قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف7

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف7

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف7

كلماتٍ من صخرٍ أصابتها بألمٍ غير محتمل، لم يستوعب عقلها بعد خبر وفاة والدها لتتلاقى الخبر الذي يليه كونه قتل وعلى يد من؟

زوجها!، ليتها لم تعلم تلك الحقيقة، ليتها لم تجيب على الهاتف من الأساسٍ، فأن كانت المشاعر القابعة بداخلٍ صدرها بالأختيارٍ لكانت اختارت البكاء علها تشعر بالارتياحٍ، ولكنها مازالت تتمسك بسماعةٍ الهاتف بيدٍ مرتجفة وعينيها مسلطة لمن يقف على مسافةٍ منها، مهامه الشاقة منحته القدرة على قراءة لغة العيون، وخاصة زوجته، تمكن مراد من استنتاج ما عرفته من تلك المكالمة التي أفسدت تعابير وجهها بصورةٍ ملحوظة، نهض عن مقعده ثم اقترب منها ببطءٍ، وكأنما يهيئ ذاته لما سيحدث فيما بعد، وقف مقابلها وهو يجاهد بثباتٍ لهجته:.

أنتِ كويسة يا حنين؟
وضعت الهاتف عن يدها وهي تتأمله بصمتٍ، نظراتٍ قوية، مشككة فيما استمعت اليه لتو، لا يعقل أن يكون زوجها القاتل، ليتها ماتت قبل أن تستمع لتلك الحقيقة، كيف يقف أمامها ويتساءل عن حالها؟!.
بالكد تحرك لسانها ناطقاً:
أنت اللي قتلت بابا؟.

كان يعلم أن تلك الحقيقة ستكشف ذات يومٍ ولكنه لم يكن مستعداً لذلك، وخاصة بعد أن تلاشت المسافات بينهما، أمسك مراد بيدها وهو يتماسك بذاته في محضر الجميع، فقال بثباتٍ:
خلينا نتكلم فوق.
كانت تنتظر اجابة ينفي بها ما طرحته على مسمعه، ولكن رغبته بأن ينفرد بها يؤكد صدق ما استمعت اليه، انتشلت ذراعيها من بين معصمه وهي تعيد سؤالها مجدداً بانفعالٍ:
جاوبني على سؤالي وهنا..

نهض طلعت عن مقعده، ليهم بالاقترابٍ منهما وهو يتساءل باستغرابٍ:
في أيه يا بنتي!.
انسابت الدموع من عينيها فكأن عالمها المعزول حجبها عن جميع من حولها فحتى سؤال طلعت لم تستمع اليه، لم تكن ترى شيئاً سواه هو، فتحرك لسانها ناطقاً:
ليه عملت كده!، أنت نهيت اللي بينا باللي عملته!.
ثم ازاحت دموعها وهي تجاهد لاستكمال كلماتها الثقيلة:.

ازاي مقدرتش أخد بالي من نظراتك ووعدك ليه من أخر مقابلة تمت بينا، كنت عبيطة وفاكرة انك مستحيل تقتله لأنه مهما عمل فهو أبويا!.
فركت جبينها بقوةٍ كادت بتفتت رأسها وهي تردد في صدمةٍ:
أنا مش قادرة أصدق أنك عملت كده، أكيد في حاجة غلط..
تابع ما قالت حتى انتهت من حديثها، فقال بثباتٍ يخفي من خلفه حزنه على ما أصابها:
عملت كده لانه يستحق..

جحظت عينيها بصدمةٍ، لتصريحه المباشر فكانت تود سماع انكار لما نسب اليه أو تبرير لما دفعه لذلك؛ ولكن ثباته واتزان لهجته باخبارها تلك الكلمات جعل غضبها يزداد أضعافاً، فتحركت خطوتين وهي تخبره بغضبٍ:
أنا لا يمكن أفضل هنا معاك ثانية واحدة..

وتركته محله ثم ركضت لغرفةٍ ابنتها بالاعلى، لحقت بها شجن على الفورٍ، انتقلت نظرات مراد تلقائياً على مروان، الذي يتناول طعامه ببرودٍ شديد، اقترب مراد من الطاولة، فانحنى بجسده تجاه أحد المقاعد ليحدجه بنظرةٍ مطولة تشعل العواصف بداخل حدقتيه المظلمة، نهض رحيم عن مقعده ليقترب منه سريعاً، مشيراً له بيديه بهدوءٍ:
اطلع شوف حنين..

شدد من قبضته على مقدمة المقعد الذي كاد بأن يسقط أرضاً من فرط الضغط عليه، بقيت نظرات رحيم تراقب ردود أفعاله وهو يعلم ما يدور بداخله تجاه مروان، فدفعه للخلف وهو يعيد ما قاله من جديدٍ:
حنين أهم!.
بصعوبةٍ بالغة سحب النظرات التي تحاوطه ثم صعد خلفها وبداخله يتوعد اليه بالكثير، صاح طلعت بعصبيةٍ بالغة:
ما حد يفهمني ايه اللي بيحصل هنا ده؟!
أجابه مروان وهو يلوك قطعة من الجبن بتلذذٍ:.

هو أنت متعرفش أن مراد قتل أبويا ووالد حنين يا عمي ولا أيه؟.
صُدم كثيراً، فردد بعدم استيعاب:
أيه؟!.
اندهش سليم من معرفته لحقيقة الأمر فخمن بأنه وراء المكالمة التي تلقتها حنين من دقائق، رده على طلعت زيدان كان بمثابةٍ اعتراف بأنه خلف ما حدث بين الجوكر وزوجته منذ قليل، غلت الدماء بعروق أخيه، فنهض عن مقعده ثم أسرع ليقف أمامه مباشرة فنهض مروان هو الأخر ليكون مقابله، فقال ريان:
أنت اللي ورا المكالمة دي؟.

شرارة عينيه زفت جوابه اليه، رفع يديه الصلبة ليهوى بصفعةٍ قوية على وجهه وهو يصيح بانفعالٍ:
أنت عمرك ما هتتغير أبداً وتبطل تاخد قرارات من غير ما ترجعلي!.
أتاه رداً قاسي لم يتوقعه منه:
ولا أنت كمان هتتغير هتفضل ماشي ورا رحيم زي الربوت يقولك شمال شمال، يمين يمين، تسكت عن كل حاجة وتتقبل أي حاجة تخصه حتى لو كان أبوك اللي اتقتل غدر على ايد واحد ميستهلش انه يتشبه بالانسان..

كاد ريان بأن يرد عليه بقسوةٍ ليفق من غفلته، ولكن صوت رحيم صدح بالارجاءٍ ليفصل بينهما:
عمرك ما هتقدر تفهم أخوك ولا تفهم أي حد فينا طول ما أنت شايف مراد عدوك وميهموش مصالحتك..
تخلت نظراته عن اخيه ثم تطلع لمن يباغته بالحديثٍ الصريح عن طبيعة علاقته بمراد، نقلت نظراته الغاضبة اليه، فأخبره بما يضيق بصدره:.

لأن دي الحقيقة وعمره ما هيكون قريب أو حتى صديق، يمكن بالفترة اللي فاتت كنت بحاول اتقبل ده بس لحد ما كشفت خطته القذرة بعد ما كان عايز يكسرني ويوجعني بعلاقة الحب المزيفة دي.

أغلقت يارا عينيها بألمٍ حينما استمعت لما قاله، ودت لو تلبستها الشجاعة فتخبره بما تود قوله، فتسللت لتصعد لغرفتها، فتخشبت محلها في صدمةٍ حينما سد مروان طريقها، ثم جذبها لتقف أمامه، بلعت ريقها بتوترٍ وهي تحاول تحرير ذاتها من بيد قبضة يديه، ابتسم وهو يتأملها، فردد بسخريةٍ:
أيه، خايفة أتكلم عن اللي عملتيه!.
تعمقت بعينيه المخيفة وهي تبحث عن دفءٍ فقده وهو يحارب الشيطان بداخله، فهمست بصوتها المتوسل:.

سيبني..
ضغط بيديه بقوةٍ ألمتها، فأنغمست أظافره بجلدها، أغلقت عينيها بوجعٍ والدموع تتاسب بقهرٍ وخاصة حينما تدخل طلعت قائلاً بعصبيةٍ بالغة:
أنت أيه اللي جرالك يا ابني، طايح في الكل وكأن مالكش كبير!.
ابتسم وهو يجيبه بابتسامةٍ مستفزة:.

وأنت الكبير لابنك يا عمي؟، تمام يبقى تسمع بقى، ابنك طلب من بنت خالته تمثل عليا دور الحب وهي مخطوبة وهتتجوز من راجل تاني وكل ده علشان يكسرني، وبرضه هو نفسه اللي قتل أبويا، ها هتعمل أيه يا كبير!.

كانت اهانة صريحة لطلعت زيدان في محضر الجميع وعلى رأسهم رحيم، كاد مروان باستكمال كلماته اللازعة ولكنه أطيح أرضاً بين الاقدام على أثر لكمة قوية تلاقها دون أن يشعر بهويةٍ صاحبها الذي وقف أمام عينيه، فدب الرعب بالقلوبٍ حينما اصبح مروان في مواجهة من لا يرحم من يتعدى حدود بيته، كور يديه بغضبٍ مدمر وهو يشير له بأصبعه:.

صوتك ميترفعش في بيتي وعلى أبويا، ولو هتحمد ربنا فتحمده إني هسيبك تمشي على رجلك علشان أخوك اللي بتعيب فيه..
تلألأت الدموع بعين طلعت زيدان فلم يكن يتوقع أن يقف رحيم كالسد المنيع لأجله هو، ربما أن فعلها مراد لن يتعجب لذلك؛ فبالرغم من الضيقٍ الشديد الذي استحوذ عليه لقاء حديث مروان المهين الا أن موقف رحيم الشرس جعله يبتسم في رضا تام...

أسرع سليم بالتداخل حينما وجد الأمور تخرج عن السيطرة، فوضع يديه على كتفي رحيم وهو يذكره بالعهد المصان قائلاً:
مروان غلط أنا عارف بس هو ميعرفش الحقيقة علشان خاطري متضخمش الامور، بلاش نخسر اللي عملاناه طول السنين دي..

جز على أسنانه بضيقٍ شديد، فأبيضت يديه من شدة ضغطه عليها، لذا انسحابه من القاعةٍ برمتها كان قراراً صائب حتى لا يقتله، أزاح مروان الدماء المنسدلة من فمه بالمنديل الورقي وقد طاح به الغضب لدرجة قاتلة، ود لو تمكن من قتلهما بتلك اللحظة، استند بجذعيه على الأريكة من خلفه ثم نهض عن الأرض ليجد ريان يقف أمامه كالوحش المقيد بأغلالٍ نهايتها بيد طلعت زيدان الذي يشير له مراراً بالا يرتكب تصرف خارج عن المحظور، يكفي ما فعله رحيم به، لذا ترك له زمام الامور ليخبره بانكسارٍ قبل مغادرته القاعة:.

ياريت كان بأيدي أختار أهلي!.
غضب مراد و رحيم والعالم بأكمله لم يشكل فارقاً بالنسبة اليه؛ ولكن كلمات أخيه وحزنه الناطق به معالم وجهه البائس مزق قلبه لشطرٍ لم يرغب بالشعورٍ بألمه الخانق، وقف طلعت من أمامه ولجواره نجلاء التي تهدأ من روعه وتسانده بربتها على كتفيه بخوفٍ على حالته الصحية، تحرر لسانه ناطقاً عن صفحاتٍ الماضي:.

زمان مكنش في حد بمعزة أبوك عندي، بس بمقابل الحب ده خدت عدواة وغدر مالوش نهاية، شوفت حقد كبير على مالي وسلطتي وحبي اللي مقدرتش أبينه للنور، كان ببضربني في دهري ومن غير ما أحس وجهزلي كفني والحادثة اللي بينت للكل ان طلعت زيدان انتهى وكل ده وأنا عايش ومحبوس في سجن أسوء من الموت، سنين وانا عايش شبه ميت، بسمع منه الاخبار الوحشة بس، اللي تهزني وتقهرني، وبعد كل الوجع ده كان عايزها تشوفني وانا مكسور لانه عارف كويس أن السلطة والنفوذ بالنسبالي عاملة ازاي..

صعق مما استمع اليه من معلوماتٍ مزلزلة وخاصة حينما استكمل:
ومراد اللي أنت بتتكلم عنه ده هو اللي منع حد يعرفكم بحقيقته..
بلل شفتيه بلعابه وهو يبحث عن مخرج أو حجة مناسبة تخرجه مما وضع ذاته به فقال:
حتى لو عمل كل ده ميدلوش الحق انه يقتله!.
هنا تدخلت يارا بالحديث، فقالت بخوفٍ وتردد:
لو عايز تعرف الاجابة على سؤالك ده، تعالى معايا...
حدجها بنظرةٍ مطولة، ساكنة ولكن ما تخفيه مقبض، دفعه سليم برفقٍ ليشير اليه:.

روح معاها واسمع كل الحقايق قبل ما تواجه مراد وترمي عليه التهم..
كان يود سد أي حجة سيلجئ لها البعض، لذا اتبعها وهو يحاول التحكم بانفعالاته، يود بداخله لو أن يصفعها بقوةٍ على ما ارتكبته بحقه ولكن عليه التمهل لسماعٍ ما تود اخباره به..

ضمتها لصدرها، تشاركها أحزانها ودموعها تشق وجنتها، تعلم جيداً ما تشعر به بتلك اللحظة بالتحديدٍ، نعم كانت تشعر بالضجرٍ وخيبة الامل حينما ترى رحيم يحمل السلاح او يصوب ناره على أحداً مهما كانت قوة شره، فماذا أن كان ضحاياه هو أحد أفراد عائلتها، ربتت بحنان على ظهرها وهي تهمس بصوتٍ متقطع من البكاءٍ:
هوني عن نفسك يا حنين.
ابتعدت عنها، بنظرة حائرة لتسألها بخوفٍ:
اللي بيحصل ده مش حقيقي صح يا شجن!

تعلم ما تمر به، فمسدت بيدها على ظهرها بتأثرٍ:
اسمعيه وأعرفي ليه عمل كده..
تهجمت ملامح وجهها، فرددت بعدم تصديق: .
اسمع أيه!، أنا مش قادرة أبص حتى في وشه..
ومسحت بأناملها دمعاتها لتسترسل ببسمةٍ ألم:
أنا عارفة أن بابا وحش، ومكنش بيفكر غير في مصلحته هو بس، وأني كنت أخر اهتماماته بس بالنهاية هو أبويا ودي الحقيقة اللي مقدرش أغيرها..
وانهمر الدمع من عينيها كشلالٍ شرس ولسانها ينطق بما لا تود قوله:.

قوليلي ازاي هتقبل الحقيقة البشعة دي؟، ازاي هقدر أكمل معاه وهو اللي قتل ابويا؟، ازاي هشوفه أماني وهو في نظري مجرم؟!.
أغلق هذا المحارب عينيه بوجعٍ يستهدف قلبه العاشق، لحق بها ليحتضنها بتملكٍ علها تستمع ما يود اخبارها به، اختبأ ليستمع ما قالته لشجن فعصف ما تبقى بداخله، خرج مراد على الفور ثم توجه بسيارته ليلحق بيارا ومروان وبداخله شعاعٍ غامض لا يفصح عما يجول بداخله أغضبٍ أم هلاك لما فعله!.

استلم سليم رسالة على هاتفه من فارس بضرورةٍ التوجه لمطعم يوسف في التو والحال، تعجب كثيراً فالعنوان المطروح من أمامه هو بالفعل لأحد مطاعم يوسف ؛ ولكنه يتذكر بأن افتتاحه الشهر القادم، حاول جاهداً ليستكشف حول الامر ولكن الاخر كان خبيث للغاية، فرضخ لرغبته بنهايةٍ الامر وتوجه للعنوان المحدد.

بحديقةٍ القصر..
وضعت يدها على يديه الموضوعة على حافة مقعده، لتطمنه قائلة بلهجتها الحنونة:
متقلقش يا طلعت ان شاء الله الامور هترجع زي الاول..
أبعد يديه عن خده وهو يشير لها برأسه:
معتقدش، أنتِ متعرفيش مروان يا نجلاء، الواد ده طول عمره دماغه ناشفة ومش بيسمع غير لنفسه وبس، يعني مستحيل يقتنع ان ابوه كان كده بسهولة...
ربتت بيدها بهدوءٍ وهي تخبره بلباقةٍ:
مصيره هيستعوب وهيعرف ليه مراد اتصرف كده.

شرد بالفارغٍ وعقله هائم بأفكارٍ مزدحمة حول كناية القادم..

صعد خلفها للطابق الأخير من المصحةٍ حيث تحبذ ان تقطن تلك الفتاة الغامضة بالنسبةٍ اليه، كان سطح المصحةٍ واسع للغاية، مكشوف دون أي اسوار، وقف مروان خلف يارا، يتابع نظرات عينيها بترقبٍ حتى يفهم ما تود قوله بمجيئه لهنا بالتحديدٍ، سُلطت نظراتها على فطيمة التي تبعد عنها مسافة ليست بقليلةٍ، وقف يوزع نظراته بينها وبين تلك الفتاة الغريبة، ليتساءل بعد فترة من الصمتٍ:.

أقدر أفهم جبتيني هنا ليه؟، ولا لسه في كدبة جديدة!.
استدارت يارا لتكون بمقابله، مشيرة اليها بأصابعها:.

جبتك هنا علشان تشوف حقيقة باباك بنفسك، اللي قدامك دي حالة من الحالات اللي باباك كان السبب في اختطافهم وهتك عرضهم ومش بس كده ده كان بيتأجر بحريتهم وبأجسامهم، كنت عايز تعرف اللي عمله هو والوزير علشان يستحق القتل، وأنا ريحتك، باباك كان قذر بكل ما تحمله معنى الكلمة واللي مراد عمله فيه ده فخر ليك ولأخواتك لان آآ...
بترت كلماتها حينما هوى على وجنتها بصفعةٍ مداوية وصوته ينطلق كالرعدٍ:.

اخرسي، أنتِ أيه؟!، لسه ليكي عين تقفي قدامي وتخترعي حجج وأعذار تداري بيها على اعمال ابن خالتك القذرة!.
تلألأت الدموع بعينيها، وأصابعها تتحسس خديها المتورم، فرددت بصوتٍ يجاهد للخروج:
دي الحقيقة اللي أنت عمرك ما هتتقبلها لان مراد بالذات هو الطرف التاني ليها.
اقترب منها حتى أصبح مقابلها، ليردد في سخطٍ:
الحقيقة هي أنك أكبر كدبة دخلت حياتي، خدعتيني ومثلتي عليا علشان تكسريني زي ما هو كان عايز..

أشارت له باعتراضٍ، وهي تخبره ببكاءٍ:.

مش صح، أنت لما انقذتني من الموت مكنتش شايفاك غير ملاك الرحمة اللي أنقذني في أكتر وقت كنت محتاجة فيه للمساعدة، بس لما اتفاجئت بيك وباعترافاتك بحبي كنت مرتبكة ومش عارفة أخد قرار ما بينك وبين علي صديق الطفولة اللي عمره ما أتخلى عني وأقل رد لكل اللي بيعمله معايا اني اتجوزه، أخدت قرار اني أصارحك بكل حاجة بس ساعتها مراد منعني لانه شاف أد أيه أنت اتغيرت وممكن تتغير للأحسن، فطلب مني اني مقولكش على حاجة لحد ما تمتحن وتنجح وتكمل طريقك، وأنا كنت فاكرة باللي هعمله هكون بردلك الجميل بانقاذي من الغرق، بس مكنتش اعرف أن علي هيرجع مصر والحقيقة تتكشف بالطريقة دي، صدقني حاولت كتير أقولك بس آآ...

حدجها بنظرةٍ قاتلة، كلما تذكر اسم رجل أخر غيره يشتعل فتيل غيرته وخاصة هذا الذي يدعي علي، اختصر المسافة الامنة فيما بينهما ليخبرها من بين اصطكاك أسنانه:
متنطقيش اسمه على لسانك تاني قدامي...
بللت شفتيها بلعابها بخوفٍ، فرددت بتردد:
أنا مش بأيدي اختيار يا مروان، أنت لازم تعرف اني بآآ...
بترت كلماتها حينما استمعت لصوته القادم من خلفهما:
كنت واثق اني هلاقيه معاكِ هنا وعلشان كده بتتجاهلي مكالماتي برضه..

ابتعدت عن مروان سريعاً وهي تردد بارتباكٍ:
علي!.
أمتقع وجه مروان بغضبٍ يكفي عالم باكمله، أسرع تجاهها حينما وجدها تقف على مسافةٍ قريبة منه، فجذبها بالقوةٍ لتقف أمامه وكأنه يخبره بما فعله بأنها تعود اليه هو، فأخبرها بحدةٍ:
ممكن تفهميني موبيلك ليه مقفول، وليه واقفة مع البني آدم ده هنا وفي الوقت ده..
بلعت ريقها بتوترٍ وهي تشير بيدها تجاه بقعة بعيدة عنهما:
أنا كنت بوريه حالة فطيمة لأن آآ..

توقفت عن استكمال كلماتها حينما وجدت المكان فارغ، فعلى ما يبدو أنها غادرت دون أن تشعر بها لانشغالها بالحديث مع مروان، جز على شفتيه بغضبٍ وهو يردد في سخطٍ:
أيه فطيمة اتبخرت!، ولا بتدوري على حجة تانية..
كاد مروان أن يخرج عن ثباته بغضبٍ وحشي حينما رأى طريقته بالتعامل معها، فقال بهدوءٍ يخفي من خلفه مكرٍ كبير:
فعلاً أنت صح مش هنحتاج لحجج علشان نتقابل مرة واتنين والف..
صعقت مما قاله، فقالت بدموع:.

أيه اللي بتقوله ده يا مروان!.
قال وعينيه تقابل نظرات علي ببرودٍ:
الحقيقة اللي لازم يعرفها يا روحي..
خرج عن طور التحكم بأعصابه، فناوله لكمة كادت باصابة فكيه فتفادها مروان سريعاً، ثم ركله بقدميه ببراعةٍ، جعلته يسقط أرضاً من فرط وجعه، ثم انهال عليه بعددٍ من اللكمات المتفرقة فكاد بأن يفقد واعيه، أسرعت اليه يارا لتخاطبه في هلعٍ:
لا يا مروان، كفايا..

وجد لجواره فانوس صغير بداخله مصباح، موزع على السطح المربع بشكلٍ متفرق، فضربه أرضاً ليتحطم اجزائه الزجاج، فقربها مروان من رقبته بشراسةٍ، فعاد لواقعه حينما على صوت بكائها مع رجاءٍ ملح بتركه، وبالفعل ألقى عن يديه قطعة الزجاج ثم كاد بالتوجه للخروج من هذا المبنى، فتح علي عينيه بألمٍ، وقد أشتعل فتيل غضبه لما فعله به الأخير، فاستند بجذعيه لينهض بصعوبةٍ ونيران الثأر لما فعله تزداد تأججٍ لذا وبدون أي تفكير تحرك تجاه مروان الشارد بخطاه نحو الخروج من الباب الجانبي، فأسرع من خلفه ليدفعه بكل قوته فانجرف الأخير عن حافة السطح ليسقط عنه، فتعلقت يديه بحافته وهو يحرك جسدها بانفعالٍ ومحاولات مستميتة للصعود ولكنه لم يتمكن، صرخت يارا بصدمة وهي تردد:.

مروان، لأ!.
اسرعت اليه فانحنت لتحاول رفع جسده أو حتى جذب يديه ولكنها لم تتمكن من ذلك، فرددت بدموعٍ لا نهاية لها:
مروان..

أعماه الشيطان بداخله، فجعله يرى حل للمعضلة التي يلاقاها، عليه التخلص من هذا الشاب السمج، لذا تحرك تجاه بقايا الزجاج الملقاة ثم جذب أحداهما واقترب منه بابتسامةٍ واسعة وعينيه تتلألأ بشعاع الموت والهلاك، انحنى ليمرر قطعة الزجاج على يديه اليميني، فصرخ بألمٍ شديد، فحرر قبضة يديه عن الحافة، ولما يتبقى سوا يديه اليسرى، كاد بأن يثقبه كذلك غير عابئ بتواسلات يارا ولا برجائها بالا يفعل ذلك، ثقل جسده يحتمله على ذراعٍ واحد، والموت سيرحب به بعد دقائق من الان ان تخلت أصابعه عن الجسم الصلب المتعلق به، حاولت يارا ايقافه وهي تصرخ ببكاءٍ عاصف:.

لأ يا علي كفايا، هتقتله كده!.

لم تؤثر به كلماتها وكاد بأن يثقب يديه ولكنه تفاجئ بلكمة قوية اطاحت به أرضاً، وقبل أن يصارع حتفه وجد يد قوية تتمسك بيديه بأحكامٍ، بصعوبةٍ بالغة تحركت حدقتيه عن التطلع لمسافةٍ الأرض المتبقية لملامسة جسده، ليجد من يقف أمامه ويتمسك به جيداً دون أن يفلت أصابعه، ليرفعهما مرة واحدة حتى وقف قبالته، لقاء كذلك سيكون مشداً فيما بينهما ولكن صدمة مروان بمعاونة مراد اليه كانت لا تقص بكتب التعبير عن الاحاسيس، فنقل نظراته لعلي، فاقد الوعي على أثر ما فعله به الجوكر، وكأن حديث العالم تقلص أمام هذا الموقف، بدى مروان بحيرةٍ لم يختبرها قط، وخاصة حينما وقف قبالته في سكونٍ عجيب..

وصل سليم للمطعم، فصعد للطابق الثاني مثلما أخبره جان و فارس، تعجب كثيراً حينما وجد المكان بأكمله مزين بحرافيةٍ وتقنية عالية، ببدء الامر ظن بأن الزينة مهيأة لاحتفال افتتاح المطعم ولكن اسم سليم المزين بشموعٍ مختلفة الالوان جعلته على ثقة بأنه مهيأ اليه خصيصاً، فتش بعيناه عن أحداً قد يخبره بما يحدث هنا، شعر بأن هناك من يراقبه، فابتسم حينما وجد سهام زرقاء اللون مرسومة على الأرض لتدله على الصندوق الاول، حيث كتب بها بالخط العريض عيد ميلاد سعيد، ابتسم بسخريةٍ من حركاتٍ زوجته الطفولية، فتتابعها الى أن وصل لأخر صندوقٍ، فتحه بلهفةٍ الى أن وجد هدية ملفوفة جيداً فكشف عنها ليجدها اختبار الحمل الصغير ذو اللون الابيض البهي، ينير أمامه بخطين يخبروه ببشرى لقدوم صغير ينير العالم بأكمله..

بالقصر...

بدأت سرعة الجهاز بسرعةٍ منتظمة بالبدايةٍ، فرفعها باصبعيه ليركض بسرعةٍ مهولة كادت بأن تحطم جهاز الركض خاصته وهو يتذكر ذلك الجزء الخاص بأهانة أبيه أمام عينيه، السماعات التي يضعها على أذنيه ألهته قليلاً عن العالم الخارجي عن غرفته الخاصة بجناحه، وقفت هي من خلفه تحتضن بطنها بألمٍ شديد تناديه مرة وتليها الاخرى، بصعوبةٍ بالغة تحركت تجاهه، لتضع يدها على جسده المبتل بعرقه نظير ما يبذله من مجهودٍ مفرط، شعر بنسمة خافتة تلامس جسده الساخن، فأبعد السماعات عن أذنيه وهو يستدير من خلفه ليجدها تقف جواره تتمسك رأسها ويدها الاخرى بطنها لتردد بصوتٍ خافت قبل أن تفقد وعيها بصورةٍ مفجعة:.

رحيم!.
سقط جسدها كمن سلب روحها عنها، فأصبحت كقطعة الجماد الساكنة بين يديه، سكنت وكأنها عاهدته بتعلق نبضات قلبه بقلبها، فشعر بتوقفه، صمته كان مخيف ليحرره صوت عصف بأرجاءٍ قصره:
شجن!..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة