهما البارحة ولكنها لن تدعه يطيل فى أخذه جنبا منها يجب أن تشرح له موقفها كى لا يبرمجه عقله لشىء آخر كما الأمس.

أتت برقمه وأجرت الإتصال ووضعت الهاتف فوق أذنها ليجيبها تلك المرة سريعا، تنفست مطولا بتأهب ثم أردفت بنعومة ونبرة هادئة للغاية تعلم انها تؤثر به
-مبتردش ليه!
أتاها صوته وهو يحمحم بخفوت لتعلم ان ذلك لتأثير رقة صوتها عليه ابتسمت بانتصار وهى تستمع لكلماته الموجزة بنبرة جافة ويبدو ايضا عليها آثار النوم
-كنت نايم.

تعجبت مما قاله فالساعة قد تعدت العاشرة صباحا وهو عادة ما يستيقظ بالسابعة لتتحدث بتساؤل ممزوج بتعجبها
-نايم لحد دلوقتى، انت مش رايح الشركة؟!
اكتفى بكلمة واحدة ومازال محتفظا بجفائه الذى يبدو وانه سيطيل به كعقاب لها
-لأ.

أحزنتها طريقته تلك فهو لم يفعل ذلك معها منذ تقربهما ولم يحدث قبلها بتاتا فهو دائما ما يعاملها معاملة استثنائية غير الجميع والتى لاحظتها منذ اعترافه بعشقه لها، لتتكلم بعد صمت دام بينهما لعدة ثوانٍ بنبرة تملأها الحزن
-لسه زعلان منى؟
لم يُجِب رغم ذلك الضيق الذى شعر به لسماع صوتها بكل تلك الحزن ليأتيه صوتها من جديد وهى تردف بندم وعشق اعترى كلماتها.

-أنا آسفة يا جاسم، أنا بحبك اوى والله وما فكرتش خالص انى ابعد عنك ولا هفكر، أنا بس، خايفة
لاحظ ترددها وهى تقول كلمتها الأخيرة ولكنه استغرب كثيرا تشدفها لتلك الكلمة ليعيد نطقها هو بتعجب بالغ
-خايفة!
ردت بتأكيد على كلمتها وتابعت باختناق اعترى صوتها
-ايوه خايفة، خايفة من التطور اللى فى علاقتنا، خايفة نوصل لمرحلة أكبر من كده، خايفة كل حاحة بينا تتدمر ونبعد عن بعض بسبب اللى بنعمله، خايفة تسيبنى.

قالت آخر كلمة بخفوت ليشعر بغصة تكونت بحلقه إثر كل ذلك الحزن المعترى صوتها ليندفع بها متكلما بزجر ممزوج باللوم ونبرته جلية بالعشق الخالص لها.

-ايه اللى بتقوليه ده انتى اتجننتى، ازاى تفكرى انى ممكن اسيبك، انا مقدرش اتخيل حياتى من غيرك، مينفعش حياتى تكمل من غير وجودك فيها يا رفيف، انا بحبك اوى لدرجة انتى عمرك ما تتخيليها تنهد بارتياح فقد زيل ذلك الخوف بداخله من ابتعادها عنه ليتابع بترجٍ ارجوكى، لو فعلا بتحبينى متفكريش فى حاجة زى دى تانى.

انصاعت لنبرته المتوسلة وأردفت برقة وسعادة بالغة ودقات قلبها تكاد تقسم ان صوتها يصل إليه عبر الهاتف من كلماته التى انعشت روحها وملأتها حيوية كانت قد غابت عنها الفترة الماضية
-حاضر يا جاسم
ابتسم على استجابتها له ونطقها لاسمه بكل تلك الرقة فهو قد عشق اسمه فقط من نطقها له كاد يتحدث ليجدها تتساءل بلهفة
-معدتش زعلان منى خلاص؟
تنهد واصدر صوتا يدل على النفى ثم تكلم بنبرة رخيمة
-تؤ، مبقدرش ازعل منك.

همهمت بطريقة مميزة بالنسبة له يعلم من خلالها انها ستبدأ بمراوغتها معه ثم آتاه صوتها المشاكس بطفولية ليتأكد من شكه
-امم، يعنى نخرج سوا النهارده؟!
ضحك بخفة لتتعحب قليلا فهى لم تقل شيئا يُضحك ولكنها لم تظل كثيرا على تعجبها لقوله بموافقة وصوته مازال به آثار الضحك
-نخرج سوا النهارده
ردت بحماس ورقة متناهية اشتاق لها منها
-هفطر واروح عالنادى نجرى شوية وبعدين نشوف هنقضى اليوم فين.

بعد الظهيرة..

بعدما هبطت من غرفتها أثناء نوبة بكائها التى أصابتها والتى حاولت قدر استطاعتها أن تتحكم بها كى لا يلاحظ أحد الأمر ويتساءلوا ما الذى طرأ معها وجعلها تنهار هكذا، تناولت طعام الإفطار رفقة العائلة جميعها -عدا هشام الذى تناول فطور بغرفته لعدم تعافيه بعد- بصمت تام مثبتة نظرها صوب الصحن أمامها بجانبها عدى والتى لم تتشدق بحرف معه بل لم تنظر إليه حتى مما آثار الأمر تعجب طيف و مجد الذى حاول عدم إظهار ملاحظته، وبعدما انتهت من تناول طعامها خرجت سريعا للحديقة الخلفية التى علمت من رفيف مسبقا ان لا أحد يجلس بها فى العادة، فهى تريد ان تختلى بنفسها وتجمع شتات أفكارها، لم تنسى حرف مما ألقته طيف على مسامعها ليلة أمس عندما ذهبت إليها غرفتها.

رفعت إحدى حاجبيها بتعجب وهى ترمق أسيف الجالسة بجانبها التى قد طال صمتها ويظهر عليها توتر بالغ لتتشدق بتحفيز لها على التحدث
-ماتتكلمى يا أسيف هتفضلى تبصيلى كده كتير
فركت يديها ببعضهما فى حالة معتادة عليها عند توترها وعضت على شفتيها فى تحفز وهى ناظرة لأسفل ثم أردفت -بعدما رفعت عينيها تجاه طيف - باندفاع متتابع دون التنفس بين كلماتها.

-طيف انا متلغبطة اوى ومش عارفة مالى وبقيت متضايقة ومخنوقة طول الوقت وبتوصل معايا انى بعيط من غير سبب او بسبب مش عارفة ومعادش ليا نفس للأكل ولا انى اتكلم مع ماما حتى زى عادتى ولا ليا مزاج للمذاكرة ومش عارفة اعمل ايه
اعترى القلق قلب طيف وتفاجأت مما أردفت به الأخرى واندفاعها هكذا لتتكلم بهدوء وهى ضاممة أصابع يديها من بعضهما وأشارت ل أسيف بهما فى محاولة منها لتهدئتها.

-طب خدى نفسك كده وفهمينى بالراحة، من ايه كل ده؟!
زفرت باختناق ثم أجابتها بخفوت
-عدى
بالكاد وصل لمسامعها اسم شقيقها لتعقب بتعجب
-ماله؟!
لوحت بيديها بتخبط وهى تغمغم بضيق اعتلى ملامحها
-مش عارفة ماله، احنا بقالنا فترة مش بنتكلم من آخر مرة كنا هنا، غير قليل خالص ومن غير ما يبصلى حتى، وبحس انه مش عايز يتكلم معايا ولو اتكلم بيبقى بجفاء ورسمية كأننا اغراب
هزت رأسها بتفهم ثم قالت بتوجس وهى تتفقد تعابيرها.

-انا عارفة كل ده وانتى حكتيلى، هو ده اللى مضايقك بس ولا فى حاجة تانية حصلت؟!
اضطربت ملامحها وزمت شفتيها غير قادرة على صوغ الكلمات وهى تتنقل بحدقتيها فى عدة اتجاهات وهدرت بتلعثم
-بصى، انا مش عارفة، بس يعنى
قاطعتها طيف وهى تنظر لها بجدية وقالت
-أسيف، ادخلى فى الموضوع على طول
لوت ثغرها بحنق قائلة بتأفف.

-فى بنت زميلته فى الشغل بتكلمه باستمرار بقالها فترة، وهو اول ما بترن عليه لو قاعد معانا بيقوم من وسطنا ويدخل اوضته عشان يكلمها
همهمت بتفهم ثم أردفت بتساؤل محاولة استشفاف موقفها مما قالته
-اممم، وانتى متضايقة من كده؟!
هزت رأسها بغضب ثم أجابتها بتأكيد وأضافت
-ايوه متضايقة وبتضايق اكتر لما بيتكلم عنها ولما بعرف انهم بيقعدوا مع بعض فى الشغل وبيتكلموا و...

قاطعت سيل كلماتها الغاضبة لتباغتها بتساؤل أرغمها على التوقف عن المتابعة
-انتى حبيتى عدى؟
أعادت نطق ما قالته متسائلة بخفوت وعدم تصديق وهى قاطبة جبينها
-ح، حبيته؟!
أومأت بتأكيد وتكلمت بعقلانية محاولة إقناعها
-ايوه حبيتيه، ماهو اصل كل اللى انتى فيه ده مبيدلش غير على انك حبيتيه
لاحظت التشتت الذى اتضح على سائر ملامحها وإيماءتها لتضع يدها فوق يد الأخرى بدعم ثم أردفت بهدوء.

-أسيف بلاش تفكرى كتير الموضوع مش محتاج تفكير اصلا، اسمعى صوت قلبك وبس
نظرت لها واندلع التخبط من عينيها لتتمتم بعدم استيعاب
-حبيته ازاى طيب؟!
حركت كتفيها دلالة على بساطة الأمر ثم استطردت قائلة.

-حبيتيه يا أسيف، زى ما اى واحدة بتحب واحد، وده مش اى واحد ده جوزك وقبل ما يبقى جوزك فهو عدى، الوحيد اللى بتبقى متطمنة معاه وأكتر واحد فاهمك وبيحس بيكى، عدى بيحبك اوى وده باين عليه طبعا مش محتاجة انى اعرفك أو ألفت نظرك، يمكن انتى لسه مستغربة التغير اللى حصل فى علاقتكم وانه فى لحظة اتحول من أخ لزوج، بس صدقينى مفيش حد فى الدنيا أحسن من عدى ليكى، ولعلمك بقى اللى انتى فيه ده كله غيرة.

توسعت عينيها واطنبت فى تساؤلاتها المغلفة بالدهشة منذ بداية حديثهما
-غيرة؟!
هزت رأسها مؤكدة على ما قالته مجددا وقالت بتوضيح
-ايوه، غيرانة من وجود واحدة غيرك فى حياته وبتقرب منه وبتكلمه، وانتى المفروض متفضليش ساكتة على وضع زى ده وإلا هيضيع منك ومش بعيد البنت دى تجذبه ليها وهو سهل جدا ينجذب ليها طالما اللى معاه واللى هى مراته باعدة عنه وبتصده.

انهت حديثها بكلمات ذات مغزى ولكن أسيف لم تهتم سوى لشىء واحد وتساءلت حوله رادفة
-ينجذب ليها ازاى؟!
مطت شفتيها وهى تحرك وجهها وأجابتها بقصد محاولة إثارة غيرتها
-يعنى، يعجب بيها، يتشد ليها، ومين عالم ممكن يحبها
فغرت فاهها بصدمة بالغة وتساءلت بوجل
-يحبها؟!
تنهدت بضجر من ردود الأخرى وقالت بنبرة جدية
-هو انا كل ما اقول كلمة هتتصدمى، انتى لازم تتصرفى قبل ما كل اللى قولت عليه ده يحصل.

ضيقت ما بين حاجبيها بتفكير دام لبضع ثوان ولكن لم يسعفها عقلها للوصول لحل لتتكلم فى النهاية بنبرة مستنجدة وطالبة للمساعدة
-اتصرف ازاى، اعمل ايه طيب.

أخذت طيف بعدها تلقى عليها عدة نصائح وأكدت عليها ضرورة قيامها بها لكى لا تسوء علاقتهما أكثر من ذلك، فقد أخبرتها أن تتقرب منه وألا تصد محاولاته فى التقرب إليها، أخبرتها ان تستمع لقلبها وألا تترك الهواجس المستبدة بعقلها فى التحكم بها، أن تسمح لعلاقتهما فى المضى بذلك الطريق الجديد عليهما والذى سار فيه عدى وها هو منتظرها بشوق خالص للحاق به وأكماله سويا كزوجين عاشقين.

حذرتها من إبعاد نفسها عنه مجددا فلربما يسأم مما تفعله ويبحث عن أخرى لتسد احتياجاته كرجل، خصيصا وان زوجته تتمنع عنه ولا يرى منها غير عدم رغبتها به سواء كزوج أو حبيب، نهتها عن أهمالها له أكثر من ذلك فلربما تلك الفتاة التى توطدت علاقتها به مؤخرا تتقرب إليه بشكل او بآخر وتجذبه إليها فهما لا تعلما ما بجعبتها ناحيته.

ما قالته لها طيف أكد لها أن ما كانت عليه طوال الفترة الماضية لم يكن سوى غيرة نبعت من بين طيات عشقها الذى إلى الآن لا تعرف منذ متى وهو مستوطن قلبها، تشعر بقبول رهيب لذلك العشق ولكن ذلك التوتر اللعين والخوف الذى لا يوجد له مبرر يجعلاها واقفة محلها لا تستطيع الحراك فى تلك العلاقة التى حكم عليها التهشم قبل بدايتها.

كل ما تعلمه الآن أنها يجب ان تحاول بقصارى جهدها ان تتقرب منه وألا تسمح لتلك الفتاة بأخذه منها فلا يحق لأى إمرأة قط غيرها أن تنظر له فقط بينما هى قد تعدت الحدود بمراحل عدة فهى تهاتفه، تجالسه بالعمل، ولم تنسى تلك المرة التى تناولا فيها الغداء سويا، لتستشيط غضبا من فكرة تبادلهما الأحاديث والضحك فلا يحق لسواها ان يفعل معه ذلك.

تتعجب من ذاتها حقا منذ متى وهى ترى عدى بذلك المنظور ألم يكن أخاها متى تحولت مشاعر الأخوة تلك لمشاعر عشق تلهب بكيانها هكذا، ابتسمت بخجل بالغ وازدادت ضربات قلبها مع سخونة اندلعت على وجنتيها عندما جاء بذهنها تلك المرات التى تودد بهم إليها تلك القبلة التى اختطفها منها وهى تعد الفطور بالمطبخ والتى انتهت بصدها له بالتأكيد.

زفرت بضيق كم تخشى أن يكون قد فات الآوان وتلك المعاملة الجافة التى يتعامل بها طوال الفترة الماضية ما هى ألا تعبير منه بعدم رغبته بها مجددا كزوجة، ولكن هى تحتس بمشاعره تجاهها رغم تبدله معها وعدم تقربه منها تحتس بها تحديدا فى المرتين اللتين أخذها بهما فى أحضانه يوم مرض والدها وصباح اليوم، تشعر انه لم يتغير شىء وأن ما قاله بشأن زواجهما -من نسيانها له وانهما سيتطلقان فور إيجادها لآخر غيره- هباءً.

زفرت بضيق كيف له ان يفكر هكذا وانه تريد آخر لها هى لم تقصد ذلك نهائيا كل ما فى الأمر انها مضطربة ليس إلا، فاقت من سيل أفكارها على صوت مجد بالقرب منها أدارت جسدها ناحية الصوت لتجده على مسافة منها ليست بقليلة واضعا الهاتف فوق أذنه ويتحدث لأحدهم كادت تسير عائدة للداخل ولكن اوقفها نداءه لها، التفتت له لتجده انهى المكالمة متوجها نحوها وهو يقوم بوضع الهاتف بجيب بنطاله، وقف قبالتها وارتسم على ثغره ابتسامة صغيرة وأردف بتساؤل.

-عندك مانع لو اتكلمت معاكى شوية؟
ابتلعت بطيف توتر وحمحمت بخفوت ثم أومأت بالنفى وهى تزم شفتيها فى محاولة للتحكم بذلك التوتر اللعين الذى لا يتركها، ليتكلم هو بهدوء وهو يشير لها على اريكة بالقرب منهما ليجلسا عليها
-طب تعالى نقعد عشان نعرف نتكلم
جلسا فوق الأريكة ليلاحظ أخذها مسافة بينهما لم يهتم لذلك الأمر وبدأ فى التحدث إليها متسائلا باهتمام
-مالك بقى شكلك متغير من وقت ما كنا بنفطر؟

توترت أكثر من ملاحظته لتغيرها منذ كانوا يتناولون الفطور لتبتلع مجددا ثم قالت بخفوت ونفى
-ابدا انا تمام
لم يكن من الصعب عليه معرفة عدم قولها الحقيقة ليتنهد مطولا فى تأهب ثم رمقها بنظرة لم ترَها عليه من قبل فهى كانت دافئة للغاية كنظرة والدها لها وما زاد دهشتها كلماته التى خرجت من فيهه بلطف تام.

-أسيف انا يمكن متكلمتش معاكى اكتر من مرتين تلاتة وكلهم كانوا سلام مش اكتر بس انتى اختى الصغيرة طبيعى هفهمك واحس بيكى، وانا حاسس ان فيكى حاجة انتبه لتغير ملامحها والتى اوحت له عدم رغبتها فى الحديث بذلك الأمر ليتابع بهدوء ، طب انا هسيبك على راحتك بس ينفع نقرب من بعض اكتر من كده، انا يعنى، مش حابب نبقى اخوات وبعاد عن بعض بالشكل ده.

قال الأخير بتردد طفيف وهو يتفقد وجهها ليأتيه صمتها وهى تحيد بعينيها عنه ليطنب متسائلا برفق
-قولتى ايه؟
اومأت بالموافقة ليبتسم بهدوء ثم قال
-خلاص كده خلصت كلامى لو حابة تدخلى جوا براحتك.

بادلته ابتسامته باقتضاب ونهضت مغادرة للداخل بينما بقى هو جالس على الاريكة خوفها منه الذى لا يرى له داعٍ يخنقه ولكنها ستظل أخته وهو شقيقها الوحيد ولابد أن تتوطد علاقتهما لا ينبغى لهما أن يظلا بعيدين هكذا كالأغراب يجب أن يجعلها معه مثل السابق حينما كانت طفلة صغيرة عندما كانت تترك الجميع وتبقى معه هو تجلس على قدميه، تنام بجانبه، وتتعلق بيده لتخرج معه أينما ذهب، يجب أن يتقربا وهو سيفعل أى شىء يُطلب منه فى سبيل ذلك كى تتوقف عن تجنبها له وتعود إلى أحضانه.

استمع لطرقتين على باب غرفته ليسمح للطارق بالدلوف بصوت واهن قليلا يظهر عليه التعب لتلج هى بابتسامتها الطيبة وذهبت صوب فراشه -الجالس عليه نصف جلسة متكئا بظهره على الوسائد خلفه- وهى تردف بلطف وتصقيل مستفسرة
-صحة حضرتك عاملة ايه النهارده؟
قابلها بابتسامة صغيرة واجابها بخفوت
-الحمد لله يا بنتى، واشار على طرف الفراش بجانبه عندما وجدها ستجلش على مقعد بعيد قليلا عنه ثم تابع تعالى اقعدى هنا يا طيف.

اقبلت نحوه وبسمتها مازلت مزينة ثغرها وجلست بجانبه، نظر إليها مطولا لتستشف من نظرته تلك رغبته فى قول شىء وكادت تتساءل عن ذلك ليباغتها هو بتساؤل فاجأها وألجم لسانها عن النطق
-بتحبى مجد؟
توترت قليلا وفتحت فاهها فى محاولة للتكلم ليضيف هو متكلما.

-عارف انى فاجئتك بسؤالى، انا بقالى فترة عايز اتكلم معاكى واسألك بس مبلاقيش وقت مناسب، يمكن دلوقتى مش مناسب برضه بس محدش عالم فاضلى قد ايه وعايز قلبى يتطمن على ولادى قبل ما اقابل وجه كريم، عشان كده جاوبينى يا طيف، بتحبيه
ترقرقت الدموع بعينيها تأثرا بما قاله ولكنها حاولت قدر إمكانها ألا تبكى وأومأت له وقالت بحب لم يغب عن نظره المتفقد لسائر ملامحها منتظرا تعبيرا يؤكد له ما يشعر به
-ايوه بحبه.

اتسعت ابتسامته وظهرت الراحة جلية على وجهه ثم تحدث لها قائلا
‐انا كده قلبى ارتاح، مكنتش عايز يوم ما امشى اسيب مجد لواحده من غير ونيس ليه، وانا من وقت ما شوفتك وانا متأكد انك انتى اللى مجد هيكمل معاها وهتبقى عوضه عن اى حاجة وحشة شافها فى حياته
لاح الفرح على قسماتها لما قاله وازدادت خفقات قلبها وعقبت قائلة
-وانا مش عايزه حاجة من الدنيا دى كلها غير مجد وانه يبقى سعيد ومرتاح معايا.

وضع يده فوق يدها مربتا عليه برفق ثم قال
-ربنا يفرحكوا ببعض يا بنتى ويرزقكوا بالذرية الصالحة
ازدردت بطيف خجل ازدادت خفقاتها بغتة ثم أردفت وهى تنظر لأسفل
-يا رب يا عمى
رأى الخجل طغى على وجهها ليتكلم سريعا بنبرة مرحة قليلا
-لأ عمى ايه، من هنا ورايح تقوليلى يا بابا، اتفقنا
اومأت له بسعادة بالغة فقد فرحت كثيرا لرغبته فى منادتها له ب بابا تلك الكلمة التى حُرمت منها منذ الصغر لتردف بنبرة يظهر عليها سعادتها.

-حاضر يا بابا.

استمرا فى الحديث غافلين عن ذلك الواقف خلف الباب المستمع لهما منذ البداية حيث انه كان سيشرع فى الدلوف واستوقفه سؤال والده، يعلم كل العلم بعشقها له ولكن خروج تلك الكلمة من بين شفتيها لها مذاق اخر فوقوعها على مسامعه تسوى له الكثير، يشعر بفرحة غريبة تسرى بداخله عند تصريحها بعشقها له لوالدها وارتسمت البسمة على ثغره دون ارادة منه يريد ان يظل واقف هكذا ويمتع اذنيه باستماع صوتها الذى لا يتمنى ان يقع صوت أحد فى الكون على مسامعه غير صوتها ولكنه لا يريد لأحد أن يراه هكذا وهو واقف خلف الباب ليعود ادراجه هابطا لأسفل وهو غير متحكم بتلك البسمة التى اقسمت ألا تغادر وجهه.

جالس فى غرفة المكتب ببيت والده بوجه شاحب كمن فارقته الحياة هو وليست والدته، بعدما ذهب للمطار لجلب جثمان والدته صباح اليوم وقام بإخراج تصاريح الدفن وأخذ العزاء بإحدى دور المناسبات العريقة المتخصصة فى ذلك الأمر والخاصة بعلية القوم، يجلس والده فوق الأريكة الجلدية بجانبه واضعا قدم فوق الأخرى بمنتهى العنجهية المميتة ينفث دخان سيجارته ببرود غير متأثرا بوفاة زوجته وكأنها لا تعنيه نهائيا ولمَ تعنيه ولمَ سيحزن حتى على مفارقتها له وأمثاله منتزع من قلوبهم الرحمة ذوى شخصيات قميئة.

صدح صوته فى الغرفة بنبرة جامدة موجها حديثه لابنه الناظر للفراغ امامه دون وجهة محددة بنظرة فارغة
-اللى كانت منعاك عن أخد حقى خلاص ماتت، ماعادش حاجة تمنعك يا عاصم عن انك تاخد حق ابوك، حق السبع السنين اللى قضتهم فى السجن.

كلماته خرجت بغل دفين لن يفارقه حتما حتى خروج روحه من جسده، ليبتلع الآخر بوجع استقر بداخل قلبه على ذكره وفاة والدته بعدم اهتمام كأنها دعسوقة ليس لها أدنى أهمية فى حياته، ليومئ بغضب احتل قسماته واندلع من عينيه وهى ينهض وقال بجمود مماثل لجمود الآخر فقد تعلمه منه بالأساس
-اللى انت عايزه هيحصل.

غادر الغرفة بخطوات تتآكل بالأرض من قوتها متجها صوب الدرج صعده بهرولة والنيران تنهش بكل انش بداخله، بضع ثوان وكان امام غرفتها دلف دون استئذان ليجدها جالسه فوق الفراش بوجه طاغٍ عليه الإحمرار وعينيها لم تكف عن ذرف الدموع ليتجه نحوها بتعبيرات وجه ميتة وجلس بجانبها ثم قال وهو ناظر امامه ببرود ساحق
-عايزك.

توسعت حدقتيها بوجل تخشى ان يكون ذلك المعنى التى توصلت إليه هو ما يقصده لتبتلع وهو تتساءل بخفوت وصوتها يظهر عليه آثار بكائها
-عايزنى فى ايه؟
حول نظره إليها ليتشدق بسخرية وهو ينزل بمقلتيه نحو جسدها
-هكون عايزك فى ايه!
تواترت الدموع بمقلتيها ثم تكلمت بنحيب وعدم تصديق
-عاصم انت بتقول ايه، طنط نيرة لسه ميتة وانت عايزنا نعمل كده
رمقها بنظرة دبت الرعب بقلبها ودمدم بأمر من بين أسنانه
-قومى اقفلى الباب وتعالى.

نهضت من جانبه بانصياع وخوف منه فهى تعلم كيف يصبح عندما يغضب ولكنها تشعر بغصة تكونت فى حلقها حزنا على خالتها، أغلقت الباب وعادت إليه وقالت بتوسل وهى امامه ودموعها تنهمر فوق وجنتيها
-أرجوك يا عاصم بلاش النهارده مش هقدر والله، وفى ناس كمان فى البيت عشان خاطر...

لم يدعها تكمل ليجذبها من ذراعها موقعا إياها فوق الفراش وقام باعتلائها بغضب فهو لن يستجب لنبرتها المتوسلة تلك لن يدعها حتى تُخرج ذلك الكبت من داخله فهو يشعر بنيران مستعرة تنهش به ولن يستطيع أحدا غيرها ان يبدد ذلك الشعور البغيض المستبد به.

خرج من غرفة الثياب بعدما بدل ملابسه لأخرى تناسب النوم ليجدها جالسة فوق الأريكة ومحاطة بكتب عدة يبدو أنها خاصة بكليتها ليتعجب للأمر وتوجه نحوها بينما كانت هى صابة جام تركيزها على الكتاب الممسكة به بين يديها، جلس بجانبها بعد أن أبعد الكتب قليلا وتساءل بتفاجؤ مصطنع
-ايه ده يا طيف انتى بتذاكرى ولا ايه؟!
أومأت له وهى لم تحِد بنظرها عن الكتاب ليمط شفتيه هو بمزيد من التعجب ثم تساءل مجددا بسخرية طفيفة.

-مشوفتكيش يعنى من اول جوازنا فتحتى كتاب، اشمعنا دلوقتى ايه اللى اتغير!
لم تجِبه مجددا وضمت أصابعها لبعضهم واشارت بيدها له بمعنى أن ينتظر وهى مازالت موجهة نظرها لما تقرأه، اغتاظ من اهمالها لحديثه وانها لا تعريه اهتماما ليجذب منها الكتاب بغتة، شهقت هى بتفاجؤ وأردفت بتذمر
-هات الكتاب يا مجد
لم يستجب لمحاولاتها فى أخذ الكتاب وقال لها ببرود وهو يلقى نظرة عليه
-هشوف بتذاكرى ايه مش جايز تحتاجينى اذاكرلك.

رفعت إحدى حاجبيها بتقليل لما يقوله وتحدثت قائلة
-بذاكر علم الأدوية الإكلنيكى هتفهم فيه ايه بقى
همهم وهو يتفقدها مليا ثم أردف بثبات ونظرة تحدٍ اندلعت من سوداوتيه
-امم، طب ما تجربينى كده
بادلته نظرة التحدى بأخرى وهى راسمة على ثغرها ابتسامة باردة وهى تأتى بصفحة ما بالكتاب وهو مازال بين يدى مجد ثم أردفت قائلة
-تمام يا مجد اشرحلى ده.

رمقها بنظرة جانبية واحتل ثغره ابتسامة متسلية لفهمه ما تود الوصول إليه من فعلتها تلك والذى لم يكن سوى إثبات إخفاقه أمامها، بعد مدة من الوقت شرح فيها العدة النقاط التى حددتهم والتى اتضح له انها لم تكن فاهمة لتلك الجزئية حقا
وضع القلم بداخل الكتاب بعدما انتهى من شرحه وحول نظره إليها وهو يسألها بجدية قائلا
-كده تمام ولا فى حاجة مش فاهماها لسه؟

نظرت إليه بشىء من الصدمة فقد كان على دراية بما يلقيه عليها من شرح كان مبسطا للغاية وفهمته بسهولة أيضا لتسأله بتعجب
-انت ازاى شرحت المادة كده بسهولة كأنها دارسها قبل كده؟!
احنى جزعه للأمام قليلا ووضع الكتاب فوق الطاولة ثم عاد إليها بنظره وهدر بهدوء قائلا
-تفتكرى ليه؟!
توصلت لما يود أخبارها به لتتسع عينيها بمزيد من الصدمة ثم أردفت
-ايه ده انت معاك صيدلة؟!

اكتفى بابتسامة وهو يطالع تعبيراتها المتفاجئة لتتكلم مجددا وهى تبتسم ببلاهة
-انا طول الفترة اللى فاتت دى كنت فاكراك معاك إدارة أعمال زى جاسم
ضيق ما بين حاجبيه بقليل من الاستغراب على ذكرها اسم جاسم وعقب متسائلا
-وانتى عرفتى منين ان جاسم معاه إدارة أعمال؟!
رفعت كتفيها بحركة عفوية ثم أجابته
-من رفيف
تفاقمت عقدة حاجبيه ومط شفتيه واطنب فى التساؤل
-وايه مناسبة ان رفيف تجيب سيرته معاكى؟!

توترت قليلا من نظراته المتفحصة لها وانتباهها على ما تفوهت به لتردف بتوتر وهى تعيد خصلاتها وراء أذنها
-اا، رفيف كانت بتقولى يعنى ان جاسم هو اللى كان مقترح عليها انها تدخل إدارة أعمال زيه، عشان تبقى تمسك إدارة الشركات معاكوا و، انا افتكرت وقتها انك كمان معاك إدارة أعمال
أومأ لها على كلماتها لتسارع بالحديث كى تشتت تفكيره عما قالته.

-وبعدين انت طلعت شاطر اوى وانا هستغلك الفترة الجاية وتقعد كل يوم معايا وتذاكرلى جزئية، عشان خلاص ماعادش فاضل عن الامتحانات كتير، وانا مكنتش بروح أحضر محاضراتى ولا كنت بذاك..
أوقفها عن متابعة حديثها وهو يضع يده امام وجهها كإشارة منه لتكف عن الحديث وأردف
-خلاص خلاص ايه كل ده، هذاكرلك حاضر، كملى انتى دلوقتى مذاكرتك ولو فى حاجة وقفت عليكى عرفينى، هقوم انا اشتغل على اللاب شوية.

أومأت له وهى تبتسم ونهض هو متوجها للجلوس على الفراش ووضع الحاسوب فوق قدميه وشرع فيما سيفعله، تنفست هى الصعداء فلقد كانت على وشك التسبب فى حدوث مشكلة حتمية، حيث ان رفيف أخبرتها ذلك أثناء حديثها حول جاسم وعلاقتها به وكان ذلك فى مرة من المرات التى زارتها فيها خلال سفر مجد ، ألقت سباب عدة على نفسها بداخلها على تسرعها فى الحديث وعلى عدم انتباهها لما تخرجه من فيهها، سحبت الهواء لرئتيها وهى تسترق النظر إليه وهو يعمل على الحاسوب تتوجس خيفة من ان يكون قد شك بالأمر متمنية ان يكون اقتنع بما قالته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة