قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الحادي والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الحادي والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الحادي والعشرون

اتسعتا عينيها في صدمة من سؤاله المباغت والذي لم تضعه في حسبانها ولم ترتب له ردا مسبقا في ذهنها، ابتلعت بتوتر لم تستطع أن تواريه وأجابته وهي تتحاشى النظر في عينيه قائلة بارتباك وهي تضع بعض الخصلات خلف أذنها
-ما. مفيش حاجة بينى ويين جاسم، انا وهوjust friends
التوتا شفتيه للجانب بعدم تصديق لما ادعته ونظرة ثاقبة ينظر لها بها وهو يقول باستخفاف.

-اممم، just friends, مع واحد عنده تمانية وعشرين سنة وانتى تمنتاشر، وده من امتى بقى يا رفيف؟، يعنى انا عمرى ما شوفت في تعامل بينك وبين جاسم عشان تبقوا صحاب كده فجأة
تنحنحت لكى تجلى صوتها وقالت بتلعثم مجيبة إياه
-هو انا يعنى، كنت بحتاجله في فترة امتحاناتى وكنت بسأله عن حاجات كتير ومن وقتها بقينا صحاب
رفع إحدى حاجبيه وتساءل بطريقة غريبة وكأنه غير مقتنع بما قالته
-يعنى انتى وجاسم صحاب!

تلبكت من طريقته التي تشبه التحقيق وهدرت بإصرار
-ايوه يا مجد، انت متضايق من صحوبيتى معاه
أردفت بالأخير بتوجس، ليردف وهو محافظ على تلك التعبيرات المبهمة التي لا تفهم من خلالها شىء
-مش حوار متضايق من صحوبيتك معاه، بس انتى كنتى دايما بترفضى تصاحبى أى زميل ليكى ايه اللى اتغير؟
قالت موضحة وهي تتمنى بداخلها أن تنتهى تلك التساؤلات
-مفيش حاجة اتغيرت، هو جاسم بس وعشان بحتاجله زى ماقولتلك.

أومأ لها وبداخله لا يصدق كل ما قالته وقال بجدية
-تمام يا رفيف، بس ياريت ميحصلش بينكم تجاوزات زى اللى شوفتها من شوية، خلى في حدود متنسيش انك بنت وهو راجل، وياريت كمان ميبقاش في خروجات بينكم مستمرة، زى ماقولتى انتوا صحاب مش مخطوبين.

أومأت له بهدوء بينما أدار هو المحرك وتحرك مغادرا متوجها نحو منزلهما وأخذ يعيد في رأسه أجوبتها الذي جعلته مشوشا بين أن يكذبها وأن يصدقها، فكل ما دار بينهما أمامه لا يمت للصداقة بأية صلة وعلى صعيد آخر شقيقته لم يكن من صفاتها الكذب يوما، خلل بإحدى يديه شعره بهدوء وتكلم بداخله بتمنى
-ياريت تكونوا فعلا صحاب واطلع انا الغلطان.

أخذت تسترقَ له النظر من حين لأخر وهو يقود بهدوء وبتعبيرات خاوية، تنهدت بضيق فهى لم تكن بكاذبة ولا تدرى لمَ كذبت بالأساس ماذا كان سيحدث إذا أخبرته بالحقيقة وبأنهما يعشقان بعضهما مؤكدا كان سيتفهم شقيقها الأمر فهما صديقان ولكن بكذبها الآن عليه فيما بعد إذا اكتشف الأمر بمفرده لن تكون ردة فعله بهينة تجاه كذبها عليه وعدم إخباره بتلك العلاقة منذ بدايتها، نفخت هواءً ساخنا من رئتيها وأدارت وجهها تجاه النافذة تطالع الخارج بنظرات ضائقة.

لم يخفَ عن مجد ذلك الضيق الذي اعترى ملامحها والذي يؤكد له الشكوك التي تساوره والتي نفتها هي باستماتة منها ولكن إذا كانت بكاذبة حقا ماذا سيفعل حيال ذلك، هي لم تكذب عليه قبلا ولكنه حتما لن يستطيع الغفران حينها.

ذلك الخمول الذي أصاب جسدها خلال الأيام الماضية والذي يزداد يوما بعد الآخر مما جعلها تتعجب من حالتها فهى في العادة شديدة النشاط لا تغفو غير ساعات قليلة، ولكنها أصبحت على النقيض تلك الأيام تغفو كثيرا وكلما تستيقظ تشعر برغبتها في النوم مجددا ودوار يتمكن من رأسها عند نهوضها.

قلبها الآن يخفق وبشدة لتكرارها كلمات والدتها في ذهنها التي قالتها منذ ساعة تقريبا عندما أخبرتها عبر الهاتف عن الأعراض التي تشعر بها والتي أجابتها حينها أنها لربما تكون أعراض حمل خاصة عندما أخبرتها بتأخر ضيفتها الشهرية
أمن الممكن حقا أنها تحمل برحمها بجنينهما وأن تكون كل تلك الأعراض التي تشعر بها مؤخرا ما هي إلا أعراض حمل كما أخبرتها والدتها..

دقات على باب غرفتها افاقتها من شرودها ليصدح صوتها سامحة للطارق بالدلوف والتي كانت عاملتها قد أحضرت لها ما طلبته منذ قليل ابتسمت لها بود وقالت
-شكرا يا عفاف
أخبرتها العاملة باحترام وهي تشرع في المغادرة
-العفو يا هانم، تؤمرينى بحاجة تانية؟
أجابتها بهدوء نافية
-لأ روحى انتى.

نظرت إلى ذلك الشريط الذي بيدها والذي لم يكن سوى شريطا لإختبار الحمل طلبت منها والدتها أن تجلبه كى تتأكد من الأمر، نهضت من فوق مقعدها توجهت صوب حمامها، دقائق قليلة حتى خرجت والبسمة مزينة ثغرها وعينيها تتوهجان بسعادة عارمة فقد أصاب حدس والدتها وظهر على ذلك الشريط علامة تدل على إيجابية حملها، ولكنها قررت أن تذهب أيضا لعيادة نسائية كى تعلم المزيد حول الأمر ومنذ متى ذلك الحمل وحالة جنينها وبعدها ستذهب إلى زوجها بعمله كى تخبره، دلفت غرفة الثياب لتتجهز سريعا للذهاب فهى تتحرق شوقا لكى ترى تعبيراته عندما يعلم بذلك الخبر المفرح للغاية والذي مؤكدا سيغير مجرى حياتهما للأفضل.

-بجد يا حبيبتى، ألف مبروك، ربنا يكملك على خير
استمعت اسيف لتلك الكلمات التي تفوهت بها والدتها وهي تتحدث ل طيف عبر الهاتف لتظهر التساؤلات على وجهها حول المعنى منها وانتظرت حتى انهت معها المكالمة وتكلمت متسائلة بهدوء
-في ايه يا ماما بتباركى لطيف على ايه؟، وايه ده اللى ربنا يكملهولها على خير؟
بسعادة بالغة وبابتسامة متسعة أخبرتها
-طيف حامل
توسعت عينيها بصدمة ممزوجة بسعادة وقالت بلهفة.

-بجد!، أنا فرحت اوى، طب انا هكلمها اباركلها
تكلمت والدتها مسرعة عندما رأتها تتوجه نحو غرفتها لكى تجلب هاتفها
-استنى شوية هي دخلت أوضة الكشف دلوقتى، اصبرى لما ترجع من عند الدكتورة وكلميها
استدارت وهي مبتسمة وتكلمت بحماس
-طب هكلم عدى اعرفه ده هيفرح اوى
ارتسمت ابتسامة ماكرة على ثغر الأخرى وأردفت
-وهيفرح أكتر لو انتى اللى حامل
ابتلعت في توتر وابتسمت باقتضاب وتحركت نحو غرفتها لتهاتف زوجها.

وضعت الهاتف فوق أذنها منتظرة رده وهي جالسة بسيارتها قبل أن تشرع بالقيادة وبعد أن غادرت تلك العيادة النسائية بعدما انهت كشفها وأكدت لها الطبيبة امر حملها والذي لا يتخطى عمره الثلاثة أسابيع وطمأنتها على جنينها وطلبت منها أن تتواخى الحذر وألقت عليها عدة تحذيرات وشروط تسير عليها خلال تلك الفترة كى يكمل حملها بسلام وتحافظ خلالها على صحتها وصحة جنينها، ليأتيها صوته الرخيم الهادئ بعد برهة.

-أيوه يا حبيبتى
تكلمت مسرعة ويظهر على صوتها الفرح
-مجد انت في الشركة مش كده؟
لاحظت التعجب الذي اعترى كلماته وهو يردف
-أيوه بس قدامى عشر دقايق وهروح الفرع بتاع جاسم في اجتماع هناك ولازم احضره، في حاجة ولا ايه؟!
لم تجِب على سؤاله متجاهلة إياه وقالت وهي تنهى المكالمة
-طب انا هجيلك على هناك، باى.

أدارت محرك السيارة وهي تشعر بانتعاش يسرى في عروقها والحماس يتآكل بكل ذرة بها لترى فقط ملامحه وهي تلقى على سمعه خبر حملها بجنينهما، مؤكد سيسعد لذلك الخبر ومؤكد أيضا أن حملها ذلك قد جاء في ذلك الوقت لكى يكفائه على كل تلك الأيام والليالى حالكة السواد الذي بقاها بمفرده رفقة شجنه، قد جاء ليعوضه عن العذاب المضنى الذي عاشه مخبرا إياه أنه نتاج صبره على كل ذلك البؤس الذي أهدر حياته به.

بعد مدة لا تتجاوز الثلاثين دقيقة وصلت لمقر الشركة التي يديرها جاسم والتي أخبرها انه قادم لها، ترجلت من سيارتها بخطوات هادئة ودلفت من الباب الرئيسى ثم دلفت المصعد صعودا لغرفة المكتب الخاصة ب جاسم، دقيقتين وتوقف المصعد في الدور المنشود، توجهت هي لمكتبه متوقعة وجوده بالداخل فشركته أقرب لشركة جاسم من المكان الذي كانت متواجدة به حين هاتفته إضافة إلى أنها أيضا كانت تقود ببطء لكى لا يتأذى حملها.

فتحت الباب دالفة دون استئذان بابتسامة عريضة ظاهرة نواجذها لتختفى تلك الإبتسامة سريعا متحولة لصدمة اعترت قسماتها من ذلك المشهد أمامها فقد كانا جاسم و رفيف بأحضان بعضهما يتبادلان القبل بحميمية آثارت غثيانها، انتفضا الاثنان مبتعدين عن بعضهما عند رؤيتهما لها بينما توجهت هي نحوهما بملامح غاضبة وهي تشعر بغليانٍ بدمائها ورمقت رفيف بنظرة غاضبة ودمدمت بانفعال مخالطه الصدمة
-ايه اللى بيحصل ده؟!

وضعت رفيف يدها أمام فمهما بعدم قدرة على التفوه بينما حاول جاسم أن يشرح لها الأمر مرددا
-طيف ممكن..
سددت له نظرة حارقة وهي تقاطعة بزجر
-انت تسكت خالص، وجهت نظرها للآخرى التي يظهر عليها الهلع وأخبرتها بأمر وانتى انزلى العربية حالا واستنينى تحت
انتقلت رفيف ببصرها تجاه جاسم وكأنها تأخذ الإذن منه لتستشيط طيف من فعلتها وتكلمت بغضب مستنكرة
-انتى لسه هتبصيله!، بقولك انزلى.

استجابت لأمرها خوفا من تصاعد الأمور أكثر من ذلك وغادرت المكتب نزولا لأسفل، بينما كانت تنظر الأخرى للماثل أمامها بنظرات احتقار وأردفت باشمئزاز وهي تلوح بذراعها
-هو ده الحب اللى بينكم، القرف اللى بتعملوه ده بتسموه حب
زم شفتيه بضيق مما أوقع به نفسه و رفيف قبله وأردف بهدوء محاولا امتصاص غضبها
-طيف انا بجد..
قاطعته للمرة الثانية قائلة بهجوم صارخة بوجهه.

-انت بجد ايه؟!، انت إنسان عديم الضمير وخاين للأمانة، خنت مجد وبابا هشام اللى فتحولك بيتهم وآمنوك على بنتهم، لما رفيف قالتى انكوا بتحبوا بعض فرحت جدا لانى كنت شيفاك جاسم الشاب المحترم اللى احترمته من أول يوم شوفته فيه في بيتنا لما جيت مع مجد وقت موضوع أسيف، لكن متخيلتش للحظة أنك تعمل مع رفيف كده
لم يجد كلمات ليبرر بها فعلته وطأطأ رأسه لأسفل قائلة بتوسل
-أرجوكى متفهمنيش غلط.

ضحكت بخفوت باستهزاء وهزت وجهها بإنكار وعادت موجهة نظرها إليه وتكلمت بتجهم
-أفهمك غلط ايه انا شوفت بعينى مش لسه هفهم
هتف بنبرة صادقة قائلا بلهفة
-والله ما في في نيتى أى حاجة وحشة انا بحبها بجد
شعرت بصدقه وبالرغم من ذلك امتعضت ملامحها غير قادرة على تعدية رؤيتها لهما بذلك الوضع وتكلمت بتهكم صريح.

-كل ده ومفيش في نيتك أى حاجة وحشة؟!، حب ايه اصلا اللى بتتكلم عنه!، انت لو بتحبها مكنتش تعمل معاها كده ولا كنت تخليها تبقى على علاقة بيك في السر من الأساس، انت تقريبا مستغل سذاجتها يا جاسم
توسعتا عينيه بتفاجؤ مما قالته من استغلاله لها ليتكلم نافيا على الفور.

-لأ انتى فاهمة غلط بجد، انا مش بستغل رفيف، صدقينى انا بحبها ممكن اللى بنعمله غلط او هو فعلا غلط، بس انا بحبها واللى بيحصل ده بيبقى من ضعفى معاها لكن انا عمرى ما افكر استغل رفيف، استحالة اعمل كده
نظرت له بتفحص وملامحها مازالت حانقة وتكلمت متسائلة
-طالما بتضعف معاها اوى كده ماطلبتهاش من مجد او باباها ليه؟ وتتجوزوا، ده لو كان فعلا في نيتك جواز
نظرات نادمة اندلعت من مقلتيه وهدر بترجٍ موضحا.

-بلاش التكذيب اللى في نبرتك ده يا طيف، انا فعلا عايز اتجوزها واتمنى انه يبقى النهارده قبل بكرا، بس رفيف ذنبها ايه تتجوز وتشيل مسؤولية زوج وتلبى متطلباته واحتياجاته مع دراستها ومذاكرتها وهي في سن صغير أصلا لسه غير مؤهلة لكل ده، انا كنت مرتب إننا نتجوزه بعد تخرجها و..
كررت كلمته بتفاجؤ وتابعت بعصبية مفرطة واندفاع.

-تخرجها! انت عايز تفضلوا أربع سنين على النظام ده، وبالنسبة لضعفك معاها اللى بتتكلم عنه مش ممكن يوصلكوا لنقطة تدمر فيها كل حاجة ووقتها بقى مش هتبقى حملتها مسؤولية جواز بدرى ده انت هتبقى قضيت على فرحتها بجوازكوا اصلا اللى هتبقى حاسة أنه تستر على مصيبة حصلت في لحظة ضعف بينكم
نطق بعد زفير بطئ وملامحه اعترتها الكدرة
-أكيد مش هتوصل لكده
لكزته في صدره وقالت بتصميم وبنبرة حادة.

-لأ هتوصل يا جاسم وانت لو مخدتش خطوة في موضعها ده هيبقى قدامك وقدامى حل من اتنين، يا إما تبعد عنها خالص يا إما أنا وقتها هعرف مجد باللى شوفته
ارتعد عند سماعه لتهديدها الصريح له بإخبارها مجد عن علاقته بشقيقته ليزم شفتيه بتفكير دام لثوان ثم تكلم بجدية.

-هكلم مجد النهارده بعد الاجتماع وهعرفه انى بحبها وهطلب منه ايدها بس ارجوكى متقوليش حاجة لمجد عن اللى شوفتيه وده مش عشانى لواحدى عشان رفيف قبلى لو كنتى بتحبيها وخايفة عليها
ابتسمت باستخفاف وقالت وهي تشرع في المغادرة
-ومخوفتش انت عليها ليه بما إنك بتحبها!، على العموم مستنيه أعرف النهارده من مجد انك كلمته، عن إذنك.

غادرت الغرفة وبقى هو واقفا مكانه دون حراك مشدوها مما حدث لا يستوعب عقله تلك المواجهة وكيف أصبح دونا بنظر نفسه هكذا نادما على ما أوقع به رفيف والتي ستصبح مشكلة حتمية إذا علم مجد بعلاقتهما وبتلك التجاوزات التي تتم بينهما، طيف محقة في كل ما قالته كان يجب عليه أن يتوجه لخطبتها منذ اللحظة الأولى التي شعر بها بضعفه معها، ما كان يجب عليه الإنتظار لكل تلك المدة، والأسوأ أنه كان يريد الإنتظار حتى إنتهاء فترة جامعتها أفقد عقله هو أم ماذا؟

علاقتهما لا تتعدى الستة أشهر وحدثت بينهما كل تلك الأفعال الشنيعة والتي لا تخرج سوى من رجل معدوم الضمير خائن للأمانة كما قالت طيف، خلل شعره بغضب عارم، أين كان عقله عندما قام بفعل كل ذلك معها، كيف يجذبها لطريق كذاك، هل هذا حبه الذي يذعن به، هل هذه هي حمياته لها والتي كان ينبغى عليه أن يحميها من نفسه أولا، تنهد بضيق اعترى صدره يجب أن يتحدث مع مجد حول علاقته بها لن ينتظر لأكثر من ذلك يكفى ما فعله وما وضع به رفيف من موقف مخزٍ وما أصبح يرى نفسه عليه.

نهض من فوق مقعده ليلملم متعلقاته من فوق المكتب قبل رحيله ليستمع أثناء ذلك لطرقات على باب مكتبه استمر فيما يفعله وأردف بنبرة مرتفعة نسبيا سامحا للطارق بالولوج
-ادخل
دلفت السكرتيرة وبيدها ظرف ورقى تعطيه ل مجد وأردفت بنبرة رسمية قائلة
-واحد من الأمن طلع ادانى الظرف ده وقاللى انه في واحد اديهوله وبلغه انه لحضرتك.

عقد حاجبيه بغرابة ومد يده أخذا منها الظرف ليجد اسمه مكتوب على ظهره قام بفتحه وأثناء ذلك أخبرها
-روحى شوفى شغلك.

اومأت له باحترام وغادرت بهدوء بينما كان مجد قد فتح الظرف مد يده ليخرج محتواه والتي اتضحت من الخارج انها بضعة صور، ما إن وقعت عينيه على إحداهم حتى ازدادت انفاسه وأصبح يتنفس بوتيرة سريعة وهي يرى كل صورة على حدا برزت عروقه بشدة وأصبحت النيران تتطاير من مقلتيه، قبض على الظرف بيده بقوه وألقاه بغضب عارم على الأرض وغادر المكتب مسرعا دون حتى أن يأخذ أشيائه.

دلف سيارته وأدارها سريعا مما جعلها تخلف صوتا عاليا من احتكاك إطاراتها بالأرض، يكز على اسنانه بغضب لم يكن يأتى بباله للحظة أن تصل علاقتهما لتلك الأفعال المشينة، فقد كانت الصور التي بعثت إليه لشقيقته رفقة جاسم يتبادلان فيها القبل بحميمية بالغة، كيف له أن يخونه ويخون ثقته به كيف تفعل ذلك شقيقته ولم تضعه هو ووالدهما بحسبانها، في ظل صراع أفكاره وغليان دمائه، صدح رنين هاتفه بالسيارة قام بفتح المكالمة دون أن يرى من المتصل ليستمع إلى صوت بغيض يتمنى أن يُفنى من الحياة جميعها.

-حلوة الصور مش كده، لا بس رفيف مظبطة جاسم شكله في الصور بيقول انه كان متمتع على الآخر وهو بيحسس على اختك
من كلماته توصل إلى إن ذلك البغيض عاصم هو من أرسل إليه تلك الصور، ولكن مع كلماته القميئة تلك التي ألقاها بطريقة خبيثة لتشعل النيران المستعرة بداخله انهال عليه بالسباب بألفاظ نابية صارخا
-يا (، ) يا (، ) انا هدفعك تمن اللى قولته ده يا عاصم.

ضحكة مستهزئة تلاها قوله ببرود ساحق مدمرا كل طاقة تحكم الآخر بأعصابه
-لا يا مجد اهدى كده اعصابك وياريت متغلطش، ولا ده جزاتى انى سترت عليها وقولت اعرفك انت تلمها بدل ما تحط راسكوا في التراب، بس اللى متعرفوش ان الصور اللى معاك دى نسخة من اللى معايا مرضيتش انشرهم على السوشيل ميديا حسيتها حركة عيالى اوى بس لو حسيت بقلة أدب ممكن اقلب ساعتها عيل عادى.

انهى مجد المكالمة ملقيا بالهاتف بأرضية السيارة بعصبية مبالغ بها وظل يضرب بيداه فوق عجلة القيادة لمرات متتالية صارخا بغضب جم، وازداد من سرعة السيارة متوجها نحو المقر المتواجد به جاسم.

أوقف السيارة بفوضوية أمام البوابة الرئيسية للشركة لم ينتظر حتى لإدخالها المرأب، ترجل منها وأغلق الباب بقوة، دلف الشركة بخطوات تتآكل الأرض من قوتها وبوجه محتدة ملامحه جعل الرعب يدب بقلب كل من يراه بطريقه، توجه نحو مكتب جاسم تحت نظرات مساعدته الشخصية التي تعجبت لهيئته، دلف المكتب دون سابق إنذار ليجده جالسا امام مكتبه دافنا وجهه بين يديه ورفع وجهه إليه حين دخوله واستقام واقفا وأردف بهدوء وملامحه يبدو عليها التعب وهو يحِد بنظره عنه.

-دقيقة بس هجمع حاجتى وجاى معاك
كان يحِد بنظره عنه لذا لم يرى نظراته المشتعلة وتقدمه إليه الغير مبشر على الإطلاق، رفع جاسم نظره إليه عندما شعر بتقدمه نحو وما إن رفه وجهه إليه حت باغته مجد بلكمة جعلت الدماء تسيل من فمه، اختل توزانه وكاد يسقط ولكنه تحامل على نفسه ظن أن طيف أخبرته عما رأته ليردف مسرعا عندما استعاد اتزانه
-مجد هفهمك.

وضع أمام وجهه واحدة من الصور له مع شقيقته يقبلان بعضهما بها بطريقة حميمية للغاية واستمع لصوت مجد المتسائل بنبرة تشبه الزئير
-ايه ده؟
برقت عينا جاسم لرؤيته لتلك الصورة وانتقلتا مقلتاه نحو مجد وقال بتلعثم وملامح مرتعدة للغاية
-مجد، أنا..

لم يدعه يتفوه بحرف زائد، واندفع نحوه بكامل الغضب المتمكن منه والعنفوان المحتدم بداخله، أمسك به من تلابيبه وباغته بلكمة أخرى اسقطته أرضا، انقض فوقه منهالا عليه بكلمة وراء الأخرى مما أدى لإدماء سائر وجهه مع العديد من السباب الذي ألقاها عليه بإنفعال عصبى خالص، قبض على عنقه بيديه وعنفه صارخا
-خليت واحد و*** زى عاصم يقولى سترت على اختك ويهددنى بالصور اللى معاه، ليه عملت كده عملتلك ايه عشان تعمل فيا كده.

حاول جاسم مقاومته وفك قبضتيه عن عنقه ولكنه لم يستطع لقوة الآخر مقارنة به ليتكلم باختناق بكلمات استطاع التفوه بها بصعوبة
-مجد، اسمعنى انا..

ضغط على عنقه أكثر وهو يصرخ به
-انت خاين، خنتتى وخنت ثقتى، آمنتك على بيتى وعلى أختى وأنت بتدوس في عرضى من ورايا
أبعد يداه عن عنقه وقد قارب الآخر على الإختناق ليشهق بقوة وأخذ يسعل لعدة مرات محاولا إمرار الهواء لرئتيه بينما جذبه مجد ناهضا به وهو يترنح ليقول بوهن
-أنا بحب رفيف
لكمة قوية أخذت طريقها لفكه بغضب مما صرح به أدت لسقوطه مجددا أرضا ثم قال بحدة.

-الشراكة اللى بينا اعتبرها اتفضت ومش عايز اشوف وشك في اى مكان ابقى فيه وده احسنلك، ورفيف تنساها خالص
تحول وجهه لكتلة دموية وخارت قواه وظل مفترشا الأرض بجسده وغمغم بأنفاس يكافخ لالتقاطها
-فض الشراكة براحتك ومش هتشوفنى في اى مكان تبقى فيه، لكن رفيف لأ انا بحبها وعمرى ماهبعد عنها ولا هسيبها غير لو هي اللى طلبت منى ده.

ركله بمعدته ليصرخ الآخر بتألم وأخذ يتلوى في موضعه واضعا يده مكان ركلته شاعرا بألم بالغ بينما أخبره مجد بتحدٍ
-وانا هخليها تطلب منك ده بنفسها
ضرب الأرض بقوة رغم ذلك الوجع الذي يفتك به وتحامل على آلام جسده ونهض ثم قال بانفعال
-رفيف بتحبينى يا مجد واستحالة تسيبنى.

آثار أعصابه بما قاله وتلاحقت انفاسه غضبا ليقترب منه وسدد له لكمة جعلته يبثق الدماء من فمه ليهدر الآخر بمزيد من التحدى وعينيه غامتا بالكراهية التي لم يكن يتخيل أنه سيكنها له بيوم
-هنشوف.

غادر الغرفة بهيئة أقل ما تتصف به أنها قابضة للأنفس تحت نظرات الموظفين المتجمعين بالخارج والذين حضروا عندما استمعوا للضوضاء الناتجة عن شجارهما، تحرك جاسم بتمهل وتوجه للأريكة المجاورة وجلس عليها بإهمال ليجد بغتة عبراته تنساب فوق وجنتيه دون إرادة منه، فهو لم يتخيل أن يحدث بينهما كل ذلك، أن تصل علاقة الصداقة القوية التي تجمعهما منذ ما يقارب الخمس سنوات لتلك النقطة والتي هي من صنع يداه، لقد دمر كل شىء بغباءه، خسر صديقه وصديق والده الذي يعامله كفرد من عائلته، ومؤكد سيخسر رفيف، ظل يبكى بنهنهات طفل أضاع عائلته في الزحام وبقى في الطريق بمفرده.

اعترضت طيف خطواته الغاضبة بعد دلوفه البيت والتي تعجبت لها ليباغتها بسؤال هرع قلبها إثرا لسماعه وما زاد هلعها نبرة صوته المحتدة وملامحه المشتدة
-فين رفيف؟
ابتلعت وزاد نبضها بغتة ثم اجابته بهدوء
-فوق في اوضتها، في حا..

لم يدعها تكمل حديثها وتوجه نحو الدرج صاعدا إياه بخطوات سريعة، شعرت طيف بوجود خطب ما به وسؤاله ذلك آثار رهبتها، لذا صعدت خلفه كى ترى ما الأمر الذي جلب بها بتلك الساعة وجعله يتساءل عن رفيف، أيعقل أن يكون جاسم قد تحدث إليه عن أمر علاقتهما وأغضبه الأمر، استمرت في صعودها ولكن بخطوات متمهلة عكسه تماما.

ولج مجد غرفة رفيف الجالسة بهدوء على سريرها وملامحه لا تبشر بالخير نهائيا، توجه نحوها وصفعة مدوية انزلها على وجنتها مما جعل صرخة عالية اندلعت من فيهها تبعها قوله لها بصراخ وهو ممسكا بخصلاتها بين يديه وباليد الأخرى واضعا إحدى الصور أمام مرأى بصرها
-هو ده اللى صحاب؟

ازداد وجيب قلبها ولم يسعفها عقلها ولا لسانها على التبرير أو النطق لتنخرط في البكاء بينما أتت طيف مسرعا وأبعدت يده عن خصلات الأخرى التي كادت تُقتلع بيده محررة إياها وصاحت به
-مجد، ابعد ايدك ايه اللى بتعمله ده؟
وجه نظره لها وعينيه تبرقا بقوة مخلفة هيئة مخيفة وصرخ بها زاجرا إياها
-ملكيش دعوة يا طيف، ابعدى من قدامى.

ازدادت الأخرى في البكاء وقفت طيف حائلا بينهما وهي تنظر بخضراوتين غير آبهتين بعصبيته تلك وقالت بعند وتصميم
-مش هبعد يا مجد ومش هسيبك تلمسها تانى.

نهج صدره بمزيد من الغضب وهو مثبت نظره عليها لتجده أومأ برأسه بحركة معتاد عليها عندما يتملكه الغيظ وتراجع للخلف ثم ترك لهما الغرفة، استدارت هي للماثلة خلفها لم تكف عن بكائها وطالعتها في صمت ونظراتها تحمل مزيجا من الحزن والخزى مما فعلته ولكن لم تستطع منع نفسها من الإقتراب وأخذها بأحضانها، استجابت لها رفيف وارتمت بأحضانها وازداد بكائها ظلت تربت طيف على ظهرها وأخذتها نحو الفراش واستلقتا عليه، بعد الكثير من الوقت وجدت طيف الأخرى بأحضانها قد استكانت تماما واختفى صوت شهقاتها، أخفضت نظرها إليها لتجدها قد غفت ابعدت جسدها عنها بتريث ونظرت لها بحزن ونهضت من الفراش وغادرت الغرفة غالقة لها الأضواء.

دلفت غرفتهما لتجده نائما على الفراش مسلط نظره على السقف، لم تحدثه وتوجهت لغرفة الثياب لتبدل ثيابها خرجت بعد دقيقتين وتوجهت نحو الطرف الأخر من الفراش، وما إن دثرت نفسها بالغطاء حتى وجدته اقترب منها وتوسد صدرها برأسه محتضنا خصرها بقوة، لا تدرى ما الذي به ليجعله متشبثا به بتلك الطريقة أهو خائف من شىء أم ماذا، ظلا هكذا لبضع الوقت بصمت تام بينهما لتستمع لتنهيدته المطولة والتي لفظها بتروٍ وأردف بعدها بكلمات مليئة بالندم وبنبرة خافتة مغمغما.

-انا ازاى مديت ايدى عليها، انا عمرى ما عملتها، ماما موصتنيش اعمل كده.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة