قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل العشرون

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل العشرون

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل العشرون

فتح أستيفان عيناه على صوت بكاء مكتوم. وشهقات متتابعه. عقد حاجبيه بضيق وهو يري جيرمي منزوي في ركن الغرفه واضعاً رأسه بين ركبتيه. ويداه تحاوطه بخوف
وقف استيفان مترنحا من أثر النوم ليجلس جواره بصمت تام مُلقيا ظهره ورأسه على الجدار. وقدماه تمتد أمامه
ويداه مترابطه في هدوء امام صدره العاري
ليهمس استيفان بعد صمت دام لدقائق...
-مالذي يُبكيك جيرمي!
رفع الصغير رأسه بأستكانه ولازالت عيناه تقطر الدمع.

-أريد أمي. انا حزين دونها كما هي ايضا
حرك استيفان رأسه إلى الصغير بنفاذ صبر.
-كل صباح ومساء تخبرني انك تريدها وأشتقت لها
وتخبرني انك حزين عليها كما هي حزينه. ألم تمل ياصغير
انتحب جيرمي أكثر من لهجته القاسيه ليهمس.
-وفي كل صباح ومساء تسألني لما ابكِ. وفي كل مره أخبرك أني أريد أمي. انا احبها ولكن لن احبك انت بعد الآن
تصلب استيفان وتملكه البرود ليقول بعصبيه وكأنه يكلم رجلٍ بعمره.

-كانت آخر كلمات والدتك العزيزه انها لا تحبني. وها انت تكرر كلماتها. وبالاساس لم أنل الحب منك ولا منها لأحزن على عدم حبكم العظيم لي
هز الصغير رأسه بأيجاب مؤيدا لحديث استيفان ليقول.
-نعم نحن لا نحبك. ولكن أن اصبحت رجل جيد كا علي
سنحبك وستكون الأقرب لقلبينا أنا وأمي
طنين عنيف طغي على أذنه. لينتبه إلى كل كلمه تفوه بها الصغير. ليقول بأختناق...
-من علي!

مسح الصغير عيناه بقوه ليمتدد قدماه كما استيفان. ويرجع خصلاته البنيه الشبيهه بأباه خلف اذنه قائلا.
-علي هو الذي امسك نبتتي بلطف. ثم وضعها في بطن أمي هنا
أعقب حديثه بأشارته على معدته المسطحه تحت ملابسه الصغيره ليتابع...
-ثم قبلها بحب ودفئ. لنبت الورود في احشاء أمي. وخرجت انا من أحد الورود. أمي اخبرتني انه هو من زرعني برحمها كما نزرع الاشجار والورود، وانه ساافر بعيدا ليجلب لي بعض الدفئ ويمد قلبي به.

ارتجف استيفان لثوان أثر كلمات الصغير. ليبتلع رمقه ببطئ وعيناه تتابع وضع الصغير يده على قلبه.
-كيف يجلب بعض الدفئ
تنهد الصغير في صبر نافذ قبل ان يقول بتقرير.
-اخبرتني امي ان بعض الأشرار جمدو قلب علي. ومنذ ان تجمد قلبه. بات لا يستطيع ان يبثني الدفئ. فحزن وقرر ان يذيب جليد قلبه ويحاول اعادة تدفئته ليدفئني
كما أدفئ أمي وهي صغيره.

اختلج قلب الأخر في محجره. واحتبست انفاسه في ثقل، ليدرك ان لوسيندا وصفت ماحدث بينهم بطريقه خياليه مع بعض الكذب. حتى ولو جملت صورته في اعين الصغير، فقد جملته تحت مُسمي علي ليقول بعصبيه.
-ماتلك الخرافات التي تقصها تلك المجنونه. لا تكتف عن اختلاق القصص والحكايات. تستحق اوسكار في التأليف
كاذبه وفاسقه وتأخذ عقلك إلى تفاهات لا جدوي منها.

دمعت أعين الصغير بخوف حقيقي. حتى جعل استيفان يستشيط غضبا ليجذبه من مرفقه في عنف مُرعب وعينان تقطران حقدا ودموع مكتومه تلتمع بها ليصرخ في الصغير المرتجف بين يداه.
-اسمع جيدا ياصغير. ان تحدثت عن تلك المرأه مره أخري ستنال العقاب الوخيم. انا الآن كل شيئ في حياتك.

انسي تلك المتشرده وحكايتها المزيفه، انا اباك وكل عالمك من الآن. لا وجود للوسيندا اللعينه. لا وجود لها في قلبي او قلبك او على الارض او في السماء. ليحرقها الله ويتطاير رمادها في الهواء، هل فهمت
حرك الصغير في عنف ليهز جيرمي رأسه بخوف وبكاء مكتوم. وهمسه يتيمه يود ان يخرجها من فمه وقلبه ولكن الخوف من ذاك الوحش أمامه كان اكبر. اكبر من همسة بكاء تقتله فحواها أريد أمي.

تركه جيرمي بحده. ليقف متجها سريعا إلى الحمام. محاولا اطفاء لهيب الكره الذي اشتعل به من جديد. وخاصه بعد هروبها منه. وضع رأسه تحت سيل ماء الصنبور وغامت عيناه بذكرياتهم القديمه. حين كان يضع رأسه الثقيل على معدتها الصغيره حين تتمدد أمامه
لتضحك من ثقلها قائله...
-علي. رأسك ستغوص وتخترق معدتي إلى عمودي الفقري من ثقلها.

كان يضحك على تشبيهها ليمرغ رأسه في بطنها بدغدغات لذيذه لتنفجر ضاحكه منها. ثم يقبل معدتها بحنان بالغ هامسا.
-لا تقلقي سأحافظ عليها لتُنبت لي الأزهار منها. صغارنا ياصغيرتي
افاق حينما اختنقت أنفاسه تحت الماء. ليغلق الصنبور سريعا وهي يسترد انفاسه المسلوبه. ليفرك عيناه التي تحرقه اثر الذكريات المؤلمه
انتبه على ظل الصغير الواقف امام الباب في خوف. ليهتف استيفان بغلظه.
-أقترب ياصغير وقُل مالديك.

اقترب الصغير منه ليمسح انفه في كم سترته ليقول.
-انا جائع اريد الطعام
مسح استيفان على خصلاته المبتله. ليقول بهدوء...
-اذا اذهب لتغير ملابسك. سنأكل في الخارج هيا اسرع
ركض الصغير إلى خزانة والده والتي باتت خزانته هو الأخر بعدما أصر باكيا على خوفه من المكوث في غرفه بمفرده
بينما وضع استيفان يده خلف رقبته محالا تخطي ذكرياته
والتركيز مع الصغير
يستند برأسه إلى ظهر المقعد وعقله سارح بملكوت آخر.

او بتلك التي تنتظر في الخارج ليسمح لها بالدخول اليه. لتتناقش مع في تصميمها الذي يريده. تنهد بصوت مكتوم وعقله يعيد ليلة أمس من جديد
بات ليلته الماضيه في أرق وتقلب على فراشٍ من شوك. يمينًا ويسارا ألا ان مل الليل من سُهده. ولازالت الأخري نائمه في الغرفه المجاوره التي اتخذتها مسكنًا في غضبها الصامت حين تجاهلها وأوي إلى فراشه دون ان يلقي عليها ولو نظره واحده.

ليسمع صوت الباب يُغلق بعنف. ثم لحظات واعقبه صوت اغلاق الباب المجاور لغرفته. انتظر ساعه او أكثر لتغفو. ثم اتجه إلى تلك الغرفه ليتأكد من وجودها بها. تنام هانئه بالفراش الناعم. ليقضي هو ليله على فراش الشوك دونها
رجع إلى غرفته والهدوء يغلفه كما العاده. ولكن حين جلس على فراشه اطلق تأوه خرج من أعماق قلبه المتعب
هو متعب من كل شيئ. متعب ووحيد ويود لو يملئ العالم صراخ حتى يبح صوته.

جال شريط ذكرياته الصامته على عيناه الشاخصه في الفراغ
منذ موت والدته التي لم يراها في حياته، فهي ماتت عقب ولادته. لترعاه جدته الحازمه. ولكن كان اللين يقطر من عيناها حين تري عيناه الدامعه بصمت. تعلق باحضانها خاصه عندما نبذه عمه احمد الصياد والد أدم. كان لا يتقبله معللا انه أبن وليد المُفضل عنه بكل شيئ
وليد الصياد اباه. العطوف الهادئ. الذي اختطفته الدنيا من بينهم على حين غره. ليصبح يتيما بحق.

حاول الخروج من شرنقة الحزن والكآبه ويلجئ لأبن عمه
ولكن كان ادم عنيف بشكل غريب، كانت عيناه تقطر شرًا وحقدا عليه. وكان والده اورثه حقده عليه وعلى اباه المتوفي. ليتقهقر بعيدا عنه. ونأي بنفسه عن الجميع
حتي سافر مع جدته إلى بلادٍ غريب اصبح وطنه
العمل والأجتهاد كان رفيقه. والكتب والمراجع كانت زوجته
اكتفي بالعلم والصمت والهدوء ليخرج جواد على هيئته تلك.

ظل عمره بعيدا عن الجميع ومنَي نفسه ان يؤنس وحدته بزوجه وأولاد كُثر. يعوضوه ألم الوحده ومرارة الفقد
حتي قابلها. وسرقت انتباهه وعقله بجمالها وحنكتها
امرأه برائحة القوه والغرور. كالقهوه تماما. مُره راائعه بكل وصفاتها وتقلباتها. كانت جميله بحق. ولكن تفتقد للروح والحياه. امرأه تؤمن بالعمل والعلاقه الزوجيه المثاليه
امرأه لا تقبل سوي بالمثالي. لذا اختارته واجادت التصويب كعادتها.

رغم انه لم يكن منيع ضد الحب، ولكنها كانت كالنسمات البارده تُثلج صدره ولا تدفئه، لم تساعده على الشعور بها رغم انوثتها وجمالها الزجاجي. كانت واجهه اجتماعيه. وشريكه مثاليه فقط لم تكن كالحبيبه او الزوجه التي تخمد شغفه المكبوت. تمني الشعور والتعايش. او الرضا بالأمر الواقع.

ولكن فشل وعجز عن تغير شعوره فاتمرد، والتمرد من طباع ادم منذ الخليقه. لذا لم يتردد وتمرد عليها. تمرد على جمالها الرائع وغرورها الكبير. تمرد على هدوئه ومسايرته لها
تمرد على رغبتها في عدم أنجاب دوائه
حاول تركها والأنفصال. ولكن هي الخاسره الوحيده. يشعر ان تركه لها سيحطمها. وهو يرفض ان تُحطم امرأه كامريم.

وخشي هو الآخر. خشي ان يغمض عيناه ويفتحها ليجدها بعيده عنه كل البعد. خشي العيش دون برودتها وقلبها المُثلج كابشرتها
تنهد بتعب والقي رأسه على الوساده محاولا جذب النوم لعيناه المتعبه الساهده. ولكن لا أمل من جذب النوم أو ابعاد مريم من نصب عيناه...
أفاق على دخول مساعدته الجديده لويزا التي هتفت بعمليه.
-السيده مريم طالبت بتعجيل مقابلتك لها سيد چواد. اتسمح بوجودها. لقد اتصلت لأُبلغك ولكن لم تنتبه.

ثم اشارت بعيناها إلى الهاتف الذي يوصلها به. ليحرك جواد رأسه بأيجاب قائلا.
-ادخيلها لويزا
خرجت لويزا الشقراء اليها تنبأها عن موافقة رئيسها على مقابلتها. لتكظم مريم غيظها بشده. وتسير متجهه إلى مكتبه تحاول حجب ضيقها عنه
دلفت اليه لتجده ساهم في سقف مكتبه، وهالة من الصمت تلفه عن ما حوله.

جلست أمامه ولازالت صامته لم تتفوه بحرف واحد. والغضب والحزن وكرامتها المعطوبه يضيقون عليها الخناق أكثر وأكثر. والشفيع الوحيد له. حبها المكبوت له
كامجموعة مشاعر سلبيه تجمعو عليها ليعنفوها. ليقف الحب حائل بينها وبينهم. مردفا انه السبب الوحيد في صمتها
افاقت من تشبيهها المجنون على صوته. وصوت قلمه الذي طرق على المكتب بأنتظام ليلفت نظرها. لتقول بهدوء.
-ايوا معاك ياجواد
تنحنح وهو يعقد كفيه معا ليقول بجديه...

-انا هنا أستاذ جواد. وانتي باشمهندسه مريم
الألقاب في الشغل. ورفعها في البيت
تجمعت مشاعرها السلبيه من جديد لتقضم شفتيها بأنفعال وتعقد يدها امام صدرها في حركه دفاعيه. هاتفه بتهور على غير عادتها.
-في الشغل او في البيت. كله شبه بعضه
عقد حاجبيه. وقد توقع صمتها المغتر وبدأها في الحديث عن العمل. ليجدها تماطل في اللقب!
لم يرد على كلماتها المتهوره. ليقول في هدوئه المعتاد.
-أظن نبدأ شغلنا إلى انتي جايه عشانه.

اولا انتي هتجددي كل ديكورات المكاتب. تتجدد تماما. غير ان بعد ما تجدديها هنبدأ في رسم ديكور مصنع الألبان إلى اشتريته شراكه مع ادم
ودا ليه حساب لوحده. ونمضي عقده بعد ماتخلصي تجديد المكاتب
حركت رأسها بأيجاب ليتابع قبل ان تتفوه بحرف.

-ليكي مكتب خاص بيكي لحين الأنتهاء من تجديد الديكور الحالي. وهيبقا مفروض عليكي تيجي يوميا وتبدأي شغل ياباشمهندسه مريم. قدامك شهرين بس عشان التجديدات تخلص. ومفيش اي مجال للتأخير. أظن مفهوم
انعقد لسانها امام جديته. وهي تري شخص آخر غير جواد زوجها الهادئ المبتسم. رجل قد أخذ العبوس سبيله بين حاجبيه. رجل قد تجمدت دفاعاته في وجهها كي لا تؤثر به من جديد
اردفت في مرح جديد على شخصيتها غير مقصود او بمحله...

-شكلك عايز تقعدني في البيت من دلوقتي. وتبنيت حكاية مكتبي واجب وبس
-مكدبش عليكي فعلا عايزك تقعدي في البيت. ودعمي ليكي دا من واجباتي بس. انما لو هتسألينب انا عايز ايه يبقا جوابي مش هيعجبك
فتحت عيناها بدهشه وهي تري ملامحه الجاده التي تؤكد عدم مزاحه في كلماته السابقه، لتقول بحذر.
-اول مره أعرف انك مش عايزني أشتغل ياجواد!
حرك نظارته الطبيه بين حاجبيه قائلا بسخريه وأندفاع وتفكير أمس ينخر عقله دون توقف.

-وانتي من امتا عارفه انا عايز ايه يامريم
انتي وقتك لشغلك ولمشاريعك ولوالدتك ولماما. مليش منك غير الليل وبس. انما انا، هو انتي فاضيه ليا او للخلفه!
شهقت بصوت مسموع وهي تلتقط كلماته القاصده بجرحها
رفعت عيناها اليه والدموع متجمده بها
كاتجمد قلبه الحجري عن رؤياها. لتقول بصوت ناعم ولكنه منفعل.
-أنا مش فاهمه ليه موقفك دا، أحنا كنا كويسين قبل ماننزل مصر عند أبن عمك. ايه الجديد في حياتنا ياجواد!

ترك جواد قلمه وخلع نظارته الطبيه. ولازالت ملامحه هادئه كاعادته. ورزانته التي لا يفقدها تحت اي ظرف.
-موقف! أنتي شايفه حياتنا موقف
لو أنتي شايفها كدا يامريم أنا مش شايفها كدا
أنا راجل من حقي أشوف مراتي بالصوره إلى أنا عايزها
مش بصوره نازلي هانم، ولا أنستازيا هانم والدتك رسمينهولك
أندفعت السخونه إلى أوردتها لتقول بأندفاع غاضب. ويدها ترتفع في الهواء مع كلماتها الزاجره.

-وانتا عايزني بأنهي صوره. المسكينه الضعيفه زي مرات أبن عمك العزيز. ولا عايزني البس تلحه على دماغي. وأحط تحت رجلك ال
أل، أل
ليكمل لها وهو يربع يداه إلى صدره هادئا...
-الطشت. وأسمها طرحه مش تلحه
صرخت بأيجاب وهي تعيد الكلمه.
-أحط التشت تحت رجليك وأقولك. نعم ياسي سعيد
حاضر ياسي سعيد
أعاد تكرير كلمتها بشكل صحيح ولازال يتمتع بهدوئه.
-سي السيد.

طرقت مكتبه بحده ووجهها يتحول للأحمر من شدة أنفعالها وعدم قدرتها على أيجاد الكلمات الصحيحه
ولكن مع ميلها على مكتبه. سمحت لعيناه برؤية صدرها من القميص الأبيض الناعم الذي لائم بشرتها البيضاء
ليهمس في نفسه.
هل تميل هكذا أمام العُملاء ويرو صدر زوجته!
أفاق على صوتها الغاضب والمتعلثم. وخاصه عند نطقها للحروف الثقيله في اللغه العربيه
-ايوا سي السيد. أنا مش كدا
أنا مريم. ست وليا حقوقي في المجتمع.

مش هتنازل عن شُغلي عشانك أو عشان أي حد
نازلي هانم ومامي حذروني من عقليتكم الراجعيه. عشان أبن عمك المكعبل دا شاكت مراته عايز تشكتي
تأفأف بضيق وهو يعيد كلماتها البعيده عن المعني الصحيح. صارخا بحده.
-المكلكع. شاكم. وأشكمك...
وشكلك فعلا عايزه تتشكمي يامريم. صوتك يوطي وأنتي بتكلميني. وأطلعي برا ولينا كلام في البيت
علي مكتبك يامدام. ولينا كلام على لبسك إلى يليق لملهي ليلي مش لشركه ولا لست محترمه.

فتحت عيناها على مصراعيها وهي تسمع كلماته الحاده
أهذا جواد الصياد. الرجل الهادئ المتفتح الذي تزوجته منذ عامان. الرجل الرزين الحكيم. الذي لطالما مجدت فيه نازلي أنه مختلف عن رجال العائله وخاصه عن أدم الصياد
بالطبع ليس جواد هذا، وتأمل انه في نوبة أنفعال عابره
ليوفيقها صوته الصارخ وهو يضرب على مكتبه...
-برا يامدام مريم. أتفضلي على شغلك.

انتفضت من نومتها جواره على يده التي حاوطت يدها بوهن. ونظراته المستكينه التي ذبحتها ذبحا. لتهمس بأصطراب.
-انتا كويس. أنادي الدكتور!
نظر حوله في استيعاب. وقد ادرك وجوده في المشفي بعدما سقط فجأه عندما رأها واطمئن قلبه أخيرا. ليهمس بريق جاف.
-عطشان
تحركت سريعا تجذب قاروره ماء صغيره من الخزانه الصغيره جوار الفراش. نزعت غطائها ومدت يدها بها اليه.

بدلا من ان يمسكها منها، امسك يدها بالزجاجه وقربها من فمه. ليتجرع الماء في بطئ وهن. ولازالت يده تحاوط يدها الممسكه بالقاروره
ارتجفت وزاد الدمع بعيناها وهي تري سكونه الغريب. لتجلس امامه بعد أن انهي تجرع الماء.
-حاسس بأيه قولي. لسه تعبان
نظر لعيناها التي تذرف الدمع متتابع ليقول بصوت اجش.
-متعيطيش ياشهد. انا كويس الحمدلله. دوخت بس من قلة النوم وبقيت كويس اهو.

زاد نحيبها وهي تضع يدها على وجهها مطلقه العنان لشهقاتها
العاليه. وكأنها فقدت عزيز لن تراه امدًا
طالعها بعين دهشه. أكل هذا الأنهيار من أجل اغماء بسيط
ليقول وهو يحاول الأعتدال في الفراش. وقد اوجعه رأسه حينما رفعه...
-شهد كفايه عياط. دا لو بتعيطي عليا
انما لو بتعيطي مني فا دا مش من حقك
انزلت يدها من على وجهها بنظرات لائمه وقد تذكرت ماحدث بينهم سابقا. لتقول وهي تمسح دمعاتها...

-انا مبعيطش. انتا بقالك ليله في المستشفي. ارتاح على مااروح اجيبلك هدوم نضيفه واجهزلك أكل
كادت ان تذهب ليمسك يدها هاتفا بعذاب وعينان ترجو العفو.
-شهد. خليكي معايا. انا ماصدقت عرفتلك طريق
دماغي وجعاني وجسمي مهدود. مش هرتاح الا جنبك.

نظرت له وكادت تميل وقلبها يلين. كادت تقفز جواره في الفراش الصغير وتحاوطه وتحميه من كل العالم وتخفيه بين ثناياها. اردت ان تعانقه سبعين عاما بحجم السموات السبع والارض السبع وايامها العجاف. ودت لو تصرخ وتربت على كتفه تدعي الله ان يصيبها مابه ليرتاح هو
ولكن عذابها الماضي وقف حائلا بينهم. على قدر خوفها عليه خاصه بعد مرضه. ولكن قد اصبح قلبها اشد من ذي قبل. اصبحت تلين ولكن تحارب لينها كي لا تضعف من جديد.

مسحت دموعها بهدوء قائله بعيون جامده.
-مش انا دواك ياغيث زي ماانتا فاهم، دواك مع ريحة الحبايب إلى راحو. ولو انا دواك فا انتا تعبي
جحظت عيناها على ردة فعلها الهادئه وخلجات وجهها التي لم تتأثر لو لثوان. لم تتأثر برجائه المتعب. ولا شوقه المضني. ألم تعد تحبه او تعشقه كما كانت تتغني ليل ونهار!
كادت تخرج من الغرفه ليهتف بجمود وقد لاح الضعف والكبرياء على وجهه في آن واحد.

-انتي كرهتيني وبتتمني موتي فعلا ياشهد!
اندفعت الدموع لعيناها وعجزت عن التعبير. عجزت عن النفي او الأيجاب. كلما استطاعت ان تهديه اياه هي الدموع فقط، مع نظره عاتبه مجروحه. جعلته يلقي برأسه على وسادته من جديد، وقد ظن انه تلقي أجابته
لتهرول هي مغلقه الباب خلفها مطلقه دمعاتها أكثر. بينما اطلق هو تأوه متعب من كل شيئ. وفي تلك اللحظه لا يتمني شيئ غير ان يغمض عيناه ولا يفتحهما من جديد.

ولأول مره منذ سنوات طويله. يتمني الموت الف مره ولا يجد اللوم والعتب بعيناها
وعقله يردد بأصرار. اما تمني الموت في بعادها
او سير طريق قلبها الذي طالت مسافته والحياه معها
اما بها او لا...
غاص في أحلامه من جديد. والتي كانت طوق نجاه له ولمشاعره المرهقه.

زرات احلامه مع دموعها السخيه تعانقه وتحاوطه برقه وبكاء. تقرأ عليه القرآن بصوت اثر بكائها. وبين كل دمعه وأخري تطبع قبله رقيقخ على جبينه ويدها تسرح على صدره بحنان بالغ
تحقق أمنيته التي طالبها بها في صحوه، ليحققها حلمه تحت اشعار أخر ينتظر تحقيق مااراده على ارض الواقع. في صحوه. ومابعد الصبر الا الفرج الكبير...
اما حان وقت سكوننا ياسكينتي وسُكناي ومسكني وسكوني وسكوتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة