قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع

دلف إلى قصره بجانبه صديقه، لم يتحدثا معا طوال الطريق كان الصمت هو سيد الموقف بينهما، كان جاسم يعلم ان صديقه فى حالة لا يحسد عليها فهو لم يرَه من قبل هكذا لم يرَ عليه التوتر أو الخوف والرهبة التى كانت تعتلى وجهه وواضحة وضوح الشمس، لم يظهر عليه التخبط فى مشاعره هكذا قبلًا، كان دائما جامد، صلب، وبارد فى كثير من الأحيان، تخونه أعصابه أحيانا ويثور، لكن ما بين ذلك وتلك لا يُبين شىء، لا يدرى أيكتم مشاعره داخله ويأبى إخراجها، أم لا يشعر من الاساس نتيجة لما رآه منذ صغره، ما إن أغلق الباب الداخلى لقصرهم حتى خرج لهما والده مهرولا إليهما بلهفة لم يرَها مجد عليه منذ زمن ثم تساءل بتوتر.

-لقيتوها هناك، شوفتها يا مجد، قالتلكوا ايه، طب، طب ماجبتوهاش معاكوا ليه، ماتتكلم يا مجد ساكت ليه
رد عليه ابنه بجموده المعتاد مواريا حزنه على مظهر ابيه
-مرضيتش تيجى معايا، قالت انتوا جايين تسألوا عليا بعد ستاشر سنة، مش مصدقة أصلا انى اخوها وطردتنا.

القى كلماته وغادر صاعدا لغرفته، بقى جاسم مع هشام الذى ألجمه رد ابنه، حمحم لينظف حلقه كى يستطيع اخراج كلماته فمظهر الآخر لا يساعده بتاتا على التشدق بحرف، اردف فى هدوء.

-عمى اللى عملته أسيف ده رد فعل طبيعى جدا منها، ماهو مش معقول فعلا يجى واحد بعد ستاشر سنة يقولها انا اخوكى وتعالى معايا وسيبى الناس اللى اتربيتى وسطهم والبيت اللى كبرتى فيه، وأنا من رأيى نروحلها تانى بس وانت معانا، انا متأكد انها لو شافتك قلبها هيحن ليك.

كان يستمع له فى صمت يتفهم جيدا حالة ابنته لذلك لم يحزن من رد فعلها ولكن ما احزنه هو بعدها عنه كل تلك السنوات الماضية، رمقه هشام حين اردف جملته الأخير متمتما بخفوت.

-فعلا لازم انا اللى اروح واجيبها، لازم ترجع لحضنى تانى، بكرا اول ما اصحى نروحلها يا جاسم، لازم تفهم كل حاحة وتعرف أن بعدنا عنها مكانش بإيدينا، لازم تفهم انى مسبتهاش السنين اللى فاتت دى كلها فى بيت تانى بمزاجى وان كل ده كان غصب عنى، لازم تعرف انى دورت عليها كتير موقفنيش غير موت نجوى، ومهدنيش غير موت نجوى.

نظر إلى الأسفل فى حزن فقرر جاسم تركه بمفرده ولا يضغط عليه بالحديث، قام من مقعده تنهد مبتسما بلطف يقول بصوته الرخيم الهادئ
-هطلع أنا أنام عشان نصحى من بدرى نروحلها، تصبح على خير يا عمى
تنهد هو الآخر بآسى يقول بهدوء يخالطه الحزن
-وانت من اهله يابنى.

تركه وصعد للأعلى قاصدا غرفته كى يرتاح من تعب وتوتر اليوم، أغلق الباب خالعا سترته تسمر مكانه عندما رآها واقفة فى شرفته يبدو أنها شارده فى أمر ما، لم يصدق عينيه فى بادئ الأمر أنها امامه وتقدم نحوها فى ذهول، أحست هى بخطوات خلفها استدارت رامقة إياه بحزن طفيف ويبدو من هيئتها المترددة أنها تريد الحديث لكن لا تعلم من أين تبدا ولهذا أتت إليه، أختصر عليها الطريق بادئا هو الحديث بلطف بالغ وعينين لامعتين مسرورتين لرؤيتها.

-رفيف، فى ايه مالك!، التهم المسافة بينهما متخذا عدة خطوات نحوها ثم تابع وهو يتفحصها شكلك فى حاجة عايزه تقوليها
نظرت له وعينيها تلمع بدموع عالقة بهما وهزت له رأسها بإيجاب.

كانت مفترشة الفراشة بجانبها والدتها التى كانت أخذة إياها بين أحضانها تبثها العطف والآمان الذى تغمرها به مذ كانت طفلة صغيرة ضاممة جسدها إليها ومحاوطة جسدها بذراعيها تربت على ظهرها برفق وتملس على رأسها بحنان أمومى مقبلة رأسها بين الحين الآخر، غفت أسيف على حالتها هذه وظلت نادية مستقظة تتذكر كل ما حدث منذ ستة عشر عام يوم أتى زوجها الراحل بتلك الطفلة ذات الأربعة أعوام التى تعلقت بها منذ الوهلة الأولى التى نظرت لعينيها الخضراوتين اللتين كانتا تشعا براءة فوق براءتها.

-مين دى يا طارق؟!
تشدقت بها نادية بتساؤل عند دلوف زوجها المنزل عائدا من عمله ممسكا بيده فتاة صغيرة غاية فى الجمال يظهر عليها التعب ملابسها غير مهندمة وشعرها مشعث ولكن لم يخفى عن نظرها هيئتها التى توحى انها من بيت ثرى.

جلس طارق على المقعد وزفر بإرهاق ثم وضع الطفلة بجانبه وابتسم لها ليبثها بعض الطمأنينة حيث كان يتضح عليها الرهبة الشديدة من وجودها فى تلك المكان الذى لم يسبق لها رؤيته وتلك الوجوه الغريبة عليها، وجه حديثه لزوجته بهدوء وهو يملس على رأس الصغيرة.

-مش عارف يا نادية، انا لقيتها نايمة على جنب على الطريق لواحدها وانا راجع وكان باين عليها انها معيطة وهدومها كانت متوسخة اوى حاولت انضفها على قد ماقدرت، خوفت امشى واسيبها فى مكان زى ده لَحد يعمل فيها حاجة او كلب ولا ديب يطلع عليها يموتها
عقدت حاجبيها بدهشة مما قاله وبعدها رمقت الطفلة بتفحص لتبتسم لها ثم سألتها بهدوء
-اسمك ايه يا حبيبتى.

ردت الطفلة بخفوت بصوتها الطفولى الرقيق للغاية وبعض الخوف الذى استشعراه بنبرتها ونظراتها إليهما
-أسيف
ابتسمت لها بود وملست على خصلاتها الناعمة ثم حولت نظرها لزوجها لتقول بعد تفكير باحتمالية
-ممكن تكون تاهت من اهلها
مط شفتيه وهز رأسه بعدم اقتناع ثم أردف.

-المكان كان مقطوع ومفيش فيه بيوت ولا فى بيت واحد قريب منه حتى، طفلة صغيرة زيها كانت هناك ازاى ايه اللى وصلها للمكان ده، مش منطقى ابدا انها كانت مع اهلها وتاهت، نظر للطفلة لجزء من الثانية ثم عاد بنظره لزوجته وقال بعد برهة انا بصراحة حاسس انها كانت مخطوفة
برقت بعينيها ورمشت عدة مرات باهدابها ثم تساءلت بعدم تصديق
-تفتكر!

تنهد بحزن على هيئة الصغيرة فقد غفت مجددا على الأريكة بجانبه يبدو انها تعرضت لإرهاق جسدى كبير، ربت على ذراعها برفق ثم قال بعد أن وجه نظره لزوجته.

-ده اللى باين من منظرها والمكان اللى لقيتها فيه، وضع يديه على فخذيه فى تأهب للنهوض ثم قال وهو ينهض على العموم انا هقوم اخدلى دش افوق من تعب الطريق تكونى أكلتيها حاجة لأن واضح خالص ان عندها هبوط وزمانها مأكلتش من امبارح، وبعدها هبقى انزل انا وهى اعمل محضر باللى حصل واسلمها للشرطة وان شاء الله يلاقوا اهلها
أومأت له زوجتها وهى تنهض كذلك لتجلب لها الطعام ثم قالت بهدوء.

-ان شاء الله هيلاقوهم، ده زمانهم يا حبة عينى هيتجننوا عليها
بعدما عاد من قسم الشرطة وحرر محضر بعثوره على الطفلة وإبلاغهم تفاصيل إيجاده لها، كيف، أين ومتى، وسلمها لهم، توجهت إليه زوجته مسرعة وهو يغلق باب بيتهم لتتساءل بلهفة
-ها يا طارق عملت ايه؟!
رمقها بطيف من الحزن ثم قال
-سلمتها للشرطة وعملت محضر وهمّ بقى عليهم الباقى
تساءلت مجددا فقد شغلها امر الطفلة كثيرا.

-طيب همّ كده هيلاقوا اهلها ولا ايه؟!، ولو ملقهومش ايه اللى هيحصل للبنت!
خلع سترته بعدما دلف غرفتهما وهى تتبعه ثم قال بإرهاق
-مش عارف هيلاقوهم ولا لأ، بس لو ملاقهومش هيودوها الملجأ اكيد
قالها بآسى على حال هذه الطفلة الفاتنة وعلى مصيرها الذى ستلقاه إذا لم يعثروا على أهلها، لتضع نادية كفها فوق كتفه ثم تساءلت بحنان
-مالك يا طارق فى ايه!
نظر لها بعدما جلست بجانبه على طرف الفراش ليقول بحزن.

-جميلة اوى خسارة فى البهدلة اللى هتتبهدلها لو ملاقوش اهلها سكت لبضع ثوانٍ ثم تابع بمزيد من الحزن كانت متبته فى ايدى اوى يا نادية ومش عايزه تسيبنى كأنها بتقولى خليك معايا متسيبنيش
ربتت على كتفه ثم قالت بلطف مقترحة عليه أن يتحدث إلى ضابط صديق له بإحدى الأقسام بمحافظة القاهرة
-ابقى كلم شريف صاحبك وخليه يتابع المحضر بتاعها ويعرفك اما يحصل جديد
أومأ لها فى هدوء عازما على محادثة صديقه بذلك الأمر.

تذكرت اليوم الذى علموا به أن أسيف قد سلمت للملجأ حيث مرت الأيام منذ سلمها للشرطه يوما بعد يوم حتى هذا اليوم الذى جاءته مكالمة من صديقه الشرطى أعلمه بها أن الطفلة لم يعثروا على أهلها وقامت الشرطة حينها بتسليمها للملجأ، تذكرت كيف شعر وقتها بالحزن الشديد وسأل صديقه بلهفة بالغة عن مكان ذلك الملجأ، وبالطبع ذهب إليه لم يستطع التحكم بمشاعره تجاه تلك الصغيرة التى تشبثت به أبهة تركه عندما سلمها ذلك اليوم للشرطة لم ينسى تلك الخضراوتين المشابهة لخضراوتى طفليه حيث رآهما فيها لذا لم يتمكن من تركها بمفردها وعزم وقتها على جلبها للعيش بينهم وجعلها واحدة من ابنائه.

تذكرت حينما أخبرها عندما دلف ذلك الملجأ ووقعت عيناه على تلك الطفلة ووجدها حينها جالسة بمكان بعيد عن الأطفال وحيدة بمفردها ويظهر عليها الحزن وما إن وقعت عيناها عليه حتى هرولت نحوه واحتضنته بشده بأقصى قوة لطفلة ذات أربعة أعوام، كأنها رأت ملجأها الوحيد ليصمم طارق وقتها على قراره بتبنيتها وبالطبع قابل مديرة الملجأ وقام بجميع إجراءات تبنيه لها، ابتسمت وهى تتذكر حينما عاد بها لها وهو يشعر بسعادة تتوغل داخل ثنايا قلبه وتُرى بوضوح فوق وجهه وذلك فقط لرؤيته لها ثانية.

تغيرت ملامحها لحزن وتألم ولمعت عيناها بدموع أبت النزول عندما جاء بخاطرها أسوأ ذكرى عايشتها بحياتها كلها وهو يوم مفارقة زوجها وحبيبها الحياة وتركه لها بمفردها دون حبه، حنانه وآمانه الذى فقدته مذ رحيله، ابتسمت بوجع حينما أتى بذاكرتها وهو على مشارف الموت كيف كان يوصيها على أسيف وألا تتركها مطلقا وتعاملها كيفما طفلاهما وتقوم بتربيتها بينهما وبإحضانها.

تتذكر أيضا بعد وفاته عندما ذهبت لبيت عائلتها وعدم ترحيبهم لمكوثها معهم ومعاملتهم لها ولاطفالها بسوء وغل خصيصا أسيف حتى تركت لهم البيت وعادت لبيت زوجها وقررت وقتها أن تبيعه وبالطبع باعته وباعت ايضا أرضا كان تاركها لها وانتقلت للعيش بالأسكندرية لعثورها على فرصة عمل بها قد اتى بها أحد اقربائها لتمر الأيام والشهور والسنون إلى اليوم ليأتى به هذان الرجلان ليقول أحدهما أنه أخاها، والمطلوب منها أن ترضخ له ما الذى ينبغى عليها فعله أن تحرمهم من ابنتهم التى بالطبع حرموا منها الأعوام الماضية جميعهم، تنهدت بحزن وحاولت نفض تلك الذكريات وما حدث اليوم عن ذهنا عازمة على ترك كل ما سيحدث غدا والأيام المقبلة جميعها لإرادة الله التى تعلم انه لن يفعل سوى الخير لهم.

أتى الصباح وهى ماتزال فى أحضان والدتها حتى فاقتا على طرقات على باب الغرفة، نهضت أسيف والنعاس مازال متمكن من عينيها ورأسها فاركة عينها بيدها وهى تفتح الباب لتجدها طيف قائلة لها بشىء من التوتر
-باباكى بره هو والشاب اللى كان مع أخوكى أمبارح مستنينك فى الصالون، أغسلى وشك وغيرى هدومك وتعالى قابليهم
رمقتها الآخرى فى اندهاش وتعجب كما لو انها نمت لها رأس آخرى قائلة ببلاهة
-انتى بتكلمينى أنا!

كانت تشير على نفسها باستغراب لكزتها الأخرى بخفة فى ذراعها ودلفت الغرفة قائلة بخفوت وهى تبحث عن ثوب ترتديه أختها لتخرج لمقابلتهم
-يلا يا أسيف بقى الناس بره..
نظرت لها بعدما فاقت تماما من نعاسها متفهمة ما قالته جالسة على أريكتها الخاصة ثم أردفت بتحدٍ
-أنا مش راحة فى حتة ولا أنا خارجة من الاوضة ولا انا هقابل حد، قوليلهم يمشوا أحسن
-لا يا أسيف مينفعش.

قالتها والدتها وهى تنهض من نومتها بعدما استيقظت على طرقات إبنتها ثم تابعت
-لازم تخرجيلهم يا بنتى عيب نقولهم يمشوا او نعرفهم حتى انك مش عاوزه تقابليهم، دول جايين بيتنا ولا انتى عاوزاهم بقى يقولوا انى معرفتش اربى
قالت الأخيرة فى مرح قليل قابلته أسيف بعبوس ونظرت إلى الأسفل بحزن ثم تمتمت.

-خايفة أقابلهم، أنا كنت خايفة أمبارح وانا بتكلم مع مجد ده، ومش عارفة اللى بيقول انه بابا ده هيبقى عامل ازاى، أنا مش عايزه أسيبكوا يا ماما حتى لو دول اهلى
تساقطت دموعها رغما عنها مدت والدتها كفيها مجففة وجنتا أسيف قائلة فى حنان ودعم.

-مش هتسيبينا يا حبيبتى انا مقدرش أصلا أعيش من غيرك، انتى بنتى حبيبتى اللى ربيتها فى حضنى، بس برضه اللى بره ده أبوكى، أبوكى اللى منعرفش هو مر بإيه وانتى بعيدة عنه، وبعدين أحنا مش قلنالك أن الشاب اللى كان مع أخوكى قال أنه تعبان جدا من وقت ما اتخطفتى، يعنى مكانش رميكى يا بنتى انتى اتاخدتى منه غصب عنه مش بإرادته، بلاش تيجى عليه انتى كمان واطلعى قابليه، ولو مرتاحتيش او حسيتى انك خايفة سيبيهم، بس اطلعى دلوقتى واحترمى اللى جاينلك فى بيتك، ماشى يا حبيبتى.

ربتت على ذراعها فى قولها الأخير بينما أومأت لها ابنتها ثم توجهت لتبدل ملابسها لكى تخرج لهم.

كانت جالسة فوق فراشها شاردة فيما حدث الليلة الماضية
أمسك يدها ساحبا إياها نحو الأريكة ليفهم ما الذى غير حالها هكذا، بادئا هو الحديث فى اهتمام وتفحص لملامحها الحزينة
-هاا، ايه الحاجة اللى عايزة تقوليها
اخذت تلقيه بنظرات دامعة تشع منها حزن قائلة فى خفوت
-أنا كنت هتكلم مع مجد بس شكله كان متنرفز اما جه، مكنتش هعرف اكلمه وهو كده وبرضه مش هقدر اسكت عايزه اتكلم مع حد.

وضع يده بحركة تلقائية فوق يدها الصغيرة قابضا عليها بقوة كى يُهدئها ويحثها على الحديث ولكن فى أعماقه فعلها لتوقه الشديد للمسها لا يريد أن تتحكم فيه عواطفه معها وعادة ما يضع حدود فى التعامل ولكن ليس الآن سيترك قلبه يتحكم به قليلا سيضع عقله جانبا ويرى ماذا سيحدث لمرة واحدة، قال فى هدوء وتحشرج صوته قليلا أثر عاطفته
-فى ايه بس، اتكلمى يا رفيف انا معاكى فى اى وقت تحتاجينى فيه.

نظرت إلى الأسفل وانطلقت الكلمات من فيهها بخفوت
ونبرة ضعيفة على وشك البكاء
-بابا بعد مانتوا مشيتوا سابنى وطلع أوضته قالى انه محتاج يرتاح، سيبته بس بعدها حسيت انى قلقانة عليه، روحتله عشان اتطمن عليه لسه هخبط لقيت الباب مفتوح وكان بيعيط جامد، انا مش قادرة اشوفه كده يا جاسم ومش قادرة برضه أعمله حاجة..

لم يقدر على رؤية كل ذلك الحزن بعينيها ليسحبها جاسم بحركة مباغتة إلى أحضانه رابتا على ظهرها بلطف بالغ مقربا أنفه من رأسها مستنشقا خصلاتها بهدوء لكى لا تنتبه له فى حين بدأت دمعاتها فى الهطول تدريجيا واضعة يدها فوق صدره ممسكة بقميصه امام وجهها مغمضة عينيها تحاول منع بكائها ثم تنهدت فى حرقة مكملة.

-خايفة يجراله حاجة بابا اللى باقيلى بعد ما ماما ماتت، انا حتى مش فاكرة ماما ولا ليا ذكريات معاها، ومجد مش فاضيلى، علطول فى الشغل حتى مابقاش يجيلنا، ماليش حد تانى بابا لو جراله حاجة أنا هبقى لواحدى يا جاسم
أخرجها من أحضانه محاوطا وجهها بين يديه وهز رأسه نافيا يهمس مسرعا بأنفاسه الحارة.

-بابا مش هيجراله حاجة، انتى مش لواحدك يا رفيف، متقوليش كده تانى، انا معاكى وعمرى ماهسيبك، مش هبعد عنك مش هسيبك لواحدك ابدا.

انهى حديثه تاركا وجهها معيدها ثانية إلى أحضانه ضامما إياه هذه المرة بقوة لا يريدها ان تبتعد عنه الآن يريدها أن تشعر به وان تعلم انه معها ولها، اتسعت مقلتيها عندما شعرت بنبضات قلبه المتسارعة أسفل يدها الصغير لتشعر بالخجل وتندلع الحمرة على وجنتيها حمحمت وهى تخرج نفسها من بين أحضانه قائلة بتلعثم وهى ناظرة أسفل
-أ. أنا ورايا محاضرات بدرى لازم أقوم أنام دلوقتى تصبح على خير.

ألقت كلماتها دفعة واحدة وفرت هاربة من امامه تاركة الباب دون غلقه وتاركة الآخر يحترق داخله يريد الذهاب خلفها وجذبها مرة ثانية إلى أحضانه ولكن هذه المرة بقوة أكثر يدخلها بين أضلعه ولا يخرجها مجددا
لا تعلم لما خجلت وقتها ولا تعلم لما ازداد نبضها مع تسارع نبضاته ولكن ما تعلمه أنها أحبت ذلك الشعور وهى بين أحضانه.

وقفت أمام غرفة المعيشة من الخارج تحاول ضبط انفاسها، أخذت نفسا طويلا وزفرته على مهل ثم خطت داخل الغرفة حتى وقعت عينها على الجالس أمامها الذى يتضح من نظراته المثبتة على الباب انه كان منتظر ولوجها وبالفعل ما ان خطت قدمها الغرفة حتى قام ملهوفا متجها إليها وعينيه تتفحصها مع دقات قلبه الهادرة متذكرا زوجته الراحلة فهى تشبهها كثيرا تكاد تكون هى باختلاف لون عينيها فهذا الشىء الوحيد فى ملامحها الناعمة الذى أخذته منه، وقف أمامها ورفع يده فى محاوله للمس ذراعها حتى انتفضت أسيف فى مكانها وعادت خطوة للخلف، طأطأ رأسه فى حزن واهدر بتحشرج.

-كنت همسك ايدك عشان نقعد واعرف اتكلم معاكى
أحست أسيف بالأسف لأجله وضغطت على شفتيها ثم
قالت بخفوت
-آسفة مقصدش
رد عليها بإبتسامة واسعة من سماعه لصوتها الرقيق الذى لم يكن يحلم ان يسمعه مجددا
-ولا يهمك يا حبيبتى تعالى يلا نقعد عشان نتكلم
جلسا على الأريكة وتعمدت أسيف أن تجعل مسافة بينهما أحس جاسم أن وجوده غير محبب الآن قام من مقعده وحمحم ثم قال بهدوء.

-انا لازم امشى دلوقتى يا عمى عشان الشركة مش هينفع اتأخر عليها أكتر من كده والسواق كلمته ومستنيك تحت عشان يوصلك، بعد اذنكوا
أومأ له هشام ثم غادر الآخر غالقا باب الغرفة عليهما مما جعل التوتر جليا على وجهها وانتفض جسدها إثر غلقه شعر بها والدها وقال بنبره حانية محاولا انتشالها من توترها
-أكيد مش فكرانى كان شكلى أصغر من كده لما اتخطفتى، بس انا متأكد أن ده حس بيا.

قال كلماته وهو يشير على قلبها عقدت حاجبيها بحيرة قائلة بهدوء عكس ما يعتريها من الداخل
-ممكن تحكيلى كل حاجة عايزة افهم انا بعدت عنكم ازاى
أومأ لها بابتسامه وأخذ يقص عليها كل شىء حدث خلال الستة عشر عاما الماضية منذ خطفها وحتى اللحظة التى يجلس بها بجانبها الآن.

دلف عدى مكتب جاسم بعدما سمح له بالولوج بملامح جامدة هادرا بإنفعال طفيف
-اتفضل، لو سمحت امضيلى عليها
وضع الورقة مقابله فوق مكتبه لم يرى جاسم ما بها هادرا بإستفهام وهو مازال ينظر إليه
-ايه دى مش فاهم؟
جاوبه عدى بنفاذ صبر
-استقالتى ولو سمحت امضيها عشان عايز امشى
وقف جاسم ودار حول مكتبه حتى اصبح قبالته مشيرا له على احدى المقعدين الجانبيين للمكتب قائلا فى هدوء
-اقعد يا عدى عايز اتكلم معاك شوية.

زفر الآخر فى حنق وجلس على مضض، جلس جاسم على المقعد المقابل له ثم هدر بجدية.

-بص يا عدى انا مقدر موقفك وان انت متعلق بأسيف جدا والموقف اللى حصل امبارح ضايقك، بس الشغل مالوش علاقة بالحياة الشخصية، انا وانت لو اتخانقنا بره الشركة هنبقى اتنين زى اى اتنين عاديين اختلفوا على حاجة واتخانقوا، جوا الشركة أنت موظف وانا مدير لا ينفع تربط خناقتنا برا بشغلك فى الشركة ولا ينفع اللى حصل برا يحصل فى الشركة، ياريت تفرق بين الاتنين وتفرق بين حياتك الشخصية وحياتك العملية لان لو ربطت الاتنين ببعض هتفضل واقف مكانك ومش هتتقدم ابدا.

رد عليه فى تردد
-بس. بس يا Mr جاسم...
قاطعه بوضع يده امام وجهه كى لا يكمل حديثه ونهض جاسم عن مقعده، مد ذراعه ملتقطا الورقة من فوق مكتبه ممزقا إياه ثم أردف فى حزم
-هعتبر انى ماشوفتش الورقة دى واتفضل يلا على مكتبك، ومن اول الشهر الجديد هتبقى فى الفرع الرئيسى
هز رأسه رافضا الذهاب إلى هناك فهذا الفرع الذى يديره مجد الكيلانى ثم قال بتبرم
-معلش مش هينفع اروح الفرع ده
ارتفع صوت الآخر قائلا بصرامة.

-أنا قولت ايه يا عدى، انت هنا فى شركة تنفذ الكلام اللى يتقالك مفيش مجال للرفض ولا للنقاش، اتفضل على مكتبك
انصرف بعد ما أمره الآخر بالذهاب بغضب مكتوم يريد تفريغه فى أى شىء فهو لن يستطيع أن يعمل فى مكان واحد مع هذا ال مجد.

شارد فى الفراغ عقله مشتت لا يدرى ماذا عليه ان يفعل يعلم ان والدته قد وصته على أختيه وكانت وصيتها على أسيف أن يجدها ويرجعها بينهم، لم يكن فى مخيلته يوما أنه يوم يلقاها تحدثه هكذا ويكون ردها عليه بهذا الهجوم والإندفاع، أن تكذبه، أن ترفض الحديث معه، أن تتركه دون السماح له بالرد على كلامها وأن تطرده، تناول هاتفه ومفتاح سيارته وعزم أن يذهب إليها يجب عليه التحدث معها فهى تظل أخته إذا كان جامدا مع الجميع لن يفعلها معها، أدار سيارته خارجا من بوابة قصره قاصدا البيت الذى تمكث فيه شقيقته يعلم ان والده هناك فقد اقترح عليه الذهاب معه صباحا لكنه أعترض متحججا أنه لم ينم البارحة إلا القليل ويحتاج لبعض الراحة، زفر فى إرهاق من كثرة تفكيره فى الأمر يجتاحه القليل من التوتر فهو لا يعرف التعامل مع الشخص لأول مرة ولا أى كلام سيبدأ به لا يريد أن يزعجها مجددا لا يريدها أن تخافه.

صف سيارته وترجل منها خطا خطواته نحو المبنى دالفا إياه متوجها نحو المصعد، لم يمر سوى القليل من الوقت حتى أصبح قبالة باب منزلهم تنفس مطولا ثم زفره فى توتر عجب له فهو ليس بالشخص المتوتر غالبا و ليس الذى يأبه لشىء او لشخص حتى، هو جامد جمود الصخر يتعامل مع أموره جميعها بعملية بحته وتفكير خالص يضع مشاعره وقلبه على جنب وإذا صح القول هو لا يستعملهم فى معاملاته واموره فى الحياة.

رن جرس بابهم وانتظر قليلا حتى فُتح له، كانت طيف هى من قامت بفتحه له شهقت شهقة مكتومة عندما رأته وحركت اهدابها مرتين متتاليين بتوتر بالغ وأخذت دقات قلبها فى التسارع تدريجيا لا تعلم لما وها هى للمرة الثانية التى تراه فيها ولا تتحكم بخوفها الذى لا يوجد له مبرر وتوترها أمامه انتشلها من سرحانها عندما حمحم قائلا بصوت رخيم
-ينفع أدخل، عايز أتكلم مع أسيف.

هزت رأسها له فى إيجاب وهى تشير بيدها له للداجل علامة على سماحها له بالولوج قائلة وهى تبتلع رمقها بقليل من التوتر الذى لم تتخلص منه بعد
-ااه، اتفضل
رمقها مستفسرا وهو يدلف ثم همهم سائلا
-امم بابا لسه هنا صح؟!
هزت رأسها بالإيجاب ثانية وقد قل توترها كثيرا ثم قالت بإبتسامه سلبت نظر الآخر لثوانٍ ولكن لم تؤثر به
-ايوه لسه هنا، فى الصالون مع أسيف.

أومأ لها فى صمت وسار خلفها متوجها نحو الغرفة المتواجد بها والده وشقيقته ولكن تسمر مكانه صدمةً مما استمع له بينما وضعت هى يدها أعلى فمها كاتمة شهقتها التى اندلعت غصبا واتسعت عيناها وما أقلقها أكثر عندما حولت نظرها ل مجد الواقف جوارها ورأت ملامحه التى تحولت فى ثانية من الجمود إلى الغضب.

قبل قليلٍ من الوقت:.

كان عدى جالسا فى غرفته بملامح حانقة بعدما عاد من عمله وعلم من والدتهِ أن والد أسيف جالس معها فى غرفة المعيشة، يفرك رأسه بيديه من حين لآخر بغضب كلما أتى بفكره أنها سترحل وتبتعد عنهم، هو حقا متعلق بها كثيرا بينهما العديد من الذكريات وتربت بينهم ومعهم لا لن يتقبل فكرة تركها لهم ووجودها ببيت آخر غير بيتهم ووجود أهل لها غيرهم فهى أخته طفلته التى أتت إلى بيتهم منذ ستة عشر عاما وكانت لا تفارقه هو بالأخص كانت تأتى له وتطلب أن يلاعبها، يستذكر لها دروسها وأن يذهبا معا لأى مكان تقصده أو تريد زيارته كبرت بينهم وستظل بينهم لن يدعهم يأخذوها ويقنعوها بمغادرتهم، ولكن كيف؟!

أخذ يفكر فى حل سريع يخرج به إليهم ليمنعها من المغادرة ظنا منه أنها لربما اقتنعت بما قاله والدها المزعوم لها ومازال يقوله ويلقيه على مسامعها منذ الصباح وحينها ستذهب معه، ظل يفكر ويفكر إلى أن هب واقفا لا يدرى أيفعلها أم يفكر فى حل آخر ولكن ما من حل غيره سيجعلها تمكث معهم للأبد ولكن مهلا ماذا إن اعترضت، ماذا أن كان فى مخيلتها ترتيب آخر لحياتها القادمة، نفض عن رأسه كل ذلك عازما الأمر على فعلها والخروج لهم وأخبارهم بما اتخذه من قرار ويحدث ما يحدث بعدها ولكن يمنع الآن والدها ذاك من أخذه لها.

خرج من غرفته بملامح جامدة متوجها إليهما طرق مرتان على الباب حتى سمحت له أسيف بالولوج علق أنظاره على الجالس بجانبها الذى يناظره بإبتسامة طيبة بادله الابتسامة بإبتسامة صغيرة لم تلامس عينيه ثم جلس مقابلته وشرع فى الحديث بجديه قائلا
-كنت حابب أتكلم مع حضرتك ده بعد إذنك طبعا
أوما له هشام فى هدوء قائلا برفق محافظا على ابتسامته
-اتفضل يابنى اتكلم
تابع فى مزيد من الجدية.

-مبدأيا كده انا مش مشكك فى انك والدها بس أسيف أمانة بابا الله يرحمه سابهالنا ووصانا عليها قبل مايموت فكل اللى انا عايزه اثبات انك والدها فعلا، والاثبات ده هيبقى تحليل نسب لحضرتك وأسيف
رد عليه فى تفهم
‐معنديش مانع، بكرا ان شاء أنا وأسيف نعمل التحليل ولو عايز تيجى معانا مفيش مشكلة
هز رأسه بالسلب قائلا وهو محافظ على جديته.

-لأ انا واثق فى حضرتك، بس لحد ما نتيجة التحليل تطلع أسيف هتفضل هنا، حتى لو هتطلع بعدها بساعات
أومأ له فى قلة حيلة بينما تابع الآخر وهو يحمحم قائلا بتردد يواريه
-وليا طلب تانى من حضرتك واتمنى ميترفضش
سلط والدها أنظاره عليه فى اهتمام بينما أردف
عدى وهو ينظر ل أسيف نظرة ذات مغزى وتمنى أن تفهم منها أنه لا يريدها أن تعارضه
-عايز اتجوز أسيف.

نظرت له أسيف بصدمة رافعة حاجبيها لا تصدق ما سمعته توا، كيف! أخيها! يتزوجها! مهلا مهلا يتزوج من؟! أقال لتوه أنه يريد الزواج بها، لا لا يبدو أنه أختلط الأمر عليها أو أنها فهمت كلامه بشكل خاطئ انتشلها من صدمتها صراخ مجد الذى أخذ نصيبه هو الآخر من الصدمة هادرا فى عدى بقوة
-تتجوز مين انت أكيد أتجننت
نظر له عدى بجمود لن يرجع عن قراره ولن تخطو أسيف خطوة واحدة خارج هذا المنزل قائلا بإستفزاز له.

-والله أنا طالب إيدها من والدها ومستنى الرد من والدها، مفتكرش إنى وجهتلك كلام
اندفع الآخر نحوه ممسكا به من تلابيبه هاززا إياه بقوة قائلا بإنفعال وخشونة على اثر ذلك انتفضت أسيف من مجلسها واقفة بجانب طيف
-ده لما تشوف حلمة ودنك، قول بقى إنك حاطط عينك عليها يا نجس عشان كده مش عايزها تمشى من هنا، لكن ده بعدك انى اوافق على قعادها هنا ولا ان قذر زيك يتجوزها او يحط ايده عليها.

نظر له شزرا نافضا يديه من عليه قائلا بتحدٍ
-وانا بقولك للمرة التانية أنا موجهتلكش كلام، وبالنسبة لقعادها فأسيف مش هتتحرك من هنا إلا بإثبات رسمى انكوا اهلها، وبالنسبة بقى لجوازى منها فده سواء برضاك او غصب عنك هيحصل.

كان ينوى الهجوم عليه ثانية ولكن والده وقف قبالته يحاول منعه عن أى فعلة هوجاء فهو يعلم عصبية أبنه ولكنه كان كالثور الهائج لم ولن يستطيع التحكم فى عصبيته الآن فهو يكره العناد ولا يتحمله وهذا الماثل أمامه يناظره بتحدٍ ويفرض عليه كلامه ويخبره أنه سيتزوج أخته رغما عنه، صاح بمزيد من الصراخ وهو يحاول ابعاد والده عنه
-مش مجد الكيلانى اللى كلب زيك يتحداه ويفرض عليه كلمته، أنت فاهم يالاا.

قال الأخير فى صراخ جهورى اهتزت له جسد الفتاتين وكادتا تبكيان من روع الموقف بجانبهما والدتهما تضع يدها على قلبها فى خوف وزعر بينما هشام قبض على ذراع ابنه بقوة هاتفا بحزم
-مجد كفاية كده اتفضل اسبقنى وانا جاى وراك
استشعر والده رفضه لينهاه عن الكلام وعن أى فعل آخر آمرا إياه مجددا
-قولت اتفضل.

نظر لوالده بلوم ووجه يكاد يندلع منه النيران حول نظره ل عدى بتوعد ثم ذهب مسرعا فى غضب بالغ، كانت أسيف واقفة مشدوهه من كل ما حدث ظاهرا على هيئتها التخبط طالعها والدها وأيقن أنها فى حالة من الذعر والتشوش فما مرت هى به هذين اليومين المتتالين كان فوق طاقة أى بشر وأبعد كل البعد من أن يستوعبه عقل، تنهد بتعب ناقلا أنظاره لهذا الواقف بكل جمود كما لو أن كل ما حدث لم يؤثر به بتاتا، فكر قليلا بما قاله لم يرِد أن يتسرع ويقول شىء يجعل ابنته تحزن أو تأخذ موقفا منه وهو يحاول أن يوطد علاقتهما ويجعلها تثق به أغمض عينيه ثم فتحهما وألقى كلماته على مهل ل عدى.

-بكرا من بدرى هاخد أسيف ونروح نعمل تحليل النسب ولو عايز تيجى انا موافق، طلبك للجواز منها هرد عليه أما يتثبت قدامكوا أنها بنتى وحقى انى أتكلم فى جوازها، واى قرار هاخده وقتها هيبقى مبنى فى الاول على رأى أسيف والآخير هيبقى رأيى، متأسف على رد فعل مجد، عن أذنكوا
قبل خروجه وقف قبالة أسيف ممسكا يدها فى رفق قائلا بإبتسامه حنونة
-تصبحى على خير يا حبيبتى.

واقترب وقبل جبهتها ثم تركها وغادر، أحست أسيف بالأمان من مسكته ليدها استشعرت حنانه بوضوح فى قبلته أحست بالحب فى نبرته، وضعت طيف يدها على كتفها متسائلة بقلق
-أسيف أنتى كويسة!
أومأت لها بالإيجاب ثم انتقل نظر طيف لأخيها قائلة بقليل من الإنفعال والأستفسار
-ممكن تفهمنا ايه اللى قولته ده، جواز ايه يا عدى، أسيف اتربت معانا على انها أختنا، نظرت له بشك ثم أكملت ولا انت كان جواك حاجة تانية ناحيتها.

زفر بتأفف قائلا وهو يجلس بتعب
-أنا عملت كده عشان زى ماقولتى أسيف أختنا ومش عايزها تبعد عننا، ده الحل الوحيد اللى لقيته قدامى، عندك حلول تانية!
نظرت له مطولا بينما أسيف لم تتحمل أصواتا أخرى بجانبها أكثر من ذلك فذهبت من الغرفة تاركة إياهم فى حيرة من أمرهم لا يعلموا أتضايقت من فعلته أم ماذا، قالت طيف بتفكير وحزن على حالة أختها بعدما غادرت.

-تفتكروا أسيف اتضايقت من اللى قاله عدى، يعنى افرضوا كان باباها أقنعها أنها تمشى معاه وهى كانت وافقت، أكيد طلب عدى جوازه منها هيضايقها وهيحطها كده فى موقف صعب تختارنا ولا تختار باباها ومن ناحية تانية أكيد اتفاجئت، ازاى واحد عاشت معاه على انه أخوها يطلب يتجوزها
نظر عدى إلى أخته فى تفكير ثم هب واقفا ذاهبا وراء أسيف، أردفت طيف بذهول مما يحدث.

-هو فى ايه، ماما انتى مبتتكلميش ليه هو انتى موافقة ان عدى يتجوز أسيف
نظرت لها والدتها بإبتسامة واسعة ثم هدرت بهدوء
-وموافقش ليه!

جالسة على فراشها ضاممة ركبتيها إلى صدرها تنظر أمامها بنظر فارغة تحاول استيعاب ما يحدث، يتكرر بذهنها كلمات والدها وهو يخبرها انه لم يتركها بإرادته، حاول مرارا وتكرارا وبكل الطرق العثور عليها ولكن لم يحالفه الحظ فى ذلك ليتقطع قلبه لأشلاء طوال الستة عشر عاما ويتذوق مرارة بعدها عنه.

-صدقينى يا أسيف انا مسيبتكيش بمزاجى، فضلت ادور عليكى شهور لدرجة انى تخيلت انك جرالك حاجة تواترت الدموع بمقلتيه ثم تابع باختناق وبعد وقت طويل وصللى ان حد عامل محضر انه لاقى بنت صغيرة المحضر كان معمول فى بلد جنب القاهرة كان طارق الجمال هو اللى عامله واما روحت القسم واتأكدت انه انتى كانوا خلاص سلموكى للملجأ، نزلت من القسم على طول وروحت الملجأ كان عندى أمل انى الاقيكى وارجعك لحضنى تانى عرفت من الملجأ وقتها ان طارق اتبناكى من كام شهر وعرفت منهم عنوانه، خرجت من الملجأ بسرعة وقولت خلاص هرجعك معايا بس اما روحت المكان اللى مكتوب فى العنوان عرفت من اهل المنطقة انه مات من حوالى شهر ونص وان مراته باعت البيت وسافرت ومحدش كان يعرف راحت فين، ابتسم بآسى ثم تابع وقد سالت دموعه على وجنتيه كأن كل الظروف كانت ضد انك ترجعلى تانى.

رفعت نظرها تلقائيا عندما دلف عدى الغرفة جالسا بجانبها على الفراش واضعا بينهما مسافة كافية ينظر لأسفل بادئا حديثة بتنهيده طويلة قائلا فى هدوء.

-أنا معرفش أنتى مقررة ايه او بمعنى اصح معرفش عايزه تعيشى مع باباكى ولا تفضلى هنا، بس أنا مقدرتش استنى قرارك انتى عارفة انتى عندنا ايه وعارفة احنا متعلقين بيكى ازاى عارف انى فكرت بأنانية من جهات كتير لما طلبت طلب زى ده، بس. بس أنا مش متخيل أنك تسيبينا وتمشى مش متخيل ان معادش يبقى فى معانا أسيف، ايوه مفكرتش فى أبعاد الطلب ده أو ايه رأيك فى الموضوع، كل اللى فكرت فيه انك تفضلى معانا وبس، أسيف لو. لو عايزه تفضلى معانا ووافقتى على جوازنا من بعض مفيش حاجة هتتغير بينا ولا فى حاجة حاجة هتحصل بينا هنفضل أخوات، لحد ما تلاقى الشخص المناسب ليكى وقتها ننفصل، خدى قرارك وعرفينى وأى قرار هتاخدى أنا معاكى فيه حتى لو قررتى تعيشى مع اهلك لان ده حقك ومش من حقى انى امنعك.

كاد يقوم من جانبها ولكن منعه أرتمائها داخل أحضانه دافنة رأسها فى عنقه وهى تبكى بقوة قائلة من بين شهقاتها
-مش عايزه أسيبكوا يا عدى مش عايزه أبعد عن هنا عايزه أفضل معاكوا انتوا اهلى ومعرفش غيركوا..
ابتلع عدى ريقه تأثرا بحركتها المباغتة تلك وتردد كثيرا فى ضمها حتى ضمها فى النهاية ولكن ليس بقوة مبالغ بها ثم رفعت عينيها امام وجهه قائلة بخفوت وعينين مازالا عليهما آثار الدموع
-انا موافقة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة