قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث عشر

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث عشر

ركضت من امامه بعدما امتلأت عينيها بالدموع ووضعت يدها على فمها بصدمة من صراخه عليها ورفضه لها للمرة التى لا تعلم عددها ليلقى بكل محتويات مكتبه أرضا وخلل شعره بيديه ممسكا بهم بغضب وتعالت أنفاسه بشدة، لمَ لا ترأف به لمَ تصعب الأمر عليه هكذا فعلتها تلك، لمساتها، وتلثيمها شفتيه أججت بداخله رغبة جامحة فى تملكها فورا، إن لم يبعدها منذ برهة لكان جعلها ملكه فى الحال وحرر نفسه من ذلك العذاب الذى انهكه منذ وطأت بقدميها حياته.

ازداد شعوره بالوجع وتجدد الألم بداخله كلما دوى برأسه صوتها الراغب به الذى يملأه أحتياجها إليه، يحتاج إليها مثلها بل أكثر ولكن هذا ما لا يريده لا يريد أن يحتاج لأحد لا يريد هذا الضعف الذى يتملكه معها هى وحدها دونا عن نساء العالمين.

ولكن ماذا عن دموعها التى ملأت عينيها والذى أصبح يتسبب بهم دائما، تلك الدموع التى تصيبه بمقتل، تلك الدموع التى أصبحت أكثر ما لا يستطيع تحملهم، يريد الذهاب خلفها الآن وأخذها بين أحضانه وطمأنتها أنه معها ولكن لعنة بداخله تمنعه من فعلها، هز رأسه باعتراض وانفاسه تتلاحق بصخب لا لن يستسلم لذلك الصراع بداخله ويتركها تحتضن دموعها طوال الليل ويبقى هو واقف كالعاجز مكتوفى الأيدى هكذا، لا لن يتركها سيصعد لها وليذهب كل شىء بداخله من أفكار سوداء تسببت بعقد قاتلة للجحيم.

غادر مكتبه صاعدا درجات السلم بهرولة حتى وصل إلى غرفتهما ليجدها واقفة معطية له ظهرها وتبكى بصوت هشم قلبه لأشلاء صغيرة، التهم الخطوات نحوها وقبض على ذراعها وأدار جسدها لتقابله بأعينها التى قاربت الإحمرار من كثرة بكائها ثم اندفعت بوجهه ببكاء لتقول من بين شهقاتها.

–انا مش عارفة انت بتعمل معايا كده ليه، انت قولتلى فى الأول خالص فكرى فى جوازنا وشوفى حابة تكملى ولا لأ، وانا فكرت وعايزه أكمل وبقيت بتعامل معاك على انك جوزى ليه انت مش بتتعامل معايا على الاساس ده، لو انت مش عايزنى ولا عايز تكمل فى جوازنا قولى وانا هخرج من حياتك، لكن مفضلش انا بحاول لواحدى وانت بدل ما تحاول معايا بتصدنى وتهدم كل محاولاتى، حاولت التحكم ببكائها لتنظر فى عينيه مباشرة ولم تتوقف عن ذرف عبراتها ثم هدرت بنبرة ضعيفة لو عايزنا نتطلق انا...

حرك وجهه بإنكار ورفض تام لما قالته ثم قاطع متابعة حديثها جاذبا رأسها بكلتا يديه ليقربها منه ملتهما شفاهها فى شراهة ونهم خالص، كان يقبلها بشغف ورغبة بالغة يلعن نفسه آلاف المرات على حرمانه من تلك الشفاه التى تنسيه العالم وما به ولا تشعره سوى بأنفاسها التى يريد ان يتنفسها ويحيا عليها الباقى من حياته.

ابتعد عنها قليلا كى يسمح لها بإمرار الهواء لرئتيها وينظر لملامحها التى سكنت تماما بفعل قبلته بينما ملامحه تملأها الرعب من ذكرها للطلاق وفكرة ابتعادها عنه للأبد وهمس بشفتين مرتجفتين وهو يلهث امام شفتيها وهو مازال محاوطا وجهها بكفيه
–مفيش طلاق انسى الموضوع ده يا طيف.

وضعت يديها فوق صدره بعدما انتظم تنفسها وتنهدت بتعب وهى تتفحص تلك السوداوتين تتمنى لو تفهم فقط ما وراء تلك النظرة وتلك النبرة المرتجفة التى تزعن لها بعشقه بل تيمه بها ولكنه فى كل مرة يأتى من جديد ويهدم كل ذلك فوق رأسها.

لاحظ صمتها الذى دام وعدم ردها على ما قاله ليزدرد فى مزيد من الخوف وكاد يتحدث لتقاطعه هى قائلة بحيرة من امرها وملامحها تصرخ بالآسى
–وبعدها يا مجد ايه اللى هيحصل، انا تعبت وانت مش بتساعدنى و...
وضع يده فوق شفتيها ليمنعها من المتابعة ثم تشدق بخفوت وملامح مترجية لأول مرة بحياته منذ ما يقارب الثلاثة عشر عاما تكن ملامحه هكذا ويظهر عليه كل تلك المشاعر الذى لم يخرجها مع أحد سواها.

–ساعدينى انتى يا طيف انا مش عارف أعمل ايه، حاسس بحيرة جوايا انا تعبان زيك مش مرتاح ويمكن أكتر منك كمان، ادينى وقتى وارجوكى بلاش كلمة طلاق تانى عمرها ما هتوصل لكده، مش عايز اسمعها منك تانى، ارجوكى يا طيف.

سحبها داخل احضانه محاوطا ظهرها بذراعيها بقوة ودفن رأسه بتجويف عنقها ملثما اياه برقة انهالا جفناها فى تأثر من سخونة انفاسه فوق عنقها وحاوطته هى الأخرى باحتياج بالغ ظلا هكذا قليلا ليفرق عناقهما بتريث ثم قال بهدوء
–خلينا ننام دلوقتى وبكرا نبقى نتكلم.

أومأت له وسارا معا نحو الفراش، دثرت جسدها بالأغطية ليتبعها مجد ثم جذبها وجعلها تتوسد صدره واطبق ذراعيه عليها، شعر بها ترفع نظرها إليه ليخفض هو عينيه لها ليجد التساؤلات تملأ ملامحها الفاتنة التى دفنت بين ثنايا قلبه، ليهدر بخفوت علّها تتوقف عن التفكير قليلا وتريح عقلها الذى يعلم انه اُُنهك من كثرة تحليله لما يبدر منه معها
–نامى دلوقتى متفكريش فى حاجة.

أخفضت نظرها وزفرت بإنهاك ثم أوصدت عينيها وحاوطت خصره بذراعها كم تتمنى ألا يتبدل حاله معها مجددا تتمنى أن يريح قلبها لهنيهة فقط ويخبرها ما بجعبته وما يكنه لها من مشاعر والتى أصبحت تيقن أنها مهشمة.

بعد وقت شعر بانتظام انفاسها فوق صدره ليعلم انها قد غفت، ليتنهد هو بألم يكاد يهشم صدره، قلبه، عقله، وروحه بآن واحد، لم يعد يتعرف على نفسه معها أو بالأحرى أصبح على ما كان عليه يوما بالماضى، ماضٍ بعيد لا يرغب بعودة صاحبه، لقد أصبح مؤخرا مجد النسخة القديمة التى قد حذفها من حياته منذ سنوات عدة وأقسم على ألا يعيدها مرة أخرى.

أصبح بداخله مزيجا من الرفض والقبول، يرفض مشاعره التى تظهر بمنتهى التلقائية دون تحكم منه عليها وكأنها هى المتحكم بها، يرفض ذلك العشق الذى نبع بداخله، يرفض ذلك الإحتياج الذى أصبح يحسه لها ومعها، وأخيرا يرفض بعد كل ذلك بُعدها، يقبل بها فى حياته وهذا ما لا تعلمه، يقبل بكل تلك المشاعر التى تحسها تجاهه وتخرجها معه، يقبل بعشقها له الذى أنار حياته، وعلى النقيض يقبل بإبعاد نفسه عنها.

ذلك الخوف بداخله من بُعد أحبته، من مَن يتعلق بوجودهم معه، ومن مَن يحتاجهم لن يرحمه نهائيا، لن يتركه يحيا بسلام ويعوض قلبه كل ما حُرِم منه سواء جبرا أم بإرادته، لا يوجد حل امامه سوى المغادرة، نعم سيغادر ريثما يُنتزَع ذلك العشق من قلبه وتلك المشاعر الوليدة التى يشعر بها للوهلة الأولى تجاهها ومعها هى فقط ويعود حينها إلى سابق حاله بمشاعره القاتمة التى لم ولن يكن يوما بداخله سواها.

صباح اليوم التالى..
كان جاسم رفقة رفيف بالنادى يركضان معا ويتسابقان منذ الصباح إلا أنْ تعب جاسم وقف ينهج بشده وصدره يعلو ويهبط بهرجلة شديدة هتف بصوت عالٍ كى تسمعه حيث انها قد ابتعدت بضع خطوات عنه بينما صوته خرج متقطعا إثر انفاسه التى يحارب لالتقاطها
–رفيف، اقفى خلاص، معدتش قادر
التفت له بحيويتها التى عليها منذ الصباح لتقول بأنفاس متسارعه قاصدة إثارة غيظه وهى تعود نحوه ركضا.

–انت مالك خفيف كده ليه متجمد شوية
رمقها بمكر واقترب من أذنها بوجهه محافظا على مسافة بين جسديهما لوجودهما بمكانٍ عام ثم تمتم
–طب ما تجربى بنفسك وتشوفى انا جامد ولا لأ، ماعنديش مانع اعرفك وهنا كمان لو تحبى، وهسيبك تحكمى انتى فى الموضوع ده.

فغرت فاهها من وقاحته التى لا يكف عنها لم تتوصل لمضمون كلماته بشكل كامل ولكنها تعلم أنه لن يأتى من وراء تلك النظرة الماكرة سوى كلمات بذيئة لم تتخيل أن يتشدق بها يوما لهدوءه وأخلاقه التى كانت تراهما عليه ويشهد بهما الجميع ولكنه فاق جميع توقعاتها وبجدارة وفاجأها بتلك الشخصية التى تحمل مزيجا من العبث والمرح التى لا تعلم أنها لا تظهر سوى معها هى فقط، لتدفع بيديها فى صدره ثم هدرت بغيظ.

–انت رخم وقليل الأدب اصلا وانا غلطانة انى بجرى معاك
أكملت ركضها ليتبعها وهو يضحك رادفا من بين ضحكاته
–استنى بس، والله ما هقدر اجرى تانى.

جالسان قبالة بعضهما يتناولان وجبة الفطور بمطعم أعتادا ان يتناولا به الطعام معا مؤخرا داخل النادى وضع جاسم شوكته فى الطبق امامه وهو يمضغ طعامه ثم قال بعدما ابتلع ما بفمه
–أنا مبقتش فاهم أخوكى بجد، بقى بيعمل حاجات غريبة وفى اوقات أغرب
عقدت حاجبيها باستغراب لما قاله ثم أردفت بتساؤل وهى تشرع بوضع الطعام بفمها
–ليه عمل ايه!
زم شفتيه بسأم ثم قال بنبرة يملأها الضيق.

–ينفع حوار سفره فى وقت زى ده وسايبلى مسؤولية الفرع اللى ماسكه مع الفرع بتاعى غير ان انا بقالى فترة كان حصل مشكلة فى فرع السويس ومن وقتها وانا بتابعه، غير ان الفترة اللى احنا فيها دى اصلا فيها ضغط كبير وهو ساب كل ده على دماغى وسافر
لم يشغل بالها كل ما قاله غير سفر شقيقها لتقل بصدمة وأعين متسعة
–سفره!، هو مجد مسافر!
مط شفتيه بتعجب مما قالته ليغمغم.

–مجد سافر فعلا، من تلت ساعات تقريبا، انتوا متعرفوش؟!
لاح الحزن على قسماتها ثم أردفت وهى تنظر للصحن امامها
–لأ منعرفش، مقالناش خالص انه مسافر، رفعت نظرها له ثم تساءلت هو الموضوع جه فجأة طيب؟!
أومأ بإنكار ثم قال بتوضيح
–لأ هو حاجز بقاله كام يوم، انا فاكر انكوا عارفين اصلا
رفعت حاجبيها وكررت كلمته بتفاجؤ وتساءلت
–حاجز!، هو سافر فين بالظبط؟

رمقها فى تفحص ليلاحظ بعض الحزن الذى طغى على ملامحها وزال تلك الحيوية التى كانت تملأ وجهها ليستطرد مجيبا إياها بنبرة رخيمة
–الفرع اللى فى لندن قال ان فيه شوية حاجات محتاجة انه يروح يتابعها بنفسه
تابعت بمزيد من التساؤل وهى جالسة بتحفز
–ومقالش هيرجع امتى؟
لاحظت على ملامحه عدم علمه بالأمر ليتشدق بتأكيد لما لاحظت وهو يهز رأسه بالسلب بهدوء
–ماتكلمش فى موضوع رجوعه ده.

وجدها نهضت من كرسيها ليقف هو أيضا ثم هدر باستفسار وهو يرمقها بتفقد
–رايحة فين يا رفيف؟!
وضعت حقيبتها فوق كتفها وألتقطت هاتفها من فوق الطاولة لتجيبه باستعجال
–هروح لبيت مجد هتكلم مع طيف، أكيد هتبقى عارفة حاجة عن موضوع سفره ده وممكن تعرفنا هيرجع امتى.

سبقته للخارج بينما وضع هو النقود فوق الطاولة والتقط هاتفه ومفتاح سيارته و لحق بها، من المتوقع ان صديقه لم يخير طيف بشىء عن سفره، فقد حزر انه لربما قام بتلك السفرية فى الوقت الحالى بسبب علاقته بزوجته، لقد لاحظ عليه التخبط الفترة السابقة وربط ذلك ب طيف خاصةً حينما خرج لحديقة بيت والده عندما كانوا مجتمعين هناك ورآه وهو يجفف دموعها وبعدها أخذها بأحضانه، استشعر وجود توتر بعلاقتهما وهذا المتوقع منذ البداية ولكن ما لم يتوقعه ما أصبح صديقه عليه مؤخرا، ولكنه لن يخبر رفيف بشىء سيدعها تذهب علّ مجد قد اخبر طيف شيئا وسيعلم منها لاحقا عندما تعود ما الذى دار بينهما.

ينفث دخان سيجارته بهدوء وهو ينظر إلى إحدى رجاله الذى يتتبع له أخبار من يريد بأمر منه ويبلغه بما توصل إليه، نفض رماد سيجارته فى المنفضة الزجاجية الموضوعة أمامه فوق مكتبه ثم تشدق ببرود سائلا
–ايه الجديد اللى وصلتله؟
رد عليه الماثل امامه باحترام ورهبة فهو يدفع الخوف فى قلوبهم من مجرد نبرة صوته عندما يتحدث او يوجه لهم إحدى أوامره التى ينبغى أن تُنفَذ ولا يوجد مجال للرفض.

–سافر لندن النهارده الصبح هيمسك الفترة الجاية الفرع اللى هناك، اخته اللى كانت تايهة اتجوزت واحد اسمه عدى الجمال من فترة ده اللى كانت عايشة عندهم من ساعة ما تاهت وهو محاسب فى شركة الكيلانى فى الفرع الرئيسى، مراته سايبها فى بيته اللى نقل فيه قريب و..
–استنى استنى، مرات مين؟!
تشدق بها عاصم وهو يطفئ سيجارته بتعجب مقاطعا حديثه وهو مضيق ما بين حاجبيه ليوضح له الآخر بنبرة هادئة.

–مرات مجد الكيلانى
رفع احد حاجبيه بتفاجؤ ثم اردف بتوجس
–هو اتجوز؟
أومأ له الرجل ثم قال مؤكدا له بتوضيح
–ايوه يا باشا، بنت اسمها طيف الجمال أخت عدى جوز أخته اتجوزها فى نفس اليوم اللى اخته اتجوزت فيه، فى كلية صيدلة فى آخر سنة
زاغ بعينيه وانشق جانب ثغره بابتسامة خبيثة لثانية ثم قال بنفاذ صبر بعد أن عاد بنظره رامقا ذلك الرجل الذى يبدو أن بحوزته خبر آخر يود إخباره به.

–فى حاجة تانية ولا خلاص كده؟
تابع بتلجلج فما مقبل على قوله ليس على يقين من صحته بل هو مجرد تخمين منه
–أخته الصغيرة اللى اسمها رفيف بقالها فترة ماشية مع جاسم الجندى شريكه وتقريبا كده فى بينهم حاجة
قست نظراته ثم قال بخشونة ونبرة محتدة
–أفهم ايه بتقريبا دى!، أدور أنا فى الموضوع عشان اعرف الاكيد، لازمتك ايه انت!
ابتلع الرجل ريقه بتوتر ثم غمغم بصوت متقطع.

–يا باشا انا حبيت بس اعرفك، وهدور انا فى الموضوع، وهجيبلك الأكيد قريب اوى
قال له بلهجة صارمة وحادة وهو يشير بسبابته له بتحذبر
–آخر مرة تجيبلى خبر وتقولى فيه تقريبا دى انا مش مشغلك وبديلك فلوس عشان تيجى تقول تقريبا، واى حاجة تعرفها عن العيلة دى اول بأول تبلغهانى ثم اشار له بعنجهية تجاه باب مكتبه متابعا بجمود ودلوقتى يلا من هنا.

غادر مسرعا موصدا الباب خلفه حامدا ربه ان الموقف قد مر بسلام ولم تؤول الأمور إلى أكثر من ذلك
عاد عاصم بظهره على مقعده بأريحية وعقد يديه معا ووضعهما امامه فوق المكتب احتدت ملامحه ينظر فى الفراغ بنظرة ثابتة دون ان يرمش يتوعد بداخله لتلك العائلة التى حتما ومؤكدا لن ينجوا من بين قبضته.

انتبهتا لصوت وصد الباب لتعلما أنه عدى وقد عاد من عمله ثوانٍ ودلف إليهما غرفة المعيشة وجلس على مقعد بجانب الأريكة التى تجلسان عليها بإرهاق جلى على ملامحه ليأتيه صوت والدته بنبرتها الحانية متسائلة
–ايه يا حبيبى اللى اخرك كده ماجيتش على الغدا ليه؟!
اعتدل فى جلسته ليستطيع ان يقابلها بنظره بارتياح ثم قال بإيجاز
–اتغديت برا.

سألته مجددا باهتمام وهى تضع جهاز التحكم عن بعد جانبا بعد أن أخفضت صوت التلفاز
–لواحدك؟
انحنى بجسده للأمام وهو جالس ليضع على الطاولة أمامه مفتاح سيارته وهاتفه وحافظة نقوده ثم عاد بظهره وأجابها بهدوء
–لأ مش لواحدى، مع بنت زميلتى فى الشغل، من يومين كده كانت تعبت وروحتها وأخدت اجازة اليومين دول، جيت النهارده الشغل وشكرتنى وصممت نتغدا سوا مرضيتش اكسفها ووافقت.

شعرت أسيف بغصة فى حلقها لا تعلم من أين اتت عندما استمعت لما قاله صاحبتها سخونة مفاجئه بجسدها بأكمله وأخذت ترمش بأهدابها لينتشلها من حالتها تلك كلمات نادية الموجهة ل عدى فى متابعة لحديثهم
–عندها ذوق والله، قالتها بابتسامة للتتابع بفضول قد ايه البنت دى يا عدى؟

حول نظره ل أسيف بنظرة سريعة ولكنه ثبت عينيه عليها عندما لاحظ التغير الذى طرأ عليها فجأةً وحسبَ ان بها أمر ما ليعود بنظره لوالدته عندما وصل لمسامعه سؤالها ليجاوب بحيرة وبال مشغول بهيئة زوجته
–من سنى تقريبا أو ممكن أصغر سنة سنتين مش أكتر من كده
أومأت له ثم قالت بابتسامة
–ربنا يحميها يا رب لشبابها، تابعت اسئلتها التى أصبحت أسيف تتعجب لما تتساءل بها متجوزة أو مخطوبة؟

أومأ بالإنكار ثم قال بهدوء وهو يتفقد وجه أسيف بين كلماته
–لأ، اللى عرفته انها شايلة حوار الجواز ده من دماغها دلوقتى، يعنى عايزه تعمل لنفسها كيان الأول ويبقالها اسم فى مجالها، طموحة يعنى، ثم تابع بكلمات يقصدها وهو يتفحص تعبيرات وجه زوجته ليتأكد مما شك به أنا بيعجبنى اوى الستات اللى تفكيرها كده يعنى حلوة وذكية وبتقدس شغلها وعاي..

زمت أسيف شفتيها بغضب طفيف وشعرت بتوتر جعلها تفرك يديها ببعضهما لتزداد تلك السخونة اللعينة بجسدها وأصبح صدرها يعلو ويهبط فى عدم انتظام، لم تتحمل أكثر من ذلك حتى هبت واقفة قاطعة حديث عدى قائلة بلهوجة وتلعثم واضح للعيان
–أنا، أنا هدخل أوضتى، أصل. اا. عندى مذاكرة، عن إذنكم.

أختفت من امامهما بلمح البصر لينشق ثغر عدى بابتسامة متسلية وشعر بالإنتشاء يسرى بجسده فقد تأكد من شكه، نعم هى تغار لقد رأى بأم عينيه نيران الغيرة تندلع من خضراوتيها، ذلك الغضب الذى طغى على ملامحها الهادئة لتتبدل إلى ملامح متجهمة فى ثوانٍ قليلة من بضع كلمات قالها عمدا لإشعال فتيلة المرأة التى تحترق لتودد إحداهن لزوجها بداخل ذلك الجسد البالغ الأنوثة الذى يتمنى ويتمنى منذ زواجهما أن يتملكه إلى أن تفنى الحياة بأكملها ولكن ما يوده حقا -ويقسم انه إذا طُلب روحه مقابل له لأقدم على نزعها من جسده دون تردد- هو ذلك القلب الحانى الذى يمتلك نقاء جميع نساء العالمين.

اراح جسده للخلف ووضع إحدى ساعديه خلف رأسه متكئا عليه مازالت البسمة مرتسمة على ثغره وأخذت الفرحة تتنقل على ملامحه الرجولية الوسيمة، حسنا فليمرح قليلا مع طفلته الصغيرة التى أصبحت بين يوم وليلة بعينيه أجمل إمرأة بالوجود وأكثر النساء فتنة وازدات جمالا فوق جمالها الأخاذ.

عزم على أن يستغل تلك الغيرة أكبر استغلال تلك الغيرة التى اسعدته وأرضت رجولته بشكل كبير وأعادت الأمل بداخله فى توطيد علاقتهما الفترة القادمة، سيجعلها تأتى بنفسها إليه وتخبره أن عشقه تملك منها وانتهى الأمر، ستخبره انها تريده كما يريدها ويطالب بوجودها بأحضانه بالقرب من ذلك القلب الذى أصبح ينبض فقط لها ومن أجلها فى كل وقت.

انشغل بتفكيره وما يرتب لفعله الأيام القادمة ولم ينتبه لتلك التى مازالت ماكثة معه بالغرفة تبتسم ببهجة وانتصار شديدة لنجاح مخططها حيث انها كانت قاصدة كل كلمة خرجت من فيهها منذ قليل تعلم ان ابنتها لن ترى الطريق الصحيح وتتوصل لما تريده فى علاقتها مع ابنها إلا إذا أحست بضياعه منها، بوجود غيرها رفقته تأخذ منها اهتمامه بها، تفهمه لها، أمانه الذى يغدق عليها به منذ الصغر، بل وعشقه أيضا.

ذرعت غرفتها ذهابا ومجيئا تقضم أظافرها بغضب وتددب بقدمها أرضا بغل شديد إذا وقف أحدا ما أمامها الآن لفتكت به بلا شك، واضعة الهاتف فوق أذنها منتظرة رده لتنتهى المكالمة مجددا دون ان يجيب، كلمات رفيف منذ قليل عندما أتت إليها تدوى برأسها تجعلها لا تفقه شيئا على الإطلاق.

–صباح الخير يا طيف، سورى إنى جتلك من غير ما ابلغك قبلها بس، جالسة بحديقة بيت مجد رفقة طيف التى كانت جالسة بها قبل مجيئها كعادتها فى مكانها امام المسبح الذى أصبح محبب لقلبها للغاية خلال الآونة الأخيرة أخرجت تلك الكلمات ل طيف التى قاطعتها بابتسامة لطيفة وكلمات منمقة تنهيها بهم عما قالته وكادت أن تتابعه.

–ايه اللى بتقوليه ده يا رفيف تبلغينى ايه بس، انتى تيجى زى ما تحبى فى اى وقت ده بيتك وبيت أخوكى قبل ما يكون بيتى
ابتسمت لكلماتها ثم قالت متوغلة داخل صلب الموضوع مباشرة
–أنا بصراحة جاية أسألك على مجد
تعجبت طيف مما قالته وعقدت حاجبيها وهى تحدق بها ثم تحدثت باستفسار
–تسألينى عليه بخصوص ايه!
ردت بإيجاز وتلقائية
–بخصوص سفره.

كررت كلمتها بكثير من الإستغراب وهى رافعة إحدى حاجبيها دلالة على دهشتها
–سفره؟!
مطت رفيف شفتيها ببعض التخبط والحيرة ثم تساءلت
–هو انتى كمان متعرفيش؟!
اتسعتا عينيها وظهر عدم الفهم على وجهها لتقول باستفسار ممزوج بالبلاهة
–معرفش ايه انا مش فاهمة انتى بتتكلمى عن ايه؟!

زاغت رفيف بعسليتيها لأسفل وزمت شفتيها بحزن من شقيقها الذى لا يضع لأحد منهم حتى زوجته أهمية بحياته حيث انها فطنت انه لم يكلف ذاته ويخبرها هى الأخرى رفعت عينيها إليها من جديد وقالت بنبرة خفيضة إثر حزنها
–مجد سافر لندن هيمسك الفرع اللى هناك جاسم لسه معرفنى من ساعة وكنت فاكرة انك عارفة حاجة عن الموضوع ده عشان كده جيت أسألك واعرف منك هيرجع امتى.

تمتمت بخفوت وشحب وجهها لتخرج الكلمات من فيهها بتحشرح ونبرة مبحوحة
–هيرجع امتى!، هو مقالش لجاسم هيرجع امتى او، او ايه اللى خلاه يسافر كده بشكل مفاجئ من غير ما يعرف حد
ابتلعت رفيف فى تحفز ثم قالت وهى تحاول إخراج الكلمات التى تعلم كيف سيصبح تأثيرها على الأخرى
–انا كنت فاكرة انه سافر فجأة برضه زيك، بس جاسم قالى انه حاجز لسفره بقاله كام يوم.

ظلت تعيد الإتصال به مرة تلو الأخرى، ابتلعت تلك الغصة التى تكونت بحلقها، أيعقل أن يغادر لكى يبتعد عنها، ولكنه قال البارحة انه لا يريد ان يتطلقا وهذا يعنى انه لا يريد ابتعادهما عن بعضهما، ولكن لمَ سافر ولمَ لم يخبرها بأمر سفره طالما مرتب له منذ عدة أيام، شعرت برأسها تكاد تنفجر من كثرة تساؤلاتها لنفسها التى لا تجد لها جوابا ليخرجها من ذوبعة أفكارها صوت مجد بعدما فُتح الخط ولم تنتبه هى لذلك ليستمع هو إلى اللا شىء من الجهة الأخرى لعدة ثوانٍ لينتابه قلقا عليها ثم هتف باسمها بتوجس.

–طيف
تواترت دقات قلبها بوتيرة سريعة كالعادة عند نطقه لاسمها بتلك النبرة ونغمات صوته التى أصبحت عاشقة لها ولكن مايزال الغضب متمكن منها لتزم شفتيها فى تحفز ثم قالت بنزق
–مجد انت ازاى متقوليش انك مسافر!
أغمض عينيه بتعب لم يكن مستعد لأى حديث معها بهذا الأمر، تنهد مطولا ثم قال بلا مبالاة ظاهرية متناقضة تماما مع ما يجول بداخله
–الموضوع جه فجأة
اندفعت به صارخة بقوة فى احتجاج على ما تفوه به.

–جه فجأة ازاى وانت حاجز الطيارة بقالك كام يوم!
دُهش كثيرا من لكنتها وكلامها الصارخ عليه لترتفع دقات قلبه فى انفعال ثم قال بحدة
–موضوع السفر عموما جه فجأة ومجاش فى بالى اقولك، وانا مش متعود انى اعرف حد الحاجة قبل ما اعملها
اغتاظت بشدة من تشبيهه لها بأى أحد عابر فى حياته لتقول بهجوم ونبرتها مازالت مرتفعة
–بس انا مراتك مش حد يا مجد.

نجحت بنبرتها تلك فى إيصاله إلى ذروة غضبه فأكثر ما يفقده أعصابه صراخ احد عليه ليرد لها هجومها فى الحديث بهجوم مماثل
–انتى ايه مشكلتك دلوقتى خلاص انا سافرت، ارجع يعنى عشان مقولتلكيش، اعرفك وابقى أسافر تانى!
ردت فى نفى لكلماته وهى تهتف به بحدة ونبرتها تحمل مزيج من اللوم والحنق بآن واحد.

–انا مقولتش كده انا بتكلم انه حقى اعرف انك مسافر وانت كان المفروض تقولى قبلها مش اعرف من رفيف اللى اتفاجئت برضه زيها زيى
صاح بصوت هادر محاولا تبرير موقفه من عدم اخبارها أمر سفره
–اديكى قولتى اهو رفيف ماكنتش تعرف واتفاجئت هى كمان بسفرى
أدركت المغزى مما قاله لتتشدق بغلظة وتصميم على ما تقوله منذ البداية.

–وده ميحللش اللى عملته حتى لو مقولتلهمش كان المفروض تقولى انا، انا اللى عايشة معاك مش همّ
لم يعد بحوزته رد على كلماتها ليقول بحنق ونفاذ صبر فى محاولة منه لإنهاء تلك المكالمة التى لم يرتب لها بالأساس
–طيف انا ورايا اجتماع دلوقتى هكلمك بعدي..
ابتلعت ريقها فى تحفز ثم قالت بصوت خفيض مختنق
–انت بتهرب منى.

انتظرت عدة ثوانٍ لتجد رده هو الصمت الذى أكد لها شكها فى أمر سفره ذاك لتقول مسرعة بحشرجة كاتمة بكائها قدر المستطاع
–تمام يا مجد باى.

انهت المكالمة سريعا تاركة إياه حبيسا بتلك الدوامة بداخله التى لا تنتهى، لمَ تحدثت إليه، لمَ، يشعر انه لم ولن يتحرر منها بتاتا لا تتركه هى ولا مشاعرهها المتفرسة لكل انش به، ولا رغبته اللعينة بها وبأخذها بين أحضانه الآن حتى نهاية الأزمنة جميعها حتى يهلك الكون بما فيه من أوجاع وآلام تفتك به ولا تغادر روحه حتى تجعله يحمل بين طيات قلبه مشاعر مهشمة يحيا عليها ما تبقى من حياته.

يحتوى وجهه بكفيه وهو مستند بمرفقيه فوق المكتب ومطأطأ كتفيه لأسفل فى آسى على حاله وحال تلك الفتاة التى توغلت داخل حياته بسلالسة عجيبة لينتقل إليها عدوى تعاسته التى من المؤكد لن ترأف بها مثلما حاله، قاطع تفكيره دخول سكرتيرته بعد أن سمح بدلوفها تتحدث بلكنتها الإنجليزية باحترام ونبرة عملية
–اجتماع الإدارات سيعقد بعد خمس دقائق من الآن، سيدى.

ابعد يديه عن وجهه وهو يظهر عليه الوجوم ليرد بفتور وهو يزفر بإنهاك
–حسنا اذهبى انتِ وسأتى خلفك
–حسنا سيدى.

اكتفت بقول ذلك وهى تومئ له برأسها وغادرت المكتب على عجالة، لينهض بعد دقيقتين وهو يسحب لرئتيها شهيقا مطولا ثم زفره على مهل التقط هاتفه وظل يضغط فوق شاشته بأنملة إبهامه أخذا طريقه نحو صورتها التى أصبح يحفظ جميع ملامحها بداخل رأسها عن ظهر قلب حُفرت بقلبه بطريقة تجعله لن يقدر على نسيانها شاء ذلك أم أبى، زم شفتيه بقلة حيلة ثم أغلقه، جمع متعلقاته من فوق مكتبه وغادر الغرفة متوجها لقاعة الإجتماعات لحضور ذلك الإجتماع الذى لا يدرى من أين له بذرة تركيز لحضوره لآن.

فى المساء بعدما أخبرت نادية عدى بتوجهها للنوم وهما جالسان بغرفة المعيشة يتحاوران فى أمور عدة بينما كانت أسيف بغرفتها منذ ولجتها بعد مجىء عدى واستماعها لحديثه عن تلك الفتاة المجهولة الهوية بالنسبة لها، لم تتناول العشاء معهما متحججة بأنها تحتس بطفيف وجع بمعدتها والحقيقة انها قد فقدت الشهية بعد ما استمعته من عدى فكل ما تحتس به فقط بداخلها نيران لا تدرى من اين اتت ولمَ تنهش بصدرها هكذا منذ عدة ساعات ولا ترحمها نهائيا.

جالس هو بغرفته على مكتبه موضوع امامه اوراقا عدة خاصة بعمله يقوم بتفحصها ومراجعتها قبل تسليمها لمدير ادارته فى الغد، ليأتى على مسمعه طرقتين رقيقتين على باب غرفته علم انهما ل أسيف ، ابتسم ابتسامة صغيرة وخفى معالمها عن وجهه سريعا وارتدى قناع الجدية ثم سمح لها بالدخول وهو يوجه نظره للأوراق أمامه فى محاولة منه أن يظهر لها انشغاله عنها فهذا سيشعرها بالضيق حتما لأنه عادة ما كان يعطى لها الأولوية قبل أى شىء وكل شىء.

ستُجَن بلا شك إذا أحست بتغييرٍ فى معاملته لها وهذا ما يريده بالضبط، يريدها ان تعلم أن توترها وخوفها الغير مبرر بالنسبة له من الخوض فى علاقتهما سيخسرها الكثير واول ما ستخسره هو ، لا يريد أن يصل بهما الأمر لذلك، كل ما يريده أن يشعر به ذلك القلب فقط أن تحتس عشقه وأن تبادله هذا العشق عن طيب خاطر وليس بإجبار منه، فهذا أبعد من المستحيل عنده أن يجبر ذلك الكيان الرقيق الذى لا يعشق فى حياته أحد سواه على المضى فى زواجهما جبرا، لم يفكر فى فعلها ومؤكدا لن يفعلها على الإطلاق.

توجهت إليه بوجه متجهم قليلا لاحظه بنظرة جانية سرقها وهو يتابع ما يفعله لم يتعجب لذلك التجهم فهو يعلم السبب فى ذلك الذى لم يكن سوى حديثه عن زميلة عمله، جال الحنق على وجهها لعدم رفعه وجهه لها ومستمر فيما يفعله كأنها ليس لها وجود، وقفت امام المكتب مباشرة ليلاحظ عدم تشدقها بحرف ليعجب من ذلك ورفع نظره عن الأوراق وطالعها بذيتونتيه اللتين كانتا محجوبتين عنها قليلا لارتدائه نظارة القراءة الخاصة به عندما يعمل.

كانت تطالعه هى بخضراوتين مترددتين يبدو أنها تريد إخباره أمر ما ولكن لمَ ترددها اللعين ذاك فى كل شىء الذى أصبح يقوده لجنون حتمى، بعض صمت دام بينهما لعدة ثوان تطالعه هى فى هدوء وهو يرمقها فى انتظار لما ستقوله
وأخيرا هدرت بصوتها الرقيق فى هدوء وهى تعبث بأحد الاقلام الموضوعة امامها فوق مكتبه محاولةً منها فى نفض ذلك التوتر كى تستطيع صوغ ما جاءت لتخبره به.

–رفيف كانت كلمتنى اكتر من مرة وطلبت منى اروح اقعد معاهم عشان ملحقناش نقعد مع بعض المرة اللى فاتت وبابا كلمنى من شوية وكان باين من صوته انه زعلان و...
قطع عباراتها متسائلا بجدية وهو يتفحص ملامحها الجميلة وتعبيراتها المنعشة لروحه الوالهة بها
–عايزه تروحى تقعدى هناك؟
هزت رأسها فى سلب لعدة مرات واندفعت مسرعة فى نفى موضحة ما تريده
–مش علطول يومين بس.

أومأ لها بهدوء وعاد بنظره للورقة التى بيده ليقول بلا مبالاة اتقنها
–اللى انتى حباه اعمليه
رمشت مرتين بتعجب لأسلوبه الجديد عليها ثم سألته بتوجس
–طب وانت؟!
قلب فى الاوراق امامه ثم تساءل ببرود وهو مستمر فى تجنب النظر إليها
–انا ايه؟!
شعرت بالغيظ مما يفعله لتتوجه إلى مقعده ثم رفعت وجهه إليها بيدها ممسكة به من إحدى وجنتيه ثم تساءلت بنعومة وهى تنظر بداخل زيتونتيه
–مش هتيجى معايا؟!

ابتلع فى توتر للمستها له ليقول بجمود استحثه بصعوبة لليتشدق به وهو مسبل عينيه فى خضراوتيها
–لأ
قطبت جبينها ثم تساءلت بخفوت وعبوس أخذ طريقه لملامحها
–ليه؟!
أحتدت ملامحه ليقول بنبرة جامدة ذات مغزى
–عشان تبقى قاعدة براحتك ومسخفش عليكى قدام اهلك
ظهر الإرتباك على ملامحها لتقول بتلعثم
–عدى، انا..
قبض على كفها الممسك بوجنته وانزله بهدوء ثم قال بأمر وفتور وهو يعيد النظر لأوراقه.

–روحى نامى يا أسيف عشان انا ورايا شغل بعمله وعايز أخلصه وانام
تطرأ الحزن إليها ولمعت عينيها بدموع حبيسة لتقول بأسى وهى تسدير للمغادرة
–تصبح على خير.

نظر بأثرها بملامح واجمة لم يكن يريد إحزانها فقد لاحظ صوتها المختنق الذى ألمه بشدة، لكنه لا يوجد حلا بديلا بين يديه يشعرها بقيمته كزوج وحبيب مثلما تيقن قيمته كأخ لها، زفر بضيق ثم قام من فوق مكتبه سيخلد للنوم الآن ويكمل ما تبقى قبل ذهابه للعمل، لم يعد بمقدوره الإنتباه لما يفعله فلقد اتت بمنتهى الأريحية برقتها وخضراوتيها اللامعتين شتت أفكاره وانتهى الأمر.

واقف بشرفة جناحه الفندقى الذى حجزه منذ مجيئه بذلك الفندق الخاص برجال الأعمال الوافدين من اماكن متفرقة من حول العالم، وذلك لموقعه الإستراتيجى بالقرب من احد المناطق الصناعية التى تحتوى على مجموعة شركات عالمية ومنشأت صناعية تختص فى مجالات عدة من بينهم احد فروع شركات الكيلانى.

النسمات الأوروبية القارصة تلفح وجهه وذلك الجسد الصلب المنتصب بشدة يشعر وكأنه أصبح كتلة من الجليد ولكن هل سيهدئ ذلك من حدة تلك النيران المستعرة بداخله التى تنهش بقلبه وتحرق روحه، لمَ لا ترأف به تلك النيران لمَ ذلك التصميم منها على تهشيم تلك المشاعر التى يحتس بها لأول وهلة بحياته.

يعج رأسه بكثير من الذكريات المريرة والأفكار السوداء والتخيلات القابضة لقلبه، شعوره بالفقد دائما وانه سيُتَرك وحيدا لا محالة يقطعه لأشلاء، لا يدرى أعليه الفرار من قلبه ومشاعره اللذين لأول مرة يحتجان عليه ويطالبان بأقل حق لهما وهو الحياة بجانب من أختاراها ونيسةً لهما بتلك الظلمة الموحشة التى فُرضت عليهما منذ قديم الأذل.

يرفض عقله وبشدة المضى على خطاهما والخضوع لطلبهما، يحذره من نهاية مأساوية سيلقى حتفه نتيجة لها، يعنف قلبه على ذلك العشق الذى كنه بداخله وهو الذى لطالما نهاه عن فعلها، انه لقلب ضال لم يستمع لما أوصاه به مرارا وتكرار وألقاه عليه من تحذيرات عدة، أخلى به وجعل منه عاشقا بائسا يحيا أياما مريرة محاولا بها أن ينتزع ذلك العشق الذى تربع قلبه آبيا وبشدة مغادرة ذلك القلب الملئ بالسواد الحالك متمسك بطيف النور ذاك آملا أن ينيره ويدله على حياته التى لم يحياها يوما.

تحت وطأة بؤسه لم يفكر سوى بها لا يستطيع انتشال صوتها الملئ بالكسرة من عقله وهى تنهى معه المكالمة بعدما حطم قلبها وجعلها تتأكد من عدم رغبته بالعيش معها بل فر هاربا مبتعدا عنها لا تعلم ان فراره ذاك لم يكن سوى من مشاعره التى خانته وأصبحت ملكا لها تتحرك فقط لها، معها ومن أجلها.

هل سيتركها -للمرة التى لا يعلم عددها سواهما- فى حزنها ذاك، لقد التعج قلبه بشدة لصوتها المهزوز ذى النبرة المحببة لسَمْعهِ ولكنه لم يرِد ان تتطرق لأذنه بكل ذلك الشجن الدفين، من المؤكد أنها مستلقية الآن على فراشهما لم يجافِها النوم مثله تعيد فى ذاكرتها ما قاله لها وما ترجمه لها عقلها فى أمر سفره، أأذنبت فى عشقها له لكى تلقى كل ذلك الشجى معه وبسببه، هل هذا خطأها الوحيد أن تعشق رجلا لا يملك سوى مشاعر مهشمة.

ابتلع تلك المرارة فى حلقه والتف بجسده ماددا ذراعه ملتقطا هاتفه الموضوع فوق الطاولة بوجه ملئ ببؤس لا يبتعد عنه، ليس لها ذنب فى كل تلك العتمة بداخله، سيبعث لها برسالة علّها تهدئ قليلا من حدة أفكارها الذى يعلم انها لن ترحمها كما معه تماما لا يرغب فى مهاتفتها يكفيه الضعف الذى يجول بداخله آخر همه الآن سماع ذلك الصوت الذى إن استمعه لمرة أخرى لترك كل شىء يحترق خلفه ويزج به فى الجحيم وعاد إليها مهما كلفه الأمر من خسائر لن يستطيع إعاضتها مدى الحياة، بعث لها برسالة قصيرة تحتوى فقط على انا غلطان فعلا انى سافرت من غير ما اعرفك وعندك حق انا كان لازم اقولك من وقت ما حجزت الطيارة، متزعليش حقك عليا.

أكتفى بتلك الكلمات متمنيا أن تريح قلبها قليلا، أغلق الهاتف ووضعه مكانه فوق الطاولة وعاد مجددا لمواجهة تلك النسمات الباردة التى تحولت لريح شديد يدوى صوته برأسه كما يدوى إعصار أفكاره المميت لكل ذرة بعقله وشعوره المحطِم لروحه لينحنى ذلك الكيان الصلب الذى لم ولن يتوقع أحدا أن ما بداخله مهشم هكذا..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة