رواية متيمة بنيران عشقه للكاتبة شروق حسن الفصل الثاني والثلاثون والأخير
دلفت للداخل بخطى رتيبة تعكس رهبتها وتوترها، استمعت لصوت إغلاق الباب من خلفها، لتزدرق ريقها بصعوبة شديدة، سار موسى بهدوء وكأنه يستمتع بخجلها المُحبب له، ثم وقف قبالتها مُباشرة، يُطالعها بإبتسامة عاشقة، أمسك بكف يدها البارت فشعر بإرتعاشته أسفل يده، تحولت بسمته العاشقة لأخرى عابثة والمكر يحوم بعيناه الوقحة مُلتزمًا الصمت، وكأنه يُزيد الطين بَلة بصمته المُريب هذا.
رفعت تسبيح عيناها له لتجده يُحدجها بتلك الطريقة التي وترتها أكثر، وبعنف غير مسبوق سحبت يدها بعنف، ثم أمسكت بطرف فستانها مُهرولة تجاه الغرفة الرئيسية لتختبأ بها، حدث كل ذلك في ثوانٍ وبلمح البصر، مما جعل الآخر يُحدجها ببلاهة شديدة.
هرول خلفها طارقًا على الباب بقوة طفيفة وهو يُحدثها: لأ بقولك إيه! هتضربيلي الليلة من أولها هعملك فيها مجنون، افتحي يا تسبيح الباب.
أجابته من خلف الباب وأطرافها ترتعش من الخجل والتوتر: ل. لأ مش فاتحة، نام انت في أوضة الأطفال عشان أنا دماغي مصدعة.
جاءت إجابته على هيئة صراخ: نعم ياختي، افتحي يابت بدل ما أكسر الباب، دا أنا راسم سيناريوهات في دماغي بقالي شهرين.
تحدثت بإصرار وهي تتجه ناحية الخزانة لتختار منها ما يُناسب لنومها: لأ يعني لأ مش فاتحة، بطَّل قلة أدب بقى.
صرخ بتحسر ضاربًا على الباب بكفيه: وهو أنا لحقت أعمل قلة أدب! افتحي بس هقولك كلمة في بوقك.
وضعت يدها على ثغرها تمنع خروج ضحكاتها المُشاكسة، ثم شرعت بتبديل فستانها الضخم، ولحُسن حظها استطاعت خلعه لكن بصعوبة قليلة، حيثُ كان فُستانها من السيتان الناعم رقيقٌ للغاية، وارتدت فوقه خمارها الأبيض والذي أضاف لها جمالًا.
أما هو بالخارج. حكَّ رأسه بحسرة، ثم جلس على الأريكة وهو يكاد يبكي من فعلتها الحمقاء تلك، لقد انتظر كثيرًا للحصول عليها وإحتضانها كما يشاء، لكن أتت هي لتخرب عليه ليلته، هبَّ فجأة ثم صاح عاليًا بغيظ لتسمعه: وعهد الله ما هعديهالك، وغلاوة دقني ما هعديهالك يا تسبيح وهتشوفي.
جلست على الفراش تتحرك عليه بعشوائية مرحة تتلذذ في إغضابه، تنهدت ثم ارتمت على ظهرها تتذكر ذلك اليوم الذي جاء به لخطبتها، تتذكر ضربات قلبها العنيفة التي سببها وجوده، ارتسمت إبتسامة حالمة على ثغرها عندما تذكرت مشاكساته الوقحة لها، لكن سرعان ما انمحت عندما شعرت بكف غليظ تُطوق عنقها.
شهقت بفزع وكادت أن تُطلق صرخة عالية؛ لولا يده التي كممت فمها لمنعها عن الصراخ، حدقت بعيناه التي تتوعد لها بهلع، ليُردف بها بتوعد: جيتي تحت إيدي يا حلوة.
أنهى جملته ثم هبط مُقبلًا وجنتها بعمق، ونظرة ماكرة تتشكل في حدقتاه، جف حلقها من التوتر، لتقول بصوت مُرتعش باكي: موسى عشان خاطري ابعد.
أسبل عيناه لتفاصيلها ينظر لها بعشق جارف تمكن من أوصاله، ثم تحدث ب وَلَه: قولي إسمي كدا تاني الله يكرمك.
ارتعشت شفتاها خوفًا وهي تُكرر حديثها: موسى ابعد.
أجابها بصوت آجش مُتيم بها: يا روح موسى وقلبه من جوا، موسى دايب فيكِ وف حبك.
وكأنها قلبها رقص طربًا لإعترافه، رفعت يدها واضعة إياها على صدره لتُبعده، لكن وعلى ما يبدو أن له رأي آخر، أخذها معه في جولة من جولات عشقه، جعلها تطيرُ كالفراشات تُحلق بسعادة، وهو يعزف على أوتار عشقها، حتى أصبحت زوجته شرعًا وقانونًا.
في إيديك قوة تهز جبال، في إيديك قوة، و.
كانت تلك الكلمات تصعد من فم تلك الوقحة التي أبدلت ثيابها لأخرى مُريحة، خرج محمود من المرحاض ليجدها بتلك الهيئة الفاتنة التي خطفت أنفاسه، رمى بالمنشفة على الفراش ثم اقترب منها بهدوء وعيناه تجول عليها، اقتربت منه هي الآخرى حتى أصبحت أمامه مُباشرةً، أحاطت بعنقه بدلال، وهو أحاط خصرها ضاممًا إياها لصدره بقوة، ثم همس بإنتشاء وكأنها أعظم إنتصاراته: وأخيرًا بقيتي ليا، وفي حضني.
أكملت له حديثه بعبث وهي تُشدد من إحتضانه: وفي أوضتك. وعلى سريرك.
أرجع رأسه للخلف مُطلقًا ضحكة عالية رنت في الأرجاء، لا يُصدق وقاحتها تلك، هي أكثر فتاة عابثة وقحة رآها بحياته، وللحقيقة هو يعشقها بكل ما بها، حتى وقاحتها التي تُثير ضحكاته دائمًا.
حاول السيطرة على ذاته، مُتحدثًا من بين ضحكاته: أكتر واحدة سافلة شوفتها في حياتي.
اقتربت منه بشدة مُرددة: وانت أكتر واحد بحبه في حياتي.
تحولت نظراته للمكر والعبث ولأول مرة، ثم أخذها بجولة من جولاته قبل أن ينطق بوقاحة: عمي كان موصيني إنه عايز يبقى جِد، وأنا بصراحة بقا مقدرش أرفضله طلب.
(ميران دي مش من فصيلة البنات ملناش دعوة بيها ).
يا بختك يابن المحظوظة.
هكذا هتف شهاب ل معتصم قبل أن يستعد لولوج منزل الزوجية، رفع معتصم خمس أصابع أمام وجهه متحدثًا بفزع: الله أكبر، هتبوظلي اليوم.
لوى شهاب شفتيه بإستنكار، مُحدجًا إياه بسخط، قبل أن يردف بحسد: ما انت لو كنت أقنعت أبوك يجوزني أختك معاك مكنتش هحسدك.
حدجه معتصم بضجر ثم ذهب من أمامه وهو يقرأ المعوذتين حتى لا تحدث كارثة من خلف نظرات إبن عمه الحاسدة.
نظر شهاب لخطيبته إهداء متشدقًا بحسرة: ايفة أبوكِ وعمايله! أنا مش مسامحه ليوم الدين.
دلف معتصم للمنزل حاملًا سجود بين ذراعيه وهو يتراقص بها كالأبله تمامًا، ابتسامته الواسعة تعكس مدى سعادته والتي تظهر لها قبل الجميع، علت ضحكاتها عندما دار بها في الهواء، وقبل أن تتحدث بأي كلمة، وجدت ذاتها تقع أرضًا فوقه بعدما تعثر في فستانها الطوي.
أطلق تأوهًا قويًا بعدما وجع على ظهره بشدة، وما ضاعف آلامه هو وقوعها هي الأخرى فوقه، اعتدلت سجود فجأةً مُحدجة إياه بسخط: هو دا اللي كنت خايفة منه، اتوكس يا معتصم.
مدَّ يده لها لتُوقفه، فأخذت بيده، لكنه شعر بألم حارق في ظهره، فلم يستطيع الوقوف بطريقة طبيعية، بل وقف مُنحنيًا للأمام قائلًا بألم ونواح: آه يا ضهري ياني. شكلك هتقضي كل حياتك بتلف على المستشفيات يا معتصم، يا خرابي على شبابك اللي ضاع يا صاصا، منك لله يا شهاب عنيك رشقت في الجوازة.
طال صمت سجود ولم تتحدث بكلمة، فرفع أنظاره لها؛ ليجدها تُحدجه ببعض السخط ولا يوجد على محياها أي شفقة تجاهه، حاول الإعتدال في وقفته مرة أخرى لكنه لم يستطيع، بذلك أردف لها بإبتسامة صفراء وهو يكادُ أن ينفجر من الغيظ: منورة يا بومة يا وش الفقر.
جاءه صوتها المُغتاظ مُحذرة إياه: لأ بقولك إيه. غلط من أولها مش عايزة. بدل ما والله أروَّح لأبويا دلوقتي وأقوله جوزتني واحد بايظ.
تشنج وجهه بإستنكار مُجيبًا إياها بسخط: ب. إيه! لأ بقولك إيه دا أنا راجل أوي.
صمت قليلًا، ثم أردف بعدها بعدة ثوانٍ ماددًا يده تجاهها: خدي بإيدي يا بنتي وصليني الأوضة، مش قادر أمشي.
أمسكت بيده وهي بالكاد تُخفي بسمتها التي كادت أن تظهر على وجهها، دلفا للغرفة الخاصة بهما، فتمدد على الفراش بحذر، فجاءت بالغطاء الثقيل ثم قامت بفرده على جسده، قائلة بمشاكسة: ليلة مباركة يا عريس، أستأذنك أنا بقا هروح أغيَّر الفستان عشان أنام أنا كمان.
نظر لأثرها وهي تُغادر الغرفة بحسرة، مُطلقًا سبَّة بذيئة على شهاب الذي قام بتخريب ليلته التي كان ينتظرها بفارغ الصبر.
صعد فارس لشقته وعلى ذراعه إبنته النائمة بإنهاك، و زهر تصعد بجانبه تشعر بالإعياء الشديد، دلفا للداخل بعد عناء يوم طويل عانوه في تحضيرات الزفاف للجميع، وضع فارس ابنته على الفراش، ثم خرج من الغرفة مرة أخرى، ليجد زوجته تتمدد على الأريكة مُغمضة العين.
جلس القرفصاء جانب الأريكة ناظرًا لها بحنان، ثم حاول فك حجاب شعرها حتى نجح في ذلك بعد عدة محاولات، فتحت هي عيناها تُطالعه بعشق، فقرَّبت وجهها منه دافنة إياه في عنقه تشتم عطره بتلذذ، تعجب من فعلتها الغريبة تلك، قبل أن يتسائل بريبة: هتتحولي وتاكلي لحوم البشر ولا إيه!
أحاطت عنقه بذراعها ثم همست جانب أذنه بعدة كلمات جعلته يتصنم في مكانه، ابتعد عنها قليلًا قائلًا بصدمة: قولتي إيه!
ابتسمت بعشق، مُمررة يدها على ذقنه النامية قليلًا ثم كررت حديثها بهمس عاشق: أنا حامل.
ابتلع ريقه بصعوبة وكأنه لم يستوعب كلماتها بعد، ثم كرر حديثه ببلاهة: قولتي إيه!
ضحكت بخفة على ملامحه المصدومة مُتحدثة بمزاح: محسسني إنها أول مرة!
لم يُجيبها فارس، بل احتضنها بقوة وعيناه مغرورقة بالدموع الكثيفة، صعد صوته مبحوحًا بعد أن قبَّلها أعلى جبينها: أنا عايز 3 ولاد، و3 بنات، وشايب.
أطلقت زهر ضحكة رنانة من فوهها، فغمز لها بوقاحة قبل أن يحملها على ذراعيه: حلاوتك يا جميل يا حلو انت.
«بعد مرور سبع سنوات».
ابعد ابنك عن بنتي يا فارس بدل ما أعلقهولك والله.
هكذا صرخ ريان ب فارس الذي يحمل إبنه عُدي على قدمه، مُطلقًا ضحكات عالية وهو يُطالعه بشماتة: شوف يا جدع، الزمن بيعيد نفسه واللي إبنك كان بيعمله في بنتي، ابني بيعمله في بنتك.
حدجه ريان هو وابنه بنظرات نارية، ثم نظر لإبنته التي تندس في أحضان والدتها، متحدثًا بمقط: ملكيش دعوة بالواد دا يا بت انتِ أنا قولتلك أهو، مش اللي بنعمله في الناس هيطلع علينا.
خرجت منار من أحضان والدتها ناظرة لوالدها بغضب طفولي لذيذ: يا بابي وفيها إيه يعني! وبعدين دا كان عايز يبوثني بوثة واحدة بث.
بوثة واحدة بث يا لدغة! وليكِ عين تتكلمي! والله. والله لو شوفتك مع الصايع دا تاني ل هربطك في السرير وما هتخرجي من البيت تاني.
صدحت ضحكات فارس عاليًا، ثم قبَّل عدي الذي ينظر إلى ريان بغضب طفولي، مُردفًا له بتشجيع: شاطر يا حبيب بابا، وريه اللي كنت بشوفه من ورا ابنه.
في تلك الأثناء. دلف مدثر، والذي بات يبلغ من العمر 14 عامًا.
بتجيب في سيرتي ليه يا عمو!
قالها بمرح، ثم اتجه ناحية والده مُقبلًا إياه من وجهه بحنان، وكذلك فعل مع غزل الذي بات يعتبرها كوالدته تمامًا من شدة حنانها، وأخيرًا حمل شقيقته رافعًا إياها للأعلى بخفة، لتصدح ضحكاتها المرحة في الأرجاء.
ابتسم ريان بحب على إبنه الحنون، والذي يأخذ كل صفاته كاملةً، والأكثر هو حنانه، كان يظن بأنه سيغار من شقيقته في بداية مولدها، لكنه حطم توقعاته عندما بدأ بالإهتمام بها وكأنها نصفه الآخر، حينها سأله بطريقة غير مباشر إن كان يغار منها أو يحمل تجاهها شيئًا من هذا القبيل، فنفى نفيًا قاطعًا وتلك الجملة التي قالها مازالت يتردد صداها في ذاكرته:.
لأ طبعًا يا بابا عمري ما أغير منها، هكون ضهرها دايمًا وأول حد يتسند عليه، عشان أنا بحبها أوي.
فاق من شروده على يد غزل المُمسكة بكفه، تبتسم له بحنان، اقترب قليلًا منها هامسًا في أذنها بعشق جارف: بحبك يا غزالتي
بادلته همسه ناظرة لعيناه التي أدمنتها: وأنا بموت فيك.
دخل الجميع فجأةً للمنزل، فذلك اليوم هو يوم التجمع العائلي، وأول من دلف هو معتصم ومعه زوجته سجود وبناته التوأمتان رهف وجميلة، تلاه شهاب ومعه إهداء وأبنائه زينب وميادة، ومن بعدهم دلف موسى الذي يحمل إبنه إسحاق ومعه زوجته تسبيح التي تُمسك رضيعتها مي بين ذراعيها، ثم محمود ومعه ميران وإبنه سليمان، ومن بعدهم عابد و وصال ومعه إبنته سلسبيل وأخيرًا أحمد الذي دلف ومعه زوجته ساندي وفتاته حور.
فتح ريان عيناه بصدمة من ذلك الهجوم المُفاجئ، قائلًا بدهشة: عيلة دي ولا فريق كورة!
جاء كبار العائلة من الخارج بعد صلاة الجمعة، وذهب كل والده لإبنه لعناقه وعناق أحفاده، اتجه أحمد تجاه والده، ثم قبَّل يده بحب وإحترام، وكانت تلك عادته منذ أن تنازلت تسبيح عن المحضر من أجل عمها، تغير كُليًا وظل يطلب السماح من والديه وأعمامه لفترة طويلة، لكنه لم ييأس، بل أصر فوق آذانهم حتى نال مسامحتهم، وتزوج من ساندي التي أعطته كل الحب والإحترام دون مقابل، حتى وقع بها هو الآخر، فأصبحت تسبيح شقيقة له كجميع فتيات العائلة.
أصبحت الصالة ممتلئة بصوت الضحكات العالية المُمتزجة بين صوت الرجال والشباب والأطفال، فكان الجو الأسري والألفة بين العائلتين جميل للغاية، خاصةً بعد أن تم التصالح بين العائلتين، وأصبح يوم الجمعة بالنسبة لهم هو يوم مقدس.
دخلت لوچي التي أتت من درسها للتو، قائلة بصوت خافت وإبتسامة واسعة: السلام عليكم.
ردَّ عليها الجميع بود، عدا ذلك الوقح الكبير الذي أطلق صفيرًا عاليًا قائلًا بمشاكسة: أهي كدا القاعدة التمام على ست الحُسن والجمال.
قذف فارس حذائه على وجهه مُزمجرًا: احترم نفسك يلا انت مبقتش صغير، انت بقيت شحط 14 سنة يعني تتلم.
ورغم الألم المُسيطر على وجهه، أجابه ببرود مُستندًا على الأريكة من خلفه: إهدى بس يا حمايا صحتك.
زجره بكر بحدة: ما تتلم يا واد هو محدش مالي عينك ولا إيه!
هبَّ مدثر من مكانه قائلًا بضيق طفيف: في إيه يا جدو، أنا أكيد بهزر.
أنهى حديثه ثم تركهم وذهب ينظرون لأثره بحيرة، وضع فارس ابنه على قدم زهر ثم ذهب خلف مدثر لمراضاته، وكذلك ذهبت خلفه لوچي لتراه.
وجده يقف في الشرفة يشرب مشروبه المفضل الذي فعلته عمته لهم، وهو الشاي بالنعناع، قيده فارس رقبته من الخلف قائلًا بمزاح: لأ متقوليش! السافل بيزعل ويتقمص زينا عادي كدا!
لوى مدثر شفتيه بسخرية مُجيبًا إياه: - أصلًا مش زعلان عادي، وبعدين أنا مش جاي هنا عشان كدا.
انتشل فارس الكوب من يده مُرتشفًا منه عدة رشفات، ثم تسائل بتعجب: أومال جاي ليه!
غامت عيناه بالمكر مُجيبًا إياه: أسبابي الخاصة يا عمو.
هز فارس رأسه بيأس من خبثه، ثم تركه وذهب عائدًا للعائلة من جديد، لقد جاء خلفه تحديدًا ليتأكد من عدم ضيقه، وها هو قد تأكد الآن.
انتظرت لوچي ذهاب والدها ثم ذهبت إليه منادية عليه بصوت خفيض: مدثر. ان.
شهقت بفزع عندما وجدت ذاتها مُحاطة بين ذراعيه، ثم تحدث بعشق: مدثر بيعشقك من لما كنتِ بنت 3 سنين يا لوچي.
عضت على شفتيها بخجل، ثم نظرت إليه بغموض مُقررة الإصفاح عما بداخلها: يعني. يعني مش بتحب حد من بنات دفعتك!
اقترب منها أكثر هامسًا بأذنها: مش بحب حد، ومش شايف غيرك، أول دقة من قلبي طلعت ليكِ انتِ، وانتِ مش هتكوني لغيري يا لوچي.
طرق قلبها بعنف من حديثه، من يستمع إليهم يظنهم مراهقون، لكن ما بداخلهم أقوى من ذلك، حتى أقوى من الحب ذاته، نظرت حولها بترقب، ثم عادت لتنظر إليه وقد عادت نظراتها العابثة التي كانت تتسم بها منذ وأن كانت صغيرة، متشدقة بوقاحة: بقولك إيه ما تجيب بوسة وانت عسل كدا.
اقترب منها مستعدًا مُجيبًا إياها بعبث: والله أنا ذات نفسي معنديش مانع.
وبالفعل كاد أن يطبع قُبلة على وجنتها، حتى ظهرت أمامهم غزل التي أمسكت من ثيابهم كالمجرمين، متحدثة وهي تكز على أسنانها: أنا نفسي أعرف هتبطلوا قلة إمتى! انتوا مبتتهدوش!
تململت لوچي من بين ذراعيها قائلة بضجر: سبيني يا زوزو مينفعش كدا، هو لِحق يعمل حاجة!
تحدثت بصدمة وهي تنظر لها: يابت انتِ كبرتي، يعني احترمي نفسك شوية بقا، دا احنا شوية وهنلمكوا من تحت السلم.
أطلق مدثر ضحكة عالية وهو يعلم كل العلم بأن معها كل الحق، وضع يداه داخل جيب بنطاله، غامزًا للإثنان بمشاكسة، ثم تركهم وذهب.
ابتلعت ريقها بخوف وترقب، ها هو العام الثامن ولم تحصل حتى الآن على أطفال، أمسكت نوال بإختبار الحمل بإرتعاش وداخلها خوف كبير من فشله، دلفت للمرحاض عدة دقائق ثم خرجت مجددًا.
لكن تلك المرة وعيناها مغرورقتان بالدموع، هي حامل! تحمل نطفة داخلها! ستُصبح أم بعد عناء دام لسنوات، ستختبر شعور الأمومة وأخيرًا!
دلف بدر للغرفة ليُناديها، ليجدها على تلك الحالة، هرع إليها بفزع من حدوث لها أي مكروه، كاد أن يتحدث فقطع حديثه عندما رآها تُمسك ذلك الشئ الأبيض بيدها، نفخ بيأس وهو يُحاوط وجهها مُتحدثًا بحنان: يا حبيبتي بالله عليكِ كفاياكِ بُكى، معتحملش أشوفك إجده، جولتلك ألف مرة مش عايز عيال إياك، أنا بعتبرك بنتي وحبيبتي، ليه تنكدي على روحك!
رفعت عيناها المليئة بالعبرات ثم همست بخفوت: بدر أنا حامل.
ألف مبر، إيه!
نطقها بصدمة، فضحكت هي وبكت بذاتِ الوقت، وفجأة قفزت محلها ناطقة بعدم تصديق: بدر أنا حامل.
فاق من صدمته ليوقفها بخوف مُحيطًا بخصرها: اهدي اهدي، من فرحتك هتسجطي الچنين يا هبلة.
علت ضحكاتها المكان ثم احتضنته بسعادة شديدة، وفجأة انفجرت في البكاء، ظلت بعض الوقت تبكي وتُتمتم بالحمد وهو فقط يحتضنها، وعيناه مليئة بالدموع، إلى أن تحدثت هي من بين شهقاتها وكأنها تؤكد على ذاتها ما حُرمت منه لسنوات: بدر أنا حامل.
أكد لها عندما رأى حالتها المثيرة للشفقة، مُقبلًا جبينها بحنان: هتكوني أحسن وأجمل أم في الدنيا كلياتها، بحبك يا حبة الجلب.
رفعت وجهها المُمتلئ بالدموع ثم تحدثت بعشق: وأنا بعشقك يا قلب حبة الجلب.
طرق الباب فجأة وجاء صوت شقيقته من خلفه: يلا يا بدر حماك وحماتك وخالتي ماجدة مستنينك تحت.
ضربت على جبينه بتذكر، ثم نظر لها متحدثًا بمزاح: شوفي نستيني كنت جايلك ليه، أمك وأبوكِ وعمتك تحت مستنينك، تعالي ننزل نفرحهم.
أومأت له بسعادة، ثم ذهبت معه وهي تُشبك يدها بين أصابعه كالطفلة، من يراهم يظنهم أب وابنته من شدة لُطفهم.
يلا يا زين اتأخرنا على الحفلة.
قالتها ني ين وهي تنادي ابنها الصغير الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، وجدت من يُحيطها من الخلف وبالطبع لم يكن سوى زوجها، الطبيب الوسيم رامي الذي قام بمعالجتها، ومنذ ذلك الوقت بدأ الحب يتشكل بين طيات قلوبهم دون أن يشعروا.
أتاه صوته وهو يعبث بخصلاتها: حبيبي بيعمل إيه!
ضحكت بخفة وهي تُمسك بكوب العصير لتُعطيه إياه: بجهز الحاجة اللي هناخدها معانا الحفلة، هيبقى يوم ولا أروع.
اقترب منها بخطورة هامسًا أمام وجهها: عشان انتِ فيه بس.
اتسعت ابتسامتها من حديثه الذي لم يفشل ولو مرة واحدة في إسعاده، لذلك اقتربت منه مُحيطة بخصره، قائلة بهيام: بحبك.
أحاطها هو الآخر مُشددًا من عناقها، ثم أجابها بحب: وأنا كمان يا نور عيني.
انتهى اليوم وذهب كل شخص إلى منزله بعد تعب يوم طويل عايشوه، نظرت غزل بجانبها إلى الذي يغطُ بنومٍ عميق، طالعته بعشق ناظرة لكل إنش بوجهه بهيام، لقد عوضها عن الكثير، حنانه كان نقطة ضعفها، طفولته المُغلفة برجولته كانت تُهلكها، هو الشخص الأول والأخير الذي يدق له قلبها، بإختصار هو لن ولم يُعوض.
أمسكت بهاتفها ثم فتحت ملاحظتها، وظلت تدون بها بعض الكلمات، تململ في نومته بإنزعاج ليفتح عيناه بكسل فوجدها ما زالت مُستيقظة، اعتدل في نومته قائلًا بصوت يشوبه النعاس: صاحية لحد دلوقتي ليه!
أجابته ببساطة وبسمة خفيفة تتشكل على محياها: عادي مش جايلي نوم.
أومأ لها بهدوء، فأمسك بذراعها يُبعده عن جسدها، ثم وضع رأسه موضع قلبها قائلًا بلُطف: طيب نيميني في حضنك.
وهل سيعشقه القلب أكثر من ذلك! جملة ترددت في أذهانها كثيرًا ولم تجد لها إجابة حتى الآن، أحاطت برأسه بيد، وباليد الأخرى أمسكت بهاتفها تُدون عليها ما يأتي بخاطرها:
عِشقه كالنيران، نشبت بكل ذرة في جسدي، حتى طال موضعه إلى قلبي، ف تغلغل داخله مُحطمًا تلك الحصون التي بنيتُها، أحببت طفلًا ب زي رجُلًا بالغ، طالتني نيرانه المُتيمة، فأصبحتُ أنا: مُتَيمة بنيران عشقه.