قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والثلاثون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والثلاثون

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الثالث والثلاثون

أسرعا كل من جاسم و رفيف نحو داليا لاحقين جسدها الذي كاد يرتطم بالأرض لفقدها للوعي، بينما صرخت أسيف بخوف بالغ عندما استمعت لما قالته داليا ووضعت يدها فوق فيهها بصدمة ممزوجة بالتخوف واليد الأخرى قبضت على يد تلك التي بجانبها صدح صوتها بنحيب باكٍ بارتياع:
- بنتي.

خفقة قوية عصفت بقلب مجد فور وقوع كلماتها على سمعه، شعر لوهلة وكأن الأرض ستميد به والبرودة تسللت لأطرافه، ارتجافة قوية هزت كيانه ولكنه ليس الوقت الملائم لانهياره، يجب عليه التماسك قدر المستطاع فمن بالداخل هي زوجته وحبيبته، بل وطفله أيضا وهو لن يترك نفسه لدوامة إنهياره العاصف وهما بحاجته بل بأمس الحاجة له، حرك بؤبؤاه تجاه الطبيب الواقف بجانبه لم يدخل بعد غرفة العمليات والذي منع دلوفه كلمات داليا أيضا، تملكت الصدمة منه ولم يستطع التحرك أو التعقيب حتى وتبرئة نفسه من اتهام الأخرى له، سدد مجد نظرة مشتعلة له تحمل الوعيد وهتف بجمود متناقض مع ذلك الارتعاد المتخلل وجدانه، موجها كلماته ل عدي:.

- روح شوف دكتور تاني بسرعة
لم يحرك الآخر ساكنا وظل واقفا يرمق الطبيب بنظرات غاضبة متأهبا للإنقضاض عليه، بينما صاح مجد به عندما وجده مازال على وضعه لم يذهب بعد آمرا إياه من جديد بلهجة قوية:
- انت لسه هتبصله!، روح شوف دكتور لاختك بسرعة.

تحرك عدي بعدها بخطوات سريعة لكي يجلب لشقيقته طبيب آخر، بينما بدا ذلك الطبيب هارعا من هول الموقف الذي وُضع به محاولا التحدث مدعيا عدم فهم ما قالته الأخرى من اتهام صريح له في شروعه في قتل طفل الواقف أمامه عينيه تتطاير منها شرارات الغضب بل وإيذاء زوجته كذلك:
- انا، معرفش هي بتتكلم في ايه يا باشا، أنا..

تشكل على وجهه أمارات غضب عارم وتكلم بزئير أمام وجهه ضاغطا على الكلمات بطريقة دفعت الرعب بقلب الآخر مانعا إياه عن المتابعة:
- مش عايز اسمع صوتك
تهدجت أنفاسه الغاضبة بتلاحق ساحق، إذا ترك لنفسه العنان وأخرج تلك النيران المستعرة بداخله، لأحرق المشفى بمن فيها، وألقى ذلك الطبيب حتفه بالحال، وضع الهاتف فوق أذنه وهو لم يبعد ثاقبتيه المغلولتين عنه، ردد لمن معه بالهاتف بأمر لا يحمل النقاش:
- أطلعولي حالا.

التوتر كان طاغيا على الطبيب وكان واقفا محله يتصبب عرقا، كان كمن فقد القدرة على الحراك، نظرات مجد المتوعدة له والتي لم يحد بها عنه تجعل وجيب قلبه يخفق بقوة متعاظمة، لم يمر سوى جزء من الدقيقة على إنهاء مجد للمكالمة وكان هناك رجلين زوي عضلات مفتولة وبنية ضخمة متوجهين نحوهم، ليخمن الطبيب المغزى من المكالمة، وسريعا ما فاق من صدمته وحالته الساكنة وتكلم بلهوجة محاولا الدفاع عن نفسه:.

- مجد باشا، الموضوع في سوء تفاهم أكيد، أنا دكتور محترم
كز على أسنانه بعصبية متزايدة ورفع سبابته في وجهه وهو يدمدم بغلظة شديدة مهددا إياه بشراسة:
- كلمة زيادة وهجيب رقبتك تحت رجلي
ازدرد ريقة بوجل، بينما أشار مجد برأسه لذينك الرجلين واللذين ما إن قبض أحدهما على ساعد الطبيب ساحبا إياه للسير معهما، حتى قال بخوف بطريقة محتجة وهو يحاول الفكاك منه ولكن قبضته كانت مشددة عليه:.

- يا باشا مينفعش اللي بيحصل ده...
أوصد مجد عينيه حابسا جام انفعاله محاولا قدر المستطاع كبح جماح غضبه لكي لا يفتك به في الحال، كور يديه بشدة حتى تخللت أظافره اللحم، وجهه أقل ما يوصف به أنه كان مشتعلا، فتح عينيه التي احمرتا للغاية وطغى على بياضهما الكثير من الشعيرات الدموية نتيجة ما يحاول كبته من غضب ساحق، حدجه بتلك النظرة التي يندلع منها الاهتياج الذي يكبحه وأردف بفحيح بتهديد له:.

- روح معاهم من سكات بدل ما اخلي الموضوع قانوني ومطلعكش من السجن الباقي من حياتك، وبرضه في الحالتين هتروح معاهم، خلينا نحلها من غير شوشرة احسنلك وعشان شكلك ومنظرك في المستشفى يا دكتور.

اهتز جسد الآخر رعبا ولم يكن أمامه غير الإنصياع والتحرك مع ذينك الرجلين، لكي لا تضيع هيبته بالمشفى إذا أخذاه جبرا، غير أنه إذا تحول الموضوع للشرطة مؤكدا سيستطيع إثبات التهمة عليه بطرقه الخاصة وسيحذف اسمه من نقابة الأطباء حينها غير أنه سيُزَج به بالسجن لسنوات طوال، فهو يعلم مجد الكيلاني جيدا ويعلم ما يقدر على فعله بنفوذه القوي ولن يستطيع هو الوقوف أمامه والدفاع عن نفسه وهو كان على شفا حفرة من ارتكاب جريمة.

فتحت عينيها بتباطؤ حتى اعتادت على ضوء الغرفة، وجدت رفيف جالسة بجانبها وهي مستلقية على فراش بغرفة تبدو كغرف المشافي، ويتصل بيدها محلول طبي، حاولت النهوض ولكن لم تستطع لضعف جسدها وإعياءها من كم المجهود الذي تكبدته أثناء ركضها للوصول لغرفة طيف، نظرت تجاه رفيف التي توجهت نحوها لتساعدها على رفع جسدها قليلا وتساءلت بصوت خفيض متعب:
- أنا فين؟، وايه اللي حصل؟

جلست بجانبها على السرير، وأجابتها بصوت حانٍ وهي تعدل من وضعية الوسائد من خلفها لكي تريح ظهرها:
- احنا في المستشفى، اغمى عليكي والدكتور قالنا بسبب الإرهاق البدني وإنك كنتي بتجري وده مينفعش عشان حملك
على ذكرها حملها وضعت يدها فوق بطنها بنظرات مذعورة، فهمت منها رفيف على الفور قلقها على جنينيها لتطمئنها سريعا بصوت جاد:.

- متقلقش انتي كويسة والدكتور قال أن محصلش حاحة ليهم، أنا وجاسم لحقناكي قبل ماتعقي، مفيش حاجة حصلت يا حبيبتي متخافيش
تنفست بارتياح مما أخبرتها به رفيف ولكنها ركزت عينيها على الواقف خلف صديقتها منتبهة لوجوده توا، والذي ما إن وجدها انتقلت ببصرها نحوه حتى أردف بابتسامة صغيرة مجاملة وبنبرة هادئة:
- ألف سلامة عليكي
هزت رأسها له بإيماءة بسيطة وبادلته ابتسامته بابتسامة باهتة ثم ردت عليه بنفس نبرتها الضعيفة:.

- الله يسلمك.

أراد أن يستفهم حول ما قالته عند مجيئها، وعلى الرغم من تيقنه ممن علمت منه بذلك والذي هو نفسه الذي وراء تلك الجريمة التي إن كانت حدثت بالفعل لمَا كان ظل على قيد الحياة من بطش مجد الذي كان سيلقاه حينها، إلا أنه يريد أن يستمع لما لديها، حتى يعلم الموضوع بشكل تفصيلي والذي من المحتمل أن يكون هناك شيء آخر لا يعلمون عنه شيء فيستطيعوا حينها الإستعداد للأمر أو أخذ الحذر، وضع يده أمام فمه وهو يتنحنح بخفة لكي يسترعى انتباهها، ثم بدأ في التحدث عندما وجهت نظرهل إليه قائلا بشيء من الجدية:.

- أنا عارف إنك تعبانة وممكن مش قادرة تتكلمي دلوقتي، بس انا كنت عايز استفسر منك في الكلام اللي قولتيه، عرفتي منين ان الدكتور هيقتل البيبي ويأذي طيف؟

رفرفت بأهدابها بتوتر ولم تعلم بما تجيبه، هي لم تفكر بالأصل في تساؤلهم حول ما قالته، كل ما فكرت به أن تنقذ طيف وجنينها، ولكن هذا لا يعني أن تعترف على عاصم، طرقت نظرها لأسفل ولكن ما لبثت على تلك الوضعية حتى رفعت نظرها له على الفور عندما أخبرها بثبات بكلمات آثارت صدمتها وهلعها على عاصم:.

- أنا عارف إن عاصم اللي ورا الموضوع ده، بس أنا عايز اعرف ايه اللي عرفتيه بالظبط، يعني الدكتور كان هيقتل البيبي ازاي واحنا موجودين في المستشفي؟، وهيأذي طيف في ايه؟

شعرت بالتخبط ولم تدرِ ما الذي عليها فعله، أتتكلم عما سمعته، أم تظل صامتة؟، ولكنها إذا تكلمت مؤكدا سيكون ذلك دليلا عليه وستعرضه للأذى وربما حينها يُزج به في السجن وستحرم هي منه، وهذا ما لا تريده ولن تساعد به نهائيا، رطبت شفتيها وبلعت ريقها بعدما شعرت بجفاف حلقها ثم قالت بقليل من التوتر متلعثمة:.

- أنا، أنا جيت عشان الحق طيف لإني مش هقدر اعرف ان حد هيتأذي وفي ايدي اني انقذه ومنقذوش، بس قصاد كده انا مش، مش هقدر أأذي عاصم
قضم شفتيه بغضب يحاول كظمه، فهي على كلٍ ليس لها يد بأفعال الآخر ودناءته، ولن يجدي نفعا ثورته التي يحاول كبتها، سحب نفسا مطولا لرئتيه ثم لفظه على مهلٍ، وقال بهدوء استحثه بصعوبة من داخله فالتحدث حول ذلك البغيض يجعل الدماء تغلي بعروقه:.

- انتي مش بتأذي عاصم في حاجة، عاصم هو اللي مش عايز يطلعنا من دماغه وهو اللي عايز يأذينا، المرة اللي فاتت كان هيموت رفيف ودلوقتي ابن مجد ومراته، واحنا مش هنفضل واقفين ومستنين اللي هييجي عليه الدور.

دون إرادة منه كان صوته يزداد قوة وغضبا مع تحدثه، حتى انتفض جسد داليا على قوله الآخير، والتي شعرت بها رفيف لترمق جاسم بنظرة غير راضية وهتفت به محاوله منعه عن التحدث مع الأخرى فيما يقوله يكفي تعبها الذي تحملته حتى تأتي وتحذرهم، إضافة إلى أنها ليس لها ذنبا بكل ما تحدث به جاسم، فحتى هي أُُلحق بها الأذى منه وها هي قاربت أن تلد دون وجود أب لمن برحمها والذي يسبقه جنين أجهضهما جبرا، غير علاقتهما المحرمة والذي لم يرأف بكونها ابنة خالته وصغيرة سنا مقارنة به، بل استغلالها أبشع استغلال:.

- جاسم..
لم يدع لها فرصة للتحدث لمتابعته بصوت جامد والكراهية اتضحت بقوة بصوته وفوق قسماته:
- ولعلمك حتى لو انتي مكنتيش جيتي وعرفتينا، والدكتور عمل اللي عاصم قاله عليه، كنا هنعرف برضه بس لو فعلا كانت طيف ولا ابنها جرالهم حاجة مجد مكانش هيسكت، ومش بعيد وقتها كان يقتل عاصم.

شهقت بقوة وانهمرت عبراتها وهي تحرك وجهها بتخوف من ذكره قتل عاصم وفقده حينها نهائيا، عندما وجدت رفيف حديث الآخر أخذ منعطفا هجوميا وثبت عن جلستها وتوجهت نحوه وأخبرته بجدية طالبة بشيء من الترجي:
- جاسم معلش سيبني أنا وداليا لواحدنا، وروح لمجد هو محتاجك جنبه دلوقتي.

شعر بالندم كونه انفعل على الأخرى، وحدق ب رفيف بضيق ولكن ليس منها بل من نفسه لعدم استطاعته التحكم في انفعالاته، ثم أومأ لها برأسه باستجابة وتحرك أخذا خطوات متعجلة نحو الخارج، تابعته بعينيا حتى خرج ثم توجهت نحو التي لم تكف عن بكائها وجلست بجانبها وجذبتها محتضنة إياها، وأردفت بحنو محاول تهدئتها وهي تربت فوق ذراعها وتمسده برفق:
- اهدي يا حبيبتي.

اهتز جسد داليا بوتيرة متزايدة من نهناتها التي تواترت بقوة، تعلم أن عاصم تمادى في إيذائه، ولكنها لن تتحمل أن يصيبه مكروه، ولكن كيف يقوده عقله لما سمعته؟، تنفست بعمق وهي مستمرة بالبكاء وقالت بصوت مرتعش بين نشيج بكائها:
- أنا مش مصدقة يا رفيف أن قسوة قلبه، توصله أنه يقتل طفل رضيع، ويحرم باباه ومامته منه، ازاي عاصم يعمل كده، انا مش قادرة اصدق.

كانت تتحدث بنحيب بتقطع من بين نهنهات بكائها، فهي إلى الآن مازال جسدها يرتجف من هول ما استمعت له وهو يحدث ذلك الطبيب عبر الهاتف ويملي عليه ما سيفعله.

شغل رفيف أمر معرفتها لما كان سيحاول فعله بزوجة شقيقها وابنهما، وهي لا تحدثه منذ آخر مرة ذهبت إليه وتشاجرا بسبب حادثتها، وهي على علم بذلك، تساءلت باهتمام بعد هنيهة كانت تهدئ بها الأخرى:
- انتي ازاي عرفتي انه عايز يموت ابن مجد ويأذي طيف وانتوا مش بتتكلموا؟

رفعت جسدها عن صدر الأخرى وكفكف عبراتها بيدها، ولكن رجفة جسدها لم تخبُ أو تهدأ بعد، ثم بدأت في التحدث بصوت ضعيف مسردة لها ما وقع على سمعها عندما كانت خلف باب المكتب مما جعلها تتسمر مكانها من شناعة ما استمعته.

فتحت العاملة الباب الداخلي لفيلا والد عاصم لتدلف داليا التي علمت أنه ليس بشقته، والتي أتت لشعورها بعدم تحمل المزيد من الوقت دونه، تعلم أنها ما كان ينبغي عليها المجيء له خاصة بعد ما فعله بها آخر مرة وتطاوله عليها بتلك الصفعة وتعنيفه لها، ولكن قلبها لم يعد بمقدوره تحمل ابتعاده، فما بداخلها له من عشق قادرا على محو أي وجع يتسبب لها به، جروحها الغائرة المستبدة بقلبها وهو المتسبب الوحيد بها تُلتأم فقط لرؤيته.

توجهت نحو غرفة مكتب والده بعدما علمت من العاملة بوجوده بالداخل، وجدت الباب مفتوحا وهو واقفا بمنتصف الغرفة معطيا لها ظهره ويبدو أنه يتحدث مع أحدهم بالهاتف، والتي ما إن استمعت لما يقوله حتى توقف مكانها غير قادرة على الحراك وضعت يدها أمام فيهها كاتمة تلك الشهقة التي خرجت دون إرادة منها، هزت رأسها بعدم تصديق، انهمرت دموعها وعقلها لا يسعفها على تصديق ما ينطق به ويمليه من أوامر على من يحدثه بالهاتف والذي لم يكن سوى الطبيب:.

- هو ايه اللي خايف؟، انت هتهتزر!، تعمل زي مابقولك، العيل تخنقه ولا تشوف هتهبب فيه ايه، وهتعرفهم انه نزل ميت، وامه هتشيلها الرحم، وتقولهم أن النزيف كان صعب واضطريت تستأصله عشان ميحصلهاش مضاعفات، شوف انت هتقول ايه لمجد المهم اللي قولت عليه يتنفذ بالحرف، انت فاهم.

تراجعت بجسدها للخلف شاعرة ببرودة اجتاحت كيانها، ومازالت دموعها تهطل بقوة وقسمات وجهها لا تعبر إلا على صدمة عارمة، ولكنها سريعا ما تداركت نفسها وجففت عبراتها واستدارت عائدة أدراجها نحو الخارج بخطوات متعجلة، لكي تحاول بأي طريقة أن تمنع دخول الطبيب لتلك التي ستخسر جنينها بل ورحمها لكي تُحرم للأبد أن تكون أما.

شعرت رفيف بصدمة بالغة لدرجة أنها لم تستطع التعقيب ولا التفوة بحرف، بينما أكملت الأخرى حديثها على نفس الشاكلة الباكية:.

- أنا رنيت عليكي كتير وانا في العربية بس مكنتيش بتردي، أنا جيت عشان خوفت على البيبي، وطيف أكيد مش هتستحمل لو ابنها جراله حاجة، وكمان هتتحرم من انها تكون أم طول عمرها وهي ماعملتش حاجة ولا ليها ذنب في حاجة، أنا اتخيلت نفسي مكانها وقلبي وجعني أوي، أنا حاربت عاصم عشان أكمل في الحمل ده ومش هقدر اتخيل حاجة زي دي تحصل لولادي.

زفرت رفيق بحنق بالغ من ذلك الشبيه بالأبالسة، والذي حتى رافضا الاعتراف بابنيه، عدلت لها كلماتها بجدية شديدة:
- قصدك ولادكوا، هو ابوهم والمفروض يشيل مسئوليتهم معاكي
انشق ثغرها للجانب بتهكم ليس على صديقتها، ولكن ما قالته مثير للسخرية، فأي مسئولية تلك التي يتحملها؟، وهو بالأساس لا يريدهما، شعرت بوخزات متتالية بقلبها وكأنه ينزف بداخلها، ورددت بصوت مليء بالأسى وعينيها بدأت من جديد في ذرف دموع حارقة:.

- أنا اللي واجعني إني مش قادرة ابعد عنه وبحبه، مش قادرة استحمل بعده عني، حتى لو في قربه أذيه ليا انا هتحمل بس ميسبنيش.

ضمتها إلى صدرها مجددا، شاعرة بحزن بالغ على ما آل إليه حالها وما أصبحت عليه من شجن متفرس ملامحها ووجدانها وزادها فوق عمرها عمرا، فهي أضحت حبيسة داخل حصون ذلك الشبح الذي يطارهم جميعا، وهي التي جعلت نفسها تحت براثنه طواعية منها، ترى في نجاتها منه عذابا يستبد بقلبها ويظل يتآكل به حتى يقودها للعودة إليه للتخلص منه جاعلها ترى في إيذائه راحتها.

كانوا جميعا بالخارج بجانب غرفة العمليات التوتر والخوف كانا متمكنين منهم بلا استثناء، أخبر الطبيب الذي جلبه عدي بعدما فحصها من جديد -خوفا من أن يكون فحص الآخر خاطئا والأمر لا يستدعي ولادة- أن النزيف التي تعرضت له كان ناتجا عن ارتفاع بالغ في ضغط الدم، والذي تسبب أيضا بانفصال المشيمة عن الجنين، ويجب أن يجروا لها عملية الولادة لألا يتأذي أحدهم.

وثبت أسيف عن جلستها بجانب زوجها الذي كانت جالسة بجانبه ممسكة بكفه في محاولة منها مأزرته رغم ما يعتريها من خوف بالغ على طيف، وقفت بجانب مجد الذي لم تجف دموعه منذ بدء إجراء الطبيب للعملية، دنت منه وحاوطته بذراعيها وتساءلت بتوجس خيفة على الأخرى، وهي تذرف الدموع ولأول مرة تحاول فيها أن تستمد الدعم والآمان منه:
- طيف هتبقى كويسة يا مجد، صح؟

لف ذراعيه حولها وضمه له، وأخبرها بصوت يتخلله الخوف الذي لم يستطع مواراته ولكنه يحمل ثقة بما قالته له طيف:
- هتبقى كويسة، هي وابننا هيبقوا معايا ومش هيسيبوني، هي وعداني بكده
انهمرت المزيد من دموعهما في صمت وهما على نفس وضعيتهما معانقين بعضهما، كما لو كان كل منهما يحاول دفع الطمأنينة بداخله عن طريق الآخر.

وضع جاسم يده على كتف مجد، والتي ما إن رأته أسيف قادما نحوهما حتى فرقت عناقها ب مجد وعادت مجددا إلى زوجها لتترك لهما مجالا للتحدث، ثم تساءل بجدية موجه تساؤله ل مجد:
- فين الدكتور؟
جفف عبراته ووجه نظره له ثم أخبره بعد زفرة متجهمة:
- رجالتي خدوه
احتدمت ملامحه بعضب عارم وهو يطنب بصوت متشبع بالكراهية والنفور:
- عاصم اللي ورا الموضوع.

غامت عينيه خلف أحمرارهما والذي لا يُعرف أمن حدة بكائه أم عصبيته الحبيسة بداخله ويحاول كبتها ريثما يطمئن على زوجته وطفله، رد عليه بإيجاز موجز وقسامته اشتدت على الآخير:
- عارف
تنهد جاسم بضيق وهو يتكأ بجسده على الحائط خلفه، وهو عاقد ذراعيه أمام صدره، ثم استطرد على نفس الشاكلة:
- حاولت اعرف من داليا الموضوع بالظبط، بس مرضيتش تتكلم، خايفة عليه.

كز على اسنانه والنيران المستعرة بداخله لا ترحمه، فماذا كان سيحدث لزوجته وابنه إذا لم تأتي داليا وتوقف الطبيب عن الدلوف؟، ماذا كان سيفغل هو إذا خسر أحدهم؟، دون إرادة منها تكومت الدموع بعينيه من جديد، ابتلع غصة مريرة بحلقه ورفع يده ومسح بأصابعه فوق عينيه مجففا ونافضا ما تكوم بهمها، ثم علق على حديثه بصوت غامض يحمل الوعيد بين طياته:
- الدكتور معانا وهنفهم منه كل حاجة، اتطمن على مراتي وابني الاول بس.

شعر جاسم بعدم الإرتياح تجاه ردة فعل مجد وما سيفعله، فهو أكثر من يعرفه ويعرف جيدا تلك التعبيرات المعتلية وجهه، ويعرف كيف تصبح حالته عندما يفقد التحكم على أعصابه أو يتحكم منه غضبه، نظر له نظرة متفقدة وهو يتساءل بتوجس:
- انت ناوي على ايه؟

وجه نظره له ونظرته تحمل الكثير من الغضب الممزوج بالوعيد ليفهم من خلال نظرته تلك أنه لن يمرر تلك الفعلة مرور الكرام، بينما حاد مجد بنظره عنه وهو يشعر بثقل جاسم فوق صدره لن يتحرك غير وهو جاعلا عنق عاصم بين قبضتيه حتى يلفظ أنفاسه، لقد حذره لأكثر من مرة وأنذره ألا يقترب من أحد آخر بعائلته فحينها لن يتساهل معه، وها هو كاد يقتل طفله الذي ينتظر قدومه، ليتلمسه بيده ويأخذه بين أحضانه، وكادت تتأذى زوجته التي ليس لها ذنبا بأي شيء، وكل ذنبها أنها تزوجت بشخص موضوع بعداوة مع شخص شيطاني مثل عاصم، وهو لا يعلم حتى سببا وجيها لتلك العداوة.

أوصد عينيه وعاد برأسه للخلف ساندا إياها على الخائط خلفه، يكرر دعائه الخافت وتضرعه للمولى بألا يحرمه من أحدهما، ويكونا سالمين معافين له، تخونه دموعه بين الحين والآخر عندما يأتي بمخيلته صورة والدته عند مفارقتها له، وجلسته الشبيه بجلسته الآن وهو منتظر إنتهاء عمليتها والتي ابتعدت عنه بعدها بقليل من الساعات، يتمنى بكل الضعف، الهوان، الحزن المتربع قلبه منذ العديد من السنوات ألا يلقى نفس المصير، ألا يخسر أعز وأغلى ما لديه، ألا يعود بلا روحه التي ستفارقه بلاها هي او طفله، يتمنى بكل الشجن الذي كان متخلل قلبه وموجود بين جنباته وهي التي بددته وأبدلته بسعادة لم يرَ أو يعش مثلها بحياته أجمع ألا يعود قلبه لما كان عليه يوما بحزنه، عتمة ماضية، ومشاعره المهشمة.

بعد مرور ساعة على دخول طيف العمليات، بدأ القلق والريبة ينهشان بقلب مجد، خشى أن يكون هناك خطب ما سيء حدث لزوجته أو طفله، نهض عن كرسيه وبدأ في السير في الرواق ذهابا وإيابا وهو يزم شفتيه في محاولة منه للثبات والتحكم بأعصابه فقد شعر بارتعاشة تمكنت من جسدة وتلاحقت انفاسه مع تعرق جبهته والناتجين عن فرط خوفه وتدفق الإدرينالين في الأوعية الدموية.

انتبه أثناء سيره إلى فتح باب غرفة العمليات وظهور الطبيب من خلفه والذي هرولوا جميعا نحوه، تساءل مجد بارتياع بالغ وبوجه فرت منه الدماء:
- مراتي عاملة ايه؟
أنزل الطبيب القناع الطبي عن وجهه، سحب شهيقا وزفره على عجالة والإرهاق بادي على وجهه، ثم أجابه بنبرة هادئة مطمئنة:
- الحمد لله العملية عدت على خير، والأم كويسة، هي هتتنقل دلوقتي أوضة تانية، وتقدروا تدخلولها بعدها.

تنفس الصعداء ولمعت عينيه بدموع من جديد ولكن تلك المرة نتيجة لاطمئنانه عليها، ولكنه سريعا ما تساءل بتلهف وارتبلك جلي عليه بشدة:
- طب، طب وابني؟
ربت الطبيب على كتفه لكي يهدئه فقد كانت هيئته مرتبكة للغاية ناهيك عن عينيه التي احمرتا من قوة بكائه المستمر عليه خلال الساعة الماضية، ورد عليه على نفس المنوال:.

- الطفل بخير، بس هو هيفضل في الحضانة هيتعمله فحص شامل لأنه مولود قبل ميعاده، وبدرجة كبيرة هيبقى في نقص في اكتمال الرئة
شعر مجد بجفاف حلقه والقلق من جديد تسلل لقلبه الذي خفق عند كلماته الأخيرة بتخوف على طفله، ازدرد ريقه وتساءل بتوجس:
- وده خطر عليه؟
هز الطبيب رأسه بالسلب وتحولت أمارات وجهه للجدية وهو يجيبه بطريقة عملية موضحا:.

- معظم الأطفال اللي بيتولدوا في السابع بيبقوا عرضى لنقص اكتمال الرئة، وده هيتالج عن طريق تزويدهم بمادة سائلة لخافض التوتر السطحي الناقصة في جسمهم من خلال انبوب التنفس، وبيتم الاستعانة بجهاز التنفس الإصطناعي لدعم عملية التنفس، متقلقش الموضوع مش خطير
أتم كلماته بابتسامة طيبة بعثت الطمأنينة لقلبه قليلا، بينما صدح صوت عدي الذي شعر بالإرتياح مما استمع له من الطبيب قائلا في حبور:
- شكرا يا دكتور.

ابتسم له في مجاملة وهو واقف بتحفز للسير ورادفا بشيء من الرسمية:
- بتشكرني على ايه ده شغلي، وألف مبروك
احتضن عدي زوجته بفرحة عارمة بعدما جفف دموع والدته التي حمدت ربها على نجاة ابنتها وطفلها، بينما اقترب جاسم من مجد الذي مازال واقفا دموع الفرح منهمرة فوق وجهه، وهنأه قائلا بابتسامة متسعة:
- مبروك يا مجد.

بادله ابتسامته وهز له رأسه وهو يشعر بعدم القدرة على التحدث من فرط سعادته، وقعت عينيه على والده الذي ابتسم له بحب والذي اندفع نحوه مجد معانقا إياه وهو يذرف المزيد من الدموع، ربت هشام على ظهره برفق وهنأه بمحبة أبوية وبصوت خافت مختنق قليلا من تحامله على نفسه ألا يبكي ولكن سرورا لسعادة ابنه الذي يراها عليه، ولقدوم مولود جديد يحمل اسمه:
- مبروك يا ابني، ربنا يباركلك فيه ويحفظهولك.

فرق مجد العناق وأردف وهو يكفكف عبراته بصوت هادئ متأثر من بكائه:
- الله يبارك فيك يا بابا
أثناء توالي المباركات والتهنيئات والدعوات الطيبة تقدمت منهما إحدى الممرضات وأخبرتهم بهدوء وهي تشير على أحد الممرات التي تؤدي إلى الغرفة التي انتقلت لها طيف:
- مدام طيف اتنقلت أوضة عادية، تقدروا تدخلولها دلوقتي.

سار مجد معها بخطوات متعجلة، متحرقا لرؤيتها والإطمئنان عليها بنفسه، نظرت أسيف إلى زوجها والذي فهم ما تريده من نظراتها وغمغم وهو يمسح فوق يدها بحنان:
- خلينا هنا، مجد يدخل يتطمن عليها الأول، وبعدين نبقى ندخل احنا.

هزت رأسها بالموافقة وخنعت لطلبة رغم رغبتها في رؤيتها والإطمئنان عليها، جلس الآخرون جميعا أيضا بعدما شعروا بالإرتياح وانتهى قلقهم، منتظرين ريثما يتمكن مجد من الإطمئنان على زوجته تاركين لهما بعض الخصوصية في التعبير عن فرحتهما بمولودهما الجديد.

اقترب من السرير الطبي الذي كانت ممددة عليه وباديا على وجهها الشحوب والإرهاق، جلس بجانبها بتريث لتفتح هي عينيها رويدا رويدا، رفعت نظراتها المتعبة نحوه وهي متأكدة قبلما تناظره أنه هو من أتى، ليبتسم ابتسامة مطمئنة لرؤيتها مستيقظة ودنا من وجهها وقبل جبهتها مليا وهمس لها بصوت خافت:
- حمد الله على سلامتك يا حبيبتي
ابتسمت له ابتسامة مهزوزة، وازدردت ريقها ثم سألته بهوانٍ:
- فين ابني؟

مسح فوق خصلاتها برفق وأجابها بنفس النبرة الخفيضة:
- في الحضانة
تنهدت بتعب متمكن من جميع أنحاء جسدها ثم طلبت منه بتلهف:
- عايزه اشوفه
أومأ لها بالموافقة وهو يبعد بعض الخصلات عن وجهها وأضاف بتريث:
- مفعول البنج يروح وهاخدك تشوفيه
ودت لو تنهض وتراه في الوقت الحالي ولكنها غير قادرة على تحريك أطرافها حتى، بللت شفتيها ثم استطردت متسائلة باكتراث بالغ:
- انت شوفته؟

حرك وجهه مومئا لها بالنفي ثم أخبرها موضحا وعينيه لمعتا بطيف دموع:
- لأ لسه، جيت اتطمن عليكي الأول، أنا كان هيجرالي حاجة الساعة اللي فاتت دي، كنت مرعوب عليكي، كنت خايف اوي تعملي زي ماما
رفعت ذراعها بضعف وربتت بيدها بتؤدة على ذراعه وهي تقول بابتسامة صافية ونبرة مطمئنة:
- قولتلك هبقى معاك ومش هسيبك
دنا منها واحتضنها برفق لكي لا يؤلمها وهو يقول بوجد بالغ نابع من جنبات قلبه متمنيا:.

- وانا مش عايز غيرك انتي وابننا.

بعدما غادر غرفة زوجته ليسمح للبقية أن يطمئنوا عليها قرر أن يذهب لرؤية رضيعه، فهو يتحرق شوقا لرؤيته منذ علم بمجيئه للحياة، دلف مجد الغرفة المتواجد بها الرضيع بعدما قادته الممرضة لها.

أشارت له بيدها تجاه فراش صغير به أحد الرضع والذي لم يكن سوى طفله، تسارعت نبضات قلبه مع كل خطوة يأخذها تجاهه، وما إن وقعت عينيه عليه حتى انهمرت دموعه رغما عنه، دنا منه وعلى ثغره ابتسامة مسرورة وهو يرى نتاج حبه وجزء من روحه أمام مرمى بصره.

حزن لعدم قدرته على حمله وتقبيله لاتصاله بجهاز التنفس، ولكنه انحنى بجذعه أكثر نحو فراشه لكي يمعن النظر بملامحه الصغيرة، والتي لم يستطع تحديد أيا من ملامحه يشبهه، ولكن تلك الشفاه هي شفاه طيف، ابتسم باتساع وهو مستمر في تفحصه، فتح الصغير عينيه نظر بها مليا ولكنه لم يستطع تمييز لون العين إن كانت خضراء كعين طيف أم هي كعينه.

حركات يديه العفوية، الأصوات الصغيرة التي تخرج من بين شفتيه تلك مع حركات شفتيه وهو يتثاءب بتلك الطريقة التي جعلته يشبه الملائكة جميعهم أسروا قلبه وجعلوه يود النظر إليه الباقي من حياته وألا يحيد بعينيه عنه.

جال بفكره وهو يتابعه ويتفقد كل أنش به أمر تسميته، والذي لم يجد سوى اسما واحدا ومن الأكيد أنه سيسعد طيف اختياره له، ردد بصوت خفيض رخيم بابتسامة صافية الاسم وكأنه يطلقه عليه بتلك الطريقة وينبئه باسمه الذي اختاره له.

بعدما اطمأن على زوجته وطفله، شعر أنه الوقت الملائم للذهاب، يجب عليه أن ينتهي مما لديه، ينبغي عليه أن يقدم على تلك الأفعال المصيرية والتي ومن وجهة نظره ستضع جميع الأمور في نصابها الصحيح والذي كان ينبغي عليه أن يفعله منذ زمن، ما كان ينبغي عليه أن يتغاضى عن أفعاله منذ بدأ في أذيته في عمله، ما كان ينبغي أن يتركه يتمادي إلى ذلك الحد الذي يوصله لمحاولة قتل شقيقة، وها هو كاد أن يقتل طفله ويؤذي زوجته، وتلك المرة لن يمررها دون حساب، لن يتهوان معه ولن يردعه أحد عن زهق روحه.

قاطع متابعة سيره في رواق المشفى وهو يغادرها صوت والده القادم من خلفه متسائلا بنبرة صوت مرتفعة نسبيا:
- رايح فين يا مجد؟
استدار له ووجهه يعتليه تعبيرات مبهمة، وأجابه بثبات بكلمات غامضة:
- رايح اصفي حسابات
أدرك والده المعنى الضمنى مما قاله، وأنه لن يفوت ما كاد يحدث لزوجته ولطفله، رمقه بنظرة جادة وهو يتساءل متوجسا:
- رايح للدكتور، ولا رايح لعاصم؟

نظر له مجد مشدوها من علمه بأن عاصم له يد بما كاد يحدث، فهو لطوال السنوات الماضية لم يخبره بما يرتكبه عاصم بحقه ولم يخبره من قبل بتهديداته له أو ما يفتعله من أفعال شنيعة مؤذية، ولا حتى بحادثة أخته التي كادت تودي بحياتها
فهم هشام نظرات ابنه ليجيب بهدوء على التساؤلات التي من المؤكد بدأت تندفع بذهنه:.

- هو انت فاكر ان انا مش عارف اللي بيحصل حواليا!، فاكر إني عشان مش بتكلم يبقى انا كده نايم على وداني!، أنا عارف كل حاجة يا مجد، ولو انا سايبك تتعامل مع أي حاجة بتحصل يا ابني، فعشان عارف أنك عاقل وبتحسب نتايج كل حاجة قبل ماتعملها
لم يكن والده بمغيب عما يحدث من حوله، لم يخفَ عليه أي شيء مما كان يحدث مؤخرا حتى تلك اللحظة.

ولم يغب عن مجد أيضا ما يريده والده حاليا، ولمَ أوقفه، فالبطبع لن يجعله يذهب لكي يرتكب أي فعلة هوجاء بمن ألحق بهم الأذى لمرات عديدة هو ووالده الشيطان الأكبر
هز مجد رأسه بتريث متفهما لما قاله ثم تحدث على نفس الشاكلة الغامضة وبصوت جامد:
- تمام يا بابا، سيبني اتعامل برضه المرادي بطريقتي
دنا والده أكثر منه وقبض على ذراعه وعلق باستنكار على ما قاله:
- ابقى عارف انك رايح ترمي نفسك في النار واسايبك.

نظر له بعينين تطلقان الشرار ولم يرتد له طرف لثانية واحدة وهو يهدر بانفعال وهو يلوح بيده الأخرى بعصبية بالغة:
- انا هاخد حق ابني ومراتي اللي كنت هخسرهم، هاخد حق رفيف اللي كانت هتموت وأسيف اللي اتحرمنا منها ستاشر سنة وأمي اللي ماتت بحسرتها وحياتنا اللي اتدمرت بسببهم
قبض والده على ذراعه الأخر وأردف بجدية بصوت ارتفعت نبرته وبرفض قاطع:.

- وانا مش هسيبك تروح تعمل اللي في دماغك وتترمي في السجن بعدها ولا تتعدم وانا واقف اتفرج عليك
لم يبدِ أية تعبيرات تذكر وكأن كلمات والده لا تشكل عنده فارقا، ونظراته القاسية إن كانت توضح شيء فأنه لن يتراجع عما ينويه، ليحاول الآخر أن يرقق قلب مستعطفا إياه بصدق علّه يعزف عما برأسه:
- عايز تقهرني عليك قبل اموت يا مجد
ضغط على اسنانه بقوة وقال بشراسة وعدائية بالغة وقد أعمى الغضب عينيه:.

- أنا جوايا نار ومش هتطفي إلا لما اقتله
جلّ ما يريده في ذلك الوقت أن يتخلص من إيذائه وجرائر شره التي لا تنتهي، ظل يرمقه والده لبضع ثوانٍ دون أن ينبت ببنت شفة، ثم تركه وأخبره بفتور بصوت جاد معلقا:
- وأنا ميرضنيش إن يبقى جواك نار يا مجد، وهسيبك تاخد حقك وحق مراتك واخواتك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة