قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثاني عشر

–تقدر تفهمنى ايه اللى انت كنت بتعمله تحت ده؟!
قالتها أسيف بطيف من العصبية وهى رامقة عدى الجالس على السرير بأريحية تامة ليضيق ما بين حاحبية ويعتدل فى جلسته ثم قال باستفسار
–عملت ايه تحت؟!
اقتربت منه ثم صاحت به بتهكم
–يعنى مش عارف اللى كنت بتعمله؟!
نهض من فوق السرير ووقف امامها مط شفتيه بعدم فهم ثم أردف بجدية وقد احتدت ملامحه قليلا لغرابة طريقتها معه فى الحديث.

–انا بجد مش عارف انتى قصدك على ايه!
زمت شفتيها بانفعال اول مرة يراه عليها ثم قالت باندفاع
–قصدى واحنا بنفطر لما حطيت إيدك على رجلى وفضلت تحس، بترت كلمتها لخجلها من نطقها بها ومن فعله لذلك ايضا ثم اطنبت قائلة بنفس نبرتها ولما كنا قاعدين بنتكلم معاهم فضلت لازق فيا وحاطط ايدك على كتفى وكل شوية تضمنى ليك اكتر وتبوس فى دماغى وتلعب فى شعرى ده اسمه ايه ده.

–اسمه انك مراتى ومن حقى اعمل كل اللى عمالة تتكلمى فيه ده، واللى اكتر من كده كمان
صرخ بها بأنفاس لاهثا من شدة غضبه ووجهه قد قارب وجهها للغاية ليشعر بأنفاسها الغاضبة وهو الذى لم يجدها على هذا الحال من قبل لتدفع بيدها فى صدره بغضب ثم قالت بحدة
–مش من حقك تعمل اللى انت عملته ده ولا من حقك تعمل حاجة خالص.

تغاضى عن دفعتها له ونبرتها المرتفعة اللتان تذهلاه فهو للمرة المائة، الألف بل المليون لم يرَ عليها كل ذلك من قبل، قبض على معصمها بعنف ثم قال بمزيد من الصراخ
–لا من حقى انا جوزك فاهمة يعنى ايه، من حقى اعمل ايه حاجة معاكى وفى ايه وقت
نظرت له بصدمة من قبضته على يدها وصراخه بتلك الطريقة واخرى من كلماته التى يوجد بين طياتها مضمون قد فطنته سريعا لتتشدق بارتباك وقد هدأت من حدة صوتها.

–ا. ايه معنى كلامك ده مش فاهمة؟!
نفض معصمها من يده ثم قال بخشونه
–معناه اللى وصلك يا أسيف
ابتلعت وقد ازداد نبضها من هول الموقف وصراخهما على بعضهما الذى يحدث لأول مرة ثم أردفت بتوتر
–بس. بس انت كنت متفق معايا ان جوازنا مؤقت، وان احنا هنفضل اخوات ومافيش حاجة هتحصل بينا، وان. وان انا وانت هننفصل اما الاقى الشخص المناسب.

شعر بالصدمة مما قالته ماذا تقول امازالت تراه أخاها!هل تريد منه ألا يقترب منها، هل قصدت بكلماتها أنها لا تريده وتريد شخص آخر غيره لها، أتمزح أم ماذا، بعدما وصل معها لمرحلة فاقت العشق بمراحل عدة تريده ان يبتعد وأن يبدل تلك المشاعر بداخله لمشاعر أخوه مجددا تمزح بالتأكيد فإن لم تكن تمزح لفقدت عقلها مؤكدا
صر اسنانه بقوة ثم تساءل بعصبية مكتومة وتشنج جسده بشدة.

–يعنى هو ده اللى انتى عايزاه؟!، عايزانى ملمسكيش؟!، عايزه تبقى مع حد تانى غيرى؟!، عايزه حد تانى غيرى يلمسك؟!
لم تجيبه وانخفض نظرها لأسفل ليعيد السؤال عليها مجددا بعصبية وانفعال
–انطقى يا أسيف عايزه حد تانى معاكى؟!، كارهة لمستى وهتحبى لمسته هو؟!، انطقى!
ظلت على صمتها ليخلل يديه بشعره بانفعال ثم تشدق بخشونة وهو يعود بظهره للخلف
–تمام يا أسيف، ردك وصللى.

التفت بعدها وغادر الغرفة وتركها مصدومة مما حدث لم تكن تتوقع أن يحدث كل ذلك بينهما يوما، لو كان أحد قد قال لها قبل شهرين مضيا أنها ستتزوج عدى ويصبح بينهما مشاعر غير مشاعر الأخوة التى تربطهما ببعضهما منذ الصغر لاتهمته بخلل فى عقله، تشعر بتشوش بالغ يكاد يهشم ثنايا عقلها، جلست على الفراش تراجع كلماته التى ألقاها فى وجهها قبل خروجه، هى لا تريد أحدا آخر لها، ولم تقل أنها لا تريده هى فقط تشعر بالتخبط ولا تدرى ماذا تريد وما الذى يجب عليها فعله ولكن ايا كان ما ستفعله لن يصل ابدا إلى بعدها عنه فهى رغم توترها وهو معها وبقربه إلا انه سوف يظل آمانها الأول والوحيد.

دلف الغرفة بعد فترة وهى ما تزال جالسة تفكر فيما قاله ليهتف بها بنبرة جامدة وهو على مسافة منها
–جهزى نفسك عشان هنرجع بكرا، هوصلك قبل ما اروح الشغل، وبالنسبة بقى لجوازنا فاعتبرى انه محصلش واتفاقنا زى ما هو لما تلاقى الشخص المناسب ليكى هطلقك.

تركها وتوجه للحمام صافقا الباب بغضب انتفض جسدها عليه، تحتس برجفة فى جسدها لا تستطيع التحكم بها أخذت تفرك يديها ببعضهما بتوتر وخفقات قلبها ازدادت عن الطبيعى لم ترِد أن يصل بهما الأمر لتلك الحالة، لم تقصد بكلماتها ان تغضبه هكذا، كل ما ارادته ألا يفعل أفعاله الهوجاء تلك امام احد أن يقدر ارتباكها ويشعر بما تمر به كما كان قبلا، أمن الممكن أن يكون قد تغير معها ولم يعد يحتس بها مثل السابق، هل من الممكن ان يكون هذا الزواج قد دمر علاقتهما السابقة ببعضهما، تشعر بالصداع يكاد يفتك برأسها كيف يحدث كل ذلك بهما، كيف تتبدل تلك المشاعر البريئة النقية بينهما إلى مشاعر أخرى سوداء قاتمة، تكاد تجزم أن كل ما يربطهما من مشاعر منذ الصغر تحول لفتات أصبحوا حفنة من مشاعر مهشمة.

يحدق امامه بنظرة فارغة وهو جالس بحديقة قصرهم منذ خرج من غرفته بعدما ارتدى قميصه الذى أخذه وهو يغادر غرفة الثياب، لم يعد يحتمل ذاك الوجع بداخله، كل ما يمر به يدفع بداخله تذكر تلك الذكريات المريرة التى لم ينسَها من الأساس.

لا يبتعد عن باله ولو ثانية واحدة منذ ما يقارب الثلاثة عشر عاما هيئة والدته وهى تفارقه وتودعه ببضع كلمات أخرجتها بكل جهدها وهى تعافر مع الموت لتترك له ذكرى تهشم قلبه كلما عادها فى خلده
–مجد يا حبيبى، انا عارفة ان. ان الكلام اللى هقولهولك ده. صعب عليك، بس لازم اقوله، ابتلعت فى تعب شديد وهى تنهج كما لو أنها داخل سباق الآن ثم تابعت أنا خلاص هموت و...

–أرجوكى يا ماما متقوليش كده انتى هتعيشى وهتفضلى معايا مش هتسيبينى لواحدى
خرجت تلك الكلمات من فيه مجد مقاطعا والدته ببكاء حارق لا يصدق أن والدته ستتركه وترحل، لتتابع هى مجددا بألم شديد.

–أسمعنى يا مجد، معادش وقت يا حبيبى، انا مش عايزاك تضعف كفاية هشام هيتهد من بعدى، انا عايزك تبقى ضهره متسيبوش يقع يا مجد هو مش هيبقى ليه غيرك، ورفيف، اوعى تقسى عليها خليك حنين معاها ابقى اخوها وصاحبها اوعى تخليها تخاف منك فى يوم، رفيف ملحقتش تعيش اى حاجة معايا تبقى ذكرى تفضل معاها بعد ما اموت. بلاش تحسوسها ببعدى، وأسيف يا مجد اوعى تنساها دور عليها وجيبها وسطكوا تانى ارجوك يا مجد رجع أختك بينكم تانى عشان ابقى مرتاحة، كانت تحتس بأنفاسها تُسحب منها وأخذ صدرها يعلو ويهبط بهرجلة واضحة تشدقت آخر كلماتها بهمس ومعافرة على إخراجهم اوعى تنسانى يا مجد افتكرنى علطول واقرالى الفاتحة يا حبيبى.

انهت كلماتها مع خروج روحها وذهابها للمولى عز وجل ليصرخ مجد صرخة اهتزت لها أرجاء المشفى جميعها صرخة خرجت من أعماق قلبه تصاحبها وجع وألم يقسم انه لم ولن يعايشه ما حيا
–مااامااا
–ماما
خرجت بخفوت من بين شفتيه واطلق العنان لعبراته لتنساب من مقلتيه لتغرق وجهه مصاحبة لشهقاته المكتومة التى تحرق صدره، كان ومازال يحتاجها وسيظل، لن يملأ أحد الحيز الذى تركته ولن يعوضه أحدا عن فقده لها.

جفف وجنتيه وتنهد بألم وهو يعود برأسه للخلف وأغمض عينيه اتى امامه خضراوتيها وهى تنظر له بذلك الشغف الذى أدمنه منها مؤخرا، ولكن هل يجب أن يبقى إلى أن يدمنها هى الأخرى أيضا إذا لم يكن حدث بالتأكيد، لن يستطيع التحرر من اقتناعه بأن كل من أحبهم يوما يرحلون لذا لم يدع قلبه يدق لأحد قط ولن يفعلها، ولكن طيف ، كل ما يحدث بينهما الآن يجبره أن يبتعد يخبره أن هذا ما هو الا طريق بدايته مزينة بوروود وأزهار سيجذبه فى البداية لمنظره الخلاب للإنغماز به وبكل ما فيه من لذات ونشوات فرض على نفسه أن يُحرم منها ابد الدهر، ولكن نهايته حتما ستكون حفرة عميقة سوداء لا يوجد بها مفر او نجاة سيُترَك بها وحده إلا ان تتعفن روحه قبل جسده.

فتح عينيه وزفر بإختناق ثم نهض متوجها لأعلى مرة أخرى، دقيقتان وأصبح داخل غرفته ليجد الإضاءة مغلقة علم انها قد غفت توسد الفراش بجانبها واقترب منها ببطء وهدوء لكى لا ييقظها بينما كانت هى مستلقية على ظهرها، اتكأ على احد مرفقيه ورفع يده الأخرى ممررها على وجنتها بحنان اقترب بوجهه وطبع قبلة صغيرة فوق جبهتها ليحتس بعدم انتظام انفاسها انشق ثغره بشبح ابتسامة عندما علم بتزييفها للنوم نظر لملامحها وهى مغمضة لعدة ثوانٍ ثم ابتعد ونام على جانبه الآخر معطٍ لها ظهره، فتحت عينيها عندما احست بابتعاده شعرت بسعادة طفيفة توغلت بكيانها من قبلته تلك ولكن لمَ البعد من الأساس وصدت عينيها بقوة تحاول منع عقلها من التفكير محاولة النوم هذه المرة حقا.

لم يعد هناك مفر منها كأن كل ما يبعده عنها يقربه أكثر، لا يوجد حل سوى البعد الفعلى يجب ان يبتعد من امامها يجب أن ينقذ نفسه من ذاك التعلق والعشق الذى يتسلل إلى قلبه رويدا رويدا، هو المذنب الأول والآخير فى حق نفسه ولكن قد حان الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

صباح اليوم التالى..
تقف أسيف فى بهو القصر بعدما تجهزت للمغادرة بينما كان عدى مايزال يتجهز بغرفتهما تنظر بتمعن لتلك الصورة المعلقة على الحائط أدركت أنها والدتها من ذاك الشبه الكبير بينهما تحلول تذكر أى شىء، صورة، عناق او حتى كلمة لهما معا فى الصغر ولكن لا يوجد بذاكرتها أى ذكرى تجمعهما لتتنهد بحزن عندما جاء بخاطرها ما قاله لها والدها عندما اتى اليها اول مرة.

تكلم هشام بشجن واضح بنبرته وترقرقت الدموع بمقلتيه
–مامتك تعبت اوى، من كتر حزنها وعياطها عليكى جالها مرض صعب فضل يخلص عليها حاجة حاجة لحد ما ماتت بعدها بتلت سنين، ماتت وهى بتعيط لحد آخر نفس فيها عليكى..

التفتت على كلمات والدها الذى يقف بجانبها منذ عدة دقائق ينظر هو الآخر لتلك الصورة
–كانت جميلة اوى شبهك كده بالظبط، حول نظره إليها ثم قال بابتسامة انتى الوحيدة اللى طلعتى شبهها، ماعدا عينيكى الحاجة الوحيدة اللى واخداهم منى
ابتسمت له واقتربت وقبلت وجنته ثم قالت برقه ولطف
–صباح الخير يا بابا
رد عليها تحية الصباح بابتسامته الحانية وصوته الدافئ.

–صباح النور يا حبيبة بابا نظر لثيابها بتعجب ثم تابع بتساؤل انتى لابسة كده ليه انتى رايحة فى حتة يا حبيبتى؟!
تأتأت بتلعثم وهى تحك عنقها وزاغت بنظرها بعيدا عنه
–أ. أصل. عدى. أنا وعدى يعنى ماشيين. عشان. عشان ماما قاعدة لواحدها ومش عايزين نسيبها اكتر من كده
تعجب مما قالتها ولاحظ تلعثمها بالكلام ليخمن انه ربما حدث خطب ما بينها وبين عدى لذا لم يرِد أن يضغط عليها بالبقاء ليردف بهدوء.

–اللى يريحك يا حبيبتى اهم حاجة عندى راحتك وانك تبقى كويسة
ابتسمت براحة لتفهمه الأمر ليأتى صوت مجد من الخلف هادرا تحية الصباح على والده بنبرته الرخيمة الجادة والتى اعتادتها عليه
–صباح الخير يا بابا
ابتسم له والده ورد بلطف
–صباح النور يا ابنى
حول مجد نظره ل أسيف ليردف بهدوء
–صباح الخير يا أسيف
–صباح النور.

ردت بخفوت وتوتر لاحظه مجد ولكن لم يهتم او لم يظهر ملاحظته له من الأساس ليقول بجدية وهو يرمق والده
–انا رايح الشركة يا بابا عايز حاجة!
ربت على يده ثم هدر بهدوء
–سلامتك يا حبيبى
ابتسم مجد باقتضاب ثم قال وهو يتحرك خطوة للخلف
–تمام يا بابا عن اذنك.

التفت بكامل جسده أخذا طريقه نحو الخارج بملامح وجه جامدة ونظرات مبهمة لن يستشف أحدا منها شىء إذا أمعن النظر بها عازما على فعل ما قرره ليلة أمس، أصبح داخل المرأب ليلقى على مسامع سائقه بضع كلمات مقتضبة دون النظر إليه وهو يلج سيارته
–خليك هنا عشان هترجع طيف هانم البيت التانى لما تصحى.

رد عليه السائق باحترام منصاعا لما أمره به، ليدير مجد سيارته مغادرا القصر متوجها نحو شركة السياحة التى تنظم له سفريات عمله.

جالسة على فراشها تنظر لتلك الصور العديدة الموضوعة فوق الكومود بجانب فراشها التقطت واحدة منهم كانت لزوجها الراحل ظهر على ملامحها حزن دفين لا يفارقها منذ فارقها هو قربت تلك الصورة من فمها ووضعت قبله مطولة عليها وأرجعتها مكانها لتقع عينيها على صورة ل أسيف وهى صغيرة التقطها زوجها لها قبل وفاته لتبتسم حينما تذكرت حديثهما سويا
–عينيها حلوة اوى شبه عين عدى وطيف.

قالتها نادية وهى تداعب وجنة أسيف وهى بين أحضانها لتطلق الصغيرة ضحكاتها الطفولية بسعادة عارمة، ليضحك زوجها على ضحكات الطفلة والتقطها من بين يدى زوجته وقبلها وأجلسها فوق قدميه ثم قال وهو ينظر لزوجته بحب
–وشبه عينيكى.

تنهدت بمزيج من الحزن والرضى حزنا على مفارقة زوجها منذ ما يقارب الستة عشر عاما ورضى بما أوصلت إليه طفليها وتلك الطفلة التى أحبتها منذ الوهلة الأولى التى رأتها بها لتكبر بين أحضانها وتحتس نحوها بأمومتها لها كما تحتس نحو عدى و طيف.

وضعت الصورة موضعها مرة آخرى عندما استمعت لصدح جرس الباب نهضت على عجالة وتوجهت نحو باب بيتها وفتحته لتجدها أسيف ويظهر على ملامحها ضيقا طفيفا أفسحت لها نادية لتدلف وتساءلت بتعجب
–ايه اللى رجعك دلوقتى يا أسيف مش قولتوا هتقعدوا كام يوم عند باباكى
جلست أسيف على مقعد قريب من الباب زفرت بطيف من الحزن ثم أردفت بهدوء محاولة عدم إظهار شىء لوالدتها
–عدى قال انه عايز يرجع عشان متفضليش لواحدك.

قطبت جبينها ولم تقتنع بما قالته لتطنب بمزيد من التعجب متسائلة
–وايه اللى هيحصل يعنى لو فضلت لواحدى!
حركت كتفيها دلالة على عدم علمها الذى زيفته ثم قالت
–مش عارفة هو اللى قال كده وقالى نرجع
لم يصعب على والدتهما علمها بأن هناك امر تخفيه أسيف ولكن قررت ان تنتظر وتعلم من ابنها لانها تعلم أسيف طالما لم تتحدث فى الأمر هذا يعنى انها لا تريد الحديث به لتقول والدتها وهى تربت على يديها بحب.

–طب قومى انتى يا حبيبتى غيرى هدومك وتعالى نشرب حاجة مع بعض، وتحكيلى عملتى ايه اليومين اللى فاتوا
أومأت لها أسيف بابتسامة صغيرة حامدة ربها على عدم تساؤل والدتها مجددا فى أمر عودتها ونهضت من المقعد متوجهة نحو غرفتها ليوقفها سؤال والدتها
–عدى فى الشركة مش كده!
أردفت أسيف بهدوء وهى تلتفت لها نصف التفاتة
–ايوه وصلنى وقال انه رايح على هناك.

انتهت مما قالته ثم ولجت غرفتها لتنظر والدتها فى أثرها عازمة الأمر على معرفة ما حدث من عدى عند عودته من عمله فهى تخشى ان يكون قد حدث شيئا بينها وبين أحد افراد عائلتها لذلك لم تبقى معهم وعادت، هى تعلم أسيف جيدا تعلم كم هى رقيقة ويؤثر بها ما يحدث حولها مهما صغر، توجهت نحو المطبخ لكى تعد مشروبا لها ول أسيف لتشرباه وهما جالستين سويا.

تتحرك فوق الأرجوحة الموجودة بحديقة بيتها بحركات بطيئة بعدما عادت من بيت والد زوجها حيث أخبرتها مدبرة البيت هناك أن مجد قام بإخبارها قبل خروجه صباحا أن تقل لها بعد استيقاظها أن تعود لبيتهما بعد أن تتناول فطورها وتخبرها ايضا بإن السائق ينتظرها بالخارج ليرجعها.

لمَ كل هذا الحزن البادى على ملامحها والتى تشعر به داخل قلبها، هل أحبته حقا، ضحكت بسخرية على حالها، هل مازلت تتساءل هل أحبته أم لا، هل تشك بالأمر، ألم تتأكد بعد، بعد كل ما يحدث وبعد كل ما تشعر به، ألا تتيقن ان عشقه أصبح يتوغل داخل قلبها، بلا هى تأكدت أكثر من مرة وعهدت على دقات قلبها الفرحة، الخائفة، المرتبكة، وحتى الحزينة من كل ما يصدر منه تجاهها، حسنا لقد تأكدت من عشقها له ولكن ماذا عنه هو!، ألن يعشقها مثلما أصبحت تعشقه وعشقه يسير فى عروقها، ألن يرحم قلبها ويجعلها تهنأ مرة واحدة بقربها منه ويجعلها تشعر بقبوله لذلك القرب، لمَ يفعل ذلك بها، لمَ يهرب فى كل مرة تجمعهما بضع لحظات حميمية تخطتفها معه ومنه، لمَ يفعل كل ذلك بقلبها.

تواترت دموعها وهى تتذكر بعده، صده لها، كلماته المقتضبة، وجفاءه فى بعض الأحيان، نهاية بليلة أمس لا تعرف لمَ ابتعد عنها بتلك الطريقة لقد أحست بلهفته لها ودقات قلبه التى ازدادت أسف يديها عندما وضعتها فوق صدره، أحست برغبته بها ولكن لمَ ابتعد عنها، لمَ!، جففت دموعها عندما صدح هاتفها بالرنين التقطته من جانبها لتجد والدتها هى المتصل، وضعت الهاتف على اذنها بعدما فتحت الخط وقالت بقليل من التحشرج إثر بكائها ولكنها حاولت قدر المستطاع ان تظهر صوتها طبيعيا كى لا تلاحظ والدتها بكائها.

–ألو..

واقف داخل مطبخ شقته يعد القهوة له لكى يستطيع متابعة بعض الأعمال بواسطة حاسوبه، انتهى من إعدادها أخذ الكوب وتوجه نحو غرفة مكتبه وضعها فوق الطاولة وجلس على الاريكة والتقط هاتفه اتى برقمها وقام بالإتصال بها ثم وضع الهاتف فوق اذنه منتظرا صوتها الرقيق بنغماته ليمتع اذنه به قليلا
–ألو.

همست بها برقة بالغة ليبتسم وعاد بظهره على الأريكة واضعا ساعده خلف رأسه مستندا عليه ثم قال بصوته الذى يملأه العاطفة دائما
–وحشتينى
صمتت قليلا ليعلم ان ذلك تأثير كلمته عليها ليقول بمكر بصوته الرجولى الذى تعشقه
–دى كلمة يا رفيف امال لو قولتها عملى هتعملى ايه
نهته بهمس وخجل شديد
–بس بقى يا جاسم بجد
ضحك بخفوت ثم تكلم قائلا.

–مانتى لازم تتعودى بقى على الكلام الحلو ده عشان هيبقى فى منه على طول
حاولت ان تغير مجرى الحديث حمحمت ثم سألته
–بتعمل ايه دلوقتى؟!
رد بإيجاز ومراوغة
–بكلم حبيبتى
ابتسمت على مراوغته ثم سألته مجددا
–وهتعمل ايه بعد ما تخلص كلام مع حبيبتك؟
تنهد بإرهاق ثم قال
–فى شغل ورايا هخلصه على اللاب وبعدين هنام، بتعملى انتى ايه
همهمت بمراوغة مماثلة لمراوغته ثم همست
–بكلم حبيبى.

ضحك باستمتاع من تقليدها لكلماته ثم قال
–ده احنا بنقلد كمان اهه
ضحكت بنعومة لتتراقص اوتار قلبه على سيمفونية ضحكتها ثم تشدقت بدلال
–عندك مانع!
تأتأ برفض ثم قال بهمس طاغى عليه عشقه لها
–قلدينى فى كل حاجة يا رفيف حتى فى حبى ليكى
صمتت مجددا ليهتف هو مسرعا
–رفيف
همهمت له ليضيف بتوجس
–فاضية بكره؟!
ردت بإيجاز وتساؤل
–ايوه، ليه؟!
حمحم ثم تساءل بنبرة مليئة بالتوسل الشديد.

–تيجى تقعدى معايا بكرا فى الشركة شوية!
همهمت بتفكير قليلا ثم تمتمت بدلع
–امممم، Why not ( ليه لأ )
ابتسم بسعادة ثم قال بلهفة
–تمام يا حبيبتى هستناكى
تثاءبت بنعاس ثم قالت بخفوت
–طب انا هنام دلوقتى، see you tomorrow ( أشوفك بكرا )
شعر انها تريد النوم وبشدة من نبرتها النعسة المرهقة ليتمتم بخفوت مكرها على إغلاق المكالمة
–خلاص يا حبيبتى روحى نامى، تصبحى على خير
–وانت من أهله.

قالتها بهمس ثم انهت المكالمة ليزفر الآخر بحماس لمقابلتها بالغد فهو يشتاقها فى كل وقت ويريدها أبد الدهر أمام عينيه
ترك هاتفه على جنب وامسك بكوب قهوته وقربها من فمه ارتشف منها ليمتعض وجهه فقد بردت للغاية، نهض من مكانه وحملها وتوجع نحو المطبخ ليعد له أخرى كى تفيقه قليلا لينهى أعماله ثم يخلد للنوم بعدها.

بعد عدة أيام..

تغيرت الكثير من الأوضاع خلال مرور تلك الأيام ف عدى أصبح يتعامل بحدود بالغ مع أسيف التى عادت إلى غرفتها بعد رجوعهما من بيت والدها بعدما أخبرها أنه لا حاجة لبقائها معه فى الغرفة ذاتها، وإذا حدث ووجه لها الحديث تكن بضع كلمات مقتضبة يلقيها على مسامعها دون النظر فى وجهها حتى وهذا ما أحزنها كثيرا وأصبحت تنزوى بغرفتها ولا تتكلم مع أحد ولا حتى والدتها لاحظ عدى تغيرها تلك وانعزالها ولكن لن يتراجع عما يفعله فهى من تسببت بحدوث تلك الفجوة بينهما فلتتحمل إذا نتاج أفعالها.

تغير الحال أيضا بين طيف و مجد ، أصبح لا يذهب إلى البيت سوى لقليل من الوقت وتحديدا أثناء نوم طيف ويخرج قبل استيقاظها لكى لا تتقابل عينيه بتلك الخضراوتين اللتين لا يكره سوى ضعفه امامهما، لتصبح طيف أكثر حزنا وأيقنت انه يتعمد عدم اجتماعه بها لذا يأتى بعد نومها ويرحل مبكرا ازداد وجهها شحوبا تلك الفترة ولم تذهب لجامعتها فكل ما يشغل تفكيرها هو مجد ولمَ يفعل ذلك معها.

وبالطبع ازداد تقرب جاسم و رفيف من بعضهما وتوطدت علاقتهما كثيرا اصبحا يتقابلان يوميا إما بشركته او بالخارج ويتحدثان طوال الليل معا فى احاديث عدة لا تخلو من وقاحة جاسم وخجل رفيف ونهيها إياه من المتابعة وتصل فى بعض الأحيان لإنهاءها المكالمة لينام هو على صوتها الحانق منه مستمتعا بذلك الخجل المحبب له نتيجة أحاديثه وأفعاله العابثة معها.

بعد منتصف الليل..

قررت طيف هذه الليلة أنها لن تخلد للنوم حتى مجئ مجد لتتحدث معه علّها تعلم ما به ولمَ يتعمد عدم التواجد معها، وقد علمت من العاملة منذ بضعة دقائق انه قد أتى وجالس فى غرفة مكتبه بالأسفل، أرتدت ثوب نوم ليس بقصير يصل إلى ما بعد الركبة ببضع إنشات حريرى لونه زيتونى عاطٍ لعينيها ضيا مُظهر جمال خضراوتيها، عارِ الصدر بحمالات رفيعة للغاية يتضح منه خمرة بشرتها البضة بشكل خلاب واسدلت شعرها للخلف وبعض الخصلات حاوطت وجهها بطريقة أخاذة، وقفت أمام المرآة تعدل من هيئتها قبل نزولها وقعت عينيها على ملمع شفاه أحمر اللون وضعته على شفتيها المكتنزة أعطى رونق رائع لهما ابتسمت برضى ثم أرتدت فوق ثوبها الرداء الخاص به تحسبا إذا رآها أحد الخدم أثناء هبوطها لأسفل ثم خرجت من غرفتها دقيقتين وكانت أمام باب مكتبه من الخارج سحبت الهواء لرئتيها ثم زفرته ببطء تحاول بث الشجاعة بداخلها وحثت نفسها على الدخول وبالطبع قامت بفتح الباب دون استئذان، ليرفع مجد نظره عن حاسوبه بدهشة من دخول احدهم عليه دون أن يسمح له ليجدها طيف واوصدت الباب خلفها، إزدادت خفقات قلبه عندما وقعتا عينيه عليها بذلك الثوب الذى يظهر بياض بشرتها ونعومته بشكل مهلك للأنفس، تابع تقدمها إليه بخطواتها المتمهلة التى لا ترحم دقات قلبه التى تشتد كلما اقتربت خطوة بعد الأخرى، وقفت أمامه ليصدح صوتها العذب الذى أُثبِت له أنه كان يفتقد نغماته الأيام الماضية.

–مجد انت هتفضل قاعد كتير هنا!، الوقت اتأخر اوى مش هتنام!
زم شفتيه وعاد بنظره إلى الحاسوب محاولا إظهار انشغاله ثم قال بنبرة زيف جديتها ببراعة
–فى شوية حاجات ورايا هخلصها وهبقى اطلع بعدها
وضعت كفها فوق كتفه بلمسة رقيقة للغاية ليشعر بالسخونة سرت فى عروقه ثم استمع مجددا لتلك النبرة الرقيقة التى لا يريدها أن تكف عن إخراج الكلمات ليمتع أذنه قليلا قبل أن يُحرم منها تماما.

–الشغل مش هيطير يا مجد انت لازم ترتاح شوية
قال لها بصوتٍ جاد اهتز قليلا وهو مازال يتظاهر بانشغاله
–قولت هخلص يا طيف وهبقى أطلع.

عضت على شفتها السفلى بخجل مما ستقبل على فعله ولكنها عزمت على إزاحة ذلك الحاجز بينهما اقتربت منه أكثر بينما رفع مجد عينيه بذهول من اقترابها المخدر لجميع أوصاله ليجدها باغتته بجلوسها فوق قدميه وأحاطت عنقه بذراعيها على استحياء ثم همست وهى تنتقل بخضراوتيها على جميع ملامحه التى آسرتها.

–مجد ليه بتبعد عنى، أنا معدتش بشوفك خالص، بتيجى وانا نايمة وبتمشى قبل ما اصحى، كأنك قاصد متبقاش معايا فى مكان واحد، حاوطت وجنته بيدها واليد الآخر متلمسة به ذراعه ثم تابعت بمزيد من الهمس وانفاسها الدافئه تجول فوق ملامحه بروية قاتلة مجد أنا أتعلقت بيك أوى ومبقتش حابة أبعد عنك ولا تبعد عنى، عايزه نبدأ بداية جديدة مع بعض وننسى جوازنا بدأ ازاى واى حاجة حصلت بينا قبل كده، انا كل اللى عايزاه دلوقتى انت وبس مش عايزه حاجة تانية.

انهت كلماتها واخذت تقرب وجهها بتريث بالغ لتتصادم انفاسها بوجهه مخلفة شتات مربك بنفسه وهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل الآن بعد سماعه تصريحها برغبتها به ليفيق من شروده على ملامسة شفتيها الدافئة لشفتيه كانت تقبله بتمهل حارق لكيانه بأكمله لم يبادلها تلك القبلة التى ظهر فيها احتياجها الشديد له ليشعر بتلك النيران اندلعت بسائر جسده وازداد علو صدره وهبوطه فى هرجلة واضحة ليتمكن الغضب منه وأبعدها عنه موقفا إياها ونهض من فوق كرسيه ثم صاح بصراخ امام وجهها بعدما وقفت هى الأخرى ونفرت عروقه بشدة.

–طيف، اطلعى فوق دلوقتى حالا
اتسعت مقلتيها بوجل وخوف من صراخه وحاولت اخراج الكلمات من فيهها بهمس متقطع
–مجد. انا. بس..
ليكرر كلماته بصراخ بالغ أكثر من المرة السابقة وهو يشير تجاه باب الغرفة بذراعه
–قولت اطلعى فوق يا طيف، يلااا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة