قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والعشرون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والعشرون

حملت حقيبتها وغادرت الغرفة فهى لم تعد تستطيع الصمود لأكثر من ذلك ستذهب إليه مهما كلفها الأمر حتى وإن ترتب على ذلك دخولها في شجار مع مجد، نعم هي أخطأت ونادمة أشد الندم ولكن عقابها بإبعادها عنه ليس بالمجدى نهائيا ولا يوجد به طيف صواب، هما عاشقان لبعضهما البعض كيف يستطيع أيا منها الإبتعاد عن الآخر ومتابعة العيش بدونه، أدارت سيارتها وغادرت المنزل، تشعر بوجيب قلبها أخذ في التزايد فهى لم ترَه لما يقارب الشهر والنصف كيف استطاعا كل منهما تحمل كل تلك المدة دون حتى سماع صوت الآخر، سحبت شهيقا مطولا وحبسته بداخل صدره لثانيتين ثم لفظته على مهلٍ كمحاولة منها لتهدئه ثورة عواطفها بداخلها لرؤيته.

أوقفت السيارة أسفل بنايته وترجلت منها وهي تكاد يغشى عليها من فرط التوتر وإزدياد نبضها بشكل مبالغ فيه، دلفت المصعد وهي تعد الثوانى لتوقفه متحرقة شوقا لرؤية ملامحه التي تشتاق للنظر إليها والتمعن بكل إنش بها، توقف المصعد عند طابقه فتحت بابه على عجل ودقات قلبها لا ترأف بها، سحبت نفسا وزفرته سريعا وقامت بالضغط على جرس شقته، انتظرت لدقيقتين ولم يُفتَح الباب بعد لتبتلع بوجل فهى علمت من حارس البناية بوجوده في المنزل وما إن كادت تضغط على الجرس مجددا حتى فُتح الباب وظهر أمامها بهيئته التي جعلتها تشعر بوجزة ألم بقلبها على حالته.

لقد أصبح هزيلا للغاية فقد نقص وزنه بدرجة واضحة، وجهه شاحب وعينيه محاطة بهالات سوداء وكأنه لم ينَم منذ دهر، وذقنه لم يكن يتركها لتطول هكذا، وخصلاته مشعثة مع ازدياد طولها أيضا، هي السبب في حالته تلك هي من تركته وهي تعلم أنه لا يملك غيرها، كادت تتكلم ولكن أوقفها استدارته وتحركه من أمامها دون أن يظهر على وجهه أى تعبيرات لرؤيتها لتدلف هي وأغلقت الباب خلفها وقف معطيا لها ظهره لتقف هي خلفه محاولة تنظيم انفاسها وابتلعت ثم هتفت باسمه بصوت مهزوز.

-جاسم
تكلم بجفاء ونبرة ثابتة وهو مازال معطٍ ظهره إليها وكأنه غير راغب برؤيتها
-جاية ليه؟
رمشت بأهدابها بتفاجؤ فهى لم تكن تتوقع أن يقابلها بكل ذلك الجمود، اقتربت قليلا وقالت بتلعثم وهي تضع يدها على كتفه
-جاية عشان، جاية عشان وحشتنى
تحرك خطوة للأمام مبتعدا عن يدها وقال بنبرة هازئة رغم ملاحظته لاشتياقها إليه من خلال نبرة صوتها التي نفذت لحنايا قلبه
-وحشتك!، بعد شهر ونص!، لا فيكى الخير والله.

اعترى ملامحها حزن فوق حزنها وقالت بصوت قارب على البكاء
-جاسم أنا بحبك، واللى..
استدار إليها على الفور وقاطعها قائلا بهجوم واندفاع وهو يلوح بذراعه بغضب ساحق
-انتى كدابة، انتى عمرك ما حبتينى، اللى يحب ميبعش وانتى بعتينى قدام أول مشكلة حصلت قلتيلى مش عايزاك
انهمرت الدموع من عينيها على إثر ما قاله لتغمغم هي بنحيب مبررة
-أنا قولت كده عشان مجد، كنت خايفة..

قاطع كلماتها مجددا قائلا بسخرية ظاهرة مواريا خلفها تألمه مما حدث
-عشان مجد!، خوفتى على زعل مجد وجاسم مش مهم، أزعله، مشاعره أدوسها، عادى يولع، أنا جيتلك البيت بعد ردك عليا في التليفون كنت مستعد أعمل اى حاجة عشان اشوفك وافهم منك قلتى كده ليه، كنت عايز اقابل باباكى واعتذرله واعرفه انى بحبك وعايز اتجوزك، انتى ايه اللى عملتيه بقى؟، قلتيلى مش عايزك وامشى، وادينى مشيت جاية ليه بقى؟

ضمت ما بين حاجبيها في تأثر وقالت بنفى موضحة موقفها
-أنا خوفت عليك، مجد كان متعصب اوى وانت لو كنت فضلت أكتر من كده كنتوا هتتخانقوا تانى مع بعض وانا مش هتحمل اشوف صحوبيتكم وهي بتبوظ بسببى
رمقها بنظرة لائمة وهو ينظر بداخل عينيها وقال بشجن
-لكن اتحملتى تقوليلى معدتش عايزاك، اتحملتى تسيبينى شهر ونص، اتحملتى تبعدى عنى وانتى عارفة انى ماليش حد غيرك وانك كل حاجة بالنسبالى.

انهمرت المزيد من دموعها وهي تردف بنفى قاطع وشهقة تبعتها كلمات تحمل ببن طياتها وجع الشهر ونصف الماضية.

-لأ متحملتش وكل يوم كان بيعدى كنت بحس بروحى بتتسحب منى ومكنتش ببطل عياط، وكلمتك كتير وموبايلك مقفول وكلمت السكرتيرة بتاعتك وقالتلى انك مش بتروح الشركة، مكنتش عارفة اعمل ايه وكنت هموت من كتر القلق عليك ولما حسيت إنى معدتش قادرة اتحمل جيتلك، جيتلك عشان بحبك ومش عارفة أكمل من غيرك، جيتلك عشان انت كمان كل حاجة بالنسبالى.

استدار مجددا دون أن يعطى لها رد على ما قالته لتذرف هي المزيد من الدموع وتساءلت بضعف
-انت معدتش عايزنى يا جاسم؟
لم يجبها لتضع هي يدها تكتم شهقتها التي تفلتت منها والتفتت بجسدها لتغادر ليوقفها صوته الواهن بعدما التفت وهو يهدر وقد غلبته دموعه الحبيسة منذ مجيئها ورؤيته لها وانسابت فوق وجنتيه
-هتتنازلى عنى تانى يا رفيف وتمشى.

التفتت له وبعينيها الحمراوتين مازالت عبراتها تنهمر دون توقف ليقترب منها بلمح البصر معانقا إياها بقوة لتشعر هي بكم اشتياقه إليها الذي كان يحاول أن يتظاهر بعدم مبالاته بها أو برؤيتها التي جعلت وجيب قلبه يخفق بهسترية لرؤية ملامحها الرقيقة الناعمة التي يعشقها مجددا وجعلته يشعر كما لو ان روحه ردت له من جديد، في ظل عناقهما وهو دافن رأسه بعنقها تكلم بصوت مهزوز معاتبا إياها.

-ليه عملتى كده؟، قدرتى تقوليلى معدتش عايزاك يا رفيف قدرتى تكسرى قلبى؟
أخبرته في أسف بين بكائها وهي محاوطة جسده بشدة
-أنا آسفة، كنت متلغبطة وخايفة ومش عارفة قولت كده ازاى
أغمض عينيه وهو يشعر بالنيران الحارقة لقلبه من افتراقهما تهدأ شيئا فشىء وقال بخفوت بآسى
-كنت عايزك تتمسكى بيا انا كنت هتجنن كنت كل يوم بقول لنفسى معقول محبتنيش معقول قادرة تبعد عنى طب أنا ليه مش قادر.

فرقت عناقهما وأحاطت وجهه بيديها وقالت بتألم وهي تومئ بالنفى
-مكنتش قادرة أنا محبتش حد قدك ولا حبيت حد غيرك، مش هبعد عنك تانى، سامحنى يا جاسم أرجوك
رفع يديه هو الآخر وكفكف عبراتها وهو يقول بخفوت ويندلع من عينيه نظرات نادمة.

-سامحينى انتى انا السبب في كل ده، أنتى صغيرة وانا دخلت حياتك في وقت كنتى حاسة فيه انك لواحدك ومحتاجة لوجودى في حياتك، كان المفروض أخد بالى من أفعالى معاكى من الأول مش استسلم لضعفى واسمح لواحد زى عاصم يمسك علينا غلطة زى دى
عقدت ما بين حاجبيها لوقع الاسم على مسامعها وقالت بتساؤل
-عاصم مين؟
زم شفتيه بخزى ثم تكلم بعصبية يحاول كتمها ولكنها اعترت ملامحه بقوة
-اللى صورنا وبعت الصور لمجد.

انتقلت مقلتيها لبضع ثوانٍ عن وجهه كأنها تتذكر أمرا ما ثم عادت بنظرها إليها وأردفت متسائلة بتذكر
-مش عاصم ده ابن كمال الصباحى اللى كان خاطف أسيف؟
أومأ لها برأسه بهدوء وأجابها بتأكيد مرددا
-ايوه هو
شعرت بوجل طفيف ثم تساؤلت باستفسار
-وهو عايز مننا ايه؟
مسد ذراعها برفق كى يطمئنها لشعوره بخوفها ثم أخبرها بجدية
-موضوع كبير اوى هبقى احكيهولك بعدين، المهم روحى انتى دلوقتى عشان محدش يعرف انك هنا ويحصلك مشكلة.

تساءلت بتوجس وهما يتحركا معا ناحية باب الشقة
-طب هتفتح تليفونك؟
توقفا أمام الباب ولانت ملامحه للغاية وهو يخبرها بصوت أجوف
-ايوه هفتحه وكمان هروح شغلى لإن في حاجات كتير واقفة بسببى
ابتسمت براحة ليقترب مقبلا جبهتها بتريث وابتعد ناظرا لعسليتيها وأردف باهتمام
-طمنينى عليكى اما توصلى.

أومأت له واقتربت وعانقته ثم ابتعدت وابتسمت له بوداعة وغادرت بعدها ليغلق هو الباب خلفها بهدوء متنفسا براحة وكأن هناك حمل قد تم ازاحته من فوق صدره بمجيئها إليه، والآن يجب عليه أن يفكر في حل كى يعيد به الأمور إلى سابق عهدها ويصلح ما أفسده فهو لن يتنازل عنها مهما حدث ومهما كلفه الأمر من محاولات مع كل من شقيقها ووالدها كى يسامحاه على ما بدر منه ويتقبلان به زوجا لها وبوجوده وسطهم من جديد.

جالسة على كرسى مكتبه تتابع الإجتماع القائم أمامها الذي يرأسه زوجها تنظر إليه نظرات مليئة بالشغف رأسها متكأة فوق إحدى يديها وهي تستمع إليه يلقى تعليماته لموظفيه بهيئته القوية الجادة، يجذبها كل ما فيه فهى لم يسبق لها بحياتها أجمعها أن رأت شخصا بجاذبيته، شخصيته الإستثنائية، لديه أطوارا عدة غير مألوفة بالنسبة لها وسلوكه الغريب في بعض الأحيان كذلك ولكن بالرغم من ذلك يرغموها على عشق كل شىء بذلك الكيان الذي تتمنى أن لا تبتعد عنه لهنيهة حتى.

بينما كان هو منشغل مع موظفيه لم يخفَ عنه نظرات البعض إليها المليئة بالإعجاب الذين كانوا يتسرقوها، يلعن بداخله عدم قدرته على وضع إصبعه في أعينهم مانعا إياهم من إختلاس النظر إليها، لينتهى الإجتماع بعد دقائق وبداخله نيران مستعرة قادرة على إشعال المكان كله بمن فيه، غادر الجميع تحت نظراته المقتضبة الناقمة عليهم وعلى مجيئها، قام من مقعده بوجه مشدود متوجها إلبها ليرى بسمة متسلية آخذة في الإتساع فوق شفتيها ليعقد حاجبيه بغرابة وتساءل.

-بتضحكى على ايه؟
نهضت وأخذت خطواتها نحوه وهي تجيبه بمكر مرددة
-أصل أول مرة أشوفك غيران عليا
رفع أحد حاجبيه واقتبس كلمة من حديثها مكررا إياه بتعجب مصطنع واستنكار زيفه اعتلى ملامحه
-غيران!
أومأت برأسها بالإيجاب وهي تهمهم وقالت بنهى وهي تشير يإصبعها في وجهه بمرح
-اممم، ومتحاولش تنكر عشان مفضوح اوى
نظر لها لثوانٍ دون ردٍ محاولا كظم غيظه ثم تكلم متسائلا وهو عاقد ساعديه أمام صدره
-طب انتى مش هتروحى ولا ايه؟

اقتربت وحاوطت عنقه وهدرت بغنج ونعومة وهي تقترب من شفتيه في محاولة لتقبيله
-زهقت منى بالسرعة دى؟
أمسك ذراعيها بيديه مبعدا إياها عنه مانعها عن تقبيله وقال بحدة
-طيف احنا في الشركة
ابتلعت بطيف حرج وشعرت بعدم رغبته في وجودها لتردف وهي تشيح بوجهها عنه
-طب انا همشى
كادت تستدير لتلتقط حقيبتها لتجده جذبها بغتة إليه ممسدا شفتيها بشفتيه بقبلة متريثة وابتعد عنها وهو يقول ببن انفاسه المتلاحقة.

-على فكرة دى مش اول مرة اغير عليكى، غيرت عليكى يوم ما عدى وأسيف حضنوكى، لما كنا في بيت بابا، اول مرة روحنا هناك بعد جوازنا
فغرت فاهها بصدمة وغمغمت وانفاسها مازالت متواترة بتزايد
-غيرت عليا من عدى!
ابتسم وهو يقترب محاوطا خصرها وقبل إحدى وجنتيها برقة وهدر بخفوت بأنفاسه الساخنة بأذنها
-ومن أسيف كمان، محدش يحضنك غيرى، الفرحة اللى شوفتها في عينك وقتها مكنتش عايزها تبقى لحد غيرى.

أقشعر بدنها لأنفاسه التي تلفح جانب وجهها وأوصدت عينيها بتؤثر وتمتمت بابتسامة
-ده انت حالتك صعبة من زمان على كده وانا اللى مكنتش واخدة بالى
قربها أكثر إليه وهو يهمس في أذنها
-مبتحسيش بقى نعمل ايه
وكزته بظهره بيدها وأردفت بحنق مصطنع
-انا برضه!
ضحك بخفة وكاد يقبلها مجددا لتضع يدها سريعا فوق شفتيه وقالت بعبث
-مجد احنا في الشركة.

ابتسم على فعلتها والتي يعلم أنها تقصد فعلها كرد لفعله منذ قليل ولكنه لم يهتم وقال بحرارة قبل أن يأخذ شفتيها بين شفتيه
-تولع الشركة.

دلف الحجرة بعدما عاد من عمله ليجدها جالسة على طرف الفراش ويبدو عليها الشرود ناظرة لأسفل تجاه شيئا ممسكة به بيديها، ليهتف بها متسائلا وهو يقترب منها
-قاعدة كده ليه يا حبيبتى؟، وايه الى في ايدك ده؟
رفعت وجهها إليه بتفاجؤ من وجوده وتكلمت بارتباك استطاع ملاحظته عليها بسهولة
-ده، انا كنت..
التقط ما بيدها ونظر إليه بغرابه ولكن لفت انتباهه كلمات باللغة الإنجليزيه عندما قرأها رفع نظره إليه متستفسرا.

-ده اختبار حمل؟
أومأت بهدوء وقالت مؤكدة ومازالت تعبيراتها متوترة للغاية
-ايوه
أمعن النظر به ليرى العلامة بجانب الكلمة التي تشير إلى حدوث الحمل ليرفع نظره لها وحاجبيه مرفوعين بتفاجؤ وتساءل بصدمة وابتسامة بدأت تظهر فوق ثغره
-انتى حامل؟
اومأت بالإيجاب وهي تقضم شفتيها ثم قالت
-ايوه
خفق قلبه سرورا واتسعت ابتسامته ليجذبها معانقا إياها بسعادة استشعرتها من نبرة صوته وهو يقول.

-مبروك يا حبيبتى، ده أجمل خبر عرفته في حياتى، أنا بقيت أسعد واحد في الدنيا
لم تجِبه وشعر بعدم سعادتها بذلك الأمر فرق عناقهما وتفحص وجهها وتساءل بتوجس
-في ايه يا أسيف؟، مش حاسك فرحانة بالحمل
ابتلعت من جديد وأجابته بتردد ظاهر وهي تتحاشى النظر إليه
-هو مش كده، يعنى، انا بصراحة شايفة انه لسه بدرى اوى على موضوع الخلفة ده يعنى انا لسه صغيرة وبدرس و..

عبست ملامحه وهو ينظر لها محاولا أن يستشف ما وراء كلماتها رادفا
-انتى عايزه توصلى لإيه بكلامك ده؟
شعرت بدقات قلبها أخذت في التزايد أمام نظراته تلك وتكلمت بمراوغة
-مش عايزه اوصل لحاجة أنا بس شايفة اننا نأجل موضوع الخلفة شوية
اكفهر وجهه وسألها بعدم تصديق
-انتى عايزه تنزلى ابننا
اعترى وجهها ملامح الخوف من ردة فعله وهي تخبره قائلة
-هو لسه متكونش يا عدى يعنى ممكن أخد دوا ي..

غامت تعابيره وهو يرد بقليل من العصبية الممزوجة بالصدمة
-انتى ايه اللى انتى بتقوليه ده يا أسيف، انتى أكيد اتجنننى، عايزه تموتى روح ربنا حطها جواكى، عايزه تموتى حتة مننا
حاولت أن تبرر موقفها وأردفت بملامح مستعطفة
-عدى أنا لسه مش جاهزة للموضوع ده حاليا
هدر بها بتجهم وهو يلوح بذراعه.

-يعنى ايه لسه مش جاهزة، هي رسمة من بتوعك مش جاهزة ترسميها، ده روح جواكى، ده ابننا مش من حقك اصلا تفكرى في حاجة زى دى، انتى مش حرة التصرف في موضوع زى ده
رمشت بأهدابها بمزيد من التوتر وتكلمت بإيضاح
-انا مقولتش ان انا حرة التصرف وانا بتناقش معاك اهو
قبض على ذراعيها بيديه وصاح بها منفعلا
-بتتناقشى في ايه؟، في انك تموتيه؟
ازدادت حدة انفاسها عند نطقه الأخير وهدرت محتجة.

-متقولش اموته دى، هو لسه مبقاش جنين، ده لسه حبة دم
وضع يديه على وجهه محاولا التحكم بانفعالاته وقال بتعبيرات جامدة
-أنا بجد مش عارف ارد عليكى اقولك ايه، انا خارج، ارجع الاقيكى شيلتى التخاريف دى من دماغك
تحرك من امامها تجاه باب الغرفة بنيران غضب متقدة بسائر جسده لتلحقه وهي تهتف به مرددة
-عدى استنى اعرف اسبابى الأول وبعدين..
التفت إليها ليصبح وجهاهما قبالة بعضهما وقاطعها بتشنج وهو يشير بسبابته أمام وجهها.

-مش عايز اسمع اسباب يا أسيف لان مفيش اسباب اصلا تجبرك تفكرى في جريمة زى دى.

أغلق باب الغرفة خلفه بقوة مخلفا صوتا صاخبا جعل جسدها ينتفض وهي واقفة مكانها وصاحبه دموعا تكونت بمقلتيها فها هي نجحت وبجدارة في تدمير صفو علاقتهما مجددا، ولكنه لم يستمع إليها، لم يترك لها مجالا لتوضيح الأمر له، تنهدت باختناق لتقع عينيها حينها على شريط اختبار الحمل لتزم شفتيها بتشوش وخوف بالغين، وبقلب يئن بصمت ودموعا حارقة انسابت فوق وجنتيها لا تدرى متى سيبتعد ذلك الخوف الذي يستبد منها ولا يتركها تهنأ بحياتها أبدا.

يظهر الندم في عينيه وهو جالس أمامه ينظر له بحزن على صداقتهما التي انهارت نتيجة لسيره خلف شيطانه، سحب نفسا مطولا وزفره على مهلٍ ثم تكلم بنبرة شبه حذرة
-مجد انا مش عايز أفض الشراكة
رمقه بنظرة جامدة وهو جالس بعنجهيته الذي يوارى دائما خلفها مشاعره التي يرغب في عدم إظهارها وأردف بتهكم
-يعنى ايه مش عايز تفض الشراكة، مش بمزاجك اصلا
بعد برهة حاول فيها جاسم ترتيب كلماته تحدث برجاء.

-انا ماليش حد غيركوا وماليش صحاب غيرك حتى لو هتفضل واخد جنب منى أكيد هييجى يوم ونتصافى ونرجع تانى صحاب بلاش تخلينى احس انى اهلى ماتوا وانا عمرى ماحسيت بكده وانتوا حواليا
وجده حاد بنظره عنه ولم يجيبه على ما قاله ليزم شفتيه بآسى ونهض من مقعده وأخبره قائلا
-انا همشى دلوقتى وفكر في اللى قولته وانا مش بجبرك على حاجة
تحرك صوب باب المكتب ليوقفه صوت مجد وهو يهدر.

-مش هفض الشراكة، وده مش عشانك لإنى مش طايق اشوف وشك ولا عايز يبقى في حاجة تجمعنا ببعض
طأطأ رأسه في حزن بالغ مما ألقاه على مسامعه والتفت إليه وتساءل بنبرة جازف ألا تخرج مهزوزة متحكما ببكائه كاتما تلك الغصة بحلقه
-امال عشان ايه؟
قام هو الآخر من مقعد وتحرك ليقف أمامه على بعد مسافة لا يتعدى طولها عن المتر، وضع يديه في جيبيه وأجابه بجدية وهو مثبت نظره عليه.

-عشان خاطر يحيا بيه اللى يرحمه انا مش ناسيله وقفته جنبى وهو بيساعدنى أوقف شركات بابا في السوق بعد ما كانت وقعت، وعشان كمان عاصم اللى بيحاربنا ومستنى يشوف نتيجة ألاعيبه الو*** وانا مش هنولهاله طول مانا عايش واخليه يحس انه انتصر عليا
أومأ بهدوء ورغم ذلك الحزن بداخله قال ممتنا له
-شكرا يا مجد، عن اذنك.

غادر الغرفة تحت نظراته التي لم تقل حزنا عنه فهو ان كان يواريه امامه فلن يستطيع موارته مع نفسه ونفى تأثره بدمار صداقتهما، ولكن حزنه متزايد كونه صديقه وفعل تلك الأفعال النكراء مع شقيقته، لقد هدم ثقته به ولا يدرى هل سيستطيع الغفران له على فعلته وأن تعود الثقة بداخله تجاهه من جديد أم ستنتهى صداقتهما عند ذلك الحد.

يرتشف من قهوته بهدوء وهو يتابع بعض الأعمال من مكتب بيته على الحاسوب، ليقاطع انتباهه التام المنصب على ما يقوم به صوت هاتفه معلنا عن استلامه رسالة من أحدهم، قام بفتح الهاتف ليرى الرسالة من الخارج كعادته حتى يتسنى له معرفة إذا كان أمرا هاما يستدعى ترك عماه لأجله أم أمرا عاديا ويتابع حينها مباشرة عمله، ولكنه حين وقعت عينيه على بعض كلمات من تلك الرسالة حتى تبدلت ملامحه وقام بفتحها سريعا ليراها كاملة والتي كانت تحتوى على كلمات آثارت غضبه وأشعلة جذوة الغيرة بداخله حيث كان فحواها بجد باحييك على اختيارك للمدام يا مجد، طلعت معندهاش ذوق بس ده رقيقة كمان وضحكتها تجنن، مش قلتلك الصدف هتكتر الفترة الجاية، بس كانت صدفة سعيدة جدا الحقيقة بلغها إعجابى بيها، لم يكن المرسل سوى عاصم والذي قام بإلحاق الرسالة بصورة ملتقطة لهما وهي تصافحه وتبتسم له باتساع كما لو انهما كان يمزحان سويا، أغمض عينيه وزم شفتيه بغضب بالغ واستقام واقفا تاركا الغرفة.

دلف غرفتهما ليجدها تمشط خصلاتها أمام المرآة اقترب منها وتكلم بصوت أجش متسائلا
-انتى كنتى فين النهارده يا طيف؟
تعجبت من ملامحه المشدودة قليلا ولكنها أجابته بتريث وهي تقترب منه
-كنت في mall بعمل shopping وقايلالك قبل ما اخرج
رأت الغضب يرتسم على ملامحه وهو يخبرها بنبرة حادة
-بس ماقولتليش قابلتى مين في الmall
ازداد تعجبها وعقدت ما بين حاجبيها وهي تردف
-مش فاهمة انت قصدك ايه؟

أخرج هاتفه وجلب الصورة التي بعثها له ذلك البغيض ووضع الهاتف أمام وجهها وقال بزئير غاضب
-قصدى ده، ماقولتليش انك قابلتى عاصم ليه ووقفتى تتكلمى معاه؟
نظرت بالهاتف بتفحص لتتذكر اصطدامها بذلك الرجل بالصورة ولكن استرعى انتباهها اسمه الذي جعلها عينيها تتوسعان بصدمة وأردفت مكررة اسمه بعدم استيعاب
-عاصم!
احتدمت ملامحه وهو يرد عليها بتأكيد قائلا
-ايوه عاصم.

رطبت شفتيها وحكت عنقها وهي لا تعرف كيف تبرر له فعلتها وهدرت
-انا مكنتش اعرف انه عاصم هو..
لم يعطِها الفرصة لتكمل وقاطع متابعة كلماتها صائحا بغضب مكتوم
-حتى لو متعرفيش، بتقفى تتكلمى مع واحد متعرفيهوش ليه وتضحكى معاه؟
هزت رأسها بنفى وسريعا ما تكلمت موضحة له ما حدث.

-انا موقفتش اتكلمت معاه، كل الحكاية انى خبط فيه غصب عنى وكنت بعتذرله، لقيته بيقولى انى خبط فيه من فترة ووقفت اعتذرتله برضه، وكان بيهزر وبيضحك ضحكت كمجاملة عشان ماحرجوش وسيبته ومشيت، لكن مكنتش اعرف انه عاصم ولا واقفة اتكلم واضحك معاه زى مابتقول
رمقها بمزيد من الغضب فما قالته لم يهدئ من حدة انفعاله وقال بين أنفاسه اللاهثة بتحم لاذع.

-مفيش خروج تانى لواحدك هيبقى معاكى السواق وعربية بحرس هتمشى وراكى، انا غلطان انى وقفت المراقبة اللى كنت عاملها عليكوا، كنت فاكر انه قاصد رفيف بتهديده لكن كده هو حاطت الكل في دماغه وانا مش هستنى اما يئذى حد فيكوا واقف اتفرج
ارتعدت من هيئته الغاضبة تلك لتهدر بهدوء محاولة تهدئته
-طب ممكن تهدى يا مجد
لوح بذراعه في وجهها وصرخ بها بانفعال.

-بلا مجد بلا زفت انا اصلا مش طايق اتكلم معاكى، واقفة تتكلمى وتضحكى معاه ومش عاملة حساب للزفت اللى متجوزاه
رمشت بأهدابها بذعر من انفعاله عليها بتلك الطريقة ولكنها تماسكت امامه وهي تردف باستنكار
-ايه اللى بتقوله ده!، مجد انا قولتلك..
كز على اسنانه بعصبية ساحقة وهو يضرب الحائط بيده وصاح بها
-مش عايز اسمع حاجة، وكلامى يتنفذ مفيش خروج بعد كده إلا بالسواق والحرس، يا إما مفيش خروج خالص.

قضمت شفتها السفلى بغضب وهزت رأسها بعدم تقبل لما يلقيه عليها وتكلمت بنبرة صوت مرتفعة
-يعنى ايه؟، انا يا اتحبس يا يتقيد حركتى بالحرس عشان خاطر الزفت عاصم
آثار غضبه أكثر صوتها الذي ارتفع وهي تتكلم ليصرخ بها ناهيا إياها بقوة
-طيف، متعليش صوتك وانتى بتتكلمى معايا.

نظرت له بحزن لاح فوق قسماتها وتركته مغادرة الغرفة ليقف هو متهدج صدره بأنفاسه الغاضبة وخلل شعره بيديه بعصبية، فقد سأم ذلك اللعين وهو ليس بشخص صبور ليتحمل كل تلك المخططات النكراء والذي يبدو وأنه لن يتركه حتى يفتعل مصيبة له أو لأحد من عائلته وعندها تحديدا لا يعلم ما الذي سوف يفعله به وبوالده الذي يعلم أن كل ذلك الكره الذي يملأ عاصم تجاهه هو المتسبب الوحيد به...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة