قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والثلاثون والأخير

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والثلاثون والأخير

رواية مشاعر مهشمة للكاتبة شيماء مجدي الفصل الرابع والثلاثون والأخير

دلف مجد أحد المخازن القديمة والتي كانت تابعة لأحد أفرع شركاته، وكان رفقته كل من جاسم و عدي اللذين رفضا رفضًا قاطعا تركه بمفرده وهو في أوج غضبه هكذا خاشيين أن يرتكب ما هو لن يجدي بنفع -مثل قتله لأحد الإثنين الطبيب أو الكريه الآخر عاصم - غير أنه سيُزج حينها بالسجن لا محالاة ويصبح جانيا وهو في الأساس المجني عليه، بخطوات متهادية بهيئته السامقة، وبتلك النظرات التي يندلع منها الشراسة رمق بها ذلك المجثي على الأرض جالسا بانتظار ما سيلاقيه من عقاب على ما شرع في فعله من فعلة نكراء ما ينبغي أن يُقبل على فعلها أي طبيب أو أي بشر بالأساس، والذي هو متأكد أيضا من استحالة تهاون الآخر معه، دنا منه مجد وتشكلت على وجهه تعبيرات ناقمة وهو يتساءل بسخرية ممزوجة بما يعتريه من غلٍ دفين تجاهه وتجاه الشيطان الأكبر عاصم أكثر:.

- ها الرجالة قاموا معاك بالواجب؟
ارتجف في جلسته ونظر له في ريبة مما سيفعله به وجاء به لأجله في ذلك المكان النائي والخالي من السكان، ورد عليه في تخوف بالغ بنبرة شبه مهزوزة:
- مجد باشا، أنا دكتور وليا سمعتي، واللي حصل ده أنا مش هسكت عليه.

ما يقصده الطبيب من عبارته الآخيرة أخذه له بتلك الطريقة المهينة من المشفى والزج به في ذلك المكان، فلقد أمر مجد رجاله ألا يقتربوا منه بأي نوع من أنواع الإعتداء حتى يأتي هو ويتعامل معه بنفسه، التوى ثغره بابتسامة مغلولة وهو مازال يأخذ خطواته نحوه وبصوت عميق أجوف يعتليه الغموض مما جعله يبث الرهبة في نفس الآخر:
- وانت فكرك إني هسكت أنا كمان ولا إيه!

هجم عليه وأنحنى بجذعه ممسكا به من تلابيبه موقفا إياه ودافعا به بقوة في الحائط خلفه، ليتآوه الآخر بألم ولكنه ما لبث حتى وجد ساعد مجد ضاغطا على عنقه، مما جعله يشعر بالإختناق، وهدر مجد بزئير غاضب وهو مستمر في خنقه والضغط على عنقه:
- هتنطق ولا اطلع روحك في ايدي؟
حاول الطبيب التملص وإبعاد ذراع مجد عنه ولكنه كان مشددا في وضعها إضافة إلى قوة جسده مقارنة به، اختنق صوته وهو يستجديه:
- يا باشا..

لم يدعه يكمل عبارته حتى ضربه بركبته أسفل بطنه مما جعل الطبيب يصرخ بأنين باكٍ وهو ينحني للأمام بجذعه واضعا يديه موضع ضربة الأخر وما إن قلت حدة الألم وارتفع بجسده حتى وجد من حاصره من الخلف والذي لم يكن سوى أحد رجال مجد والذي وضع فوق عنقه سكينا حادا، توسعت عينيه في هلع ونظر ل مجد الواقف أمامه واضعا يديه في جيبي بنطاله، رادفا ببرود مغلف بالتهديد:.

- بإشارة واحدة بصباعي هتبقى روحك عند اللي خلقك، اتكلم احسنلك وارحم نفسك.
فرت الدماء من وجهه من تهديده الصريح بزهق روحه، ليعترف له على الفور بما يعلمه ومتأكد منه مجد بصوت مرتعش يعتليه اللهوجة التي تمكنت منه:
- عاصم، عاصم الصباحي اللي قالي أعمل كده.

حاول مجد التحكم في انفعالاته وعدم ترك نفسه لجذوة ثورته المشتعلة بداخله، فهو كان حريصا كل الحرص على عدم إصابته أية إصابة مدوية في أي موضع من جسده وبالأخص وجهه وهذا ما بلغ به رجاله، لكي يسير مخططه كما رتب له، وعلى الرغم من غليان دمائه لسماعه أكثر اسم يمقته، ولكنه توجه في صمت مريب تجاه أحد الكراسي وجلس عليه واضعا ساق فوق الأخرى بعنجهية تدب الرعب في أوصال الآخر الذي أشار للرجل الذي كان محاصرا إياه بتركه وإنزال السكين عن عنقه، بوجه جامد التعبيرات ونبرة قوية غليظة أمره:.

- إحكي كل اللي تعرفه واللي قالك تعمله.
ابتلع ريقه وبداخله لا يستريح لذلك الهدوء متخوفا من بطشه ما إن يعلم بكيفية سريان الخطة الدنيئة التي رُتبت لقتل ابنه وإيذاء زوجته وذلك عن طريقه بالفعل، بدأ في سرد ما يعلمه وانبأه به عاصم مرددا:.

- دكتورة مها جالها مؤتمر مفاجيء واتفاجئت إنها ضيفة الشرف فيه، اضطرت تروح ومكانش في غيري تقدر تخليه دكتور بديل ليها للحالات الطارئة اللي محتمل تولد في اسبوع المؤتمر ده، وكانت مدام طيف من ضمنهم.
تحكم في رعونته التي تدفعه لتحطيم كل شيء من حوله وهو يستمع لترتيب حقير من شخص أحقر لجعل قلبه ينزف وجعا على ابنه وزوجته، احتدمت عيناه بغضب بالغ وتفاقمت قتامتهما وهو يعلق بشراسة مستنكرا:.

- والمدام ده مش ميعاد ولادتها أصلا، والدكتورة قالت إن خطورة ضغط الدم قلت وانتظامها على العلاج كان مخليها بنسبة كبيرة تولد في ميعادها.
لم يفكر كثيرا في النطق بما فاجأ الآخر عندما قال:
- الممرضة.
زوى ما بين حاجبيه وتعقدت ملامحه للغاية وهو يستفسر متوجسا:
- مالها الممرضة؟

بتعبيرات مرتاعة أجابه الطبيب موضحا بصوت يرتجف من نظرات مجد المتفرسة له بإيماءات وجهه الذي يجعله كالحيوان المفترس الذي يتأهب للإنقضاض على فريسته:
- عاصم بيه خلاها تدي لمدام طيف أدوية تساعد في ارتفاع ضغط الدم بدل خفضه، وده اللي اتسبب في حدوث النزيف والولادة المبكرة.

قضم شفتيه وهو يشعر بتهدج أنفاسه من كم العصبية التي يحاول كبتها، فما تواتر على سمعه من ضرر أُلحق بطفله وزوجته جعل قوة خفقات قلبه تكاد تعصف بصدره، والذي لولا ما اكترفته الممرضة بزوجته ما كان حدث لها ذلك النزيف الذي جعلها تلد قبل موعد الولادة بشهرين وما كان سيرقد طفله تحت أجهزة طبية تساعد على تنفسه وكان ليولد معافٍ وفي موعده، ابتلع تلك الغصة المريرة بحلقه وهو يتابع تساؤله بصوت يتشبع بالعدائية:.

- واتفاقه معاك كان على ايه؟
تلك النظرات المترقبة إجابته دفعت التوتر بداخله من التفوه بالإجابة والتي من المؤكد ستكن نتائجها وخيمة عليه، ولكن عندما طال صمته كور مجد قبضة يده وضرب بها يد الكرسي الجالس عليه وهو يزمجر بغضب ونفاذ صبر مما جعل الطبيب يسارع في النطق برهبة منه:
- اتفاقه معايا إن البيبي يموت والمدام نشيلها الرحم.

شعر مجد بنيران مستعرة تنهش بداخله وهو لا يستطيع تخيل ما كان سيحدث به أو بزوجته إذا لم تأتي داليا وتمنع حدوث ذلك الإتفاق الذي كان سيجعل الحزن والقهر يخيمان على حياته هو وزوجته، وبلمح البصر كان واثبا عن جلسته ونزع السكين من يد الرجل الذي كان واضعه فوق رقبة الطبيب مندفعا بكامل عنفوانه وغضبه نحوه وهو يصرخ بزئير غاضب:
- يا ولاد ال(، ) يا (، ).

توسعت عيني عدي و جاسم اللذين كان يراقبان ما يحدث بصمت، والذي سارع عدي بالتوجه نحو مجد مهرولا ليقف أمامه حائلا بينه وبين ذلك الذي كان واقفا يكاد يخر أرضا من فرط رعبه، حاوط جسده بذراعيه مشدد الأمساك به مانعا إياه عن التحرك رادفا باستجداء لردعه عما سيرتكبه بغضبه الأهوج:
- اهدى يا مجد.

كان جسده ينتفض أسفل ذراعي عدي مهتاجا بقوة، ملامحه أكثر صلابة عن أي وقت مضى، دفعه بيده الفارغة مبعدا الأخرى الممسكة بالسكين عن جسده لكي لا تصيبه بأذى، صارخا به بحدة وتصميم على عدم الخنوع والردوع عما هو مقدم عليه:
- أوعي سيبني.
لم يستطع مجد إزاحته فقد استمات عدي في مسكته له بكل طاقته، وخاطبه في لهجة قوية جادة محاولا استمالة عقله وتفكيره لما هو صائب:.

- مش هينفع تعمل فيه حاجة، اهدى عشان نوصل للي عايزينه.
لمعت عينيه بعبرات حارقة وهو يخبره في توجع وألم بالغ مستقر بين جنبات قلبه:
- كان هيقتل ابني، وهيحرم اختك من إنها تكون أم، عايزني اهدي ازاي!

تشنج صوته بالآخير، وانهمرت دموعه كالسيل الجارف، ليشعر عدي بما يضمره في نفسه من ألم متفاقَم والذي ما إن تخيل الأمر حتى شعر بوطأته عليه وعجز عن الرد، ارتخى ذراعي عدي عنه ولكنه لم يتحرك من أمامه، بينما انضم لهما جاسم ووضع يده على كتف مجد في دعم وأخبره وهو ينظر للطبيب بنظرات يندلع منها التهديد مرددا:
- كل اللي قاله متسجل معانا يا مجد، ويا ينفذ اللي هيتطلب منه يا إما التسجيل ده هيتسلم مع بلاغ رسمي فيه.

احتل قسماته ارتعادا عارما من أن يضيع مستقبله ويُزَج به في السجن، وهتف على الفور بانصياع وخنوع لما يريدوه:
- هنفذ كل اللي انتوا عايزينه، بس بلاش تدخلوا الحكومة في الموضوع.
نظر له مجد بنظرة مليئة بالقساوة الممزوجة بالغموض والذي تبادل نظراته بعدها مع كل من عدي و جاسم اللذين يفهمان ما ينوي على فعله مسبقا، والذين سيبدأوا في تنفيذه بواسطة ذلك الحقير الذي يقف أمامهم راؤون ارتعاشة جسده من قوة ارتعاده.

بينما كان جالسا على كرسي مكتبه بفيلا والده مريحا ظهره للخلف ومثبت نظره على نقطة وهمية بالفراغ أمامه منتظرا على أحر من جمر أن يأتيه الخبر اليقين ويعلمه بما يتحرق لمعرفته من نتائج فعلته على من اعتبره -مجازا- عدوه اللدود، وما سيخلفه من توجع وآلام يعلم أنها ستهشم قلبه وروحه لأعوام، آخذا بثأرا واهيًا ممن لم يرتكبوا في حقه أية إيذاءً أو ضررًا وليس لهم أي ذنبا فيما دُفن بداخله من عُقد، ذكريات، وأحداث كريهة بالغة الوطأة تنهش به منذ ما يقارب الستة عشر عاما منذ تدمرت حياته بدخول والده السجن، وإذا صح القول -والذي لا يعترف به- فما هو عليه منذ ما يقارب الأربعة وعشرون عاما مذ كان طفلا صغيرا، ولكن مع مرور السنين وبحادثة سجن والده سابقا استفحل وازداد في نقمه، لينتشر أذاه كالفيرس المتشفي ويصيب جميع من حوله، في ظل شروده انتبه لصوت هاتفه يعلن عن تلقيه مكالمة كان متأكد -قبلما يلتقط هاتفه ويقرأ اسم المتصل الظاهر فوق شاشته- أنها هي المكالمة المنتظرة، ضغط على موضع استقبال المكالمة فاتحا الخط على الفور، قائلا في تحفز واهتمام بالغ ولكن بنبرة جامدة:.

- عملت ايه؟
آتاه صوت الطبيب مجيبا على تساؤله بإجابة لم تسمن ولم تغنِ من جوع مرددا:
- كله تمام.
لم يتوصل عاصم لما حدث بشكل تفصيلي وما هو يريد معرفته، ولكنه شعر بالرضاء نوعا ما لنجاح مخططه، ولكن مازال أمر مجد ومعرفة ما الذي فعله عندما تلقى خبر وفاة طفله واستئصال الرحم لزوجته هو شاغله الأكبر، ليتساءل بصوت آجش وتعبيرات توحي بكم الشر المتفشي بكيانه:
- ومجد عمل ايه لما عرف؟

جاء رد الطبيب بلهجة جادة متشرطا عليه:
- هعرفك كل حاجة، بس آخد حقي الأول.
أوصد عينيه بنفاذ صبر وحقد بالغ، وزم شفتيه لجزء من الثانية في تحكم منه في انفعالاته، ثم أبلغه بإيجاز موجز:
- هبعتلك واحد من رجالتي.
استمع لحمحته والذي تبعها قوله بشيء من الغموض لم يسترِح له عاصم شاعرا بإن هناك ما يواريه عنه:
- لا بعد إذنك يا باشا كنت عايز أشوفك لإن في حاجة مهمة حصلت لازم ابلغك بيها بنفسي.

اعتلي نظراته الضيقة الموجهة للفراغ وصوته شك بأمره حول تنفيذه الخطة بحذافيرها كما يدعي وهو يتساءل متوجسا:
- حاجة مهمة بخصوص إيه؟
رد عليه في اعتراض بصوت متريث مرددا بثبات:
- مش هينفع في التليفون.
احتقن وجهه بنيران غضبه ولكنه على كلِ رأى أنه لا يوجد بدًا منه للرفض، ليذهب إليه ليرى ماذا لديه ليخبره به ذلك الأخرق، ليرد عليه بصوت البارد المتجافي:
- أقابلك فين؟
أجابه بنوع من الشرح السريع مخبرا إياه برسمية:.

- أنا موجود في شارع جانبي قريب من المستشفى، هبعتلك اللوكيشن ونتقابل هناك.
تأفف في ضجر وامتعضت ملامح وجهه وهو ينهي المكالمة قائلا بضيق:
- تمام ابعت.

احتل قسماته ضيق بالغ بعدما كان الإنتصار تشكل عليها، ولكنه لن يقبل بأخبار مخزية منافية لما رسمه بمخيلته وعقد العزم على تنفيذه، فها هو وثب عن جلسته متهيئا للذهاب إليه بعد تلقيه رسالة منه بالمكان الذي سيلقاه به، ومتوعدا بينه وبين نفسه أنه إذا أخبره بشيء مخالف لما اتفق عليه به بالطبع لن يمر ذلك عليه مرور الكرام.

أشار مجد لأحد رجاله بعدما أنتهى الطبيب من مهاتفة عاصم بعدما أملى عليه مجد ما قاله مترقبا لكل ردوده هو والآخر الذي لن ينجو من بطشه اليوم، صدح صوت جاسم الواقف جوار مجد وبجانبهما عدي قائلا بتحفز:
- أنا هروح مع الرجالة.

حدجه مجد بنظرة فهم مضمونها سريعا والذي كانت تحمل الرفض القاطع على ذهابه، فهو لا يأمن عدم تحكم جاسم بعصبيته والتي من الممكن أن تقوده لأي فعلة غير محسوبة تفسد عليهم مخططهم، وتكلم مجد بنبرة جامدة لا تحمل النقاش:
- عدي اللي هيروح لواحده.
هز جاسم رأسه بانصياع ولم ينطق بكلمة معارضة، وجه مجد بصره تجاه ذلك المقيد من قبل رجاله، والذي أخبره بخشونة مهددا إياه بنبرة غير متهاونة:.

- لو غلطت في حرف واحد، نص ساعة والتسجيل اللي معايا هيبقى في النيابة.
هز رأسه له على الفور بخنوع ورد عليه بموافقة دون تفكير مسبق منصاعا:
- هنفذ كل اللي أمرتني بيه.

نظر له مجد لعدة ثوانٍ بنظرات تحمل الوعيد له إن فعل غير ما أملاه عليه، ثم أشار بعدها لرجاله لكي يتحركوا به، تبعهم عدي والذي يعلم أيضا ما سيفعله مسبقا من مجد، ليبقى بالمخزن مجد ورفقته جاسم ورجلين فقط من رجاله واقفين بالخارج كحراسة للمكان، كان مجد في أوج الإستعداد لملاقة ذلك الحقير والذي لن يقيه أحد من بين يديه أو يزود عنه، سيفرغ به جام شحنة غضبه والذي تحمل عناءه لأعوام حتى يومه هذا.

توقفت سيارة عاصم أمام سيارة الطبيب ترجل أحد رجال عاصم من المقعد الأمامي وفتح الباب الخلفي ليترجل حينها عاصم بهيئته المتعجرفة ويأتي من خلفه من سيارته الأخرى الذي يوجد بها أربعة من رجالة رجل منهم يحمل حقيبة سوداء، ما إن رآه الطبيب حتى ترك سيارته هو الآخر راسما على وجهه أمارات ثابتة لكي لا يُفسد المخطط ويُلاحظ حينها الآخر أن مجيئه ما هو إلا فخ له، تقدم منه عاصم بخطوات متريثة وعلى وجهه عنجهية مميته، نظر لذلك الطبيب ما إن أصبح قبالته من عليائه وتساءل ببرود وهو يحرك وجهه لأعلى بحركة تتشبع بالكبر:.

- ها عايزني في ايه؟
سحب الطبيب نفسًا مطولا ولفظه على مهلٍ كفعلة عفوية ولكنه كان يثبط من خلالها التوتر المستبد بسائر خلاياه، أخبره بصوت جافٍ مواريا خلفه خوف لا يرحم وجيب قلبه:
- الطفل مات زي ما أمرت.
التوى ثغره بشبح ابتسامة متشفية وبقساوة شرسة انطلقت من عينيه تساءل بجمود:
- وطيف؟
شعر بجفاف حلقه ليتنحنح بخفة لكي يجلي بصوته، ثم أبلغه بمراوغة تنفيذا لما أمره به مجد:.

- شيلتلها الرحم وعرفت مجد بيه إن النزيف معرفناش نوقفه فيه واضطرينا نستأصله.
انتشرت الراحة في أنحاء جسده وشعر ببرودة في صدره، ارتخت ملامحه وابتسامة مغترة تشكلت على ثغره، وبحركة من يده للرجل خلفه دون أن يوجه نظره له، تقدم نحوهما وأعطى للطبيب الحقيبة الذي تحوى على الأموال الذي اتفق عليها عاصم مع الطبيب ثمنا لتلك الجريمة، وقال له بصوت أجوف يحمل التحذير:.

- ده نصيبك، ومش عايز جنس مخلوق يعرف إن أنا اللي ورا الموضوع ده.

ما كاد يتم عاصم عبارته حتى التفت لمصدر صوت السيارات التي توقفت أمامهم، والذي ترجل منها العديد من الرجال ضخام البنية والذي تعرف على البعض منهم، وجهوا أسلحتهم عليهم والذي تصدى لهم رجال عاصم كذالك موجهين نحوهم أسلحتهم هم الآخرون، تبع ذلك المشهد نزول عدي من السيارة والذي ما إن رآه عاصم حتى كز على اسنانه بغل عارم متعرفا عليه بالفعل فهو زوج شقيقة مجد والذي قام والده بخطفها بالسابق والذي على علم أيضا بأنه شقيق زوجة الآخر، جمد نظراته المتشبعة بالكراهية على عدي حتى توقف أمامه معلقا على قوله الذي ألقاه لتوه على الطبيب بنبرة باردة للغاية قاصدا بها إثارة أعصابه:.

- هو لحد دلوقتي محدش يعرف حاجة غيرنا.

تبادلا النظرات العدائية الناقمة، والذي قطع تلك النظرات المتبادلة بينهمت تحويل عدي نظره نحو الطبيب الذي تقدم صوبه ومد يده آخذا من جيب سترته جهاز التسجيل الذي سجل الحوار الذي دار بينه وبين عاصم، والذي كان تحت نظر الآخر الذي تفاجأ مما يفعله غير مدركا ماهية الشيء الذي أخرجه من سترة الطبيب، أشار عدي لأحد رجاله والذي أتي لأخذ الطبيب ثم عاد للوقوف أمام عاصم من جديد وتابع قوله على نفس الشاكلة بهدوء مميت قائلا وهو يشير على المسجل بيده والذي فهم الآخر أن طلب الطبيب مجيئه كان فخا منه بالإشتراك معهم:.

- بس ممكن لو متفضلتش معانا من سكات وخليت رجالتك ينزلوا اسلحتهم، المسجل الصغير ده هيبقى منشور على السوشيل ميديا في خلال ثواني، وكمان هيبقى فيه تليفون صغير هيتعمل هيبيتك في الحجز النهارده ومعتقدش هتطلع منه تاني.

ذكره وسائل التواصل الإجتماعي كان ردا من مجد الصاع صاعين له عما هدده به مسبقا وقتما التقط صور ل رفيف رفقة جاسم، اكتسبت تعبيرات عاصم شراسة وغل جعل عروق عنقه تنفر بوضوح، بينما لم يأبه عدي بتبدل تعبيراته ووضع يديه بجيبي بنطاله وهو يخيره:
- اختار، يا تيجي معانا ومن غير رجالتك، يا مش هتلحق تروح بيتك.

استمر الوضع على ما هو عليه لعدة دقائق، رجال مجد ورجال عاصم -الذين لا يقارن عددهم بالآخرون- يشهرون أسلحتهم في وجوه بعضهم البعض، عدي واقف موضعه بانتظار رد الآخر والذي أكد له مجد أنه سيخنع لمجيئه معه لعدم تطرق الأمر للشرطة وهذا ما لن يوده عاصم نهائيا، تقدم عاصم خطوة من عدي وعلى وجهه إيماءات شيطانية وعقب على ما قاله بفحيح:
- وفي اختيار تالت، اسيبهم يتعاملوا مع رجالتك.

مط شفتيه باستخفاف على كلماته وأخرج يديه من جيبيه، وأخبره معلقا في نبرة تشبه التفاهم بالود ولكنها كانت تحمل الإنذار بين طياتها:
- مش في مصلحتك، رجالتنا عددهم أكبر، احنا مش عايزين دم، تعال معانا بهدوء أحسن يا عاصم.

ران الصمت بينهما للحظات، نظر عاصم له بغموض بعد مدة كان على ما يبدو يفكر في كلمات الآخر، ليجده عدي شَوَّر لرجاله بيده لكي ينزلوا أسلحتهم، ثم دنا منه وهو محافظ على جمود ملامحه وأردف بثبات ونبرة شرسة تحمل الشماتة والتشفي:.

- أنا جاي معاك ومن غير رجالتي، بصراحة الفضول واخدني أوي أعرف شكل مجد عامل ازاي بعد ما خسر ابنه وحرمته من انه يخلف من مراته.

ضحك عدي بطريقة مستهزئة وهز رأسه له بإيماءة على كلامه وتنحى له جانبا ليتحرك، ثم تبعه هو بعدما دلف السيارة في المقعد الخلفي وحاصره رجلين من الجهتين لكي لا يفر منهم، أمر بقية الرجال بدلوف سياراتهم والتحرك من ذلك المكان عائدين لذلك المخزن المتواجد به مجد بانتظار عودتهم وبحوذتهم ذلك البغيض.

كانت هذه أشبه بمعركة على وشك الحدوث وكان هدف مجد الوحيد بها هو أن يربح في تلك الجولة، غير مكترث إلا بإفراغ شحنة غضبه التي تتآكل بكل خلية في كيانه، ذلك المقيت، البغيض، والشبيه بالشياطين لن يجعله ينجو من جزاء أفعاله النكراء ولن يمهله الفرصة للمتابعة في إيذائه، جرائره، وظلمه المجحف، وفي خضم شروده بكل ما يدور بذهنه من وعيد قاسي استمع لصوت احتكاك إطارات سيارات تتوقف بالخارج، مدركا أن ذلك هو وقت تصفية كافة الحسابات المعلقة، نهض عن جلسته ببرود ظاهري مواريا خلف قناع الثبات الذي يرتديه فوق وجهه نيران مستعرة تنهش بصدره، وثب جاسم عن المقعد ووقف بجانب مجد بطريقة متحفزة للغاية.

لم تمر سوى بضع ثوانٍ تآكلت خلالهم كل ذرة تحكم ب مجد في انتظاره المحموم، والذي ما إن رأى عاصم دالفا من بوابة المخزن حتى تحفز سائر جسده وكان سريان الدماء بعروقه كسريان حمحم من النيران الملتهبة، استشعر بدء جاسم في التحرك نحوه ودون أن يهتز قبض على ساعده مانعا إياه عن التحرك خطوة أخرى، لم تكن هناك أي مقاومة تذكر من جاسم الذي استجاب ل مجد دون أن يحاول التملص منه أو أن يبدي حتى أي تذمر، فهو إن كان بداخله كراهية بالغة له عما حدث بمن تعتبر -مجازا- زوجته، إلا إن ما بداخل مجد له لا يقارن أو يحصى.

كانت خطوات عاصم نحوهما متريثة تحمل التعجرف الذي يصرخ به وجهه وكافة إيماءاته، كما أن هناك نوعا من الإنتصار -الذي سيتبخر في الهواء بعد القليل من الوقت- محتلا أمارات وجهه، توقف أمامهما وبالتحديد في ملتقى جسد مجد، انفرجت شفتيه بابتسامة مغترة وهو يتشدق بنبرة تنم عن نقم عارم:.

- ده النسايب متجمعين، بس إيه رأيك في الضربة المرادي؟، ومخدتهاش من الحريم اهو، وزي ماقولتلك هاخدها من حاجة غالية عليك أوي يا مجد، وبصراحة مالقتش أغلى من ابنك.

ظلت تعبيرات مجد ثابتة لبضع ثوانٍ قضاهم في النظر بثاقبتيه في عيني الآخر، والذي بغتة وتدريجيا أخذت ملامحه تسترخي وتميل للضحك الذي أخذ يعلو رويدا رويدا حتى جلجلت ضحكته في الإرجاء وملأ صداها المكان أجمع، واهتز جسده بقوة لها، لتتشكل ملامح الغيظ على وجه عاصم الذي زأر به باستنكار يشوبه بعض السخرية:
- بتضحك على ايه؟، ولا ده من الصدمة؟

أخذت ضحكته تهدأ شيئا فشيء إلى أن خبت تماما، وبدأت تظهر علامات النفور والإزدراء على قسماته، ناظرا له بنظرات باغضة هيئته السمجة، المتفشي بها المقت، والمعتري إياها القماءة والحقارة وكل ذلك مما خلفته أفعاله الرذيلة والموبقات المشينة الذي لا يكف عنها، هز رأسه بحركة مستنكرة وهو يصحح له كلماته مرددا بخشونة:
- لا ده من غباءك.

احتدمت نظرات عاصم بشرارات من الغضب من اهانته له واعترى وجهه التخبط من هيئته التي لا تشبه ما كان متخيله وما ينبغي أن يكون عليه لفقد طفله وما حدث بزوجته، التوى ثغر مجد للجانب بابتسامة متشفية وهو يراه مشتتا هكذا، دنا منه حتى أصبح لا يفصل بينهم سوى بضعة إنشات قليلة، وأوضح له ما يشغل فكره قائلا بصوت أجوف:
- انت فاكر ان حد يقدر يمس ابني ومراتي وأنا عايش!

لم يستوعب ما قاله لعدة ثوانٍ ولكنه على حين غرة وما إن أدرك المعنى الضمني لكلماته حتى فغر عينيه بصدمة، أماء له مجد برأسه كأنه قرأ تعبيراته وفهم من خلالها ما دُفع لعقله تبعها قوله بنبرة واثقة مؤكدا له ما دار بخلده وبإيضاح:
- ايوه هو اللي فهمته، ابني ومراتي بخير، الدكتور ال(، ) اللي كنت عايزه يقتل ابني ويشيل لمراتي الرحم، مجاش جنبها أصلا.

حاد بنظره عنه تجاه الطبيب الذي كان مقيدَ الحركة من أحد رجال مجد، ارتسمت على وجهه تعبيرات مليئة بالشر، عاد بنظره لذلك الذي ينظر له بنظرات منتصرة كان ينبغي أن يكون هو الذي يناظره بها، ولكنه لن يتنازل مهما كلف الأمر عما خطط له وأراد رؤيته على مجد بأم عينيه، ليهتف له بشراسة:
- انت فاكر إنك كده انتصرت عليا!، أنا طالما حطيت حاجة في دماغي مش هاهدي إلا لما تحصل.

حرك رأسه بنفي بطريقة غامضة، وارتسم فوق وجهه تعبيرات مبهمة وهو يخبره بفحيح بزفير محموم بعبارت ذات مغزى وبطريقة لا تنم على خير فيما هو آت:
- مش هتلحق يا عاصم، أنت عارف إني مبسامحش في أذية اللي يخصني، وقولتلك قبل كده إني مش هرحمك لو قربت تاني من حد من عيلتي.

لم يهتز جسد عاصم من تهديده المبطن، تبع إنتهاء مجد كلماته إخراجه سلاحه من ثيابه، وشهره في وجه عاصم الذي كان يعلم تمام العلم أنه لن يفعلها، فهو ليس بهؤلاء الآناس الذين يلوثون إيديهم بدماء غيرهم حتى وإن كان في ذلك قصاص لهم، هدر مجد بقوة وهو يبدأ في الضغط على زناد مسدسه:
- اتشاهد على روحك، ولا ملهوش لازمة، انت اللي زيك مكانه جهنم، وأنا هوديك ليها بإيدي.

متحركا في الردهة المؤدية للغرفة التي تمكث بها زوجته، بعدما انتهى وأتم ما عقد العزم على فعله، واضعا حدا لكم المخاطر التي كانت محاصرة بهم، والتي استهدفت أعز ما لديه، فما كان منه إلا أن يدرأ الأذى عن عائلته ويزود عنهم، وهذا ما لم يكن ليتهاون به أو يتراجع عنه، قاطع متابعة سيره صوت والده قادما من خلفه متسائلا باكتراث بالغ:
- عملت ايه يا مجد؟

استدار له وملامحه مرتخية للغاية عكس ما كان عليه قبل إخراجه لدفقة هياجه العصبي ودفعة غضبه المشحون، تنهد مطولا بإرهاق قبلما يخبره بنبرة جادة:
- عملت اللي قولتلي عليه.

عبرت ملامح والده عن ارتياح شديد بعدما انقضت الساعات الماضية عليه منذ ذهاب ابنه في قلق عارم، فهو لم يوافقه فيما كاد يذهب لفعله، لم يسمح له بتلويث يديه بدماء أحدهم حتى وإن كان ذلك الذي يحاول باستماته في إلحاق الأذى بهم بشروره وبغضه، فقد كان ما بدر منه قبل ذهاب مجد من حديث -حاول به أن يمسك العصا من المنتصف، حيث إنه ردعه عن فعل جريمة حتمية وفي ذات الوقت جعله يأخذ حقه- أتي بنتائجه.

ضغط مجد على اسنانه بقوة وقال بشراسة وعدائية بالغة وقد أعمى الغضب عينيه:
- أنا جوايا نار ومش هتطفي إلا لما اقتله.
جلّ ما يريده في ذلك الوقت أن يتخلص من إيذائه وجرائر شره التي لا تنتهي، ظل يرمقه والده لبضع ثوانٍ دون أن ينبت ببنت شفة، ثم تركه وأخبره بفتور بصوت جاد معلقا:
- وأنا ميرضنيش إن يبقى جواك نار يا مجد، وهسيبك تاخد حقك وحق مراتك واخواتك.

لم يكد مجد يستوعب موافقة والده على ما يود فعله بذلك التساهل حتى محى والده ما جال بفكره عندما تابع بتصميم على نفس الشاكلة الجادة:
- بس هتعمل اللي هقولك عليه.
كما عادته معه دائما والذي هو متأكد من عدم سماحه له بتنفيذ عكس ما يريد والذي هو في مصلحته بالفعل، وهو عالم كل العلم أنه مهما فعل ومهما اعترض لن يقوم بالنهاية إلا بما سيأمره به والده، زفر في استسلام وتساءل بكدر:
- عايزني اعمل ايه يا بابا؟

ابتسم له في طيبة أبوية، ووضع يده على جانب ذراعه وهو يخبره بتريث:
- تعالى نقعد الأول وهقولك تعمل ايه.

كان ذلك تحاور مج مع والده قبلما يذهب وينفذ ما أخبره به بدلا مما كاد يفعله بغضبه الأهوج، بدأ مجد في سرد أحداث جُل ما حدث على والده الذي كان يستمع بانتباه بالغ، والذي قص عليه الأحداث جميعها بداية من مجيء عاصم رفقة عدي ورجاله بعدما وقع في فخ حيلته التي كانت من ترتيب والده بالأساس، حتى عدم تحكمه بنفسه وأعصابه المهتاجة وإطلاقه الرصاصة بجسده، والذي عمل على ألا تصيبه في مقتل كما وعد والده ألا يؤذيه ولكن خانه غضبه الذي كان متضاعفا، فإن كان عليه لكان زهق بروحه دون سابق تفكير في الأمر، ولكنه لن ينقض مهما حدث عهده الذي قطعه على نفسه بينه وبين والده، متابعا له ما قام بها بعدها حيث إنه لم يكتفِ عند ذلك الحد بالتأكيد.

برقت عيني كلا من جاسم و عدي عندما أطلق مجد رصاصة بجسد عاصم فهذا لم يكن ضمن اتفاقهم، والتي أستقرت في كتفه، حيث إنه أنزل يده عن رأسه عمدا تجاه كتفه، ترنح جسده للخلف من شناعة ذلك الألم الذي اقتحم جسده والذي كتم صرخته لتخرج على شكل أنين عارم اشتدت وتشنجت عضلات وجهه له، بينما كان مجد أقل ما يوصف به أنه في حالة هياج، اضطرمت النيران بداخله، اربد وجهه بحمرة غاضبة، ألقى سلاحة أرضا بغلٍ بالغ، واندفع نحو عاصم مسددا له عددا لا نهائيا من اللكمات في مفترق أنحاء وجهه، والذي ما كان منه أي مقاومة تذكر لما أصابه من حالة رهاب بالغة من رؤيته لدمائه وتوجعه الأشد وطأة مما بدا عليه من تألم، خر جسده أرضا وكل ما يخرج منه صوت صراخ مكتوم فقط مع كل لكمة تستقر في جسده، جثي مجد فوق جسده ولكمه بجانب وجهه بقوة مضاعفة وهو يصرخ به بصوت أخشوشن بطريقة مريبة وعينيه تكاد تخرجان من محجريهما:.

- عشان أسيف اللي حرمتونا منها ستاشر سنة.
لكمة أخرى في الجانب الأخر تركت أثرها بجانب البقية، مع صراخ مجد المتعاظم بما جعل قلبه لشهور ينزف:
- وعشان رفيف اللي كانت هتموت بسببك.
ولكمة أخيرة بكامل عنفوانه استقرت فوق فكه ليبصق دماء غزيره من فمه، غير وجهه الذي أصبح كتلة دموية وشاع فيه التورم، مع صراخا زلزل المكان أجمع بما لم يكن ل مجد حياة إن كان حدث:
- وعشان ابني ومراتي اللي كنت عايز تحرمني منهم.

لم يكن ب عاصم ذرة قوة واحدة تمكنه من الدفاع عن نفسه، دمائه تسيل بغزارة من كتفه، ناهيك عن الدوار وتشوش الرؤية الذي أصابه من توالي لكمات مجد في وجهه، كان قد قارب على فقدان الوعي يكافح لبقاء عينيه مفتوحتين، وما كان من مجد أي رحمة تذكر وهو يراه على تلك الحالة الهامدة كالذبيحة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ابتعد مجد عنه وملامح النفور تتفرس وجهه، وثب عن الأرض ووقف أمام جسده الراقد كرقود الموتى، عينيه المضيقتين بهوانٍ فقط ما يتحرك به، أنفاسه تباطأت كما لو أصبح على شفا حفرة من الموت، أخفض مجد نظراته المحتدمة نحوه وأخبره بكراهية مضاعفة لم يرها أيا من عاصم، جاسم، و عدي عليه تجاه أحد من قبل مدمدما:.

- صدقني كان نفسي اخد روحك، بس اللي رحمك مني اني وعدت ابويا إني منجسش ايدي بدمك، التسجيل اللي بيدينك في محاولة قتل ابني والجريمة اللي كنت هتعملها في مراتي معايا، لو فكرت تعترض طريقي تاني هيبقى في النيابه وتكمل ساعتها مسيرة ابوك في السجون.

لم يكن من عاصم سوى النظرات الصامتة فقط، وهيئته التي كانت تتشبع بالعدائية تبدلت لضعفٍ وهوانٍ اطاحا به أرضا، بينما تابع مجد على نفس الشاكلة المهتاجة بتحذير وإنذار آخير له:
- ولو اتعرضت لحد من عيلتي، مش هسمع لحد وقتها ومش هرجع عن إني اخلي التراب اللي دايسة برجلي ده تبقى تحته.

هزة خفيفة من رأس عاصم بالنفي مع انفراجة شفتيه للجانب بحركة مهتزة كانت هذه رده الأوحد والذي لم يفهم مجد المغزى منها ولكنها كما لو كانت علامة على رفضه الهزيمة أمامه، ثم انهالا جفنيه بتؤدة معبرا عن فقده للوعي، بصق مجد فوقه، ووجهه المتعرق لا يعتليه غير الإزدراء الممزوج بالنقم، التفت برأسه تجاه رجاله وأمرهم بجمود:
- شلوه من هنا وارموه في اي داهية.

كان تعبيرا مهينا له وكأنه خرقة بالية يُزَج بها في أي مكان يشبهها، أنصاع له أحد رجاله والذي هو في مكانة زعيمهم مرددا بخنوع بصوته القوي:
- أوامر سعتك.
نظرة أخيرة رمقه بها كانت خالية من أي معلم من معالم الإشفاق، استدار وأخذ مجازه للخارج بخطوات ثابتة تبعه جاسم و عدي اللذين نظرا لجسد عاصم بشعور يحمل مزيجا من التشفي والشفقة، ولكنه هو من درأ مجد إلى ذلك الحد والذي هو أقل مما كاد أن يفتعله به بالأصل.

ما إن أتم مجد حديثه، حتى ربت والده على كتفه معلقا بود برجاوات نابعة من قلبه، رغم ما بداخله من حزن على ما وقع على عاصم -والذي هو من صنع يداه- فهو كان يعتبره بالماضي ك مجد بل وحمله بذراعيه وهو رضيع قبلما يبصر حتى مجد:
- ربنا يرضيك يا ابني ويطمنك على ابنك ومراتك، ويبعد عننا شره هو وابوه.

فتحت عينيها بتؤدة لترى الجميع من حولها باستثناء مجد، ازدردت ريقها وهتفت موجهة حديثها لأخيها الجالس على المقعد بالقرب من سريرها متسائلة بإعياء بنبرة صوت ضعيفة:
- عدي، فين مجد؟
لم يكَد يجيبها حتى دلف مجد وكان قد استمع لتساؤلها عنه وأجابها فور دلوفه بنبرة ودودة وهو يدنو منها:
- أنا هنا يا حبيبتي.
سرعان ما تطلعت نحوه وهو يتقدم نحوها، وراحت تطلب منه بنبرة متلهفة:
- عايزه أشوف ابني.

مسح فوق شعرها بحنان وهو ينظر لها بتلك النظرات الدافئة التي تحفظها عن ظهر قلب ثم أخبرها بخنوع بنبرة هادئة:
- حاضر.

ساعدها لتنهض عن الفراش وشاركته في ذلك والدتها، كانا حريصين على عدم إيلامها حذرين للغاية في تحريكها، سارت طيف بجانب مجد الذي كان ماسكا يدها بيده وبالذراع الآخر كان محاوطا به ظهرها، كانت خطواتهما بطيئة متريثة لإبعد حد، ومع ذلك كانت تشعر طيف مع كل خطوة بتأثيرها المضني على موضع جرحها، بعد مضي ما يقارب الثلاث دقائق وصلا إلى غرفة الصغير، اقتربت معه بخطوات أسرعت بها ما إن أشار لها مجد على فراشه، متحاملة على نفسها شعورها بذلك الوجع لإرضاء رغبتها الملحة برؤية رضيعها، وقفت أمامه بقلب يخفق سرورا مع القليل من الحزن لرؤية الأجهزة المتصلة به، لمعت عينيها بسحابة من العبرات التي لم تعرف أهي من فرحتها به أم حزنا لأجله ولعدم مقدرتها على حمله أو إرضاعه، التفتت بنظرها نحو مجد وعينيها تذرف الدموع ولأول مرة تحاول أن تستمد منه الطمأنينة الذي كان هو لمرات عديد يستمدها منها، متسائلة بلمحة من الخوف:.

- هيبقى كويس، صح؟
حل الحزن على كامل قسماته لأجلها هي ورضيعهما، قربها لصدره بذراعه ضامما إياها برفق إليه، ورد عليها في لهجة مطمئنة محاولا بها إبعاد أي هواجس مقلقة عن رأسها:
- ايوه يا حبيبتي متقلقيش الدكتور طمني عليه.

دفنت رأسها في صدرها وعينيها لم تبتعدا عن وجه ملاكها النائم، والذي لاحظت بسهولة التشابه بين شفاههما وهذا ما جعلها تبتسم من بين دموعها، وقالت له بنبرة مهزوزة أقرب للبكاء بما يختلج صدرها وأكثر ما تتمناه في وقتها الحالي:
- نفسي أوي أشيله بإيدي واخده في حضني.
ارتفعت يده لتمسد جانب رأسها، وقرب شفتيه من مقدمة رأسه وقبله مطولا، أراد أن يخفف من حزنها وإضفاء بعض المرح مع كلماته رادفا بلطافة:.

- بكره يخف ويبقى كويس، ونشيله لحد مانزهق منه كمان.
رفعت وجهها له وطالعته بنظرات تحمل العبوس، وعلقت بإعتراض على ما قاله بمشاعر أمومة متعاظمة:
- بس أنا مش هزهق منه.

في أعماقه ورغم ذلك الضرر الذي نجم عنه ولادتها المفاجئة ورقدة رضيعه كان يشعر برضاء بالغ، فهو لم يخسره وزوجته بخير هي الأخرى ومع مرور الوقت سيتم تعافيه ويصبح بينهما وتُغمَر حياتهما السعادة به، ابتسم لها في صفاء وأخبرها في لين بصوته الرخيم المليء بالحنو:
- يلا بقى عشان ارجعك الوقوف دلوقتي غلط عليكي.
زوت ما بين حاجبيها بعدم رضاء، وتوسلته بعينيها قبل لسانها الذي نطق مرددا بترجٍ عارم:.

- سيبني معاه شوية كمان.
أخبرها في صدق وهو يلف ذراعه جيدا حول ظهرها ليتمكن من إسنادها جيدا:
- هجيبك تاني، بس اتني دلوقتي مش قادرة تقفي لسه.
هزت رأسها بخنوع على الرغم من تلك الرغبة المتوغلة بأعماقها وتلح عليها بالبقاء رفقة صغيرها ولكن ما بها من عدم قدرة على الوقوف لأكثر من ذلك جعلها ترضخ لكلام مجد، سارا معا خروجا من الغرفة عائدين إلى غرفتها وبداخل كل منهما مشاعر متأرجحة بين حزن وسرور.

بعدما فشلت في محاولتها لإغفاءة تريح بها جسدها، وجهت بصرها لزوجها الذي كان مستلقيا على السرير الجانبي بالغرفة معها لرفضه مغادرة المشفى دونها مصرا على المكوث معها رفقة والدتها التي ستمكث هي الأخرى معها ولكن بغرفة مجاورة قريبة منهما وأخبرتهما أن يبلغاها إن احتاجا لها، وذلك بعدما يذهب الجميع الذين مازالوا متواجدين بالمشفى بعضهم ذهب لرؤية الرضيع والبعض الآخر ذهب لجلب المشروبات، نادته بصوت ضعيف انتبه له وسريعا ما نهض وجلس بجانبها على طرف الفراش، تبادلا الأحاديث الهادئة معا لبرهة من الزمن حول رضيعهما والذي إلى الإن لم يخبرها باختياره لاسمه، حتى جال بذهن طيف إخبار والدتها لها بما حدث وقت دلوفها غرفة العمليات من مجيء داليا وما قالته، إقصاء مجد الطبيب عن إجراء العملية لها، وأخذ رجاله للطبيب بعد بعض المشاحنات الكلامية، وهي ناظرة بوجهه أردفت باهتمام بالغ وقليل من التخوف مستفسرة:.

- ماما حكيتلي على اللي حصل، انت عملت ايه مع الدكتور؟
احتل الوجوم قسماته، تبدلت ملامحه المرتخية بملامح اشتدت وازداد شراسة خلال جزء من الثانية وهو يرد عليها بسخط بالغ بصوت اخشوشن قليلا:
- الدكتور خد جزاءه هو وعاصم، ولسه الممرضة.

بالرغم من ريبتها من أن يكون خانته أعصابه معهما وقام بأي أفعال هوجاء، ولكن عند تذكرها بوجود عدي معه وقت ذهابه كما أخبرها شقيقها طمأنها قليلا، إلا إنها لتطرق أمر الممرضة بذهنها شاع التوسل ملامحها وطلبت منه برجاء فاجأه:
- أرجوك يا مجد متعملهاش حاجة.
تعقدت ملامحه للغاية معبرة عن نقم بالغ واعتقد أنها لا تدري شيئا عما فعلته بها، وكاد يتحدث ليخبرها ليجدها تكلمت هي مسردة له ما حدث وقت حدوث النزيف لها.

صرخت طيف بتألم وهي واضعة يدها فوق بطنها بعدما رأت بقعة الدماء التي تدلت من أسفلها:
- آاه، هموت مش قادرة.
انتبهت طيف من بين بكائها لصوت أنين باكٍ يأتي من جانبها، التفتت لمصدره لتجدها الممرضة التي سقطت أرضا بجانب قدميها وأردفت بندم ظاهر على محياها وهي تردد بنحيب:
- أنا آسفة، أنا آسفة بجد.

لم تفهم طيف ما الذي يدعوها للتأسف لها، وما السبب في ذلك الندم البادي عليها، لتجد الرد على كل ما تساءلت بها بداخلها عندما تابعت الممرضة على نفس الشاكلة ولكن بتوسل متزايد:
- أنا السبب في اللي حصلك، سمحيني ابوس ايدك.
فغرت طيف عينيها وهي شبه تتلوى من الألم وسألتها بقلب هرع بخوف جم:
- انتي عملتي ايه؟
أجابتها من بين نشيج بكائها بإيضاح معترفة بذنبها:.

- اديتك دوا يزود ارتفاع الضغط بدل ما ينزله، والمفروض إني كنت امشي بعد ما يجيلك النزيف بس أنا مقدرتش، مقدرتش اسيبك كده.
صرخة خرجت من جوفها تبعها كلماتها الصارخة بمزيج من الوجع والإرتعاد على جنينها بعدما فطنت أن عاصم هو من وراء فعلتها قائلة:
- آاه، ابني كده هيموت.
كفكفت عبراتها بلهوجة واستطردت بصوت متوتر وهي تقبل على تقبيل يدها في استجداء:.

- لا لأ مش هيموت أنا اتصلت بالأسعاف وهتلحقك، بس أرجوكي يا هانم متعرفيش البيه بحاجة، أبوس ايدك أنا معايا أيتام مش هيلاقوا حد يراعيهم من بعدي.
سحبت طيف يدها سريعا ونظرت لها بلوم شديد وهي تكتم أنين وجها، ولكن ما إن أمعنت التفكير فيما قالته حتى أخبرتها بصوت مبهم التعابير:
- امشي.

تفاجأت الممرضة من طلبها، فكلمات الممرضة وندمها لمسا قلبها، وخشيت عليها من بطش مجد عند معرفته بالأمر والتي توقعت أن يخبر ذلك الوغد زوجها، وسريعا ما كررت طيف ما قالته بصوت هادر:
- امشي بقولك قبل ما حد ييجي.

لم يعقب مجد على أي مما قالته وظل على حالته الصامتة ناظرا إليها بانتباه فحسب، لم تستطع هي قراءة تعبيراته التي كانت مبهمة لا توضح أأستجاب لتوسلها أم مازال عاقد العزم على الإنتقام منها هي الأخرى، لتخاطبه من جديد بلهجتها الراجية لكي تبدد أي نية بداخله لإيذاء الممرضة:
- مجد هي ندمت وانقذتني، كان ممكن تمشي وتسيبني أموت أنا وابننا، عشان خاطري متعملهاش حاجة.

زم شفتيه لجزء من الثانية وهو يتنهد ثم هز رأسه لها في رضوخ أمام توسلاتها، كما أنه رأى أن تلك الممرضة كانت مجرد أداة استخدمها شخص وضيع لتنفيذ مخطط دنيء، وكانت هي ضعيفة النفس أمام بضعة نقود تحتاج إليها بالتأكيد، رَاءٍ أنه ليس في معاقبتها أي مكسبا أو قصاصا له.

بعدما عادوا جميعا وامتلأت الغرفة من جديد عليها، أصواتهم المثرثرة بابتسامتهم وضحكاتهم من حولها تشعرها بسعادة غامرة ودفء من نوع آخر، ورغم وجود جميع أفراد عائلتها وعائلته إلا إنها لا ترى غيره بهامته التي سحرتها منذ الوهلة الأولى وابتسامته المنعشة لروحها والقادرة على رسم البسمة على محياها من رؤيتها فحسب، وفي خضم شرودها بزوجها المنشغل بالحديث مع والده وصديقه الذي تصافا وعادت صداقتهما كما كانت قبلا، وشقيقها الذي باتت علاقتهما أقوى واوطد، استمعت لصوت أسيف التي قالت بنبرة خائفة أكثر منها مازحة:.

- أنا خوفت أوي من الولادة.
ظهرت هالة من الصدمة على وجه عدي والذي قابل كلماتها باستنكار ورجاء ولكن بطريقة مرحة كعادته:
- لا خوفتي ايه الله يخليكي متضيعيش تعبي معاكي الشهور اللي فاتت.
لم يتحكموا جميعا في ضحكاتهم التي جلجلت في الأرجاء، والتي ما إن خبت وانتهى صداها، حتى صدح صوت جاسم موجها حديثه ل هشام قائلا بابتسامة عريضة:
- عمي هو احنا مش هنحدد معاد الفرح بقى بالمناسبة السعيدة دي؟

لم يدع مجد الفرصة لوالده للرد، وأردف مستنكرا بدون انفعال ولكن بطريقة تثير الضحك واستفزاز الآخر:
- فرح ايه يا جاسم اللي بتتكلم عنه!، ده رفيف نامت جنب طيف من تعب اليوم، كمان سنة كده ولا حاجة تكون رفيف بقت كويسة وابقى اتكلم في الموضوع ده.
حدجه بنظرة نارية مشتاطة، وعقب بتهديد يحمل المرح:
- سنة مين اللي بتتكلم فيها!، حاكم أنا كاتب كتابي متخلنيش أخدها معايا وأنا مروح.

من جديد لم يستطعوا التحكم بضحكاتهم التي استيقظت رفيف إثرا لها وأخبرتها طيف بذلك الحوار الذي دار وهي نائمة وما قاله زوجها المستقبلي ليصدر منها ضحكة لم تكن بالعالية ولا بالمغرية ولكنها جذبت لب الجالس بجانب والدها وأبصرها بتلك النظرات المشتاقة لها وللتنعم معها بمشاعرهما التي لا تجدب بل تتجدد وتضاعف، انتبهت حواس طيف لتساؤل هشام الموجه ل مجد قائلا:
- صحيح يا مجد إنت مقولتش هتسمي البيبي ايه؟

ران الصمت أرجاء الغرفة وكأنهم منتظرين إجابة مجد، الذي وثب عن جلسته بهيئته الشامخة وحول نظره ل طيف التي تنظر له بنظرة مليئة بالتحرق لمعرفتها ما الاسم الذي اختاره لطفلهما، طالعها في نظرة مليئة بالعاطفة والوجد الثائر الذي لا يخمد وردد باسم جعل وجيب قلبها يخفق بقوة:
- طارق.

امتلأت عينيها بعبرات كثيفة وهي تنظر له بعدم تصديق أن الاسم الذي اختاره لطفله هو اسم والدها الراحل، نطقت بدهشة بصوت اهتز من فرط سعادتها التي توغلت قلبها:
- على اسم بابا.

لم يكن تأثر والدتها، شقيقها، و أسيف بذلك الخبر المفرح أقل منها، فقد ترقرقت الدموع بأعينهم مع ابتسامة مسرورة ارتسمت على محياهم، دنا مجد من طيف وجلس أمامها على طرف الفراش وأمسك يدها وباليد الأخرى جفف عبراتها التي تهاوت رغما عنها، وراح يقول لها بصوت دافئ بما نفذ لقلبها ليجعله يزداد في نبضه:.

- ده أقل حاجة أقدمهاله، اختي كانت طفلة مكملتش الأربع سنين مرمية في الشارع ومحدش عالم مصيرها كان هيبقى ايه، لولاه اتربت وسط عيلة طيبة ودرست الحاجة اللي بتحبها، واتجوزت واحد استحالة كان حد يحبها قده، وأنا بقى معايا بسببه أجمل واحدة في الدنيا، وجابتلي روح مني ومنها، ابني، مش خسارة فيه إن اسميه على اسمه.

ازدادت دموعها انهمارا وازداد قلبها خفقانا وتشبع القلب من الحنان الذي يأسر الوجدان وينعش الروح ويجعل العين تقول بكل ما لا به نبوح، أخبرته بصوت مليء بالعاطفة بما يتوغل في جنبات قلبها وهي في أوج احتياجها لاحتضانه:
- أنا بحبك يا مجد.

قرأ بعينيها رغبتها في الشعور بدفء حضنه، انحنى بجذعه نحوها وضمها له غير عابئ بأي من المتواجدين ويشاهدونهم، فكل ما يهمه تلك التي ازدادت في ضمه لها، قال لها بما يحمله قلبه لها من مشاعر لم تعد بمهشمة:
- أنا اللي بحبك أوي يا طيف، انتي غيرتي حياتي كلها، أنا كان ناقصني حاجات كتيرة أوي مكملتش إلا بيكي.

رفع جسده عنها قليلا ليبقى وجهاهما قبالة بعضهما وأخبرها مكملا حديثه الذي نفذ لقلبها مباشرة مؤكدا تأثيرها الطاغي عليه منذ وطأت بقدميها حياته:
- انتي جيتي كملتيني.

بعد مغادرة مجد وكل من عدي و جاسم المخزن، تاركين ذلك الذي فقد وعيه من كثرة التعب العضوي والنفسي، فعلى الرغم من الخوار الذي أصابه من رعونة مجد معه وتلك الإصابة في كتفه التي نالت حقها من النزيف، إلا أن تأثير رؤيته للدماء كان ذو وطأة عليه أيضا، حمله رجلين من رجال مجد أو بالأحرى تم وضع كلا ذراعيه على كتفي الاثنين كل ذراع على حدة وهو بالمنتصف يجرجراه مشيا حتى السيارة، وبينما هو بالسيارة بدأ يستفيق شيئا فشيء ولكن مازال هامدا، متعبا، وغير قادرا على فتح عينيه أو حتى النبس ببنت شفة، مضى الكثير من الوقت إلى أن توقفت السيارة.

ترجل نفس الرجلين من السيارة وحملاه وزجا به أرضا على جانب الطريق وسريعا ما ركبا السيارة من جديد وتحركت مغادرة، كانت دموعه تسيل بصمت وشعور بالذل تفشى وتفرس بكامل كيانه، فتح عينيه بعد الكثير من المحاولات المضنية ليجد نفسه بطريق جانبي مقفر لا يوجد به أحد، تحامل على توجعه الناجم عن جرحه الغائر الذي مازال ينزف، ونهض بصعوبة وكان جسده يترنح وهو يسير بخطوات غير متزنة إلى ذلك النور البعيد والذي يرى به خيالات سيارات تتحرك، مر ما يقارب النصف ساعة -في مسافة لا تأخذ خمسة دقائق-حتى وصل لذلك الضوء، خر أرضا من جديد ولكن كان سقوطه ذلك مقاطعا لسير سيارة على الطريق، أوقفها صاحبها عندما أبصر وقوع عاصم.

ساعد عاصم على النهوض وصعود سيارته وبالطبع عرض عليه أن يذهب به إلى المشفى ولكنه رفض وأخبره بعنوان يوصله إليه، ترجل من السيارة بعدما وصل إلى العنوان المنشود والذي رفض مساعدة ذلك الرجل له في مساندته أثناء سيره، وتركه دون حتى أن يثني فعلته، متحركا بخطوات أشبه للزحف فتح البوابة الصغيرة لذلك البيت وسار تلك المسافة الصغيرة التي تفصل بين البوابة والباب الرئيسي للبيت وهو يرى ما أمامه مشوش شاعرا بأنه على مقربة من لفظ آخر أنفاسه، وقف أمام الباب ولم يفكر وضغط فوق الجرس، دقيقة كاملة انتظرها وهو يتحامل على نفسه ألا يسقط مجددا حتى فُتح الباب لتظهر هي، داليا التي لم يفكر بسواها للذهاب إليها، والتي ما إن رأته حتى ظهر علامات الفزع على وجهها، بينما هو فقد آخر ذرات تحمله وارتمى بحضنها مغشيا عليه ليكون آخر ما استمع له هو صراخها بارتياع ورهبة بالغين:.

- عااصم.

في جزء تاني ان شاء الله
الرواية ككل هيفضل اسمها مشاعر مهشمة الجزء التاني هيبقى باسم لم يكن يوما عاصما بس مش هبدأ فيه نشر دلوقتي ممكن على آخر شهر واحد بإذن الله.

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة