قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني والعشرون

تغلل لقلبها مدى التألم بداخله من نبرة صوته التى اندلعت حاملة كل تلك الكسرة، فقد اتضح لها انه حساس بدرجة كبيرة ويتبدل حاله كليا عندما يتعلق الأمر بوالدته، أحست بابتلال نحرها الواضع فوقه رأسه لتعلم أنها ما إلا دموعا انهمرت من عينيه لتستقر فوق موضع قلبها لتصيبه بوخزات وجع على حزنه الذى أصبحت لا تكره بحياتها أكثر منه، حاوطته بذراعيها ضاممة إياه بقوة محاولة أن تشعره باحتوائها له، زاد تشبثه بجسدها أكثر وكأنه خائف تركها له ويُطمئن قلبه بتلك الطريقة أنها لن تذهب وتتركه مهشم القلب بلاها، تلك النبرة التى لا تكف عن تقطيع نياط قلبها ألن تبتعد عن صوته أم ماذا؟ فلقد تمتم من جديد بكلمات عرفت طريقها جيدا بالإستقرار بداخل قلبها مهشمة إياه لفتات وهو يهمس.

-انا عمرى ما كنت قاسى مع رفيف، بس هى اللى اضطرتنى اعمل كده، اللى شوفته صعب أى أخ يقبل بيه أو يتحمل يشوف أخته بالمنظر ده
ملست على خصلاته بحنان ودعم وأردفت بصوت أجوف
-عارفة ان اللى شوفته صعب، وغلط كبير جدا اللى هى عملته، بس كنت اتكلم معاها عاقبها عقاب تانى غير انك تمد ايدك عليها، مش ده الحل يا مجد ولا هيصلح الغلط
زفر بضيق وأردف موضحا.

-عارف، بس مقدرتش اتحكم فى اعصابى كانت فى نار قايدة جوايا، عاصم الكلب هو اللى صورهم وكلمنى عشان يستهزأ بيا وهددنى بإنه ينشر صورها، انا عمرى ما اتحطيت فى موقف زى ده ليه تعمل فيا كده، ليه تكسر عينى قدام واحد زبالة زى ده.

شعرت بمدى ضيقه خاصة وأن من بعث له الصور ذلك الشخص الذى قام والده باختطاف أسيف من قبل وهو هدده بإيذائها مؤخرا، ولكن ما آثار ضيقها هو علاقته ب رفيف التى من المؤكد أنها ستتأثر بما فعلته لتتكلم بتردد
-هما، بيحبوا بعض ودى كانت لحظة ضعف و...
قاطعها متابعا كلماتها بحدة وتشنج جسده بقوة شاعره به فوق جزعها الذى يتوسده
-ومعملتش حسابنا محطتناش انا وابوها قدام عينيها وهى فى حضنه، انا مش مصدق ان رفيف تعمل كده.

ترددت لوهلة أن تتكلم ولكنها حثت نفسها على التحدث علها تُهدئ من حدة روعه قليلا قائلة بحصافة
-رفيف بتحب جاسم بجد وأكيد استسلامها معاه ده نابع من ثقتها فيه اللى واضح انها بشكل اعمى، ومش ببررلها هى غلطها كبير فعلا بس ممكن يكون فى حاجة مش لقياها معاكوا وجاسم عوضها عنها
استمعت لزفرته الحانقة وشعرت بأنفاسه الساخنة التى جالت فوق نحرها والتى تبعها قوله معارضا.

-حتى لو كان كده ده ميشفعلهاش اللى عملته، ميخليهاش تروح ترمى نفسها فى حضنه، والله اعلم حصل بينهم ايه تانى غير اللى فى الصور
صُدمت من قوله الأخير وأخذت ترمش بأهدابها بعدم تصديق لما تشدق به لتهدر بلوم قائلة
-انت يا مجد اللى بتقول كده!، انت لسه قايل انك مش مصدق ان رفيف تعمل كده تقوم تفكر انها عملت حاجة أكبر
أغمض عينيه بتخبط هائل وتحدث قائلا.

-دماغى مبقتش فيا، لسه مش قادر اتخيل اللى شوفته، ولا كلام الزفت ده راضى يطلع من دماغى وكل ما اعيده مع نفسى دمى بيتحرق
لعنت ذلك البغيض بداخلها على كل ما يبدر منه من مصائب لا تعلم متى ستنتهى ومتى سيبتعد عن حياتهم متخلصين من جرائر شره، سحبت نفسا فى تأهب ولفظته ثم هدرت بصوت هادئ قاصدة أن تُطمئنه.

-معتقدش انه ممكن ينشر صورهم زى ماقولت لأن كده هيحط نفسه فى مساءلة قانونية وخصوصا لو اثبتنا ان فى بينهم علاقة رسمية، واحنا ممكن برضه نلحق الدنيا قبل ما تخرب كده ونخطبهم لبعض و..
انتفض من فوق صدرها ونظر لها وعيناه تتقافز فيهما شرارات ملتهبة وقال محتجا
-لأ مش هيحصل مفيش خطوبة بينهم هتتم، جاسم مش يخونى ويمشى مع اختى من ورايا ويعمل كل القرف اللى عمله ده وانا اكافئه واجوزهاله.

شعرت برهبة لحظية من هيئته الغاضبة لتبتلع وسحبته مجددا لأحضانها لم ترغب بمجادلته كى لا تتعقد الأمور لأكثر من ذلك وقالت بتريث
-طب اهدى خلاص اللى انت عايزه هو اللى هيحصل
استجاب لجذبها إياه وتوسد صدرها وهو يلعن ذاته بداخله على غضبه الذى لم يتحكم به وجعله يهب بوجهها بتلك الطريقة، بقى هادئا للحظات قبل أن يأتى بذهنه محادثتهما صباحا ويهتف بها مناديا إياها
-طيف.

همهمت وهى مستمرة بتخلل أصابعها برأسه بتلك اللمسات التى تهدئ اعصابه وتخفف من حدة ذلك الصداع الذى يشعر به منذ أن رأى تلك الصور، ليطنب هو متكلما
-انتى النهارده الصبح كلمتينى وقولتيلى انك هتجيلى الشركة صح!
ازداد نبضها لتذكرها أمر حملها بينما اجابته بخفوت مؤكدة
-ايوه
كاد يسألها هل ذهبت أم ماذا وفيما كنت تريده، ولكن استوقفه أمرا آخر ليتساءل به مستفسرا.

-انتى كنتى فين اصلا وقتها مقولتليش يعنى انك هتخرجى النهارده؟
قضمت شفتيها وتوقفت عن لمساتها فوق رأسه ثم ردت قائلة
-ما هو انا كنت عند الدكتورة
ارتفع برأسه عن صدرها وطالعها بتفحص ليرى انها تبدو بخير ولكنه تساءل بقلق طفيف حيال ذلك
-ليه انتى تعبانة؟
هزت رأسه بالسلب وردت نافية
-لأ مش بالظبط
عقد حاجبيه وهو ينظر لتعبيراتها التى تبدلت قليلا وقال باستفهام
-امال ايه؟

زاغت بنظرها واخذت تجاوبه بتلجلج من عدم قدرتها على صوغ الكلام
-يعنى هو انا، اصل كنت حسيت ان، بص هو اللى حصل انه..
استوقف تحدثها ذاك بتلك الكلمات الغير مفهومة قائلا بغرابة من تلعثمها
-فى ايه يا طيف؟، ما تتكلمى على طول
-أنا حامل
دون سابق إنذار باغتته بقول شىء لم يتوقع أن يستمع إليه لينعقد لسانه لثوانٍ إثر صدمته ولكنه سريعا ما أدرك ما قالته ليتساءل بتوجس وتأكد مما استمع إليه
-حامل؟

أومأت له بالإيجاب وبسمة صغيرة زينت ثغرها وقالت
-انا كنت حاسة انى متغيرة الفترة اللى الأخيرة وخصوصا بعد ما رجعنا من السفر فجيبت النهارده الصبح أول ما صحيت pregnancy test strip وطلع positive بعدها روحت أكشف عشان اعرف الحمل بقاله قد ايه واتطمن على حالة الجنين عشان اعرفك.

وكأن سعادة العالم بأجمعه تجمعت بعينيه وهو لا يصدق بعد أنها تحمل بطفله، لا يصدق أن ينمو الآن بداخلها قطعة صغير منهما نتاجا لذلك العشق بينهما، بابتسامة واعين ملتمعة بوهج غريب تساءل
-وهو عمره قد ايه؟

توسعت ابتسامتها وجاوبته بفرحة اخذت طريقها فوق ملامحها
-تلت اسابيع
اختفت البسمة تدريجيا من وجهه وتساءل بطيف قلق استشعرته الأخرى من نبرته وعينيه
-يعنى هو كويس؟
أجابته بلطف وهو تتحس وجنته
-ايوه الدكتور طمنتنى و..
قاطعها متابعا بتساؤل آخر ولكن رأت قلق جم اندلع من حدقتيه
-وانتى هتبقى كويسة؟
احتوت وجنتيه بين يديها وردت بخفوت
-ايوه يا مجد هبقى كويسة و، ، انت مالك بتعيط ليه؟

توقفت عن متابعة ردها وتساءلت بوجل عندما رأت دمعته التى سالت فوق وجنته ليتكلم بنبرة خفيضة بصوت متحشرج
-فرحان بس، مش مصدق انى بعد كل السنين اللى عيشتها حارم نفسى من انى احب ويبقالى حضن اترمى فيه ربنا يبعتلى واحدة زيك تحبنى وتعوضنى عن كل حاجة وحشة شوفتها ودلوقتى حامل بابنى، اللى انا لسه مش قادر احدد احساسى اللى انا حاسه من خبر وجوده وان فى روح جواكى منى.

تحسس بطنها الذى لم يظهر عليه بعد آثار حملها بكفه بلمسة رقيقة حانية وانحنى مقبلا إياه وارتفع وتوسد صدرها من جديد واستطرد هامسا
-انتى من ساعة مادخلتى حياتى وكل حاجة اتغيرت للأحسن عمرى ماضحكت من قلبى غير وانا معاكى ولا عمرى كنت مبسوط زى دلوقتى احساس الراحة اللى انا حاسه ده عمرى ما حسيته إلا وانا فى حضنك، وده مخوفنى اوى
رفعت وجهها ليقابل وجهه وهى متعجبة مما قاله بالأخير لتردف سائلة باهتمام
-مخوفك ليه؟

لفظ الهواء الثقيل من صدره وأجابها بملامح شجية
-خايف يا طيف ابقى لواحدى تانى ويحصل أى حاجة تبعدك عنى
ألهذا الحد يخشى ابتعادها، تعجبت لتكراره تلك الكلمات المتغلل بها خوفه المستبد منه من ابتعادها الذى لن يحدث مطلقا، لترد على الفور محتجة
-وانا قولتلك مش هبعد ولا فى حاجة هتبعدنى عنك
أكمل عبارتها بغصة تخنق حلقه وصوت ضعيف قائلا
-غير الموت
أمعنت النظر فى ملامحه المتألمة لتزم شفتيها فى تحفز وأردفت بنبر جادة.

-مجد بلاش تفكيرك يبقى بالشكل ده الموت والحيا بتوع ربنا وانا هفضل معاك وهنكمل حياتنا مع بعض وكلها كام شهر وهيبقى كمان معانا ابننا
بألم مازال يشوب صوته أخبرها
-الخوف مش راضى يطلع من جوايا يا طيف، خايف ييجى يوم واخسرك وارجع لواحدى، ودلوقتى خوفى بقى زايد لما عرفت بحملك، مش هقدر اتحمل بُعد حد فيكوا عنى، انا ممكن يجرالى حاجة لو ده حصل
ترقرقت عينيه بالدموع لتجذبه لأحضانها وضمته إليها بقوة وهدرت ناهية إياه.

-متقولش كده يا مجد، انا هفضل معاك ومش هتخسرنى ومش هترجع لواحدك ابدا، وابننا لما ييجى هيملى علينا حياتنا كلها
دفن وجهه بتجويف عنقها مستنشقا إياه مطولا وأغمض عينيه براحة وقال بعاطفة صادقة
-انا عمرى ما سمحت لحد يشوف دموعى بعد موت ماما غيرك، عمرى ما ظهرت ضعفى لحد إلا انتى يا طيف، انتى الوحيدة اللى ببقى عايز اجرى عليها وانام فى حضنها واعيطلها واحكيلها عن أى حاجة جوايا وجعانى، أنا بحبك أوى.

لا يعلم كم يسعدها تصريحه بعشقها الذى تتمنى أن يظل يخبرها به فى كل وقت، لتغمغم بنبرة تندلع منها العشق
-وانا كمان بحبك اوى
كأنها كانت بمثابة مطلع الفجر الأول لتائه خاف العتمة فأنارت له حياته المظلمة وبثت الراحة والطمأنينة لقلبه وداوت جروح روحه التى لم تندمل سوى بوجودها.

دلف جاسم غرفة المكتب الخاصة بذلك البغيض عنوة وبالرغم من اعتراض أحد الموظفين الذى استمع لشجاره مع السركرتيرة التى كانت تمنعه باستماتة من دلوف المكتب لعدم أخذه ميعاد مسبق لمقابلة رب عملها، توجه مسرعا نحو الجالس فوق مكتبه يباشر عمله وقاطعه دلوف جاسم الذى هجم عليه مسددا له لكمة بوجهه مليئة بالغضب المتملك من كل خلية بجسده بينما صدح صوته بصراخ وهو مُمسَكا بواسطة بعض الموظفين مانعين إياه من التقدم نحو ذلك الذى تلقى اللكمة توا.

-فرحان كده ها، مبسوط ان شغل النسوان الو*** بتاعك جاب نتيجة.

اندلعت ضحكة مستهزئة من فيه عاصم الذى لم يُستثار من لكم جاسم له بل أحس بنشوة إنتصار تملكته من هيئته التى توحى بحدوث شجار عظيم بينه وبين مجد، نعم لم يكن جاسم هو المقصود بالأمر وإذا صح القول فليست رفيف أيضا ولكن حسنا هو من أدخل نفسه الآن بتلك اللعبة وعليه التحمل إذا، قام من فوق مقعده ودار حول مكتبه كى يصبح قبالة الآخر الذى يرى الغضب جليا على وجهه متحفزا للإنقضاض عليه مجددا لولا ذلكم المانعين إياه، وأثناء ذلك تكلم بسخرية واضحة متسائلا.

-وهل ده كله بقى عشان مجد ولا، رفيف!
استشاط من نطقه لاسمها ليصرخ به ناهيا إياه
-متجيبش سيرتها على لسانك
ارتفع حاجبه بصدمة مصطنعة وهو يبتسم باستفزاز له وأردف
-الاه، ده انت بتحبها بقى، وانا اللى افتكرته عط كده على الماشى، لا بس رفيف تساهل برضه.

كلمات ذات معنى قمئ خرجت من فيهه لتجعل الآخر يشعر أن بداخله جمرة من نار ليحاول الفكاك من الذين مازالوا ممسكين به وتكلم بمزيد من الصراخ الغاضب الذى يبدو وأنه قد جرح أحباله الصوتية
-بقولك متجيبش سيرتها، هى أشرف من ان لسانك القذر ده ينطق اسمها
قهقه ضاحكا ليثير أعصابه أكثر وهدر باستخفاف وسخرية بكلمات متوارية ذات معنى وقح للغاية
-لا ومن ناحية الشرف فانا شوفت بعينى الحقيقة واشهدلها بكده.

اشتدت ملامحه وحاول الهجوم عليه ولكن هؤلاء الأغبياء يحيلون بينهما لينظر له بكره أصبح يكنه بداخله له وصاح به بوعيد
-مش هسيبك يا عاصم انت سامعنى مش هسيبك
نفض ايديهم عنه بعصبية بالغة وغادر الغرفة مهرولا بخطوات غاضبة، بينما تبدلت ملامح الواقف من البرود إلى الإحتدام وصاح بالموظفين المتجمعين بمكتبه أمرا إياهم
-براا.

فروا سريعا من أمامه مغادرين الغرفة بينما أغلقت سكرتيرته الباب خلفهم ليظل واقفا هو بمكانه ينظر للفراغ أمامه بنظراته المليئة بالخبث الذى أخذه عن والده، يشعر بفخر كون مخططه قد نجح وبجدارة، فلقد استغل علاقة جاسم و رفيف لإذلال مجد والتى علم بها منذ فترة وعلم أيضا بذهابها له الشركة كثيرا من الأحيان وقضائها العديد من الوقت بداخل مكتبه معه، لم يخفى عليه كونه رجل ما الذى من الممكن أن يحدث بينهما أثناء بقائهما معا بمفردهما، لذا قد أخبر أحد رجاله بذرع كاميرات بداخل مكتبه لتسجل إحدى جلساتهما معا وجلبها له بعدها ليتأكد من ظنه حيال مقابلاتهما المنفردة تلك، وهذا مع حدث بالتحديد فقد أعطى ذلك الرجل الذى أوصاه بتلك المهمة الحقيرة بضع نقود لواحد من العمال المسؤولين عن النظافة بالشركة والذى يدلف مكتبه لتنظيفه وأخبره عما سيفعله.

تقدم من أحد المقاعد وجلس عليه واضعا ساق فوق الآخر ترتسم على ثغره ابتسامة شيطانية تعبر عن نواياه التى خبتت بداخله لطوال تلك السنوات التى كانت والدته على قيد الحياة حيث أنها كانت الحائل بينه وبين كلمات والده التى كان يسمم بها ذهنه، وهو فى حقيقة الأمر كان الشر دفين بداخله وكانت تلك الكلمات ما هى إلا محفزا لا أكثر ولا أقل، والآن لن يمنعه عن تلك العائلة أحد ولن يتوانى للحظة فى تدمير صفو حياتهم وبالتحديد ذلك الذى يرى نفسه بمكانة العظماء فلن يتراجع عن دعسه بحزائه كعقب سيجارته التى يلقى به أسفل قدمه وهذا ما سيفعله تحديدا مع مجد بواسطة مخططاته التى رسمها بمخيلته المريضة.

رآها وهى توارى شيئا ما بدرفة دولابها فور دخوله ليشعر برغبتها فى إخفاء ذلك الشىء عنه ليسير بمجازه نحوها وهو يتساءل وهو مضيقا عينيه بمرح
-ايه اللى خبيتيه فى الدولاب بسرعة كده قبل ما اشوفه؟
ظهر التوتر على تعابير أسيف وهى واقفة قبالته وظهرها ملاصقا للدرفة التى أغلقتها فور دخوله، لتجيبه بربكة
-مش حاجة، انت جيت امتى؟

حاولت جذب انتباهه عما يتساءل عنه ببراءتها التى جعلته يتأكد مما رآها ومن شكه بقصدها فى تورية ذلك الشىء عنه، ليجاوبها بإيجاز وهو يمد يده من خلفها ليفتح الدرفة
-لسه جاى
ازدادت من التصاقها بالدرفة من خلفها كى تعسر عليه فتحها وتحدثت متسائلة باستفسار مصطنع
-عايز حاجة اجيبهالك؟
نظر لها بطرف عينيه ورد بمراوغة
-هجيبها انا الحاجة اللى عايزها
زمت شفتيها بضيق من محاولاته إزاحتها وقالت وهى مثبته جسدها بموضعه.

-طب هنا هدومى على فكرة مفيش حاجة ليك هنا
زفر بنفاذ صبر من عدم سماحها له بمعرفة ما تواريه عنه وأخبرها بتصميم
-ما هو انا مش هبعد من هنا غير لما اشوف مخبية ايه يا أسيف ومش عايزانى اشوفه
قضمت شفتيها بيأس من ابتعاده وأردفت طالبة
-طب خليها بالليل وهعرفك مخبية ايه
ابتسم باقتضاب وهدر برفض
-لأ دلوقتى، ممكن بالليل تخمينى وتورينى أى حاجة غير اللى مخبياها
اعتلت الصدمة قسماتها وأردفت بتساؤل وهو تشير بيدها تجاه نفسها.

-انا هخمك؟
ظهر الحنق على ملامحه ورد بتأكيد
-ايوه وهتورينى ولا اشوف انا بنفسى
تأففت وابتعدت عن الخزانه بقلة حيلة وقالت بغيظ
-اووف، ده انت رخم
فتح الدرفة ليجد شيئا ما يشبه البرواز مغلف بإحكام وبطريقة رقيقة، ليعقد حاجبيه بتعجب وتساءل
-ايه ده؟
مطت شفتيها وهى عابسة وتشدقت
-ماتشوف، مش عايز تشوف بنفسك برضه.

فك رباط الغلاف وابعده ليرى لوحة بها صورته علم أنها هى من رسمتها لم يتعجب لرسمها لصورته بذلك الإبداع والحرفية البالغة فهو يعلم موهبتها التى تمتلكها منذ الصغر ونتيجة لها كان حلمها الوحيد منذ كانت طفلة دلوفها لكلية الفنون التى مازالت إلى الآن تراها أكبر إنجازا حققته، توسعت ابتسامته مظهرة غماذتيه ورفع زيتونتيه اللامعتين ببهجة إليها متسائلا
-عملتيه امتى ده؟
ابتسمت بطيف خجل وقامت بإعلامه قائلة.

-بقالى يومين بعمل فيه، وكنت هتديهولك بالليل بعد اتناشر عشان عيد ميلادك، بس انت اللى غلس
لمعت عينيه ببريق غريب لم تفهمه وهو يقترب منها وابتسامة عابثة أخذت طريقها لثغره وهو يقول
-ده احنا الظاهر علينا كده بقينا واقعين اوى وبنعمل مفاجآت وبنجهز فى هدايا اهو
توترت من تقدمه وكلماته التى لا تزيد سوى من إخجالها لترمش بأهدابها وهى تتساءل بمحاولة منها لإشغاله عما ينوى فعله
-اا، البورترية عجبك؟

قال بأذنها بعد أن التصق بها هامسا
-عجبنى أوى، بس اللى عملته عجبانى أكتر ونفسى..
استمعت لنداء والدتهما من الخارج لتنفض يده التى بدأت بتلمس منحنياتها مقاطعة إياه وردت عليها بنبرة صوت مرتفعة نسبيا
-جايين اهو يا ماما، يلا عشان نتغدا
قالتها وهى تتوجه نحو باب الغرفة ليسد عليها الطريق ويقف حائلا بينها وبين الباب وحاصر خصرها بذراعيه واقترب من اذنها مجددا وأردف بتهديد مازح.

-يعنى هى بقت كده!، بالليل عيد ميلادى على فكرة ومفيش ماما هتخلصك منى او تحوشنى عنك
انشق ثغرها بابتسامة على طريقته وكلماته اللتين تشعراها بدغدغة تسرى بأوصالها وكادت تستجيب له وتبادله تلك القبلة التى بدأ بها للتو ليفيقها صوت والدتها من جديد، لتدفعه من صدره وتخطته خارجة من الغرفة وهى ترد على نداء والدتها قائلة
-جاية اهو يا ماما.

لهث بتثاقل وهو مشدوها من دفعها له بتلك الطريقة ليقول بضيق وهو متوجها للحمام الملحق بغرفته
-ماما قصداها كده بقى.

ولجت سيارته من بوابة بيت والده تسير فى مجازها نحو المرأب ليصفها وهو يتنهد بإرهاق فاركا جبهته بإبهامه وسبابته محاولا التخلص من الضغط العصبى المتملك منه منذ الأمس، أطفأ محرك سيارته وترجل منها أخذا طريقه نحو الداخل، ليقابل شقيقته الصغرى والتى علم من العاملة ببيته أنها غادرت صباح اليوم، يجب أن يتحدث إليها ويعلم إلى أى مدى كانت علاقتهما فتلك الشكوك التى تساوره والظنون التى تعبث برأسه أرهقت ذهنه بدرجة قصوى، وهو لن يدع أفكاره تتمكن منه دون أن يتحدث إليها أولا.

طرق فوق باب غرفتها وانتظر حتى سمحت له بالدلوف، ليراها جالسة بشرفتها بوجه خال من الحياة تقدم منها وما إن شعرت به حتى انتفضت فى جلستها وظهر الخوف على ملامحها ليزم شفتيه بأسى عليها فلقد أصبحت تخشى وجوده وهذا ما لم يحدث قبلا، جلس على مقعد مقابل لها وتكلم بهدوء بنبرة جادة
-عايزه اعرف علاقتك انتى وجاسم كانت واصلة لحد فين؟

نظرت لها بارتباك ولم تعرف ما الذى يجب عليها أن تقوله لتستمع له من جديد يتساءل بتوضيح لما قاله منذ برهة
-يعنى اللى حصل بينكم، اللى فى الصور بس ولا فى حاجة تانية؟
توصلت للمغزى من سؤاله لتجيبه مسرعة دون تفكير بنبرة ظاهر عليها آثار بكاء
-اللى فى الصور بس مفيش حاجة تانية حصلت
لا يتحمل النظر لملاحها وهى على تلك الهيئة الحزينة ولكنه جال بفكره توا كلمات عاصم له ليوصد عينيه بغضب وتساءل بنبرة معاتبة.

-ليه عملتى كده؟
ظهر الندم بعينيها قبل ان تحيد بنظرها عنه وتطأطئ رأسها لأسفل ليقول بتريث وهى يتفحص تعبيراتها ليرى تأثير وقع كلماته عليها
-انا ممكن ارجع معاكى زى الأول واسامحك على اللى عملتيه بس ده فى حالة انك تنسى موضوع جاسك وتبعدى عنه، وقتها بس هحاول انسى اللى حصل.

نظرت له بصدمة ليرى عدم رغبتها فى الإبتعاد عنه ولكنه سيترك لها الخيار إما أن تختاره أو تختار الآخر وتنسى أمره حينها، استقام واقفا وكاد أن يغادر ليستمعا لرنين هاتفها الموضوع فوف الكومود تقدم منه والتقطه ليرى اسمه على شاشته التفت لها وهى واقفة خلفه قد قامت هى أيضا عندما استمعت لرنين الهاتف، ناولها الهاتف وقال لها بجمود آمرا إياها
-ردى عليه وقوليله معادش يكلمك ويبعد عنك وانك ماعدتيش عايزاه فى حياتك.

أخذت الهاتف بيد مرتجفة وردت عليه بنبرة مهزوزة قائلة بعد ثوانٍ تحاملت على نفسها لتنطق بتلك الكلمات
-معدتش تكلمنى تانى و. ومعدتش عايزاك فى حياتك
انسابت عبراتها ليأخذ منها الهتف ناهيا المكالمة وألقاه فوق فراشها وغادر الغرفة لترتمى بجانب الهاتف فوق الفراش باكية بحسرة على ما آلت إليه الأمور.

ترجل من سيارته وهو يشعر بإنهيار كل خلية تفكير بعقله خاصة بعد ردها عليه بالهاتف الذى حطم قلبه لفتات، أستتنازل عنه بتلك السهولة؟، هو على استعداد تام بمحاربة الجميع للنيل بها وهى تريد الإبتعاد، ألا يوجد له أهمية عندها، ألم تعشقه كما كانت تخبره دائما، نعم هى تعشقه وهو يعلم ذلك جيدا، مؤكدا مجد هو من جعلها تتشدق بتلك الكلمات الواهية فهو علم بوجوده بالداخل من الحرس ف رفيف يستحيل أن ترغب بإبعاده عن حياتها فهى تعشقه مثلما يعشقها ولن تتحمل حياتها بدونه.

واقف ببهو البيت ومن يرى هيئته المزرية تلك لن يصدق أن هذا هو جاسم الذى يهتم بمظهره الذى لا يشوبه شائبة، وبصوت صارخ نادى عليه
-مجد، يا مجد
رآه يهبط درجات السلم بكبر وهو مثبت نظره عليه ليتفاجأ للحظة من هيئته ولكن لم يُظهر تفاجؤه وهدر ببرود
-صوتك عالى ليه؟
اقترب منه وهو ينظر له بعينين حمراوتين طغت على لبنيتهما وقال باندفاع وانفاس متلاحقة.

-انت اللى خليت رفيف تقولى كده؟، استحالة رفيف هتقولى معدتش عايزاك من نفسها، رفيف بتحبنى ومتقدرش تبعد عنى، انت اللى اجبرتها تقول كده انا متأكد
لم يرَ تلك الحالة عليه من قبل ألهذا الحد يعشقها حقا، أين ذلك الهادئ المعتاد عليه، هذا ليس ب جاسم مطلقا، نفض كل تلك الأفكار التى واتته ورد عليه معقبا بمزيد من البرود
-شكل كده اللى حصل فى المكتب مش مكفيك فعايزنى اكمل عليك هنا.

قد أصابته حالة هوجاء وتكلم مسرعا بعد مبالاة مرددا
-اعمل اللى تعمله بس خلينى اكلم رفيف، انا مش هسيبها انا بحبها
أوغر صدره برده ليكز على اسنانه بغضب محاولا كتمانه فهو لا يضمن عواقبه تلك المرة ثم قال من بين اسنانه الملتحمة
-اطلع برا يا جاسم
برقت عينيه بشدة وهو يهدر بنبرة عالية برفض قاطع
-مش طالع من هنا قبل ما اكلم رفيف
أغمض عينيه وهو لم يعد لديه ذرة تحكم واحدة بأعصابه ليتكلم بزئير غاضب طاردا إياه مجددا.

-جاسم انت وجودك هنا غير مرغوب فيه، احسنلك تمشى لأنى مش ضامن ممكن اعمل فيك ايه المرادى
ظهر التشتت عى ملامحه وكأنه لا يعلم ما الذى يجب عليه أن يفعله لينظر له بعينين متوسلتين وقال بصوت منتزع منه الحياة
-طب خلينى أقابل هشام بيه
صرخ به وقد احتقن وجهه بدماء الغضب
-لا هشام بيه ولا غيره، أخرج من هنا دلوقتى حالا أحسنلك
تهدج صدره بأنفاس مختنقة وتخطاه شارعا فى صعود الدرج وهتف مناديا بصوت عالٍ
-رفيف.

جذبه الآخر من ثيابه مديرا إياه إليه وسدد له لكمة وهدر به بقوة
-برا يا جاسم، اطلع براا
استعاد اتزانه وكاد يدفعه من امامه كى يصعد إليها ليوقفه صوتها الشبه مهتز وهى تقول له
-امشى يا جاسم انا معدتش عايزاك، ارجوك امشى كفاية كده.

رفع نظره إليه وهى واقفة أعلى الدرج لم يصدق مسامعه أللمرة الثانية تخبره برغبتها فى تركه ألهذا الحد لا يملك أية قيمة عندها، لينظر لها بعينين دامعتين مليئتين بعتاب عاشق لتوه هُشم قلبه بينما لم تتحمل هى نظراته تلك والتفتت متوجهة لغرفتها سريعا، مازال ينظر لأثرها وهو يشعر بحزن بالغ استوطن قلبه رمق مجد بنظرة اندلعت منها الكسرة واستدار مغادرا البيت، كان ذلك كله مستمع إليه هشام منذ البداية والذى علم بما حدث بين مجد و جاسم فى الشركة من أحد الموظفين الذى قام بإبلاغه الأمر وعلم أيضا بعلاقة ابنته بابن صديقه الذى لطالما اعتبره واحد منهم، لا يعرف أيشعر بالحزن لأجلهما أم منهما ولكن ما يعلمه أنه حزين لما يحدث، لم يستطع مجد البقاء هو كذلك وغادر، ولا عزاء لكل ما حدث إلا عليهما فقط.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة