قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السابع عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السابع عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل السابع عشر

تكاد تقسم ان تلك المرة هى الأصعب لها معه أثناء تلك العلاقة المحرمة التى يُخرج بها ذلك الكبت بداخله معها وهذا ما فطنته على مدار تلك الثلاث سنوات السابقة حيث انه إذا حدث وبقى معها نتيجة لإرهاقه البدنى الذى يجعله غير قادرا على الحراك ويجافيه النوم حينها بجانبها يبقى طوال الليل يخطرف بكلمات غير مفهومة أثناء نومه ولكنها مليئة بشجن دفين بأعماقه لا تعلم من أين له به، لم يتحدث معها قبلا كحبيبين ولمَ يفعل بالأساس وهو لم يعشقها يوما هى من تغدق عليه بمشاعرها التى لم تمل ولو لهنيهة من الإغداق عليه بها...

هذه المرة كانت الأعنف بالنسبة لها لقد كانت تكتم صرخاتها قدر المستطاع كى لا يستمع إليها أحد، ما جعلها تشعر بالشفقة لأجله وتحتمل ذلك الوجع الذى يفتك بها هى تلك الدموع التى غرقت كتفها، لم تتوقع أن يفعلها ويبكى أمامها ومعها هكذا بكل ذلك الوهن، ابتعد عنها عندما انتهى وهو في حالة انهيار تام لم تتوقف عينيه عن ذرف الدموع جسده ينتفض بشكل مريب تلك النهنهات التى تصدر منه بين بكائه قطعت نياط قلبها لأشلاء، دموعها هى الأخرى كانت تتواتر بصمت لا تعلم أمٍن وجع بدنها أم من تألم قلبها عليه...

لم تعد تحتمل رؤية ذلك الوجه الباكى أكثر من ذلك اقتربت منه بتمهل تخشى نهره لها ولكن قلبها الأحمق لن يستطيع تركه هكذا، قربت يدها من وجهه وجففت تلك الدموع اللعينة لتجده يزداد في البكاء وهو مغمض العينين لتنهمر دموعها أكثر لتعلم ان تلك الدموع حزنا عليه ليس من وجعها البدنى الذى تقسم انه هين مقارنة بوجع قلبها الآن عليه، لم تجد مفر من سحبه لأحضانها وبالطبع فعلتها ولكن لم تتوقع منه ذلك الاستسلام معها توقعت ابتعاده ومعافرتها معه كى يتقبل تقربها منه ويسمح لها بمواساته، ولكن ان يتكلم أيضا بذلك النحيب من بين شهقاته وهو متوسد صدرها آخر ما قد تتوقعه يوما.

-ماما، ماما ماتت خلاص يا داليا، ماعدتش هتبقى موجودة تانى، انا بقيت لواحدى..

ازداد بكائها هى الأخرى لم تعد تستطيع تحمل صوته الباكى والذى زاد من تألمها عليه تلك الكلمات التى تفوه بها ليقطع قلبها لأشلاء، ضمت ذراعيها عليه بقوة وأخذت تربت على ظهره بيد والأخرى تملس على خصلاته وتخلل أصابعها بينهم بحُنو بالغ حتى استكان جسده فوق صدرها متشبثا بها بقوة كأنه في طريق مظلم خائف من أن يضيع وحده، ولكن تلك الدموع اللعينة لمَ لا تتوقف.

ظلت على حالتها معه حتى لاحظت انتظام انفاسه فوق صدرها لترتفع برأسها قليلا لتجده قد غفى اقتربت من مقدمة رأسه وقبلته مطولا وعادت برأسها للخلف لا تعرف إلى اى طريق ستقودها إليه تلك العلاقة التى لا ترى بها أى طيف نور يجعلها تأمل في أخذ منعطف آخر غير الحالى الملئ بالسواد الحالك.

بعد عدة أيام..
قد فعلت أسيف قدر استطاعتها ما املتها عليه طيف كانت تحاول التقرب إليه والتحدث معه لأكثر من مرة ولكنه لم يبدر منه اى ردة فعل حيال ذلك كان في كل مرة يقابلها بجمود وجفاء ولا تعلم لمَ يفعل ذلك حتى انه لم يتكلم معها حول انهيارها أثناء وجودهما ببيت والدها، لمَ ذلك الصمت اللعين بينهما أهكذا اصبح الحال عندما أرادت هى التقرب منه؟!

وقفت أمام باب غرفته بتشتت هائل لا تدرى أتطرق أم تعود أدراجها، أخذت نفسا مطولا وزفرته على مهل في محاولة لبث الشجاعة في نفسها رفعت يدها وكادت تطرق الباب ليفاجئها بفتحه تسمرت هى على هيئتها وثبتت خضراوتيها الجليتين بالإرتباك عليه مما آثار تعجبه ليصدح صوته باستفسار وهو عاقد حاجبيه
-أسيف ايه اللى موقفك كده؟!

قضمت شفتيها بتوتر وأخذت تتنقل ببصرها في مواضع عدة ليزداد تعجبه وكاد يتحدث بينما سبقته هى قائلة في خفوت
-ممكن اتكلم معاك شوية يا عدى.

أومأ برأسه بهدوء وابتعد قليلا ليسمح لها بالدلوف، وقفت على بُعد عدة خطوات من الباب بينما اخذ يقترب منها بتريث وهو يفكر في سبب تواجدها الآن معه بالطبع لم يخفَ عنه اهتمامها به الأيام الماضية الذى لا يعلم لمَ بادرت به على الرغم من صدها له دائما، شاهد تنهيداتها المطولة وقسماتها المترددة لبضع ثوانٍ حتى تكلمت في النهاية بتساؤل مختلط به اللوم
-هتفضل كده معايا؟!

فهم انها ضاجرة من أسلوبه معها في التعامل وابتسم بداخله على نجاح مخططاته ولكنه حافظ على ثباته الظاهرى وارتفع كتفيه لأعلى بعدم فهم مصطنع ثم أردف باستفسار
-كده ازاى؟!
نظرت له نظرة مليئة بالحزن ثم اجابته بخفوت إثر حزنها الذى اعترى نبرتها
-متجنبنى ومش بتتكلم معايا وكل ما احاول اتكلم انا معاك تقفل معايا في الكلام، ايه اللى غيرك كده معايا يا عدى؟!

تساءلت بالأخير وهى تتفقد وجهه عن كثب الذى اتضح لها أنها كانت تشتاق إلى النظر إليه كل تلك المدة، بينما رد عليها هو بجمود رغم تأثره بنبرتها الحزينة ورغبته في ضمها الآن
-انا متغيرتش معاكى يا أسيف انا بتعامل بُناءَ على رغبتك، مش هو ده اللى انتى كنتى عايزاه
نكست رأسها في أسف وقالت بنفى
-لأ مش ده اللى كنت عايزاه.

كاد يتحدث ليوقفه رنين هاتف اخرجه من جيبه ليجد المتصل لم يكن سوى ريم زميلته بالعمل كان على وشك الإيجاب عليها ليجد أسيف أخذته من يده ورفضت المكالمة وألقت بالهاتف فوق المقعد بجانبها وعادت إليه بنظرها لتجد نار الغضب تتطاير من عينيه وتكلم بانفعال
-ايه اللى انتى عملتيه ده يا أسيف انتى اتجننتى!
ارتفع صدرها وهبط بهرجلة إثر عصبيتها التى تحاول كتمها وهى ترمقه بضيق ثم هدرت بصوت خرج مهزوز.

-انا مش. مش قولتلك معدتش تكلمها تانى
مرر كفه على وجهه بحنق ثم أردف قائلا بهدوء استحثه من داخله بصعوبة ولكن قسماته كانت مشدودة
-وانا قولتلك هى اللى بتكلمنى
اغتاظت من هدوئه وهو يخبرها بذلك لتهدر بعصبية هذه المرة وهى تلوح بذراعها في وجهه
-قول لها ماعدتش تكلمك
أومأ لها باستهزاء ثم تكلم بسخرية قاصدا استفزازها
-ايوه طبعا المفروض منى اروح اقولها معدتيش تكلمينى عشان اختى بتضايق.

آثار حنقها ما قاله وتحديدا عند نطقه أختى قاصدا إياها بها لتدفع بيديها في صدره وهى تدمدم بنبرة عالية
-انا مش اختك يا عدى انا مراتك.

قضم شفتيه وهو ناظرا لأسفل ورفع بصره إليها ثم اقترب منها بغتة وقبض على رسغيها بيديه ودفعها للخلف ليرتطم ظهرها بالدولاب بينما رفعت نظرها إليه وقد ازداد نبضها لم تكد تفق من دفعه لها ووجدته أخذا شفتيها بين شفتيه يقبلهما بشوق وعاطفة قوية وويديه تركت يديها وانخفضت لظهرها ضامما إياها بقوة لتجد نفسها دون وعى او مقاومة بادلته تلك القبلة بعدم خبرة وحاوطت عنقه بيديها مما أسعده وقربها إليه أكثر وازداد من فوضاوية قبلته.

رفع جسدها عن الأرض وهى بأحضانه ومازالا يقبلان بعضهما ليقترب من باب الغرفة وأغلقه بقدمه لتفق على صوت وصده شاعرة بدقات قلبها الهادرة بقوة صاحبها ذلك التوتر لتفرق قبلتهما بينما هو قد تحكمت منه رغبته في امتلاكها ودفن وجهه بعنقها ليصل لأذنه صوتها ذى النبرة المهزوزة تلك وهى تقول
-ا. ابعد
قال من بين تلثيماته فوق عنقها بحشرجة وسخونة أنفاسه تلفح عنقها مما زاد من توترها
-مش عايز ابعد.

ازدردت بوجل وهى تحتس بقواها قد خارت ولم تعد تستطيع ردعه عما يفعله وأردفت بنبرة خافتة للغاية قائلة
-سيبنى يا عدى ارجوك
جعل قدماها تلمس الأرض لتعتقد انه سيتركها ولكنه باغتها بانحنائه ووضع ذراعه اسفل ركبتيها والآخر خلف ظهرها وحملها متوجها نحو الفراش ووضعها برفق عليه وتبعها معتليا إياها وظل يفرق قبل على سائر وجهها وتمتم بنبرة غلفتها الإثارة من بين قبلاته
-مش هقدر بجد يا أسيف.

بينما أحست الآخرى ان روحها تُسحب منها من فرط خوفها فهذه هى المرة الأولى لهما التى يصلان فيها إلى تلك النقطة، رغم كل محاولاتها في نفض توترها وارتباكها إلا أن الأمر لم ينجح ليتفاجأ وهو يقبل صدغها بابتلاله اسفل شفتيه ليرتفع بوجهه متفقدها ليجدها تبكى مع انتفاضة جسدها ليبتلع محاولا التحكم بنفسه وغابتا عينيه خلف سحابة من الشبق وغمغم بنبرة خفيضة محاولا تهدئتها.

-متخافيش يا أسيف انا عمرى ماهأذيكى ولا هعمل حاجة توجعك
أومأت بنفى وهى مازالت تبكى لتقول بنحيب وهى تدفعه بصدره ويديها لا تكف عن الارتعاش
-ابعد ارجوك يا عدى انا خايفة اوى
اندلع الغضب بداخله فهذا الخوف لم يعد محتمل، ليرفع ذراعه وهو مكورا يديه لاكما السرير من خلفهم ثم تكلم بعصبية وعروقه نفرت بشدة من عنقه
-انا تعبت ماعدتش قادر اتحمل اللى بيحصل ده، انتى كده بتعذبينى.

وضعت يديها فوق وجهها من هول الموقف وعصبيته عليها بتلك الدرجة وازداد بكائها بخوف جم لينهض من فوق الفراش جاذبا إياها هى الأخرى ولكن ليس بقوة ممسكا بها من ذراعها موقفها أمامه وقبض على كتفيها ثم تكلم بصراخ مدمدما وهو يهزهما بين يديه.

-هتفضلى لحد امتى كده، الخوف والتوتر اللى جواكى هيفضلوا مسيطرين عليكى لحد امتى، مش عايزانى اقرب منك بعدت ومعدتش بقرب، متجيش انتى وتخلينى اقرب منك وتسايرينى في اللى بعمله وفي الآخر تبعدى واولع انا.

لم يبدر منها اى ردة فعلها سوى بكائها الذى ازداد أكثر من ذى قبل مصاحبه تلك الشهقات التى تشعره بوخزات متتالية بقلبه ولكنه إن لم يفعل ذلك معها لن تتغلب على خوفها نهائيا، ابعد يديه عنها وتكلم هو من جديد بنبرة قاسية رادفا
-أسيف انا المرادى معدتش هقرب منك بجد، بس قصاد كده متحاوليش تقربى منى تانى.

انتهى مما قاله وترك لها الغرفة واصدا الباب خلفه بقوة انتفض جسدها إثرا له لتجلس هى على الفراش لا تستطيع الكف عن البكاء لم تكن تريد إبعاده تلك المرة شعور غريب سرى بداخلها جعلها راغبة به وبكل ما يفعله ولكن ذلك الخوف والتوتر اللعينين لمَ لا يتركاها، كانت تود إصلاح الأمور بينهما لتأتى وبمنتهى الغباء دمرت كل شىء، أخذت تبكى وهى دافنة وجهها بين يديها لتجد احدا وضع يده فوق ذراعها لتستدير إليه لتجدها والدتها والتى لم تشعر بها وهى دالفة ولكن لم تستطع البكاء بمفردها لترتمى بأحضانها بينما ظلت والدتها تحاول تهدئتها.

بعد مرور شهر وعدة أيام..
جالس بمكتبه بشركته يقوم بإحدى الأعمال بإنهاك بالغ فقد استمر على وضعيته تلك جالسا فوق مقعده يتفحص ملفات عدة متفرقة امامه فوق المكتب لما يقارب السبع ساعات ترك الملف من يده وهو يتنهد بإرهاق وقام من فوق مقعده وتوجه ناحية تلك الشرفة التى لا يسأم من الوقوف أمامها وتأمل الخارج وهو يفكر بالعديد من الأمور يتذكر كل ذكرياته المريرة التى كان يعيدها على فكره مرارا وتكرار.

ولم يأتى بباله لوهلة انه سيقف هنا في ذلك المكان الذى يشهد على اوقات ضعفه جميعها ويعيد بذكره أسعد لحظات عاشها بحياته ليست الأسعد فحسب بل والوحيدة أيضا فهو لا يتذكر أنه سعد يوما قبلها، تلك الابتسامة التى تحتل ثغره عندما يأتى بخياله صورتها وهى تبتسم له ابتسامتها تلك التى أصبح أسيرها، خضراوتيها اللامعتين دائما والمليئتين بالشغف والحب الذى يتأكد من أنهما لا يخرجا سوى له ومعه فقط، شفتيها الدافئتين وانفاسها التى تلفح وجهه لتشعره بتلك القشعريرة التى يصاحبها انتعاش روحه، وأحضانها التى لا يريد الإبتعاد عنهم مدى حياته.

ذلك العشق الذى كان يخشى الوقوع به لكى لا يفقد راحته أصبح هو الشىء الوحيد الذى يكمن فيه راحته، لم يعد يتخيل حياته ليوم واحد دونها أصبحت كدمائه تجرى بعروقه، كم يتحرق شوقا لجعلها ملكه روحا وجسدا يتشوق لرؤية السعادة جلية على وجهها يوم يعترف بعشقه لها أمام جميع أفراد عائلتهما في ذلك اليوم الذى رتب له مسبقا وما يعطله عن تنفيذه هو فترة امتحاناتها التى لم يضعها بحسبانه وصاحبها ايضا تلك الأعمال المؤجلة منذ سفره والتى تقع جميعها على عاهلة.

ونتيجة لها أصبح بالأيام الماضية كثيرا ما يبقى لأوقات متأخرة بمكتبه في الشركة وإما أن يظل بها للصباح وينم على أريكة مكتبه لساعات قليلة للغاية أو يعود لبيته وعندما يفعل لا يتوجه لغرفتهما بل يذهب للنوم بغرفة أخرى كى لا يزعجها ويؤرق نومها خاصة انه كان على علم من العاملة ببيته كم تبقى لساعات متواصلة تستذكر دروسها وأحيانا كان يجافيها النوم والكتاب مايزال بين يديها لذا أوصى العاملة أن تذهب إليها كل ليلة لترى ما إذا كانت نائمة دون غطاء كى لا يصيبها الإعياء بذلك المناخ الشديد البرودة أو تاركة الإضاءة لتقوم هى بغلقها لتريح أعصابها.

حسنا تنتهى فقط تلك الفترة المشحونة بالكثير من الأعمال وحتى تفرغ هى أيضا من امتحاناتها وسينفذ كل ما رتب إليه آملا أن يعوضها ولو بجزء صغير عن طريقته الخاطئة في طلب زواجهما وعن ما بدر منه معها منذ وطأت بقدميها حياته، رتب لفعل أشياء عدة لهما معا الفترة القادمة متمنيا فقط أن يرى على وجهها السعادة التى أصبحت جلية عليه منذ عشقها.

اتسعت ابتسامته عندما تذكر عند عودته للبيت منذ يومين، صممت ان تنتظره حتى مجيئه وبالطبع انتظرته وظلت مستيقظة لوقت متأخر من الليل قد قارب يومها الثالثة فجرا
هابطة الدرج بهرولة رغم ذلك الإرهاق البادى على وجهه ليقابلها مجد بمنتصف الدرج متعجبا من استيقاظها لذلك الوقت ليردف مستفسرا
-ايه اللى مصحيكى لحد دلوقتى يا طيف؟!
ارتمت بأحضانه وعانقته وقد لاحظ عليها إرهاقها لتقول بخفوت ونبرة نعسة للغاية.

-وحشتنى، فضلت صاحية مستنياك عشان اشوفك، رفعت وجهها إليه وتابعت بعبوس يعنى انت بقيت بتتأخر في الشركة واوقات بتبات هناك حتى اما تيجى بتسيبنى انام لواحدى وحجتك انى ببقى مرهقة من المذاكرة وبتخاف تعمل صوت تصحينى وده مش مبرر على فكرة.

ابتسم على مشاكستها التى لا تكف عنها حتى وهى غالبها النعاس هكذا، انحنى ووضع ذراعه أسفل ركبتيها والأخر خلف ظهرها وقام بحملها لتطوق هى ذراعيها ووضعت رأسها فوق كتفه وقالت بنبرة واهنة
-نام جنبى النهارده.

أومأ باستنكار -والبسمة لم تفارف ثغره- على ما يبدر منها معه فأحيانا يراها طفلة صغيرة وأحيانا أخرى يراها إمرأة فاتنة الجمال.

استدار عندما صدح رنين هاتفه بالمكتب توجه نحو مكتبه بخطوات واسعة والتقطه من فوقه ليجد اسما لا يريد ولا حتى في احلامه ان يستمع لصوت صاحبه البغيض سحب الهواء لرئتيه مطولا واغمض عينيه وهو يخرجه ثم ضغط بأنملة إبهامه على الشاشة فوق موضع الإيجاب ليستمع لصوته ذى النبرة الباردة الكريهة وهو يقول
-شوف انا احسن منك وبسأل ازاى
همهم بملل فهو لا يكره شيئا أكثر منه سوى لؤمه ليردف بجدية متكلما.

-امم، مابلاش اللف والدوران بتاع كل مرة ده وادخل في الموضوع علطول يا عاصم
رد عليه بنبرة ساخرة مختلطة بخبث دفين بين كلماته والتى قصد التشدق بها
-انت عارف انى مش بتاع لف ودوران وانى دايما دوغرى، وخصوصا لو حاجة عايز اعملها بنفذ على طول
تنهد بنفاذ صبر ثم قال وهو على وشك إنهاء المكالمة
-انت شكلك موراكش حاجة وانا مش فاضيلك.

لحقه قبل إنهائه بتلك المكالمة التى لن يأتى من ورائها خيرا مؤكدا حيث قال بنبرة وقحة ذات مغزى
-حقك زمان طيف برضه واخدة وقتك كله
برقت عيناه بشدة وقال بصراخ جهورى اهتزت الغرفة إثرا له
-عااصم، سيرتها متجيش على لسانك احسنلك
وصل إليه ضحكة خافتة باستفزاز له ثم تكلم بهزوٍ
-ازاى بس يا راجل وانا متصل علشانها، اصل نتيجتها طلعت ونجحت ومكلمك عشان اباركلها.

ازدادت حدة تنفسه وارتفع صدره وهبط في هرجلة إثر إنفعاله وكلمات ذلك البغيض ليدمدم بزئير غاضب
-طلع مراتى من الاعيبك الوس** انت وابوك يا عاصم، وحقه اللى عمال يقول مش هيسيبه ده رغم انه مالهوش حقوق اصلا خليكوا رجالة وخدوه منى انا
تكلم بمزيد من السخرية والبرود اللذين جعلا بداخل الآخر بركان ثائر على وشك على الإنفجار.

-انت بتقول فيها طب مانا هاخده منك فعلا، بس يا ترى في مين المرادى أسيف واستخدمناها قبل كده، ندخل بقى على مين المرة الجاية رفيف ولا، طيف
قصد الضغط على نطقه لاسم طيف لكى يذهب الآخر بتفكيره ناحيتها وانه يختصها بتهديده ليصرخ به هو
-لو اتعرضت لواحدة فيهم انا مش هخلى نهار يطلع عليك بعدها يا عاصم
ضحك باستخفاف على ما قاله وتكلم بفحيح أفعى قائلا.

-طب سلملى على المدام بقى متنساش وقولها انى اتصلت مخصوص عشان اباركلها، واه نسيت اقولك، عندها ذوق اوى على فكرة خبطت فيا النهارده في mall كانت فيه، بالصدفة كنت هناك وقتها وفضلت تعتذرلى، واضح كده ان الصدف بينا هتكتر الفترة الجاية.

أنهى عاصم المكالمة بعد انتهائه من إلقاء تهديده المتوارى -الذى يقصد به طيف في نهاية حديثه- على مسامع مجد والذى أوصله لذروة غضبه وألقى الهاتف بالحائط أمامه وأخذ يهشم كل ما تقع عينيه عليه، وقف بمنتصف الغرفة ينهج صدره من شدة ثورته وإنفعاله ليتوجه نحو المكتب أخذا سلسلة مفاتيحه وغادر الغرفة مسرعا بتعبيرات وجها تُظهِر للرائى بأنه ذاهب للفتك بأحدهم.

تسير بخطوات سريعة أقرب للركض مغادرة كليتها لتلقيها مكالمة من جاسم أخبرها بها أنه بالخارج ينتظرها، استمعت لأحد أثناء سيرها هتف باسمها ويبدو انه يبعد عنها بمسافة لم تهتم في بادئ الأمر لاستعجالها ورغبتها في عدم جعله ينتظر كثيرا بالخارج ولكن ذلك الصوت الرجولى هتف من جديد باسمها ولكن كان هذه المرة عن قرب تحديدا خلفها مباشرة التفتت وهى تسير ويظهر على ملامحها الاستغراب لتتسائل وهى ملتفتة له نصف التفاتة.

-بتندهلى!
أومأ برأسه وقال لها هو يبتسم بلطف بصوت مختلط به انفاسه المتعالية
-ايوه، انا زميلك في الكلية معاكى في رابعة وكنت عايز اتكلم معاكى شوية، ينفع نقعد في الكافيتريا؟
زمت شفتيها وهى تتنحنح ثم قالت بأسف وهى تشرع في المغادرة
-معلش مش هينفع خالص انا متأخرة ولازم امشى
أردف مسرعا وهو يلحق بها متخذا عدة خطوات صوبها
-دول دقيقتين بس مش هأخرك
ادارت وجهها له وهى تزفر ثم تكلمت باقتضاب قائلة
-متأخرة بجد مش هينفع.

تحركت بعدها مغادرة ليركض خلفها ومد ذراعه ممسكا بذراعها وهو يردف
-رفيف...
لم يكد يتكلم حتى باغته أحدهم بلكمة بوجهه ارجعته للخلف وجعلت جزعه ينحنى دون ارادته التفتت إليه رفيف بصدمة لتجده جاسم هو من لكمه ويظهر الغضب جليا على وجهه لتبتلع بوجل من هيئته وكاد يتحرك متوجها نحو الآخر مجددا الذى استعاد اتزانه لتقف امامه مسرعة مانعة إياه من الحراك ثم تكلمت
-انت رايح فين يا جاسم!

رمقها بغضب ووضع يده فوق جانب ذراعها لينحيها جانبا وتشدق وهو يصر اسنانه
-اوعى من وشى
التف البعض حولهم ليشاهدوا ذلك العراك الذى على وشك ان ينشب، غير هؤلاء الفتية الذين ألتفوا حول الفتى الذى لكمه جاسم للإطمنان عليه حيث ان الدماء قد سالت من فمه ليصيب رفيف الهلع من هيئته لتحول نظرها ل جاسم وهى تردف بتصميم ممزوجا بالتوسل
-لأ مش هاوعى ويلا نمشى ارجوك قبل الموضوع ما يكبر ويجيبوا الأمن.

أومأ برفض قاطع وصاح بها بإنفعال قائلا
-مش ماشى الا لما اكسرله ايده اللى حطها عليكى الأول، اوعى
حاول دفعها مجددا لإبعادها من امامه ولكنها أبت التحرك وامسكت بقميصه وقد خانتها دمعة سالت من إحدى عينيها وهى تردف بتوسل
-عشان خاطرى يا جاسم يلا نمشى
كز على اسنانه عندما وجدها ستشرع في البكاء ليرمق الآخر ببغضٍ وقبض على رسغها وسحبها معه متوجهين نحو سيارته
بعد قليل من الوقت بداخل السيارة..

لم ينبس أحد منهما ببنت شفة ظلا صامتين بينما كانت رفيف تنظر إليه من حين لآخر لتجده على هيئته بملامحه المشدودة وعروقه البارزة بيديه وعنقه مثبت نظره على الطريق امامه وهو يقود، لتقرر أن تتحدث إليه كى تهدئ من روعه قليلا لتهدر بخفوت وحذر متسائلة
-هتفضل لاوى بوزك كده كتير؟!
حدجها بطرف عينيه بنظرة حارقة لكيانها بأكمله لتزدرد وغمغمت بضيق وهى تنظر له بعسليتين مبتئستين
-طب انا ذنبى ايه يعنى.

ضرب عجلة القيادة بغتة بيده بغل ودمدم عليها بحدة صوته الهادر صارخا وهو يوجه بصره إليها
-ذنبك انك وقفتى معاه وادتيله الفرصه يكلمك ويمسك دراعك.

انتفض جسدها وانكمشت على نفسها إثر صراخه وسالت الدموع من عينيها دون تحكم، ليضغط هو حينها بشكل مفاجئ على مكابح السيارة وأوقفها على جانب الطريق وسحبها من ذراعها إليه وعانق جسدها ضامما إياها بذراعيه بقوة لاعنا نفسه بداخله على تسببه لها بالبكاء والخوف هكذا قرب وجهه من اذنها وأردف بهمس ونبرة نادمة
-حقك عليا يا حبيبتى، بس مستحملتش اشوف حد حاطت ايده عليكى
أردفت من بين شهقاتها وهى دافنة وجهها بعنقه.

-انا حاولت امشى كزا مرة، هو اللى كان مصمم
رد في لين وهو يملس على شعرها محاولا تهدئتها لتكف عن بكائها الذى مزق قلبه ولم يعد يتحمله
-خلاص اللى حصل، بطلى عياط بقى مش هنبوظ اليوم عشان حيوان زى ده
فرق عناقهما واقترب من وجهها مقبلا جبينها برقة ثم أردف
-آسف، تحسس وجهها بلمسات حانية بأصابع يديه مجففا دموعها وتابع متسائلا لسه زعلانة؟!

أومأت بالنفى وقد ظهر شبح ابتسامة على وجهها واقتربت من جانب وجهه وقبلت وجنته وابتعدت جالسة على مقعدها وهى تنظر له بعينيها التى مازالت دامعة، ألتقط يدها الصغيرة وهو ينظر لها بحب وقربها من فمه مقبلا إياها عدة قُبل بأماكن متفرقة وانزلها وظل محتفظا بها في يده ثم أدار المحرك وشرع في القيادة.

كانت الساعة قد تخطت الحادية عشر قبل منتصف الليل ولم يأتِ عدى إلى الآن منذ غادر صباحا لعمله ولم يتصل حتى ليخبرهما بأنه سيظل بالخارج، توجهت والدته لغرفتها لكى ترتاح فوق فراشها قليلا وتقرأ وردها قبل النوم بينما ظلت أسيف جالسة فوق الأريكة تتفقد الوقت من حين لآخر فهى منتظرة إياه منذ ما يقارب الثلاث ساعات ولن تنام قبل أن يحدث ما رتبت له وهو ما تهئ نفسها عليه طوال الفترة الماضية كلها متمنية أن تتغلب على خوفها وتوترها هذه المرة وألا تسوء الأمور بينهما أكثر.

انتبهت لصوت غلق باب الشقة لتعلم انه قد أتى ولكنه لم يتوجه نحو الغرفة التى تجلس بها كعادته بالأيام الماضية يتجنب رؤيتها والتحدث إليها، سحبت نفسا مطولا ملأت به رئتيها وزفرته سريعا في تأهب للذهاب إليه.

بينما كان هو واقف أمام خزانة ملابسه عارٍ الصدر بعدما خلع قميصه ليشعر بدخول أسيف الغرفة لم يلتفت إليها ولكنه تفاجأ من اندفاعها نحوه ومعانقتها إياه من ظهره علت انفاسه من فعلتها المباغتة تلك، ابتلع ووضع يده فوق إحدى يديها الموضوعة فوق صدره في محاولة لإبعادها وهو يقول بجمود استحثه من أعماقه دون ان يستدير
-أسيف، لوسمحتى ابع...

تشبثت به أكثر وازدادت من قوة ضمتها له وأردفت مقاطعة إياه بهمس وعاطفة سيطرت عليها
-بحبك
ازدادت وتيرة انفاسه أكثر عند استماعه لتلك الكلمة ولم يصدق اذنيه ليبعد يديها عنوة واستدر لها وهو يرمقها بتفاجؤ وغمغم متسائلا وهو رافع حاجبيه
-انتى قولتى ايه؟
ابتسمت برقة وقالت وهى مسبلة خضراوتيها على وجهه ورفعت إحدى يديها ووضعتها فوق وجنتها وقالت برقة أذابت جبل الجليد المتكون بعلاقتهما.

-قولت بحبك، بحبك اوى، ومش عايزة نبعد عن بعض أكتر من كده.

لم يستطع منع نفسه من تذوق تلك الشفاه التى نطقت بتلك الكلمة التى طال انتظاره لها وتحرق شوقا لاستماعها منها وبالطبع اقترب وحاوط وجهها بكفيه والتقط شفتيها بين شفتيه بقبلة عميقة سمحت له هذه المرة بتقبيلها وبادلته أيضا بشغف شعر به منها، انهى قبلتهما بعد وقت واستند بجبينه فوق جبينها وهما يلهثان بخفة، أحس برجفة قليلا سرت بجسدها وهى بين يديه ليشعر بخوف من تراجعها وتكلم بنبرة مائلة للجدية قائلا.

-أسيف انا لو قربت منك المرادى مش هعرف امنع نفسى وهكمل، ابتلع وقال مكرها ذاته على التشدق بتلك الكلمات لو خايفة بلاش من الأول وابعدى عش..
وضعت أصابع يدها فوق فمه مانعة إياه من المتابعة لتقول بابتسامة شتت كيانه
-انا يمكن متوترة شوية وفي سِنة خوف جوايا بس المرادى مش هبعد بجد، أنا طول عمرى بتطمن وانا معاك وخوفى عمره ما كان منك، وانا لو في حاجة خايفة منها فعلا دلوقتى فهى انك تبعد عنى.

رفع وجهه عن جبينها والتقط يديها ممسكا إياهما بكفيه في دعم وتكلم بحب طغى على نبرته ونظراته
-عمرى ماهبعد عنك، انا مش محتاج قرب حد في الدنيا دى كلها غيرك
اقترب وعانقها بقوة معبرا عن احتياجه إليها بذلك العناق التى بادلته إياه بحب عارم وقال وهو دافن وجهه بعنقها
-اوعى تبعدى عنى تانى.

لم تستطع النطق لسانها لا يسعفها على التحدث وازداد نبضها للغاية عندما وضع يده عند نهاية منامتها رافعا إياها لأعلى كادت تمنعه عن فعلها ولكنها منعت نفسها هى عن فعلها وحاولت جاهدة التحكم بخوفها تلك المرة، فاقت من صراعها الداخلى على ذراعيها المرتفعين وهو يتخلص من تلك المنامة بشكل كامل لتقف امامه شبه عارية، نظرت لأسفل بخجل تقسم انها لم تشعر به من قبل وجنتيها أصبحتا جمرة من نار تشعر بسخونتهما اللاهبة، اقشعر جسدها بقوة عندما لامس عدى ظهرها بأحد ذراعيه بينما رفع الآخر وامسك ذقنها بإصبعين رافعا وجهها نحوه وهو يهمس بلوعة أمام وجهها وانفاسه الساخنة تجول فوقه.

-بحبك.

اقترب ملتقطا شفتيها بنشوة بالغة وهو يدفعها بجسده نحو الفراش بينما كانت الأخرى مستسلمة تماما له ولتلك المشاعر التى لم تحتس بها مع أحد سواه تاركة رغبتها تجاهه التى تأججت تتحكم بها ولأول مرة لم يتحكم بها ذلك التوتر التى جاهدت لإبعاده في تلك الليلة وهو الآخر برقته معاها ولمساته الحانية وكلماته المطمئنة جعل الجزء الصغير المتبقى منه بداخلها يختفى تماما ويتبدل لرغبة وشبق للمزيد مما يفعله وتنتهى تلك الليلة عليهما وهى ملكه بشكل كامل إمرأته لأول مرة بعد مضى أكثر من خمسة أشهر على زواجهما، ولكن ذلك التأخير جعل للأمر مذاقا آخر، اشتياق عدى للمضى معها في طريق العشق الذى نجح في اصطحابها فيه وسارت به بصدر رحب حتى تركا لجسديهما العنان ليذعنا بعشقهما لبعضهما على طريقتهما ليصبحا كيانا واحدا كأنهما روحا واحدة بالأساس تواجدت بجسدين واجتمعا ببعضهما الليلة ومؤكدا لن يفترقا مدى الحياة.

واقف في غرفة المكتب ببيته بحيرة هائلة، بعدما غادر الشركة حيث انه لم يستطع المكوث بها ومتابعة عمله وذلك البركان الثائر بداخله جعله يشعر بغليان دمائه، ظل يسير بالسيارة بسرعة فائقة بطرق عدة دون وجهة يضرب على المقود بغضب ساحق كلما أعاد في ذهنه كلماته البغيضة وتهديداته الصريحة والتى يقصد بها طيف بطريقة متوارية.

كاد يفتعل حادث لعدة مرات ليقرر العودتة لمنزله لكى لا تتراكم المصائب فوق رأسه أكثر من ذلك، يكفى ذلك الكريه الذى يعلم كل العلم انه سيعكر عليه صفو حياته خاصة وان والدته -والتى يعلم انها كانت السبب وراء ابتعاده عن طرق ابيه الملتوية- قد توفت وحتما سيؤثر عليه والده كى ينضم إليه بأساليبه الشيطانية تلك التى من خلالها ذرع فيه الحقد والغل ناحيته وهو الذى لم يبدر منه أى شيئا تجاهه هو او ابيه ولكن ذلك القمئ الذى يدعى ب كمال الصباحى لن يكف ما حيا عن تفكيره المؤذى.

متكأ فوق مكتبه بذراعيه مع انحناءة جذعه للأمام بإرهاق وتشتت هائلين لا يدرى ما الذى ينوى فعله ذاك الشيطان يعلم كل العلم انه لن يدعه إلا وهو منفذ تلك التهديدات فنبرته كانت توحى بذلك والتى يعلم أيضا أنها أذا نُفِذت حتما ستنفذ في زوجته التى تعمد ذكرها لمرات عدة كى ينبهه انه يقصدها هى وانها من ستلقى العقاب لذنب لم يفتعله هو ولا ابيه بحق ذلك الأرعن كمال الصباحى، لمَ لا يريد تركهم لحالهم لمَ ذلك التصميم منه على تنغيص حياتهم بمحاولاته المستميتة في زوال راحتهم.

يقسم انه إذا فعل شيئا يمس حياة فرد واحد بعائلته لن يتوانى للحظة واحدة في إزهاق روحه، كور يده بغضب وضرب بها المكتب، أنّى له بتلك الجرأة التى جعلته ينطق باسم زوجته بكل تلك الوقاحة ويهدده بها أيضا، اعتصر عينيه بغضب وخوف بالغين يخشى القادم، يخشى ان يتسبب بالأذى لأختيه او ل طيف الذى تعمد إثارة شكه ناحيتها، خفقات قلبه لن ترحمه الآن فاجتماع طيف وأذى بجملة واحدة أمر كفيل بأن يهشم عقله لفتات.

أمن الممكن أن يصبح وجوده بحياتها سببا لإلحاق الضرر بها، لا لن يستطيع الإنتظار إلى أن تتأذى ويبقى هو مكانه يشاهد تعرضها للأذى كالضعيف مسلوب القوى، لن يتركها تقع تحت قبضة أحد من ذَيْنِكَ الشيطانين كما حدث بالسابق بحادثة أخته، إذا كان صغيرا حينها فهو الآن رجلا يخشاه العديد ولن يجعل أحدا مهما كلفه الأمر بأن يمسها بسوء.

خلل شعره بأصابعه بتشتت ؛ هل هذه لعنة ما به تجعل كل من يقترب منه يبتعد سواء بإرادته أم جبرا! ولكن من المؤكد انه في الحالتين يبتعد ويُترك هو في منتصف الطريق وحده كالمشرد بلا مأوى ولا وجهة، أسيسقط في بئر ظلماته مجددا بعدما تخلل الضوء حياته!

هل يجب ان يتبعد عنها لكى لا يمسها أذى من حياته المحكوم عليها بالسواد دائما أم يبقى معها منتظرا لحظة الغدر التى ستأتى من ذلك ال عاصم غير عالما أسيستطيع التصدى وقتها لها ام ستكلفه العديد والعديد من روحه التى كلما اندمل جرحها تمزقت من جديد.

شعر بالوهن والخوف بغتة عندما فكر في انها لربما تبتعد عنه متسببا في ذلك ذاك البغيض الذى لا يكره أحدا سواه هو ووالده، لمَ دخلت حياته لمَ، يعلم أنها أنارت حياته بروحها العاشق لها ولكن بدخولها حياته أصبح واقف بتشتت هائل خاشيا ابتعادها، تركها له او تعرضها لأذى، لم يكن يجدر به ترك قلبه يتحكم منه منذ البداية ويفرض عليه ذلك العشق الذى اصبح يشعر انه لن يجنى منه سوى البؤس والوجع، وسط كل تلك الأفكار المتآكلة لذهنه دلفت هى الغرفة فجأة وبلهفة تكلمت.

-عرفت من عفاف انك هنا من بدرى، معرفتنيش ليه انك جيت او قولت لعفاف تعرفنى؟

أغمض هو عينيه بألم يسحق روحه ولم يجيبها، لن يستطيع مواجهتها الآن بكل ذلك الضعف والهوان الذى لم يشعر بهما منذ زمن بعيد غير معها وبسببها، اقتربت منه بخفة والتقطتا عينيه ابتسامتها الرائعة الجمال لتصبح بجانبه مباشرة ووضعت يدها فوق ذراعه وكادت تتكلم من جديد للتفاجأ بحالته تلك ملامحه المشدودة، اتكائه فوق مكتبه، وعدم توجيه نظره إليها لترطب شفتيها بوحل وتساءلت
-في ايه يا مجد؟!

التف بجسده ليعطى لها ظهره لا يريد النظر في عينيها لا يريد إظهار الضعف الذى يعتريه في حالته تلك أمامها، بينما هى ازداد نبضها خوفا وتوجهت نحوه ووقفت امامه ووضعت يدها فوق وجهه وتساءلت مجددا
-مالك ايه اللى حصل؟!
انزل يدها وحاد بنظره عنها والتف قليلا وأردف بجمود زيفه بطريقة تعجب هو لها قائلا
-مفيش
عقدت حاجبيها وتوجهت للوقوف امام مرأى بصره مجددا وتكلمت.

-لأ فيه، انت مكنتش كده وانا بكلمك الصبح، ايه اللى حصل يا مجد؟
تلك الدموع اللعينة تهدده بالهطول ولكنه لن يسمح لها بذلك لن يسمح بإظهار ضعفه أمام أحد حتى إذا كانت هى، كور يديه بقوة أدمتها من تخلل أظافره اللحم وكز على اسنانه بقوة متحملا تلك الغصة بحلقه قدر استطاعته كى لا يبكى، بينما اقتربت هى أكثر وكادت تتحدث ليباغتها بصراخه الذى اندلع بزئير نفض جسدها للخلف بخوف بالغ.

-ابعدى عنى، انا بقيت كاره حياتى بسببك، كاره ضعفى وخوفى اللى مش راضيين يسيبونى بسببك، ابعدى، ابعدى عنى بقى...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة