رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الخامس
قد يكون النوم هو الملاذ الوحيد من هذا العالم، مجتمع مُتحيز للرجال عن النساء، بإعتقادهم أن الأنثي ليس لديها الحق بإبداء رأيها، ووالدها كان من تلك العقلية الرجعية، ل طالما كان يُريد من والدتها أن تُنجب له ذكورًا، لكن يشاءُ القدر بتوقفها عن الإنجاب، حينها كان إستياء والدها منها واضح، يصرخ بها، يمقتها، ينفر من وجودها، حتى باتت تتأكد من كرهه لها.
تململت نوال من مضجعها بأرق، باتت الكوابيس تُلاحقها تلك الفترة الأخيرة، بالأصح واقعها الذي ابتعدت عنه، واقع أبيها المتجبر، لوهلة غارت من معاملة بدر لشقيقاته، ليلة أمس عندما تجمعوا سويًا بطلب من جدها، رأت حنانه على شقيقتيه، ك حنان أب على صغاره، رغمًا عنها شعرت بالنقص، وقلبها حزين على حاله.
مسحت بضعة دمعات مُتحسرة انسابت من عيناها عندما لمحته يدخل للغرفة، وأشاحت بوجهها للناحية الأخري، لكن لسوء حظها لاحظها هو قبل أن تلتفت، اقترب منها بهدوء حتى جلس قرابتها على الفراش، مدَّ يده تجاه وجهها ليُديره ناحيته، ثم تحدث إليها بحنان كالذي يتعامل به مع شقيقتاه: مالِك يا نوال، على طول مسهمة إجده وحزينة، احكيلي جايز اساعدك، وليه دموعك ديا!
كادت أن تنهار أمام حنانه، تُريد إخباره بأن يكُف عن معاملتها بتلك الطريقة التي تضعفها، ضعفت من قبل وكادت أن تفقد أغلي ما تملكه، لكن الآن هي زوجته! الأمر مُختلف تلك المرة، هل تُخبره! أم تحتفظ بحزنها لنفسها!
وكالعادة فضلت الصمت، متحدثة بصوت مبحوح واقفة من على الفراش: مفيش حاجة، دا بس عشان لسه صاحية من النوم.
تركته واتجهت للخارج بعد أن وضعت حجاب أعلي رأسها لتذهب إلى المرحاض، وقف هو مُتحير لا يعلم ماذا يفعل معها، حكَ رأسه بيده وهو يقول: حكايتك إيه يا بت عمي، عتحيريني معاكِ عاد وانتِ زي الطفلة ياك!
دخلت نوال للمرحاض ومن ثَم وقفت أمام المرآة التي تحتل جزء كبير من الحائط، نظرت إلى بشرتها الشاحبة والهالات التي تُزين أسفل عينيها، لم تكن هكذا من قبل، كانت قوية، قوية ولكن ضعيفة،!
مسحت بقطرات الماء وجهها، ومع كل قطرة تسقط على وجهها تُقسم بأن يكون حاضرها هو آمالها، هي تستحق حياة أفضل، ستتعايش مع زوجها بدر، وعند تذكره تذكرت حنانه، وهي طفلة تحتاج للحنان، تلك المشاعر التي حُرمت منها منذ صغرها، جففت وجهها بالمنشفة وعدلت من حالة حجابها المشعث، نظرت لنفسها برضا، ثم خرجت لهم.
نادتها تهاني بود وهي تقوم بوضع محتويات الطعام على الأرض: تعالي يا مرت ابني، تعالي أنا خلصت من تچهيز الوكل.
أحست بالحرج منها، فمنذ أن أتت لهنا لم تُساعدها ولو بقشة، حملت منها صحن الطعام مردفة بأسف: حقك عليا يا ماما، سايباكِ تجهزي الأكل لوحدك.
قالت معنفة إياها برقة أحبتها: وه! متجوليش إجده يا جلبي، انتِ زي عيالي إياك!
مشاعر الحُب الصادقة التي تنبع من تلك العائلة تجعلها تشعر بالأُلفة، أفعالهم عفوية وتعاملهم مُحبب لها، ابتسمت لها بصدق ثم عاونتها في حمل الأطباق قائلة بأريحية مرحة: ومالو. عيالك برده بيساعدوكِ يا ست تهاني. يلا بلاش دلع ياك!
قالت جملتها الأخيرة بمرح جعلت الأخري تقهقه على حديثها، غافلتان عن ذلك الذي يُتابعهم بصمت، وابتسامة صغيرة متشكلة على ثغره، ودَّ لو يعلم ما يُصيبها من حزن، لكن الأيام قادمة، والفرص كثيرة، وسيعلم ما سببه.
دخل عليهم ممسكًا بجلبابه موجهًا حديثه لوالدته بمرح: نسيتينا ياما وجلبك بجي معا نوال!
اندهشت في البداية من وجوده وأحست ببعض الحرج، ازداد عندما احتضنتها تهاني بحب وهي تقول: بس يا واد، دي بجت غالية عندي زيك بالمللي.
وجه لها نظرة حنونة وهو يُجيب والدته: دي غالية عندنا كلياتنا ياما.
لهنا ويكفي، فقد تمكن منها الحرج، لم تكن تتوقع إجابته تلك، وكزته والدته من كتفه مُردفة بخبث: وه! اتحشم يا ولاا، جليل الحيا أومال!
جعد جبينه بتذمر، واضعًا يده على ذراعه وهو يقول بضجر: جرا إيه ياما! دي مرتي، يعني حبة الجلب.
طالعته تهاني بقلة حيلة، وذهبت هي تتمتم بيأس من أفعال بِكرها الصبيانية، لكنها ابتسمت بحنان وهي ترفع يدها للسماء، داعية بتمني: ربنا يسعدك يابن بطني، وتعيش حياتك مع اللي تستحجها، بدل طليجتك البومة اللي نغصتك عليك عيشتك.
بالداخل. نظرت نوال ل بدر بغضب من حديثه أمام والدته، رغم الحرج الذي تملك خلايا جسدها هتفت بعصبية: إيه اللي انت قولته قدام أمك دا! على فكرة ميصحش كدا.
غضب من إرتفاع نبرة صوتها، وهو الذي حذرها من قبل من فعلهت مجددًا، حاوطها بين ذراعاه وهو يهتف بها مُحذرًا: جولتلك صوتك ميعلاش عليا واصل يابت عمي، والا عتشوفي وش عمرك ما عتشوفيه جبل سابج.
ورغم توترها من قربه، حاولت إستجماع شجاعتها الهاربة متشدقة بتحدٍ سافر: هتعمل إيه يعني يابن عمي!
تحولت عيناه من الغضب إلى العبث، والمكر يتراقص بحدقتاه، بينما اتسعت عينا نوال على آخرهما عندما اقترب منها مُقبلًا وجنتها المنتفخة بخبث، تزايدت ضربات قلبها، ولم يسعها لسانها على الحديث، لتدفعه بقوة هاربة إلى غرفتها للإختباء منه.
ابتسم بتسلية بعد ذهابها، حك مؤخرة رأسه وهو ينظر لأثرها متمتمًا بمكر: بطاية بِدها تتاكل وكل.
الصمت يَعمُ المنزل، وإبراهيم يقف كالعاجز بين أفراد أسرته، وضع رأسه بين يده بيأس وهو يُردد بخيبة أمل: يعني إيه! بنتي كدا ضاعت!
عاونه شقيقه ليشد من أزره، وضع طه يده على كتف شقيقه، لم يجد ما يقوله في موقف كهذا، فإبنته المحبوبة تُسجن الآن بين جدران السجون، غامت عيناه بالحزن عندما تءكر تلك الفتاة المرحة، القوية، المشاكسة، كان يُعاملها كإبنتاه تمامًا، حاول أن يُخىج نبرة صوته قوية حتى يدعم شقيقه، فقال بمواساة: شِد حيلك يا إبراهيم، لو انت هتضعف كدا مين اللي هيقوي بنتك! انت سندها المفروض تكون أقوي من كدا.
نظر إليه أخيه ونظرات التيه في عيناه، ورغمًا عنه تسللت الدموع تحسرًا بعينه، وهو يُتابع حديثه بقوله المتألم: بنتي خلاص، مستقبلها ضاع، وهي كمان ضاعت من إيديا، أول فرحتي وبنت روحي ضاعت يا طه.
غصة مؤلمة تشكلت في حلق الجميع من حديثه المؤثر، جميعهم يعلمون مدي تعلقه ب غزل، ذهب إليه عابد جالسًا بجانبه، ثم وضع يده على قدم إبراهيم وهو يقول بإيمان: لا مضاعتش يا عمي، طالما هي مظلومة ربنا مش هيسيبها ابدًا، ربنا رحيم بعباده الظالمين مش هيكون رحيم بالمظلوم! خلي عندك إيمان إن ربنا هيحميهالك مهما كانت الظروف، غزل طول عمري بعاملها زي أختي، وعارف إن أختي قوية ومش هتضعف، خليك انت كمان قوي عشان تساعدها في محنتها.
هز إبراهيم رأسه بإقتناع، على ثقة تامة بربه، لكن تملك الحزن من رغمًا عنه، عاونه شقيقه الثالث خليل والد أحمد وهو يقول: يلا قوم استعيذ بالله وصلي ركعتين لله، وادخل شوف مراتك وبنتك اللي مقطعين نفسهم من العياط دول، وابقي ادخل لأبوك العيان من ساعة اللي حصل.
استجاب له إبراهيم، ثم دخل منتويًا الصلاة وهو يتمتم بقلة حيلة: لله الأمر من قبل ومن بعد، لله الأمر من قبل ومن بعد، احميلي بنتي يارب.
دخل ونظراتهم تلاحقه بحزن، حتى اختفي عن ناظريهم، وجه خليل نظراته لإبنه بغموض، موجهًا حديثه له: وانت تعالى ورايا، عايزك.
أحس أحمد بعدم الراحة من حديث والده، لكنه رضخ لأمره وصعد خلفه للأعلي.
كالطفل المُذنب الذي يقف أمام أباه كان يقف فارس، ونظرات بكر كانت تحوم حوله مُلتقطة ردود فعله، جلس بكر على مقعده وهو يستند على عصاهُ ومازالت نظراته مُثبتة على الآخر، تمتم فارس بخفوت خائف لنفسه: إيه جو الرعب اللي أنا فيه دا!
غمغم بكر بخفوت وهو يحثه على الحديث، ليقطب فارس جبينه بجهل، لا يفهم إلى ما يرمي إليه، سائلًا إياه ببلاهة: إيه يا عمي! أجبلك مية!
تنغض جبين الآخر بإنزعاج من غباءه والذي يُشبه غباء ريان تمامًا، ليقول بزمجرة: انجز يا غبي قول كنت فين! ما هو مش معقول صاحبك اللي روحك فيه يكون لسه مسجون وانت راجع رايق كدا!
لم يظن فارس أن يُكشف هكذا، حاول قدر الإمكان أن يخفي فرحته، لكن يبدو أنه اتضح للجميع، ابتلع ريقه بقلق وهو يُجيب: ع. عادي يعني يا عمي. م.
وقبل أن يُكمل حديثه ضرب بعصاه على الأرض لتدوي بصوت عالي، فزع فارس من غضب عمه، ليستمع إلى حديثه الغاضب: لو كنت فاكرني أهبل وكبرت والشيب ملا راسي تبقي غلطان يابن شاكر.
هو يمنحه كل الإحترام والتقدير، وحديثه هذا يعني أنه شعر بقلة الإحترام تجاهه، لذلك نكس رأسه للأسفل بخجل وهو يُجيبه بحرج: العفو يا عمي. حضرتك على راسي من فوق.
حثَّه بكر على الحديث وهو يضغط عليه: يبقي تحكيلي كل حاجة، ودلوقتي.
حدجه فارس بتردد، وعندما رأي تلك النظرة المُحذرة بعيناه، بدأ بسرد كل ما حدث، عندما أعلن القاضي حُكمه، خرج هو لا يري أمامه من الغضب، يكادُ أن يُجَن مما حدث، مجرد فكرة بأنه خسر صديقه المُخلص تُصيبه بالجنون، لذلك قام بمهاتفة شخصًا مما له سابقة في الإجرام، كانت معرفته به سطحية عندما قابله صدفةً أول مرة، وعندما أجابه طلب من مساعدته في تهريب ريان عند إنطلاق سيارة الشرطة، وافقه الآخر لكن بعد أن طلب مبلغًا كبيرًا من المال لتنفيذ مهمته، لم يهم فارس كم سيدفع لينال صديقه حريته مجددًا، لذلك قاموا بالإتفاق سويًا حتى نُفذت المهمة لنجاح لكليهما.
كان بكر يستمع له بإنتباه لما يقوله، تتحول ملامح وجهه من الحين للآخر ما بين الغضب، الراحة، الحدة، والخوف، انتهي فارس من سرد ما حدث العمه والقلق ظاهر على وجهه منتظرًا لردة فعله، فزع عندما هبَّ بكر من مقعده بغضب، ضاربًا بعكازه الأرض بقوة وهو يتشدق بغضب: ولو كان حصل أي حاجة ليكو انتوا الإتنين أبقي أعمل إيه ساعتها! ولو الشرطة وصلتلك دلوقتي وقبضوا عليك أقف أتفرج عليك بسبب غبائك!
قطب فارس جبينه بإنزعاج وهو ينظر له، لم يهمه ما كان سيحدث له، كل ما كان يشغب باله هو إنقاذ صديقه، ليُجيب بلامبالاة مفتخرًا بفعلته: كان يحصل اللي يحصل، ما أنا مش هسيب صاحبي يتسجن ظلم وأنا واقف اتفرج عليه!
زفر بكر الهواء المُختنق بصدره، يعلم بمدي تعلق الصديقان ببعضهما، يعلم قوة ترابطهما معًا وكأنهم أخوان من أب وأم واحدة، جلس محله مرة أخري براحة، حاول التصنع بالغضب وعدم إظهار سعادته بهروب ريان من تهمة لم يفتعلها ثم قال: يعني. يعني محدش كشفكم! و ريان كويس!
ابتسم فارس بسعادة ليذهب لإحتضان عمه بإمتنان، مردفًا بفرحة: هو كويس يا عمي يا سكر يا عسل.
ضحك بكر عليه، ثم أبعده بصعوبة، فكان يسد عليه الهواء من ضخامته، ليقول بضجر: ابعد يا بأف هتخنقني.
ابتعد عنه فارس بضحك، ليتسائل بكر بإستفسار: و ريان فين دلوقتي!
هز كتفه بجهل وهو يجيبه: مش عارف. هو هرب وهو والبت اللي معاه. وأكدت عليه يتصل بيا أول ما يوصل لمكان آمن.
استحسن الفكرة فهز رأسه براحة، ثم وقف محله مستعدًا للذهاب: ربنا يطمنا عليه ويرجعه لينا بالسلامة، أنا هدخل أرتاح بقا.
أفسح له فارس الطريق وهو يزفر براحة، اتجه بخطواته نحو الأعلي قاصدًا شقته، ليرتاح قليلًا، دخل لشقته فوجدها تعم بالصمت تمامًا، يبدو أن تلك النشاكسة الصغيرة ذهبت للنوم، دخل لغرفته ليجد زوجته بإنتظاره وعلى ملامحها يرتسم القلق، اتجهت زهر ناحيته مسرعة عندما وجدته يقف أمامها مُحدجًا إياها بإبتسامة عاشقة، تحدثت والقلق ينهش بقلبها: كنت فين يا فارس! كنت هموت من الخوف عليك.
حاوط خصرها ثم عانقها بقوة وهو يهمس في أذنها بعشق تملك من خلاياه: بعد الشر عليكِ يا روح فارس، وحشتيني يا زهرتي.
ببضعة كلمات تبدد الخوف من قلبها، ليحل محله نبضات العشق المتخفية، أحاطته براحة وفؤادها يصرخ بالعشق للمرة التي لا تعلم عددها، تنهيدة حب خرجت من فمها وهي تُجيبه بعتاب: وانت كمان وحشتني. قلقتني عليك أوي.
نظر إليها ليُصبح وجهيهما في مواجهة الآخر ومازالت يداه تحيطان بخصرها، أمسك بيدها ثم طبع قُبلة رقيقة معبئة بالمشاعر على أناملها، هاتفًا بإعتذار: حقك عليا يا حبيبتي، بس كان لازم أهرب ريان.
صُدمت من حديثه لتخرج من أحضانه وهي تردف بدهشة: إيه! تهربه! انت بتهزر يا فارس!
قطب جبينه بتعجب من تحولها بهذا الشكل، فتحدث سائلًا إياها بغرابة: مالك اتصدمتِ كدا ليه!
اقتربت منه خطوتان ثم ضربته على صدره صارخة به: ولما يحصلك حاجة أو تتكشف ويتقبض عليك هتبقي تسألني اتصدمت كدا ليه! انت ليه مبتفكرش غير في نفسك! ليه عايز تضيعنا معاك!
غضب من حديثها المنطقي نوعًا ما ولكنه تغاضي عنه وهو يصرخ بالمقابل: عايزاني أسيب صاحبي يتسجن ظلم وأقف أتفرج عليه! عايزاني أشوف مستقبله بيضيع وأفضل ساكت! لو مكنتش أنا اللي هقف جنبه مين اللي هيبقي معاه! قوليلي! ريان يتيم أب وأم من زمان، حتى أخوات معندوش، وقف جنبي في عز أزمتي وطول عمره في ضهري، وبعد دا كله عايزاني أسيبه! أنطقي!
ارتعشت شفتيها وهي على مشارف البُكاء، لديه كل الحق لكن هي لا تريد خسارته، ماذا كان سيحدث إن تم القبض عليه! سيتركها وحدها هي وابنتها، وهي لن تستطيع العيش بدونه، تعشقه وتلك نقطة ضعفها، كادت أن تتحدث وتُبرر له موقفها، لكنه ابتعد عنها بغضب تاركًا الشقة بأكملها.
جلست زهر مكانها بألم وهي تُتمتم ببكاء: ليه مش عايز تفهمني، ليه مش عايز تعرف إني خايفة عليك!
ببنما فارس هبط درجات السلم بغضب، قاصدًا شقة عمه بكر للمبيت بها تلك الليلة، يبدو أن سيُشارك غرفته مع مُدَّثِر تلك الليلة، طرق على الباب بطرقات خافتة حتى لا يتسبب في إزعاج الآخرين، لتفتح له زوجة عمه وهي تُرحب به بمحبة: تعالى يا فارس يا حبيبي.
حمحم بحرج من مجيئه بتلك الساعة المُتأخرة، ليقول بتبرير كاذب: أنا جيت يا مرات عمي عشان أبات مع مدثر النهاردة بدل ما ينام لوحده.
أفسحت له الطريق وهي تقول له مُعاتبة: البيت بيتك طبعًا. تعالى أدخل يابني.
رمى لها نظرات مُمتنة ثم اتجه ناحية الغرفة الماكث بها مدثر، ظن بأنه لربما نائم الآن، ففتح الباب برفق مُطلًا بجسده كاملًا، ليتخشب مكانه مما رآه،!
ماذا لو كانت الدموع تُخفف من حِدة الألم!
لبكى الجميع قهرًا وظُلمًا، واشتدت أعينهم بكاءً، سيفيضُ الدمعُ بكثرة، ويئن القلب ألامًا، سأشكي كل من ظلمني، ولن أُسامح.
حينها سيخفت الألم، لكن هذا مجرد تخيل.!
فارق النوم جفناه، منذ أن رأي محمود محبوبته ميران تبكِ تأثرًا بما حدث لشقيقتها، وعقله كاد أن يُجن، لم يستطيع عقله التمرد تلك المرة، ليسير خلف رغبة فؤاده الناطق بإسمها، تذكر قبل ما يحدث ل غزل حديثها الصارم معه.
Flash Back
تجهز محمود للهبوط إلى ورشته الخاصة، حيثُ يعمل ميكانيكيًا للسيارات، نادت عليه غزل عندما رأته مُتجهًا إلى محل عمله، توجهت إليه بنظرات غاضبة ونية في توبيخه، لتقف أمامه موجهة إليه حديثها بتحذير قوي: مش عايز أختي يبقي تقولها صريحة بدل ما تعلق نفسها بيك أكتر من كدا، لكن طريقتك اللي اتعاملت بيها معاها إمبارح دي، لو اتكررت أنا مش هعديهالك.
لم يتعجب كثيرًا من معرفتها بالأمر، ف ميران تعتبرها ك صديقة مخلصة قبل أن تكون شقيقتها، ظهر الألم بعيناه عندما تذكر حديثه السخيف معها، ليقول بنبرة غلب عليها الحزن: وتفتكري أنا أنفعلها! لا من مستوايا وكمان رد سجون.
لوت غزل شفتيها إستنكار وهي تُجيبه بسخرية: مستوي إيه يا راجل! دا انت دفعت حق شقة كاملة في تمن شهور بعد ما شقتكوا القديمة ولعت.
رفع كفه أمام وجهها مرددًا بقلق: قل أعوذ برب الفلق. لسه فاضلي شهرين يا فقر.
أديك قولت أهو. مستواك وكويس الحمد لله. وأخلاق المنطقة كلها تشهد بيها. وإذا كان على القضية أنا وأنت وأمك وعيلتك وعيلتي وعم عبده البقال عارفين إنك برئ.
أخرج عم عبده البقال رأسه من الكشك وهو يهتف متسائلًا: بتقولي حاجة يا أبلة غزل!
فزعت من خروجه المفاجئ، لتضع يدها موضع قلبها بخوف، هاتفة: إيه يا عم عبده حد يخض حد كدا! وبعدين ودان دي ولا سماعة ميكروفون!
ضحك محمود بقوة، فوجه حديثه ل عم عبده قائلًا بود: خلاص يا عم عبده ادخل انت. أسفين على الإزعاج.
أدخل الآخر رأسه وهو يحدج غزل بغيظ، قبل أن يقول: ماشي يابني، أي حاجة إحنا في الخدمة.
وجهت غزل حديثها له، وهي تقول بمكر أخفته ببراعة: ها قولت إيه! هتتقدم رسمي ولا أقول لأختي تشوف مستقبلها بعيد عنك!
علمت أن حديثها الماكر سيكون بمحله، قطب جبينه بغضب عندما أكتشف مغزاه، ليردف بحدة: يعني إيه تشوف مستقبلها بعيد عني، إحنا هنهزر!
ما كادت غزل أن تجيبه، حتى وجدت رأس عم عبده تخرج مرة أخري من خلال شباك الكشك الخاص به، ليقول بتساؤل: بتزعق ليه يا سي الأوستاذ! فيه حاجة!
جزت غزل على أسنانها بغيظ، لتقول بنفاذ صبر: ادخل يا عم عبده اللي يكرمك مش نقصاك.
مصمص على شفتيه مُحدجًا إياها بسخط، وهو يتمتم في سره قبل أن يدخل لمحجره مرة أخري: صدق اللي قال. خيرًا تعمل شرًا تلقي.
كتم محمود ضحكته بصعوبة مانعًا ضحكة عالية من الخروج الآن، نظرت إليه غزل بغيظ، ثم تحدثت بعصبية: اخلص قول قرارك قبل ما ألاقيه ناطط لينا تاني.
تحولت ملامح وجهه للغيرة وهو يتخيل ميران في أحضان رجل آخر، هي له وحده، تخصه هو، عشقه الأول والأخير ولن يتخلي عنه أبدًا، ليردف بجدية: ميران مش هتبقي لغيري يا غزل، بحبها وهفضل أحبها لآخر يوم في عمري، وإن شاء الله آخر الشهر هاجي أتقدملها.
استحسنت الفكرة وهي تُقدِّر رجولته في الحصول على شقيقتها لتكون حلالًا له: حلو أوي كدا.
ثم تابعت حديثها بمكر، نواياها الخبيثة أثارت حفيظته، وتأكد منها عندما تابعت حديثها بقولها: بس للأسف مش هتعرف تكلمك تاني.
ليه!
استرسلت بقولها الماكر وهي تري تهجم وجهه للضيق: غير ما تتقدملها رسمي، سلام يا جوز أختي.
تركته ينظر لها بغيظ، لكن قلبه المُرهق عاد لحيويته مرة أخري، فذهب تجاه ورشته لمتابعة عمله بنشاط وقوة غريبة تلك المرة.
Back.
وعند تذكر محمود ل غزل وتلك المحنة التي تمر بها، دعا لها برجاء أخوي: ربنا يفك أسرك يارب وترجعي بسلامة.
استيقظ كلًا من ريان و غزل عندما استمعوا لصوت عويل مُخيف قادم من مكان بعيد، ابتلعت غزل ريقها وهي تنظر حولها بترقب وحذر، لتتمسك بقميص ريان الذي يدَّعي الشجاعة، لتقول بتلعثم: إيه. إيه الصوت دا!
نظر لها بقوة وهو يرفع ياقة قميصه، ثم تمتم بثقة: طول ما انا معاكِ مش عايزك تخافي.
ليأتي صوت العويل مرة أخري ولكن بصوت أعلي وأقرب، ليعود بحديثه وهو يقول بفزع: أو خافي عادي. تعالي نمشي من هنا بسرعة.
وافقته بخوف وكادا أن يتحركا حتى وجداوا ذئبًا كبيرًا ذو فرو كثيف ينظر إليهم بشراهة، ولعابه يسيل جوعًا،!