قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف4

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف4

رواية متى سيهتدي الوصال ( الجوكر والأسطورة 5 ) للكاتبة آية محمد رفعت ف4

أخر شيء توقعته أن يترك عمله ويسافر إليها، كانت تظن بتجاهلها لمكالماته بأنه سيفكر جدياً بخطوةٍ الزفاف؛ ولكن قدومه لهنا ليس بصالح ما تريد، استقامت يارا بوقفتها وهي تتحكم بانفعالاتٍ وجهها بحرافيةٍ، فطرحت سؤالها في استغرابٍ:
أنت رجعت مصر أمته؟.

درس كل تعبيراتها بصمتٍ وهدوء، توترها الملحوظ الذي تحاول أخفائه خلف صلابتها الزائفة، اقترب منها بقامته الطويلة حتى جلس على المقعد المقابل لمكتبها، جلست هي الأخرى وهي تنتظر إجابة سؤالها، إلى أن كسر الصمت قائلاً بصوتٍ رخيم:
لسه من شوية، يمكن لو كنتي لسه على تواصل معايا كنت قدرتي تعرفي ده..
عبثت بقلمها بارتباك، وهي تختار الكلمات المناسبة التي قد تخرجها من هذا المأزق، فقالت:.

أنا انشغلت الفترة الاخيرة بالعيادة والمرضى، أنت أكتر واحد عارف شغلنا صعب اد أيه!.
شملتها نظرات عينيه البنية وهو يختبر شعوراً غريب، ختمه بقوله الغامض:
اتغيرتي يا يارا..
انزعجت من طريقة تحليله لانفعالاتها فقالت بضيقٍ شديد:
مش هتبطل تتعامل معايا على اني مريضة، شغل الدكاترة النفسية ده بنعمله على المرضى بس يا دكتور!.

خوفها من ان يفضح أمرها كان كالكتاب المفتوح بالنسبةٍ اليه ورغم ذلك حافظ على اتزانه وهو يجيبها بابتسامةٍ غير متكلفة:
أنا بتعامل معاكِ عادي يا يارا...
ثم قال بغموضٍ وأصابعه تلهو باللافتةٍ الصغيرة التي تحمل أسمائها أمام مكتبها:
وبعدين أنتِ ليه منفعلة كده، أنتِ مش مرحبة بزيارة خطيبك ولا أيه!.

بللت شفتيها بلعابها حينما ذكرها بهذا الجزء الذي تمنت نسيانه يومٍ ما، نعم هي تدين له بكل شيء، فكان لها خير العون طوال فترة دراستها، كان خير الصديق الذي لم يتأخر عنها قط، حتى حينما تخرجت من الجامعة وجدت عملاً بانتظارها بمرتب مجزي في احد المشافي التابعة إليه، فحينما صرح لها بحبه وجدت ذاتها سعيدة بأن اليوم المرغوب في سد فاتورة جمايله المتعددة قد اتى وبالفعل تمت الخطبة ومن ثم التهت بعملها ثم قررت الهبوط لمصر حينما أرادها رحيم بأن تتابع حالة شجن عن قرب وحينها حدث ما لم يكن بالحسبان، فقد خفق قلبها عشقٍ لشخصٍ كان لها النجاة من موت محتوم عليها، وحينها وجدت دقات قلبها تناجيه بصمتٍ، حاولت وأرادت الابتعاد كونها منسوبة للأخر ولكن قلبها كان يقترب خلسة ورغماً عنها..

لم تكف عينيه عن دراسة كل فعلاً صغير ترتكبه من امامه، فقوس شفتيه العريضة وهو يباغتها بسؤالٍ أخر ونظراته المهتمة تسبر اغوراها:
قوليلي يا يارا، عملتي ايه في موضوع مروان؟.
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ، فجلت أحبالها الصوتية وهي تسعى للثباتٍ:
تقصد أيه!.
اجابها بخبثٍ ومازالت أصابعه تلهو بالقريب من يديه:
يعني كنتِ قولتيلي ان مراد طلب منك تمثلي عليه الحب لحد ما تقدري تغيريه ودورك هينتهى لما شهادته تبان..

ثم استكمل كلماته وهو يتطلع للعيادة من حوله بنظرةٍ مستنكرة:
بس اللي شايفه غير كده، انا شايف أنه بيتقرب منك بكافة الطرق وأنتي سماحله بده بداية من كلامه اللطيف لحد العيادة الجميلة دي..
نهضت عن مقعدها لترطم الطاولة من أمامها بعصبيةٍ بالغة:
قصدك ايه يا علي!.
وقف هو الأخر مقابلها والابتسامة الماكرة مازالت مرسومة على وجهه ذو البشرة الداكنة:.

مقصديش حاجة يا يارا، قولتلك اني حاسس انك مش سعيدة بوجودي وفعلاً حاسس ده، عموماً انا كنت نازل علشان نحدد معاد فراحنا أحنا بقالنا 3سنين مخطوبين يا يارا وماما مش بتبطل زن وأنتي عارفة كده كويس..
تحجرت الكلمات على لسانها، فلم تعد تجد ما يناسبها للحديث، طرقات على باب مكتبها فصلت الامر العالق من بينهما، ليدلف بعدها من لم تحبذ وجوده مطلقاً بهذا الوقت بالتحديد، ولج مروان للداخل وهو يتساءل بمرحٍ:.

فاضية ولا اجيلك وقت تاني يا دكتور!.
كانت بحالةٍ لا تحسد عليها، تحرر لسانها ناطقاً ببطءٍ:
تعالى يا مروان، مفيش حد غريب...
اقترب حتى وقف قبالة الشخص الغامض الذي يرمقه باهتمامٍ، فركت يارا أصابعها حتى كادت باقتلاعهما فكيف ستعرف حبيبها على زوجها المستقبلي!، بصعوبةٍ بالغة قالت في ترددٍ صريح:
ده دكتور علي صديقي وكان معايا في نفس الجامعة ومدير المستشفى اللي كنت بشتغل فيها بره مصر...

رفع مروان يديه بابتسامة لطيفة:
تشرفنا..
حدجه بنظرة مستكينة، توزعت بين وجهه ويديه الممدودة ليضعها اخيراً بيديه وهو يستكمل على باقي كلماتها عن قصدٍ:
وخطيبها..
صدمة كبيرة أفتكت به، فسرعان ما تحولت ابتسامته لتكشيرةٍ عظيمة وهو يردد بدهشةٍ:
أيه!.
ثم نقل نظراته ليارا التي فركت جبينها بقسوةٍ علها تكبت ما يدور بداخلها، فعنفت الاخير قائلةٍ بحدةٍ:
علي ممكن من فضلك تخرج وبعدين هكلمك ونتقابل..

رمقها بنظرةٍ قاتمة، أتطالبه بالخروجٍ وتركها مع رجلٍ أخر!، نظرات رجائها جعلته يرضخ لرغباتها، فسلط نظراته عليهما تباعاً قبل أن يغلق جاكيت بذلته بحدةٍ متعمداً فتح الباب بقوةٍ أفزعتها، وما أن غادر الغرفة حتى أخفضت نظراتها أرضاً في محاولةٍ بائسة لتخفي عينيها عنه، لم تقوى على مواجهته والأخر يسألها بصوتٍ غاضب للغاية:
أيه الكلام اللي بيقوله ده!، أنتِ كنتِ بتخدعيني يا يارا؟..

جلست على المقعد القريب منها حينما شعرت بعدم اتزانها فقالت بتوترٍ:
مكنتش قادرة أواجهك صدقني..
لم يكن يستوعب ما يستمع إليه، ظن بأنها ستنكر ذلك بل ستخبره بأنها مجرد مزحة فحسب؛ولكن صمتها، بكائها، جعله على يقين بأنها الحقيقة، خرج عن هدوئه الذي اتسم به رغماً عنه من شدةٍ الصدمة، فجذبها عنوةٍ لتقف من امامه وهو يسألها بصراخٍ عاصف:
فاهميني بتقولي أيه ومين الحيوان ده؟!.

أغلقت عينيها بقهرٍ وهي تجيبه بصوتها الباكي:
أنا مكنتش اعرف اني هحبك وهتعلق بيك كده، انا كنت فاكرة أني هساعدك تتغير وتكون شخص تاني وأرجع لحياتي من تاني بس من غصب عني لقيتني بحبك وبتعلق بيك وعلاقتي بعلي اتوترت لحد ما بقت منعدمة..
صدمات متتالية يتلاقاها واحدة تلو الأخرى وعقله يرفض تصديقها، ضغط على معصمها المحصور بين أصابع يديه الخشنة وهو يردد في عدم تصديق:
أنتِ بتقولي أيه؟.

كفت عن الحديث واستمرت هي بالبكاءٍ، حرر يدها ثم استدار بجسده للاتجاه الاخر عله يتمكن من تقبل ما استمع اليه، ليستدير مجدداً حينما توازن كلماتها بهدوءٍ، فباغتها بسؤالٍ اخر:
مين اللي طلب منك تغيرني!، وليه دخلتي حياتي من الأول..
تراجعت للخلف تلقائياً حينما اقترب هو منها، ارتجفت شفتيها رعب لما ستلاقاه، حاوط الحائط بيديه وأسنانه تصدر صوتٍ مخيف:
انطقي..
اجابته بدموعٍ:
مراد طلب مني كده..

ابتسامة ساخرة رسمت على جانبي شفتيه، فابتعد عنها ونظراته الحانقة تطلق شرارها دون أي رأفة بها، فأن كان يمقته مرة أصبح يكرهه ألف مرة، ساقته قدميه للخروج فقال دون أن يستدير لها:
براڤو عليكِ بجد، عمر ما حد عرف يخدعني ويكسرني زي ما عملتي..

وخرج على الفور علها لا ترى غيمة الحزن التي طافت به، اسرعت يارا خلف وهي تترقبه بدموعٍ، كانت تريد الحديث، توضيح علاقتها بعلي ولكنه لم يمنحها الفرصة فيكفى ما استمع اليه...

غادر للأسفل بغيظٍ حينما طالبته بذلك، فأخرج مفاتيح سيارته من جيب جاكيته ثم ضغط على الزر المتوسط لها لتعمل الكترونياً، واصل التقدم للوصول إلى باب القيادة ولكنه توقف فجأة محله حينما استمع لصوتٍ ملائكي يدندن من حوله بكلماتٍ اخترقت محجر القلب وكأنها لامست ما مر به، على الصوت بكلماته الحزينة، المناجية بنبرتٍ من الآسى..
«من لي سواك فأنت عمري، نبض قلبي والحبيب!..

إن سال دمعي ما وجدت غير عينك الطبيب..
كيف تتركني وحيداً تائهاً أمضي غريب!.
وجميع الخلق حوالي وأنت عن عيني تغيب؟..
أنا من قلبي المجروح، عن كل الحب ابوح، حبك قمراً اهواه وسر البسمة للروح...
يا مؤنس الروح تمهل في دربك نحو السماء...
ضع كفك المبتل دمعاً فوق رأسي والرجاء..
أبكي والقلب عليل، ما متى ستعود إلينا فأرسل لعيوني الدليل!، »..

انهمر الدمع من عينيها مع كل حرف دندنته مع عزفها لمقطوعتها المفضلة باستخدام البيانو، توقفت فطيمة عن الغناء وقلبها يئن بوجعٍ لا مثيل إليه، فأرتمت برأسها على جسد الييانو تنهار في صمتٍ..

اتبع الصوت كمن تلاقى سحراً فاتبعه كالمسحورٍ، كلماتها وصدق مناجتها أفتكت بقلبه المجروح هو الاخر، ساقته قدميه لغرفة بنهايةٍ الطابق الأول من عيادة يارا، ليجد فتاة ترتدي فستان أسود قاتم، تعزف على البيانو بأناملٍ من ذهب، انتباه الفضول لرؤية وجهها؛ ولكنه يقف خلفها بالتحديدٍ، التمس من عذوبة صوتها وصدق احساسها بأنها مثله تعاني من وجع الحبيب المهاجر، وحينما رآها تبكي هكذا أراد بداخله وبشدةٍ أن يعلم ما الذي اصاب تلك الفتاة ليجعلها هاشة هكذا، تمنى بالدقائق المبسطة التي قضاها على باب غرفتها ان تستدير ليرى وجهها ولكنه سرعان ما استعاد ثباته فغادر سريعاً لسيارته، لا يعلم بان القدر ساقه لعتبة بابها قصداً وبأنه سيربطهما رباط غامض عن قريبٍ...

خرت قواها فسقطت أرضاً تبكي بقهرٍ، فعقلها يفكر بالمنطق فأختار الرجل الذي ساندها بمركزه وماله وصداقته و قلبها أختار الرجل الذي خفق عشقٍ له وإهتاج شوقٍ لقربه، جذبت يارا هاتفها ثم طلبت احد الارقام لترقعه على آذنيها وما ان استمعت لصوته حتى رددت بدموعٍ:
مراد...

بقصر طلعت زيدان..
تحسنت صحته كلياً مما اتاح له فرصة العشاء لجوار عائلته ولأول مرة، ترأس المائدة وهو يوزع نظراته يميناً ويساراً بين الوجوه، الابتسامة داعبت قلبه قبل أن ترسم على شفتيه، شعر بلمسةٍ رقيقة على يديه فتحولت نظراته للجانب الايمن فوجد نجلاء تتمسك بيديه والابتسامة المشرقة تزين وجهها حينما قالت:
حمدلله على السلامة يا حبيبي..

اتسعت بسمته وهو يتأملها بنظرة عميقة كشفت جزء من الماضي المؤلم فقارنه بحاضره المرتبط بوجودها لجواره، قطع المجلس صوت يوسف الذي ولج للتو قائلاً بعبث:
أيه التهريج ده ازاي تبدوا من غيرنا..
وضعت نغم الأكياس عن يدها وهي تشارك زوجها الحديث:
مش قولتلك مش هيستنونا يا يوسف وانت برضه مصمم تقف تجيب بسبوسة!.
تعالت ضحكات آدم فجذب المقعد المجاور له وهو يشير له بالاقتراب ثم تساءل في اهتمامٍ غريب:
بالقشطة ولا سادة؟.

جلس لجواره وهو يجيبه بغمزةٍ مرحة:
لا بقشطة ومكسرات يا خفيف..
تعالت الضحكات سوياً، فانتبه يوسف لصوتٍ طلعت الوقور:
مبروك الفرع الجديد يا يوسف..
تعجب ببدأ الامر لمعرفته بأمر الفرع المنشأ حديثاً لمطعمه فلم يعلن عنه بعد ولكنه اجابه بسعادةٍ:
الله يبارك فيك يا عمي، انت السبب في الخير ده كله والله..
رفع اصابه وهو يشير له بنفي لما قيل:.

لا تعبك واجتهادك السبب، انت من الشباب اللي بقوا قلة اليومين دول، انا بفرح بنجاحك اكتر من اي حد من الموجودين لانك عملت نفسك بنفسك..
سعد لرأيه به، رغم أن لولاه لم يكن سيحقق شيئاً..
ابتسم جان وهو يشارك معهما الحديث قائلاً بمكرٍ:
ابسط يا عم طلعت زيدان بنفسه بيثني عليك..
ألتقط إياد بملعقته قطعة اللحم الشهي وهو يضيف:
دي مبتحصلش كتير يا يوسف بخر نفسك يا حبيبي الشباب هنا هيجيبوك الارض...
أضاف فارس بمشاكسةٍ:.

الارض بس، أنا لوحدي عيني توديك اللومان..
قال آدم هو الأخر:
في مصر دي!.
سادت الاجواء الضحكات العائلية التي تخترق اسوار عائلات زيدان لاول مرة، حتى الفتيات اشتركن بالحديث المرح فيما بينهما، على عكس سليم، فكان يرقب ريان الشادر، بالفترة الماضية يشعر وكأنه فقد ذاته لذا وبدون أي تردد ارسل له برسالةٍ نصية بان يجتمع به بعد العشاء لأمراً عاجل..

استمع جيداً لما قالته، وصمته خير برهانٍ لما يدور بخلده تجاه مروان، فكافة الطرق الذي يسلكها تنسد أمامه، خرج صوته المتزن اخيراً:
اهدي يا يارا ، متقلقيش انا هرجع مصر على أول طياره...

وأغلق هاتفه بعينين تشعان بالغموضٍ فعلى ما يبدو بأن أسرار الماضي حان وقتها لتكشف الآن بما يضاف مقتل ابيه ووالد حنين يعلم بأنه لم يرتكب خطأ مطلقاً، بل فخراً له بأنه قتل هؤلاء اللعناء ولكنه عليه خوض حرب من نوعٍ خاص، ستحتمه للوقوف أمام عائلته، فبداخله يخشى أن تضيع جهود رحيم وجهوده هباءاً لما ارتكبه ولكنه سيسعى لتقوية العلاقات مما عليه ان يخوض، ولكن تلك الخطوة لن يخطوها بمفردها، وقف قبالة نصفه الاخر، الداعم القوي له ليتحرر لسانه ناطقاً بثباتٍ:.

لازم نرجع مصر وحالا...
فتح رحيم عينيه في مللٍ وقد تسنى له المخفي وراء طلبه الغامض، ولكنه عليه أن يسعى هو الأخر لتبقى الروابط متينة وراء الاعصار الذي سيهاجم عائلته...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة