قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل الثامن

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل الثامن

رواية مشاعر قاسية للكاتبة وسام أسامة الفصل الثامن

استفاقت لوسيندا. على ضوء الشمس المنبعث من شرفة في أحد الغرف. التي بكل تأكيد لم تدخلها من قبل
شعرت برأسها يصدع بألم عنيف. أثر نوم طويل على مايبدو
تأوهت بوجع هامسه...
-أين أنا؟
حاولت التوازن والوقوف من الفراش الدافئ بصعوبه. حتى أستقامت أخيرا. ولكن لفت نظرها المأزر القطن التي ترتديه!
آخر ما تتذكره أنها كانت في العمل، ولاحت على ذاكرتها مشهد أستيفان وهو يقبل تلك العامله. ناظرا اياها بتحدِ.

أتجهت إلى باب الغرفه بخطوات سريعه. لتفتحه وتقف في ردهه طويله نسبيا. وعدة ابواب على كلا الجانبين
اتجهت لآخر الممر بخطوات مرتعشه. وقلبها ينبض بفزع
وعقله يحاول التذكر اين هيا. واين ذهبت؟
حتي وصلت إلى غرفة جلوس كبيره وعصريه
وصوره معلقه على الجدار أكدت لها أين هي. هي في عقر دار أكثر شخص يكرهها بالعالم. في دار استيفان.

صورته الكبيره جوار شخص تعرفه حق المعرفه. يتعانقان بصبيانيه واخوه. وأبتسامه أستيفان الواسعه تملئ وجهه
جوار الشاب الآخر. علي
شهقت بفزع وهي تشعر به يقف خلفها. أنفاسه العاليه أخبرتها بذالك، ألتفتت ببطئ والخوف يكتسح ملامحها الجميله. لتقول بصوت مرتجف.
-ماذا جاء بي هنا أستيفان!

ملامحه الواجمه. لم تهتز أو تبدي أي أنفعال. وكأنه صنم صُنع من الصخر. ولكن عيناه الغاضبه أوضحت حقدا عميقت يكنه في قلبه. حقدا يغلي ويزيد كلما رأها
ليرد بنبره ساخره دون ان ترتسم السخريه على وجهه...
-وأنا الذي ظننت أنكِ تعمدتي الأغماء لأخذك إلى فراشي!
اسودت ملامحها بغضب مكبوت. لتتحرك بعيدا عنه. تبحث عن ملابسها بأسرع وقت ممكن هامسه بدموع.
-أيها الحقير هل لامستني!
لمحت أمرات الأشمئزاز على وجهه قائلا.

-مع الأسف وندمت على تدنيس جسدي بجسدك
تصلبت في محلها. وجسدها كله توهمت أنه الآن يؤلمها. يحرقها. وينصهر جلدها بعذاب. لتقول بصوت مرتعش...
-لا أستيفان. لا لم تمسسني من جديد
ضحك متفكها وهو يعقد ذراعيه أمامه.
-اوووه. هذه أول مره أسمع بها هذا الرد المختلف من عاهره متمكنه مثلك لوسي الجميله، حبيبتي الجميله التي لم تبخل بجسدها على أي شخص في المدينه. حزينه انني لامستها
زادت عصبيه لوسيندا. لتصرخ بغضب...

-كفااك كفااك. أكتفيت منك ومن كلماتك المنافقه ياكاذب
جسدي لم يمسسه سوا حقير بغيض، بل أحقر وأسوء رجل بالعالم ياكاذب
تمتم أستيفان بمثل عربي. جعل دموعها تنهمر أكثر.
-كلًا يري الناس بعين حاله يااااا. لوسي
اندفع الأدرنالين في جسدها بقوه. لتلتفت حولها بجنون وقد أنقشعت أي ذره تعقل بها. لتمسك بقطعه زينه حديديه. وتلقيها على رأسه حين غره صارخه ببكاء...
-الي الجحيم ايها المنافق.

أصدمت قعطة الحديد برأسها مباشره. ليسيل خط دماء رفيع بين عيناها. لتنفجر بعدها عدة خطوت من الدماء. تظهر مدي الأصابه
لم يبدي أنفعال سوي أغماضه لعيناه بألم واضح. ليضع كفه على الاصابه سريعا
ليضحك رغم هيئته المزريه. قائلا.
-لوسيندا. ياأمرأه. ألا تكفيكِ الأصابات العويصه التي خلفتها في الماضي. وتصرين على وضع أخري جديده، يالكِ من قاسيه. خائنه، متشرده.

تأوهت بخوف من دمائه المنثوره على وجهها وقبه قميصه. لتقترب منه قائله...
-ياأللهي لم أقصد ايذائك لتلك الدرجه
أبتعد خطوه عنها قائلا بقسوه.
-أنتي كارثه تعيش على ألأرض. كم أكرهك لوسيندا. كم أتمني لو كانت تلك دماء موتك. أتمني لو قُطعت أطرافك وتعيشين أياما معدوده بعذاب ثم ترحلين لعذاب الملائكه.

بُهتت وهي تسمع كلماته القاسيه. لتبتعد عنه. وخطوط الدموع تسيل من عيناها. اتجهت إلى باب المنزل الذي رأته خلف أستيفان وحاولت فتحه. ولكنه موصد جيدا
لتقول بصوت مرتعش.
-دعني أذهب
ألتفت لها قائلا بسخريه.
-ابدا يالوسي. ستظلين محتجزه هنا إلى أن أشاء
لن أتركك سوا وروحك تفتقر إلى الحياه كما فعلتي بعلي
وكما جعلتني
هتفت بفزع صارخه. وهي تحاول فتح الباب وهي تصرخ...
-لا. لا. أحتاج مساعده. أنقذوني. استيفان أخرجني.

ضحك أستيفان وهو ينظر للدماء على كفه. واتجه إلى أحد الغرف قائلا...
-أصرخي قدرما تشائين عزيزتي، المنزل محاط بعازل صوت. اريدك أن تكسري الجدران من شده صراخك
اقفل باب غرفته بعنف. تاركا أياها تحاول فتح الباب باكيه. وعقلها منشغل بطفلها. التي لم تطمئن عليه الا الآن
ولم تجلبه كن صديقتها تيفاني
لتسقط امام الباب وقد بح صوتها من الصراخ هامسه.
-أخرجني أستيفان. اريد طفلي
وضعت رغيده يدها على قلبها قائله بقلق.

-مي. انا خايفه على مياده اوي، أختك مش عاقله
وبعد حادثتها دي مبقتش مطمنه عليها
تركت مي هاتفها وأنتبهت إلى حديث والدتها لتقول.
-مش مطمنه من ساعة الحادثه. ولا من الكلام إلى قالته زميلتها أنها كانت واقفه مع واحد ساعة الحادثه
تأفأفت رغيده وهي تواجه أبنتها صاحبة التاسعه عشر عاما. والتي تصغر مياده بثلاثة اعوام...
-انا واثقه في أختك يامي. لكن مش واثقه في الزمن.

أختك خيالها واسع وبيشطح بيها بعيد جدا. خايفه من تصرفاتها
ربتت مي على كتف والدتها قائله بحنان.
-ليه بس ياماما. مياده عاقله ومثقفه. مش ممكن يتضحك عليها بكلمتين اطلاقا. دا ممكن حد من زمايلها. والحادثه كانت قضاء وقدر. وقامت منها وبقت زي الفل
شايله همها ليه
نزعت والدتها كفها لتقول بحده.
-وقلقانه عليكي. هتفضلي منشفه دماغك على البيه إلى عنده عيل
تخضب وجهها خجلا لتقول بضيق.

-ماله طارق بس ياماما. ماهو كويس ومحترم. وعارفينه من زمان ايه المشكله لما يكون أبنه أبني. وبعدين أنا لسه مقولتش قراري
مصمصت رغيده شفتيها بقهر قائله.
-بمدافتك عنه دي ولسه مقولتيش رأيك!
عايزه أبوكي يشمت فيا بجوازتك يامي. عايزه الناس تقول معيوبه عشان خدت مطلق ومعاه ولد. وقال ايه كأنه ابنك
طفله هتربي طفل ياناس
التزمت مي بالرد المؤدب لتقول.
-مليش دعوه بالناس ياماما. وبابا انا كلمته في الموضوع دا.

وقالي أعملي إلى يريحك
-طبعا لازم يقولك كدا. ماهو راميكم ولا بيزوركم ولا بيصرف عليكم قرش واحد. الا ماشوفناه جاي في مره بيقول عاملين ايه يابناتي
ربتت مي من جديد على كتف والدتها لتقول بصبر.
-انا عملت الصح ياماما وبلغته. والمفروض هدي رأيي لطارق بكره. وأيا كان قراري ياماما أتمني تدعميني فيه.

ثم تركتها وأتجهت حيث غرفتها الدافئه. كما يطلق عليها أفراد المنزل. وهي بالفعل أحب الغرف إلى قلبها. وخاصه عندما تزيح الستار. وتقابلها شرفه الذي يشغل عقلها
ومن غيره طارق وجدان. أفضل طبيب أسنان في منطقتهم
وجارهم لسنوات لم تعد تحصيها. كبرت وهي أمامه. ببنما كانت هي طفله. كان هو شاب في الثانويه. وبينما كانت هي في الاعداديه. كان هو شاب جامعي وسيم.

يحظي من كل جانب بالمُعجبات. كانت تتابعه بصمت. وتحبه بصمت. إلى أن تزوج في سنتها الثانيه قي الثانويه. تألمت بصمت ايضا
حبيب الصغر وجارها الوسيم قد تزوج بزميلته في الجامعه عقب تخرجهم، كانت فاجعه لروحها الهادئه. وخاصه حين بعث دعوه خاصه لأسرتها الصغيره
وبالطبع ذهبو.

رأته في حلة العرس وهو يراقص حبيبته. رأته حين حملها ودار بها بسعاده بالغه. رأته حين رحل لعش الزوجيه. وذهبت هي لغرفتها الدافئه تبكي ألم حب من طرفٍ واحد
توالت السنوات الثلاث الأخيره وهي تحاول التكيف مع الوضع الجديد. ورحيل جارها الوسيم. دخلت كلية طب الأسنان كما جارها الوسيم، وحاولت نسيانه بالدراسه والعلم.

حتي فاجأها منذ ايام أنه أنفصل عن زوجته عقب زواجهم بعام واحد فقط وقد أثمر زواجه عن طفل جميل يشبهه وقد تولي حضانته. لأسباب غير معروفه. والعامان الأخران. كان يمكث بشقته في حي الزمالك. حتى شعر بالوحده. ليعود ويمكث مع والدته وشقيقته. وأبنه الصغير سُليمان. المسمي على أسم والده
راحت ذاكرتها إلى ذالك اليوم التي رأته مصادفه في المركز التجاري. ليقف أمامها بأبتسامه لطيفه قائلا.
-أزيك يامي أخبارك ايه.

تشنج جسدها خجلا لتقول بأرتباك.
-الحمدلله يادكتور طارق انتا عامل ايه
وما كادت تتم كلماتها حتى رأت طفله الصغير جالس في عربة التسوق. مُنشغل في تناول رقائق البطاطس المملحه
لتقترب منه بحنان قائله.
-الله، دا سُليمان. ماشاء الله
عبس الصغير وكاد يبكي حتى أخذه طارق سريعا معتذرا.
-معلش يامي. أصله بيخاف من الأغراب
تخضبت وجنتيها بحرج. ليتابع...
-دخلتي كليه ايه صحيح. أخر مره شوفتك كنتي في ثانوي.

توترت أكثر وهي تدخل خصلاتها الواهيه داخل حجابها.
-اممم دخلت طب أسنان
اتسعت أبتسامته ليقول.
-أختيار ممتاز. بالتوفيق ياميوش
اضطرب قلبها من اسمها التحبيبي منه. ليقول. وهو يبدأ السير بعربة التسوق.
-ومياده عامله ايه. وطنط. مبقتوش بتجولنا ليه!
كانت أسئلته كثيره. اجبرتها ان تسير جواره قائله...
-الحمدلله تمام، مياده مشغوله بكليتها وماما في الشغل وانا بردو في كليتي. فا مفيش وقت نزوركم.

همهم بأيجاب ليقول وهو يأخذ احد المعلبات...
-اممم. على كدا مش هتيجو خطوبة رنا!
أسرعت بالقول.
-لا طبعا دي تموتني. هكون معاها من الصبح أكيد
ضحك طارق بخفوت. ولأول مره منذ سنوات ينخرطا بالحديث الطوبل أثناء التسوق. ليبدي أنبهاره بعقل الطفله التي كبرت سريعا من وجهه نظره
أفاقت من شرودها على صوت هاتفها الذي صدح برنين مُلح. لتجيب فورا قائله.
-ايوه يارنا
أجاب صوت آخر بعيدا كل البُعد عن صوت صديقتها...
-أنا طارق يامي.

أرتجف قلبها وهي تبعد الهاتف
وتتأكد من هوية المتصل. لتجد رقم صديقتها
اجابت بحذر وصوت خجل.
-اهلا يادكتور طارق
-برن عليكي كتير. مبترديش. ولما رنيت من تليفون رنا رديتي!
اجابت بعد صمت لحظات.
-معلش مأخدتش بالي من الموبيل غير دلوقتي
همهم بأيجاب وصوت شعرت انه يبتسم من خلاله.
-ولا يهمك انا مرنيتش اصلا. بس صاحبتك حبت تعمل فيكي فصل. خديها اهي
سمعت ضحكة رنا جواره لتجيب رنا...

-ياخيبتك من دلوقتي بتقولي معلش. وشامه ريحة نحنحه
تجهمت ملامحها لتقول بتوعد.
-ماشي يارنا انتي واخوكي والله لما اشوفك هع.
قاطعتها رنا بخبث قائله.
-فاتحه الأسبيكر ياروح الروح. ها كملي
سمعت ضحكات طارق جوارها. لتصمت وتسمعه فقط
رغم أنها تعلم انه لايزال يحادث ناردين. الا انه احترمها بالفعل وصار لا يذكرها او يذكر ملك حتي.

يكفيها ذالك لن تطمع بكل تأكيد، كل ما تحتاجه هو أختفاء الأثنتين من حياتها. لتعيش بسلام مع زوجها
حتي وصلتها لتلك الرسائل الخبيثه. التي تحوي صورتان طعنو قلبها طعنا. قضو على كل صبرها في الماضي
الصورتان بهما غيث يضم ناردين. في مكتبه على مايبدو.

واحده كان وجه ناردين موضوع في تجويفة عنقه. ولأخري كانت تحاوطه ووجنتها على صدره. وهو في الصورتان يحاوطها. وعلامات التأثر على وجهه، ارتجفت يداها وهي تبعث رساله للمرسل
-انت مين!
زوجها يخونها. غيث يخونها مع شبيهة ملك!
لم يخونها بمفردها. بل خان ملك هي الأخري. وخان اولادهم
أغمضت عيناها بألم واضح.
وتباعدت عن غيث تماما. يوم وأثنان وثلاث. تحت أنظاره المتعجبه. واسألته الكثيره التي تقابلها هي بالصمت.

وحين يعلو هاتفه بتلك النغمه التي ميزها خاصه لناردين. كانت تنظر له بصمت وعتاب مؤلم
حتي بات يشعر بشكوكها حوله وحول ناردين وحين سألها بعصبيه.
-في ايه ياشهد فهميني ايه إلى بيحصل بينا. انا مبقتش فاهمك
طالعته بصمت ودموع. لتخرج له الصور وتريها اياه ولازالت صامته لا تتحدث. لينفعل هو بعنف قائلا...
-الموضوع مش كدا. انتي فاهمه غلط ياشهد. ناردين كانت جيالي وكانت بتعيط وكنت
قاطعته قائله بعينان دامعه...

-قولتلك حط حدود. لكن انتا مُصر تثبتلي أني ولا حاجه ياغيث
وأن اي حاجه تخص ملك هتفضل بينا
ثم تركته ودلفت لغرفة مالك تاركه اياه يطالع أثرها بصدمه
انها ترجمت مغزي الصوؤ كما يدور في عقلها. انه يخونها
ليتجاهل التبرير. وتتجاهل هي القضيه بصمت.

ورغم ذالك لم يبتعد عن الاخري ولاوال يحادثها ويقابلها متي شائت. حتى بات بشكل فعلي ينجذب لها، وكأن تلك الصوره أوضحت له شيئ او عبست بمكانه ناردين في قلبه لا يعلم. ولكن ذكائها وقوتها يجذبانه
وقلب الأخري يشعر بذالك
واقفه أمام القهوه التي تنضج ببطئ على خيوط النار الهادئه
وعقلها شارد تماما. شارد عن الصراخ المرح لأبنتها ملك
عن صوت التلفاز بأحد أغاني الأطفال الذي يكاد يصل للجيران بمنتهي الوضوح.

شارده عن خفقاتها المضطربه وخوفها المريب من تغير غيث. زوجها وحبيبها الوحيد. الذي أطفئ لهيب عذابها وأوقد شموع الحب في قلبها الصغير
أضاء مصباح الأمل في حياتها
ولكن تشعر أن هذا المصباح بدأ يخفت نور. ويضمحل
أين مشاعرهم القويه!
أين شغفه الدائم بها ولها!
ماذا حدث!
همست بهذا التساؤل في عقلها ثم أغمضت عينها بحزن
غيث يبتعد عنها ببطئ مريب. يجعل الخوف يدب قلبها بقسوه. قسوة عدو يبتسم نصرا لرجوعه إلى أرض المعركه.

فتحت عيناها بفزع وهي تسمع فوران القهوه
لتطفئ النار سريعا. والدموع تندفع لعيناها
ها قد فسد كوب قهوتها. كما فسدت أيضا دُميه مالك الصغير أثر شراسه ملك
لتخرج من المطبخ بغضب هادر صارخه بوجه الطفلين الباكيين من كثرة المشاجر.
-بس بقا أسكتو كل واحد على أوضته بدل ما هبدأ العقاب
كفااايه أنا تعبت
ثم أنهارت على الأريكه تبكي بحرقه أمام الطفلين. توقفوا عن البكاء وهم يتابعو أنهيار والدتهم الحنونه بعدم فهم.

كانت تبكي بصوت مرتفع أفزع الطفلين
لينكمشو على أحد المقاعد يتابعو والدتهم بصمت
دقائق ودلف غيث منزله وهو يسمع صوت بكاء
أقترب بقلق من غرفة الجلوس. ليجد شهد تضع رأسها بين ركبتيها ويداها تحاوط قدمها. وبكائها الرهيب. جعل من طفليه يحدقون بها بعدم فهم
حالما رأوه الطفلين وقفو سريعا وأمسكو بقدماه قائلين بسعاده مخالفه لحالهم منذ ثوان...
-بابا جه بابا جه
رفعت شهد وجهها سريعا وهي تكتم شهقاتها الباكيه.

تمسح عيناها سريعا وهي تنظر لنظراته القلقه
لتهمس ملك بصوت منخفض.
-بابا شهد بتعيط. وزعقتلنا
قبل غيث خصلاتها ورأس الصغير قائلا.
-علي أوضتكم لحد ما أشوف ماما مالها
ثوان وأختفو الطفلين راكضين. فكلمة غيث سيف. يفعلو ما يؤمرون بعكس شهد التي تطلب وتتحدث أربع وعشرون ساعه دون أجابه منهم
هكذا همست شهد لنفسها بأمتعاض. ليقترب منها غيث جالسا جوارها بصمت. وهو يشبك أصابعه ببعضهم. ليقول بصوت متردد.
-أنتي كويسه!

أبعدت طرفها عنه وهي تحبس باقي دمعاتها المكتومه
هو يعلم أنها ليست بخير
ويعلم معرفتها بما يفعله خلف ظهرها
تعلم بجرحه الغائر الذي بدأ بنسجه في قلبها
كاد أن يتحدث لتقول شهد بصوت مرهق باكِ.
-سافر ياغيث. سافر وسيبلي مساحه أكون كويسه
أو خليني أروح بيت عمو عبدالرحمن. الولاد وحشوهم جدتهم وجدهم.

جعد حاجبيه بقلق يتضاعف داخله. وخوف، خوف شرير يقتحمه من كلماتها الباكيه. خوف من صمتها ودمعاتها التي تلومه به من ما يقارب ثلاثين يوماً
وخوف أكبر من أعتقادها أن البُعد سيريحها
أمسك كفها ليقول بصوت حاول أخراجه واثق.
-شهد مش محتاجين نبعد عشان تت.
قاطعته برفض وهي تسحب كفها من يده. رافضه المواجهه
تحاول تأجيل الفراق الذي بدأ غيث بكتابته على علاقتهم المثاليه...
-لا محتاجين ياغيث. أنا محتاجه أنفرد بنفسي شويه.

قوة تحملي بدأت تنهار. ولو أنهارت علاقتنا هتنتهي
أنفعل غيث من كلماتها الحاسمه ليمسك مرفقها بحده قائلا.
-ماتحكميش عليا من اوهام زرعتيها في دماغك
مفيش الكلام دا. وبلاش تعرضي حياتنا لتأثيراات أوهام أنتي عايشاها ياشهد
لا أنا هسافر ولا أنتي هتروحي لأهلي
ودلوقتي حالا هتتكلمي وتقولي أيه إلى في دماغك
ووصلتي لفين بخيالك عشان تقرري تبعدي
نزعت يدها بقوه وهي تقف لتهرب من أمامه باكيه.

-مش عايزه أتكلم. مش عايزه حاجه غير أني أبعد عنك اليومين دول. مفيش حاجه ياغيث أنا.
قاطعها وهو يقف أمامها بغضب لم تراه قبلا سوي مرة واحده عندما أمسكت بصور زوجته الراحله.
-بطلي بقا تكوني جبانه وتهربي. واجهيني وقوليلي عرفتي ايه خلاكي كدا. أنطقي
أزدادت دموعها وغضبها هي الأخري لتدفع صدره بجنون.
-أسكت أسكت. مش عايزه أسمعك ولا عايزه أتكلم
الجبانه دي لولا هروبها من حجات كتير كان زمانها ماتت من زمان.

التفتت لتغادر ولكن أحكم قبضته على مرفقها لتتألم تعابير وجهها أكثر من ألم قلبها ليقول بصوت مرتفع فقد التحكم فيه...
-انتي فعلا جبانه. واحده بتهرب وبس
واحده مش عارفه تقف وتدافع عن حياتها وبيتها
مربطه ايديها وعجبها دور المظلومه إلى الدنيا جايه عليها
فتحت عيناها بصدمه لتهمس بألم.
-أنا بعيش في دور المظلومه ياغيث. أنا!
زاد جنونه من نبرتها المتألمه ليزيد من قسوة كلماته.

-أه أنتي عجبط تكوني الضحيه. ألي أغتصبت ورمتها عمتها وسابها إلى كان بيحبها وفي الأخر جوزها بيخونها
عجبك ان تكوني قدام نفسك غلبانه ومنكسره صح
بهتت ملامحها. وأنطفئ لمعان عيناها بالدموع
او أنطفئت روحها. هكذا شعر بعد كلماته المندفعه
همست بضياع وهي تخفض عيناها لكفها المرتعش.
والصمت يلفهم بكآبه
لم تجادله أو تدير دفة الهجوم عليه
بل كاعادتها سحبت نفسها وأتجهت ألي غرفة الصغير زيد.

كما أعتادت في كل جرح تتلقاه. تأخذ روحها المهشمه بصمت وتدوايها بمفردها. دون أن تتلفظ بكلمه واحده
وقف غيث محله يعض على أصابعه ندماً
شهد لن تنسي كلماته. ولن تغفرها أبدا
كيف لفظ تلك الكلمات القاسيه. لما جرحها بهذا الشكل
نظر إلى أثرها والغيظ والندم والغضب يجتمعان في شعور واحد. شعور جعله ينظر إلى شاشة هاتفه الذي يصدح برنين خاص. رنين جعل قلب الجالسه في غرفة صغيرها ينتفض بقهر.

وجعل الأخر يلقي بهاتفه بطول يده في عرض الحائط وهو يزأر بغضب هادر.
وكأنه ينتقم من المتصل في هاتفه
وعقله بدأ يشك في هوية راسل تلك الصور.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة