قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والعشرون

متوسدة صدره وهى بالكاد استطاعت تهدئة حدة خفقات قلبها الثائرة من قربه الذى لا يفشل فى تأجيج رغبتهما وإشعال جذوة الحب والشعور بلذاته، بينما كان هو يعبث بخصلاتها وهو مغمض العينين شاعرا بنشوة بالغة متنعما بذلك التقارب والإحساس بالراحة وهى دافنة جسدها بأحضانه كأنها تحتمى به من العالم أجمعه، انخفض بنظره إلى وجهها الذى تظهر عليه أمارات الراحة وابتسامة صغيرة مزينة ثغرها الوردى وهى محاوطة جسده بقوة كما لو أنها تريد دمج جسداهما معا، اتسعت ابتسامته مظهرة نواجذه وتحدث بنبرة صوت عذبة تعشق صداها على مسامعها.

-عارفة انى كنت بحبك من زمان اوى
استرعى انتباه أسيف ما قاله لترفع وجهها إليه وتساءلت بتريث مختلط بالتعجب
-من زمان اوى امتى؟
أعاد خصلاتها التى سقطت على إحدى عينيها خلف أذنها وهو يجيبها
-من حوالى خمس سنين تقريبا
ظهرت الدهشة على تعبيراتها وعينيها توسعتا وهى تردف بصدمة قائلة
-خمس سنين!، ازاى ده محستش خالص
مط شفتيه بحركة تلقائية واستطرد قائلا.

-انا نفسى مكنتش حاسس، الفترة دى كنت مشدودلك بشكل غريب كنت عايز أفضل باصصلك وبس وكانت بتيجى فى دماغى أفكار كانت بتشقلب كيانى
عقدت حاجبيها بغرابة من كل ما قاله لتطنب متسائلة باهتمام
-أفكار ايه دى؟
توسعت ابتسامته المراوغة لتظهر غمازتيه وأجابها
-يعنى، كنت بتخيل حاجات مكنتش تنفع تحصل بين اتنين اخوات
حركت كتفيها لأعلى بعفوية واستفسرت قائلة
-زى اى يعنى؟
رمقها بنظرات تندلع منها الخبث الملئ بالمرح وقالها لها.

-زى كده مثلا
قرب وجهه من وجهها الذى ثبته بيديه اللتين احتوته واخذ شفتيها بقبلة شغوفة، ظلت لثوان مشدوهة لا تبادله قبلته تلك ولم تفهم قصده مما يفعله ولكنها على حين غرة رفعت يدها وصفعته على وجهه بصدمة مما توصل فكرها إليه، فصل قبلتهما ونظر لها بتفاجؤ وتساءل بابتسامة محاولا عدم إظهارها
-ايه ده بتضربينى ليه؟
وكزته فى صدره بغيظ وتكلمت بحنق مندفعة به.

-عشان انت قليل الأدب احنا كنا اخوات وقتها ازاى تفكر تعمل كده
التوت شفتيه بابتسامة ماكرة ثم هدر بحالة من المُزاح
-طب وتقولى ايه بقى لو عرفتى انى مفكرتش بس، لا وعملت كمان
جذب انتباهها بكلماته مجددا لتدير رأسها إليه ترمقه بنظرات متسائلة وهى متوسدة الفراش بظهرها بجانبه لتستفهم منه على مضض
-عملت ايه؟
استدار إليها مستلقٍ على جانبه ليتقابل وجهاهما وتكلم وهو متكئ على ساعده مجيبا إياها.

-مرة كنتى تعبانة والسخونية مكنتش مخلياكى حاسة بحاجة حواليكى قعدت بدل ماما عملتلك كمادات مقدرتش امسك نفسى قدام شفايفك الحلوين دول قمت بوستك.
رفعت حاجبيها بمزيد من التفاجؤ الذى يبدو وأنه لن ينتهى تلك الليلة وما إن شرعت فى التكلم ليوقفها هو متكلما بهدوء وطيف خزى اعترى ملامحه.

-قبل ما تقولى حاجة انا اتضايقت اوى من نفسى وقتها، وحاولت اشغل نفسى عنك على قد ماقدرت، وفعلا بعدها استلمت شعل جديد ولهيت نفسى بيه وكنت كل ما عينى تقع عليكى واحس انى هضعف أفضل أفكر نفسى انك اختى وانك امانة بابا سابهالنا ومينفعش ابصلك بالشكل ده، بس اكتشفت مؤخرا وخصوصا لما بدأ موضوع أهلك انى كنت الفترة دى كلها بحبك وبمنع نفسى عن الحب ده، بتبصيلى كده ليه؟

تساءل باستفسار من نظراتها المغتاظة التى ترمقه بها لتجيبه بتهكم مرددة
-اصلك طلعت قليل الأدب وانا مكنتش اعرف كده
غمز لها وهو يقترب منها ليصبح شبه معتليا إياها وهمس بمكر
-لا ده انا قليل الأدب اوى كمان انت لسه متعرفيش حاجة
ارتبكت من انفاسه الساخنة التى ارتطمت بشفتيها بينما تساءلت باستفسار
-يعنى فى حاجة تانية معرفهاش؟
همهم بمراوغة وهو يزيد من اقترابه المشتت لتركيزها ورد بخفوت
-فى حاجات.

قطبت حاجبيها من جديد وأردفت مستفهمة
-وحاجات ايه دى بقى؟
ابتسامة ثقة انشقت فوق ثغره مصاحبة لنظراته المثبتة على شفتيها برغبة استطاعت رؤيتها بهما وقال بهمس وشفتيه تكاد تلتقط شفتيها
-حاجات حلوة اوى هتعجبك، ماتيجى تاخدى فكرة عن كام حاجة كده وتقوليلى رأيك
توصلت لمضمون كلماته المتوارى لتتكلم مسرعة وهى تدفعه بصدره محاولة ابعاده
-عدى احنا لسه كنا...

لم تكَد تكمل جملتها لتجد شفتيها بين شفتيه مانعا إياها عن المتابعة بطريقته بينما استسلمت هى للمساته الخبيرة التى تصل بها لعنان السماء، ليتركا فيضان مشاعرهما فى تلك اللحظة تتحكم بكل ما يحدث بينهما.

غامت عينيه خلف شرارت من الغضب وهب واقفا وهو يلوح بذراعه أمام وجهها مدمدما بصراخ
-يعنى ايه يعنى انتى بتتحدينى
ابتلعت داليا بوجل من هيئته المفزعة وقالت بوجوم مبررة
-مش بتحداك، بس بجد الموضوع حصل غصب عنى
ارتفعت نبرة صوته على الأخير وهو يصيح بها من بين اسنانه الملتحمة
-وهو كل مرة غصب عنك، الحمل ده مش هيكمل وانتى عارفة كويس اوى انتى هتعملى ايه.

أومأت برأسها برفض واعترى قلبها الهلع لما توصلت إليه من قصده بكلماته تلك وقالت مسرعة
-لأ مش هينفع انزله، ده تالت حمل والدكتور اللى بروحله قالى انه ممكن يبقى فى صعوبة انى احمل تانى لو نزلته المرادى
رمقها بنظرة جعلتها تبتلع مجددا خشية من ردة فعله بينما تكلم هو ببرود ولا مبالاة
-مش مشكلتى.

التفت متوجها صوب الأريكة ليأخذ سترته بينما اوقفته هى مديرة إياه إليها بيده التى أمسكت بساعده ثم قالت بتساؤل ممتزج بالصدمة
-امال مشكلة مين هو ده مش منك؟
ابعد يدها بتريث ودنا من وجهها قائلا بجمود وصوت يشبه الفحيح
-وانا مش عايزه
اعترى ملامحها الحزن وأردفت بخفوت وبنبرة مهزوزة راجية إياه
-لو نزلته ممكن مخلفش تانى، عاصم ارجوك أنا عايزاه
قبض على ذراعها واحتدت نظراته وهو يقول بغل وإصرار.

-انتى مش هتلوى دراعى بطريقتك دى عشان نتجوز، انا لا هتجوز ولا هتهبب أخلف
ملأت الدموع مقلتيها وقالت بإنكسار ونبرة مختنقة على وشك البكاء
-دى جزاتى أنا عشان سلمتلك نفسى من الأول
اقترب من أذنها وقال بخفوت بكلمات جارحة
-داليا انا مضربتكيش على ايدك عشان تسلميلى نفسك
انفرج ثغرها بصدمة هائلة مما يلقيه لإول مرة على مسامعها تزامنا مع انهمار الدموع من أحد عينيها تليها الأخرى وهدرت بصوت يغلفه اللوم.

-انا سلمتلك نفسى عشان بحبك
حرك كتفيه لأعلى باصطناع تلقائيته وأردف بنبرة صوت جامدة انتزعت منها أية مشاعر إنسانية
-مانا مضربتكيش على ايدك برضه عشان تحبينى
انحنى بجذعه ملتقطا سترته وتوجه صوب باب شقتها وهو يقول بجفاء
-قدامك اختيار من اتنين يا علاقتنا ببعض يا اللى فى بطنك
تحاملت على تلك الغصة بحلقها وقالت بتصميم وهى لا تزال بداخل صدمتها
-وانا مش هنزله يا عاصم.

التفت لها وحدجها بصلابة وهدر بطريقة هازئة حيث يعلم مدى عشقها له ويعلم مدى تأثير ما يقوله الآن عليها أيضا
-يبقى تنسينى خالص، وصرفى امورك انتى بقى مع نفسك.

غادر المنزل صافعا الباب خلفة مخلفا ارتجافة بجسد الواقفة بزهول ممزوج بدموع القهر على كل ما قاله، لم يعطى بالا لمشاعرها، علاقتهما التى تخطت الأربع سنوات، ولا حتى صلة القرابة بينهما وأنها ليست لديها عائلة سواه، دنت من الأريكة وجلست عليها ودموعها لا تتوقف عن الإنهمار فما قاله الآن بمثابة إخراجه لقلبها ووضعه أسفل قدمه ودعسه بقوة إلى أن هُشم لفتات، دفنت وجهها بين يديها وارتفعت شهقاتها فهى إن أظهرت الصلابة أمامه وعدم مبالاتها لما قاله إلا إنها تقطعت لأشلاء بداخلها لإخبارها بابتعاده عنها، فهى كل ما تخشاه هو تركه لها تعشقه إلى الحد الذى إذا طلب منها أن تخسر حياتها بأجمعها مقابل يوم واحد بجانبه تشعر به بعشقه لها ستفعل، وهو الذى قد استغل ذلك العشق لرغباته القميئة والتى لم تتمنع عن تلبيتها رغم ما يعتريها من اختناق حينها، ولكن ذلك العشق الأحمق هو ما أوصلها لتلك الدرجة فتاة فى الثامنة عشر وحيدة بلا أهل تحمل بطفل خطيئة للمرة الثالثة يطالب والده بإجهاضه للمرة الثالثة مقابل بقائه معها وهى التى أصبحت مشتتة الآن بين إختيارها لحبيبها التى لا تتخيل حياتها دونه وإختيار جنينها الذى لربما لن تحظى بغيره مجددا.

جالسان معا يتناولان طعام العشاء تحت نظرات طيف المترددة والتى لاحظها الآخر وعلم أنها ترغب بالتحدث إليه ولكن تعجب لترددها ذاك، لم تُزِد فى ذلك التردد وتكلمت بالنهاية متسائلة بطيف توتر
-روحت لرفيف الصبح مش كده؟
أجابها بهدوء بعدما ابتلع طعامه وهو موجه نظره للصحن أمامه
-ايوه روحت
زمت شفتيها بتحفز وتابعت متسائلة وهى تتفحص تعبيراته
-صالحتها؟
رفع نظره إليها وتساءل بتعبيرات وجه مشدودة مستنكرا.

-مين فينا الغلطان يا طيف والمفروض يصالح التانى!
ابتلعت ما بفمهما مرة واحدة وسريعا ما أشارت بيدها نحوه وردت بإنفعال قائلة
-انت يا مجد لإن انت الكبير هى صغيرة وغلطت وانت حاسبتها، المفروض بقى تحتويها وتفهم منها ليه عملت كده مش كل اللى تعمله إنك تضربها وبس، يعنى ده بنظرك الحل أو غير حاجة
ترك الطعام من يده ورمقها بقوة وبنبرة صوت حانقة للغاية تكلم.

-لأ مش حل يا طيف، بس أنا مش قادر اتكلم معاها، الكلام مش راضى يخرج كل اللى قدرت اقولهولها الصبح ليه عملتى كده ومردتش عليا كان باين عليها إنها خايفة منى ودى اول مرة تحصل، انا زى ماقولتلك عمرى ما مديت إيدى عليها ولا حتى زعقتلها ولو حصل فى وقت عصبية بيبقى غصب عنى وبصالحها بعدها، المرة دى مش عارف، بيجى قدام عينى صورها مع جاسم وكلام الحيوان اللى اسمه عاصم مش راضى يطلع من دماغى.

أصابتها حالة من الوجوم لم تدرِ ما الذى يجب عليها قوله الآن بعد كل ما قاله لترطب شفتيها وأردفت متلجلجة
-طب، طب يا مجد..

قاطع كلماتها ناهضا من مقعده مغادرا العرفة، أغمضت عينيها بضيق لما يحدث، بينما التمست له العذر فهو محق فى كل ما قاله ولكنها لا تريد للوضع أن يسوء بينه وبين شقيقته أكثر ولا تريد أن يحطم قلبها بقراره فى عدم تزويجها ل جاسم والذى لم يخبرها بكل ما حدث صباح اليوم ببيت والده بينه وبين جاسم والتى علمت به من رفيف عندما هاتفتها لتطمئن عليها، زفرت بضيق ونهضت هى الأخرى وأخبرت العاملة فى طريقها أنهما قد أنهيا عشائهما وأن تحمل الطعام من فوق المائدة ومن ثم توجهت بعدها صوب غرفتهما.

عندما وجدت أنه قد أطال مكوثه بالأسفل بغرفة مكتبه قررت أن تنزل إليه لترى ما به ولمَ لم يصعد إليها، دلفت الغرفة دون استئذان كعادتها لذا لم يرفع نظره عن الحاسوب أمامه ويرى من الذى ولج إليه لتيقنه بأنها هى من ولجت، اقتربت منه وهى تتساءل باهتمام
-بتشتغل؟
همهم بهدوء وهو مستمر فيما يفعله
-اممم.

صعدت فوق سطح المكتب جالسة فوقه وقالت بمرح راغبة فى جلب اهتمامه إليها من ناحية وتنسيه ما حدث وقت تناولهما العشاء من ناحية أخرى
-كنت عايزه اسألك من اول جوازنا سؤال مهم اوى
رفع نظره إليها وتساءل بجدية وهو عاقدا حاجبيه
-سؤال ايه؟
ابتسمت وأخذت تتنقل بنظرها بالأرجاء وأشارت بيدها بعشوائية نحو الغرفة وهدرت مستفسرة
-البيت ده ذوق مين؟، أصل بصراحة مش حاساه ذوقك خالص.

أغلق الحاسوب وأراح ظهره للخلف وعقد ذراعيه أمام صدره وتساءل متوجسا
-ليه ذوقه وحش؟
أومأت بالنفى وأجابته بصدق وطيف إعجاب لمحه بعينيها
-لأ حلو طبعا
همهم بمكر ورفع أحد حاجبيه وأردف متسائلا
-وانا ذوقى وحش؟
ابتسمت بمراوغة ورفعت أحد حاجبيها هى الأخرى كما فعل وقالت معقبة بثقة
-مينفعش يبقى ذوقك وحش وانت متجوز طيف
ابتيم لما قالته واستقام واقفا وتحرك من موضعه ووقف قبالتها وهمس أمام وجهها بعد أن أحاط خصرها بذراعيه.

-ايه الثقة المبالغ فيها دى؟
بدلال اعتاده منها مؤخرا طوقت عنقه وهدرت بتساؤل
-تقدر تنكر؟
وهو يرمقها بنظرات عاشقة وبابتسامة صغيرة أجابها بنبرة صوت دافئة قبل أن يقترب معانقا شفتيها بقبلة ناعمة
-لأ مقدرش
فرقا تلك القبلة بعد برهة وهما يلهثان بخفة لتنظر له بابتسامة وهو يتكلم مجيبا إياها على سؤالها بعد أن هدأت أنفاسهما.

-البيت يا ستى ذوق ماما، جيبت كل حاجة ماما كانت بتحبها العفش والألوان واللوح كل حاجة فيه، كنت عايز أحس روحها معايا فى المكان اللى هعيش فيه
ابتسمت بوداعة على ما قاله فهى كلما يمر الوقت عليهما معا تشعر بمدى رقته التى لم يُخيل أن يكون ذلك الكيان الصلب الذى يخشاه الكثير بكل تلك الرقة بداخله بينما تكلم هو مستطردا
-بس لو عايزه تغيرى حاجة أنا معنديش مانع ده بيتك وممكن ت...

قاطعته واضعة يدها فوق فمه وأردفت بلطافة وخضراوتيها تشع ببريق عشقها له
-مش عايزه أغير أى حاجة أنا حاباه زى ما هو كده، أنا بحب كل اللى انت بتحبه، وانت طالما مرتاح وسعيد بحاجة أنا كمان هبقى مرتاحة وسعيدة بيها، ومش عايزاك تزعل منى عشان انفعلت معاك فى الكلام انا بس مش عايزه علاقتك برفيف تسوء وتفضلوا واخدين موقف من بعض
ابعد يدها مقبلا راحتها مطولا ثم قال لها بهدوء وهو محتفظ بيدها فى كفه.

-رفيف اختى الصغيرة واستحالة اسمح لعلاقتنا ببعض انها تسوء انا بس بقرص ودنها عشان اللى عملته مش سهل يا طيف
اتسعت عينيها وابتسمت بلهفة وقالت بتساؤل أبله
-يعنى انت موافق ان هى وجاسم يتجوزوا؟
عبست ملامحه وهو ينظر لها مضيقا عينيه عليها بينما نفخت هى بضيق على عدم تحكمها بما تتفوه به ونظرت له باستياء وقالت متسائلة بحنق طفولى بحت
-هتتقمص تانى وتسيبنى وتمشى صح؟

لانت ملامحه وابتسم بحب وأومأ بالنفى وأقترب محتضنا إياها هو لم يتضايق منها فى الأساس ولكنه لا يعلم حقا ما الذى سوف يفعله مع شقيقته وصديقه، لقد تأثر كثيرا بما حدث صباح اليوم سواء من شقيقته أو صديقه الذى لم يرَه قبلا على تلك الحالة والتى علم من خلالها مدى عشقه لشقيقته ولكن هذا ليس شفيعا له بما فعله معها، تنهد مطولا وازداد من ضمه لجسدها علّ قربهما ذاك يزيح ولو لقليلٍ من ذلك العبء الموضوع فوق عاهله.

بعد فترة..

واضعة الهاتف فوق اذنها منتظرة أن تجيبها وهى تشعر بقلق بالغ يكاد أن يهشم عقلها من كثرة الأفكار السيئة التى تواتيها فلقد حاولت أن تهاتفه لأكثر من مرة ولكن هاتفه يعطى دائما مغلق ولا تدرى لمَ فهو لم يقم بإغلاقه نهائيا من قبل حتى مواقع التواصل الإجتماعى الخاصة به غير نشطة منذ يوم شجاره مع شقيقها، فاقت من شرودها على صوت السكرتيرة الخاصة ل جاسم التى هاتفتها لتقوم بمحادثته من خلالها لتتكلم رفيف مسرعة قائلة.

-ازيك يا منال، معلش كنت عايزه اكلم Mr جاسم الmobile network عنده مش بتجمع ممكن تدخليله الفون اكلمه
جاءها صوتها بنبرته الآسفة وهى تردف
-للأسف Mr جاسم مش بييجى من يوم خناقته هو و Mr مجد الشركة
شحب وجهها وأحست بوخزة بقلبها بغتة من فرط القلق الذى أصبح بداخلها لتقول متحاملة على إختناقها بنبرة ضعيفة متسائلة
-يعنى متعرفيش عنه حاجة خالص؟

استمعت لحمحمتها والتى تلاها كلماتها التى يبدو على صوتها وهى تتحدث بها بطيف خجل
-اللى عرفته من كزا حد حاول يتواصل معاه هنا فى الشركة أنه رافض يتكلم مع حد ومش بينزل خالص من بيته
ابتلعت تلك الغصة المريرة بحلقها وهدرت بقلة حيلة وهى تشرع فى إنهاء المكالمة
-تمام يا منال لو عرفتى أى حاجة عنه او لو جه الشركة عرفينى ضرورى.

ألقت الهاتف فوق فراشها بإهمال وجلست عليه والحزن والكدرة قد ملآ ملامحها التى كانت تملأها الحيوية دائما من قبل، تنهمر دموعها بصمت دون تحكم بها فلقد أصبح هذا حالها مؤخرا منذ ابتعادهما، تشعر بأن روحها قد نُزعت منها لم تكن تعلم أنها تعشقه لتلك الدرجة وأن إفتراقهما سوف يفعل بها كل ذلك ولكن ما تعلمه حقا أنها حطمت قلبه يوم مجيئه ومطالبته برؤيتها، لم يكن لديها حل آخر سوى ما قالته كان يجب عليه المغادرة فإذا كان بقى وقتها لمدة أكثر لكانا قد تشاجرا مجددا وهى لا تستطيع أن تتحمل رؤية شقيقها وحبيبها بتشاجران أمامها وهى تعلم أن علاقة صداقتهما قد وصلت لتلك الدرجة بسببها.

ازداد بكائها وهى تشعر بوجيب قلبها يزداد معه لقد اشتاقت إليه اشتاقت إلى رؤية ملامحه، ابتسامته، وكل إنش به، اشتاقت لضمه لها بعناق يطمئنها به أن كل ما آلت إليه الأمور سوف تتحسن وسوف تعود علاقتهما إلى سابق عهدها، تريد أن تخبره أن كل ما أخبرته به كان رغبة فى عدم خسارة شقيقها وحتى لا يسوء الوضع أكثر من ذلك، تريد أن تخبره بمدى عشقها له وعدم قدرتها على تحمل يوم واحد آخر بدونه، تريد أن يهدئ من حدة قلقها عليه والذى يتآكل بكل خلية بعقلها ويرسم لها سيناريوهات عدة عن احتمالبة إصابته بمكروه.

دفنت رأسها بوسادتها وهى تبكى ونهنهات بكائها قد علت لتصل لوالدها الواقف خلف باب غرفتها كان على وشك ولوجه إليها، فلكل تلك المدة لم يتحدث إليها حول ما أخبره به صديقه الذى يعمل بالفرع الخاص ب جاسم عن علاقتهما التى عرف بها العديد حتى من قبل أن يتشاجر ابنه و جاسم معا فقد أنتشر الأمر بالشركة من كثرة مقابلتها له بمكتبه والذى كان سرا دون علمه فى ذلك، حسنا هو غاضب منها ومما فعلته ولكن صوت بكائها ذلك قد قطع نياط قلبه لأشلاء فهو وإن كانت ابنته خاطئة ستظل ابنته ولا يتحمل رؤيتها بكل ذلك الحزن الذى بدل ملامحها بدرجة هائلة.

رفعت وجهها عندما احست بيد والدها فوق كتفها لتنظر بعينيها المليئة بالدموع له بإنكسار وندم فهو لم يحدثها بتاتا منذ معرفته بذلك الخطأ الذى ارتكبته إلا القليل ودون النظر بعينيها، ولكنه الآن ينظر لها بنظراته الدافئة ويربت على كتفها بحنانه المعتادة عليه منه مما شجعها على الإرتماء بصدره أحاطها هو بذراعيه بعدما جلس بجانبها مهدئا إياها، سيؤجل محاسبته لها ومعاتبته لوقت لاحق فابنته تحتاج لاحتواء الآن ليس إلا وإن كانت زوجته متواجدة بينهم الحين لكانت فعلت ما يفعله بالتأكيد.

مستلقٍ فوق الأريكة واضعا ساعده فوق رأسه وهو ينظر أمامه بنظرات فارغة بوجه شحب كشحوب الموتى بشعر مشعث وهيئة يرثى لها، قد أهمل نفسه الفترة السابقة وطعامه لا يتناول منه سوى القليل فقد أصبح فاقد للشهية كما أصبح فاقد للحياة بدونها، لا يسعفه عقله على تصديق أمر انه فقدها، فقده لها بمثابة فقد عائلته فهو ليس لديه أحد على الإطلاق، لقد جعل منها عائلة له، لقد جعلها عالمه بأكمله كيف سيحيا بدونها الآن وهى كل شىء له بهذه الحياة وليس فقط منذ بداية تلك العلاقة النكراء التى جمعتهما لا بل منذ دق قلبه لها وأصبح عاشقا لها وحدها.

صوتها وهى تخبره عن عدم رغبتها بوجوده فى حياتها لا يفارق سمعه كان كخنجر طُعن بقلبه ولم تداويه حتى بل تركته ينزف بمفرده معانقا وحدته التى لا تزيد سوى من إيلام جروح روحه الغائرة، أيعقل أن يكون كل ذلك العشق الذى كان يندلع من عينيها والذى كان يراه ويشعر به لم يكن سوى وهم عاش به؟!، ألا ترغب به حقا ألا تعشقه!، لكن كيف لم تعشقه وهى التى كانت تخبره مرارا وتكرارا أنها لا تستطيع الإبتعاد عنه لهنينهة ولا تتخيل أن تصبح لغيره يوما!، أنسيت كل تلك اللحظات بينهما، أنسيته وهو الذى لا تفارق ذهنه للحظة بل لجزء من اللحظة.

أغمض عينيه وهو يشعر بوخزات متتالية لا ترأف بقلبه راغما نفسه على النوم متمنيا أن تصيبه لعنة ما تفقده تلك الذكريات التى جمعته بها منذ بداية علاقتهما وأن تعيده لنقطة عشقه لها سرا حتى يصلح كل ما فعله بغبائه ونتيجة له كل ما يحدث الآن معه اعتصر عينيه بمزيد من الإرغام على النوم وهو يكرر بخفوت بداخله
-استحالة الحب اللى كنت بشوفه فى عينيها ليا كان وهم، رفيف بتحبنى زى مابحبها أنا متأكد.

نائمان بفراشهما جاعلان وجهاهما قبالة بعضهما ومحافظان على تقارب جسداهما ليشعر كل منهما بأنه يتنفس انفاس الآخر، يمسد خصلاتها بيده بلمسات تملأها الحنو بينما هى لم تكف منذ صعودهما الغرفة عن تفحص ملامحه وكأنها بتلك الطريقة تحفظها بداخلها ليصدح صوته بغتة متسائلا باهتمام ليفيقها من شرودها به
-انتوا ليه نقلتوا من القاهرة بعد موت باباكى؟

رمشت بأهدابها كعلامة على إفاقتها على سؤاله، عم السكون لثوانٍ قبل أن تتكلم كما لو أنها ترتب كلماتها بذهنها لتتحدث هى فى النهاية بإيضاح.

-ماما بعد ما بابا مات متحملتش تعيش فى البيت من غيره وأصرت أننا نمشى منه، فى الأول روحنا قعدنا عند خالنا مراته كانت ست مش كويسة وفضلت تعامل ماما وتعاملنا وحش خاصةً أسيف بحجة أنها مش أختنا وان محدش هيلوم عليها فى حاجة ان هى مش مطالبة يعنى تتحمل وجود بنت غريبة فى بيتها، ماما لما شافت كده منها محاولتش تكلم خالى فى حاجة، تانى يوم من غير حتى مانعرف حد لمت حاجاتنا ومشينا، بعدها روحنا بيتنا تانى ماما كانت عرضاه للبيع مكملناش أسبوع فيه وكان واحد اشتراه فى الوقت ده كانت بنت عم ماما عايشة فى اسكندرية جابتلها شغل وشقة فى مكان كويس ونقلنا، بس هو ده الموضوع.

أومأ برأسه بهدوء بعدما انتهت ليبتسم وهز رأسه بإنكار ثم استطرد قائلا
-تعرفى ان لو مكنتوش سيبتوا القاهرة من الأول كان زمان أسيف معانا من وقتها
همهمت بمشاكسة وأردفت
-اممم وبرضة لو مكناش سيبنا القاهرة مكناش بقينا متجوزين دلوقتى
توسعت ابتسامته وهى ينظر لها عن كثب وهمس
-مين قال كده أنا لو كنت شوفتك وقتها مكنتش سيبتك
رفعت أحد حاجبيها بمرح وهدرت بابتسامة
-يا سلام
قام برفع أحد حاجبيه هو الآخر مشاكسا إياها وتساءل.

-عندك شك؟
ضحكت على تقليده لحركتها واقتربت منه وتوسدت صدره ضاممة إياه بقوة لتقول بعاطفة مسيطرة على كافة وجدانها.

-انت عارف إن انا بحب حضنك اوى، بيفكرنى بحضن بابا، أنا مليش معاه ذكريات كتير بس إحساسى وانا فى حضنه محستوش ولا مرة من يوم ما مات غير وانا فى حضنك، أول مرة اخدتنى فى حضنك لما كنت بعيط فى الجنينة فى بيت بابا هشام مكنتش عايزه أخرج منه عشان كده لما طلعنا ننام طلبت منك انى انام فى حضنك، انا كل اللى كنت عايزاه منك لما مشاعرى بدأت تتحرك ناحيتك إنك بس تبقى حنين معايا والله ما كنت عايزاك تحبنى قد ما كنت عايزه قربك منى وانك تتقبل وجودى فى حياتك وحبى ليك.

إنعكس وجعها فى نبرتها التى خرجت بصوت مختنق وكأنها تتحامل على نفسها البكاء، بينما أوصد الآخر عينيه وهو يزيد من ضمه لها بذراعيه وأردف بخفوت بنبرة آسفة.

-أنا آسف حقك عليا، مكانش بمزاجى أى حاجة عملتها والله، فى أول جوازنا لما قولتلك إنى مش هقرب منك عشان كنت عارف أن الجوازة مفروضة عليكى ومكنتش عايز كمان أفرض نفسى عليكى، أنا كنت حابب قربى منك والشعور الجديد اللى كنت بحسه جوايا وانا معاكى بس خوفى إنك فى أى وقت هتبعدى كان مخلينى مش عايز استسلم لاحتياجى ليكى كنت بكلمك بجفاء عشان اقنع نفسى انك مش فارقة معايا وان لو فى أى مشاعر جوايا ليكى بالطريقة دى تموت، لما اتأكدت من حبك ليا وانا كمان حسيت انى بقبت بحبك وكل حاجة فيا بقيت عايزاكى عقلى كان رافض تماما الحب ده كل اللى فكرت فيه انى ابعد عشان انساكى واطلع حبك من قلبى، أنا مكانش عندى مانع من الأول خالص ان جوازنا يكمل لو انتى اختارتى ده ويمشى بطريقة طبيعيه زى اى اتنين متجوزين بس من غير ما احبك عشان لو قررتى تبعدى فى أى وقت متعبش تانى أن حد حبيته وسابنى، أنا ظلمتك معايا بتفكيرى بس صدقينى كان غصب عنى أنا كنت بتعذب زيك ويمكن أكتر أنا كنت بمنعك عنى وبمنع نفسى عنك، كان فى صراع بين قلبى وعقلى وانا تايه فى النص مش عارف المفروض أعمل ايه.

رفعت وجهها عن صدره ليقابل وجهه وقالت بصوت دافئ وبوداعة ناهية إياه
-متتأسفش يا حبيبى أنا مش زعلانة منك اهم حاجة عندى إن بقينا مع بعض ومفيش حد فينا هيبعد عن التانى.

اقتربت من جديد وعانقته ليضمها هو بكل الشوق الذى كان يشعر به لها وأضناه إضافة إلى عتمة ماضيه وأفكاره السوداء التى لم ترأف به ولم ترحم قلبه الذى لم يخفق لسواها، يحتضنها بقوة وكأنه يشبع النهم الغريب المتفشى به لها والمطالب بكل ذرة بكيانه للتنعم بدفء أحضانها والحياة بجانب وجيب قلبها وأنفاسها مستصعبا الإبتعاد عن راحته بالشعور بهما...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة